دراسات سياسية

التنمية و التنمية السياسية د. حسام الدين خلاصي..

أولا..تعريف التنمية :

1- لغة : التنمية من النمو أي ارتفاع الشيء من موضعه إلى موضع آخر ، مثلا نقول نما المال أي ازداد و كثر.‏

2- إصطلاحا: أثار مفهوم التنمية كثير من الجدل على جميع المستويات ( النظرية والعملية التطبيقية) وتحمل المؤلفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية العديد من التعاريف لهذا المصطلح، وكل منها تناوله من زاوية معينة حسب اختلاف الميادين و المناهج العلمية الخاصة بها.‏

ومن بين أهم التعاريف لهذا المصطلح نذكر مايلي:‏

1 ـ التنمية هي عملية الانتقال بالمجتمعات من حالة ومستوى أدنى إلى حالة ومستوى أفضل، ومن نمط تقليدي إلى نمط آخر متقدم كما ونوعا وتعد حلاّ لابد منه في مواجهة المتطلبات الوطنية في ميدان الإنتاج والخدمات) .‏

2- يقصد بالتنمية إحداث تطور في مجال ما بواسطة تدخل أطراف واستعمال أدوات من أجل الوصول إلى التطور والرقي، إذن التنمية هي عبارة عن عملية تدخليه أو هي تدخل إرادي من قبل الدولة وهي تحقيق زيادة تراكمية سريعة في الخدمات وهي تغير إيجابي يهدف به إلى نقل المجتمع من حالة إلى حالة أفضل.‏

3- عرفت أيضا) بأنها ذلك الشكل المعقد من الإجراءات والعمليات المتتالية والمستمرة التي يقوم بها الإنسان للتحكم بقدر ما في مضمون واتجاه وسرعة التغيير الثقافي والحضاري في مجتمع من المجتمعات بهدف إشباع حاجاته، أي أن التنمية ماهي إلا عملية تغيير مقصود وموجه، له مواصفات معينة بهدف إشباع حاجات الإنسان) .‏

الفرق بين مفهوم التنمية وبعض المفاهيم المشابهة لها: إن الكثير من الباحثين والأكاديميين والمتتبعين لموضوع التنمية يقعون في مغالطات وأخطاء هذا المصطلح أو المفهوم حيث يخلصون بينه وبين مجموعة من المصطلحات المشابهة له سواء من حيث التقارب اللغوي كمصطلح ) النمو) أو من حيث التشابه في المدلول كمصطلح التحديث أو التطور وغيرهم من المصطلحات المتقاربة لهذا المصطلح. وأهم الفروقات بين مفهوم التنمية وبقية المصطلحات تتمثل فيما يلي:‏

1- الفرق بين التنمية ومصطلح النّمو :‏

إن اصطلاح النمو يشير إلى عملية الزيادة الثابتة أو المستمرة التي تحدث في جانب معيّن من جوانب الحياة، أما التنمية فهي عبارة عن تحقيق زيادة سريعة تراكمية ودائمة خلال فترة من الزمن والنمو يحدث في الغالب عن طريق التطور البطيء والتحول التدريجي .‏

2ـ الفرق بين التنمية والتغير :‏

إن التغير لا يؤدي بالضرورة إلى التقدم والارتقاء والازدهار، فقد يتغير الشيء إلى السالب بينما هدف التنمية هو التغير نحو الأفضل بوتيرة متصاعدة ومتقدمة.‏

3- الفرق بين التنمية و التطور :‏

إن التطور مفهوم يعتمد بالأساس على التصور الذي يفترض أن كل المجتمعات تمر خلال مراحل محددّة ثابتة في مسلك يندرج من أبسط الأشكال إلى أعقدها. التقدم مصطلح يأتي كمرحلة أخيرة ونهائية بعد حدوث التنمية والتنمية الشاملة.‏

4- التنمية والتحديث:‏

كثيرا ما يكون الخلط بين مفهوم التنمية ومفهوم التحديث، فالأول يعني بالإضافة إلى ما رأيناه سابقا في التعريفات الزيادة في القدرة الإنتاجية بشكل يرفع مستوى المعيشة ماديا وثقافيا وروحيا مصحوبا بقدرة ذاتية متزايدة على حل مشاكل التنمية، أما التحديث فهو جلب رموز الحضارة الحديثة وأدوات الحياة العصرية مثل التجهيزات التكنولوجية والمعدّات الآلية والسلع الاستهلاكية، ولم تصمد نظريات التحديث أمام الانتقادات لسبب بسيط جدا وهو أنها تجاهلت الخصائص النوعية للعالم الثالث أو المتخلف، ووقوع هذه النظريات التحديثية أسيرة للنموذج الغربي، لأنها لم تهتم بحقيقة النمو الاجتماعي والإمكانات الذاتية للعالم الثالث .‏

التنمية السياسية :‏

بدأ الاهتمام عالمياً بموضوع التنمية السياسية منذ منتصف الستينات، وقد أصبحت التنمية بالمفهوم السياسي والاقتصادي والاجتماعي جزءاً لا يتجزأ من حقوق الإنسان. وهي بهذا التكامل تتحقق من خلال عملية تشاركيه بين الدولة ومؤسسات المجتمع المدني، غايتها الأسمى هو الإنسان، وتهدف بالنتيجة إلى قيام وتعزيز حكم رشيد تتوفر له الشرعية والقيادات الفاعلة.‏

يرى معظم الخبراء والباحثين أن المفهوم العام للتنمية هو مفهوم شامل وكلي لا يقبل التجزئة، ويحمل مضامين اقتصادية واجتماعية وسياسية، وأن أي تغيير أو تحول في أحدها يؤثر ويؤدي إلى تحول في البقية. ووفق هذا المنظور فإن التطور الاقتصادي والاجتماعي يؤدي إلى تطور في التنمية السياسية والممارسة الديمقراطية. كما ترتبط التنمية السياسية بتطور مؤسسات وأجهزة النظام السياسي، وبالقيم السياسية السائدة في مجتمع ما.‏

ويؤكد أساتذة العلوم السياسية على أن الهدف من التنمية السياسية هو المساواة في الحقوق و الواجبات، على أساس أن يتعرف المواطن على حقوقه وواجباته الدستورية كي يشارك مشاركة فعالة وإيجابية في الحياة السياسية‏

كما أن للتنمية السياسية عدة دلالات منها :‏

ــ مدلول قانوني سياسي يتمثل بسيادة القواعد القانونية .‏

ــ مدلول اقتصادي سياسي يتمثل بتحقيق العدالة بإشباع الحاجات المادية للمواطنين .‏

ــ مدلول إداري سياسي يتمثل بالقدرة على أداء الأدوار والوظائف في شتى الميادين .‏

ــ مدلول اجتماعي سياسي يتمثل بوجود مجتمع سياسي وثقافة سياسية معينة.‏

* ويرتبط مفهوم التنمية السياسية بتحقيق المشاركة في اطار سيادة القانون ، حيث تعني التنمية السياسية في هذا الإطار تأكيد حق المشاركة وتوسيع قاعدتها ، وتفعيل هذه المشاركة وما يرافقها من تحديث وتطوير للنظم والإجراءات والوسائل التي تكفل تحقيق هذه الأهداف.‏

* يتطلب إنجاح التنمية السياسية من الجميع العمل بإخلاص لخلق الظروف الملائمة. وهذه ليست مسؤولية الحكومة فقط، بل مسؤولية الجميع. لذلك فإن مشروع التنمية السياسية هو في التحليل الأخير خيار استراتيجي علمي وشامل ونهائي، وهو أحد المسارات الأساسية التي تجعل التقدم حقيقة واقعة في المجتمعات والدول.‏

* من الصعب أن تنجح التنمية السياسية في أي بلد، من دون وجود ديمقراطية حقيقية نشطة واستقرار سياسي وسلطة سياسية ترعى مطالب الأمة وتنفذها، وتحقق الوحدة الوطنية وتعزز مفهوم المواطنة والانتماء للوطن والمساواة بين المواطنين كافة، من دون تمييز.‏

* كما تهدف التنمية السياسية إلى التخلص من الأزمات التي تواجهها الدولة، مما يعني أنها مصلحة مشتركة للسلطة السياسية وللمواطنين، من أجل تحقيق الاستقرار السياسي الذي يبتغيه أي نظام سياسي. مما يتطلب من الجميع – مسؤولين ومواطنين- الاسهام في انتاج حالة جديدة تأخذ بعين الاعتبار كيفية التعامل بكفاءة مع التنمية السياسية.‏

ومن أجل خلق فرصة بين النظرية والتطبيق، في التنمية السياسية في أي مجتمع، فلا بد من توافر مقومات وشروط رئيسة:‏

1ــ اطلاق الحريات بين جميع فئات المجتمع الواحد، بعيدا عن الخوف والارهاب الفكري، وحماية الحريات المسؤولة لأنها هي عماد الديمقراطية.‏

2ــ وجود تعددية سياسية وفكرية ضمن الثوابت القائمة عليها أي مجتمع، من دون ادعاء طرف بامتلاكه الحقيقة أو حماية المصلحة الوطنية على حساب طرف آخر. فالجميع تهمه المصلحة الوطنية، مع التأكيد على القواسم المشتركة لمحددات المصلحة الوطنية. لأن ما يراه فريق من وجهة نظره قد يختلف عما يراه فريق آخر، لكن وبالحوار المسؤول يستطيع الجميع التوصل إلى ثوابت وطنية لا يجوز الخروج عنها. مع الأخذ بعين الاعتبار تغير نمط التفكير والممارسة لدى النخب السياسية المثقفة.‏

3ــ تحقيق المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين بغض النظر عن اختلاف انتماءاتهم. وعدم النظر إلى الدولة من زاوية المصالح الشخصية ومدى قدرة الفرد على الاستفادة منها، من دون أن يقوم الفرد بتحمل مسؤولياته الكاملة تجاه دولته. فإذا حصل على امتيازات كان من المدافعين عنها، وإذا لم يحصل على فوائد شخصية انقلب عليها وأصبح من المهاجمين لها من دون موضوعية.‏

4 ــ قيام أحزاب سياسية قوية، لديها القدرة على العمل في بيئة ملائمة بعيدة عن التحزب الأعمى واحتكار الوطنية. ومشاركة المواطنين في صنع القرارات ديمقراطيا من خلال المؤسسات الدستورية. وتسهيل عمل تلك الأحزاب على اساس أنها شريك في الحياة السياسية وليس طارئا عليها.‏

5ــ تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني والمرأة والشباب في الحياة السياسية لأنها تؤدي إلى خلق ثقافة سياسية واعية لمسؤولياتها في المجتمع المدني الواحد. مع الأخذ يعين الاعتبار خصوصية كل مجتمع ومراعاة الثقافة والتقاليد السائدة فيه.

6ــ سن تشريعات وقوانين تحمي حقوق الأفراد، إن كان على صعيد الحريات الفردية الخاصة، أو قوانين لها علاقة بالأحزاب السياسية والانتخابات تضمن للجميع مزاولة حقوقهم السياسية كاملة

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى