دراسات اقتصادية

الحركة المركنتيلية (التجارية)

بحث شامل حول الحركة المركنتيلية (التجارية)

تعتبر التجارة الخارجية أو الدولية من أقدم إهتمامات الفلسفة الإقتصادية ورجال الإقتصاد و اليوم إزدادت أهمية هذه التجارة حتى أصبحت عاملا رئيسيا في الإستراتيجية الاقتصادية و السياسية للدول و تتسم العلاقات الإقتصادية الدولية بطابع يجعلها تغاير العلاقات الإقتصادية الداخلية حيث يعترضها عدة قيود وعوائق تفرضها الدول للمحافظة على سياستها أو أقتصادياتها ومن هنا نستشف أن التجارة الدولية أو الخارجية تستجيب للظروف والعوامل الخارجية من ناحية وتؤدي دورا هاما في الإقتصاد الوطني من ناحية أخرى ، ولكن كيف تمكنت هذه التجارة من التطور والإزدهار إلة الشكل الذي أصبحت عليه الآن وما هي الأفكار التي ساهمت في بلورت طرق المعاملات التجارية الدولية.

لعل من أهم الأفكار أو المذاهب التي أدت بالتجارة الدولية إلى ما آلت إليه هو المذهب المركانتيلي أو التجاري الذي يعد أولى خطوات التفكير الإقتصادي الدولي ونقطة إطلاق السياسات والإستراتيجيات في المعاملات التجارية الدولية ترى ما هي المركانتيلية ، ما هي ظروف نشأة هذا المذهب وكيف تم هل كان فعلا مذهبا فعالا ومحققا لرفاهية الشعوب والأمم وما هو النقد الموجه له.

المبحث الأول : التعريف بالمذهب المركانتيلي أو التجاري

المطلب الأول : تعريف المركانتيلية.

الإتجارية أو مذهب التجاريين[1] أو المركنتيلية (بالإنجليزية: Mercantilism)‏ يعرفها المعجم المنجد في اللغة العربية المعاصرة بأنها “نزعة للمتاجرة من غير اهتمام بأي شيء آخر”،[2] وهي مذهب سياسي-اقتصادي ساد في أوروبا فيما بين بداية القرن السادس عشر ومنتصف القرن الثامن عشر. كانت الإتجارية شائعة كشيوع الرأسمالية في هذا العصر[3]، وبحين تفترض النظريات الاقتصادية الحالية بأن الأسواق تنمو باستمرار، ترى الإتجارية بأن الأسواق ثابتة، مما يعني بأن لزيادة حصتك في السوق، ينبغي أن تأخذ هذه الحصة من حصة شخص آخر.

ونشأ النظام المركنتلي التجاري في أوروبا خلال تقسيم الإقطاعيات لتعزيز ثروة الدولة وزيادة ملكيتها من المعدنين الذهب والفضة عن طريق التنظيم الحكومي الصادر لكامل الاقتصاد الوطني وانتهاء في سياسات تهدف إلى تطوير الزراعة والصناعة وإنشاء الاحتكارات التجارية الخارجية.

جان بابتيست كولبير وزير مالية فرنسا وهو من أشهر من أقترن اسمه بالمدرسة التجارية

يرى المركنتليون (التجاريون) أن مقدار قوة الدولة إنما يقاس بما لديها من ذهب ومعادن نفيسة وليس في قدرتها على إنتاج السلع والخدمات كما هو المقياس الحديث. فقد اتبعت الدول المركنتالية ما يعرف بنظام السبائك الذي يحظر بيع المعادن الثمينة خارج الدولة بدون أخذ إذن الحكومة، وبلغ التطرف الشديد بذلك النظام إلى إيقاع عقوبة الإعدام بمن تثبت عليهم مخالفته. وبالتالي فقد أكد أنصار المذهب ضرورة تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية بهدف تحقيق فائض في ميزان المدفوعات أو ما سمي أيضا ميزان تجاري جيد، ودعوا إلى منح إعانات للصادرات وفرض حماية كمركية على الواردات والتدخل لزيادة إنتاج السلع القابلة للتصدير أو التي تغني عن السلع المستوردة. كما طالب هؤلاء ببناء الجيوش القوية وضم المستعمرات وإقامة شركات احتكارية في بعض المناطق. وأشهر من أقترن اسمه في هذه المدرسة هو جان بابتيست كولبير وزير مالية فرنسا. وكان آدم سميث من أشد المنتقدين للنظرية المركنتيلية وطالب باستبدالها بنظام اقتصاد عدم التدخل.

آدم سميث كان من أشد المنتقدين للمدرسة التجارية (المركنتلية)

وعلى الرغم من أن المذهب التجاري أصبح موضع انتقاد عنيف حتى أصبحت المركنتيلية نوعا من التشهير و من الضرر الذي يلحقه في التجارة الدولية، فإن تزايد الميل عند الرأسماليين لتدخل الدولة في الاقتصاد أعاد للمذهب بعض الاحترام.

وقد انتشر المذهب التجاري أو المركنتلية في القرن السادس عشر ويعتبر أنطوان دي مونكرتيان [الإنجليزية] أول من بحث في هذا الموضوع بتوسع من فرنسا في كتابه الاقتصاد السياسي عام 1615م، وكان أول من نفذه في فرنسا هو كولبير حيث عمل على تشجيع الصناعة واتخذ الكثير من الأجراءات التي تؤدي إلى تحسين النوعية. كما عمل على إنشاء مصانع نموذجية لكي يقتدى بها الأفراد حتى سميت هذه السياسة باسمه (colbertism).

وكان مما ساعد ترويج هذه السياسة هو نظام الطوائف الذي كان معمولا به آنذاك والذي يفترض عدم أرتقاء العامل من مهنة إلى أخرى إلا بعد أن يمضي فترة من التدريب.

أما في بريطانيا فقد اشتهر من الكتاب الذين بحثوا في هذا الموضوع تشلد(Sir Josiah Child)، وتمبل (Sir william Temple)، ودافينا (Chnlec Doverant)، وتوماس مان (Thomas Mun)، وفي أيطاليا اشتهر الكاتب أنطونيو سيرا (Antonio Serra).

فالمركانتيلية هي مذهب إقتصادي ظهرت بوادره أبتداء من أواخر القرن الرابع عشر وساد إلى غاية القرن النصف الثاني من القرن الثامن عشر والمركانتيلية لغة جائت من Merchant بالأنجليزية التي تعني ” التاجر” أما إصطلاحا فهي المذهب الذي أولى إهتماما كبيرا بالمعادن النفيسة “ذهب وفضة” باعتبارهما أساس ثروة الأمة ومنبع قوتها.

المطلب الثاني : الظروف التي مهدت للفكر الإقتصادي المركانتيلي

شهد القرن الخامس عشر والسادس عشر تحرر العبيد من سطوة النظام الإقطاعي في أوروبا و أتجه معظم المتحررين للعمل في التجارة إلى أن نشاط التجارة الداخلي لم يكن من الإتساع و الأهمية بحيث يوفر لهم مكانة إقتصادية كبرى وسطوة سياسية في بلادهم . لقد جاء التغيير الأساسي في الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية عن طريق التجارة الخارجية التي كانت تنمو بصورة متسارعة بحيث أدت تدريجيا إلى ثراء التجار و أدت إلى رفع أهميتهم في النشاط الإقتصادي و ظهورهم كطبقة إجتماعية قوية في بلدانهم ومن أهم الأسباب التي أدت إلى تطور التجارة الدولية ىنذاك :

أ*- إتصال أوروبا بالمشرق الإسلامي المتقدم حينها
ب*- إكتشاف طرق مواصلات بحرية جديدة كطريق رأس الرجاء الصالح.
ت*- إكتشاف القارة الأمريكية الغنية بالذهب و كانت النتيجة الحتمية لغكتشاف المناجم الغنية بالذهب في القارة الأمريكية.

وزيادة التجارة الخارجية ونموها مع الشرق الأوسطج والأقصى أن زاد ثراء طبقة التجار وزادت قوتهم داخل بلدانهم وبدأو يسعون تدريجيا إلى تحرير المدن من سيطرة الإقطاعيين فتكونت في كل مدينة عيئة لإدارتها مكونة من طبقة التجار ذوي النفوذ وصاحب هذه التطورات إتخاذهم مع الملك لمحاربة الإقطاعيين و تقويض نفوذ النبلاء و الأمراء ولقد كان لإكتشاف الموارد الجديدة للثروة أيضا أثر إقتصادي له أهمية كبرى فلقد تدفقت المعادن النفيسة على أوروبا وخاصة الدول الإستعمارية الكبرى مثل : إسبانيا ، البرتغال ، انجلترا ، هولندا ، فرنسا.

واستخدمت هذه المعادن في شراء النتجات من البلدان الأوربية المتقدمة
ث*- ومن جهة أخرى ونتيجة لتحالف الملك والتجار فقد تم القضاء على سلطة الإقطاعيين والنبلاء و الأمراء وتمكن الملك من فرض سلطة مركزية على سلطات الأمراء التي كانت تقوم في مراكز متعددة داخل الدولة و كانت هذه الخطوة الأولى التي أدت إلى ظهور الدولة الأوروبية الحديثة التي تقوم على أساس قومي و تخضع لسلطة مركزية واحدة وكانت القوة الثانية التي أدت إلى ظهور الدولة الأوروبية الحديثة بروز القوميات العرقية و تفكك الإمبراطوريات الكبرى و انهيارها و يعد ظهور الدولة الأوروبية بهذا الشكل الحديث ذا أثر بالغ في سياسة التجاريين إذ قام هؤلاء برسم سياسة التجارة الخارجية على مستوى الإقتصاد القومي بما يخدم مصلحتهم و يحقق لهم أكبر ربح و أكثر ثراء .

ولقد كانت حركة النهضة الفكرية في أوروبا من أهم الأحداث التي ساهمت في تطور الفكر السياسي و الإقتصادي الأوروبي والتي صاحبت عصر الرأسمالية التجارية المتحررة من الدين ومن فلسفات وقيود الكنيسة وأدى ذلك إلى زعزعة مركز الكنيسة ومن ثم إلى إنهيار بقية أعمدة النضام الإقتصادي وتقوية السلطة المدنية للملك أو الحكومة. من جهة أخرى لا تؤمن إلا بمصلحتها القومية وتعمل جاهدة على مد سلطانها و توسيع رقعتها إلى احتدام الصراع بين هذه الدول لصون مستعمراتها وعدم السماح لأي دولة باستغلال مواردها.

المطلب الثالث : نشأة المركانتيلية

في مثل هذهة الظروف كان لابد لهذه التطورات أن تجد تعبيرا عنها في مجال الفكر الإقتصادي فإنهيار النظام الإقتصادي وقيام الدول الوطنية ذات السلطة المركزية ووقوع كل منها في سباق مع الآخرين من أجل بسط سلطانها و الأهمية المتزايدة للتجارة الدولية كل هذه التطورات اقتضت فلسفة جديدة تختلف عن تراث العصور الوسطى ومن هنا نشأت مجموعة الأفكار التي أطلق عليها فيما بعد الميركانتيلية أو التجارية ويربطها جميعا خيط واحد وهو محاولة الكشف عن السياسة الإقتصادية الملائمة لحاجات الدول الصاعدة

المبحث الثاني : مبادئ الفكر الماركانتيلي :

يقدر علماء الفكر الإقتصادي على أن أفكار التجاريين كانت تدور حول عدد من المبادئ الأساسية ألا وهي :

المطلب الأول : العلاقة بين ثروة الأمة وما لديها من معدن نفيس.
إن التجاريين كانو يعلقون أهمية كبرى على الذهب والفضة باعتبارهما عماد ثروة الأمة ونقطة قوتها و يصدق ذلك بصفة خاصة على كتابات التجاريين قبل بداية القرن السابع عشر ومن ثم يميل بعض الشراح إلى إطلاق إسم المعدنيين “Bulliomists ” على رجال الرعيل الاول من الفكر التجاري إشارة إلبى الأهمية الخاصة للمعدن النفيس في نظرتهم إلى الثروة.

وبالنظر إلى الظروف التي أتت بالمذهب التجاري والتي كان ضمنها ظهور الدولة الإقليمية نجد أن دوافع التجاريين لإعطاء المعادن النفيسة كل هذه الأهمية كانت منطقية فقد أستنفذت الحرب المتواصلة خزائن الملوك ولم توفر الضرائب الإيراد اللازم لقيام الدولة بأعباء الدفاع والحروب والإدارة العامة وأصبح الملوك في ضائقة مستمرة ، والملك ليس في حاجة إلى قمح أو قطن لمتابعة حروبه والقيام بسائر نفقات الدولة وإنما هو بحاجة مستمرة إلى ذهب وفضة ليؤكد سلطانه ويحقق أطماعه ويدرأ عن نفسه أطماع غيره إذن فالمعدن النفيس وقوة الدولة توأمان لا ينفصلان.

غير أن المسألة لا تقف عند حد ملائمة المعدن النفيس للقيام بحاجات الدولة الناشئة فالواقع أن وجهة نظر التجاريين تستند إلى أكثر من ذلك فإننا نجد في كتابات بعضهم قياس ثروة الأمة على ثروة الأفراد ، فكما أن الفرد يقاس غناه بما لديه من ذهب وفضة كذلك شأن الأمم وفي ذلك يقول توماس مان 1664 ويصدق ثروة المملكة ما يصدق على ثروة الفرد الذي يكسب دخلا سنويا مقداره 1000 جنيه ولديه رأس مال نقدي يبلغ ألفا من الجنيهات .

إذا أنفق هذا الفرد 1500 جنيه في السنة فإنه سيفقد كل أمواله بعد أربع سنوات في حين سيضاعفها خلال نفس المدة إذا أنفق 500 جنيه سنويا فقط وهذه القاعدة لا تغيب أبدا في حق المملكة.

كذلك يمكننا أن نركز على عنصرين هامين أديا بالتجاريين إلى إتخاذ هذا الموقف من المعادن النفيسة
أولا – الإرتفاع الشديد للأسعار في أوروبا خلال القرن السادس عشر الذي صاحبته زيادة ضخمة في كمية المعادن النفيسة المتدفقة إلى أوروبا وبزيادة غير معهودة في نواحي النشاط التجار ي والصناعي والحرفي وقد دفع هذا المركانتيليين إلى الربط بين هذه الظواهر المختلفة وكان التفسير الذي خلصوا إليه هو أن الزيادة في النشاط الإقتصادي قد تترتب على الإرتفاع في الأسعار وزيادة الموجود في الدولة من المعادن النفيسة ( النقود الذهبية والفضية ) لكن هذا التحليل لم يكن مبينا على أي أساس علمي بل هو عبارة عن استنتاج جاء من حدوث ظاهرتين معا في آن واحد .

ثانيا – إعتقاد العديد من التجاريين أن مستوى سعر الفائدة يحدد كميات القروض التي تستخدم في القيام بالنشاط الإنتاجي والتجاري وأن مستوى الفائدة يتوقف على كمية المعادن النفيسة الموجودة في الدولة فإذا زادت كمية النقود وأنخفض سعر الفائدة فهذا سيؤدي حتما إلى زيادة النشاط الإقتصادي .

المطلب الثاني : تحقيق ميزان تجاري موافق
من أهم المبادئ التي أعطاها التجاريون أهمية كبرى هو مبدأ الإهتمام بالتجارة الخارجية أو الدولية فمن وجهة نظرهم إلى العلاقة بين ثروة الأمة وما لديها من معدن نفيس فإن الزيادة من هذا المعدن يعني زيادة ثروة الأمة ومن ثم فإذا كان للبلد مناجم لهذه الثروة وجب عليهم استغلالها بشتى الوسائل وإذا إفتقر البلد لمناجم ومعادن نفيسة فالطريق إلى زيادة رصيده منها يمر عبر التجارة الدولية وهذا لا يتحقق إلا إذا باع البلد سلعا للعالم الخارجي بقيمة تزيد عن كمية ما يشتريه منه وهذا ما يسمى تحقيق الفائض في الميزان التجاري وهذا الفائض المتحقق يزيد من ثروة الدولة من المعدن النفيس وبالتالي وكنتيجة لذلك ستنتعش الأسعار والإنتاج أما في حالة وقوع العكس وهو أن قيمة الواردات تكون أكبر من قيمة الصادرات فإن الدولة ستحقق عجزا في ميزانها التجاري وستضطر إلى إخراج معادنها النفيسة بمقدار ذلك العجز وفي ذلك نقصان شرائه ويلزم عن هذا التحليل وجوب العمل على تحقيق فائض في الميزان التجاري لزيادة الثروة ويقول ميسلند 1623 “إذا زادت قيمة السلع الوطنية والمصدر ة عن قيمة السلع الأجنبية المستوردة فإن القاعدة التي تصدق دائما هي أن المملكة تصبح أكثر غنى وأنتعاشا حيث أن الفائض لابد أن يأتي لها بالمعدن النفيس”.

كما أن توماس مان 1664 يقول” إن الطريقة العادية لزيادة ثروتنا تتمثل في التجارة الخارجية حيث يتعين علينا أن نراعي دائما القاعدة وهي أن نبيع للأجانب سنويا أكثر مما نشتر ي منهم في القيمة “.

لقد أستطاعت المركانتيلية أن توجه النظرة للتجارة الخارجية بعين الحارس لكل تحرك أو تدفق للسلع والمعادن النفيسة وقد مرت هذه السياسة بعدة مراحل وهي :

المرحلة الأولى : وهي التي تعرف بمرحلة السياسة المعدنية ” Bullionison ” وفيها أعتبر التجاريون أن الطريقة الوحيدة للإحتفاظ برصيد الدولة من المعدن النفيس وزيادته هي فرض رقابة تامة على كل خروج أو تحرك للمعدن النفيس وتركيز كل المعاملات في الصرف الأجنبي في يد موظف عمومي وهو صراف الملك حيث يشرف على تصدير أو أستيراد أو التصرف في المعدن النفيس مع العالم الخارجي .
المرحلة الثانية : في هذه الفترة وجدت الدولة أنه يكفي أن تكون معاملات الدولة مع كل دولة على أنفراد ذات فائض في الميزان التجاري ومنه لم يعد هناك داع إلى مراقبة للصادرات من الذهب والفضة وإنما يكفي أن تكون مجموع المعاملات لصالح الدولة.
المرحلة الثالثة : هخنا في هذه المرحلة اتضحت فكرة الميزان التجاري الحديثة حيث أن البلد يجب عليه تحقيق فائض في الميزان التجاري السنوي بغض النظر عن المعاملات الثنائية الأداء حيث يمكن أن يحقق خسارة بوحدة مع البلد الأول لكنه يعوضها بربح عدة وحدات مع بلدان أخرى بحيث تكون النتيجة النهائية فائضا موافقا على التجارة الخارجية في مجملها كما تجدر الإشارة إلى أن التجاريين تطرقوا حتى لما يسمى بالصادرات والواردات غير المنضورة وعلى ذلك فإننا نجد أن توماس مان يشير إلى نفقات النقل البحري ونفقات الجيوش خارج البلاد وما يدفع الكاثوليك للكنيسة بروما وهو يذكر أثر هذه المدفوعات على دخول وخروج الذهب شأنها شأن السلع التي تستوردها وتصدرها الدولة .

المطلب الثالث :تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية:
واضح أن منطق التجاريين يقتضي تدخل الدولة في التجارة الخارجية .فإن الميزان التجاري الموافق لا ينشأ من تلقاء نفسه.ولابد ان يكون محلا لسياسة هادفة من الدولة و منثم فقد نادى التجاريون بوجوب إخضاع التجارة الدولية لقيود بقصد تحقيق فائض دائم في الميزان التجاري.وتتمثل هذه القيود في فرض ضرائب جمركية على الواردات وحضر بعضها كما تتمثل في إعانة بعض الصادرات.

لم يقف تدخل الدولة عند حدود التجارة الخارجية بل تعداه إلى إشرافها على عملية إنتاج السلع المعدة للتصدير و توفير ظروف أخرى لزيلدة الصادرات .وكان أكثرها شيوعامنح إنتاج سلعة أى معينة أو تصديرها لشركة معينة ومثل ذلك شركة الهند الشرقية و شركة الشرق الأوسط في إنجلترا.كذلك إمتد تدخل الدولة إلى أسعار السلع و مستوى الأجور وإستيراد العمال المهرة من الخارج و إنشاء صناعات وطنية و إستغلال المزارع و المناجم في المستعمرات للحصول على المواد الأولية.

وفي شئون النقل البحري و صناعة السفن كانت قوانين الملاحة في إنجلترا نموذجا لتدخل الدولة في الحياة الاقتصادية وهي تستوجب نقل السلع المستوردة إلى إنجلترا على سفن مملوكة لرعايا انجليز يقودها قبطان أنجليزي و ملاحوها انجليز

المطلب الرابع :ترتيب أوجه النشاط الا قتصادي:
كانت المفاضلة بين اوجه النشاط الإقتصادي من المسائل التي شغلت رجال الفكرالتجاري منذ زمن قديم فقد تولد شعور بأن الحرف لا يمكنها ان تكون بنفس الإهمية و يجب ترتيبها حسب مردودها من المعادن النفيسة ومن هنا جائت المفاضلة بين الزراعة و التجارة و الصناعة .

فمن البديهي أن تأتي التجارة الدولية في قمة النشاطات التي تسهم في ثروة البلد فهي الطريق الوحيد لزيادة رصيد الدولة من المعدن النفيس و قد اشار التجاريين إلى أن التجارة الداخلية لا تزيد شيئا إلى الثروة ذلك أن ربح أحد الطرفين يشكل خسارة بالنسبة للطرف الآخر ومن ثم فلا جديد يضاف مهما كان حجم الصفقة . اما في التجارة الدولية فما يكسبه البلد يمثل إضافة صافية لثروته حيث أن الطرف الخاسر هو بلد أجنبي. و بالمثل فإن ما يخسره البلد في التجارة الخارجية يمثل إقتطاعا من الثروة القومية.

كما اعطى التجاريون الصناعة المرتبة الثانية من حيث الأهمية بعد التجارة الدولية فالصناعة هي أساس الصادرات التي يأتي للبلد بالمعدن النفيس.و ترتب على ذلك أنهم كانو ينادون بإتباع السيلسات التي من شأنها دعم الصناعة الوطنية كإعفاء المواد الأولية من الضرائب الجمركية أو إخضاعها لضرائب مخففة.

أما الزراعة فلم تحظى من التجاريين بتقدير يذكرلأن و حسب منظورهن للأمر فإن الزراعة لا تستطيع زيادة رصيد البلد من المعادن النفيسة كما أنها عاجزة عن تصدير كمية كبيرة من العمل الوطني إلى الخارج لذلك فقد جائت التجارة في ذيل أوجه النشاط الإقتصادي التي تضيف إلى الثروة.

المطلب الخامس :زيادة حجم السكان:
الغاية النهائية من السياسة الاقتصادية في نظر التجاريين تنحصر في قوة الدولة اما الرفاهية الفردية فقد كانت غير ذات معنى بالنسبة لهم فلم يكن هدف السياسة الاقتصادية إشباع رغبات الفـرد و تحقيق رفاهيته و من هنا كانت نظرتـهم للسكان . فكلما زاد حجم السكان كانت الدولة أقوى و كان بإمكانها إنشاء الجيوش القوية و تحمل ما يصيبها من خسائر ضد الدول الأخرى.
من ناحية أخرى فإن ازديـاد حجم السكان يؤدي إلى ازدياد اليد العاملة و رخصها وكلاهما يساعد على نمو الصناعة

المبحـث الثــالث :السياسات المتبعة في الفكر المركانتيلي.

إن الغاية وراء سياسة التقييد الشديد للتجارة الخارجية كانت تتمثل أساسا في تحقيق المصلحة الاقتصادية القومية,وهو تكوين الفائض من المعادن النفيسة.و لذلك أصبح تدخل الدولة امرا حتميا حتى يتم محاربة الواردات وتقييدها من جهة والعمل على إنعاش الصادرات و تحقيق اكبر مكسب ممكن منها من جهة اخرى . هذه السياسة كانت ترتكز أساسا على عدة سياسات إنتهجها المركانتيليون لتحقيق اهدافهم ومن اهم هذه السياسات :

المطلب الأول: سياسة إحتكار الدولة للتجارة الخارجية.

من اهم الأساليب الرئيسية التي إبتدعها المركانتيليون للتحكم في التجارة الخارجيةتنظيم إحتكار الدولة لها(state monopoly of trade) فقد قامت الدولة بمنع الأجانب من التجارة في سلع معينة او في مناطق معينة كما قامت بتنظيم و إدارة الصادرات الوطنية بطرق مباشرة . فلقد حرمت البرتغال مثلا على أي دولة أجنبية أن تتاجر مع مستعمراتها في الشرق و استخدمت في ذلك أسطولها البحري .كما قامت الدولة الأسبانية بحراسة تجارتها الخارجية دائما بقوة بحرية و حددت ميناء إشبيلية و عدد محدود من موانئ مستعمراتها الأمريكية للشحن البحري كل ذلك لتتاكد من وقوع التجارة الدولية بيدها.واحتكرت الدولة الهولندية تجارة مستعمراتها في الهند الشرقية بالكامل و ابتدعت وسائل عدة لتنفيذ هذه السياسة من اهمها الرقابة المباشرة و تحديد الكميات المنتجة من السلع الهامة داخل مستعمراتها .

وسنت بريطانيا قانون القمح لتحرم به إستيراد اية انواع من الغلال إلا في حالات الشح الشديد في المحاصيل الوطنية كما سنت أيضا قوانين الملاحة البحرية لتمنع بها أية سفن أجنبية من المتاجرة في الموانئ البريطانية او فيم بينها وبين موانئ مستعمرات التاج كما ربطت فيما بينها و بين مستعمراتها بروابط جمركيةبشكل يجعل من المستحيل أن تذهب تجارة المستعمرات الهامة إلى الدول المنافسة .وبالإضافة إلى هدا أصدرت بريطانيا قوائم ببعض السلع الهامة التي يحرم تصديرها من مستعمراتها و هنا نلاحظ مدى أهمية الدور الذي لعبته الملاحة في تمكين الدولة من إحتكار التجارة الخارجية و تنظيمها ولقد كان هذا من أحد الأسباب المباشرة وراء صدور قوانين الملاحة في بريطانيا وغيرها من الدول المركانتيلية.

المطلب الثاني: سياسة الاستيراد
من الممكن تلخيص سياسة الاستيراد المركانتيلية في مبدا هام ألا وهومحاربة السلع والخدمات الاجنبيةلأنها تتسبب في تسرب المعدن النفيس خارج الدولة اما الأسلوب الذي إتبع لتنفيذ هذه السياسة فقد تمثل في الضرائب الجمركية المرتفعة و المنع المباشر لبعض السلع من الدخول ااما تجارة الواردات من المستعمرات فقد كان لها وضع خاص حيث كانت البلدان الاوروبية المركانتيلية تحصل عليها بأثمان بخسة ثم تعيد تصدير جزء كبير منها في السوق الاوروبي و من ثم يتحقق لها منها فائض صافي من الذهب .

إلا أن قوانين الاستيراد كانت مرنة و لينة إذا ما تعلق الامر بالمواد الخام التي لا تتوافر عليها الدولة و الضرورية للصناعات التصديرية المهمة كونها ترفع من قيمة الصادرات و منه فهي تدخل المعادن النفيس و تزيد في ثرؤة البلد.

المطلب الثالث: سياسة التصدير
اما بالنسبة لسياسة التصدير فقد شجعت الصادرات من السلع المصنوعة بكافة الوسائل الممكنة والعمل دائما على إكتساب أسواق خارجية جديدة خاصة البلدان المكتشفة حديثا و الغنية بالمعادن النفيسة. وحينما كانت بعض صناعات الصادرات تعجز عن مواجهة المنافسة الاجنبية في بعض الاسواق فإن الدولة لا تتوانى عن مساعدتها مباشرة بمعونة مالية.

كما أن الدول المركانتيلية قد قامت بفرض ضرائب جمركية مرتفعة جدا على بعض صادرات المواد الخام و السلع نصف المصنعة و التي تلزم للصناعات القومية الهامة التي يدر تصدير منتجاتها مكاسب كبيرة من المعدن النفيس.و هكذا تمكنت الدول من حماية صناعاتها القومية الهامة من مواجهة أية مشاكل قد تنشأ في سبيل الحصول على مستلزمات إنتاجها.

وهكذا ساهمت الدول المركانتيلية في تقوية المركز التنافسي لصناعاتها القومية في الايواق الخارجية ومن ثم ازدادت قدرتها على اكتساب المعدن النفيس و استطاعت ان توجه كل طاقاتها الاقتصادية نحو تصدير المنتجات و تحقيق الفائض المنشود في الميزان التجاري و تعزيز ثروتها من المعادن النفيسة

المطلب الرابع: سياسة الأجور المنخفضة
لقد تنبه المركانتيليون إلى أهمية تخفيض نفقة الإنتاج للصادرات من السلع المصنوعة لهذا دعو إلى سياسة اللأجور المنخفضة لأنها تساهم في بقاء نفقات الإنتاج منخفضة.ولكن بالإضافة إلى ذلك اعتقدو ان الاجور المنخفضة منشأنها ان تشجع العمال على بذل جهد اكبر لمضاعفة اجرهم ومن ثم يزداد الإنتاج المخصص للتصدير.كما انهم إعتقدو أن الاجور المرتفعةتذهب بأكملها لاشباع الحاجات الإستهلاكية للطبقة العاملة و من ثم فإن إرتفاع الاجور يعني زيادة الإستهلاك .

المبحث الرابع : سلبيات المذهب المركانتيلي
سيطر المذهب التجاري على الممارسات الإقتصادية الأوروبية خلال القرن 16 وكانت مظاهره تتجلى في كل أوجه الحياة و إنعكساته على الشعوب كانت واضحة حيث أن مبدأ تحصيل المعادن النفيسة وزيادتها قد أدى إلى أرتفاع الأسعار بطريقة غير مسبوقة ولم يتوافق ذلك مع مصالح الأفراد الذين أهملهم المذهب وخص عنايته الكاملة للدولة أو المملكة كما أن مبدأ تخفيض الأجور يعد مبدأ ضالما حيث يستعبد العمال ولا يأبه لوضعهم الإجتماعي ومن جهة أخرى فإن السياسات المنتهجة للتجاريين كانت تؤدي إلى عكس النتائج الإقتصادية المنطقية بقولهم أن زيادة المعدن تزيد الثروة وتزيد الإنتاج ومن ثم فهناك زيادة أكبر في معدلات التصدير وتحقيق ميزان تجاري موافق إلا أن هذه الزيادة في المعادن في الحقيقة قد أتت بزيادة في الأسعار وهذا ما يقوض من عملية التصنيع والتصدير ، أما ما يترتب على زيادة عدد السكان من إحتمال الضغط على المواد الغذائية و إنخفاض مستوى معيشة الفرد فقد كانت بعيدة كل البعد عن أدهان التجاريين ويمكن تلخيص عيوب المذهب المركانتيلي في …نقاط:

أ*- إهمال الفرد و إهمال رفاهيته
ب*- تعطيل سير التجارة الدولية بالتخلات الدائمة للدولة
ت*- عدم الإمكان المحافظة على ميزان تجاري موافق دائم
ث*- إستعمال بشع لموارد الشعوب المستعمرة وتقوية النزعة الإستعمارية
ج*- إرتفاع في الأسعار
ح*- إهمال الزراعة والتجارة الداخلية
خ*- التشجيع على زيادة السكان دون مراعاة ما يترتب عن ذلك .

اذن نلخص منطلقات المدرسة المركنتيلية

خلافاً لرأي مكيافلّي Machiavel الذي كان يقول بوجوب اغتناء الدولة وبقاء المواطنين فقراء فإن التجاريين طوروا مقولة جديدة مؤداها أن الدولة تزداد قوة بقدر ما تساعد مواطنيها على الاغتناء ولاسيما فئة التجار. كما بدل التجاريون الموقف الذي يرى في قوة الدولة الغاية الأسمى للحياة الإنسانية، وعدّوا الثروة القيمة العليا. وبذلك يمكن أن تعد التجارية نظرية عن المجتمع تنطلق، لأول مرة، من أساس اقتصادي، لأن هدف الحياة الاجتماعية في نظر التجارية، هو هدف اقتصادي. على اختلاف مؤرخي الفكر الاقتصادي حول تحديد إطار المذهب التجاري، فإن المنطلقات العامة للتجارية تتضمن الجوانب الآتية:

  1. مفهوم الثروة: من المتفق عليه أن التجاريين كانوا يعلقون أهمية كبرى على الثروة، ويعدون وفرتها أساس قوة الدولة ومحرك نشاط الفرد. كما كانوا يؤكدون أن سعي الفرد وراء الثروة من شأنه أن يحقق له السعادة من جهة أولى، كما يساعد في اغتناء الآخرين وضمان قوة الدولة من جهة ثانية. ويقصد التجاريون بالثروة المعادن الثمينة من الذهب والفضة.
  2. إرادة القوة وخدمة الأمير والدولة: كانت التجارية في كل دول أوربة تعبر عن إرادة مزدوجة في القوة؛ البحث عن التوسع من جهة والثروة من جهة ثانية، لأن ظهور التجارية ترافق مع نشوء الفكر القومي وبروز فكرة تحقيق الاكتفاء الذاتي القومي Autarcie، ولم تكن هناك أيّ إمكانية لتحقيق ذلك من دون توافر جيش وأسطول قويين. ولتحقيق ذلك يجب زيادة حصيلة الدولة من الضرائب التي يمكن توفيرها عن طريق التقدم التجاري وتشجيع دخول الثروة إلى داخل البلاد .
  3. تنمية الثروة: أجمع أنصار التجارية على أنّ الثروة هي القيمة العليا في المجتمع كما أجمعوا على أنها تكمن في توافر المعادن الثمينة كالذهب والفضة، ولهذا ركزوا اهتمامهم على ضرورة تنمية الثروة التي يرون إمكانية تحقيقها على أساس حسن سير العمل في المؤسسات التجارية والصناعية والزراعية. أما المؤسسات التجارية فتزيد الثروة عن طريق زيادة التصدير على الاستيراد مما يقود إلى دخول الثروة إلى البلاد. أما المؤسسات الصناعية والزراعية فتسهم في زيادة الثروة بقدر ما تستطيع زيادة إنتاجها لتقليص الواردات من جهة وزيادة الصادرات من جهة أخرى، أي لتحقيق ميزان تجاري رابح.
  4. الحماية الجمركية وتحقيق ميزان تجاري رابح: يمكن، حسب مذهب التجارية، زيادة الثروة بأحد طريقين: استثمار مناجم الذهب والفضة إذا كانت متوافرة في الدولة ومنع خروج هذين المعدنين من البلاد أو تنشيط التجارة الخارجية والتصدير من السلع والخدمات بقيمة تزيد على القيم التي يشتريها البلد من الخارج، أي تحقيق ميزان تجاري رابح يحقق فائضاً يتم تسديده بالمعادن الثمينة، واقترح أنصار التجارية اتخاذ تدابير متعددة لتحقيق هذا الهدف منها: تشجيع الصادرات من المواد المصنعة ومنع استيراد السلع المنافسة للسلع الوطنية، وبناء شركات الملاحة وامتلاك أساطيل بحرية ضخمة للنقل، وتوفير مواد أولية بأسعار منافسة عن طريق إقامة مستعمرات أو مستوطنات خارج البلاد Colonies وهكذا ترى التجارية ضرورة اتباع سياسة الحماية الجمركية ولاسيما تطبيق سياسة منع الاستيراد لتوفير ميزان تجاري رابح يشكل فائضه مصدراً للثروة.
  5. زيادة السكان: يرى أنصار التجارية ضرورة زيادة السكان في البلد، لأن هذه الزيادة تسهل الحصول على يد عاملة رخيصة، وتشجع تنمية الصناعة وتجارة التصدير، من ثمّ زيادة الأرباح والثروة. وفي الوقت نفسه فإنهم يرون أن نمو التجارة والصناعة يسمح بتشغيل عدد أكبر من الناس، مما يؤدي إلى تشجيع زيادة السكان ويقود إلى تقوية الدولة. وهكذا فزيادة السكان وتنمية الثروة عاملان يرتبط أحدهما بالآخر وهما مرتبطان ببناء قوة الدولة.

الاكتشافات الجغرافية وظاهرة الميركانتيلية

الاكتشافات الجغرافية هي تلك الرحلات التي قام بها العديد من المكتشفين الأوروبيين خاصة تحت إشراف الدولتين الأيبيريتين [اسبانيا والبرتغال] خلال القرنين 15 و 16م، وأحدثت تغييرا ًكبيراً على خريطة العالم، وساهمت في بروز ظاهرة الميركانتيلية.

ما أهم الرحلات الجغرافية؟ وما هي أسبابها ونتائجها؟ وما هو مفهوم الميركانتيلية؟ وما هو السياق التاريخي لظهورها؟

الاكتشافات الجغرافية الكبرى: أسبابها وأهم نتائجها

        أولاً: الاكتشافات الجغرافية الكبرى:

الاكتشافات الجغرافية هي تلك الرحلات التي قام بها العديد من المكتشفين الأوروبيين بهدفها الوصول إلى الهند للحصول على التوابل دون الوساطة الإسلامية والإيطالية، فأدت إلى اكتشاف مناطق جديدة وإثبات كروية الأرض.

        ثانياً: العوامل المفسرة لحركة الاكتشافات الجغرافية:

انطلقت حركة الاكتشافات الجغرافية مع استيلاء الأمير البرتغالي: هنري الملاح على سبتة المغربية، وكان وراء رحلته أسباب منها:

– اكتشاف سواحل غرب إفريقيا

– ربط علاقات اقتصادية مع شعوب مسيحية

– التبشير بالمسيحية وإدخال الناس إلى المسيحية.

تطورت الملاحة في عصر الاكتشافات الجغرافية وذلك بالاعتماد على طرق ملاحية جديدة، فتم اعتماد الملاحة الفلكية بدل المساحية ورسم خرائط جديدة والاعتماد على والبوصلة والإسترلاب العربيين، وبذلك تم اكتشاف مناطق جديدة.

        ثالثاً: نتائج الاكتشافات الجغرافية:

أفرزت الاكتشافات الجغرافية عدة نتائج أهمها: توقيع اسبانيا والبرتغال على معاهدة توردسيلاس تحت إشراف الكنيسة سنة 1494م، والتي منحت مستعمرات الشطر الغربي من الكرة الأرضية لإسبانيا، والشطر الشرقي للبرتغال، مما ساهم في ظهور إمبراطورية إسبانية: أمريكا اللاتينية والوسطى وبرتغالية: السواحل الإفريقية وجنوب آسيا الهند والسواحل الشرقية لأمريكا الجنوبية. أما نفوذ فرنسا وإنجلترا فاقتصر على سواحل أمريكا الشمالية.

تراجعت التجارة البحرية في الموانئ المتوسطية كجنوة لصالح موانئ الأطلسي التي عرفت رواجا كبيرا   ميناء انفرس البلجيكي.

تدفق معدني للذهب والفضة على اسبانيا والبرتغال خلال القرن 16م ومطلع القرن 17م صاحبه تطور في أسعار المواد الفلاحية فكان ذلك بداية التحول من الفلاحة إلى الصناعة.

السياق التاريخي لظاهرة الميركانتيلية

– تحولات اقتصادية: انتقال أوروبا تدريجيا من الفلاحة التقليدية إلى التجارة والخدمات.

– تحولات اجتماعية: تراجع نفوذ الطبقة الفيودالية، والنمو التدريجي للبورجوازية.

– تحولات فكرية: انتشار الحركة الإنسية.

– تحولات سياسية: وضع أسس الدولة الحديثة في أوروبا.

عوامل ظهور الميركانتيلية ومبادئها:

الميركانتيلية تيار فكري اقتصادي ومدرسة تجارية ظهر انطلاقا من القرن 15م إلى منتصف القرن 18م، تكون نتيجة التطورات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، حيث ظهرت الطبقة البرجوازية كفئة اجتماعية حديثة مهتمة بالتجارة والصناعة والعمل السياسي. اعتمد الميركانتيليون التجاريون أساسا على الذهب والفضة، ولذلك تمت تسميتهم بالمعدنيين.

          اعتمدت الميركانتيلية على عدة مبادئ من أبرزها:

– اعتبار الذهب والفضة أساس القوة الاقتصادية لأي بلد.

– رفع الصادرات وتقليص الواردات بهدف تحقيق فائض في الميزان التجاري.

– حماية الإنتاج الوطني عن طريق فرض قيود جمركية على الواردات.

– إنشاء شركات تجارية كبرى قصد التحكم في التجارة الدولية.

 الميركانتيلية الإسبانية كنموذج أولي للميركانتيلية:

قامت الميركانتيلية الإسبانية على تدفق الذهب والفضة، والاحتفاظ بهما في خزينة الدولة، وتحريم تصديرهما. وكذا إجبار التجار الإسبان المصدرين على استعادة أموالهم نقدا، أما التجار المستوردين فيدفعون ثمن بضاعتهم ببضائع اسبانية المقايضة.

بتنظيم الاكتشافات الجغرافية وإقامة المستعمرات أخذت أوروبا تفرض سيطرتها العالمية.

الدولاسم المكتشفتاريخ الرحلاتالمناطق المكتشفة
البرتغال

 

بارطولومي دياز1487-1488رأس الرجاء الصالح بإفريقيا
فاسكو دي كاما1497-1498الهند عبر رأس الرجاء الصالح.
كابرال1500-1501 البرازيل عبر المحيط الأطلسي   والهند
اسبانياكرستوف كولومب1492-1504 جزر الأنتيل ” جزر الهند الغربية ” بأمريكا الوسطى.
امريكو فيسيوتشي1499-1502سواحل فنزويلا والبرازيل بأمريكا الجنوبية.
ماجلان1519-1521 الفلبين
فرنساكارتيي1534-1541منطقة الكيبك بكندا
انجلتراكابو1497-1498 أمريكا الشمالية

 

المبحث الخامس : النقد الموجه للمركانتيلية وبداية زوالها

هاجم دفيد هيوم السياسة التجارية المركانتيلية على أساس التناقض المنطقي في أركانها وخلاصة مناقشته هي أن تكوين الفائض في الميزان التجاري والمحافظة عليه بصفة مستمرة لا يمكن أن يؤدي إلى زيادة القدرة على تنميته بل على العكس . لابد أن يؤدي إلى تدهوره ، فزيادة كمية المعادن النفيسة داخل الإقتصاد زيادة كبيرة نتيجة الإصرار على تكوين فائض مستمر في الميزان التجاري يعمل على رفع مستويات الأسعار في النهاية وفي رأي هيوم . أن هذا في حد ذاته يضعف من القدرة على التصدير ومن ثم يؤدي إلى تدهور الفائض بدلا من زيادته.

كما إعتبر آدم سميث أن السياسة التجارية المركانتيلية سياسة ساذجة لا تقوم بتحليل الأوضاع الإقتصادية تحليلا عميقا وتكتفي بإعطاء القواعد التي كان بعضها مناف للمنطق ويمكن تصوره كتحليل فلسفي نظري أكثر منه تحليل إقتصادي مبني على حقائق ومشاهدات واقعية . وقد بين المذهب ذلك في كتابه ثروة الأمم ” .

ومن هنا بدأ المركانتيلي في التراجع والإضمحلال فكريا من جهة أخرى أدت التطورات التكنولوجية كاكتشاف المحرك البخاري إلى تحول كبار التجار إلى مستثمرين صناعيين ينبذون تدخل الدولة في شؤون الإقتصاد والتقييد الصارم للصادرات و الواردات وتحولوا شيئا فشيئا إلى سلطة تضاهي سلطة الملك ومن ثم فقد أخذ الفكر التجاري في الغضمحلال وكانت أنجليترا بالذات التي تعتبر مهده هي أيضا لحده ، ذلك أن ظهور فلسفات جديدة على يد هيوم- وجون جاك روسو و مونتسكيو تنظر نظرة إرتياب إلى تدخل الدولة وترفض فكرة الحق الإلهي للملوك وتكافح من أجل الحرية الفردية والمساواة قد دق آخر مسمار في نعش المركانتيلية و بعض الأفكار وطورت إلى مذهب جديد بينما أخذ منها بعض الأفكار وطورت إلى مذهب جديد سماه أصحابه الطبيعية أو الفيزيوقراطية .

السياسات التجارية المعاصرة – بقلم  نبيل بويبية

السياسات التجارية:

تعتبر التجارة الخارجية الركيزة الأساسية التي يعتمد عليها التطور الاقتصادي لأي بلد، على أساس التبادل للسلع والخدمات ما بين الدول، كما يمكن اعتبارها الجسر الذي يربط بين الدول، وتسمح لها بتصريف الفائض من إنتاجها أو استيراد حاجيتها من فائض إنتاج دول أخرى.

I- مفهوم التجارة الخارجية :

تعرف التجارة على أنها وسيلة للتخلص من الإنتاج الفائض، وعملية التخلص هذه تستلزم طرفين : طرف يصرف وهو صاحب الفائض، وطرف آخر يستقبل وهو صاحب العجز.

” التجارة إذن ما هي إلا عملية تتم بين طرفين أو أكثر ويمكن تقسيم عملية التبادل هذه إلى قسمين :

– تبادل داخلي أو تجارة محلية وهي التي تتم داخل سوق محلي – تبادل خارجي أو تجارة خارجية وهي امتداد للتجارة الداخلية المحلية بحيث لا يمكن إشباع أسواق خارجية إلا بعد إشباع الأسواق المحلية وتتخلص التجارة الخارجية في عمليتين : الأولى تتمثل في عملية التصدير والتي تتمثل في إخراج السلع والخدمات    ) البيع(  خارج حدود الدولة بصفة رسمية من طرف الدولة أو أي شخصية مادية أو معنوية أخرى، مقابل قيمة مالية مقدرة متفق عليها، هذه الأخيرة تدخل كمورد هام من الموارد المالية للدولة المعنية.

أما الثانية فتتمثل في عملية الاستيراد، وهي عملية الشراء الآتية من الخارج من أعوان خارجيين عن التراب الوطني، لتمثيل عملية الشراء التي يقوم بها الأعوان الاقتصاديين لبلد ما.

II-  أهمية التجارة الخارجية وأساسها:

مهما كان التفاوت الاقتصادي بين الدول ومهما اختلفت النظم السياسية، فإنه لا يمكن لهذه البلدان أن تعيش بمعزل عن غيرها تجاريا، لأن هذا الانعزال سوف يجبر هذه الأخيرة بأن تكتفي ذاتيا من كل المنتجات كما أنها لا تقوم بتصدير فائض المنتجات الموجودة لديها، وهذا سوف يزيد من صعوبة مهمة تنمية البلد وبالتالي لا يستطيع رفع مستوى معيشة أفراده، وعليه فإنه يوجب على الدولة أن تقيم علاقات تجارية مع غيرها من الدول وذلك بتصدير أو تصريف فائض إنتاجها نحو العالم الخارجي للحصول على الموارد الضرورية وتقوم باستيراد فائض إنتاج الدول الأخرى التي لا يمكنها أن تنتجه لتخصصها في أنواع معينة.

ويمكن القول أن أهمية التجارة الخارجية تختلف من دولة إلى أخرى، “فالدول الصناعية الكبرى الأعلى تطورا تكاد تسيطر على تجارة العالم”، وتشمل كل من بلدان غرب أوروبا والولايات المتحدة الامريكية واليابان حيث يبلغ نصيبها حوالي ثلثي قيمة التجارة العالمية.

من خلال ما سبق يمكن حصر أهمية التجارة الخارجية في ثلاث نقاط التالية :

 -1 تشجيع الدول على التخصص في إنتاج السلع التي تتمتع في إنتاجها بميزة نسبية بالمقارنة بالدول الأخرى، فالموارد التي تحصل عليها الدولة نتيجة لذلك تعتبر مدخرات توجه للاستثمارات المستهدفة.

2 – يمكن للتجارة الخارجية أن تمد المنافذ الخارجية ” الأسواق الخارجية ” بالفائض السلعي والذي يمكنه أن يحول الموارد الإنتاجية العاطلة إلى موارد عاملة منتجة والادخار الناتج عن هذا الفائض يعمل على زيادة الإنتاج إذا ما وجه للاستثمارات المنتجة.

3- تؤدي التجارة الخارجية إلى إمكانية زيادة الإنتاج وذلك من خلال تأثيرها على عوامل متعددة اتجاه الدافع للمنافسة، تحصيل معرفة جديدة نتيجة الاحتكاك بالخارج، رؤية التكنولوجيا الحديثة ومحاولة تطبيقها وسميت الفائدة الناتجة عن ذلك الأرباح الديناميكية للتجارة.

إن التجارة الخارجية عموما أصبحت على درجة كبيرة من الأهمية في الوقت الحالي سواء بالنسبة للدول الصناعية المتقدمة أو الدول السائرة في طريق النمو التي لا زالت بعد في أولى مراحل التنمية ولقد أصبح في حكم المستحيل أن تستغني دول ما عن التبادل الدولي وتعيش في عزلة عن بقية دول العالم.

-2 أساسها:

تقوم التجارة الخارجية في طبيعتها على مبدأ المقايضة الحديثة، التي تعتمد على استخدام النقود والائتمان، والتجارة الخارجية في الوقت الحاضر تستند أصلا على مبادلة السلع بالسلع، الأمر الذي يستوجب أن تتكون كل دولة مستوردة ومصدرة، ويرى معظم الاقتصاديون أن التخصص والتقسيم الدولي في الإنتاج والمبادلة هو العامل الأساسي الذي تقوم عليه عملية التجارة.

III- السياسات التجارية المتعلقة بالتجارة الخارجية:

نشاط التجارة الخارجية تتعرض في كل مرحلة لتشريعات ولوائح رسمية من جانب أجهزة الدولة، التي تعتمد على تقييده بدرجة أو بأخرى، أو تحريره من العقبات المختلفة، ومجموعة هذه التشريعات واللوائح الرسمية تسمى السياسة التجارية.

وبين هذه السياسة وتلك يدافع كل فريق من أنصار كل ساسة عن وجهة نظره بمجموعة من الحجج فما هي؟

السياسة الحمائية ومبرراتها

-1 السياسة الحمائية:

إن الدولة الكبيرة التي تكونت من القرن السادس عشر حتى القرن الثامن عشر كانت جميعها تتبع نظام الحماية، إذ كانت تحاول جهدها باتباعها سياسة الربح التجاري أن تكدس المعادن الثمينة الناتجة عن فائض الصادرات على الواردات، وفي القرن التاسع عشر، انظمت بريطانيا إلى تعاليم الإقتصاديين الأحرار في حين توطد نظام الحماية في الدول الحديثة (الولايات المتحدة الأمريكية، ألمانيا، كندا( …، وخلال النصف الأول من القرن العشرين  20 ، انتشر نظام الحماية في كل مكان ولاسيما خلال الإنهيار الإقتصادي الكبير الذي جرى في الثلاثينات، وبعد الحرب العالمية الثانية بذلت الدول المتقدمة صناعيا جهودا مشتركة للحد من عقبات التجارة الدولية، وكان ذلك بتشجيع من الولايات المتحدة الأمريكية في إطار الإتفاق العام حول التعريفات الجمركية والتجارة المعروفة بـ”GATT”

ويستند أنصار المذهب الحمائي للدفاع عن سياستهم إلى الحجج التالية:

-2 مبررات مبدأ حماية التجارة الخارجية:

أ- حماية الصناعة الوطنية: تقترح الحماية للصناعات الناشئة على أساس أنها لن تستطيع منافسة الصناعات الأجنبية التي تنتج سلعا مماثلة، بسبب ظروف نشأتها ونموها في المرحلة الأولى، ويكون ذلك عن طريق حمايتها جمركيا خاصة للصناعات التي تتوافر لقيامها عوامل النجاح.

ب- تنويع الإنتاج الصناعي: ضرورة تسخير السياسة الجمركية في إقامة عدد كبير من الصناعات بحجة جعل الإقتصاد الوطني متوازنا ووقايته من حالة الكساد التي قد تحدث في الصناعة الواحدة. أو الصناعات القليلة التي تتخصص فيها الدول في حالة الأخذ بسياسة حرية التجارة

ج- تقييد التجارة من أجل مستوى التوظيف: إن الرسوم الجمركية العالية تقلل الواردات وتشجع بذلك على توسع الصناعات الداخلية ويكون الأثر المباشر لذلك استيعاب الأعداد المتعطلة من العمال، بالإضافة إلى تشغيل الموارد الاقتصادية الأخرى

د- للحماية دور في توفير عدالة توزيع الدخل القومي: عندما نحمي أنشطة اقتصادية تعتمد على عنصر العمل بنسبة مرتفعة فإنها تزيد من نصيب القوى العاملة في الناتج القومي

ه- الرسوم الجمركية كوسيلة لمكافحة الإغراق: إذ كثيرا ما تلجأ بعض الدول إلى بيع منتجاتها في الأسواق الخارجية بسعر يقل عن سعر بيعها في الأسواق الداخلية وقد يصل التمييز في الأسعار إلى حد البيع في الخارج بسعر يقل عن سعر التكاليف الإنتاج وتعرف هذه السياسة بإسم “سياسة الإغراق” وتستعمل بغرض غزو الأسواق الخارجية وتعتبر نوعا من التمييز الاحتكاري لهذا فإن الدولة تلجأ دائما إلى حماية صناعتها الوطنية من أثر سياسة الإغراق

و- الحماية لعلاج العجز في ميزان المدفوعات: ويتم ذلك عن طريق فرض الرسوم الجمركية المرتفعة على الواردات من السلع الكمالية. والتخفيف منها أو إلغائها على الواردات من السلع الإنتاجية وبذلك تقل الواردات فيقل الطلب على العملة الأجنبية.

ز- الأمن الوطني: إن التخصص في الصناعة ينطوي على خطر في حالة نشوب حرب وهذا ما يفرض على البلدان الاحتفاظ ببعض القدرات الإنتاجية لتلك المنتجات التي تسمح لها في حالة وقوع نزاع مع الخارج بنوع من الإكتفاء الذاتي حتى تستطيع حماية استقلالها

ح- الاستقرار الاقتصادي: لقد أخذت الحكومات على عاتقها تلبية ما يمكن تلبيته من رغبات المواطنين، فوجدت أنه ينبغي لها قبل أن تسعى لتحقيق التقدم الاقتصادي وتنمية دخلها القومي أن تضمن استقرار الأحوال والظروف الاقتصادية ممثلة في الأسعار والدخل والإنتاج وغير ذلك من الكميات الاقتصادية ليصبح بعد ذلك الطريق سهلا معبدا أمام تحقيق التقدم الاقتصادي.

III-2 سياسة الحرية ومبرراتها:

-1 سياسة الحرية:

يلاحظ لدى المفكرين الاقتصاديين التقليديين أنهم ساهموا في انتصار مبدأ “دعه يعمل دعه يمر” على المستوى الدولي وأكدوا من الناحية النظرية أن التبادل الحر يشكل أحسن وضع بالنسبة للعالم إن أنصار سياسة الحرية يعارضون التدخل الحكومي في الشؤون الاقتصادية، ويؤكدون على أهمية المنافسة الحرة، ويطالبون بعدم استخدام الإجراءات الجمركية للتمييز في المعاملة مع الدول المتخلفة ويرتكزون على الحجج التالية:

-2 مبررات مبدأ حرية التجارة الخارجية:

أ- تتيح حرية التجارة فرصة التخصص وتقسيم العمل الدولي على أساس اختلاف النفقات النسبية، ويعود هذا بالمنفعة على المستهلك )باقتنائه لأحسن النوعيات وبأقل الأسعار(  وعلى المنتج توسيع فروع إنتاجه التي تتوفر فيها أسباب التفوق.

ب – إن التجارة الدولية الحرة في ظل ظروف معينة، تصبح بديلا كاملا للتنقل الكامل لعناصر الإنتاج

ت – تعمل على خلق جوا تنافسيا دوليا، مما يؤدي إلى انخفاض تكلفة الإنتاج من جهة وصعوبة قيام الاحتكارات الدولية من جهة أخرى.

ث – تؤدي إلى توسيع نطاق السوق، والإنتاج ووصول المشروعات الإنتاجية إلى الحجم الأمثل لها والانتفاع من مزايا الإنتاج الكبير.

ج – تشجيع التقدم التقني.

ح – الحماية تؤدي إلى إفقار الغير.

IV- أدوات السياسات التجارية:(القيود الجمركية)

1- مصدرها: قوانين أو مراسيم تصدرها عادة السلطة التنفيذية وأحيانا السلطة التشريعية.

2- أغراضها: – غرض مالي: الحصول على موارد مالية لخزينة الدولة.

– غرض اقتصادي غير مالي: حماية صناعة معينة، التأثير على حجم الصادرات أو الواردات أو على سعرهما أو على توزيعهما الجغرافي.

3- محل تطبيق القيود الجمركية: السلع أو الخدمات بجميع أشكالها ومراحل إنتاجها.

4 – مكان تطبيق القيود الجمركية: تطبق عند اجتياز السلعة أو الخدمة لحدود الدولة دخولا أو خروجا.

5 – أنواع القيود الجمركية: قيود تعريفية وقيود غير تعريفية.

IV-1 القيود الجمركية التعريفية:

التعريفة الجمركية: هي الرسوم الواجبة الدفع أو الضريبة المقدرة على السلعة عند اجتيازها لحدود الدولة دخولا أو خروجا وتنقسم إلى:

أ‌- من حيث وجهها القانوني: تعريفة ذاتية أو مستقلة، تعريفة اتفاقية.

ب‌- من حيث الأطراف الواضعة لها: منفردة، مزدوجة، تعريفة متعددة.

ت‌- من حيث الظروف التي تستلزمها: تعريفة القصاص أو الثأر، الرسوم التعويضية(وقائية)، تعريفة الأفضلية.

IV-2 القيود الجمركية غير التعريفية: مكملة للنوع الأول هدفها حماية الاقتصاد والمستهلك الوطني من المؤثرات السلعية الخارجية وتنقسم إلى:

أ‌- القيود غير التعريفية النقدية أو السعرية: وتشمل:

– الإعانات (إعانات تصدير أو إعانات استيراد)وقد تكون مباشرة أو غير مباشرة.

– تخفيض سعر الصرف.

– الإغراق.

ب‌-  القيود غير التعريفية الكمية: وتشمل:

    – الحضر أو المنع(كلي أو جزئي) .

    – تراخيص الاستيراد.

    – نظام الحصص.

ت‌-   القيود غير التعريفية التنظيمية( الإجراءات الإدارية): وتشمل:

– المعاهدات والاتفاقات التجارية.

– اتفاقية الدفع.

– الاتحادات الجمركية.

– المناطق الحرة.

– الحماية الإدارية.

– التكتلات الاقتصادية.

  ” إن الواقع الملموس يدل على أن السياسة التجارية التي تطبقها الدول على اختلاف أنظمتها الاقتصادية ماهي إلا مزيج بين الحرية والحماية”.

انواع السياسة التجارية

1- سياسة حماية التجارة الخارجية: تتم دراسة سياسة حماية التجارة الخارجية في:

1.1. تعريف سياسة حماية التجارة الخارجية: تعرف سياسة حماية التجارة الخارجية على أنها:

  • تبني الدولة لمجموعة من القوانين و التشريعات و اتخاذ الإجراءات المنفذة لها بقصد حماية سلعها أو سوقهاالمحلية ضد المنافسة الأجنبية.

  • قيام الحكومة بتقييد حرية التجارة مع الدول الأخرى بإتباع بعض الأساليب كفرض رسوم جمركية على الواردات أو وضع حد أقصى لحصة الواردات خلال فترة زمنية معينة مما يوفر نوعا من الحماية للأنشطة المحلية من منافسة المنتجات الأجنبية.

2.1 . الآراء المؤيدة لسياسة حماية التجارة الخارجية: يستند أنصار الحماية التجارية إلى مجموعة من الحجج أهمها:

  • إتباع هذه السياسة سوف يؤدي إلى تقييد المستوردات و انخفاض حجمها و إزاء هذا الوضع لا يجد المستهلك المحلي مقرا من تحويل إنفاقه من السلع الأجنبية إلى البدائل المحلية.

  • يلزم الدولة الحصول على موارد مالية منتظمة حتى يمكنها القيام بمهامها المختلفة.

  • حماية الصناعات الوطنية الناشئة من المنافسة الأجنبية المتوفرة على خبرة من الوجهة الفنية و ثقة في التعامل من الوجهتين التسويقية و الائتمانية.

  • تحديد و وضع تعريفة جمركية مثلى لدخول السلع و الخدمات الأجنبية إلى الأسواق المحلية بهدف تحقيق الحماية المثلى للصناعة و السوق في الدولة.

  • مواجهة سياسة الإغراق المفتعلة و التي تعني بيع المنتجات الأجنبية في الأسواق المحلية بأسعار أقل من الأسعار التي تباع بها في سوق الدولة الأم، و ذلك بفرض رسم جمركي على الواردات يساوي الفرق بين سعرالبيع في السوق المحلي و سعر البيع في الدولة الأم

3.1 . أدوات لسياسة حماية التجارة الخارجية: تعتمد الدول المنتهجة لسياسة الحماية التجارية على الأدوات التالية:

1.3.1 .الأدوات السعرية: يظهر تأثير هذا النوع من الأدوات على أسعار الصادرات و الواردات و أهمها:

أ- الرسوم الجمركية: تعرف على أنها:”ضريبة تفرض على السلع التي تعبر الحدود سواء كانت صادرات أو واردات” و تنقسم إلى:

  • الرسوم النوعية: و هي التي تفرض في شكل مبلغ ثابت على كل وحدة من السلعة على أساس الخصائص المادية (وزن،حجم….إلخ).

  • الرسوم القيمية: و هي التي تفرض بنسبة معينة من قيمة السلعة سواء كانت صادرات أو واردات و هي عادة ما تكون نسبة مئوية.

  • الرسوم المركبة: و تتكون هذه الأخيرة من كل من الرسوم الجمركية النوعية و القيمية.

ب- نظام الإعانات: يعرف نظام الإعانات على أنه: كافة المزايا و التسهيلات و المنح النقدية التي تعطي للمنتج الوطني لكي يكون في وضع تنافس أفضل سواء في السوق الداخلية أو الخارجية.2

و تسعى الدولة من خلال هذا النظام إلى كسب الأسواق الخارجية و ذلك بتمكين المنتجين و المصدرين المحليين من الحصول على إعانات مقابل بيع منتجاتهم في الخارج و بأثمان لا تحقق لهم الربح.

ج- نظام الإغراق: يتمثل نظام الإغراق في: بيع السلعة المنتجة محليا في الأسواق الخارجية بثمن يقل عن نفقة إنتاجها أو يقل عن أثمان السلع المماثلة أو البديلة في تلك الأسواق أو يقل عن الثمن الذي تباع به في السوق الداخلية.حيث نميز له ثلاثة أنواع هي:

  • الإغراق العارض: يحدث في ظروف طارئة كالرغبة في التخلص من منتوج معين غير قابل للبيع في أواخر الموسم.

  • الإغراق قصير الأجل: يأتي قصد تحقيق هدف معين كالحفاظ على حصته في السوق الأجنبية أو القضاء على المنافسة و يزول بمجرد تحقيق الأهداف.

  • الإغراق الدائم: يشترط لقيامه أن يتمتع المنتج باحتكار فعلي قوي نتيجة حصوله على امتياز إنتاج سلعة ما من الحكومة أو تنتجه لكونه عضوا في إتحاد المنتجين الذي له صبغة احتكارية، كذلك يشترط أن تكون هناك ضرائب جمركية عالية على استيراد نفس السلعة من الخارج.1

2. الأدوات الكمية: تنحصر أهمها في نظام الحصص، تراخيص الاستيراد، المنع(الحظر)

1.2 نظام الحصص: يدور هذا النظام حول قيام الحكومة بتحديد حد أقصى للواردات من سلعة معينة خلال فترة زمنية معينة على أساس عيني (كمية) و قيمي (مبالغ).

أ. الحظر (المنع): يعرف الحظر على أنه “قيام الدولة بمنع التعامل مع الأسواق الدولية” . و يكون على الصادرات أو الواردات أو كليهما، و يأخذ أحد الشكلين التاليين:

  • حظر كلي: هو أن تمنع الدولة كل تبادل تجاري بينها و بين الخارج، أي اعتمادها سياسة الاكتفاء الذاتي ، بمعنى عيشها منعزلة عن العالم الخارجي.

  • حظر جزئي: هو قيام الدولة بمنع التعامل مع الأسواق الدولية بالنسبة لبعض الدول و بالنسبة لبعض السلع.

2.2 . تراخيص الاستيراد: عادة ما يكون تطبيق نظام الحصص مصحوبا بما يعرف بنظام تراخيص الاستيراد الذي يتمثل في عدم السماح باستيراد بعض السلع إلا بعد الحصول على ترخيص (إذن) سابق من الجهة الإدارية المختصة بذلك.

3 . الأدوات التجارية: تتمثل في:

1.3 . المعاهدات التجارية: هي اتفاق تعقده الدولة مع غبرها من الدول من خلال أجهزتها الدبلوماسية بغرض تنظيم العلاقات التجارية فيما بينها تنظيما عاما يشمل جانب المسائل التجارية و الاقتصادية، أمور ذات طابع سياسي أو إداري تقوم على مبادئ عامة مثل المساواة و المعاملة بالمثل للدولة الأولى بالرعاية أي منح الدولة أفضل معاملة يمكن أن تعطبها الدولة الأخرى لطرف ثالث.

2.3 . الاتفاقات التجارية: هي اتفاقات قصيرة الأجل عن المعاهدة، كما تتسم بأنها تفصله حيث تشمل قوائم السلع المتبادلة و كيفية تبادلها و المزايا الممنوحة على نحو متبادل، فحصي ذات طابع إجرائي و تنفيذي في إطار المعاهدات التي تضع المبادئ العامة.

3.3. اتفاقيات الدفع: تكوم عادة ملحقة بالاتفاقات التجارية و قد تكون منفصلة عنها، تنطوي على تنظيم لكيفية تسوية الحقوق و الالتزامات المالية بين الدولتين مثل تحديد عملة التعامل، تحديد العمليات الداخلية في التبادل…إلخ.

2- سياسة تحرير التجارة الخارجية: تتم دراسة حرية التجارة الخارجية في:

1. تعريف سياسة حرية التجارة الخارجية: تعرق سياسة حرية التجارة بأنها السياسة التي تتبعها الدول و الحكومات عندما لا تتدخل في التجارة بين الدول من خلال التعريفات الجمركية و الحصص و الوسائل الأخرى. و من هنا نستنتج أن سياسة الحرية تتركز على ضرورة إزالة كل العقبات أو القيود المفروضة على تدفق السلع عبر الحدود سواء كانت صادرات أو واردات.

2 . الآراء المؤيدة لسياسة حرية التجارة الخارجية: تتمثل مجمل الحجج في:

  • تتيح حرية التجارة لكل دولة التخصص في إنتاج و تصدير السلع التي لديها فيها ميزة نسبية على أن تستورد من الخارج السلع التي لديها فيما لا تتميز فيها نسبيا و بتكلفة أقل مما لو قامت بإنتاجها محليا.

  • تشجع حرية التجارة التقدم الفني من خلال المنافسة التي تتم بين دول مختلفة مما يؤدي إلى زيادة و تنشيط العمل و تحسين وسائل الإنتاج.

  • تؤدي حرية التجارة إلى فتح باب المنافسة بين المشروعات الاحتكارية التي تظهر في غياب المنافسة و تتحكم في الأسعار بما يضر بالمستهلك في السوق المحلية.

  • تحفز حرية التجارة كل دولة على التوسع في إنتاج السلع المكثفة للعنصر الوفير و الحد من إنتاج السلع المكثفة للعنصر النادر.

  • تساعد حرية التجارة استخدام كل بلد لموارده الإنتاجية استخداما كاملا و القضاء على ظاهرة الطاقات العاطلة.

الخاتمة

النظام المركانتيلي التجاري ” Marcuntilism ” هو نظام اقتصادي نشأ في أوروبا لتعزيز ثروة الدولة وزيادة ملكيتها من المعدنين النفيسين عن طريق التنظيم الحكومي الصارم لكامل الإقتصاد والتوجه التام للتجارة الخارجية والدولية .
لقد ساهمت المركانتيلية في تطور الفكر الإقتصادي في العالم وقدمت مبادئ طورت فيما بعد وقامت عليها قواعد ونظريات اقتصادية بل أن المركانتيلية هي اللبنة الأولى في بناء التفكير الإقتصادي الرأسمالي الحديث .
لكن هذا المذهب كان مذهبا استغلاليا وأعطى للحكومة الصلاحيات لأن تفرض قيودا على الشعب وأن تستغله شر إستغلال لتحقيق منفعتها ومنفعة كبار التجار وأدت السياسات التي أتبعتها إلى إستعمار بلدان كاملة وتجريدها من مواردها بالقوة وإستعباد شعوبها .
إن المذهب التجاري تولد نتيجة ظروف معينة وتطور بحسبها ولكنه لم يستطع مواكبة تطور الشعوب ووعيها بمدى أهمية رفاهية الفرد ومدى أهمية حرية التجارة فتلاشى ليترك مكانا لتصورات إقتصادية جائت لتوافق تطور الشعوب .

المصادر

  1. ^ فوزي, عبد المنعم (2018-01-01). فلسفة الفكر المالي. الجيزة: وكالة الصحافة العربية (ناشرون). ISBN 9786500298390. مؤرشف من الأصل في 09 ديسمبر 2019.
  2. ^ المعجم المنجد في اللغة العربية المعاصرة، الطبعة الثانية، 2001.
  3. ^ فتحي ذياب سبيتان, حسن محمد وهدان (2010-01-01). مفاهيم وأساليب تدريس التربية الإسلامية. الرياض: الجنادرية للنشر والتوزيع. ISBN 9957501348. مؤرشف من الأصل في 09 ديسمبر 2019.
  4. ^ القاموس الاقتصادي – المركنتالزم (المذهب التجاري) – صفحة 207- تأليف حسن النجفي وكيل وزارة المالية العراقية – مديرية مطبعة الأدارة المحلية – بغداد 1977م.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى