الحرب العسكرية و الإقتصادية بين إسرائيل و قطاع غزة

بعد الربيع العبري و فرحة التطبيع الإسرائيلي – الخليجي شهدت فلسطين الجريحة و المغتصبة نكبة جديدة في قطاعها الغزاوي التي تمثل إنتهاكا صارخا لسيادة دولة مجاورة و عملية إجرامية منظمة من قبل دولة أخري. إذ مثلت العملية العسكرية الجبانة التي قام بها جيش العدو بنخبته و أجهزته من الشباك و الموساد و غيرها طعنة خنجر في ظهر عملية السلام و نسف كلي بما يسمي صفقة “القرن” التي تحولت إلي صفقة “الفرن” في قطاع غزة. فهذه الحرب بدأت تتصاعد يوما بعد يوم بعد إفشال تلك العملية و قتل العديد من الجنود و الضباط الإسرائيليين و كذلك سلسلة إطلاق الصواريخ علي بعض المدن الإسرائيلية من قبل الحركات الإسلامية مثل الجهاد الإسلامي و حركة حماس الإسلامية و كتائب القسام الإسلامية و فيلق القدس الإسلامي و غيرها من الحركات الإيرانية الثورية الإسلامية و أنصار الشيخ حسن نصر الله و حسن روحاني. فتلك العملية العسكرية تذكرنا بأعمال حسن الصباح قائد دولة الحشاشين الإيرانية و أعمال هولاكي خان تجاه الأبرياء و المسلمين. بالتالي يمثل هذا التصعيد من الجانبين نذير خطر في المنطقة و إمتدادا ليد الحرس الثوري الإيراني في قطاع غزة و فلسطين. أما بخصوص إطلاق الصواريخ الورقية المشتعلة التي حرقت العديد من المزارع و محاصيل القمح لم تأتي من فراغ بل هي عمليات إستفزاز و كمين لجيش دولة إسرائيل التي لا تقهر حسب تصريحات رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو فتبين بعد تلك العملية الفاشلة أنها أوهن من بيت العنكبوت كما قال عنها الشيخ حسن نصر الله. إذا هنا لا لتجميل للوجه القبيح للعدوان و لا لتلميع صورة الإحتلال الإيراني لمنطقة الشرق الأوسط بل هنا يجب أن نحدد من المسؤول الحقيقي عن إفشال تنفيذ بنود صفقة القرن و من يسعي لوضع العراقيل في وجه الطرف الأمريكي و الخليجي المبادر لإيجاد تسوية دائمة و عادلة بين إسرائيل و فلسطين و جميع الدول العربية و ذلك بعد نكسة حرب الأيام الستة سنة 1967.

إن نظرية التفوق العسكري الإسرائيلي علي جميع الدول العربية في المنطقة تخضع لأسلوب الترهيب و الترغيب بشتي أنواع الأجهزة قصد إركاع الحركات الإسلامية بقطاع غزة و التي هي في المقابل لا تركع إلا لله عز و جل. فقد أصبحت تلك العملية الأخيرة تصنف كصفعة مؤلمة لدولة إسرائيل أو دويلة إسرائيل كما يحلو تسميتها من قبل القيادات الثورية الإيرانية و مشتقاتها في قطاع غزة و جنوب لبنان. علي الرغم من أن الحليف الروسي في منطقة الشرق الأوسط لبعض الدول العربية يسعي دائما لتهدئة التصعيد اللفظي و العسكري, إلا أن بعض الجهات و الحركات الإسلامية دائما تسعي لقذف العبارات السيئة علي حمائم السلام مثل ملوك و أمراء الخليج أو علي الزعيم الفلسطيني أبو مازن و يبقي شعارهم فقط زوال إسرائيل و موت عملاء الشيطان الأرعن أمريكا و إسرائيل. هذا الخطاب الخشبي و الأجوف لبعض الحركات الإسلامية يمكن أن يؤدي بالنتيجة إلي إنفجار كلي للمنطقة و إنجرافها نحو حرب بين إيران و حزب الله و حركة حماس مع دولة إسرائيل. لكن يجب الأخذ بعين الإعتبار المصالح الأمريكية و الروسية في منطقة الشرق الأوسط و التي لا ترغب بأي حال من الأحوال للتصعيد العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة و التلويح بحرب تشمل المنطقة كلها مع فرض حصار إقتصادي و غلق جميع المعابر لتحويل ذلك القطاع إلي سجن أبوغريب. كما تحولت عملية تصعيد الحرب العسكرية و الإقتصادية علي قطاع غزة إلي مأساة حقيقية تضر مباشرة بالحياة اليومية و القدرة الشرائية للمواطن الغزاوي الفقير و الضحية للأطماع السياسية في المنطقة. علي الرغم من هرولة بعض الدول الخليجية نحو التطبيع الإقتصادي و التجاري مع دولة إسرائيل و بإقامة مشروع القرن المتمثل في مد خط سكك حديدية عملاق ينطلق من مدينة حيفا متجها نحو المملكة العربية السعودية ثم سلطنة عمان و دولة الإمارات العربية المتحدة و قطر و البحرين و الكويت قصد تسهيل حركة التجارة و السفر مع الكيان الصهيوني, إلا أن جوهر القضية لم ينتهي بعد تماما بحيث يبقي الخطر قائم بين الطرفين مثل القنبلة الموقوتة و لا يوجد إلي حد الآن حل  لسلام دائم أو مبادرة تهدئة حقيقية قصد تطبيق صفقة القرن الأمريكية. إذا هذه الحرب تدق جرس حرب شاملة يمكن أن يقع فيها العديد من الضحايا خاصة بعد إصابة العشرات من المواطنين الإسرائيليين نتيجة لإطلاق الصواريخ المتكررة علي عسقلان و الخضيرة.

كما أن المجلس العسكري الإسرائيلي الذي ترأسه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خرج بنتيجة سلبية له تسببت بإستقالة اليهودي المتطرف وزير الدفاع الصهيوني أفغدور ليبرمان و هذا دليل فشل عسكري واضح و نكسة لقوة إسرائيل التي لا تقهر و الضاربة بقبضة من حديد ضد أي عدوان عربي و لو كان من قبل جميع الدول العربية مجتمعة معا. إلا أن حركة إسلامية أو مجموعة صغيرة جدا ضربت حكومة العدو الإسرائيلي في الصميم و مثلت له تهديد لمصير الإنتخابات الإسرائيلية القادمة و ذلك في أواخر سنة 2019. بالإضافة إلي ذلك البديل لوزارة الدفاع الإسرائيلية من المرجح لن يكون جيدا و خاصة أن المترشح لمنصبه هو نفتالي بينيت الذي يكن كره شديد لحركة حماس و بالتحديد لزعيمها إسماعيل هنية و خالد مشعل بحيث من المحتل ستتجه الأمور إلي حرب طويلة الأمد علي كامل مخيمات قطاع غزة. أما الإنتخابات القادمة في ضل هذا التدهور الأمني و التصعيد الحربي اليومي ستتجه نحو التأجيل مع بروز نجم المتطرف أفغدور ليبرمان الأوفر حظا لخلافة بنيامين نتنياهو مع غياب كلي لحزب العمل بعد إنسحاب رموزه الكبار مثل إيهود باراك و بنيامين بن أليعازر إما بالإعتزال أو الموت, كذلك إحتراق حزب كاديما أو إلي الأمام بين تسيبي ليفني و هيرتزوق. إن العمليات الأخيرة ستشكل تهديد للجانبين و ستكون تكلفتها سياسية علي الحكومة الإسرائيلية و إقتصادية علي قطاع غزة الذي يعاني بدوره من حصار جائر علي شعب مضطهد لا ينعم أفراده بالحياة الكريمة. بالإضافة لذلك ستتكبد الميزانية الإسرائيلية عبء مالي ضخم خاصة إذا دخلت أطراف أخري الحرب و بالتحديد حزب الله الإيراني الذي يكن كره شديد لدويلة بني صهيون حسب مفردات تعبيرهم.

فؤاد الصباغ – باحث اقتصادي دولي

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button