الحرب على الفساد: المكسب التكتيكي والخسارة الإستراتيجية

عامر مصباح
جامعة الجزائر 3

تتطلب فعالية الحرب على الفساد برنامج سياسي يوافق عليه الشعب بواسطة الاقتراع العام، الذي تنبثق عنه حكومة منتخبة ديمقراطيا تحظى بتأييد شعبي، ووجود دولة تتمتع بقضاء مستقل عن السلطة التنفيذية؛ لكن في ضوء الأوضاع الحالية السياسية والتنظيمية القائمة، فإن العملية تتطلب الحسابات العقلانية المتروية التي تراعي الأرباح والخسائر من وراء كل خطوة؛ بحيث يتم تنفيذ العدالة في حق المنتهكين للقوانين وفي نفس الوقت حماية حقوق المجتمع المستفيد من المشاريع التي تقودها شركات رجال الأعمال المتهمين بالفساد.
تقتضي العقلانية المتضمنة المصلحة الوطنية الاحتفاظ بالشركات التي تدير مشاريع تنموية أو إنشائية وتوظف آلاف العاملين لديها كجزء من إنجازات الدولة والمجتمع، وفي نفس الوقت كبح هذا الوحش المارد الذي تخطى كل الحدود المعقولة. إن العقلانية السياسية والاقتصادية في المقام الأول قبل الصرامة القانونية الجافة، تقضي القيام بالحسابات الدقيقة حول مستقبل عملية الاستثمار ومساهمة القطاع الخاص في نمو الاقتصاد الوطني، الذي هو أحد المعايير الاقتصادية المطلوبة من قبل المؤسسات العالمية.
إعلان الحرب المندفعة بلا روية ضد الفساد (التي هي نتيجة للصراع على السلطة في المقام الأول) بدون وجود رئيس للدولة منتخب ديمقراطيا، سوف تكون انعكاسا لإرادة انتقائية وانتقامية من أجل تحقيق أهداف سياسية آنية (تهدئة الحراك الشعبي)؛ وبدون فعالية في الحد من نفوذ ليفينتان الفساد، لسبب بسيط أن الدولة في حالة ضعف ولا تستطيع المقاومة على كل الجبهات.
من المنظور المستقبلي، ملاحقة رجال الأعمال بهذه الطريقة التشهيرية سوف تغذي إرادة استنزاف الاقتصاد الوطني في المستقبل عبر إرسال رسالة خاطئة لكل مستثمر في الحاضر أو المستقبل بأن لا مكان آمن لماله إلا في البنوك الأجنبية؛ وهكذا تغذي الطريقة الخاطئة للحرب على الفساد مزيدا من فرار رؤوس الأموال، بالإضافة إلى تصعيد المخاوف حول مستقبل النمو الاقتصادي. هناك الكثير من الإجراءات يمكن اتخاذها لملاحقة الأموال في الخارج بدل الداخل مثل اتفاقيات التعاون حول محاربة غسل الأموال، التهرب الضريبي، تسليم المجرمين…
كانت لدينا تجربة مع مجمع “الخليفة”، الذي طوّر الكثير من الاستثمارات مثل شركة الطيران التي كانت خدماتها متقدمة جدا عن شركة الخطوط الجوية الجزائرية، وكذلك الأمر بالنسبة للبنك. كانت معالجة الفساد الذي تورط فيه خليفة مأساوية بحيث تم حرقه إعلامية وتدمير كل تلك المكتسبات التي أنجزت بأموال الشعب، ولم تصل المحاكمات القضائية إلى نتائج وظيفية ونفعية للاقتصاد، عدا سجن بعض الموظفين البسطاء الذين كانوا مجرد كبش فداء.
يملك رجال الأعمال الذين وردت أسماؤهم في وسائل الإعلام، الكثير من الشركات التي أسست بأموال الشعب، ويعمل فيها أبناء الشعب؛ وليس من العقلانية السياسية والمهارة الاقتصادية زيادة تبديد هذه الثروات والأصول تحت عنوان مكافحة الفساد، وإنما لابد من البحث عن خيارات أخرى مثل التفاوض معهم للمحافظة على الشركات وحفظ حقوق البنوك الوطنية، والمحافظة على المناخ الآمن للاستثمار الوطني الأجنبي.
صحيح الطريقة التي تجري بها عملية الحرب على الفساد سيبتهج لها الحراك الشعبي (كسب تكتيكي)، لكن في نفس الوقت تفتح أمام رجال الأعمال الآخرين الطريق واسعا نحو المناطق الآمنة وفي مقدمتها تونس، قطر، ودبي (الخسارة الإستراتيجية).
لا يعني هذا ترك الناهبين لثروة البلاد بلا عقاب، ولكن الطريقة غير صحيحة ومسيسة، بحيث يتم إدانتهم سياسيا وإعلاميا قبل إدانتهم قضائيا؛ وقبل إعلان الحرب على الفساد لابد من تحضير الجيش المحترف الذي يديرها بفعالية وهم القضاة المستقلين عن السلطة التنفيذية.

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button