دراسات مغاربية

الحركة الوطنية في الجزائر قبل وبعد الحرب العالمية الأولى

المحتويات:

1- تعريف الحركة الوطنية

2- الارهاصات الأولى الحركة الوطنية ( 1830-1833)

3- عوامل ظهور الحركة الوطنية ( الداخلية و الخارجية )

4- الاتجاهات الوطنية للحركة ( أبرز التيارات السياسية)

5- الحركة الوطنية بين( 1892 -1912 )

6- الحركة الوطنية بين( 1919 -1939)

1- تعريف الحركة الوطنية : هي ” مجموع الأحزاب السياسية و التنظيمات المختلفة و الشخصيات الفاعلة التي تمارس النضال من أجل القضية الوطنية و نشر الوعي و تحقيق البديل الأفضل للشعب و الوطن .”
و يقصد كذلك بالحركة الوطنية ” مجموع الفعاليات السياسية و الاجتماعية التي ناهضت الوجود الاستعماري و قامت بتوعية الشعب و الدفاع عن حقوقه و مصالحه ، و قد تطورت بشكل كبير بعد الحرب العالمية الأزلى مجسدة في جمعيات و أحزاب سياسية حملت على عاتقها مهمة توعية الشعب الجزائري و الدفاع عن حقوقه .”

1- الارهاصات الأولى الحركة الوطنية ( 1830 -1833) :
يؤكد المؤرخون للتاريخ الجزائري أن المقاومة السياسية للشعب الجزائري انطلقت بمجرد أن وطأت أقدام فرنسا فيها عام 1830 و امضاء وثيقة الاستسلام ، حيث نظم الجزائريون بزعامة حمدان خوجة أول حزب سياسي وطني سياسي كان يعرف ب ” لجنة المغاربة ” المكونة من الأعيان و البرجوازيين الجزائريين الذين كانوا على وعي بدورهم السياسي و الوطني و ذلك من خلال معارضتهم للاحتلال الفرنسي تحت شعار القومية ، بالإضافة إلى ذلك فإن هذا الحزب كان مؤيدا من الشعب الذي عبر عن عواطفه بمؤتمرات تلقائية قرر خلاها ضرورة المقاومة.
و من جهة أخرى كان هذا الحزب يبعث بنداءات و مطالب و عرائض للسلطات الفرنسية في الجزائر و فرنسا ، مذكرا لها بمواد الاتفاق ، و مطالبا بالجلاء الفوري للجيش الفرنسي ، و شارحا مظالم الجزائريين المنجرة عن تصرفات الفرنسيين . و هكذا حاولت لجنة المغاربة الدفاع عن الجزائر فردا و شعبا من خلال الدفاع عن الحريات الجزائرية و معتقداتهم و ممتلكاتهم ، و عن طريق نصح الطرف الفرنسي بأنهم بعدما انتقم من شرفه في قضية المروحة يمكنه أن يعود الى فرنسا و يترك الجزائر لأهلها .
كانت تلك البدايات الأولى للمقاومة السياسية في الجزائر ضد الاحتلال الفرنسي التي تركت المجال لاحقا الى العمل العسكري المسلح بنوعيه الرسمي المنظم و الشعبي ، بعدما رفضت السلطات الفرنسية استجابة مطالبها .

2- عوامل ظهور الحركة الوطنية : 
لقد اجتمعت العديد من العوامل في القرن التاسع عشر ساهمت في ميلاد الحركة الوطنية الجزائرية في مطلع القرن العشرين نستعرضها فيمايلي :
أ‌- العوامل الداخلية :
1- حركة التعليم بشقيها : العربي الاسلامي و الأوروبي الغربي التي ساهمت في تكوين جيل مثقف و واع ، يحس بمعاناة الشعب الجزائري و بالقهر الاستعماري عليه .
2- ظهور صحافة وطنية : نشيطة في مطلع القرن 20 لعبت دورا هاما و رائدا في رفع الوعي الفكري و السياسي و الاقتصادي ، و الاجتماعي للمجتمع الجزائري ، و ذلك بفضل المقالات و الدراسات التي كانت تنشرها في مختلف المواضيع .
3- ظهور جمعيات و نوادي ثقافية : قامت بنشاط ثقافي واسع في مطلع القرن 20 ساعد على رفع المستوى الفكري و الثقافي ، و ولد نشاطا سياسيا واسعا و ملحوظا ، و يتمثل ذلك النشاط في تنظيم المحاضرات الدورية و الدروس و المهرجانات ، و عرض مسرحيات و تمثيليات ، نتج عنها ايقاظ العقول و دفعها للعمل و النشاط و تحسين المستوى الثقافي و الاجتماعي ، و من بين هذه الجمعيات : التوفيقية ، و نادي التقدم ، و جمعية الهلال و نادي صالح باي ، و الجمعية الرشيدية ، و نادي الاتحاد ، و نادي الشباب الجزائري ، و وداية العلوم الجديدة.
4- مبالغة الاستعمار في تطبيق سياسة الزجر و الارهاب و التفقير و التجهيل : أدى ذلك الى خلق وعي سياسي و حث الناس على الكفاح و المقاومة السياسية للحصول على بعض الحقوق .و من أبرز مظاهر هذه السياسة الاستعمارية نذكر :
• منح المعمرين الأوروبيين الاستقلال المالي بالجزائر بمقتضى قانون 19 ديسمبر 1900 الذي مكنهم من التصرف المطلق في خيرات الجزائر الاقتصادية .
• منع الجزائريين من انتخاب ممثلين عنهم في المجالس العامة البلدية ، العمالية و المالية و غيرها ، و قصر ذلك على بعض العائلات الموالية للإدارة الاستعمارية.
• تم ارهاق الجزائريين بالضرائب الباهضة التي لا تناسب مع امكانياتهم المادية ، و اشتدت ظاهرة مصادرة أملاكهم العقارية .
• طبقت عليهم قوانين الانديجينا ( قانون الأهالي ) الزجرية الرادعة التي وضعت خصيصا لهم بعد عام 1871 و بقي العمل بها حتى عام 1930 ، ثم ألغيت نظريا و بقيت تطبق حتى عام 1962 .
• اخضاع الجزائريين للمحاكم الزجرية الرادعة التي نشأت خصيصا لهم عام 1903 لمحاكمتهم بالقوانين الزجرية .
• صدور قرار التجنيد الاجباري للشبان الجزائريين في الجيش الفرنسي خلال شهر فيفري عام 1912.
5- محاولة القضاء على مقومات الشخصية الوطنية الجزائرية و في مقدمتها الدين الاسلامي و اللغة العربية .
6- لقد خلق فشل المقاومة المسلحة حالة تعبر عن الحيرة و البحث عن الطريق الذي يؤدي الى قلب ميزان القوى لصالح الشعب الذي يرفض العبودية و القهر ، و من خلال هذه الحيرة برزت عدة تيارات .
7- صدور قانون 4 فيفري 1919 الذي يمنح بعض الحقوق السياسية لبعض الجزائريين ، و بالتالي وسع مجال مشاركة المسلمين الجزائريين في المجالس المنتخبة .
8- إن تزوير الانتخابات البلدية و المجالس العامة و طرد الأمير خالد قد قضت على أي تعاون بين المسلمين و الأوروبيين في الجزائر ، و دفعت بالجزائريين لتكوين أحزاب للدفاع عن أنفسهم و عن بلدهم .
ب‌- العوامل الخارجية :
1- ظهور فكرة الجامعة الإسلامية : التي قد وصلت إلى الجزائر عن طريق الحجاج و الطلبة في المشرق العربي ( جمال الدين الأفغاني ، محمد عبده ، شكيب أرسلان )
2- قيام حركة هجرة واسعة من الجزائر الى المشرق العربي و أوروبا : التي كان لها دور هام في توسيع آفاق النشاط السياسي بالجزائر في الفترة من مطلع القرن 20 إلى نهاية الحرب العالمية الأولى ، حيث تعرف المهاجرون الجزائريون على ما يجري في العالم من حركات سياسية و كفاح للاستعمار ، و احتكوا بالهيئات و الأحزاب السياسية ، و تعرفوا على النظم و القوانين و أساليب الحكم .
3- إعلان الرئيس الأمريكي ” توماس ويلسون ” عن نقاطه ال 14 أمام الكونغرس في 8 جانفي 1918 ، و التي تضمنت مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها .
4- إن مشاركة الجزائريين في الدفاع عن فرنسا خلال الحرب العالمية الأولى و المشاركة في تحريرها من النفوذ الألماني قد دفع بالجزائريين أن يشعروا بأنه من حقهم الحصول على المساواة في الحقوق و في التصويت في الانتخابات .
5- انعقاد مؤتمر الصلح في فرساي بباريس 18 جانفي 1919 .
6- إنشاء منظمة سياسية دولية هي عصبة الأمم 1920 للحفاظ على السلم و الأمن الدوليين.
7- إلغاء الخلافة العثمانية الإسلامية على يد مصطفى كمال أتاتورك في 3 مارس 1924 و الذي أعلن نفسه رئيسا للجمهورية التركية .
8- أحداث العالم الإسلامي كالحرب الليبية الايطالية و كفاح الحزب الوطني بزعامة مصطفى كامل في مصر ، ثم ثورة 1919 المصرية ، و اندلاع ثورة الريف في المغرب الأقصى بزعامة الأمير عبد الكريم الخطابي 1921 .

3- الاتجاهات الوطنية للحركة : 
في طار المقاومة السياسية للشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي ظهرت مع بداية القرن العشرين اتجاهات سياسية و إصلاحية بارزة تبلورت و اتضحت أكثر بعد الحرب العالمية الأولى ، حيث امتازت بتشابه وسائلها ( إصدار الصحف و الجرائد ، إنشاء الجمعيات و الأحزاب و النوادي ، بعث الرسائل و تقديم العرائض …) لكن موقفها من الاستعمار الفرنسي كان متباينا نظرا لاختلاف برامجها و مطالبها . و فيما يلي سنستعرض أبرز هذه التيارات السياسية :
أ‌- الاتجاه الأول ( اليميني ) : دعاة المساواة ( الإصلاحي ) : مثله الأمير خالد الجزائري و تلخصت مطالبه في المساواة التامة بين الجزائريين و الفرنسيين في الحقوق و الواجبات مع الحفاظ على المقومات العربية الاسلامية ، برزت حركته أكثر أواخر 1919 حين قدم عريضة مطالب إلى الرئيس الأمريكي ” ولسن ” في مؤتمر الصلح مؤكدا على حق تقرير المصير ، و قد ساهم في نشر الوعي السياسي بين الجزائريين من حلال مطالبه و آرائه .
ب‌- الاتجاه الثاني ( اليميني ) : دعاة المساواة ( الإدماجي ) : مثلته جماعة النخبة و هم جزائريون متشبعون بالثقافة الفرنسية أمثال : الدكتور ابن التهامي ، ابن جلول ، ربيع الزناتي ، الصحافي معروف بومدين ، و الصيدلي فرحات عباس ، و كان ينادي أصحاب هذا الاتجاه فضلا عن المساواة بين الجزائريين و الأوروبيين في البرلمان الفرنسي إلى منح المسلمين الجزائريين حق التجنس حتى و إن كان ذلك على حساب الهوية الوطنية ، و دعم فكرة الجزائر مقاطعة فرنسية ، و إلغاء الإجراءات المعرقلة لهجرة الجزائريين إلى فرنسا ، و إنهاء قانون الأهالي …
ت‌- الاتجاه الثالث ( اليساري ) : دعاة الاستقلال : مثل هذا الاتجاه في البداية خاصة جماعة من العمال و الجنود السابقين الذين كانوا يعيشوا في فرنسا ، و تأثروا بفكرة الجامعة الاسلامية و بنجاح الثورة البلشفية و نضال الحزب الوطني المصري ، و حركة مصطفى كمال في ركيا ، و حرب الريف ، و تجربة الأمير خالد .
و كان هذا الاتجاه ينادي صراحة باستقلال الجزائر التام و كل بلدان الشمال الافريقي ، و انسحاب القوات الفرنسية ، و إنشاء جيش وطني ، و إلغاء جميع القوانين الاستثنائية … و ذلك تحت لواء حزب ” نجم شمال افريقيا “.
ث‌- الاتجاه الرابع : دعاة الاصلاح : و هو اتجاه معتدل إصلاحي ديني اجتماعي و ثقافي ، تعود أصوله إلى أفكار حمدان خوجة ، و أعمال الأمير عبد القادر ، و جهاد الأمير خالد الذي ساهم في الإعداد لتبلور هذا الاتجاه ، و قد تبنى تلك الأفكار و المشاريع بعض طلبة العلم المتأثرين بحركتي الاصلاح الديني و الجامعة الاسلامية مثل : عبد الحميد بن باديس ، و البشير الابراهيمي ، و مبارك الميلي ، و الطيب العقبي و آخرون ، و حاولوا تحقيقهما بوسائل دينية و تربوية و اجتماعية و اعلامية .
و كان يدعو هذا الاتجاه إلى الحفاظ على مقومات الشخصية الوطنية و معارضة التجنس ، و ترسيم اللغة العربية ، و محاربة الطرقية و الخرافات و البدع و الشعوذة… و قد مثل الاتجاه الاصلاحي في الجزائر ” جمعية العلماء المسلمين ” .

4- الحركة الوطنية بين 1892 -1912 : 
أهم الحركات السياسية التي ظهرت قبل الحرب العالمية الأولى هي كالتالي :
أ‌- حركة الشباب الجزائري ( الجزائر الفتاة ) : بدأت هذه الحركة منذ 1892 تقوم بالاتصالات مع المسؤولين الفرنسيين و تنقل إليهم هموم المواطن الجزائري و انشغالاته و تقترح عليهم ما ينبغي عمله لإنصافه ، و قد تزعم حركة الشبان الجزائريين مجموعة من الشخصيات الوطنية التي كانت تشتغل في ميادين الترجمة و التعليم و التجارة و السياسية و الطب . من أمثال فرحات عباس .
و كان من مطالب هذه الحركة إلغاء قانون التجنيد و عدم قبوله إلا إذا حصل الجزائريون على حقوق أساسية تتمثل في تعديل قانون الأهالي و إلغاء بعض بنوده و تخفيض العقوبات الواردة فيه ، و رفع نسبة التمثيل في الانتخابات المحلية ، و المساواة بين المسلمين و الأوروبيين .
يذكر أن هذه الحركة لم تمس القطاعات العريضة من الجزائريين المتمثلة في الفلاحين و سكان الريف من جهة ، و فقراء المدن من جهة ثانية ، لأنها في الحقيقة عبارة عن اتجاه لنخبة معينة و هي المتعلمة و المثقفة باللغة الفرنسية .
ب‌- النخبة الجزائرية : تعتبر امتدادا ” لحركة الشبان الجزائريين ” ، و بداية لظهور الأحزاب السياسية الجزائرية منذ عام 1912 ، و تتكون من الجزائريين الذين جمعوا بين الثقافة العربية و الفرنسية ، و قد تركزت مطالب النخبة على المساواة في الحقوق السياسية مع الفرنسيين و إلغاء قانون الأهالي ، و كان الهدف هو دمج الجزائر بفرنسا ( تحويل المجتمع الجزائري إلى مجتمع غربي ) مع التمثيل النيابي الكامل للجزائريين و قد اشترط بعضهم ( الامير خالد مثلا ) لإتمام الدمج عدم التخلي عن الأحوال الشخصية الإسلامية ، و هذا الأمر أدى إلى انقسام النخبة فيما بعد .
ت‌- كتلة المحافظين : تشكلت هذه الكتلة في بداية القرن 20 و كانت تضم العلماء و المحاربين القدامى و زعماء الطرق الصوفية و بعض الإقطاعيين و المرابطين ، و لم يشكل هؤلاء تنظيما معينا . و كان من أشهر رجالات المحافظين عبد القادر المجاوي ، سعيد بن زكري ، ابن سماية و مولود بن الموهوب .
كان يدعو المحافظين إلى الانضواء تحت مظلة الجامعة الإسلامية التي نادى بها الخليفة العثماني عبد الحميد الثاني ، مطالبين بإلغاء قانون ” الأنديجينا ” و التجنس و التجنيد الاجباري و الرجوع إلى القضاء الاسلامي.

5- الحركة الوطنية بين 1919 -1939 :
أ‌- حركة الأمير خالد ( 1919 -1925 ) :
لم يكن الأمير خالد بمعزل عن التيارات السياسية الموجودة في الجزائر قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى ، و لكنه لم يبرز كعنصر بارز في حقل العمل الوطني إلا عند نهاية الحرب ، بتأسيس حركته السياسية في أواخر سنة 1919 عند انفصاله عن النخبة ، و يمكن اعتباره أول من أعد برنامجا شاملا تم الدفاع عنه لدى السلطات الفرنسية في الجزائر و في باريس .
و يمكن تلخيص مطالب الحركة الخالدية كالتالي :
1- إلغاء القوانين الاستثنائية .
2- المساواة في الخدمة العسكرية في الحقوق و الواجبات .
3- حق الجزائري في تقلد جميع المناصب المدنية و العسكرية بدون تمييز .
4- تطبيق القانون المتعلق بالتعليم العام الإجباري على الأهالي مع حرية التعليم.
5- حرية الصحافة و الجمعيات.
6- تطبيق القوانين الاجتماعية و العمالية لفائدة المسلمين .
7- المساواة في التمثيل النيابي في البرلمان الفرنسي بين الجزائريين و الأوروبيين القاطنين بالجزائر .
8- الحرية المطلقة للعمال الجزائريين من جميع الحرف و المهن في الذهاب الى فرنسا .
9- تطبيق قانون فصل الدين عن الدولة على الشريعة الاسلامية و العفو الشامل.
يذكر أن الأمير خالد اختار لنضاله السياسي أربعة وسائل و هي الصحافة من خلال انشائه لصحيفة الاقدام و الخطب خاصة في الحملات الانتخابية و المجالس المنتخبة التي قدم على منصاتها و عن طريقها عرائض و مطالب و نادى فيها بالمساواة و إعادة الاعتبار للأهالي ، بالإضافة الى الاتصالات بالشخصيات السياسية ، حيث كاتبها في العديد من المناسبات و أبلغها بوضعية الجزائريين .
ب‌- نجم شمال افريقيا و حزب الشعب الجزائري :
• نجم شمال افريقيا : أنشئ النجم في مارس 1926 في باريس على يد جماعة من أهالي شمال افريقيا ، و كان أكثرهم من الجزائر ، و قد أعلن عن الأمير خالد رئيسا شرفيا له . و كان هدفه الصريح هو الدفاع عن المصالح المعنوية و المادية لأهل افريقيا الشمالية و تثقيف أعضائه . علما أن جل أعضائه كان من العمال و الجنود السابقين ، و طلبة افريقيا الشمالية الذين كانوا يعيشوا في فرنسا . أما هدفه الحقيقي فكان تحقيق استقلال افريقيا الشمالية كلها .
و ابتداء من سنة 1927 بدأ أعضاؤه التونسيون و المغاربة يفضلون الانضمام إلى منظماتهم المحلية التي كان مسموحا بها في بلادهم خلافا عن للجزائر ، و شيئا فشيئا فقد النجم أعضائه التونسيين و المغاربة و أصبح منظمة جزائرية خاصة . و يمكن تقسيم مطالب النجم الى نوعين :
– مطالب استراتيجية : و هي التي تستهدف الحصول على الاستقلال و بعث الدولة الجزائرية و تحقيق جلاء القوات الفرنسية عن البلاد.
– مطالب مرحلية : و تتمثل في تحقيق الاصلاح الزراعي و إلغاء قانون الأهالي و فتح أبواب المدارس أمام كل الجزائريين ، إلى جانب ترسيم اللغة العربية لا كمجرد لغة و إنما باعتبارها لغة العلم و الثقافة ، و كذلك المطالبة بالتساوي في الحقوق مع الفرنسيين القاطنين في الجزائر .
يذكر أن نجم شمال افريقيا اعتمد خلال مسيرته النضالية على العديد من الوسائل : أهممها الاحتجاج ، و التظاهر و الصحافة و التجمع .
و نظرا لتخوف السلطات الاستعمارية من نشاطات نجم شمال افريقيا و من برنامجه الذي رفعه في مؤتمر بروكسل و التي رأته يمس السيادة الفرنسية في أفريقيا الشمالية أقدمت هذه السلطات إلى حل النجم في 20 نوفمبر سنة 1929 م . لكن المناضلون أعادوا بعث الحزب من جديد عام 1933 تحت اسم ” نجم شمال افريقيا المجيد ” ، فحل ثانية عام 1934 ، ثم استأنف نشاطه مجددا عام 1935 تحت اسم ” الاتحاد الوطني لمسلمي شمال افريقيا ” فحل أيضا بتاريخ 27 جانفي 1937 .
• حزب الشعب الجزائري :
تبلور الاتجاه الاستقلالي لنجم شمال افريقيا بصفة أكثر وضوحا بظهور حزب الشعب الجزائري ، الذي تأسس نتيجة إصرار مناضلي حزب نجم شمال افريقيا على مواصلة مسيرتهم النضالية و تجسيد برنامجهم على أرض الواقع .فقاموا بإعادة بعث الحزب المنحل و إنشاء حزب جديد حمل اسم ” حزب الشعب الجزائري ” بزعامة مصالي الحاج في 11 مارس 1937 . علما أن برنامجه كان امتدادا لبرنامج حزب نجم شمال افريقيا . و نظرا لنشاطات حزب الشعب و مطالبه الاستقلالية فقد تعرض زعماؤه الى الاعتقال في أوت 1937 ، و حكموا بالسجن لمدة سنتين ، و في 29 سبتمبر من عام 1939 حلت السلطات الفرنسية حزب الشعب .
ت‌- فيدرالية المنتخبين المسلمين الجزائريين : قام بتشكيل اتحاد المنتخبين المسلمين الجزائريين دعاة الاتجاه الادماجي في 10 جوان 1927 بقسنطينة لتمثيلهم ، و كانت تضم في صفوفها 176 نائبا من النواب الجزائريين المنتخبين في المجالس الفرنسية من اتحاديات الجزائر و وهران و قسنطينة و هم ينتمون لجماعة النخبة أمثال : أبو القاسم بن التهامي ، محمد الصالح بن جلول ، و فرحات عباس مكي.
و كانت تتمثل مطالبها فيما يلي :
– حصول الجزائريين على الجنسية الفرنسية و إدماج الجزائر في فرنسا .
– إلغاء قانون الأهالي .
– المساواة في الحقوق بين الجزائريين و الفرنسيين.
– تمثيل نيابي عادل للجزائريين في جميع المجالس المنتخبة.
– التخلي عن التمييز العنصري .
– إعادة تنظيم طريقة الانتخابات.
– احترام الحضارة الاسلامية.
– تطوير التعليم للجزائريين و إصلاح تعليمهم المهني.
– المساواة في المعاملة ، و في التعويض عن العمل و إلغاء القيود المعرقلة لهجرة الجزائريين إلى فرنسا.

ث‌- الفيدرالية الشيوعية الجزائرية : أنشأت عام 1924 في الوقت الذي كان يدور فيه صراع بين الشيوعيين أغلبهم فرنسيون ، كان هذا الحزب قد رفض تحرير الجزائر بل كان ينادي بالعمل من أجل الشيوعية في إطار المستعمرة الفرنسية . و لم تفلح الفيدرالية الشيوعية في الجزائر في استقطاب الشعب الجزائري المسلم الذي ينبذ الكفر و الإلحاد ، و قد برز من بين الشيوعيين الجزائريين في فرنسا الحاج علي عبد القادر و محمد بن الأكحل.
و في عام 1936 اكتمل تكوين القوى السياسية بتأسيس الحزب الشيوعي الجزائري الذي كان قبل هذا التاريخ مجرد اتحادية تابعة للحزب الشيوعي الفرنسي ، و لكن هذا التغيير لا يعدو كونه مجرد تغيير في المظهر و في البنية التنظيمية فقط و لم يأتي بشيء جديد فيما يتعلق بموقف الحزب الشيوعي الجزائري من المسألة الوطنية و المتمثل في التجاهل و عدم الاعتراف بالوجود الوطني للشعب الجزائري.
ج‌- جمعية العلماء المسلمين الجزائريين : تأسست جمعية العلماء المسلمين الجزائريين يوم 5 ماي من عام 1931 في مدينة الجزائر بنادي الترقي . و من الأعضاء المؤسسين للجمعية عبد الحميد بن باديس الذي انتخب رئيسا لها و الشيخ العربي التبسي و البشير الإبراهيمي و مبارك الميلي و الشيخ الطيب العقبي ….
أما فيما يتعلق ببرنامج الجمعية فقد تشكل من ثلاثة محاور نوجزها فيمايلي :
أ‌- المحور الديني : و تضمن :
• تطهير الاسلام مما علق به من الشركيات ( الشعوذة ) و البدع و الخرافات .
• دعوة الجزائريين إلى العودة إلى الاسلام الصحيح المستمدة من القرآن و السنة .
• محاربة الالحاد الذي حظي بتشجيع الاستعمار ليغالب به الاسلام .
ب‌- المحور الثقافي الاجتماعي :
• مقاومة الأمية و تربية و تعليم الناشئة .
• نشر الوعي الديني و الاجتماعي و الثقافة في أوساط الشبيبة و العمال و عامة الناس .
• محاربة الآفات الاجتماعية كالمقامرة ( لعب القمار ) ، الخمور ، و تعاطي الكحول و غيرها .
• الاهتمام بالنصف المهمل من المجتمع و هن الإناث ، من خلال التوعية المسجدية ، و التعليم الذي شمل في عام 1952 نحو 13 ألف بنت في مدارس الجمعية .
• مقاومة المنصرين و التصدي لهم بتقوية المعاني الدينية في النفوس.
ت‌- المحور السياسي : و يتضمن :
• مقاومة سياسة التجنيس ، حيث اصدرت فتاوي بتكفير كل جزائري أو تونسي أو مغربي يتخلى عن قانون الأحوال الشخصية الاسلامية من أجل الاندماج و التجنس بالجنسية الفرنسية ، و اعتبارهم مرتدين عن الاسلام .
• مقاومة الادماج .
• الدعوة إلى الوحدة الوطنية .
• التنديد بالحكم الاستعماري و ممارساته الظالمة .
• الحصول على حق الجزائريين كافة في الانتخابات .
• تحقيق الوحدتين العربية و الاسلامية ، يتجلى ذلك في حمل هموم العرب و المسلمين ، و التألم لواقعهم و تبني قضاياهم و في مقدمتها القضية الفلسطينية ، و العمل على تحقيق وحدتهم قولا و عملا .
• تحقيق استقلال الجزائر و يظهر ذلك في العديد من تصريحات بن باديس منها قوله سنة 1936 ” … و ما غايتنا إلا تحقيق الاستقلال .”
و أهم الوسائل التي استعانت بها الجمعية في تحقيق أهدافها نذكر :
– تأسيس المدارس العربية الحرة و تربية البنين و البنات .
– بناء المساجد الحرة بعد منع رجالها من التدريس في المساجد الرسمية القائمة ، و إلقاء دروس الوعظ فيها للعامة ، و الدروس العلمية لطلاب علوم الدين و اللغة .
– إصدار الصحف و المجلات .
– تكوين الكشافة و الفرق الرياضية و المسرحية و فتح النوادي لتثقيف و توعية الناشئة و الشباب و العمال ، و تأطيرهم و توجيههم إلى النشاطات المفيدة .
– الاهتمام بالمغتربين فأنشأت لهم المدارس و النوادي و المراكز الثقافية بفرنسا ، التي بدأ نشاطها هناك عام 1936 ، مركزة على تعليم المغتربين الاسلام و اللغة العربية و التاريخ .
– إرسال البعثات العلمية إلى الجوامع الزيتونة و القرويين و الأزهر.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى