الحركات الاجتماعية الجديدة وحقوق الإنسان: تحليل نقدي لخطاب حركات مناهضة العولمة بمصر

نشأ مفهوم “الحركات الاجتماعية Social Movements” منذ البداية ليعبر عن حالة من الاغتراب السياسي والثقافي والاجتماعي، سادت بين فئات محددة من العمال والشباب والطلاب منذ فترة الخمسينيات من القرن العشرين، ثم زادت حدتها خلال فتره الستينيات، حتى بلغت ذروتها عام 1968 مع تفجر ثورة الشباب، والتي اجتاحت معظم الدول الغربية الرأسمالية، وانتقلت منها لتمتد إلي بعض الدول النامية والعربية. ولقد أثبتت التجربة الغربية في مجال الحركات الاجتماعية([1])، الدور المحوري لتلك الحركات في تشكيل المجتمعات الغربية ذاتها، بداية من حركة الطلاب وحركة السلام مرورًا بحركة الحقوق المدنية الأمريكية التي مازالت توابعها وآثارها تظهر بالمجتمع الأمريكي إلي الآن مع تولي أول رئيس أمريكي أسود الرئاسة الأمريكية لفترتين متعاقبتين. ولكن مع انتشار ظاهرة العولمة بقوة، وتعدد آثارها، ظهرت حركات مناهضة للعولمة ذاتها، رافضة لآثارها السلبية المتعددة في المجالات كافة؛ خاصة المجال العسكري والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، ليس فقط في الدول المتقدمة، ولكن أيضا في الدول النامية أو دول الجنوب.

وفي ضوء ما سبق تتمثل أهداف الدراسة في هدفين أساسيين، يتحدد أولها في الكشف عن العلاقة بين حركة مناهضة العولمة والمناداة بقضايا حقوق الإنسان، والعمل على إقرارها على مستوي المجتمع المصري، أما الهدف الثاني فيتعلق بتناول العلاقة بين الحركات الاجتماعية الجديدة والتحولات البنائية التي أصابت المجال العام بالمجتمع المصري. ومن هذا المنطلق تستفيد الدراسة في إطارها النظري من كل من: (نظرية تشكيل البنية لأنتوني جيدنز Structuration Theory، والمنطلقات النظرية للتحوليون من أنصار الموجة الثالثة لنظرية العولمة Transformationalists، ومفهوم المجال العام ليورجين هابرماس Public Sphere)؛ إذ تساعدنا “نظرية تشكيل البنية” علي فهم الطريقة التي يتشكل بها البناء الاجتماعي، من خلال الممارسات البشرية، الأمر الذي يؤكد أهمية دراسة الحركات الاجتماعية، باعتبارها ممارسات تعمل على صياغة وتشكيل عالمنا المعاصر، مع النظر لحقوق الإنسان باعتبارها بناء قائم علي تشكيل جزء كبير من ممارسات الأفراد بالمجتمعات، وهكذا في علاقة جدلية بين البناء والفعل، أى بين الحركات الاجتماعية وحقوق الإنسان، تحاول الدراسة إثباتها والتدليل عليها. أما “الموجة الثالثة لنظرية العولمة” فتساعدنا على فهم العلاقة بين تنامي ظاهرة العولمة، وبين كل من الحركات الاجتماعية وحقوق الإنسان، ففي الوقت الذي أدت فيه العولمة إلي سيادة الكثير من صور اللامساواه والظلم على مستوى العالم، إلا أنها قدمت لنا فرصا لمواجهة آثارها السلبية، من خلال زيادة وعى الأفراد على مستوى العالم، بما لهم من حقوق، من خلال إطلاعهم على تجارب الآخرين على مستوى العالم عبر أدوات العولمة ذاتها من تكنولوجيا الاتصالات والإنترنت، وأخيراً فلقد ساعدت أفكار يورجين هابرماس في تناول أهم التحولات التي أصابت المجال العام بمصر في علاقتها بالحركات الاجتماعية الجديدة، فهل أدى إنحسار المجال العام بالمجتمع المصري لإتساع القاعدة الشعبية المشاركة في الحركات الاجتماعية الجديدة بمصر؟ أم أن ما أصاب تلك الحركات من تطور ساهم على إنتقال المجال العام من الواقع المعاش إلي الواقع الإفتراضي؟ وهل ساهمت الممارسات الإستبدادية لبعض النظم الحاكمة في تنوع صور المشاركة السياسية غير التقليدية بين المواطنين؟ الأمر الذي يلقي بالضوء علي مستقبل الحركات الاجتماعية بالعالم العربي في ظل ما أصطلح عليه الآن من فترة “الربيع العربي” التي تشهدها بعض البلدان العربية.

أما فيما يخص منهجية الدراسة فتم الإعتماد على منهج “التحليل النقدي للخطاب Critical Discourse Analysis لتحليل النصوص الصادرة عن نماذج من حركات مناهضة العولمة في مصرخلال العشر سنوات السابقة على قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011، أى خلال الفترة الممتدة من عام 2001 وحتي عام 2010، مع العمل على دراسة الحالات المثيرة للاستبصار، والمتمثلة في ثلاث حركات ضمن تيار مناهضة العولمة بمصر، وهم: (المجموعة المصرية لمناهضة العولمة “أجيج AGEG”، ومؤتمر القاهرة الدولي لمناهضة العولمة والحرب، ومركز دراسات اشتراكية- مصر). وتقوم الدراسة على تحليل نماذج من الخطاب الصادر عن الحالات الثلاثة السابقة، والتي وصلت إلي (214) نصاً صدروا خلال الفترة المحددة للدراسة، وهذا انطلاقاً من أربعة فروض والتي سنحاول إثبات صحتها وصدقها، وهي كالآتي:

الفرض الأول: ساهمت العولمة في نشر ثقافة حقوق الإنسان على المستوي العالمي، وكَرّسَتْ انتهاكات عدة لحقوق الإنسان على مستوي دول الجنوب.

الفرض الثاني: انعكست ممارسات مناهضة العولمة في مصر على الوعي بقضايا حقوق الإنسان.

الفرض الثالث: انعكست السياسات الداخلية للدولة على مقاصد خطاب الحركات المصرية المناهضة للعولمة.

الفرض الرابع: انعكس التحول البنائي للمجال العام على إتساع القاعدة الاجتماعية للحركات الاجتماعية بمصر.

وفيما يلي عرض لأهم عناصر الدراسة ممثلة فى ثلاث أفكار تتناول تصور العلاقة بين الحركات الاجتماعية الجديدة وحقوق الإنسان، ثم تناول لأبرز ماتوصلت إليه الدراسة فيما يتعلق بتحليل خطاب مناهضة العولمة محل الدراسة، يليها تناول التحولات البنائية للمجال العام في علاقتها بالحركات الاجتماعية بمصر، يليها وأخيرًا عرض لأبرز نتائج الدراسة العامة وتفسيرها، وهذا بالتفصيل فيما يلي:

المبحث الأول: في تصور العلاقة بين الحركات الاجتماعية الجديدة وحقوق الإنسان:-

يتناول المبحث الأول للدراسة مجموعة أفكار تدور حول الإطار المفاهيمي للدراسة والذي يتضمن عرض لأهم مفاهيم الدراسة وخاصة مفهوم الحركات الاجتماعية ومفهوم مناهضة العولمة ومفهوم حقوق الإنسان، ثم الإطار النظرى للدراسة وعرض لأهم المسلمات والمفهومات والقضايا، التى توجه الدراسة نظريًا وفقاً لنظرية تشكيل البنية لأنتونى جيدنز وأفكار الموجة الثالثة للعولمة ومفهوم المجال العام ليورجين هابرماس، وأخيرًا منهجية الدراسة والتى تضم نوع الدراسة ومنهجها وأساليب جمع وتحليل البيانات وتحديد لمجتمع البحث والمدي الزمنى له. كل ما سبق نتناوله بالتفصيل فيما يلي:

أولًا: الإطار المفاهيمي للدراسة:

  1. الحركات الاجتماعية Social Movements:

يتم النظر لحركات مناهضة العولمة باعتبارها نمط من أنماط الحركات الاجتماعية الجديدة، والتي ظهرت نتيجة لجملة التحولات الكونية المصاحبة لعملية العولمة. وبشكل عام يتم النظر إلي الحركات الاجتماعية باعتبارها جهود منظمة يبذلها عدد من الناس المؤثرين تهدف إلي تغيير أو مقاومة تغيير جانب أساسي أو أكثر في المجتمع… واليوم يستخدم مفهوم الحركات الاجتماعية للإشارة إلي الجماعات والتنظيمات التي تقع خارج الخط الأساسي للنظام السياسي. والحركات الاجتماعية الجديدة (NSMs New Social Movements ( أصبحت تمثل فى العقود الأخيرة من القرن العشرين مصدرًا متزايد الأهمية للتغيير السياسي.[2]

كما تعرف الحركات الاجتماعية بأنها: “تجمعات تنشط خارج نطاق القنوات المؤسسية النظامية؛ من أجل تعزيز أو مقاومة التغيير، سواء داخل مؤسسة أو نظام أو مجتمع ما، أو على مستوى النظام العالمي ككل”.[3]

وهناك تعريف آخر للحركات الاجتماعية يرى أنها عبارة عن: “أنشطة جماعية منظمة حرة Loosely، تعمل من خلال أنماط غير مؤسسية، من أجل إحداث تغير داخل المجتمع”، ولهذا يمكن القول إن الحركات الاجتماعية تتميز بأربعة عناصر أساسية هي: (الجماعية Collectivity: فهي عبارة عن جماعة من الناس يعملون معًا. وحدة الأهداف والوسائل Shared goals and means: فهي تقوم على توحيد الرؤى حول الهدف المشترك من العمل الجماعي، لإحداث التغير داخل مجتمعهم. تنظيم غير رسمي Informal: فهناك انتشار نسبي للجماعية مع مستوي منخفض من التنظيم الرسمي. التلقائية Spontaneity: فتتميز أساليب العمل والأفعال بدرجة عالية نسبيًا من العفوية والتلقائية، كما تتخذ طابع غير مؤسسي، إلي جانب أشكال غير تقليدية ومبتكرة للفعل).[4]

وأخيراً هناك التعريف الذى قدمه “تشارلز تلي Charles Tilly([5]) بكتابه عن الحركات الاجتماعية، والذي يري فيه أن “الحركة الاجتماعية” تقوم علي تآلف ثلاثة عناصر أساسية هي:

  1. الحملة Campaign: وهي عبارة عن مجهود عام مستدام ومنظم، يُمْلِي مطالب جماعية علي سلطات مستهدفة.
  2. ذخيرة الحركة الاجتماعية Social Movement Repertoire: ويري “تشارلز تلي” أنها عبارة عن توظيف لأساليب ممكنة من بين أشكال العمل السياسي، مثل: (إقامة جمعيات وتحالفات ذات أهداف خاصة، وعقد لقاءات عامة، والسير في مسيرات ومظاهرات، وتنظيم الاعتصامات، وحملات المناشدة، والبيانات الإعلامية والصحفية، ونشر مطويات أو كراسات سياسية)؛ ومن ثم يقصد بكلمة “Repertoire”: مجموع الأداءات والأنشطة المتضمنة في الحركة الاجتماعية من مظاهرات ومسيرات واعتصامات وبيانات… وغيرها من الأساليب.
  3. عروض الوقفة وتعرف بالاختصار التالي (WUNC): وهي عبارة عن تمثيل المشاركين بالحركة الاجتماعية لجملة من الصفات العامة، هي: (الجدارة Worthiness، والوحدة Unity، والزخم العددي Numbers، وأخيرًا الالتزام Commitment تجاه أنفسهم أو تجاه القاعدة الشعبية التي يمثلونها في الحركة).[6]
  4. الحركات الاجتماعية الجديدة New Social Movements (NSM) :

هي شكل متميز للحركات الاجتماعية التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية لتعبر عن مصالح ضيقة لجماعات صغيرة منظمة من الناس انضموا لتحقيق هدف مشترك ليغيروا بعض أوضاعهم السائدة والتي لا يرضوا عنها، ومن أمثلتها: (الحركات الطلابية المتطرفة التي ظهرت في العقد السادس من القرن العشرين- الحركات السياسية المتعددة مثل حركات الزنوج السود وحركات تحرير المرأة وحركات البيئة، وتمتاز الحركات الاجتماعية الجديدة بأربع مميزات أساسية ميزتها عن الحركات الاجتماعية التقليدية، وهى كالآتي:

  1. الأهداف: حيث هدفت تلك الحركات الى تغيير القيم الثقافية والاجتماعية على المستوى الفردي أكثر من تغييرها على مستوى الأبنية الاجتماعية كما كان سائدا في الحركات الاجتماعية التقليدية.
  2. القاعدة الاجتماعية: مثلت الطبقات الاجتماعية القاعدة الاجتماعية الأساسية للحركات الاجتماعية التقليدية، في حين بنيت القاعدة الاجتماعية للحركات الاجتماعية الجديدة على جماعات متعددة.
  3. وسائل الفعل: تعتمد الحركات الاجتماعية الجديدة على تعبئة وتحريك الجماهير في اتجاه محدد كوسائل سياسية حديثة للتأثير على الدولة.
  4. التنظيم: رفضت الحركات الاجتماعية الجديدة الاعتماد على نماذج التنظيم البيروقراطي الرسمي وفضلت الاعتماد على نماذج تنظيمية أكثر مرونة تتيح لأعضائها المرونة والفعالية في المشاركة.

إلا أن العديد من العلماء يروا أن تلك المميزات غير حقيقية ومبالغ فيها، فهم يروا أنه ليس هناك ما يميز الحركات الاجتماعية الجديدة عن مثيلتها القديمة فمازالت تعتمد على الإجراءات السياسية التقليدية لتحقيق أهدافها، كما أنها لا تمثل فقط الطبقة الوسطى وليس مختلف الفئات الاجتماعية، وأخيرا وجدوا أن تنظيمها يميل الى البيروقراطية الرسمية.[7]

ومن ثم لجأ عدد من العلماء الى وضع مجموعة من السمات الأخرى المميزة للحركات الاجتماعية الجديدة والتي منها الآتي:

  1. أنها لا تتحدد في إطار طبقة معينة بل تتبنى هويات متنوعة عابرة للطبقات.
  2. تعتمد على التنظيم غير الرسمي غير المقيد.
  3. أهدافها ثقافية اجتماعية بالمقام الأول وليست سياسية بشكل مباشر، كما تتميز بمستوى وعى مرتفع.
  4. هي أقل أهتمامآ بالمواطنة وبالتالي لا تهتم بالسلطة السياسية، ولكنها في نفس الوقت تهتم بزيادة حجم المجتمع المدني وزيادة مساحة الاستقلالية الذاتية.
  5. تفترض وجود الاختلافات مسبقا داخل المجتمع والدولة والاقتصاد، ومن ثم تبنى سياساتها وأهدافها على حقيقة تلك الاختلافات وتعمل على توسيع الفضاءات الاجتماعية.[8]

وعلى الرغم من الانتقادات التي وجهت الى الحركات الاجتماعية الجديدة إلا أن تزايد معدلات انتشارها عالميا يؤكد على رغبة المواطنين على مستوى العالم في تحقيق  المشاركة بفعالية في العمل السياسي داخل مجتمعاتهم على الرغم من عزوفهم عن المشاركة السياسية عبر الطرق التقليدية مثل الإدلاء بالأصوات في الانتخابات السياسية العامة، واتجاههم الى المشاركة السياسية المباشرة من خلال الطرق غير التقليدية من الأعتصامات والأحتجاجات والمظاهرات، وتكوين حركات اجتماعية جديدة تمثل إحياء للمبادئ والممارسات الديمقراطية في بلادهم.[9]

  1. مناهضة العولمة Anti-globalization:

يقصد “بمناهضة العولمة”: “واحدة من منتجات العولمة ذاتها، وواحدة من إفرازاتها… والتي ظهرت في العالم المتقدم، وليس في العالم الثالث… تعود بأصولها إلي شبكة الإنترنت، ومنها انتقلت إلي الجماعات الأهلية العابرة للقوميات… التي قامت بالتعبئة والحشد للآلاف للتجمع من سياتل وحتى جنوه، وفي كل قمة تجمع الدول الغنية والغربية… وهي في العموم تدعوا إلي مناوأة النظام الرأسمالي العالمي… وهي لا تعبر عن أي قوة اجتماعية محددة، اللهم إذا كان تَجَمُعْ من شرائح مختلفة من الطبقات الوسطي، التي يؤرق كل منها قضية ما تراها واجبة الدفاع، مع كم هائل من الرومانسية التي تسعى إلي تحسين حال البشرية، وترى أن الظروف الحالية للعولمة والإمكانيات التي وفرتها تتيح فرصة كبيرة لتحسين أحوال العالم، وبالتالي فإن كل المشاركين في الاحتجاجات ليسوا ضد العولمة… بل ضد مظاهرها وتعبيراتها فقط”.[10]

وبناء علي ما سبق، ينظر العلماء إلي حركة مناهضة العولمة باعتبارها نمط من أنماط الحركات الاجتماعية الجديدة، والتي ظهرت بقوة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ولذلك يعتبرونها “حركات”، في حين ينظر بعضهم الآخر إليها على أنها تمثل نموذج معاصر من نماذج الحركات الاجتماعية الجديدة، ولهذا اعتبروها “حركة” واحدة تسمي “حركة مناهضة العولمة، ويعرفها هؤلاء بأنها: “هي تلك الحركة الاجتماعية الناقدة لكل من العولمة والرأسمالية”، ويطلق عليها عدة مسميات مثل: (حركة تبديل العولمة، وحركة مناهضة الشركات العالمية، وحركة مناهضة العولمة النيوليبرالية)، ويؤسس المشاركون نقدهم على مجموعة من الأفكار المترابطة، كما يشترك المشاركون في تلك الحركات في معارضتهم للسلطة السياسية القائمة، ومعارضتهم للشركات متعددة الجنسيات، هذا بالإضافة لمعارضتهم لنمط القوة الممارس من خلال اتفاقيات التجارة العالمية، والقيود الممارسة من قبل الأسواق المالية والبورصات العالمية، ومناهضتهم للآثار المترتبة على النظام الاقتصادي الرأسمالي كافة، فيما يخص توظيف العمال والموظفين، والشركات الرأسمالية الكبرى التي تهدف إلي تعظيم أرباحها على حساب سلامة البيئة، وعدم مراعاة شروط العمل ومعايير توظيف العمالة.[11]

  1. حقوق الإنسان Human Rights:

حقوق الإنسان: “هي تلك الحقوق التي يمتلكها الكائن البشرى لمجرد أنه كائن بشري”، ولقد بدأ استخدام مصطلح “حقوق الإنسان” على نطاق واسع منذ القرن العشرين، أما من قبل ذلك فكان المصطلح السائد هو مصطلح “الحقوق الطبيعية”، ومازال إلي الآن يتم استخدام المصطلحين كمترادفين، بمعنى أن حقوق الإنسان هي حقوق “طبيعية”، من المفترض أن تكفل للبشر جميعا بشكل طبيعى. ومن أهم حقوق الإنسان التي نص عليها إعلان حقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة عام 1948: (الحق في الحياة، والحق في الحرية، وحق الملكية، وحقوق الجنسية، والحق في محاكمة عادلة، والحق في التربية، وحق العمل، وحق الأمن الإجتماعى، والحق في الراحة واللهو، والتمتع بمستوى حياة يتناسب مع رخاء الفرد وصحته).[12]

وبناء على ما سبق يقوم تعريف حقوق الإنسان علي أربع مسلمات أساسية هي:

  1. التوحيد بين حقوق الفرد والجماعة: فتعبر حقوق الإنسان عن حقوق الفرد والجماعة؛ لتحديد طبيعة وحدود القوة والثروة والمعرفة والقيم الأخرى موضع الاهتمام في نطاق التفاعل الاجتماعي للمجتمع والمشاركة فيه.
  2. التوحيد بين الأطر القانونية والأخلاقية: فتعبر حقوق الإنسان عن متصل واسع من الحقوق القيمية، والتي تتراوح بين قيم مؤكدة، وقيم نطمح إليها، وقيم تحدد ما هو قائم، وقيم تحدد ما ينبغي أن يكون، فيما يتعلق بتنظيم الشأن الإنساني والحفاظ عليه.
  3. الشمول العالمي لحقوق الإنسان: فتعيننا لأي حق من الحقوق باعتباره حقًا إنسانيًا، يعنى أنه حق عام وعالمي في طبيعته، يتسع على المستوى النظري ليشمل كل شخص على سطح الأرض دون أي تمييز.
  4. الاتجاه العام نحو تجانس حقوق الإنسان: فتتغير أولوية الحقوق وفقًا لكل مرحلة من مراحل التطور التاريخي للمجتمعات، إلا أن العولمة عملت على تجانس حقوق الإنسان عامة في كافة السياقات الاجتماعية.[13]

وفيما يخص تصنيف الحقوق الإنسانية، فتهتم الدراسة بالتصنيف التاريخي والذي يقسمها إلي ثلاث فئات أساسية هي:

  1. الحقوق السياسية والمدنية: وتمثل الجيل الأول من حقوق الإنسان، وتنطوي أهميتها على أنها شرط وجود لغيرها من الحقوق، كما أنها تتصل بعلاقة الفرد بالسلطة من ناحية وبغيره من أفراد المجتمع من ناحية أخرى، ومن أهم تلك الحقوق: (الحق في الحياة، وحق الإنسان في السلامة البدنية والذهنية، والحق في المساواة، وحق الإنسان في حرمه مسكنه، والحق في الأمن، وحق السكن والتنقل، والحق في التعبير عن الرأي والفكر، وحق اللجوء إلي القضاء والحصول على محاكمة عادلة، والحق في الانتخاب، والحق في الاجتماع وتكوين النقابات، بالإضافة للحقوق والحريات الفكرية).
  2. الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية: وهي الجيل الثاني من الحقوق، والتي عظمت من فردية الفرد في مقابل المجتمع، وفرضت على الدولة عدم التدخل في شئون الأفراد؛ لما يمثله هذا التدخل من مساس بحقوق الأفراد، ومن أهم هذه الحقوق: (الحق في التعليم، والحق في الرعاية الصحية، والحق في العمل بأجر عادل وظروف عمل مناسبة، والحق في التأمين الإجتماعى، والحق في الحياة الثقافية، والحق في تكوين النقابات والاشتراك فيها، والحق في المسكن وحق الملكية، والحق في التضامن الاجتماعي بين أبناء المجتمع والشعوب).
  3. حقوق التضامن أو الحقوق الجديدة ([14]): والتي ظهرت استجابة لما شهده العالم من تغيرات معاصرة في ظل العولمة، وما ترتب عليها من تقدم تكنولوجي ومعرفي غير مسبوقين، وخاصة منذ النصف الثاني من القرن العشرين الميلادي، وتتضمن تلك الفئة من الحقوق: (حق تقرير المصير السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، والحق في السلام، والحق في بيئة سليمة آمنه، وحق الاستفادة من التراث المشترك للإنسانية، والحق في التنمية).[15]

ثانيًا: الإطار التصوري لعلاقة الحركات الاجتماعية الجديدة بحقوق الإنسان:

تحاول الدراسة بيان طبيعة العلاقة بين قضية حقوق الإنسان، وبين حركة مناهضة العولمة بمصر، كأحد أنماط الحركات الاجتماعية الجديدة التي ظهرت في مجتمعاتنا استجابة لما فرضته العولمة من تحولات سياسية وعسكرية واقتصادية واجتماعية. ومن ثم تحاول الدراسة الخروج بنتائج مقنعة تخص المجتمع المصري، وذلك في ضوء التفسيرات النظرية لكل من: (نظرية تشكيل البنية، أفكار الموجة الثالثة لنظرية العولمة، ومفهوم المجال العام)، ونتناول فيما يلي أهم المسلمات والمفهومات والقضايا المستقاه من ذلك الإطار النظرى، والموجه للتحليل النقدى لخطاب مناهضة العولمة محل الدراسة، وهذا فيما يلي:

  • المسلمات.

قدم “التحوليون  “Transformationalists([16]) من أنصار الموجة الثالثة للعولمة العديد من التصورات النظرية المفسرة للتحولات العالمية المعاصرة؛ منها رؤيتهم للعولمة باعتبارها تمثل ظاهرة جديدة لم يسبق لها مثيل، وإن نتجت عن عملية تاريخية على المدى الطويل، فهي نتاج تطورات تاريخية متعاقبة أدت إلي إعادة تشكيل ما هو قائم بالفعل من نظم اقتصادية وثقافية وسياسية، وظهور نمط كوني جديد يجمع بين المحلية والكونية، فالعولمة تعبر عن عملية حقيقية تحتاج لقوى لتدفعها إلي الأمام، كما أنها في الوقت ذاته تعمل على تغير الصورة العالمية، ولكن بدون أن تزيل كل ما هو أمامها، فالعولمة تنطوي على تغيير تحولي عميق فهي تغير من خبرات الناس وحياتهم وتعمل علي إيجاد صورٍ جديدة من كل شيء.[17]

هذا في حين تقوم نظرية تشكيل البنية “لأنتوني جيدنز Anthony Giddens”([18]) على التسليم بأن مجال الفعل الإنساني محدود، فالبشر يصنعون المجتمع فعلاً ويشكلونه، ولكنهم يقومون بذلك باعتبارهم فاعلين مشروطين تاريخيًا، في ظل ظروف تاريخية متوارثة، ولا يفعلونه في ظل ظروف من اختيارهم.[19]

كما يرفض جيدنز النظر إلي المجتمع باعتبار وجوده مستقلاً عن أفراده، فهو يرى أن المجتمع ينتجه ويعيد إنتاجه فعل البشر، ولهذا يرفض النظر إلي الموقف الاجتماعي على أنه المحدد لفعل البشر[20]، فالمجتمع يتم إنتاجه من خلال الصياغة الماهرة لأعضائه الفاعلين، الذين يعتمدوا على موارد وظروف ليسوا على وعى بها، أو لا يدركونها إلا بصورة مشوشة.[21]

وتتصل رؤية جيدنز لمفهوم الممارسة Praxis برؤيته “للذات “Self؛ إذ يرى أن الذات الإنسانية بوصفها كائنًا عاقلاً فاعلاً، تتحدد علاقتها بالمجتمع في ضوء مجموعة من الممارسات المستمرة، بحيث يتشكل كل من الفعل والبناء في ضوء هذه الممارسات، لا الفعل سابق على البناء ولا البناء سابق على الفعل، بل إن كلاهما متضمن في الآخر. وهذا يقودنا إلي مفهوم الظروف (النتائج) غير المقصودة للفعل والذي يعبر عن الجوانب غير المقصودة في الأفعال الاجتماعية، وتكمن أهمية تلك النتائج أو الظروف في أنها تلفت الانتباه إلي عالم اللاوعي وعالم المسكوت عنه في السلوك، فهو مفهوم تفسيري له قدرة استكشافية؛ إذ يتيح الإمكانيات للتعرف على الأبنية العميقة للاوعي البشرى وللمسكوت عنه في التفاعل الإنساني. ويري جيدنز أن المعرفة الاجتماعية ترتبط بكل من: (الممارسات الاجتماعية، والقواعد)، من خلال الوعي بالمهارة في أداء السلوك، أو ما أسماه جيدنز “مهارات الممارسة Praxiological Skills”، والذي ينقسم إلي: الوعي التعبيري أي القدرة على استخدام اللغة، والوعي العملي أي المهارة في التفاعل مع الآخرين. وبالنسبة لجيدنز فإنه يمكن تفكيك كل ممارسة إلي عدد كبير من القواعد السلوكية الضمنية، والتي تتميز بأن لها جانبين يميزانها عن القوانين المكتوبة الجانب الأول هو: “الجانب الدلالي Sematic Rules”، والمرتبط بالمعاني والدلالات اللصيقة بالممارسات الاجتماعية، والثاني هو: “الجانب المعياري Normative Rules”، والذي يحدد مدى شرعية أو عدم شرعية تلك الممارسات من منطلق الحقوق والواجبات. في حين تخضع المفاهيم السوسيولوجية لازدواجية تأويلية، فالتأويل هو أحد أسس النظرية الاجتماعية، ومهمة عالم الاجتماع هي مهمة تأويلية في المقام الأول، إذ يتأسس تشكيل الحياة الاجتماعية على تأويل الأفعال اليومية فيها، ولقد أطلق جيدنز على تلك العملية مفهوم “التأويل المزدوج Double Hermeneutics”، ليعبر عن جوهر مهمة الباحث السوسيولوجي؛ إذ يقوم هذا المفهوم على: (التأويل من قبل الباحث، وعلي محاولته فهم التأويلات التي تبنى عليها الحياة الاجتماعية)، ومن ثم فإن فهم المجتمعات البشرية يقوم على فهم الطريقة التي تشكل تأويلات الناس، وبنائهم لمعاني أفعالهم، إلي جانب القيام بتأويل الأفعال الاجتماعية في الوقت نفسه.[22]

وأخيرًا يسلم جيدنز بأنه لا يمكن للباحث السوسيولوجي أن يحلل الحياة الاجتماعية كظاهرة تحت الملاحظة بمعزل عن الاعتماد على معرفته بها كمصدر وموضوع للبحث، فالاستغراق في شكل الحياة يعد شرطا ضروريا إن لم يكن السبيل الوحيد الذي يمكن الباحث من توليد توصيفًا صادقًا عن الحياة الاجتماعية.[23]

وإذا نظرنا إلي المسلمات السابقة، نجد أنها تلقى الضوء على الأهمية المجتمعية للحركات الاجتماعية، داخل المجتمعات المعاصرة في ظل العولمة، وتؤكد علي الدور الذي تقوم به تلك الحركات في المناداة بحقوق الإنسان، من خلال تأكيد أن الحركات الاجتماعية تقوم على الفعل البشرى الجمعي في صياغتها للمجتمع، باعتبارها من أهم الوسائل الجماهيرية المعاصرة لتحقيق التغيير، وفي الوقت نفسه لا تنكر هذه المسلمات أن صورة المجتمعات الحالية تتحدد إلي حد بعيد في ضوء ما مرت به تلك المجتمعات من أحداث متتالية على مدار التاريخ حددت المعالم الأساسية لشكلها الحالي؛ ومن ثم لكي يقدم الباحث السوسيولوجي وصفا صادقا عن المجتمع، عليه أن ينطلق من معرفته بهذا المجتمع باعتباره أحد الفاعلين به، والذين تشكل سلوكياتهم جزءًا كبيرًا من الحياة الاجتماعية به، تلك الحياة التي تتشكل كل لحظة من خلال أفعال البشر المؤسسة على ما يمتلكونه من معرفه مبنية اجتماعيًا بظروف مجتمعهم، الأمر يؤكد أيضاً أهمية دور الحركات الاجتماعية في صياغة المجتمعات البشرية، من خلال الاعتماد على إطار معرفي واحد ومحدد، يضم أعضاء الحركة الواحدة تحت مظلته، ومدى وعيهم بهذا الإطار وممارستهم لآليات محددة متفق عليها من خلال هذا الإطار.

  • المفهومات.

يعتمد الإطار المفاهيمي على مفهومات يحددها الإطار النظري للدراسة، فمن المفاهيم التي أكدها أنصار الموجة الثالثة لنظرية العولمة في تناولهم لنظرية العولمة وطرحهم لقضاياها مفاهيم: (المجتمع المدني العالمي Global Civil Society، والحوكمة الدوليةInternational Governance ، والديمقراطية الكونية Global Democracy، والمواطنة العالمية Global Citizenship، والجمع بين المحلية والعالمية Glocalization)[24]، إضافة لمفاهيم نظرية تشكيل البنية مثل مفهومات: (البناء والفعل، ومفهوم إزدواجية البنية… وغيرهم)، وأخيراً مفهوم المجال العام لهابرماس، ونتناولهم فيما يلي:

ظهر مفهوم “مجتمع المخاطر العالمي Global Risk Society” ليصبح واحد من أكثر المفاهيم التي حظيت بشهرة عالمية في تناول ظاهرة العولمة وآثارها المتعددة، إذ ينظر “التحوليون” إلي مجتمع المخاطر العالمي باعتباره نمطًا متأخرًا من أنماط المجتمع الصناعي، تعزى كثير من مخاطره إلي الآثار المترتبة على التقدم الصناعي والتقني والتكنولوجي، الذي نحيا في ظله الآن، مع العمل على تحقيق السلامة والأمن الإنساني الكوني والذي يتم من خلال تكوين شبكة من العلاقات الاجتماعية الكبرى القائمة علي التضامن الإنساني الكوني، في سعى البشرية لتحقيق الأهداف العليا للإنسانية وتجاوز المخاطر العالمية، والتي أصبحت تتجاوز حدود الزمان والمكان، فحادثة نووية في مكان ما قد تمتد جغرافيًا لتؤثر على مناطق أخرى حول العالم، كما قد تمتد آثارها عبر الزمن لتحمل آثارًا وراثية وجينية عبر الأجيال المختلفة، ويشير “أنتوني جيدنز” إلي أن هذا يسلط الضوء على الدور العظيم الذي تضطلع به “الحركات الاجتماعية الكونية” في التعامل مع المخاطر والأزمات التي ينتجها مجتمع المخاطر العالمي، إذ تعمل تلك الحركات على التصدي لها على المستوى الكوني لا المحلي، كما تعمل على توجيه الجهود نحو بناء مجتمع عالمي أفضل، تقل فيه هذه المخاطر، ويؤكد الكلام السابق “مانويل كاسيلز “Manuel Castells ([25])، ولكن من منظور آخر؛ إذ يضيف أن “انتشار المعلوماتية” داخل مجتمع المخاطر العالمي، يعمل على تطور “الحركات الاجتماعية المناهضة لما هو قائم”، مثل الحركات المناهضة للعولمة، وللحداثة، وللتفاوت الطبقي، ولعدم العدالة في توزيع وفي نشر المعلوماتية الرأسمالية، والحركات المناهضة للاستغلال، والاستبعاد الاجتماعي وتهديد الهوية والذات.[26]

أما “ألريش بك Ulrich Beck” ([27]) فيرى أن المجتمع الصناعي التقليدي قد بدأ في الاندثار في ظل الثورات التكنولوجية والتقنية الهائلة التي نحيا في ظلها الآن، لتتحول المجتمعات ويظهر نمط مجتمعي جديد هو “مجتمع المخاطر أو مجتمع الأزمات أو عالم الفوضى”، والذي يتميز بالآتي: (غياب أنماط الحياة المستقرة، ومعايير السلوك الإرشادية، وتزايد عدم اليقين على المستوى العالمي في ظل تزايد الأزمات العالمية، علاوة علي تزايد الثورات المتجددة في مجال التكنولوجيا وما يترتب عليها من آثار إيجابية وآثار سلبية مدمرة محتملة في المجالات النووية والمحاصيل المعدلة جينيا)؛ ومن ثم يؤكد “بك” أن إدارة تلك المخاطر لا ينبغي أن تقتصر على الدول القومية فحسب، بل ينبغي أن تمتد مسؤوليتها لتشمل كل من: (السياسيين- العلماء- جماعات المواطنين- الحركات الاجتماعية)، ويركز “بك” على الحركات الاجتماعية، وجماعات المواطنين؛ لما لهم من دور كبير في الضغط على الساسة، والتأثير على الآليات السياسية التقليدية للدول، خاصة في مجالات حقوق الإنسان، والمحافظة على البيئة، والدفاع عن مصالح المستهلكين.[28]

ويلقى مفهوم “الحوكمة العالمية أو الكونية Global/ Universal Governance”، بالضوء على أهم صور التحولات العالمية المصاحبة لظاهرة العولمة، فلا نستطيع أن ننكر ما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية من محاولات لفرض فكرة وسطوة القطب الأوحد، لتحجيم قوة مؤسسات العولمة السابقة وخاصة الأمم المتحدة، مثل استخدامها حق الفيتو ضد أي قرار يضر مصالحها أو مصالح دولها الحليفة، إلا أن هذا لا يمنعنا من القول بأن العولمة قد أدت إلي ظهور صور جديدة من الحكم الكوني، والتي نراها متمثلة في الشركات متعددة الجنسيات، والمجتمعات عبر الدولية المتخطية للحدود القومية، وفى المنظمات الدولية، فلقد أصبحت السلطة السياسية داخل النسق السياسي الدولي موزعة بين مجموعة من الأطراف، كما لم تعد السلطة الممنوحة للدول القومية كما كانت فيما مضي، إذ أصبحت الحكومات تتشارك سلطتها وقوتها مع ممثلين دوليين آخرين من منظمات دولية وجماعات المواطنين الجماهيرية المتعددة. ويستخدم بعض العلماء المفهوم السابق ليعبر عن مجموعة من الجهود المبذولة، والتي خصصت مجموعة من الاستجابات حول المسائل السياسية والاجتماعية، والتي تتخطى قدرات الدولة، فلا تستطيع التصدي لها بمفردها، ومن ثم تعبر الحوكمة الدولية عن إدارة الشؤون العامة للمواطنين، على كافة المستويات العامة والخاصة والأفراد والمؤسسات ليديروا ويحكموا شؤونهم العامة.[29]

أما مفهوم الديمقراطية الكونية، فلقد ساد حوله جدال واختلاف كبيران، بين أنصار الموجتين الثانية والثالثة لنظرية العولمة؛ إذ يرى “التحوليون” أن العولمة أدت إلي ظهور “منتدى سياسي عالمي Global Political Forum” تشارك فيه جميع المجتمعات، في مناقشة قضايا عامة، ذات ملامح كونية لا تستطيع دولة ما بمفردها أن تجد لها حلولا ناجحة على المستوى القومي؛ مثل قضايا: (حقوق الإنسان، والحرب، والمشاكل البيئية، والجريمة والمخدرات، واللامساواة، وعدم الاستقرار الاقتصادى)، وكلها مشاكل ذات طابع عالمي، أكثر منها مشاكل قومية ولهذا فهي تحتاج إلي وجود تعاون دولي لحلها، معتمدة على “الوعي الكوني العالميGlobal Cosmopolitan Consciousness”. في حين يرى “المتشككون” من انصار الموجة الثانية لنظرية العولمة، أن الديمقراطية الكونية العالمية هي أمر بعيد المنال، صعب التحقيق؛ بسبب تصارع وتضارب المصالح والأيديولوجيات بين الدول القومية، وخاصة الكبرى منها، والتي تسعى لتحقيق مصالحها بغض النظر عن مصالح الدول الأخرى، ولهذا تؤكد الموجة الثانية أهمية التحالفات والتكتلات الإقليمية بين الدول، التي يجمعها أسس واحدة، من حيث الأهداف والأيديولوجيات، مثل: الإتحاد الأوروبي على سبيل المثال.[30]

ووفقا لرأى “التحوليين” السابق فيما يتعلق بالديمقراطية الكونية العالمية، فإنه يتحقق تباعا لها ما يسمى بالمواطنة العالمية Global Citizenship، فإذا ما كانت العولمة هي إزالة للحواجز بين الدول لتكوين مجتمع عالمي، تذوب فيه انتماءات الأفراد للدول القومية، وإذا كانت “المواطنة” تتضمن إنتماء الفرد للوطن المحلي بثقافته وقيمه وعاداته، فتظهر لنا إشكالية حول المواطنة في عصر العولمة، والمتمثلة في أن المواطنة إما إن تكون مواطنة محلية مطلقة، مع انعزال الأفراد عن العالم الخارجي وعدم انفتاحهم عليه، أو أن تكون مواطنة عالمية مطلقة، يتحرر فيها الأفراد من قيود ثقافتهم وهويتهم المحلية؛ لينفتحوا على العالم، ويواكبوا المجريات على الساحة الدولية. ولحل مثل تلك المعضلة يظهر مفهوم “المواطنة العالمية”، والذي يقوم علي مجموعة من المعايير والمواصفات، وهى: (الاعتراف بوجود ثقافات مختلفة، علاوة على احترام حق الغير وحريته، بالإضافة لضرورة الاهتمام بالتربية الأخلاقية وتربية حقوق الإنسان، والمشاركة في إدارة الصراعات العالمية بطريقة سلمية، وأخيرًا المشاركة في تشجيع السلام الدولي).[31]

أما فيما يخص مفهوم “الجمع بين المحلية والعالمية Glocalization“، فله الكثير من المعاني، والتي تشير جميعها لطبيعة التناقض الظاهر بين الأسواق والعمليات العالمية من جهة، وبين التكتلات والحاجات على المستوي المحلي. إذ تأتي كلمة “Glocal” كاختصار يجمع بين كلمتي (محلي Local، وعالمي Global)؛ إذ يشير هذا المصطلح إلي الترابط والتشابك المتزايد بين هذين النطاقين، كما يشير إلي التفاعل بين “المستويات الصغرى Micro” مثل الأفراد والمجتمعات المحلية، وبين”المستويات الكبرى Macro” مثل القوي والفاعلين العالمين، ذلك التفاعل الذي يتخطي “المستويات الوسطي Meso” كالدول وغيرها من أشكال التمثيل الجماعي، فمن ناحية يشير مصطلح “Glocal” إلي الكيفية التي تتلاءم بها المنتجات العالمية مع احتياجات الأسواق المحلية، ومن ناحية أخري يشير إلي الخدمات التي تتم إدارتها على نطاق محلي، وتقدم للمستهلكين على نطاق عالمي. مثال آخر على مفهوم الجمع بين المحلية والعالمية يشير إلي ظهور الهويات العرقية والإثنية كاستجابة مباشرة للتحولات الناتجة عن العولمة، هذه الهويات التي تتميز بالأصالة في نطاقها المحلي والتاريخي، والتي تتم مشاركتها على المستوي العالمي من خلال شبكة اتصالات متشعبة، وفي السياق نفسه يتم النظر إلي إجراءات صنع واتخاذ القرار داخل المؤسسات الدولية، التي تمثل مفهوم الحوكمة العالمية، في ظل الخصائص المميزة لكل إقليم (دولة)، باعتباره تجسيدًا لمفهوم الجمع بين المحلية والعالمية.[32]

وأخيرًا يشير مفهوم المجال العام Public Sphere “ليورجين هابرماس Jürgen Habermas إلي حيز حقيقي أو افتراضي حيث يلتقي الأفراد الذين لديهم اهتماماتهم الشخصية لمناقشة القضايا المشتركة بغرض تبادل الآراء المختلفة للوصول إلي موقف مشترك وغالباً ما يستلزم الأمر توليد ضغط لتحقيق تغيير سياسي أو قانوني بقوة الحجة أو عدد الأفراد. وبهذا يكون المجال العام وسيطاً بين المجال الخاص بالفرد والمجال الخاص بالدولة.[33]

ثم يواصل “هابرماس” تحليله للمجال العام ليؤكد أن تطورات القرن العشرين أدت إلي تفكك وانهيار هذا المجال وهذه الوحدة والتوافق، وأنه ينبغي السعي إلي إعادة بناء المجال العام وفقاً لظروف العصر الراهن، وعلي أساس من العقل الاتصالي القادر على التواصل، مع الإيمان بالقواعد المنظمة لهذا التواصل والحوار والجدال لتحقيق الاتفاق العام حول قضايا المجتمع الأساسية.[34]

ويؤكد “هابرماس” أن هناك علاقة وثيقة بين الديمقراطية والمجال العام؛ إذ أن المجال العام الذي تشكل الديمقراطية إطاره العام يعد هو الوسيلة الأساسية التي نستطيع من خلالها إعادة السيطرة على المسارات الاقتصادية لمجتمعاتنا بعد أن غدت عرضة للنكوص والعديد من الأزمات الاقتصادية المرتبطة بالفكر الرأسمالي. كما يري “هابرماس” أن صور المشاركة السياسية التقليدية أو الإجراءات الديمقراطية التقليدية ممثلة في الأحزاب السياسية والبرلمانات، لا تمثل الأساس الكافي لاتخاذ قرار جماعي، ومن هنا علينا إصلاح المسارات الديمقراطية التقليدية، وتفعيل التجمعات والهيئات المجتمعية.[35]

ويساعدنا مفهوم المجال العام في فهم طبيعة العديد من الحركات الشبابية الإحتجاجية الجديدة، والتي ظهرت بقوة بالمجتمع المصري بعد ثورة 25 يناير، وأصبح لها تأثير قوي بالمجتمع، خاصة حركات مثل: (ألتراس أهلاوى، وجماعات البلاك بلوك …وغيرهم)؛ إذ جاء ظهورهم نتيجة إستعمار المجال العام من قبل الدولة زمؤسساتها بشكل متزايد، في الوقت الذي تم فيه تجاوز حاجز الخوف من التعبير عن الرأي، مع الإطلاع على الإحتجاجات العالمية عبر وسائل الإتصالات المتعددة، خاصة حركة احتلوا وول ستريت Occupy Wall Street، وحركات الفوضويين Anarchists، أو اللاسلطوية Anarchism، والتي تتبني بشكل عام أساليب الفعل القائم على العنف والداعى له، لتحقيق أهدافها والدعاية لها.

  • القضايا النظرية المستخلصة.
  • الحركات الاجتماعة الجديدة والتغير السياسي:

نتيجة لزيادة المخاطر التي يعيشها مجتمع المخاطر العالمي، ظهر في المقابل مفهوم المجتمع المدني العالمي” ليعبر عن ظاهرة عالمية تتخطى الحدود، حيث ينتظم المواطنون من كل الأجناس والعقائد للدفاع عن قضايا وقيم عالمية هناك توافق حولها، مثل الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، التنمية المستدامة، والمرأة، والبيئة، والعدالة الاجتماعية”؛ ومن ثم فالمجتمع المدني العالمي يعبر عن حركة عالمية تقوم على تأثير المواطن العادي في السياسات والقيم العالمية، وهذا من خلال قيام ذلك المجتمع بوظائفه، والتي منها: (الإسهام في تشكيل رأى عام عالمي حول القضايا العالمية، بالإضافة لتهيئة المناخ السياسي والتشريعي لفعل أعمق من المجتمع المدني ومنظماته، كما يقدم خدمات إنسانية للبشرية، ويقدم فرصا حقيقية للتعاون الدولي الأفقي بين المواطنين، وأخيرًا يدعم التنمية والعدالة الاجتماعية، ويشجع العطاء والعمل التطوعي).[36]

وفي هذا السياق فلقد حاول بعض العلماء توضيح العلاقة الوثيقة بين ظاهرة المجتمع المدني العالمي، وبين كل من: (العولمة، والحركات الاجتماعية)، إذ رأوا أن تعريف ظاهرة المجتمع المدني العالمي لا يكتمل إلا من خلال فهم الحركات الاجتماعية، التي تنشط محليًا أو قوميًا أو عالميًا، فأطلقوا على المجتمع المدني العالمي اسم “الحركة الاجتماعية الدولية”، ليعبر عن ذلك الشق من الحركات الاجتماعية الجديدة، والذي يعمل دوليًا بالتضامن مع مجموعات منظمة أو غير منظمة من المؤمنين بنفس القضية، وحاولوا التصديق على صحة تلك العلاقة بالقول إن الحركات الاجتماعية ذات عضوية مرنة ومفتوحة، وأنها تنشط من خلال المؤسسات المدنية العالمية.[37]

أما عن علاقة تلك الظاهرة بالعولمة، فتتضح من خلال جوهر عملية العولمة، والذي يدور حول ثلاث عمليات أساسية هي: (انتشار المعلومات، وتذويب الحدود بين الدول، وزيادة معدلات التشابه بين الجماعات والمجتمعات والمؤسسات)، وبالنظر إلي تلك العمليات نلحظ أنها تؤثر وتتأثر بالمجتمع المدني العالمي، فإن كان المجتمع المدني العالمي مظهر من مظاهر العولمة، فإنه في الوقت نفسه فاعل فيها، ويمثل آلية لتحقيق أهدافها. وخلاصة القول أن هناك علاقة تفاعلية جدلية بين الظاهرتين نلحظها من خلال مجموعة من العمليات: (ففي الوقت الذي ساهم فيه الانتشار المعلوماتي وتقدم تكنولوجيا الاتصال في تكوين المجتمع المدني، من منطلق أن انتقال المعرفة والمعلومات يمثل العمود الفقري لأي شبكة عالمية ومنظمة غير حكومية، فإن المجتمع المدني العالمي آلية لانتشار المعلومات في الكون، مما يساهم في تذويب الحدود بين الدول، وبالنظر للعملية الثالثة نجد أن تماثل المؤسسات هو أحد أهم مظاهر العولمة، ونجد أن ظاهرة المجتمع المدني العالمي تتكون في الأصل من مؤسسات متشابهة في اهتماماتها، والتي تتخطى الحدود القومية، وأنها ذات عضوية مرنة مفتوحة عالميًا، كما أنها تعالج قضايا واهتمامات تخص الشأن العالمي).[38]

فمن الملاحظ أن العولمة ارتبطت بالعديد من التحولات السياسية Political Transformations عالميا أو محليًا؛ إذ عملت العولمة على إحداث تحول على مستوي كل من المواطنة والمشاركة السياسية ([39])، وهو الأمر المرتبط بظهور ونشأة الحركات الاجتماعية عامة، وحركات مناهضة العولمة خاصة وزيادة نسب المشاركة الجماهيرية فيها، وهذا في ظل القيود المجتمعية التي تمارسها أجهزة الأمن ضد أي حركات شعبية للاحتجاج، أوللتعبير عن الرأي الرافض للواقع وما فيه من سلبيات، فلقد أصبحت تلك الحركات تمثل صوت المواطنين، والمعبر الحقيقي عن مطالبهم في ظل تعددية سياسية مقيدة، وعلى اعتبار أن الحركات الاجتماعية تعد أداة للتغيير والمناداة بحقوق الإنسان، مع توجيه الانتباه إلي أهمية الحركات الاجتماعية، باعتبارها من أهم الوسائل الجماهيرية المعاصرة للتعبير عن الرأي، والمناداة بحقوق المواطنين المهدرة؛ ومن ثم مثلت تلك الحركات ضرورة مجتمعية بمجتمعاتنا العربية، خاصة وأن الحركات الاجتماعية بالعالم الغربي لا تهتم بحقوق المواطنين بالدول النامية، بقدر ما تركز جهودها على المناداة بحقوق مواطنيها، حيث إن أهدافها تشكلت وفق أوضاع وظروف تلك البلاد المختلفة تماما عن الأوضاع السائدة في دول الجنوب، وهو الأمر الذي يبرزه فكرة إنحسار المجال العام، فكلما تم التضييق على المواطنين من قبل الدولة وكلما زاد إستعمارها للمجال العام، كلما إتجه المواطنين لسلوك طرق غير تقليدية في المشاركة السياسية والتعبير عن الرأي.

  • الحركات الاجتماعية الجديدة وتَشَّكُلْ النظم والأبنية الاجتماعية:

يري “أنتوني جيدنز” في دراسته للأنساق الطبقية بكتابه (The Class Structure of the Advanced Societies)، والذي تم نشره عام 1973، أن الأنساق الطبقية توفر الأسس الهيكلية، والقواعد التنظيمية لانتساب الأفراد لطبقة ما، وفي الوقت نفسه فإن وعي الأفراد بانتمائهم لطبقة ما يحدد المعالم الأساسية لتلك الطبقة، في ازدواجية بنائية مستمرة ما بين (الوعي الطبقي Class Awareness) كفعل، وبين (بناء الطبقة Class Structure) كبناء؛ ومن ثم فلب اهتمام نظرية تشكيل البنية لا يتعلق بالمجتمع أو بالأفراد، ولكن بالممارسات الاجتماعية وما ينتج عنها من تحولات، فمصطلح “تشكيل البنية Structuration” عند جيدنز يتعلق بالموارد والقواعد المتضمنة في بناء وتشكيل الأنساق الاجتماعية، مع فرض استمرارية إعادة الإنتاج الاجتماعي خلال الزمان والمكان، فالبنية مثلما هي وسيط تتم خلاله عملية البناء، هي أيضًا المنتج النهائي لتلك العملية.[40]

وبناء عليه يمكن النظر إلي حركات مناهضة العولمة باعتبارها أفعال وممارسات، مع النظر إلي حقوق الإنسان باعتبارها بناء قائم على تحقيق مجموعة من المطالب الإنسانية، وهذا البناء يعمل في الوقت نفسه علي إنتاج مجموعة من القواعد والمعايير السلوكية التي تحكم الأفعال والممارسات المكونة لها؛ إذ تؤكد نظرية “تشكيل البنية” أن الأبنية الاجتماعية تتأسس من خلال الفعل البشرى، وفى الوقت ذاته تمثل الوسيط الذي يتم من خلاله هذا الفعل أو التأسيس، ويعبر جيدنز عن هذه القضية بمصطلح “ازدواجية البنية Duality of structure”، والذي حاول من خلاله تجنب القول بثنائية البنية والفعل Dualism agency and structure، والتي تعبر عن الانفصال التام بين البناء والفعل، باعتبارهما شيئين متمايزين، إلا أن جيدنز يؤكد عدم الفصل بين البناء والفعل، من خلال تأكيده أن البناء يتأسس من خلال الفعل؛ وبالتبادل فإن الفعل يتأسس بنائيًا، إذ يجمعهما علاقة تبادلية معا.[41]

ومن خلال تعريف أنتوني جيدنز لمفهوم “البناء Structure، باعتباره “نظام افتراضي Virtual order” ليس شيئا في ذاته، ولكنه خصائص تكشف عن نفسها في لحظات مادية ملموسة من الممارسات الاجتماعية، باعتبارها بقايا ذاكرة توجه أفعال الفاعلين الذين يتسموا بالكفاءة.[42] نري أن البناء يظهر باعتباره شرطًا ونتيجة لعملية إنتاج التفاعل في الوقت ذاته، ومن هنا نقول إن كافة التنظيمات أو الجماعات تتكون من أنساق من التفاعل، والتي يمكن تحليلها في ضوء خصائصها البنائية، ولكن وجودها كأنساق يتوقف على وجود أنماط للصياغة البنائية تعيد إنتاجها؛ ولهذا ينبغي ألا يصاغ البناء مفاهيميًا وكأنه يفرض حدودًا على الفعل الإنساني، وإنما ينبغي النظر إليه باعتباره عنصرًا أساسيًا لتحقيق هذا الفعل؛ ولهذا يعنى جيدنز بدراسة الممارسات الاجتماعية ليوضح كيفية صياغة البنية من خلال تلك الأفعال والممارسات، وليوضح في الوقت نفسه كيف تصاغ تلك الأفعال بنائيًا. ومن ثم يمكن القول بإن عمليات الصياغة البنائية تنطوي على تفاعل كل من: (المعاني، المعايير، القوة) الموجودة داخل البناء الاجتماعي.[43]

  • العولمة وتشبيك العلاقات الاجتماعية عالميًا:

يتمثل جوهر الحداثة عند “جيدنز” في أربعة أشياء أساسية، تعد من الآثار المترتبة عليها، وهي:

  1. التباعدية Distanciation : أي التباعد الزمني المكاني Time- space distanciation ، إذ كسرت الرابطة بين الزمان والمكان، حتى أصبح من الممكن إقامة علاقات مع أشخاص غائبين فيزيقيًا، وبعيدين باستمرار “ومن ثم أصبح من الممكن فهم الكيفية التي تتشكل بها الحركات الاجتماعية، وكيفية انتقالها من النطاق المحلي إلي العالمي”.[44]
  2. الانفصالية أو الانطلاق Disembeding : أي النهوض بالعلاقات الاجتماعية من السياقات المحلية إلي التفاعل الكوني عبر الزمان والمكان غير المحدودين، ومن ثم يصبح لمفهوم “الثقة Trust” أهمية كبري؛ إذ يضع الفرد ثقته في فرد آخر خارج نطاق مراقبته المباشرة، وأحيانا خارج حدوده الجغرافية.[45]
  3. الانعكاسية Reflexivity : والتي يقصد بها أن الممارسات الاجتماعية داخل المجتمع تنتج ويعاد إنتاجها من خلال معلومات حول تلك الممارسات، فكل شيء متاح للتأمل والتفكير فيه باستمرار، فالتحليل والتأمل المستمر من أهم ملامح المجتمعات المعاصرة في رأي جيدنز؛ بسبب ما أنتجته الحداثة من مخاطر وأزمات متتالية تعمل الحركات الاجتماعية علي التعامل معها، بهدف توجيهنا إلي مجتمع أفضل تقل فيه تلك المخاطر.[46]
  4. مجتمع المخاطر وعدم اليقين المصنوع: إذ يرى جيدنز أن العالم يعيش خلال مرحلة ما بعد الحداثة في ظل مجموعة من المخاطر العالمية، التي لم يسبق لها مثيل، وغير معروفة إلي حد كبير بالنسبة لما كان سائدًا في العصور القديمة، والتي عملت على تهديد أنماط الحياة السائدة بالفعل، فهي تتجاوز حدود الزمان والمكان، ولكنها أدت في الوقت ذاته إلي توليد جهود غير مسبوقة لمواجهتها والتعامل معها، فالاهتمام منصب داخل مجتمع المخاطر العالمي علي كيفية تجنيب البشرية تلك المخاطر، التي تتعرض لها كل لحظة، مع العمل على تحقيق السلامة والأمن الإنساني الكوني، والذي يتم من خلال تكوين شبكة من العلاقات الاجتماعية الكبرى القائمة علي التضامن الإنساني الكوني، في سعى البشرية لتحقيق الأهداف العليا للإنسانية، وتجاوز المخاطر العالمية، والتي أصبحت تتجاوز حدود الزمان والمكان “فحادثة نووية في مكان ما قد تمتد جغرافيًا لتؤثر على مناطق أخرى حول العالم، كما قد تمتد آثارها عبر الزمن لتحمل آثارًا وراثية وجينية عبر الأجيال المختلفة”.[47]

ثم يؤكد “جيدنز” أن “العولمة” -كمرحلة متأخرة للحداثة- تمثل تكثيفًا للعلاقات والروابط الاجتماعية العالمية، والتي من خلالها يتم الربط بين المراكز المحلية على مستوى العالم، والبعيدة عن بعضها، بطريقة تجعل الأحداث المحلية في مكان ما ترسم من خلال أحداث أخرى تجرى على بعد أميال منها، الأمر الذي يتضمن تغيير طريقة فهمنا ورؤيتنا للجغرافيا وللخبرات المحلية. ولهذا يري جيدنز أن التغير التكنولوجي الذي نعيشه الآن قد أدى إلي عدة مخاطر مترتبة عليه، إذ يري أن الاختراعات الحديثة مثل الإنترنت جعلت من الممكن الوصول للمعلومات والمصادر عبر العالم، وعملت على تنسيق النشاطات في الوقت نفسه؛ ولهذا فلقد أصبحت المخاطر ذات طابع عالمي، وبخاصة تلك الناتجة عن التغيرات التكنولوجية والاقتصادية، فكلما ازدادت المعرفة البشرية ازدادت المخاطر، كما أن العلاقات الاجتماعية والمؤسسات والتغيرات التي تعمل على إنتاج تلك المعرفة، تعمل على إبراز المخاطر المتضمنة فيها.[48]

ثالثًا: منهجية دراسة العلاقة بين الحركات الاجتماعية الجديدة وحقوق الإنسان:

وفيما يلي نتناول الإطار المنهجي للدراسة والذي يضم: (نوع الدراسة ومنهجها، ومجتمع البحث، ثم نوع البيانات، وأخيراً أساليب التحليل)، وهذا فيما يلي:

  • نوع الدراسة.

تعد هذه الدراسة دراسة تاريخية Historical Study لحركات مناهضة العولمة بالمجتمع المصري، فتقوم الدراسة بإجراء تحليل نقدي لخطاب ثلاث حركات مصرية مناهضة للعولمة خلال عشر سنوات تمتد من عام 2001 إلي عام 2010، إذ تنطلق الدراسة منذ أحداث الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، والتي ساهمت في نمو وتطور الحركات الاجتماعية المصرية خاصة على المستوي الجماهيري، ثم هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، والتي كانت ومازالت نقطة تحول حاسمة في تاريخ البشرية المعاصر، كما كانت السبب الرئيس في انطلاق جهود الحركات الاجتماعية الجديدة لتمتد وتشمل الإطار الكوني، وتهتم بقضايا كونية عالمية، ولا تقتصر جهودها على القضايا المحلية لدول الشمال فقط (الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية)، كما أن أحداث سبتمبر مازالت إلي الآن تؤثر على الأوضاع العالمية، وخاصة في دول الجنوب والدول العربية تحديدًا، هذا مع ما سببته العولمة من تشبيك للعلاقات الاجتماعية على المستوي العالمي.

  • المنهج.

تم الإعتماد علي منهج “التحليل النقدي للخطابCritical Discourse Analysis (CDA) لبعض النصوص الصادرة عن حالات الدراسة في الفترة من 2001- 2010، إلي جانب إعتماد منهج إعادة التحليل لنتائج أهم الدراسات التي تناولت التحولات البنائية بالمجال العام بمصر منذ قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير وحتى الآن، أي خلال الفترة من 2010- 2013؛  إذ تحاول الدراسة توجيه الأنظار إلي أهمية الاعتماد على مناهج التحليل الكيفية في البحوث السوسيولوجية بمصر؛ خاصة وأنه يندر الاستعانة بمنهج التحليل النقدي للخطاب بشكل خاص، وبأساليب التحليل الكيفي بشكل عام في البحوث والدراسات السوسيولوجية بالمجتمع المصري، وهذا علي الرغم من أهميتها في إلقاء الضوء على السياق الذي تشكلت فيه الظاهرة المدروسة، هذا إلي جانب اهتمامها بإظهار العوامل كافة، التي ساعدت على تشكيل تلك الظاهرة -سواء العوامل الظاهرة أو الخفية منها-، الأمر الذي يسهم في تشكيل رؤية أكبر وأشمل وأوضح عن الموضوع المدروس، هذا بالإضافة إلي أن استخدام منهج تحليل الخطاب كمنهجية للدراسة يتوافق مع دعوة “أنتوني جيدنز” في نظرية تشكيل البنية؛ لأهمية الاعتماد على التحليل الكيفي في البحوث الاجتماعية، وعدم الانجراف في تيار التحليل الكمي السائد، ومن ثم يتسق الإطار النظري للدراسة مع إطارها المنهجي في وحدة واحدة تسهل الوصول لنتائج عامة، وتيسر عملية تحليلها وتفسيرها فيما يخص مشكلة البحث. ولقد اعتمدت الدراسة على الإستراتيجيات الفرعية لمنهج “التحليل النقدي للخطاب” من تحليل الخطاب في ضوء السياق الاجتماعي المحيط، ثم تفكيك الخطاب لأهم عناصره، وبيان أهم القوي الفاعلة به؛ الأمر الذي يساعد على الكشف عن كل ما هو خفي وغير ظاهر في خطاب الحركات الاجتماعية المناهضة للعولمة، إضافة للكشف عن العلاقة بين السياق الذي ظهر خلاله الخطاب، وبين النصوص المكونة لهذا الخطاب، وعن علاقات القوة داخل المجتمع في إطار السياق المجتمعي، ومن ثم يساعد على معرفة كيف يتم إنتاج الواقع الإجتماعى.[49]

كل ما سبق بهدف بيان الدور الذي تقوم به تلك الحركات في المناداة بحقوق الإنسان في ظل العولمة بالمجتمع المصري، مع دراسة خصائصها المميزة وأهدافها وآليات تحقيقها لتلك الأهداف، ودراسة الإستراتيجيات التي تعتمد عليها تلك الحركات لتحقيق الانتشار، مع الوضع في الاعتبار أن فهم مثل تلك الحركات الاجتماعية المعاصرة يتطلب فهم للعوامل الخارجية، التي تقع خارج حدود الدولة القومية، وهذا بهدف معرفة الأسباب الحقيقية وراء ظهورها.

  • مجتمع البحث.

الحالات المدروسة:

قامت الدراسة على تناول بعض الحالات المثيرة للإستبصار، بمعنى إجراء دراسة متعمقة لعدد منتقي من الحالات الداخلة فى نطاق الظاهرة المدروسة؛ وصلت إلي (214) نصًا صدروا عن ثلاث نماذج للحركات المصرية المناهضة للعولمة خلال الفترة الزمنية الممتدة من (2001- 2010) وتتمثل نماذج خطابات مناهضة العولمة محل الدراسة في كل من:

  1. النصوص الصادرة عن “المجموعة المصرية لمناهضة العولمة، والمعروفة اختصارًا باسم “حركة أجيجAGEG “، ولقد حصلت الباحثة على نصوص حركة أجيج من موقعها الإلكتروني قبل إغلاقه في يناير عام 2011.[50]
  2. النصوص والبيانات الصادرة عن “مؤتمر القاهرة الدولي لمناهضة العولمة” في دوراته المختلفة، والمعروف باسم (مؤتمر القاهرة لمناهضة الاحتلال الأمريكي والصهيوني).[51]
  3. الخطابات والدراسات الصادرة عن “مركز الدراسات الاشتراكية -مصر”، والمتاحة على الموقع الإلكتروني للمركز.[52]

ولقد تم اختيار مجتمع البحث وفقاً للأسباب اللآتية، ففيما يخص “حركة أجيج” لأنها تمثل حركة اجتماعية مصرية مناهضة للعولمة تمتلك مقومات الحركة، والتي تم الإشارة إليها من قبل بالتعريف الإجرائي للحركة الاجتماعية، هذا بإضافة لاهتمام “أجيج” بتأكيد أن هدفها الأساسي يدور حول مناهضة العولمة عالميًا، ومناهضة تداعياتها المحلية على مستوي المجتمع المصري، بالإضافة لسعي الحركة للتشبيك مع الحركات العالمية والإقليمية المناهضة للعولمة. كما يأتي اختيار “مؤتمر القاهرة”؛ لأنه من النماذج والأمثلة البارزة على مناهضة العولمة بمصر، والذي حدد ضمن أهدافه الأساسية منذ تأسيسه إلي أنه يهدف لمناهضة العولمة والعنصرية ودعوات الحرب، كما لم يكتف المؤتمر في مناهضته للعولمة على تناول القضايا المحلية فحسب؛ بل امتد اهتمامه ليشمل القضايا العربية والعالمية أيضاً. وفيما يخص “مركز الدراسات الاشتراكية”، فتتميز النصوص الصادرة عنه بالاستمرارية والتحديث الدائم على الموقع الإلكتروني الخاص بالمركز؛ لذا تغطي نصوص المركز فترة الدراسة كاملة بلا انقطاع، مع إمكانية التواصل وإبداء الرأي مع القائمين على الموقع حول ما يتم نشره من نصوص وبيانات على موقعهم.

المدي الزمني:

يأتي استمرار الدراسة لفترة عشر سنوات تمتد من عام 2001 إلي عام 2010، لأسباب عدة، أهمها أن مصر عاصرت خلال الفترة الممتدة بدءًا بأحداث الانتفاضة الفلسطينية عام 2000، ثم هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، وتنتصف الفترة الزمنية عام 2005، والذي شهد تعديل المادة رقم (76) من الدستور المصري في 26 فبراير 2005، وما تلاها من أحداث على المستوي المحلي تتعلق بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وما لهذه الأحداث من تداعيات شملت المجتمع المصري بالكامل، ثم تنتهي الفترة المدروسة بأحداث الانتخابات البرلمانية المصرية لمجلسي الشعب والشورى، بداية من 1يونيو 2010، وحتى 28 نوفمبر 2010، وما شاب تلك العملية الانتخابية من تزوير وترويع للمواطنين، وما ترتب علي تلك الأحداث من تبعات نعيش في ظلها حتى الآن. علاوة على أهم الأحداث العالمية التى عاصرتها الخطابات محل الدراسة مثل: (انهيار برجي التجارة العالميين بالولايات المتحدة الأمريكية، ثم الحرب الأمريكية على العراق، وتليها الحرب الإسرائيلية على غزة، مرورًا بأزمة الرهن العقاري الأمريكي، والتي أثرت على مختلف الاقتصاديات العالمية والنامية تحديدًا ومنها مصر). إلا أنه مع قيام ثورة يناير ظهرت الحاجة لمد فترة الدراسة لتتناول التحولات الراديكالية التي عاصرها المجتمع المصري منذ يناير 2011، ومن هنا امتدت الدراسة لعامين إضافيين لبيان علاقة الحركات الاجتماعية بما أصاب المجال العام من تحولات بنائية عملت على إنتقاله من العالم الواقعى إلي العالم الإفتراضي.

  • نوع البيانات ومستويات التحليل.

تقوم الدراسة على تحليل خطاب الحركات المصرية المناهضة للعولمة، والصادر عن الحركات الثلاث محل الدراسة، وما تتضمنه نصوص هذا الخطاب من لغة مكتوبة، وصور عبرت عن مضمونه وتناولت قضاياه؛ لذا تقتصر الدراسة على تحليل البيانات الكيفية عن موضوع البحث، من خلال تطبيق منهج تحليل الخطاب للحالات المدروسة، ومن خلال إعادة تحليل التراث النظري المتاح عن الحركات الاجتماعية. أما مصادر البيانات فهي تضم مصادر غير ميدانية (وثائقية)، وهي تتمثل في البيانات التي استقتها الدراسة من خلال تحليل الخطاب للنصوص الصادرة عن الحركات الثلاث محل الدراسة، مع تحليل مدي تناول خطاباتهم للقضايا النظرية الموجهة للبحث، علاوة على بيانات ثانوية تمثلت في إعادة تحليل نتائج الدراسات التى تم الإعتماد عليها لبيان طبيعة التحولات البنائية في المجال العام.

ولقد جٌمِعَتْ البيانات الكيفية باستخدام “منهج التحليل النقدي للخطاب”، من خلال الاعتماد على مجموعة من الإستراتيجيات الفرعية والمتمثلة في:[53]

  1. نقد النص والسياق Textual (Context) Criticism :

يُنْظَر إلي الخطاب على أنه نتاج أفراد ينخرطون في نسيج المواقف الاجتماعية، ويستخدمون اللغة لإنتاج الخطاب والنصوص، وهم متأثرين بدلالات سياسية وأيديولوجية محددة؛ ومن ثم فإن اللغة التي يستخدمونها، والتعبيرات والمصطلحات التي تظهر في خطاباتهم هي ذات مغزى ودلالة محددة، تشكلت داخل بناء اجتماعي وثقافي ما، ومن هنا يطلق علي تلك الإستراتيجية “تأويل النص”، ويقصد بالتأويل Hermeneutics/ Interpretation هنا: “فن الفهم”، والفهم بمعنى محاولة اكتشاف المعاني الخفية والكامنة خلف النص، وهذا من خلال فهم السياق الذي تكوَّنَ فيه النص.

  1. تفكيك النص Textual Deconstruction/ Disassembly :

تقوم إستراتيجية تفكيك النص علي رفض ونقد المعنى الظاهر للنص، ومحاولة التحرر من التفسيرات الثقافية والفكرية الشائعة حوله، والبحث عن المعاني والدلالات والتناقضات الكامنة وراء الخطاب، في محاولة للوصول لأهم العناصر المكونة له.

  1. تحليل القصدية التواصلية:

تعنى “القصدية”: توجه العقل نحو قصد معين، ونحو تأكيد معنى معين، يظهر في اللغة التي تعكس المخططات العقلية لمنتج الخطاب، وتتنوع المقاصد هنا بين أربعة أنواع أساسية هي:

(الإخبار أو النصح، أو طرح الأسئلة ومناقشة الأفكار، ثم التعبير عن التوجه الأيديولوجي والأفكار والمعتقدات الخاصة بمنتج الخطاب، وأخيراً التأثير على عاطفة ووجدان المستمعين والمتلقين)، مع العمل علي توجيه الخطاب نحو نوعية معينة من المتلقين القادرين على فهم المغزى والقصد منه.[54]

وفي نفس السياق، تعتمد الدراسة على أداتين من أدوات تحليل الخطاب هما: (سير البرهنة، وتحليل القوي الفعالة).

كما تم تحليل البيانات وفقاً لمستويات ثلاثة هي:

  1. التحليل على المستويات الكبرى Macro- Levels Analysis: بمعني دراسة خطاب الحركات المصرية المناهضة للعولمة في ضوء السياق العالمي المحيط به، وتناول أهم الأحداث العالمية والعربية التي أثرت على ذلك الخطاب، في ضوء ما سببته العولمة من تحولات عسكرية وسياسية واقتصادية واجتماعية وبيئية.
  2. التحليل على المستويات الوسطى Meso- Levels Analysis: ويقصد به دراسة خطاب حركات مناهضة العولمة، في ضوء السياق المحلي، مع تناول أهم الأحداث المحلية التي أسهمت في تشكيل خطاب مناهضة العولمة في المجتمع المصري.
  3. التحليل علي المستويات الصغرىMicro-Levels Analysis : بمعني دراسة نماذج الحركات أو الحالات المثيرة للاستبصار، وتحليل خطاباتها في ضوء القضايا النظرية الموجهة للدراسة، للخروج بعده نتائج فيما يخص العلاقة بين تلك الحركات وحقوق الإنسان، وهذا علي مستوي الحركات الثلاثة موضع الدراسة، وفي ضوء ما تتميز به من خصائص.

 

المبحث الثاني: تحليل خطاب مناهضة العولمة وقضايا حقوق الإنسان بمصر:-

أولًا: خطاب الحركات المصرية المناهضة للعولمة في ضوء السياق العالمي والمحلى:

قامت الدراسة في تحليلها لخطاب مناهضة العولمة بمصر بإتباع عدة خطوات، بداية من التعرف على السياق الاجتماعي للحركة المصرية المناهضة للعولمة، ثم تحديد العناصر المكونة لخطاب تلك الحركة، وصولاً للوقوف علي مدى إسهام الخطاب في تناول قضايا حقوق الإنسان، وفي ضوء كل ما سبق، توصلت الدراسة إلى نتائج محددة فيما يتصل بتحليلها لخطاب حركات مناهضة العولمة محل الدراسة، نتناولها في ضوء ثلاثة أفكار تضم: (السياق الاجتماعي لنصوص الخطاب محل الدراسة، ثم تفكيك الخطاب لأهم عناصره وبيان القوي الفاعلة به، وأخيراً بيان التأثير المتبادل بين التحولات السياسية وقضايا حقوق الإنسان كما أبرزها ذلك الخطاب)، وهذا فيما يلي:

  1. تأثرت أطروحات خطاب الحركات المصرية المناهضة للعولمة، بالتحولات العالمية والمحلية المختلفة، وهو الأمر الذي أكده تناول نصوص الخطاب لأهم الأحداث العالمية، وتأثيراتها المحلية على المجتمع المصري. ففيما يخص أهم الأحداث علي المستوى العالمي أثبتت النتائج تأثر الحركات المصرية المناهضة للعولمة بالكثير من التحولات السياسية العالمية، من خلال تناول خطابها لأحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، باعتبارها تمثل “انتكاسة الحركات العالمية المناهضة للعولمة”؛ نتيجة صعود قوى اليمين السياسي لسدة الحكم في العالم الغربي عقب تلك الأحداث، وما ترتب عليه من تبني فكرة الحروب الكوكبية لمحاربة الإرهاب بدعوى الأمن القومي، الأمر الذي ترتب عليه تزايد التوجهات العنصرية، والاضطهاد الديني ضد المسلمين والعرب، وضد نشطاء مناهضة العولمة على مستوى العالم. وفيما يخص أهم الأحداث على المستوى العربي أثبتت النتائج اهتمام الحركات المصرية المناهضة للعولمة بالقضية الفلسطينية، وتأثر خطابها بالانتفاضة الفلسطينية الثانية، التي اندلعت عام 2000؛ إذ أشار الخطاب إلى الانتفاضة الفلسطينية باعتبارها المحرك الأول للحركات الاجتماعية الجديدة محليًا وعربيًا وعالميًا، إضافة على تأكيده أهمية الدعم الشعبي للقضية الفلسطينية، والعمل على حشد الرأي العام لمناصرتها. وأخيرًا فلقد تأثرت أطروحات خطاب الحركات المصرية المناهضة للعولمة بمجموعة من الأحداث التي وقعت على مستوى المجتمع المصري؛ إذ بينت نتائج الدراسة تأثر مقاصد خطاب الحركات المصرية المناهضة للعولمة بالكثير من الأحداث الداخلية على مستوى المجتمع المصري، وهو الأمر الذي أبرزه خطاب الحركات محل الدراسة، من خلال انتقاده لسياسات النظام الحاكم السابق، وتناوله لوقائع تزوير الانتخابات البرلمانية، وتطرقه للتعديلات الدستورية المتكررة، إضافة لتناول الخطاب لوقائع انتهاك حقوق الإنسان بالمجتمع المصري؛ نتيجة القمع الأمني الممارس من قبل وزارة الداخلية.
  2. كما أفرد الخطاب جزءًا كبيرًا من نصوصه لتناول الأحداث التي وقعت على المستوى المحلي، فلقد مَثَلَّ الخطاب محل الدراسة، والصادر عن الحالات الثلاثة المدروسة وصفًا دقيقًا للحركة الاجتماعية الاحتجاجية التي سادت المجتمع المصري خاصة خلال الخمس سنوات الأخيرة بالدراسة، منذ عام 2005 إلى عام 2010، والتي تأثرت بظهور كل من: حركة كفاية، وإضرابات المحلة الكبرى منذ عام 2005 تقريبًا؛ وهو الأمر الذي يثبته اهتمام بعض نصوص الخطاب برصد أهم المظاهرات والوقفات الاحتجاجية التي ظهرت خلال تلك الفترة، إلى جانب تناول الشعارات التي تم إطلاقها خلال تلك الاحتجاجات، إضافة لاهتمام الخطاب بتحديد الفئات المشاركة بتلك الاحتجاجات، وتبني مطالبهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

ثانيًا: تفكيك خطاب مناهضة العولمة بالمجتمع المصري:

  1. هدف خطاب الحركات المصرية المناهضة للعولمة لتحقيق مجموعة من الأهداف الرئيسة، والتي تناولها بشكل علني ومباشر، تمثلت في: مناهضته للعولمة الرأسمالية بمختلف صورها، وتداعياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية، إضافة لاهتمامه بالدفاع عن قضايا حقوق الإنسان محليًا وعربيًا وعالميًا، وأخيرًا سعيه لإقامة مجتمع إنساني عالمي، تسوده قيم الحرية والعدالة والمساواة، وتحكمه مبادئ حقوق الإنسان.
  2. هدف خطاب الحركات المصرية المناهضة للعولمة لتحقيق مجموعة من الأهداف، والتي لم يعبر عنها صراحة، وإنما تناولها بشكل غير مباشر، كان من أهمها: تعبئة الرأي العام وحثه على الثورة ضد النظام الحاكم السابق، إضافة لسعيه القضاء على العولمة الرأسمالية، والعمل على إقامة عولمة بديلة أكثر إنسانية وعدالة تمثلت في بديلين، هما: (البديل الاشتراكي، والبديل الشعبي أو عولمة الشعوب والجماهير)، كما تبين من الخطاب تعويل الحركات محل الدراسة، على الجماهير كقوة أساسية، لابد من الالتحام بها لتحقيق أهداف حركة مناهضة العولمة؛ إذ ظهر خلال سياق الخطاب اهتمام الحركات بتأكيد أهمية الجماهير والحشد الشعبي لمواجهة مخاطر العولمة، كما أكد الخطاب ضرورة الربط بين النضال السياسي والنضال الاجتماعي، ويؤكد ما سبق اهتمام الخطاب بتعبئة الرأي العام المصري ضد سياسات النظام السابق ضمن المسكوت عنه من أهداف الخطاب، إضافة لمحاولته الربط بين تلك السياسات الداخلية وسياسات العولمة عالميًا.
  3. اتسمت الحركات المصرية المناهضة للعولمة بطابع متميز انعكس على خطابها؛ إذ كان من أهم خصائصها المميزة اهتمام خطابها بدراسة تاريخ الحركات الاجتماعية عالميًا ومحليًا، علاوة على تأكيد الخطاب أهمية النضال الشعبي؛ لتحقيق أهداف الحركة العالمية المناهضة للعولمة، بالإضافة لتأكيده أهمية العمل على بناء شبكة علاقات اجتماعية، تربط جهود مناهضة العولمة عالميًا وعربيًا ومحليًا، علاوة على اهتمامه بحقوق الإنسان الكونية، وعدم اقتصار الخطاب علي الدفاع عن حقوق الإنسان المصري فحسب، ووعيه الشديد بمخاطر العولمة، ووعيه بأهمية الربط بين مناهضته لسياسات العولمة عالميا ومناهضته للنظم الاستبدادية بالعالم العربي، ومن ثم ضرورة العمل على إشراك الجماهير في الحركات المصرية المناهضة للعولمة، وعدم قصر مناهضة العولمة على النخب السياسية والمثقفة. كما أبرزت نتائج تحليل الخطاب اتسام الحركات المصرية المناهضة للعولمة عامة، وخطابها بشكل خاص، بتنوع القوى الفاعلة فيه، كما تميز بالتشرذم الداخلي بين تلك القوى، وهذا نتيجة: للنخبوية، والعزلة، والانفصال الواقعي عن الجماهير، بالرغم من تأكيدهم أهمية الالتحام بحركة الجماهير؛ للعمل على تحقيق أهداف الحركة.
  4. أبرزت النتائج تنوع الأساليب التي اتبعتها الحركات المصرية المناهضة للعولمة، في مواجهتها لسلبيات العولمة؛ إذ عملت تلك الحركات على الاستفادة من الشق الإيجابي للعولمة لمناهضة سلبياتها، وهو الأمر الذي أظهره الخطاب الصادر عن تلك الحركات، والذي أبرز اعتماد الحركات على: تنظيم المؤتمرات، والندوات، وورش العمل، علاوة على تنظيم القوافل الشعبية التضامنية مع مختلف القضايا العربية، علاوة على إصدار البيانات؛ للتضامن مع فئات تعرضت للاضطهاد، والقمع، وانتهكت حقوقها نتيجة تطبيق سياسات العولمة، كما أثبتت النتائج اهتمام الحركات باستخدام ما قدمته العولمة من تكنولوجيا الإنترنت والاتصالات والمعلومات في إنشاء العديد من المواقع الإلكترونية المناهضة للعولمة، ونشر المجلات الإلكترونية على الإنترنت للهدف نفسه، كما أثبتت النتائج اهتمام الحركات المصرية المناهضة للعولمة بالاعتماد على وسائل الفعل الجمعي غير التقليدية لمناهضة العولمة، خاصة في الاعتماد على: حشد الرأي العام وتعبئته، والدعوة للتظاهر، ورفع الشعارات، وإطلاق الهتافات المناهضة للعولمة، إضافة إلى اهتمامها برفع مستوى الوعي الجماهيري بمخاطر العولمة، من خلال تقديم العروض الفنية، والأفلام السينمائية، ومعارض التصوير الفوتوغرافي المعبرة عن مناهضة العولمة وجوانبها السلبية كافة.
  5. ضمت الحركات المصرية المناهضة للعولمة تيارات فكرية وأيديولوجيات سياسية متعددة، أثرت في بناء الخطاب الصادر عنها، وعملت على توجيه قضاياه، وهو الأمر الذي أكده تحليل القوى الفاعلة بالخطاب، الذي ضم العديد من القوى والحركات السياسية والاجتماعية والشعبية، سواء المصرية أم العربية أم العالمية، والتي تنوعت خلفياتها السياسية ما بين: المنتمين للفكر الاشتراكي، والناصري، والقومي العربي، والليبرالي المعتدل، والإسلامي، أو حتى المستقلين من غير المنتمين لأي تيار سياسي، كما تميزت الحركات المصرية المناهضة للعولمة بتنوع القوى الفاعلة المشاركة في إنتاج خطابها، ما بين: أفراد، وحركات، ومنظمات، مختلفة الجنسيات والهويات والديانات والانتماءات السياسية والفكرية والثقافية؛ إذ ضمت أفرادًا، ونشطاء حقوقيين، وسياسيين، وشخصيات عامة، وصحفيين، وقياديين بالحركات العمالية، والحركات الفلاحية، والنسائية، والطلابية، وكُتّاب صحفيين، وروائيين، وممثلين، ومهندسين، وأطباء، ونشطاء من الشباب أو من المنتمين للأحزاب السياسية المعارضة، ولقد أفرز هذا التنوع الفكري تنوعًا في القضايا التي تناولها الخطاب، ظهر في دفاعه عن حقوق الفئات والجماعات كافة -حتى الذين يختلفون معهم فكريًا أو سياسيًا- وهو الأمر الذي أكده سبيل المثال لا الحصر دفاع الاشتراكيين الثوريين عن الإخوان المسلمين، وعن المنتمين للجماعات الإسلامية من أصحاب اللحى والمنقبات، ضد ما يتعرضوا له من تمييز في العمل أو اعتقال، مع تأكيد أن اختلافهم معهم فكريًا وسياسيًا، لا يمنع وقوفهم إلى جانبهم، ودفاعهم عن حقوقهم الأساسية السياسية والاقتصادية والثقافية.
  6. أثبتت نتائج الدراسة تأثر الحركات المصرية المناهضة للعولمة بالحركات الاجتماعية الأخرى، سواء على المستوى العالمي أو العربي والمحلي، إذ يظهر من خلال خطاب الحركات المصرية المناهضة للعولمة تأكيده المستمر أهمية تشبيك العلاقات وترابطها مع الحركة العالمية المناهضة للعولمة وتفرعاتها الإقليمية كأحد أهم القوى الفاعلة المشاركة في خطابها، علاوة على تناول الخطاب لمجموعة من الحركات الاجتماعية الجديدة (NSMs)، والتي ظهرت بالمجتمع المصري، وتأكيده أهميتها المجتمعية باستمرار، مثل: (حركة حشد، وحركة تضامن، وحركة الاشتراكيون الثوريون، وحركة 20 مارس، وحركة 9 مارس لاستقلال الجامعات، والجبهة الحرة للتغيير السلمي، ومصريون ضد التمييز الديني، والجمعية الوطنية للتغيير، والحركة المصرية من أجل التغيير “كفاية”، وحركة شباب العدالة والحرية، وحركة 6 أبريل، والحملة الشعبية لدعم البرادعي ومطالب التغيير، والحملة الشعبية المصرية لمواجهة العدوان على العراق وفلسطين، واللجنة المصرية لمناهضة الاستعمار والصهيونية).

ثالثًا: خطاب مناهضة العولمة بمصر مابين التحولات السياسية، وقضايا حقوق الإنسان:

  1. تبين من خلال نتائج الدراسة اهتمام خطاب الحركات المصرية المناهضة للعولمة بالدفاع عن مختلف أنماط حقوق الإنسان، (المدنية السياسية، والاقتصادية الاجتماعية، وحقوق التضامن)، وهو الأمر الذي أكده تنوع القضايا التي تناولها الخطاب، ما بين قضايا تخص الحرب والسلام عالميًا، وقضايا التلوث البيئي، وقضايا الاضطهاد الديني، والتفرقة العنصرية، والحريات الدينية، وحقوق العمال والفلاحين، وحقوق المرأة، وقضايا حرية الصحافة، وحرية معتقلي الرأي والنشطاء السياسيون والحقوقيون، وقضية الصراع العربي الإسرائيلي، وغيرها من القضايا التي تناولتها النصوص المختلفة للخطاب.
  2. أثبتت النتائج اهتمام الخطاب بتناول أنماط حقوق الإنسان كافة محليًا وعربيًا وعالميًا؛ وهو الأمر الذي أكده اهتمام الخطاب بتناول الحقوق الاقتصادية للعمال في: مصر، وفرنسا، والعراق، وفلسطين، علاوة على تناوله لحقوق الفلاحين: بمصر، وفلسطين، والعراق، وبدول جنوب شرق آسيا، وأمريكا اللاتينية. واهتمامه بالحقوق السياسية للنشطاء السياسيين ومعتقلي الرأي: بمصر، والمغرب، وغيرها من الدول العربية. إضافة لتناول الحقوق الثقافية للأقليات الدينية والعرقية التي تتعرض للاضطهاد الديني والتفرقة العنصرية، مثل :ما تتعرض له الأقلية المسلمة في أوروبا والولايات المتحدة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، علاوة على اهتمامه بحقوق الأقباط في مصر. كما تناول حقوق التضامن للشعوب الواقعة تحت الاحتلال، أو المعرضة لخطر الحروب الاستعمارية الكوكبية، مثل تناوله: لحقوق الشعب الفلسطيني، والعراقي، واللبناني، والأفغاني في الأمن، والسيادة على أرضه، وتحقيق التنمية، وحقهم في السلام بعيدًا عما تسببه تلك الحروب من دمار. وأخيرًا فلقد أكد الخطاب الحق الإنساني في بيئة آمنه سليمة، خالية من الملوثات والتغيرات المناخية والبيئية، وما ترتب عليها من كوارث طبيعية، أرجعها الخطاب لتطبيق سياسات العولمة الصناعية، التي لا تهتم سوي بتحقيق المكاسب الاقتصادية للقلة الرأسمالية، بغض النظر عما يسببه هذا من تلوث بيئي.
  3. تبين نتائج الدراسة تبني الحركات المصرية -في مجال مناهضة العولمة- لرؤية الحركة العالمية نفسها، في رفضهما للسياسات الاقتصادية للعولمة، وهو الأمر الذي أكده رفض خطاب الحركات المصرية المناهضة للعولمة لهيمنة المؤسسات الاقتصادية الدولية، مثل: (منظمة التجارة العالمية، والبنك الدولي، والصندوق الدولي)، بالإضافة لرفض الخطاب لسياسات منظمة التجارة العالمية، وما يتم توقيعه من اتفاقيات برعاية تلك المنظمة؛ لما يترتب عليها من آثار اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية وبيئية، أثرت بالسلب على حقوق الإنسان بدول الجنوب، إضافة لامتداد تأثيرها على حقوق الفقراء بدول الشمال، هذا في الوقت نفسه الذي عظمت فيه من مكاسب دول الشمال الكبرى.
  4. رصد خطاب الحركات المصرية المناهضة للعولمة تحولات سياسية بالمجتمع المصري خاصة على مستوى المواطنة والمشاركة السياسية؛ وهو الأمر الذي أبرزه الخطاب بتناوله تصاعد الحركات الاجتماعية الاحتجاجية، والحركة العمالية في المجتمع المصري، خلال فترة الدراسة، والتي ضمت أغلب فئات المجتمع من: عمال، وفلاحين، وطلاب، وأطباء، ومدرسين، ومحامين، وقضاه، وعمال سكك حديدية، وصيادين، وسائقي النقل الخاص (الميكروباص)، وموظفي الضرائب العقارية،…وغيرهم، الأمر الذي أشار لزيادة معدلات المشاركة الشعبية في المطالبة بإحداث تغييرات سياسية واجتماعية حقيقية بالمجتمع، إضافة للتحول بمفهوم المواطنة، وهو الأمر الذي رصدته نصوص الخطاب التي أظهرت تضامن القوى الفاعلة بالخطاب مع كل من: الأقباط، والنساء، والاشتراكيين، والإخوان المسلمين، والموظفين المضطهدين من أصحاب اللحى والمنقبات، وغيرهم في الدفاع عن حقوقهم المختلفة.

المبحث الثالث: الحركات الاجتماعية الجديدة والتحول البنائي في المجال العام بمصر:-

أولًا: الحركات الاجتماعية الجديدة وإنحسار المجال العام:

يؤكد “هابرماس” أن فكرة المجال العام بدأت في الإنحسار بداية من النصف الثاني من القرن التاسع عشر تزامناً مع العديد من التحولات العالمية، ومن هنا وضع لنا “هابرماس” ملامح إنحسار المجال العام ممثلة في: (تلاشي الاختلاف والانفصال بين المجتمع والدولة -ذلك الاختلاف الذي عمل في البداية على إيجاد مساحة لظهور المجال العام بالأساس- ومع الاختلاط بين المجالين العام والخاص؛ إذ أصبح للسلطات السياسية وظائف في مجال العمل الاجتماعي كما أصبحت للمشكلات الاجتماعية دلالات سياسية، ترتب على ذلك زيادة تدخل الدولة في العملية الاقتصادية وذلك نظراً لزيادة حدة أزمات الرأسمالية الأمر الذي حتم تدخل الدولة، كما زادت المسئوليات الملقاة على عاتق الدولة ومن ثم زاد تدخلها في الحياة الاجتماعية لمواطنيها، هذا علاوة على تلاشي التنظيمات التي كانت في الماضي تمثل ميداناً للمجال العام وتضاؤل أهميتها فعلي سبيل المثال أصبح الإعلام مجالاً للاستهلاك الثقافي بعد أن كان ساحة للنقاش العقلاني النقدي كما أصبحت الصحف والمجلات والدوريات جزءاً من هيئات إعلامية كبيرة هدفها الربح وتحكمها العديد من الاعتبارات الاقتصادية الأمر الذي أفقد وسائل الإعلام وظائفها الأساسية مع هذا التحول التجاري الذي أصابها، ويتمثل الملمح الأخير من ملامح إنحسار المجال العام كما يراه “هابرماس” في عزل الجماهير عن عملية النقاش العام وعمليات اتخاذ القرار؛ إذ تم التعامل مع الجماهير على أنهم مصدر لحصول القادة السياسيين والأحزاب علي التصفيق والتهليل فحسب).[55]

ولقد وجهت العديد من الانتقادات لنظرية “هابرماس” نتيجة إغفاله دور وسائل الإعلام والاتصال الحديثة على حياتنا المجتمعية، ولإهماله طبيعة إنتقال المجال العام من العالم الواقعي إلي العالم الإفتراضي؛ إذ يري البعض أن بوسع الثورة الإعلامية الاتصالية أن تسهم بصورة كبيرة في تنمية التوجهات والممارسات الديمقراطية. رغم أن التلفاز والصحافة والإنترنت علي سبيل المثال يخضعان للاعتبارات والمصالح التجارية، فإن جانباً كبيراً من نشاطهم يفتح مجالات واسعة لتنمية المناقشات الجماعية والحوارات المفتوحة. وبالتطبيق على المجتمع المصري نجد أن هناك مجموعة من الدراسات حاولت تقديم تفسيرات متعددة لضعف المشاركة السياسية في الدول العربية، وتوصلت إلي أن غياب ومحدودية مؤسسات المجتمع المدني يضعف إمكانات تبلور نمط حديث من التنظيم السياسي التعددي، ومن ثم فالأنظمة السياسية الديمقراطية تشجع على المشاركة الفعالة. كما اتضح أن هناك عوامل أخرى تتحكم في حجم وفعالية المشاركة السياسية بالبلدان العربية يأتي على رأسها: (اضمحلال القوي السياسية والاجتماعية على مدار التاريخ نتيجة الصراعات الفكرية والسياسية الغالبة على المجتمعات الإسلامية والعربية، إضافة لتأثر تلك البلدان الفترة التاريخية للاستعمار والاحتلال العسكري واستمرار اتجاهات الديمقراطية الوصائية، علاوة على تأثير المؤسسة العسكرية على إمكانات التطور الديمقراطي بالبلدان العربية، وضعف وهشاشة البناء الحزبي لمعظم الأحزاب السياسية العربية).[56]

قدمت دراسة مصرية أجريت عام 2008 تحليلاً للمجتمعات الافتراضية علي شبكة الإنترنت، هدفت الدراسة لتناول مقومات تشكيل الجماعات الافتراضية، وآليات تكوينها، مع تناول الإشكاليات المرتبطة بنشأة المجتمعات الافتراضية، والتركيز علي مدى قدرة الإنترنت في القيام بدور إيجابي في تشبيك الجماعات الاجتماعية بدلاً من تفتيتها. وتري الدراسة أن قوة الإنترنت تكمن في الطريقة التي يستطيع بها إيجاد روابط وصلات بين الأفراد أينما كانوا، فبإمكانها العمل على بناء شبكات اجتماعية جديدة لم تعرفها وسائل الاتصال التقليدية، مثل الشبكات العلمية للباحثين في مجال أكاديمي معين، أو بعض الجماعات العاملة في مجال الخدمات الخيرية والمساعدات الصحية والاجتماعية، وغيرها من الجماعات القائمة علي الاستفادة من إمكانيات الإنترنت لتجاوز المسافات والفواصل الجغرافية بين البشر، مع النظر (للمجتمع الافتراضي) باعتباره: تجمعات أو شبكات اجتماعية تنشأ على الإنترنت عندما يتبادل الأفراد النقاش والحوارات الجماهيرية فيما بينهم لفترة زمنية طويلة ومستقرة نسبياً، مع استعدادهم لتكوين علاقات إنسانية وتشكيل شبكات اجتماعية من العلاقات الشخصية فيما بينهم عبر وسيط الاتصال التفاعلي الذي يستخدمونه ويتبادلون الاتصال من خلاله. وتوصلت الدراسة إلي أن الاتجاه الغالب بين العلماء والأكاديميين يري أن شبكة الإنترنت يمكن أن تلعب الدورين السلبي والإيجابي معاً، بمعني أنها تعد آلية للتفتيت كما تعد آلية للتشبيك، قد تساعد الفرد على التواصل والتقارب مع تقسيمات اجتماعية مختلفة عنه في العمر والنوع والعرق والمستوي الاجتماعي والاقتصادي، أو قد تشجع الفرد على تقويه وتدعيم تواصله الاجتماعي مع آخرين ممن لهم نفس خلفياته ويتبنون نفس آراءه. كما تؤكد الدراسة أن المجتمع المصري شهد العديد من الأحداث التي عكست بوضوح دور الجماعات الافتراضية وتنامي قوتها في مناقشة القضايا المجتمعية، وقدرة الإنترنت على تبني الكثير من الدعوات والدعوة لعدد من القضايا، والدخول في العديد من المناقشات الجماعية بين تلك الجماعات الافتراضية، ومن ثم تغليب وجهة النظر التي تصف الإنترنت بوصفه أداة للتواصل والتشبيك الاجتماعي أكثر من كونه أداة للتفتيت.[57]

كما نشرت دراسة مصرية في 2009 بعنوان (انهيار المجال العام وصعود الفضاء المعلوماتي)، هدفت لتناول بعض من تعريفات المجال العام، ودراسة العلاقة بين المجال العام وطبيعة النظم السياسية القائمة، مع تناول انتشار التدوين والمدونات الإلكترونية كأحد مظاهر ديمقراطية الفضاء المعلوماتي. إذ تنظر هذه الدراسة إلي (المجال العام) باعتباره فضاء في الحياة الاجتماعية حيث يجتمع الناس معاً، ويناقشون بحرية المشكلات المجتمعية ذات الشأن العام، ويحاولون من خلال مناقشاتهم تلك التأثير في الفعل السياسي وعلي القرارات والسياسات الحكومية، بمعني أن المجال العام يتوسط بين المجال الخاص للفرد وبين مجال السلطة العامة للدولة، وأن المجال العام يعبر كلا من المجالين الخاص والعام من خلال آلية الرأي العام الذي يجعل الدولة بصيرة بحاجات المجتمع. وأكدت الدراسة أن ممارسات المجال العام يحددها طبيعة النظام السياسي القائم؛ وتري أن النظم الشمولية التي لا تقبل بالتعددية الفكرية عملت على القضاء على المجال العام بمجتمعاتها، أما نظم الحكم السلطوية فقد ضيقت الخناق على حرية الرأي والتعبير والاختلاف، وقامت النظم الليبرالية بمصادرة المجال العام من خلال استعماره من قبل مؤسسات الدولة المختلفة. إلا أن الدراسة تؤكد أن الحل لمواجهة استعمار المجال العام يكمن في ما أطلقت عليه (ديمقراطية الفضاء المعلوماتي)، والتي تتجلي أبرز صورها في المدونات الإلكترونية وغيرها من الممارسات الفكرية المستحدثة علي شبكة الإنترنت، والتي خلقت فضاء اجتماعي جديد يتسم بالحرية المطلقة ويخلو من القيود والحدود التي تضعها النظم السياسية والحكومات، ذلك الفضاء المعلوماتي الذي يتعلم خلاله الناس كيف يستخدمون وسائل الاتصال الحديثة، وكيف يكونون آرائهم المستقلة بدلاً من أن يكونوا ضحايا وسائط الإعلام المختلفة من صحف وإذاعة وتلفاز، ومن ثم تتسم هذه الديمقراطية الجديدة بتعدد الأصوات الفكرية وعدم هيمنة التفكير الأحادي على عقول الناس. وفي النهاية تطرح الدراسة تساؤلات مستقبلية حول ما إذا كانت هناك محاولات لصياغة ثقافة كونية ودور العالم العربي في تلك الصياغة، وهي مسئولية تقع على عاتق المثقفين العرب والشباب من مستخدمي الإنترنت لكي نراقب تلك العملية برؤية نقدية، حتى لا تفاجئنا ثقافة كونية تصاغ على حساب القيم الثقافية لحضارتنا العربية والإسلامية.[58]

ومن الدراسات الحديثة في مجال المشاركة السياسية بالعالم العربي، دراسة نشرت في مطلع العام الحالي 2012، حاولت الإجابة على سؤال (كيف تؤثر المظاهرات والإعتصامات في سياسات الدول؟)، وهذا انطلاقاً من النظر لتلك الأنشطة باعتبارها شكل من أشكال المشاركة السياسية غير التقليدية والتي انتشرت في عالمنا العربي بشدة مع مطلع العام 2011، وارتبطت بما أطلق عليه إعلامياً (ثورات الربيع العربي). كشفت الدراسة عن وجود أساليب وتكتيكات جديدة لم تكن معروفة من قبل تشهدها الحركة الاحتجاجية بالشارع العربي حالياً، تتمثل في ثلاث تكتيكات أساسية هي: (الشعار: والذي تري الدراسة انه يلعب دوراً حاسماً في المظاهرات وخاصة المضمون السياسي الذي يحمله الشعار وقدرته في التعبير عن مكوناته ومضمونه بعدد قليل من الكلمات، ويتمثل الأمر الثاني في المكان: مكان التظاهر والاعتصام والذي عادة ما يكون في الميادين العامة مثل ميدان التحرير بالقاهرة والساحة الخضراء في ليبيا وميدان اللؤلؤة بالبحرين، إذ عادة ما تمثل تلك الميادين العامة رمزاً تاريخياً لمجتمع، علاوة على اتساع رقعتها الجغرافية مما يسمح باستيعاب اكبر عدد ممكن من المتظاهرين وأخيراً سهولة وصول وسائل الإعلام لها، ويتعلق التكتيك الثالث والأخير بالتنظيم والتعبئة والحشد: والذي أصبح يتم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة على شبكة الإنترنت، إذ بتم تبادل (إرشادات) عامة قبل التظاهر تعمل على نجاحه. وتؤكد الدراسة أخيراً أنه بالرغم من أن سلوك التظاهر والاعتصام يعد من الإنجازات الحقيقية للثورات العربية الآن، إلا أنه يشوبه بعض التخوفات والمتعلقة بأن يصبح هذا السلوك ظاهرة متأصلة ومستمرة في الشارع المصري والعربي مما قد يعطل (مسيرة التحول الديمقراطي) التي تشهدها مجتمعاتنا العربية الآن، ويرتبط التخوف الثاني بأن تسيطر بعض التيارات الإسلامية ذات الشعبية الكبيرة على هذه الظاهرة وتحولها لأداة تحقق بها بعض المكاسب السياسية الخاصة.[59]

كما انطلقت دراسة مصرية معاصرة -نشرت في مطلع هذا العام الحالي 2012- من مفهوم المجال العام الذي طوره “يورجين هابرماس” حيث رأى الساحات العامة مساحة للفعل التواصلي، ومساحة لما يعرف بديمقراطية التشاور والتداول Deliberative Democracy، وتهدف الدراسة لتناول الواقع الاجتماعي للشارع السياسي العربي بصفة عامة والمصري بصفة خاصة من خلال مفهومي الحركات الاجتماعية والمجال العام، في ظل الزخم السياسي الذي يموج به الشارع السياسي العربي فيما أطلق عليه البعض “الربيع العربي”. وتوصلت السياسية من خلال تحليلها للمشهد السياسي الحالي إلي ضرورة إعادة النظر في تصورات مفهوم المجال العام، هذا المجال الذي اختلف من حيث الامتداد والعمومية ليظهر لدينا ثلاثة امتدادات للمجال العام تتمثل في: (الفضاء الإعلامي: الذي سار وسيلة لتداول الآراء بشكل سريع مما جعل الشارع العربي يتسع ليشمل الملايين الجالسة خلف شاشات التلفاز، الأمر الذي أدي لتوسيع تعريف الشارع السياسي ليصبح مرئياً وعربياً وليس قطرياً محدوداً، ثم الفضاء الإلكتروني: الذي أتاح لقطاعات واسعة من الشباب الخروج من أسر واحتكار المعلومات، ليعمل على المشاركة في تغيير المستقر من ثقافة سياسية، وتبادل الأخبار والخبرات في تنظيم الفعل الاحتجاجي المتنامي منذ عام 2003، مع سقوط بغداد علي يد الغزو الأمريكي للعراق. كما رصدت الدراسة تحولات في المجال العام على المستوي المصري فلم يعد الفعل السياسي مقصوراً علي نخبة أو قيادات رأي عام أو صفوف معارضة، بل بدأت الحركات الاجتماعية تشكل قواعد حركتها في الشارع -حرفياً- فنلاحظ شباب الحركات الشبابية، وشباب حركة كفاية، وحركة 6 أبريل، وكلنا خالد سعيد، تبين أنهم أكثر إبداعاً وجرأة، ويتحركون باستراتيجيات غير معهودة، مما ترك علامة بارزة في الفضاء العام التقطتها باقي فئات الشعب وعملوا علي توسيع مداها وتأثيرها، وهو ما أثمر في النهاية ثورة 25 يناير 2011، ليصبح (الشارع Street) هو المساحة الفاعلة التي عملت من خلالها تلك الذات الفاعلة السياسية Political agency من الشباب وباقي فئات الشعب.[60]

ومما سبق نستنتج أنه مع إنحسار المجال العام وفقدان المجتمع المدني ومؤسساته لدورهم نتيجة تدخل زيادة تدخل الدولة ومؤسساتها، اتجه المواطنون للمشاركة السياسية عبر طرق غير تقليدية كان من أبرزها إنخراطهم في تشكيل حركات اجتماعية، وخاصة تلك المناهضة للعولمة، كما نلاحظ ان المجال العام تأثر بتلك التحولات العالمية وانتقل المجال العام من الواقع الفعلي إلي الواقع الإفتراضي، والذي نشط عبره نشطاء الإنترنت من السياسين والشباب المنتمين للتيارات السياسية المتعددة، لتمثل مواقع التواصل الإجتماعي منفذ للتعبير عن الرأي بحرية ووسيلة للتشبيك الاجتماعي وحشد الجهود، وهو ما ظهر بالفعل أثناء مراحل الإعداد لثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 بمصر والدور الذي لعبته صفحات مثل: (كلنا خالد سعيد، وصفحة شباب 6 أبريل، وصفحة حركة كفاية) والذين قاموا على موقع التواصل الاجتماعي Face Book بحشد جهود عدد كبير من الشباب وتشجيعهم على النزول للشارع وبيان مسارات السير وكيفية مواجهة الممارسات الشرطية القمعية وغيرها من الأفكار التى كان يتداولها الناشطون عبر المجال العام الإفتراضي.

 

ثانيًا: الحركات الاجتماعية الجديدة كصورة من صور المشاركة السياسية غير التقليدية:  

يقصد بالمشاركة السياسية: العملية التي يلعب الفرد من خلالها دوراً في الحياة السياسية لمجتمعه، وتكون لديه الفرصة للمشاركة في وضع وصياغة الأهداف العامة لذلك المجتمع، وكذلك إيجاد أفضل الوسائل لتحقيق وإنجاز هذه الأهداف. وهناك تعريف آخر للمشاركة السياسية يعرفها: بأنها تلك الأنشطة السياسية التي يشارك بمقتضاها أفراد مجتمع ما في اختيار حكامه، وفي صياغة السياسة العامة بشكل مباشر أو غير مباشر، أي أنها تعنى اشتراك الفرد في مختلف مستويات النظام السياسي.[61]

كما تتجسد المشاركة السياسية في كافة الأنشطة الاختيارية أو التطوعية التي يسهم أفراد المجتمع عن طريقها في اختيار حكامهم وممثليهم السياسيين، وفي صنع السياسة العامة… وتتنوع المشاركة السياسية بين الأشكال التقليدية ممثلة في: المشاركة في عمليات التصويت والمناقشات وتجميع الأنصار وحضور الاجتماعات العامة والاتصال بالنواب البرلمانيين، وبين أشكال أخرى أكثر فاعلية مثل: تكوين الحركات الاجتماعية والانضمام للأحزاب السياسية والمساهمة في الدعاية الانتخابية والاضطلاع بالمهام الحزبية والمهام العامة بالمجتمع.[62]

وبناء علي ما سبق يمكننا التمييز بين شكلين أساسيين من أشكال المشاركة السياسية هما: (المشاركة السياسية الرسمية: التي يقوم بها أي سياسي يتقلد منصب رسمي بالدولة، والذين يحاولون دعم استقرار النظم السياسي الذي يسيطرون عليه من واقع الحفاظ على مصالحهم الخاصة، ثم النوع الثاني وهو المشاركة السياسية غير الرسمية: التي تمثلها جماعات المصلحة والضغط والأقليات، فالمعارضة في أي نسق سياسي تعبر عن شكل من أشكال المشاركة السياسية غير الرسمية).[63]

ويري البعض أن من أبرز الطرق غير التقليدية للمشاركة السياسية ما يسمي (الحركات الاجتماعية الجديدة New Social Movements ) التي تمثل أساساً نوعاً من جماعات الضغط أو جماعات المصالح ولكنها تعبر عن اهتمامات مختلفة وتعمل بطرق تختلف عن تلك التي ترتبط عادة بجماعات الضغط.[64]

وتتعدد أشكال التعبير عن الرأي وتنوع صور المشاركة السياسية التى تعتمد عليها الحركات الاجتماعية الجديدة، فالمجتمعات الديمقراطية تتيح لمواطنيها حق المشاركة السياسية سواء عبر القنوات الرسمية القانونية كالانتخاب والاستفتاء، أو عبر القنوات غير التقليدية مثل الإضرابات والمظاهرات والاحتجاج ومعارضة النظم القائمة، وتعد تلك الأفعال وسيلة للتعبير عن الرأي والإرادة من منطلق كفالة الحرية وسيادة الديمقراطية، ولكن تتعدد أسباب لجوء المواطنون لمثل تلك الأفعال ومن تلك الأسباب الآتي: (في حالة عدم تمثيل النظام السياسي السائد لكافة طوائف الشعب، ومن ثم عدم تجسيده للإرادة العامة للمواطنين، أو عندما يكون قطاع كبير من الشعب غير ممثل في البرلمان يلجأ هذا القطاع لإسماع صوته مباشرة للسلطة والحكومة متجاوزا البرلمان، وأخيراً قد يلجأ المواطنون لتلك الوسائل والأساليب ليستعيدوا بالقوة بعض من حقوقهم التي فرط فيها النظام البرلماني الذي فوضه الشعب، ومن أبرز الأمثلة على ذلك المظاهرات التي حدثت في فرنسا عام 1995 أحتجاجآ على قانون التعليم الذي أصدره البرلمان حتى ألغى القانون تحت وطأة الضغط الشعبي والمظاهرات والاحتجاجات في الشوارع).[65]

وفيما يلي بعض صور وأشكال المشاركة السياسية التى ينتهجها أعضاء وممثلي الحركات الاجتماعية الجديدة:

المظاهرة Manifestation / Demonstrations: هي بيان جماعي علني ومنظم لرأى أو لإرادة يتخذ شكل مسيرة جماعية تعلن عن نفسها وأهدافها فيما تحمله من شعارات أو ما تطلقه من هتافات. أما الاحتجاجProtest : فهو إعلان ضد ما يعتبر غير شرعي وظالمآ… يتم على أساس فردى أو جماعي. [66]

كما يعرف الاحتجاج بأنه عمل جمعي يستخدم وسائل غير مألوفة للضغط على السلطات والمؤسسات الرسمية لتحقيق مطالب محددة ولتغيير الظروف السائدة ومعالجة المظالم والشكاوى الجمعية.[67]

أما المعارضة السياسية Political Opposition: فهي النشاط أو الفعل المضاد أو المناوئ لمسلك الحكومة من قبل قوة أو أكثر داخل المجتمع السياسي… وقد تكون المعرضة إيجابية إذا قصد منها تعديل سلوك الحكومة، وقد تكون سلبية إذا لم يقصد منها إحداث مثل هذا التعديل، كما قد تكون المعارضة مشروعة ومنظمة حينما تمارسها التنظيمات الحزبية، وقد تكون غير منظمة وغير مشروعة حينما تأخذ شكل التظاهر أو الإضراب أو الاغتيال أو الانقلاب أو الثورة أو غيرها من أشكال الاحتجاج العنيف.[68]

ويختلف التوجه نحو المعارضة على أساس اختلاف نظم الحكم كالآتي: ( فهناك النظم المستبدة المهيمنة والتي تحظر وجود معارضة من أي نوع، علاوة على النظم الديمقراطية التي تكفل حرية التعبير والتجمع والاعتراض لمواطنيها، وأخيراً نظم مختلطة تجمع بين الاستبداد والديمقراطية ويختلف تعاملها مع المعارضة وفقآ لدرجة تسامحها ومقدار الحرية الذي تمنحه للمعارضة). وأبرز مثال هنا ما نجده في الدول النامية فالمعارضة السياسية في بلدان العالم الثالث إما محظورة أو محاصرة فعادة ما تتعرض المعارضة في تلك البلدان لشتى صنوف القهر والقمع وتبرر السلطة الحاكمة ذلك القمع إما أن دولهم ليست بحاجة لقوى المعارضة لأن هناك تكامل تام وتطابق كلى بين الحكومة والشعب، أو أن المعارضة ما هي إلا وسيلة  لإهدار طاقات المتعلمين المعارضين في جدل عقيم لا طائل من وراءه أو أن المعارضة هي السبب الرئيسي لإشعال الفتن السياسية ووجود حالة من عدم الاستقرار السياسي في البلاد.[69]

الإضراب Strike : يُعِرف علم الاجتماع الصناعي (فعل الإضراب) داخل التنظيم الصناعي بأنه رفض الموظفين بشكل جماعي الاستمرار في العمل، مثل ما يحدث في حالة الصراع داخل التنظيم الصناعي.[70]

العصيان المدني Civil Disobedience : هو نوع من المقاومة السلبية المتمثلة في رفض الطاعة والانضباط، دون تجاوز ذلك الى استخدام السلاح ولا العنف بل يلجأ الى مظاهر أخرى مثل: الإضراب- السلبية- عدم التعاون…)، ويمثل العصيان المدني قوة لا يستهان بها إذ يشل إمكانية مواجهته بالعنف لأنه يسلب الطرف الآخر مبرر العنف، وقد يحدث العصيان المدني بطريقه غير محسوسة مثل التراخي واللامبالاة والتكاسل، ولكنه لكي يكون عصيانا مدنيا يجب أن تحدث هذه الظاهرة على مستوى أعم مما تحدث عند بضعه أفراد.[71]

ويحتل العصيان المدني مكاناً وسطاً بين العمل السياسي الذي يتم عبر القنوات الدستورية والقانونية الشرعية، وبين ممارسة المشاركة السياسية عبر الوسائل غير التقليدية مثل الانتفاضة أو الثورة أو الاحتجاج والمظاهرات، لذا يعرف على انه: “هو مخالفة وعدم طاعة القانون عن قصد وتعمد لأسباب متعددة ترجع إما الى مبادئ سياسية أو الى أسباب دينية أو أخلاقية… فيستند القائمون بالعصيان المدني على مبررات تتجسد في الاحتكام الى قانون أسمى من القانون الموجود في إطار البنية التي يعيشون فيها.[72]

ونلاحظ من العرض السابق، أن الحركات الاجتماعية الجديدة أصبحت تمثل ضرورة مجتمعية بإعتبارها واحدة من أهم مصادر التغيير السياسي بالمجتمعات البشرية المعاصرة فمن الطبيعي أن تجاهل وإهمال السلطة الحاكمة للحركات الاجتماعية المتصاعدة يعرض المجتمع المصري للكثير من المخاطر الاجتماعية، والتي أبرزها “أنتوني جيدنز” في تناوله لمفهوم “مجتمع المخاطر”؛ إذ يري أن الاهتمام داخل مجتمع المخاطر أصبح منصب على الكيفية التي يمكن بها تجنيب البشر تلك المخاطر، التي نتعرض لها كل لحظة؛ ومن ثم يمكن الإعتماد على الحركات الإجتماعية في تكوين “شبكة من العلاقات الاجتماعية الكبرى” القائمة على “التضامن الإنساني الكوني” لتحقيق السلامة والأمن الكوني للإنسان.

كما تبين تعرض المجال العام بالمجتمع المصري للاضمحلال نتيجة استعماره من قبل القوي السياسية المسيطرة والتابعة للصفوة الحاكمة خلال الخمس سنوات الماضية (2005- 2010)، الأمر الذي ظهر في التضييق على الأحزاب السياسية المعارضة وتهميش المجتمع المدني والتنظيمات التطوعية والأهلية والحركات الاجتماعية المتعددة، علاوة على مصادرة الحريات وضعف قدرة المواطنين في التعبير عن رأيهم بحرية، الأمر الذي ترتب عليه ضعف المشاركة السياسية وتدني مستوياتها بالمجتمع المصري خلال الفترة الأخيرة.

ترتب على ما سبق حدوث تحول في المجال العام بالمجتمع المصري، إذ انتقلت المشاركة السياسية من الواقع المعاش إلي الواقع الافتراضي ممثلاً في شبكات التواصل الاجتماعي المتعددة علي شبكة الإنترنت، فظهرت العديد من التجمعات الشبابية ذات التوجهات السياسية المتنوعة والتي عملت على حشد وتعبئة جهود المشاركين فيها لتنظيم حركة الاحتجاجات بالشارع المصري من مظاهرات واعتصامات وإضرابات، ويكفينا في هذا السياق القول بأن الدعوة للمظاهرات التي أفرزت ثورة الخامس والعشرين من يناير بدأت على موقع التواصل الاجتماعي Facebook، بدعم من موقعي YouTube  و Twitter، ومن خلال صفحات بعينها مثل: (كلنا خالد سعيد،  وصفحة حركة 6 أبريل، وصفحة حركة كفاية، وغيرهم من الصفحات) الأمر الذي يثبت أن الشعب المصري لجأ للمقاومة بالحيلة، بعد أن تم استعمار المجال العام من قبل السلطة الحاكمة، فلجأ لخلق وإيجاد مجال عام أرحب وأوسع من خلال الواقع الافتراضي على شبكة الإنترنت، يستطيع من خلاله الإطلاع على تجارب الآخرين على مستوي العالم والاستفادة منها، مع العمل على نشر المعلومة بسرعة كبيرة بين أكبر عدد ممكن من المواطنين، وبالتالي القدرة على حشد الطاقات وتعبئة الجهود.

 

 

خاتمة: النتائج العامة للدراسة وتفسيرها:-

أولاً: النتائج العامة ودلالاتها.

  1. يري الكثيرون أن التداعيات التي ترتبت على العولمة تعد “فوضى خلاقة Creative Chaos”، ففي الوقت الذي يري فيه “أنتوني جيدنز” أننا أصبحنا نعيش في “عالم منفلت” بفعل العولمة، حيث عملت العولمة على إيجاد نوع من الفوضى في عالمنا المعاصر، والتي أثرت على كافة مناحي الحياة البشرية، خاصة في أبعادها الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية والبيئية…وغيرها، إلا إنها أدت في الوقت نفسه إلي تغيير المجتمعات، وظهور نمط مجتمعي جديد متمثل في “المجتمع الافتراضي”، كما أدت لتغيير العلاقات الاجتماعية، وظهور الأسرة الافتراضية، وأيضًا مع ظهور “مجتمع المخاطر العالمي” كناتج من نواتج العولمة، ظهر “المجتمع المدني العالمي” كأحد نواتج العولمة أيضًا، لمواجهة سلبيات مجتمع المخاطر.

ثانيًا: الدلالات النظرية للنتائج وتفسيرها.

  • فروض الدراسة ومدى تحققها:

انطلقت الدراسة من ثلاثة فروض أساسية، عملت على تحقيق أهداف البحث التاريخي، فيما يتعلق بتحليل خطاب الحركات المصرية المناهضة للعولمة خلال الفترة المدروسة (2001- 2010)، وكانت تلك الفروض كالآتي:

  1. ساهمت العولمة في نشر ثقافة حقوق الإنسان علي المستوى العالمي، وكَرّسَتْ انتهاكات عدة لحقوق الإنسان على مستوى دول الجنوب.
  2. انعكست ممارسات مناهضة العولمة في مصر على الوعي بقضايا حقوق الإنسان.
  3. انعكست السياسات الداخلية للدولة على مقاصد خطاب الحركات المصرية المناهضة للعولمة.

كما عبرت تلك الفروض عن مجموعة من المفاهيم، التي تم استخلاصها من الإطار النظري للدراسة، والمتمثل في كل من: (نظرية تشكيل البنية لأنتوني جيدنز، ومنطلقات الموجة الثالثة لنظرية العولمة)، وكان من أهمها مفاهيم: (مجتمع المخاطر العالمي، والمجتمع المدني العالمي، والتحولات الكونية، والديمقراطية الكونية، وحقوق الإنسان الكونية، والمواطنة العالمية)، لذا تحاول الدراسة فيما يلي البحث عن دلالات نظرية للنتائج العامة؛ للتأكد من صحة الفروض وتفسيرها، وهذا فيما يلي:

الفرض الأول: ساهمت العولمة في نشر ثقافة حقوق الإنسان علي المستوى العالمي، وكَرّسَتْ انتهاكات عدة لحقوق الإنسان على مستوى دول الجنوب.

  1. أشارت النتائج إلى وعي الحركات المصرية المناهضة للعولمة بما سببته العولمة من مخاطر عالمية؛ الأمر الذي انعكس على اهتمامهم بنشر “الوعي الكوني” بتلك المخاطر، ليس فقط على مستوى المجتمع المصري، بل على المستوى العربي والعالمي أيضًا، وهو ما يؤكده تناول الخطاب لقضايا: التلوث البيئي، والكوارث البيئية، والآثار المترتبة على الحروب الاستعمارية الكوكبية، التي تركزت سلبياتها بدول الجنوب في حين عملت الدول الكبرى علي الاستفادة منها سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا، بالإضافة لتأكيده أن تلك المخاطر تتطلب تكاتف جهود شعوب ودول العالم لمواجهتها، ودعوته لبناء “حركة شعبية مناهضة للعولمة” على المستوى “الجماهيري Grassroots”، إضافة لتناوله للانتفاضة الفلسطينية الثانية، ثم تناوله لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، وما تبعها من أحداث كونية ومحلية، ولتلك النتيجة دلالة نظرية فيما يخص مفهوم “مجتمع المخاطر العالمي”، الذي لا تقف فيه الكوارث والأخطار -سواء الطبيعية منها أو المٌصّنَعَة- عند الحدود الجغرافية أو السياسية للدول، بل تمتد لتشمل العالم أجمع، فما يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية تصل توابعه للعالم العربي، وما يتعرض له المجتمع العربي من أخطار يؤثر على سياسات الدول الأوروبية الكبرى، وهو الأمر الذي يظهر بوضوح في اتفاقيات الشراكة من أجل السلام بين الدول الأوروبية، ودول منطقة الشرق الأوسط، وبعض الدول العربية خاصة، هذا بالإضافة للحروب الكوكبية التي تشنها الولايات المتحدة الأمريكية بمساعدة الدول الغربية الكبرى خارج حدودها الجغرافية. فمثل تلك المخاطر التي يتعرض لها شعوب دول الجنوب تأتى نتيجة السياسات العسكرية لدول الشمال الكبرى، الأمر الذي أدي لظهور مخاطر غير مسبوقة تتجاوز حدود الزمان والمكان والقوميات، تحتاج لتوليد جهود مكثفة لمواجهتها، قائمة على شبكة العلاقات الاجتماعية الكبرى، وعلي التضامن الإنساني الكوني؛ لتحقيق الأهداف الإنسانية العليا، خاصة وأن تلك المخاطر لا تستطيع دولة ما مواجهتها بمفردها، ومن ثم تتأكد ضرورة تكاتف الجهود العالمية (الشعبية والرسمية) لمواجهتها وتجنب آثارها.
  2. أظهرت النتائج رفض الحركات المصرية المناهضة للعولمة للآثار السلبية المترتبة على العولمة في شتى المجالات، ولكن هذا لم يمنعها من الاستفادة من جوانبها الإيجابية، والمتمثلة في تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، إذ تبين اهتمام الخطاب بالاعتماد على وسائل الاتصالات الحديثة، من تكنولوجيا الإنترنت والاتصالات؛ للعمل على نشر الوعي بمخاطر العولمة بين مختلف الفئات، مع الاعتماد على شبكة المعلومات الدولية -كأحد الجوانب الإيجابية للعولمة- في الإطلاع على تجارب شعوب العالم المختلفة في مجال حقوق الإنسان، ومناهضة سلبيات العولمة، وكل هذا من أجل الارتقاء بدور الجماهير (عالميًا وعربيًا ومحليًا) في بناء العولمة البديلة، والمتمثلة في بديلين هما: (عولمة الشعوب، والبديل الاشتراكي)، واللذان ينطلقا من أهداف شعوب العالم واحتياجاته، ويعملا على تحقيق طموحاتهم. ولتلك النتيجة دلالة نظرية فيما يخص الطرح الذي قدمته الموجة الثالثة لنظرية العولمة حول أهمية “المنظور العالمي”، الذي يقصد به أن البشر أصبحوا أكثر إدراكًا لحلقات الوصل بين المجتمعات الإنسانية على المستوى العالمي، ومن ثم أصبحوا أكثر وعيًا بأن أفعالهم تؤثر في الآخرين بالكيفية نفسها، التي يتأثروا فيها بأفعال باقي البشر على مستوى العالم، كما تشير تلك النتيجة إلى مفهوم “المعرفة المتبادلة” لأنتوني جيدنز، الذي قصد به أن امتلاك البشر لقدر من المعرفة المشتركة المتبادلة يعمل على تدعيم وعيهم بدورهم في تشكيل الحياة الاجتماعية، والدلالة النظرية الأخرى للنتيجة السابقة تتعلق بالتفسير الذي قدمه “أنتوني جيدنز” في نظرية تشكيل البنية حول تأثيرات الثورة المعلوماتية على الحركات الاجتماعية، فنلحظ أن الآليات المتبعة لمناهضة العولمة بالمجتمع المصري تقوم على استغلال تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات والإنترنت -الذين يمثلوا الشق الإيجابي لظاهرة العولمة- لمواجهة سلبيات العولمة ومخاطرها.
  3. دعا خطاب الحركات المصرية المناهضة للعولمة لضرورة تكاتف الجهود الشعبية لمواطني العالم -خاصة مواطني دول الجنوب والفئات الفقيرة والمهمشة بدول الشمال-، لبناء مجتمع إنساني عالمي تسوده قيم الحرية العدالة والمساواة، وتحكمه مبادئ حقوق الإنسان، مجتمع يقوم على الثقة المتبادلة والوعي بخبرات وتجارب الآخرين، الواقعين خارج حدوده الجغرافية، مجتمع يقوم على تشبيك العلاقات الاجتماعية الإنسانية على مستوى العالم. ولتلك النتيجة دلالة نظرية فيما يتعلق بتناول “أنتوني جيدنز” لجوهر “الحداثة”، وللعولمة باعتبارها مرحلة متأخرة للحداثة، تقوم في جوهرها على أربعة أشياء، هي: (التباعدية ويقصد به: التباعد المكاني-الزمني، وإمكانية إقامة علاقات اجتماعية خارج النطاق المحلي والفيزيقي، ثم الانفصالية أو الانطلاق: بمعني إمكانية النهوض بالعلاقات الاجتماعية من السياقات المحلية إلى التفاعل الكوني اللامحدود، وفقًا لمفهوم الثقة في الأشخاص الواقعين خارج حدود مراقبتي المباشرة، وأخيرًا الانعكاسية بمعني: أن الممارسات الاجتماعية داخل المجتمع تنتج ويعاد إنتاجها من خلال الوعي بخبرات الآخرين، وممارساتهم على مستوى العالم).

الفرض الثاني: انعكست ممارسات مناهضة العولمة في مصر على الوعي بقضايا حقوق الإنسان.

  1. حققت الحركات المصرية المناهضة للعولمة تطورًا ملموسًا في نشر الوعي بين مختلف فئات الشعب المصري بقضايا حقوق الإنسان، وهو الأمر الذي أكده تنوع القوى الفاعلة المحركة للخطاب، التي عبر عنها انتشار ثقافة الاحتجاج بين مختلف فئات الشعب المصري، مثل: العمال، والفلاحين، وسكان أحزمة الفقر والعشوائيات، وسائقي القطارات، والصيادين، والمنتمين للطبقة الوسطي من الأطباء، والمهندسين، والمدرسين، والصحفيين، … وغيرهم، الذين كان لهم تأثير ملموس في تنوع قضايا خطاب الحركات المصرية المناهضة للعولمة؛ ومن ثم تؤكد الدراسة أن حركة مناهضة العولمة تمثل أهمية مجتمعية فيما يخص التوعية بقضايا حقوق الإنسان، كأحد أنماط الحركات الاجتماعية الجديدة بالمجتمع المصري، في ظل ما سببته العولمة من تحولات، وما ترتب عليها من مخاطر.
  2. أظهرت نتائج الدراسة تأكيد خطاب الحركات المصرية المناهضة للعولمة، أن أحد أهدافه الأساسية هو رفع الوعي الجماهيري على المستوى الشعبي، وتحقيق التكاتف العالمي بين مختلف شعوب الأرض؛ للوصول لما أسماه “حلم الثورة العالمية”، وهو ما ظهر من خلال تأكيد الخطاب ضرورة العمل على تكوين شبكة علاقات اجتماعية، تربط الحركات الاجتماعية المناهضة للعولمة عالميًا ومحليًا، بحركة الجماهير الاحتجاجية والمطلبية، إضافة لتأكيد الخطاب أنه علي النخب السياسية والمثقفة بالمجتمع واجب أخلاقي، والتزام اجتماعي تجاه مواطنيهم، تقتضي ضرورة الإطلاع بدورهم في رفع الوعي الشعبي بمخاطر العولمة؛ لفهم العلاقة بين سياسات العولمة، والمشاكل التي يعانى منها المواطنون سياسيًا واقتصاديًا. ولتلك النتيجة مدلولًا نظريًا فيما يخص ما دعت إليه نظرية تشكيل البنية، والموجة الثالثة لنظرية العولمة، في تناولهما لفكرة “الوعي الإنساني الكوني”، القائم على تشكيل شبكة علاقات اجتماعية كبري، قائمة على التضامن الإنساني الكوني، كأحد الدعائم الأساسية لمواجهة المخاطر العالمية الناتجة عن العولمة، والتي لا يمكن التصدي لها بشكل فردي.
  3. تميز الطرح الذي قدمه خطاب الحركات المصرية المناهضة للعولمة “للعولمة”، باعتبارها تمثل ظاهرة شديدة التعقيد والتنوع والتشابك، وأن أبعادها المختلفة متداخلة التأثير فيما بينها؛ إذ أشار الخطاب علي سبيل المثال إلى أن السياسات الاقتصادية للعولمة تخدم سياساتها الثقافية، التي تصب في مصلحة العولمة السياسية، التي تحدد بدورها المعالم الأساسية للعولمة العسكرية. هذا الطرح يدعونا إلى إعادة النظر في القضية التي قدمتها الموجة الثالثة من نظرية العولمة القائمة على النظر إلى ظاهرة “العولمة” باعتبارها شيئًا غير متجانس التكوين، وأن لها العديد من الآثار المختلفة باختلاف المجالات والأماكن؛ فالعولمة السياسية على سبيل المثال تختلف عن العولمة الاقتصادية، إذ لكل منهما تأثيرات مختلفة في مجالات عدة، ونلحظ أن “التحوليون” أكدوا الترابط بين شقي العولمة (الاقتصادية والثقافية) فقط، على اعتبار أن نشر الأنماط الثقافية الاستهلاكية، يتطلب ترويجها وبيعها عبر مؤسسات العولمة الاقتصادية، ولكن نتائج الدراسة أثبتت أن المجتمعات العربية تأثرت في ظل الحروب الكونية الأمريكية والأوروبية بكل من: (سياسات العولمة على المستوى العالمي، وعلاقات الهيمنة والنفوذ بين المجتمعات الغربية، والأوضاع الجيوبولوتيكية للمنطقة العربية، والحصيلة التاريخية للدول العربية عبر القرون الماضية)، ومن ثم أكد الخطاب أن المجتمعات العربية تتشكل وفقًا للعوامل السابقة مجتمعة، في ظل هيمنة وتطبيق سياسات العولمة العسكرية تحديدًا، وإلى جانبها العولمة السياسية والاقتصادية.
  4. أظهرت النتائج تبني الحركات المصرية المناهضة للعولمة، اتجاه معادى لسياسات العولمة، التي تقوم على سيادة قوى ومؤسسات دولية، سياسية واقتصادية بعينها على مختلف دول العالم، وهو الأمر الذي تأكد من خلال رفض الخطاب الصادر عنها لسياسات منظمة التجارة العالمية، والبنك الدولي، والصندوق الدولي، بالإضافة لرفضه للسياسات الأمريكية الخارجية، المتبعة من بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، والتي عملت على الانتقاص من سيادة دول الجنوب عامة، والدول العربية خاصة، إذ تتمثل رؤية خطاب الحركات المصرية المناهضة للعولمة لمؤسسات العولمة الدولية باعتبارها مجرد أدوات تستغلها الولايات المتحدة الأمريكية -القطب الوحيد بالعالم- لتحقيق مصالحها، ومصالح حلفائها السياسية والاقتصادية. ولتلك النتيجة مغزى ودلالة نظرية، فيما يخص تناول الموجة الثالثة من نظرية العولمة لمفهوم “الحوكمة الدولية”، والتي تناولته باعتباره مفهومًا إيجابيًا، يقوم على إحلال مجموعة من القضايا السياسية العالمية محل قضايا السياسة الدولية الحالية، والمرتبطة بفكرة القطب الواحد، مع الانتقال من السيادة العالمية للقطب الواحد إلى سيادة مجموعة من الأقطاب العالمية، متمثلة في هيئات عالمية كونية، مثل: الأمم المتحدة وغيرها. وبناء علي ما سبق تقترح الدراسة إعادة النظر في مفهوم “الحوكمة الدولية”، وعدم الاقتصار على تبني جوانبه الإيجابية وإغفال سلبياته.
  5. تبين من تحليل نصوص خطاب الحركات المصرية المناهضة للعولمة، تشكيك تلك الحركات في أهداف منظمات المجتمع المدني ودوافعه، واعتبارها لا تخرج عن إطار المنظمات “المُسَيَسة”، والمحكومة بسياسات الدولة أو الجهات الممولة لها، تلك الجهات التي تعمل على احتواء المثقفين والنخب السياسية داخل منظمات المجتمع المدني؛ الأمر الذي يؤدي لتفريغ جبهة المقاومة ضد العولمة، وضد الاستبداد الداخلي، ولهذا دعا الخطاب في المقابل لضرورة العمل على بناء ما أطلق عليه “الحركة الشعبية العالمية” المناهضة للعولمة، التي تضم المواطنين من مختلف الأجناس والعقائد؛ للدفاع عن قيم إنسانية موحدة، تقوم علي فكرة “تشبيك العلاقات الاجتماعية” على مستوى العالم. يدعونا هذا الطرح إلى إعادة النظر في (مضمون) مفهوم “المجتمع المدني العالمي”، الذي دعت إليه الموجة الثالثة لنظرية العولمة؛ إذ نظرت تلك الموجة إلى منظمات المجتمع المدني العالمي، بوصفها ظاهرة عالمية تتخطي الحدود، وتضم المواطنين من مختلف شعوب العالم؛ للدفاع عن قضايا عالمية موحدة تم التوافق عليها، وبهدف تشكيل رأى عالمي موحد حولها، الأمر الذي يسهم في تشكيل رأى عام حول القضايا العالمية المهمة. كما أن الطرح الذي قدمته الموجة الثالثة لنظرية العولمة حول مفهوم “الديمقراطية الكونية العالمية”، يتفق مع الفكرة التي قدمها خطاب الحركات المصرية المناهضة للعولمة حول أهمية “المنتدى الاجتماعي العالمي”، الذي تشارك فيه كل المجتمعات لمناقشة قضايا حقوق الإنسان، والحروب، والمشاكل البيئية، والتفرقة العنصرية.
  6. اهتمت الحركات المصرية المناهضة للعولمة بالدفاع عن حقوق الإنسان علي مستوى العالم؛ إذ لم يكتف الخطاب الصادر عنها بتناول حقوق الإنسان المصري فحسب، بل اهتم بتناول حقوق الإنسان على المستويين العربي والعالمي أيضًا، وهو ما أكده تناول الخطاب لحقوق العمال في فرنسا، وحقوق الفلاحين والعمال بدول جنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية، إضافة إلى فلسطين والعراق، علاوة على دفاعه عن معتقلي الرأي بالمغرب، وغيرهم من النشطاء السياسيين بالدول العربية. ولتلك النتيجة دلالة نظرية فيما يخص مفهوم “حقوق الإنسان الكونية”، الذي تناولته الموجة الثالثة لنظرية العولمة، والذي أكد عالمية حقوق الإنسان، وضرورة التمسك بها، والدفاع عنها عالميًا بشكل متساوٍ بين جميع البشر.
  7. ما توصلت إليه الدراسة من نتائج تؤكد أن ممارسات مناهضة العولمة بمصر خلال العشر سنوات الماضية (2001- 2010)، تعد واحدة من المقدمات الأساسية التي ساعدت على قيام ثورة 25 يناير 2011، وهو ما يؤكده مناهضة خطاب الحركات المصرية المناهضة للعولمة لسياسات النظام السابق، واهتمامه بتعبئة الرأي العام ضد السلطة الحاكمة، وتأكيده أهمية رفع الوعي الجماهيري بحقوق الإنسان، ومخاطر العولمة المتشابكة، ورفضه ما أصاب المجتمع من تدهور في شتى المجالات، جاء نتيجة للسياسات المتخبطة للنظام الحاكم، والتي ارتبطت معظمها بسياسات العولمة. ولتلك النتيجة مغزى ودلالة نظرية فيما يخص الطرح الذي قدمه “أنتوني جيدنز” لمفهوم “الذوات الفاعلة”، إذ يري أن الذوات الفاعلة تقوم من خلال ممارساتها المختلفة وأفعالها، بإنتاج وإعادة إنتاج الممارسات الاجتماعية، وبالتالي تقوم بإعادة إنتاج نظم المجتمع، التي تعمل بدورها علي كبح أفعالهم وتنظيمها، وأن الإنسان ينتج أفعاله بالقدر نفسه، الذي ينتج به مظاهر تقنينها وكبحها، وتري الدراسة أن مثل هذا التصور النظري قد ينطبق على المجتمعات الديمقراطية، التي تحكمها مبادئ العدل والحرية والمساواة وحقوق الإنسان، ومن ثم يسود بالمجتمع حالة بناء وإعادة بناء مستمر من قبل أعضائه، أما في حالة المجتمعات التي تتحكم بها النظم الديكتاتورية، والتي من الصعب إحداث تغير بها إلا عن طريق الثورة للإطاحة بالنظام القائم وإعادة بناء نظام جديد؛ فإن أعضاء المجتمع من جماهير الشعب يطلقون العنان لأفعالهم بلا أي كوابح أو قيود، وهذا حتى يتحقق هدف الإطاحة بالسلطة الحاكمة، ثم يبدأ العمل على إعادة البناء من جديد، وهو الأمر الذي أغفلته نظرية تشكيل البنية، ولم تشر إليه خلال سياقها، ونتيجة لهذا تقترح الدراسة إعادة النظر في مفاهيم نظرية تشكيل البنية وقضاياها، في ضوء الواقع المعاش بالمجتمعات العربية خاصة، وبلدان الجنوب عامة، حتى نستطيع الخروج بأطر نظرية تعبر بصدق عن المجتمعات الإنسانية في الجنوب، مثلما تعبر عن مثيلاتها في الشمال.

الفرض الثالث: انعكست السياسات الداخلية للدولة على مقاصد خطاب الحركات المصرية المناهضة للعولمة.

  1. أشارت نتائج الدراسة إلى حدوث تحول في مقاصد الحركات المصرية المناهضة للعولمة ما بين الخمس سنوات الأولى للدراسة (2001- 2005)، والخمس سنوات الثانية للدراسة (2005- 2010)، وهذا ما أكدته القضايا التي تناولها الخطاب الصادر عنها، خلال الحقبة الأولى للدراسة، والتي تركزت حول قضايا مناهضة سياسات العولمة الاقتصادية والعسكرية، ولكن مع بداية عام 2005، أفرد الخطاب جزءًا كبيرًا من نصوصه لمناهضة السياسات الداخلية للنظام الحاكم السابق، وتحول من مناهضة سياسات العولمة عالميًا، إلى مناهضة السياسات الداخلية للنظام الحاكم، من خلال ربطها بسياسات العولمة العالمية، مع ملاحظة أن الخطاب لم يغفل الشأن العالمي خلال تلك الفترة، ولكنه أفرد له مساحة أقل؛ بسبب تركيزه على الشأن الداخلي المصري. الأمر الذي يؤكد صحة الفرض الثالث، المتعلق بتأثير السياسات الداخلية للنظام السابق على مقاصد خطاب الحركات المصرية المناهضة للعولمة.
  2. تبين من الدراسة وجود علاقة جدلية بين خطاب الحركات المصرية المناهضة للعولمة -باعتباره ممارسات ناتجة عن أحد أنماط الحركات الاجتماعية- وقضية حقوق الإنسان -باعتبارها بناءًا فكريًا يتكون من مجموعة من الأسس المعرفية، ويضم مجموعة من الأنماط المحددة له- إذ أن تناول الخطاب للمخاطر المترتبة على العولمة بمختلف أبعادها، عمل على تبنيه لقضايا حقوق الإنسان المتصلة بكل بعد من أبعاد العولمة، الأمر الذي عمل على إعادة تشكيل أهداف خطاب تلك الحركات ومقاصده مرة أخري، ودفعها لتبني قضايا محددة تدافع عنها، الأمر الذي أدي في الوقت نفسه إلى رفع الوعي الجماهيري بقضايا حقوق الإنسان المختلفة، وتحقيق مكاسب محددة فيما يخص بعض قضايا حقوق الإنسان، ودخول فئات جديدة من المواطنين ضمن القوى الفاعلة “المحركة” لقضايا الخطاب، مما دفع الخطاب لتبني قضايا أخري، تتصل بحقوق تلك الفئات، وهكذا في ازدواجية بنائية متصلة. ولتلك النتيجة دلالة نظرية فيما يخص الطرح الذي قدمه أنتوني جيدنز من خلال نظرية تشكيل البنية، حول أن إنتاج وإعادة إنتاج المجتمع يعد المحصلة النهائية للأداء المهاري لأعضاء المجتمع، ومن ثم فإن البني الاجتماعية يجب أن ندركها باعتبارها ممارسات يعاد إنتاجها، ومن ثم تتأكد ضرورة أن يعتمد تفسيرنا وتأويلنا “للعالم الاجتماعي” على الفعل القصدي للأعضاء، واعتبار أن “اللغة” -تتمثل هنا في نصوص خطاب مناهضة العولمة- هي وسيلة النشاط العملي لذلك.

الفرض الرابع: انعكس التحول البنائي للمجال العام على إتساع القاعدة الاجتماعية للحركات الاجتماعية بمصر.

  1. تعرض المجال العام بالمجتمع المصري للاضمحلال نتيجة استعماره من قبل القوي السياسية المسيطرة والتابعة للصفوة الحاكمة خلال الخمس سنوات الماضية (2005- 2010)، الأمر الذي ظهر في التضييق على الأحزاب السياسية المعارضة وتهميش المجتمع المدني والتنظيمات التطوعية والأهلية والحركات الاجتماعية المتعددة، علاوة على مصادرة الحريات وضعف قدرة المواطنين في التعبير عن رأيهم بحرية، الأمر الذي ترتب عليه ضعف المشاركة السياسية وتدني مستوياتها بالمجتمع المصري خلال الفترة الأخيرة.
  2. ترتب على ما سبق حدوث تحول في المجال العام بالمجتمع المصري، إذ انتقلت المشاركة السياسية من الواقع المعاش إلي الواقع الافتراضي ممثلاً في شبكات التواصل الاجتماعي المتعددة علي شبكة الإنترنت، فظهرت العديد من التجمعات الشبابية ذات التوجهات السياسية المتنوعة والتي عملت على حشد وتعبئة جهود المشاركين فيها لتنظيم حركة الاحتجاجات بالشارع المصري من مظاهرات واعتصامات وإضرابات، ويكفينا في هذا السياق القول بأن الدعوة للمظاهرات التي أفرزت ثورة الخامس والعشرين من يناير بدأت على موقع التواصل الاجتماعي Facebook، بدعم من موقعي YouTube و Twitter، ومن خلال صفحات بعينها مثل: (كلنا خالد سعيد،  وصفحة حركة 6 أبريل، وصفحة حركة كفاية، وغيرهم من الصفحات) الأمر الذي يثبت أن الشعب المصري لجأ للمقاومة بالحيلة، بعد أن تم استعمار المجال العام من قبل السلطة الحاكمة، فلجأ لخلق وإيجاد مجال عام أرحب وأوسع من خلال الواقع الافتراضي على شبكة الإنترنت، يستطيع من خلاله الإطلاع على تجارب الآخرين على مستوي العالم والاستفادة منها، مع العمل على نشر المعلومة بسرعة كبيرة بين أكبر عدد ممكن من المواطنين، وبالتالي القدرة على حشد الطاقات وتعبئة الجهود.
  3. إلا أننا لا ننسي في هذا السياق ما ساقته الدراسات السابقة من مخاوف حول انتقال المجال العام وسلبيات انتشاره خلال الواقع الافتراضي بعيداً عن الواقع المعاش، الأمر الذي يدفعنا للتفكير في ضرورة تكثيف الجهود والعمل على رفع الوعي السياسي لدي مختلف فئات الشعب المصري من مستخدمي الإنترنت ومن غير مستخدميه، مع العمل على الربط بين المجال العام في الواقع الافتراضي والمجال العام في الواقع المعاش بما يحقق للمجتمع المصري الانتقال من أزمته الحالية وتحقيق التحول الديمقراطي المنشود بمساندة فئات الشعب كافة.

 ثالثًا: الدلالات التطبيقية للنتائج والتوصيات.

من خلال العرض السابق لأهم ما توصلت إليه الدراسة من نتائج، نستطيع استخلاص مجموعة من التوصيات والمقترحات العملية، فيما يخص الحركات الاجتماعية عامة، وتحديدًا حركة مناهضة العولمة بالمجتمع المصري، وأيضًا حول كيفية تفعيل الاهتمام بقضايا حقوق الإنسان، مع عدم الاكتفاء بوضع مجموعة من التوصيات المجردة، ولكن العمل على تحديد أهم الجهات المسئولة عن تنفيذها، وتقديم آليات مقترحة لكيفية التنفيذ على أرض الواقع، كالآتي:

  1. ضرورة البدء في تأسيس كيان واضح المعالم للحركة المصرية المناهضة للعولمة -باعتبارها واحدة من أهم الحركات الاجتماعية المصرية في عالمنا المعاصر، تعمل على نشر الوعي بمخاطر العولمة- ليتم من خلال تلك الحركة توحيد جهود مناهضي العولمة بمصر، والاتفاق على أهداف محددة، وتبني قضايا بعينها تعمل الحركة على تحقيقها، ورفع الوعي الجماهيري بها؛ حتى لا تصبح الحركات المصرية المناهضة للعولمة عبارة عن جهود مشتتة ما بين: مجموعات مناهضة للعولمة، وحركات مبعثرة، ومجموعة من الفعاليات، والمؤتمرات المناهضة للعولمة، التي قد تتوقف في أي لحظة نتيجة عدم وجود أسس ثابتة وواضحة تقوم عليها مثل تلك الحركة -هذا في ضوء ما أشارت له الدراسة لما حدث من توقف لدورات مؤتمر القاهرة نتيجة التضييق الأمني، وتفكك لحركة أجيج نتيجة لنخبويتها الشديدة وعزلتها عن الجماهير-. وتقع تلك المسؤولية على كل من النخب السياسية والمثقفين والشباب من نشطاء الإنترنت، الذين تقع عليهم مسئولية الشروع في وضع الخطوط والملامح الأساسية للحركة المصرية المناهضة للعولمة، وتحديد أهدافها بدقة، وآليات تنفيذها، والعمل على حشد الرأي العام، ونشر الوعي الجماهيري بما تمثله مثل تلك الحركات من أهمية مجتمعية في ظل المخاطر التي أفرزتها العولمة، والعمل على تحديد دور الحركة بالمجتمع المصري، وتأسيس مراكز وفروع للحركة على مستوى المحافظات؛ تعمل على نشر فكر الحركة وأهدافها بين الجماهير، مع اهتمامها بالتعرف على آمال وطموحات الجماهير، وربط أهدافهم بأهداف حركة مناهضة العولمة بمصر، والعمل على رفع الوعي السياسي للمواطنين لتعريفهم بحقوقهم، وتشجيعهم على المشاركة الفعالة في بناء مجتمعهم بالصور الممكنة كافة، وتوضيح الأهمية المجتمعية لمثل تلك الحركات الاجتماعية. ويتم ذلك من خلال التواصل مع المواطنين سواء وجهًا لوجه عبر النزول إلى الشارع والدعاية للحركة، أو بطريقة غير مباشرة عبر الشبكات الاجتماعية المختلفة على شبكة المعلومات الدولية، مثل: (Facebook- Twitter- YouTube) وغيرهم؛ بهدف الوصول لكل فئات الشعب سواء من مستخدمي الإنترنت أو غيرهم.
  2. العمل علي إتاحة الفرصة للحركات الاجتماعية للمشاركة بفعالية في بناء المجتمع وتطويره، باعتبارها تمثل شكل من أشكال الممارسة السياسية، التي يستطيع من خلالها المواطنون المشاركة في بناء المجتمع، وممارسة حقوقهم السياسية بحرية تامة. وتقع تلك المسئولية على الدولة ومؤسساتها المختلفة، وخاصة الوزارات المعنية بتنظيم العمل السياسي والتطوعي والاجتماعي، وممارسة الأنشطة الثقافية المختلفة، مثل: وزارة الداخلية، ووزارة الثقافة، ووزارة الإعلام، وغيرهم من المؤسسات المعنية بهذا الشأن، ومن ثم ينبغي عدم الاستحواذ على مجالات الفعل الجمعي كافة من قبل مؤسسات الدولة، بل ينبغي عليهم إتاحة المجال أمام المواطنين للانخراط في أنشطة الحركات الاجتماعية؛ لتدعيم المشاركة السياسية على المستوى الشعبي بين مختلف الفئات، وفتح مجال أرحب للتعبير عن الرأي والمشاركة بفاعلية في بناء المجتمع. كما أن علي مؤسسات الدولة إتاحة المجال أمام الحركات الاجتماعية لممارسة نشاطها، وعدم التضييق عليها، سواء بعقد مؤتمرات جماهيرية أو غيرها من الأنشطة، كما أنه على مؤسسات الدولة المختلفة الالتزام بمبادئ حقوق الإنسان، التي يتضمنها الدستور المصري، والتي وقعت عليها الدولة من خلال العديد من الاتفاقيات العالمية في مجال حقوق الإنسان، والعمل على كفالة الحقوق السياسية والمدنية للمواطنين، مثل: حرية مزاولة العمل السياسي، والتعبير عن الرأي، وحرية الانضمام للجمعيات والمنظمات الثقافية والاجتماعية بدون تعقيدات بيروقراطية أو مضايقات أمنية.
  3. ضرورة العمل على توسيع قاعدة المشاركة الجماهيرية الفاعلة بالحركات الاجتماعية عامة، وبحركات مناهضة العولمة خاصة، وعدم اقتصارها على النخب السياسية والمثقفة بالمجتمع؛ إذ أن أهداف مثل تلك الحركات تتحدد من خلال أهداف وطموحات الأعضاء المشاركين فيها بفاعلية، الأمر الذي يساهم في بقاء الحركة واستمرارها، وعدم تفككها وانهيارها؛ نتيجة ضعف الأسس والمبادئ التي قامت عليها، أو محدودية الأهداف التي قامت من أجل تحقيقها. وتقع تلك المسؤولية على الجماهير أنفسهم؛ فعليهم التخلي عن السلبية، والمشاركة بإيجابية في بناء المجتمع، والتعبير عن رأيهم بشتى الطرق التقليدية وغير التقليدية، سواء من خلال الانضمام للحركات الاجتماعية، أو الانخراط بالعمل السياسي عبر قنواته الرسمية كالأحزاب السياسية. ويشارك الجماهير في تلك المسئولية المجتمع المدني ومنظماته المختلفة؛ إذ عليه وضع الملامح الأساسية للعمل الاجتماعي بالمجتمع، بصورة تشجع المواطنين على تغيير معتقداتهم الثقافية فيما يخص العمل التطوعي الجمعي، الأمر الذي يساعد فيما بعد على زيادة معدلات المشاركة الشعبية في الأنشطة الجمعية على المستوى الجماهيري، ومن ثم زيادة الانخراط بالحركات الاجتماعية المتعددة.

رابعًا: القضايا الجديرة بالبحث في المستقبل.

تقترح الدراسة في إطار البحوث والدراسات المهتمة بالحركات الاجتماعية عامة وبحركات مناهضة العولمة خاصة – فيما يخص التوصيات العلمية والتي تتعلق بعلم الاجتماع- مجموعة من القضايا الجديرة بالبحث في هذا المجال، سواء قام بها باحثون فرادى، أو مجموعات بحثية، كالآتي:

  1. دراسة مقارنة للحركات المناهضة للعولمة بالعالم العربي، وخاصة في كل من: (مصر، وسوريا، ولبنان، والمغرب)، من حيث كيفية نشأتها، والأدوار التنظيمية بداخلها، وأسباب بقائها أو تفككها وانهيارها.
  2. دراسة دور تكنولوجيا الاتصالات، والإنترنت في بناء وتطوير الحركات المناهضة للعولمة بالعالم العربي. ودراسة دور الشباب (النشطاء السياسيون ونشطاء الإنترنت)، في بناء الحركات الاجتماعية المختلفة.
  3. دراسة دور الحركات الاجتماعية في التحولات السياسية الراديكالية الحالية داخل البلدان العربية. ومستقبل الحركات الاجتماعية في مصر بعد ثورة 25 يناير، مع ظهور قانون تأسيس الأحزاب السياسية الجديد.
  4. دراسة الأهمية المجتمعية للحركات الاجتماعية بالعالم العربي في ضوء نظرية الفعل الاتصالي، ومفاهيم المواطنة النشطة، ومجتمع الجودة. ودراسة مقارنة بين أنماط الحركات الاجتماعية الجديدة بالمجتمع المصري، مثل: (الحركات الاحتجاجية الشعبية، والحركات السياسية، وحركات مناهضة العولمة).
  5. دراسة مقارنة عن العلاقة بين: الحركات الاجتماعية، ومنظمات المجتمع المدني من جهة، وبين نظم الحكم المختلفة (الاستبدادية والديمقراطية)، في ضوء نظريات علم الاجتماع المختلفة، ومن ضمنها على سبيل المثال: طرح “يورجين هابرماس”، عن فكرة (المجال العام).

الحواشي والمراجع

[1]توصف الحركات الاجتماعية بأنها: “محاولات جمعية لتشجيع أو مقاومة التغيير داخل مجتمع أو جماعة ما”، وتختلف درجة ومستوى التغيير المنشود فيما بين أنماط الحركات الاجتماعية المتعددة، سواء إذا كانت حركات دينية أو ثورية أو إصلاحية، إذ أن بعض الحركات تطالب بعنف بإحداث تغييرات وتحولات ثورية شاملة واسعة النطاق ومنها (الحركات الثورية مثل: “حركة الجيش الجمهوري الأيرلندي” Irish Republican Movement ، “حركة الجهاد الإسلامي” Islamic Jihad Movement )، في الوقت الذي تناضل فيه حركات اجتماعية أخرى لإحداث إصلاحات معتدلة محددة ومنها (الحركات الإصلاحية مثل: “حركات السلام” Peace Movements، “الحركات البيئية” Environmental Movement، الحركات النسائية Women’s Movement)، كما يختلف مستوى التغييرات المنشودة ما بين تغييرات كونية وقومية للأبنية الاجتماعية إلي تغييرات موقفية قيمية روحية وتغييرات في نمط الحياة (ومن أشهر الحركات الدينية “حركة الحقوق المدنية” Civil Rights Movement التي ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية لتنادي بحقوق الزنوج فيها منذ ستينيات القرن العشرين). المصدر: Borgatta, Edgar F. & Montgomery, Rhonda J. V. (editors). Encyclopedia of Sociology. 2nd ed. Vol. 4. (New York: Macmillan Reference USA, 2000) P. 2717.

[2]  مارشال، جوردون، وسكوت، جون. موسوعة علم الاجتماع- مجلد 2. ترجمة: محمد الجوهري وآخرون. (القاهرة: المجلس الأعلي للثقافة- المشروع القومي للترجمة، 2011) ص ص 30- 31.

[3] Smelser, Neil J. & Baltes, Paul B. (editors). International Encyclopedia of the Social and Behavioral Sciences. Vol. 21. (New York: Elsevier science Ltd, 2001) P. 14348.

[4] Sztompka, Piotr. The Sociology of Social Change. (London: Blackwell Publishers, 1993) p.p. 275- 276.

[5] “تشارلز تلي” (27 مايو 1929- 29 أبريل 2008): هو عالم اجتماع أمريكي متخصص في علم السياسة. اهتم بدراسة العلاقة بين السياسة والمجتمع، كما شغل منصب أستاذ العلوم الاجتماعية بجامعة كولومبيا قبل وفاته. المصدر:

“Charles Tilly”. Wikipedia, the free encyclopedia. 14 August 2011. <http://en.wikipedia.org/wiki/Charles_Tilly>.

[6] تلي، تشارلز. الحركات الاجتماعية (1768- 2004). ترجمة: ربيع وهبة. (القاهرة: المجلس الأعلي للثقافة- المشروع القومي للترجمة- العدد (957)، 2005) ص ص 20- 21.

[7]  معن خليل العمر، معجم علم الاجتماع المعاصر. (عمان: دار الشروق، 2000).  ص ص 312- 313.

[8]  عزة خليل (محرر) وآخرون، الحركات الاجتماعية في العالم العربي: دراسات عن الحركات الاجتماعية في مصر، السودان، الجزائر، تونس، سوريا، لبنان، الأردن، القاهرة: مركز البحوث العربية والأفريقية، 2006، ص 35.

[9]  جيدنز، أنتوني و بيردسال، كارين. علم الاجتماع مع مدخلات عربية. ط4. ترجمة: فايز الصياغ. (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2005). ص 488.

[10] سعيد اللاوندي. بدائل العولمة: أطروحات جديدة لتجميل وجه العولمة القبيح. (القاهرة: نهضة مصر، 2006) ص ص 150- 151.

[11] “Anti-Globalization Movement”. 18 November 2009. Wikipedia The Free Encyclopedia. <http://en.wikipedia.org/wiki/Anti-globalization_movement>.

[12] أنطون حمصي (مترجم). قاموس الفكر السياسي: ج1. (دمشق: وزارة الثقافة، 1994) ص ص 264- 267.

[13] علي ليلة. المجتمع المدني العربي: قضايا المواطنة وحقوق الإنسان. (القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، 2007) ص ص 214- 217.

[14] “التضامن” هنا يعني: أن تعمل التنمية على إيجاد التوازن بين مصالح الجماعة ومصالح الفرد؛ بهدف العمل على زيادة رفاهية الإنسان، والقضاء علي الفقر، وتلبية الاحتياجات الأساسية للناس كافة بشكل دائم ومستمر جيلاً بعد جيل. المصدر: البسيونى عبد الله البسيونى. علم الاجتماع القانوني ودراسة حقوق الإنسان. (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2006) ص 142.

[15] البسيونى عبد الله البسيونى. المرجع السابق. ص ص 138- 142.

 [16]من أنصارالموجة الثالثة للعولمة كلُ من: (دافيد هيلد David held، وكولين هاى Colin Hay، ودافيد مارش David Marsh، وأنتوني ماكجروAnthony McGrew)، ومن أهم كتاباتهم: “التحولات الكونيةGlobal Transformations” عام 1999، و”الديمقراطية العالمية “Global Democracy عام 2002.

[17] علي عبد الرازق جلبي. “العولمة في عالم متغير”. في: العولمة في عالم متغير. تحرير: عبد المحسن بن أحمد العصيمي. (الرياض: دار قرطبة للنشر والتوزيع، 2010). ص ص 231- 232.

[18]”أنتوني جيدنز Anthony Giddens “: من أشهر علماء الاجتماع المعاصرين، ولد في بريطانيا في 18 يناير عام 1938، ويشغل حالياً منصب أستاذ متفرغ في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية (LSE)، عمل كمستشار سياسي لرئيس الوزراء البريطاني السابق “توني بلير”، كما قدم مفهوم “الطريق الثالث” كبرنامج سياسي لرأب الصدع والانقسام التقليدي بين اليمين واليسار السياسيين. المصدر:

 “Anthony Giddens, Baron Giddens”. Encyclopedia Britannica Online. 14 August 2011. <http://www.britannica.com/EBchecked/topic/233313/Anthony-Giddens>.

[19] جيدنز، أنتوني. قواعد جديدة للمنهج في علم الاجتماع: نقد إيجابي للاتجاهات التفسيرية في علم الاجتماع. ترجمة: محمد محي الدين. (القاهرة: المجلس الأعلي للثقافة، 2000). ص 36.

[20] كريب، إيان. النظرية الاجتماعية من بارسونز إلي هابرماس. ترجمة: محمد حسين غلوم. (الكويت: سلسلة عالم المعرفة (244)، أبريل 1999) ص 170.

[21] جيدنز، أنتوني. قواعد جديدة للمنهج في علم الاجتماع. مرجع سابق. ص 34.

[22] أحمد زايد. “آفاق جديدة في نظرية علم الاجتماع: نظرية تشكيل البنية”. في: المجلة الاجتماعية القومية. مجلد (33)، ع (2،1)، يناير/مايو 1996. ص ص 65- 72.

[23] جيدنز، أنتوني. قواعد جديدة للمنهج في علم الاجتماع. مرجع سابق. ص 37.

[24] Martell, Luke. “The Third Wave in Globalization Theory”. 26 February 2010. <http://www.sussex.ac.uk/Users/ssfa2/thirdwaveweb.htm>.

[25]”مانويل كاسلز”: هو أحد علماء علم الاجتماع الأوروبيين، ولد في أسبانيا عام 1942، وترتبط أبحاثه بموضوع مجتمع المعلومات والاتصالات. المصدر: “Manuel Castells”. Wikipedia the Free Encyclopedia. 15 August 2011. <http://en.wikipedia.org/wiki/Manuel_Castells>.

[26] Ritzer, George. Sociological Theory. 5 th ed. (USA: McGraw- Hill Inc., 2000) pp. 560- 583.

[27] “أولريش بك”: هو عالم اجتماع ألماني، ولد في 15 مايو 1944، يعمل في جامعتي ميونخ ولندن. المصدر: “Ulrich Beck”. Wikipedia the Free Encyclopedia. 15 August 2011. <http://en.wikipedia.org/wiki/Ulrich_Beck>.

[28] جيدنز، أنتوني و بيردسال، كارين. مرجع سابق. ص 729.

[29] Prakash, Aseem and Hart, Jeffrey A. (editors). Globalization and Governance. (USA, New York: Routledge, 1999) p.p. 31-33.

[30] Martell, Luke. Op. Cit.

[31]علي عبد الرازق جلبي. “العولمة في عالم متغير”. مرجع سابق. ص ص 328- 329.

[32] Mooney, Annabella and Evan, Betsy (Editors). Globalization: The Key Concepts. (London: Routledge Inc., 2007) p.p. 117- 118.

[33] على عبد الرازق جلبي، وطارق سيد أحمد، وهاني خميس أحمد. القاموس العصري في العلم الاجتماعي. (الإسكندرية: دار الرواد، 2008). ص 280.

[34] سامي خشبة. مصطلحات الفكر الحديث- ج2. (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2006).  ص 202.

[35] جيدنز، أنتوني و بيردسال، كارين. مرجع سابق. ص 726.

[36] أماني قنديل. المجتمع المدني العالمي. (القاهرة: مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، 2002). ص 18.

[37] المرجع السابق. ص 16.

[38] المرجع السابق. ص ص 30- 31.

[39]يشير مصطلح “المواطنة Citizenship” في النظرية السياسية والقانونية إلي حقوق وواجبات الفرد المنتمي إلي الدولة القومية أو دولة المدينة، فالمواطنة هي تلك المكانة التي يتمتع بها شخص ما باعتباره فرداً كامل العضوية في مجتمع معين، ويتضمن مصطلح المواطنة التأكيد على ثلاثة أنماط من الحقوق هي (الحقوق السياسية، والمدنية، والاجتماعية). المصدر: مارشال، جوردون، وسكوت، جون. موسوعة علم الاجتماع- مجلد 3. ترجمة: محمد الجوهري وآخرون. (القاهرة: المجلس الأعلي للثقافة- المشروع القومي للترجمة، 2001). ص ص 1411- 1412.

[40] Giddens, Anthony. “Structure Theory: past, present and future”. In: Gidden’s Theory of Structuration: A Critical Appreciation. Edited By: Bryant, Christopher G. A. & Jary, David. (New York: Routledge Inc., 1991) p.p. 202- 204.

[41] Bryan, Christopher G. A. and Jary, David (editors). Giddens’ theory of Structuration: A critical appreciation. (USA, New York: Routledge, 1991). p. 17.

[42] جيدنز، أنتوني. قواعد جديدة للمنهج في علم الاجتماع. مرجع سابق. ص ص 38- 39.

[43] Bryan, Christopher G. A. and Jary, David (editors). Op. Cit. pp. 34-37.

[44] Ritzer, George. Op Cit. p 559.

[45] Ibid. p. 559.

[46] Ibid. p. 560.

[47] Ibid. pp. 563- 565.

[48] Smith, M. K. and M. Doyle. “Globalization”. The Encyclopedia of Informal Education Website. 29 November 2009. <http://www.infed.org/biblio/globalization.htm>.

[49] محمد شومان. تحليل الخطاب الإعلامي: أطر نظرية ونماذج تطبيقية. (القاهرة: الدار المصرية اللبنانية، 2007) ص ص 27- 28.

[50] الصفحة الرئيسة (للمجموعة المصرية لمناهضة العولمة Anti-globalization Egyptian Group) “أجيج AGEG“. http://www.ageg.net/>>.

[51] بالرغم من عدم توافر موقع إلكتروني محدد أو مركز بيع محدد لكل ما صدر عن “مؤتمر القاهرة لمناهضة العولمة” في دوراته المختلفة، إلا أن الباحثة استطاعت الوصول لبعض مطبوعات المؤتمر وبياناته والإعلانات الصادرة عنه؛ من خلال مواقع الكترونية مختلفة لمجموعات لمناهضة العولمة في مصر أو سوريا أو المغرب.

[52] الصفحة الرئيسية لمركز الدراسات الاشتراكية- مصر. <http://www.e-socialists.net/>.

[53] أحمد زايد. صور من الخطاب الديني المعاصر. (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2007) ص ص 23- 27.

[54] المرجع السابق. ص ص 23- 27.

[55] أشرف منصور. النقد المعاصر للفكر السياسي الليبرالي. (القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، 2003). ص ص 187- 189.

[56] “نحو تفسير لأزمة المشاركة السياسية في البلدان العربية”. في: سيد أبو ضيف أحمد. ثقافة المشاركة؛ دراسة في التنمية السياسية. (القاهرة: دار النهضة العربية، 2007). ص ص 172- 177.

[57] مها عبد المجيد. “المجتمعات الافتراضية علي شبكة الإنترنت: آلية للتشبيك أم التفتيت الاجتماعي؟”. في: المجلة الاجتماعية القومية. (القاهرة: المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية. المجلد (45). عدد (3)، سبتمبر 2008). ص ص 91.

[58] السيد يسين. “انهيار المجال العام وصعود الفضاء المعلوماتي”. 27 أبريل 2012. <http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=96344&eid=448 >.

[59] أشرف عبد العزيز عبد القادر. “المحتجون: كيف تؤثر المظاهرات والإعتصامات في سياسات الدول؟”. في: ملحق اتجاهات نظرية. (القاهرة: مجلة السياسة الدولية- العدد (187)، يناير 2012). ص ص 11- 15.

[60] هبة رءوف عزت. “الذات والمساحة والزمن: من المجال العام إلي الشارع السياسي”. في: ملحق اتجاهات نظرية.مرجع سابق. ص ص 31- 33.

[61] شعبان الطاهر الأسود. علم الاجتماع السياسي. (القاهرة: الدار المصرية اللبنانية، 1999). ص 175.

[62] صلاح فضل، و محسن يوسف (محرران). “المشاركة السياسية”. في: المؤتمر الثاني للإصلاح العربي (التجارب الناجحة). (الإسكندرية: منتدى الإصلاح العربي- مكتبة الإسكندرية، 2006). ص ص 221- 222.

[63] شعبان الطاهر الأسود. مرجع سابق. ص 177.

[64] طارق محمد عبد الوهاب. سيكولوجية المشاركة السياسية: مع دراسة في علم النفس السياسي في البيئة العربية. (القاهرة: دار غريب، 1999).ص ص 30.

[65]  رجب بو دبوس،القاموس؛ سياسي. (بنغازي: دار الكتب الوطنية- الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان، 1996). ص ص 179- 180.

[66]  المرجع السابق. ص ص 178- 179.

[67] William A. Darity Jr., International Encyclopedia of the Social Science, 2nd edition, vol. 6. (New York: Macmillan Reference USA, 2008). P. 564.

[68] محمد محمود ربيع وآخرون. موسوعة العلوم السياسية. (الكويت: جامعة الكويت، 1994). ص 495.

[69] المرجع السابق. ص ص 495- 496.

[70] معن خليل العمر. مرجع سابق.  ص 404.

[71] رجب بو دبوس. مرجع سابق. ص 220.

[72] مصطفى عبد الله خشيم، موسوعة علم السياسة: مصطلحات مختارة. ط2. (ليبيا: الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان، 2004). ص ص 323- 325.

المجلس العربي للعلوم الاجتماعية

المؤتمر التأسيسي “الحراك العربي يسائل العلوم الاجتماعية”

19- 20 مارس 2013 (بيروت – لبنان)

الموضوع الأول: الحركات الاجتماعية الجديدة/ القديمة

(ورقة بحثية)

New Social Movements and Human Rights: A Critical Analysis of Anti-globalization Movements’ Discourse in Egypt

إعداد:

     أمل عادل عبدربه                                                   أ.د.علي عبد الرازق جلبي

  مدرس مساعد علم الاجتماع                                         أستاذ علم الاجتماع

كلية التربية- جامعة الإسكندرية                                    كلية الآداب- جامعة الإسكندرية

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button