تحليل السياسة الخارجيةدراسات سياسيةنظرية العلاقات الدولية

الجدل النظري حول أولويات السياسة الخارجية الروسية

إن انهيار الاتحاد السوفييتي و ايديولجيته الماركسية، و ظهور روسيا كدولة منفصلة مستقلة، وتحديات ما بعد الحرب الباردة فرضت على روسيا إعادة تعريف مصلحتها الوطنية و إقامة تعديلات جوهرية حول مفهومها للإستراتجية الدولية و من ثم تحديد أولويات سياستها الخارجية، وكان من شأن ذلك أن قاد إلى نقاش عنيف حول أولويات السياسة الخارجية بين المنظرين، الخبراء، والممارسين الروس، والذي تجسد في شكل حوار بين مدارس نظرية تختلف في أسسها المفاهمية ومقاربتها للقضايا الدولية، وتقريبا فإننا نجد أغلب منظورات العلاقات الدولية الكلاسيكية( الواقـعية، الليبـرالية، الماركسـية )، و التي يمكـن تحديدها في مدرسة روسية للأفـكار: ( الأطلسيون، الأوراسيون، القوميون Derzhavniki).

       هذا الحوار لا يزال قائما دون أن يجد لا إستراتجية دولية واضحة ولا أساس نظري متين لتبرير هذه الإستراتجية؛ لأنه حوار ينطلق من أساس أيديولوجي أكثر منه نظري وذلك لثلاثة أسباب:

 1/ انهيار الماركسية التي شكلت الأساس التنظيري للعلوم الاجتماعية، وظهور أطر أخرى تبعا لذلك غربية أساسا.

 2/ أن المدارس الروسية رأت أن تستجيب أولا للتحديات التي يفرضها الوضع الجديد على السياسة الخارجية الروسية بدل الخوض في دراسات نظرية مجردة.

 3/ انتشار وسائل الإعلام المستقلة، وزيادة نفوذ “دبابات الفكر” Thinks Tank، وانتقال الأكاديميين من الجامعات العمومية إلى مراكز بحث خاصة، صحف، مجلات… ما جعل الدراسات الدولية أكثر شعبية.

       و في هذا الفصل سنحاول التمييز بين مختلف المقتربات النظرية و أطرها الفكرية التي نظرت لأولويات السياسة الخارجية الروسية بعد الحرب الباردة؛ لأن ذلك يقدم إطارا مساعدا لتحليل خطاب السياسة الخارجية لروسيا بعد الشيوعية.

المدرسة الليبرالية وأولوية الغرب -الأطلسيون.

لم تخرج المدرسة الليبرالية الروسية عن الإطار العام الذي رسمه الليبراليون و الليبراليون المؤسساتيون لسلوك للدولة في علاقاتها الخارجية ويبرز ذلك من خلال ما يلي:

* ركزت في تحديد أولويات السياسة الخارجية الروسية على عولمة الاقتصاد، الذي عزز التوجه نحو إدارة عالمية للإصلاحات السياسية و الاقتصادية، وزادت أهمية الأطر القانونية الدولية بفضل مؤسسات ومنظومات دولية تضمن استقرار النظام الدولي و تقلل من فوضويته.

* تعتقد أن مستقبل النظام الدولي لم يعد محدد بالتنافس بين القوى الاقتصادية الكبرى، بل بدينامكية التعاون الاقتصادي المشترك و الاعتماد المتبادل، لذا يقللون من أهمية التفكير الجيوبولتيكي ويقترحون استبداله بالتفكير الجيواقتصادي From Geopolitic To Geoeconomic.

* يعطون الأولوية لقضايا السياسة الدنيا “الاقتصاد” على حساب السياسة العليا “الأمن العسكري”؛ لأن المشاكل التي يثيرها الانحراف الاقتصادي أخطر من توسيع الناتو. و من ثم فهم يتبنون مفهوما للمصلحة الوطنية يرتكز على توازن المصالح لا توازن القوى.

* يعتقدون أن مؤسسات الغرب هي تجمع لدول ديمقراطية، ووفقا لنظرية السلام الديمقراطي الليبرالية، فإن النزاعات لا يمكن أن تندلع بين الديمقراطيات.

و عمليا تركزت المحاورة الليبرالية الواقعية حول أولويات السياسة الخارجية في مسألتين:

1/ العلاقة مع رابطة الدول المستقلة: و بهذا الصدد يرى Zagorski أن انشغال روسيا بالمنطقة لا يجب أن ينصرف إلى النقاش حول التفكك أو التكامل فقط، بل يجب يطرح على أساس هل هو تكامل أيديولوجي أم بناءا على الديمقراطية و اقتصاد السوق كما هو الحال في الاتحاد الأوربي.

2/ توسيع الناتو: يرون فيه آلية لمأسسة التفاعل مع الغرب و لا يشكل خطرا على روسيا، بل هو أكثر ضمانا لأمنها لثلاثة أسباب:

  • لو نجح الحلف في التوسع نحو دول شرق و وسط أوربا المعادية لروسيا Anti-Russian؛ فإنها ستصبح بعد ذلك أكثر عداءا لموسكو .
  • توثيق التعاون مع الحلف سيضمن تكفل الأخير بالتعامل مع “قوس الأزمات” جنوبا.
  • توسيع الحلف سيسمح لروسيا بالانشغال بالإصلاحات الداخلية.

ويبررُ الليبراليون هذا التوجه بأنه لا يعني الالتحاق بالمؤسسات الغربية، لكن استخدام التعاون

معها لتسهيل اندماج روسيا في الاقتصاد العالمي و مجموعة الدول الديمقراطية.

       في الحقيقة، لقد شكلت هذه الأطروحات الخلفية النظرية لمدرسة الأفكار الروسية الموالية للغرب “Westernisers  “ Atlanticists، التي كان لها وجود بارز في الدوائر الاكادمية ، وبين شرائح المثقفين و رجال الأعمال، بل وشغلت مناصب عليا في أجهزة صنع القرار( الرئيس يلتسين، مستشاره ألكسندر ريسكوي ، وزير الخارجية أندري كوزيراف)، والاقتصاديين الاصطلاحيين( إيجور جيدار،أناتولي شوبايس، سيرجي كيرنكو).

       هذا التوجه يجد جذوره الأولى في سياسة التفكير الجديدة New Thinking التي جاء بها الرئيس غورباتشوف ( توازن المصالح بدل توازن القوى، مبدأ الأمن الجماعي، الاعتماد المتبادل )

       يرى الأطلسيون مستقبل روسيا في الانضمام إلى حلف آمن وجار قوي؛ فالخيار الأكثر أمنا لروسيا هو التحالف الوثيق مع الاتحاد الأوربي و حلف الناتو ودخول الاقتصاد الغربي، و مؤسساته المالية، التجارية، العسكرية…، وتحديد مسافات متقاربة مع واشنطن؛ فهذا الخيار يحميها من أي خطر قد يأتي من الشرق ، ويسمح لها بإيلاء اهتمام أكثر بالمشاكل الداخلية ، ويعزز موقعها الدولي في نفس الوقت.  فروسيا تاريخيا تنتمي إلى الحضارة الغربية ” المسيحية”.

       يرى الأطلسيون أن عقيدة السياسة الخارجية الروسية يجب أن تخفض النشاطات العالمية للاتحاد السوفييتي، و أن ترفض السياسة الامبريالية و الأيديولوجية؛ لأن ذلك سيفتح مجالا رحبا أمام الإصلاحات الداخلية و الانبعاث الوطني، وفي نفس الوقت عدم الانعزال الدولي.

       و لأن أفكار هذه المدرسة هيمنت على دوائر صنع القرار الروسي، إضافة للنقاشات الأكاديمية حول السياسة الخارجية الروسية في فترة الرئيس يلتسين، خاصة الأولى منها؛ فإن توجهات السياسة الخارجية كانت متجهة بشكل واضح نحو الغرب.

المدرسة الجيوبوليتيكية وأولوية أوراسيا -السلافيون ،الشيوعيون-

أثارت سياسة يلتسين-كوزيراف الخارجية ردود أفعال غاضبة من عدة سياسيين ومفكرين روس، ولهذا حاولوا تطوير مفهوم بديل للسياسة الخارجية.و منذ 1992 أصبح تيار الأوراسية بديل حقيقي النظريات المتغربة، التي هيمنت على مجالي التنظير وصنع القرار في السياسة الخارجية الروسية منذ 1989. هذا التيار الذي أصبح مشهور بين أوساط المفكرين وبعض صناع القرار يجد جذوره في:

  • مدرسة فلسفية روسية تأسست في 1920، تؤكد على تفرد موقع روسيا Uniqueness.
  • نظرية ماكيندار عن أوراسيا قلب العالم Heart Land Theory.

يعتقد الأوراسيون أن الحكومة أولت أهمية أكبر للغرب في سياستها الخارجية، بينما أهم احتياجات روسيا هي في الشرق و الجنوب؛ فأوراسيا هي المخرج الأقل صعوبة لكي تستقر روسيا على هوية حضارية، وهي التي تستطيع من خلالها التحرك بأكثر مرونة وقدرة على التأثير.

يشكل هذا التيار الخلفية النظرية و الفكرية لمدرستين هما: السلافية و الشيوعية، الذين قد يختلفون بشأن قضايا عديدة، لكننا نجدهم يتفقون حول أولوية السياسة الخارجية، التي يجب أن تقلل اعتمادها على الغرب.

1/ السلافيون: و يحددون أولويات السياسة الخارجية كما يلي:

* زيادة على الوضعية الجيوبولتكية الفريدة يؤكدون على الاختلاف الحضاري بين الشرق والغرب كما يشير Elgiz Pozdnyakov:

 ” ليس الموقع الجيوبولتكي لروسيا وحيدا من نوعه فقط، حقا إنه مصيري للعالم..إن من أهم جوانب هذا الموقع أن جعل من روسيا تقع بين حضارتين وجعلها حامي طبيعي للتوازن الحضاري وكدا لميزان القوى العالمي “

* يدعون إلى تأسيس سلطة مركزية قوية، ولا يخشون إحياء الإمبراطورية الروسية.

       * يعارضون المساعدات الغربية، ويقترحون اعتماد روسيا على نفسها.ويعارضون الانضمام إلى مؤسسات الغرب الاقتصادية، السياسية، العسكرية.

       * أولوية السياسة الخارجية يجب أن توجه إلى حماية الأقليات في الجمهوريات السابقة.

       * يقترحون تغيير الأولويات الجيوبولتكية الحالية، من خلال توثيق العلاقات الاقتصادية و السياسية مع رابطة الدول المستقلة، ثم تأتي أوربا الشرقية في المرتبة الثانية، يليها التعامل مع قوس الأزمات جنوبا مع الأقليات الإسلامية، واعتماد الدول الأسيوية كشركاء اقتصاديين وتجاريين واعدين ومصدر استثمار للاقتصاد الروسي، والتعاون مع الصين والهند كركيزة للأمن الجماعي الأوراسي، وأخيرا يقترحون الإبقاء على مستوى منخفض نسبيا في التعامل مع الغرب.

       لكن تأثير هؤلاء في أجهزة صنع القرار كان ضعيفا؛ بسبب نفوذ الليبراليين في المرحلة التي تلت الانهيار مباشرة.

2/ الشيوعيون: ويمثلهم الحزب الشيوعي الفدرالي الروسي وزعيمه Gennady Zyuganov، وهم يؤكدون أن المصلحة الوطنية الحقيقية لروسيا مستمدة من تاريخها؛ ويتألف من الحفاظ على الدولة ووحدتها الترابية و الروحية، ودولة قوية قائمة على التعددية العرقية و الدينية من أجل مواجهة التحديات الخارجية التي تضاعفت مع نهاية الحرب الباردة، والتي حددها الشيوعيون فبما يلي:

  • القوى الجديدة التي يمكن أن تحاول تغيير وضعيتها الإقليمية إلى عالمية، وبالتالي يمكن أن تغير ميزان القوى العالمي (اليابان، ألمانيا، الصين، الهند )
  • تزايد الإقليمية في العالم مثل الاتحاد الأوربي EU و النافتاNAFTA و الأسيانASEAN…
  • تراجع أهمية قدرة الردع النووية.

و لتجنب مزيد من الضعف في مكانة روسيا الدولية اقترحوا ما يلي:

  • عدم توسيع عضوية مجلس الأمن؛ لتبقى روسيا ضمن الخمس الكبار في العالم.
  • تعزيز دور مجلس الأمن في حفظ السلم وتسوية النزاعات.
  • تحسين نظام عدم الانتشار النووي.
  • رفض تحويل الناتو إلى المنظمة الرئيسة للأمن في القارة بدل منظمة الأمن والتعاون في أوربا OSCE.

وبالنسبة للأولويات الجيوبولتكية فيحددونها كالأتي:

1- في المرتبة الأولى رابطة الدول المستقلة؛ فهم يعتقدون أن الاتحاد السوفييتي حُل بطريقة غير مشروعة، وهم يحاولون تعزيز إعادة توحيده، لكن مع استبعاد خيار القوة.

2- تكثيف التعاون مع دول العالم الثالث بدل الغرب؛ لأنها تعاملها من منطلق متساوٍ، لا متعال مثل الغرب، لذا يدعون إلى استعادة العلاقات التقليدية مع الأصدقاء و الحلفاء( العراق، كوريا الشمالية،

كوبا، ليبيا )، لأنها تقدم خدمة للصناعة العسكرية الروسية.

3- القبول بالانفراج في العلاقات مع الصين، والاستفادة من النموذج الصيني الإصلاح.

       لكن خلافا للمحيط الداخلي، لم يقدم الشيوعيون أفكارا متماسكة، بل مجرد بيانات و ملاحظات داخل البرلمان، جعلت من الصعب بناء عقيدة شيوعية للسياسة الخارجية؛ لهذا لم يستطيعوا التأثير في الخطاب الدبلوماسي الروسي الفكري والعملي.

المدرسة الواقعية:أنصار روسيا القومية     Derzhavniki

       لا تكاد تخرج المدرسة الواقعية الروسية عن فرضيات الواقعيين و أهم مبادئها:

* تؤكد على ضرورة ربط السياسة الخارجية بالمصلحة الوطنية والتي يحددها Stankovich في الاعتماد على النفس، منع مزيد من الانهيار، إنشاء نظام ديمقراطي، كبح الامبريالية و الدكتاتورية، ضمانات فعالة للأقليات الروسية في دول الجوار، و بناء دولة قوية مع سياسة خارجية ثابتة.

* يعطي الواقعيون الأولوية لقضايا “السياسة العليا” الأمن العسكري، والذي يجب أن يتضمن التهديدات الموجودة و الممكنة على الأمن الروسي ومن ثم توظيف آليات داخلية و خارجية للحد منها، فهم يعتبرون أن الأمن القومي أولى من الأمن الجماعي.

* السياسة الخارجية لروسيا يجب أن توجه من خلال مبدأي التقييد الذاتي و الاكتفاء الذاتي؛ أي الاعتماد على النفس Self-Help بتعبير الواقعية الكلاسيكية.

* ضرورة تبني المنطق أو الإيديولوجية الدولتية Statist، لضمان السيادة، إنقاذ الخيار الديمقراطي، و مواجهة المتطرفين.

* يرفضون الاختيار بين الشرق و الغرب، ويعتقدون أن روسيا هي أوربية و أسيوية في نفس الوقت، لذا يجب أن تختار طريقا ثالثا بين الشرق و الغرب Third Way وأن يكون جسرا رابطا بينهما. وبهذا الصدد اقترحAbratov أنه لتفادي الصراع بين الشرق و الغرب، فإن منظمة الأمن والتعاون في أوربا يجب أن تصبح بادل الناتو أهم منظمة للأمن الجماعي في القارة، أو على الأقل توسيع الحلف على فترات دون أن يشمل دول البلطيق؛ فروسيا يجب أن تعارض تحويل أوربا إلى نظام سياسي-عسكري مغلق، كما يجب أن تعارض ظهور قوة إقليمية مهيمنة، ومن الأفضل الحفاظ على الطابع المتعدد الأقطاب في أوربا ؛ إنه إذا توازن القوى بدل توازن المصالح.

       لقد شكلت أطروحات الواقعيين الخلفية النظرية و الفكرية للمدرسة المعروفة في روسيا بـ

Derzhavniki أو Gosudarstvenniki أي (أنصار قوة الدولة) ، وهو مصطلح يشير إلى الدفاع عن دولة قوية يمكنها الحفاظ على النظام، إنها مدرسة تطرح نفسها بصيغة نيوسوفييتية معدلة جغرافيا ومنقحة أيديولوجيا.

       يعتقد هؤلاء أن موسكو عليها أن لاتسع إلى تأسيس الإمبراطورية الروسية، وألا تنافس على النفوذ العالمي؛ فهذه الخطوة قد تقودها نحو العزلة، وفي نفس الوقت يشككون في رغبة وقدرة الغرب على مساعدة روسيا على تحقيق الاصطلاح ويتهمونه بمحاولة تطبيق سياسة احتواء جديدةNew Containment Policy.

       أما التركيز على الجوانب الداخلية فلا ينبغي أن يمنع من إتباع سياسة خارجية نشطة نحو مختلف أنحاء العالم، دون الاختيار بين الشرق والغرب في توجيهها بل وجوب نهج الطريق الأوراسي الذي يتبنونه لثلاثة اعتبارات:

  • كإستراتجية لمواجهة العودة القوية للقوميين و الشيوعيين.
  • كرد فعل على تباطؤ الغرب في قبول روسيا ضمن مؤسساته.
  • إدراكهم لموقع روسيا المتميز، والحاجة إلى إبقاء التوازن بين الشرق والغرب.

وبالنسبة للأولويات الجيوبولتكية فيحددها Rogov في ثلاثة دوائر بالترتيب كما يلي:

1    / رابطة الدول المستقلة: أهداف السياسة الخارجية الروسية في هذه المنطقة تتمحور حول

منع ظهور أنظمة معادية، أو ظهور نزاعات عرقية-دينية، تأسيس علاقات جيدة مع الجيران، حماية المواطنين الروس.وكل هذا دون التموقع العسكري، و إنما باعتماد الوسائل الدبلوماسية، وذلك لا يتم إلا إذا أصبحت روسيا جذابة لجيرانها.

     2/ أوربا الشرقية، الشرق الأوسط، الشرق الأقصى:بالنسبة للأولى، مصلحة روسيا تكمن في منعها من التوجه غربا، لذا يجب النظر إليها من خلال مبادرات ذكية في جميع الميادين . أما سياسة روسيا تجاه الشرق الأوسط، فيجب أن تحددها مصالحها في القوقاز و آسيا الوسطى ؛التي تهدد وحدة وأمن روسيا ( الأصولية الإسلامية )، ومع ذلك يجب تجنب المواجهة مع الدول الإسلامية، وتطوير علاقات المنفعة المتبادلة معها. أما مصلحة موسكو في الشرق الأقصى، فتتحقق ببقاء دور سياسي و عسكري أمريكي محدود في المنطقة؛ لأن انسحاب أمريكي قد يؤدي إلى إعادة عسكرة اليابان في ضوء النمو الاقتصادي والعسكري الصيني، والصراع بين اليابان    و الصين يمكن أن ينتقل إلى روسيا، لذا مصلحة روسيا هي في بقاء نظام أمني متعدد في المنطقة.

       3/ الغرب(الولايات المتحدة و أوربا): يعتقد الواقعيون أن نظرة روسيا إلى الغرب يجب أن تنطلق من مصالحها الأكثر حيوية مثلا(الحفاظ على نظام الأمن الأوربي المشترك،مراقبة التسلح، منع أي تحالفات أو حشود عسكرية في الدول المجاورة لها)، كما يجب على موسكو تجنب الخلاف مع واشنطن بشأن خلافات ثانوية(حول إيران، تحويل التكنولوجيا النووية إلى الصين و الهند).أما عن توسيع الاتحاد الأوربي و حلف الناتو، فلا يعارضون الأول ويرون الثاني محددا لنظام الأمن الأوربي، لذا لا يقترحون إلغائه و يعتقدون أن توسيعه لا يجب أن يكون على حساب الأمن الروسي، ولا على حساب دور موسكو كقوة كبرى مستقلة في محيط نفوذهاSpheres Of Influence

       وفي أجهزة صنع القرار، فإن هذا التيار تكون أساسا من ثلاثة قوى رئيسة هي: اللوبي الصناعي، العسكريين الفدراليين، والبيروقراطيات المدنية، وقد نشأ لتجاوز الأزمة في التفكير حول أولويات السياسة الخارجية الروسية بعد الحرب الباردة، والتي تولدت عن الصراع بين الأطلسيين و الأوراسيين. وقد زاد دوره بعد انتخابات 1993 التي توجت Vladimir Zhirinoskiy رئيسا للوزراء، ووزير الخارجية Yevgeny Primakov الذي عوض كوزيراف منذ 1996.

 وقد كان لأفكار هذا التيار دورا كبيرا في تبني مفهوم ” الأمن الوطني الروسي الجديد ” في 1997 التي عدلها الرئيس فلاديمير بوتين في 2000، وتضمنت التأكيد على مسألة تأمين الأمن القومي، والحفاظ على سيادة البلاد ووحدة أراضيها، وتلخصت توجهاتها في : أوراسيا، فالتركيز يبقى منصبا أساسا على المجال السوفييتي السابق، ويرسم لنفسه أولويات تحددها روابط المصلحة و التاريخ و الثقافة… ،  نحو الشرق،  التركيز على الصين و كوريا الشمالية و فيتنام و النمور الأسيوية. جنوبا، التركيز على إيران و إسرائيل و التعامل بحذر مع تركيا؛ لأنها حاضرة عبر إرثها التاريخي في روسيا. أما الغرب، فالتركيز ينصب نحو ألمانيا، مرورا بفرنسا، لتبقى بريطانيا في المرتبة الأخيرة ضمن سلم أولويات روسيا في أوربا.أما عن العلاقة مع الولايات المتحدة، فهي كما وصفها مايكل فاكفول بأن موسكو ” تسعى إلى إتباع نهج وسط بين الإفراط بالترابط و بين فك الارتباط الفعلي “. ومن خلال مقارنة ما جاء في هذه الوثيقة التي تبناها بوتين كعقيدة للسياسة الخارجية مع أطروحات الواقعين، يتضح أن الرئيس الحالي لروسيا ينتمي إلى هذه المدرسة الفكرية ويسعى إلى تجسيد أفكارها في الممارسة العملية.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى