السياسات العامةدراسات سياسيةمنهجية التحليل السياسي

الحوكمة والإقترابات والأدوات الكيفية والكمية في تحليل السياسيات العامة

Good Governance and the Quantitive and Qualitative Approaches & Tools of Analyzing  Public Policies  
الأستاذ الدكتور كمال محد الأسطل
By Professor Dr. KAMAL M M ALASTAL
يسعى تحليل السياسة العامة إلى تحقيق ثلاثة أهداف: تحسين صنع السياسات العامة، تحسين أداء وتنفيذ السياسات العامة وتقويم آثار ونواتج ومضاعفات السياسات العامة، وذلك إلى جانب الغرض العام وهو فهم ماذا يحدث، وتفسير لماذا يحدث، وإلى حد ما التنبؤ بما قد يحدث، وينبغي بداءة أن نضع عدة أمور في الاعتبار:
1.    أن تحليل السياسة العامة ليس معناه تحبيذ السياسة العامة فالأخير مهمة رجل الحركة والأول مهمة الدارس العلمي والمتخصصين.
2.    إن تحليل السياسة العامة بدون أحكام قيمية لا قيمة له بمعني أنه لن يقدم حلولاً لمشكلات المجتمع ما لم يوجد اتفاق ما على بعض الأمور القيمية المرتبطة بكل سياسة.
3.    إن المواضع الحقيقية لتحقيق أهداف تحليل السياسة العامة هي تحسين عمليات نظم ومنظمات صنع السياسات العامة وتنفيذها وهنا تكمن أهمية علم السياسة ودوره المحوري.
4.    أن تحليل السياسة العامة لابد أن يبدأ بوصف السياسات العامة وأجهزتها، ولكن لا ينتهى عند الوصف، فبعد الوصف تبدأ الأنشطة الفعلية للتحليل.
5.    أن أدبيات تحليل السياسة ليست فقط ما يحمل هذا المسمى أو يشير غليه، فتحليل النظم، وبحوث العمليات، والموازنة، وإلى حد ما التخطيط تعبر عن أهداف كأهداف تحليل السياسة العامة ويستخدم الأخير اقترابات وأدوات ابتكرت أصلاً في الأولي.
أولاً: الاقترابات والأدوات الكيفية (غير الكمية)
لا يعنى وصف هذه الاقترابات بأنها “غير كمية” أنها غير قابلة للمعالجة الرياضية، أو أن تطبيقاتها الكمية معدومة، وإنما يعنى أن معظم صياغاتها مازالت لفظية ونوعية، وأنها ما زالت تقدم المقدمات والفروض والافتراضات التنظيرية التي تعتمد عليها كثيرًا أو قليلاً الاقترابات الكمية، وعلى أية حال فإن الاهتمام هنا منصب ليس على إمكانية التعبير عنها كميًا، وإنما  في تحليل لسياسات العامة في البلدان النامية.
1- تحليل النظم
ينظر إلى السياسة العامة على أنها مخرج للنظام السياسي، فهي تعبر عن استجابة النظام السياسي للقوي البيئية التي تؤثر عليه، ويعبر عن هذه القوي بالمدخلات، والبيئة هي كل ما يقع خارج الحدود التحليلية للنظام السياسي، أما النظام السياسي فهو مجموعة الأبنية والعمليات المترابطة التي تعمل سلطويًا على تخصيص كل ذي قيمة للمجتمع والمخرجات هي التخصصات السلطوية للأشياء ذات القيمة وهى التي تكون السياسة العامة.
وتتضح قيمة هذا الاقتراب من الأسئلة التي يطرحها:
–        ما هي الأبعاد المهمة للبيئة التي تولد مطالب إزاء النظام السياسي؟
–        ما هي الخصائص المهمة للنظام السياسي التي تمكنه من تحويل المطالب إلى سياسة عامة ومن الحفاظ على ذاته على مر الزمن؟
–        كيف تؤثر المدخلات البيئية على طابع النظام السياسي؟
–        كيف تؤثر خصائص النظام السياسي على محتوي السياسة العامة؟
–        كيف تؤثر السياسة العامة – من خلال التغذية العكسية – عل البيئة وعلى طابع النظام السياسي؟
ويقوم التحليل على المقدمات التالية:-
1.    من المفيد أن ننظر إلى الأنشطة المتعلقة بالسياسة العامة كنظام للسلوك أو الفعل.
2.    يتميز النظام السياسي عن البيئة التي يوجد فيها، ويكون مفتوحًا للتأثيرات الواردة منها وهو مجرد نظام استجابة لا نظام مبأداة.
3.    يمكن تفسير التباينات في أبنية وعمليات ومحتوى السياسة العامة كجهود بديلة – إيجابية وبناءة- يقوم بها أعضاء النظام السياسي من أجل تنظيم الضغط الوارد من البيئة – مجتمعية ودولية- ومن أجل التعامل معها.
4.    قدرة النظام على إحداث تغير تنموي دالة في قدرته وقدرات النظم المجتمعية الأخرى والتعاضد بين كلا النوعين من القدرات.
ومن ثم فإن المتغيرات أيا كانت لا تخرج عن أربعة مفاهيم تلخيصية يقدمها النموذج الأساسي لتحليل النظم وهي: المطالب، الموارد، المساندة، المعلومات. ونكتفي في هذا الصدد ببعض الملاحظات التي تعد جوهرية للتحليل :-
5.    لا تعد أية حاجة غير مشبعة مطلبًا بالنسبة لنظام السياسة العامة، فحتى تكون مطلبا لابد أن تكون الجهود الإرادية للمجتمع – أفراد أو جماعات – قد عجزت عن إشباعها ولا يتحقق هذا الإشباع إلا بعمل حكومي سلطوي ولا يكفي هذا لابد وأن تجد قنوات فعالة التأثير إلى صانعي السياسة العامة.
6.    ولا يعد موردًا كل شيء قابل للاستخدام في تنفيذ سياسة عامة ما، بل لابد وأن يكون استخدامه اقتصاديًا فلا يؤدى إلى تعظيم النفقات وغنما إلى تعظيم العائد، ولابد أن يكون استخدامه وظيفيًا ليس فقط بالنسبة لإنجاز السياسة العامة وإنما أيضا بالنسبة لكل قدرات المجتمع المعني.
7.    ولا تعد مساندة ما يضعه مصمم وصانع السياسة العامة كأحد متطلبات التشغيل والأداء الكفء، فالمساندة بطبيعتها “مخزن للطاقة” لا يتم اللجوء إليه إلا في حالة عجز الموارد المخططة عن الوفاء بالتشغيل والأداء عجزًا يخرج عن إرادة صانعي ومنفذي السياسة العامة، وإلا إما أن يجهد المجتمع او تتعرض السياسة العامة لمخاطر الفشل بين آونة وأخري.
والإسهام الحقيقي الذي يقدمه هذا الاقتراب لتحليل السياسة العامة هو الكشف عن كل من القيود الواردة على السياسة العامة والتسهيلات المتوفرة.
2- الاقتراب المؤسسي
لقد كانت المؤسسات الحكومية البؤرة المركزية لعلم السياسة، فقد عرف علم السياسة لفترات طويلة على أنه دراسة المؤسسات الحكومية، وتقوم تلك المؤسسات بتحديد وتنفيذ وفرض السياسة العامة سلطويًا، فسياسة ما لا تصبح سياسة عامة إلا تبنيها ونفذتها وفرضتها مؤسسة حكومية، فالمؤسسات الحكومية تضفي على، وتعطى السياسة العامة ثلاثة أشياء جوهرية:-
–        الشرعية: فالسياسات الحكومية تعتبر التزامات قانونية تتطلب ولاء المواطنين، فالسياسات التي تتضمن التزامات قانونية عامة هي السياسات الحكومية.
–       الطابع العام (العمومية) : فالسياسات العامة تمتد إلى كل الناس في المجتمع دون معايير توصيفية قائمة على الخصوصية، بينما سياسات الجماعات والمنظمات الأخرى تقتصر على أجزاء محددة من المجتمع.
–        الإكراه (الفرض) : فالحكومة هي التي تعبء الاكراه في المجتمع، وهي الوحيدة التي تستطيع فرض عقوبة على من يخالف سياساتها، بينما العقوبات التي تفرضها الجماعات والمنظمات الأخرى محدودة، وتتوقف على إرادة الحكومة إن شاءت أضفت عليها الشرعية وإن شاءت سحبتها.
ولقد كان لهذا الاقتراب ثلاثة استخدامات حركية : الأول : تأكيد سمو نمط معين للتنظيم والحكم على ما سواه، فقد ناقش البعض حديثًا المفاضلة بين كل من : الديمقراطية والدكتاتورية الفيدرالية والحكومة الموحدة، الحكومة الرئاسية والحكومة البرلمانية، المراجعة القضائية وسمو الهيئة التشريعية، نظام الحزبين والنظم الحزبية، وانتهوا إلى القول بأن أفضل البدائل هي الديمقراطية، الفيدرالية، الحكومة الرئاسية، المراجعة القضائية ونظام الحزبين.
الثاني: القضاء على المؤسسات التقليدية القائمة في البلدان النامية ببناء مؤسسات جديدة تضطلع بمهام التنمية، وذلك في ظل وعود بنتائج معينة مثل:  دعم مشاركة المواطنين المحليين في قرارات وأنشطة المشروعات، وتحييد المؤسسات الدائمة أو المنظمات المحلية التي قد تكون معادي للتنمية، تحاشي الضوابط الإدارية التعسفية وتسهيل توصيل الخدمات والسلع، توفير قاعدة تدريبية للقيادات الخلاقة التي يمكن أن تتحول إلى بيروقراطية، والسماح بقياس الأثر في منطقة الهدف وتوفير محاسبة فعالة.
الثالث: تقدير ملاءمة المؤسسة للدور الذي أسند إليها، وقد عبر عن هذا التقدير بالنسبة لأبنية الحكومة بالفصل بين السلطات، فكل من الهيئة التشريعية والهيئة التنفيذية والهيئة القضائية لها طريقة تشكيلها وتنظيمها الخاصة التي تتناسب مع الوظيفة التي تقوم بها وبالنسبة لمنظمات الاعمال الخاصة والعامة بالأشكال التنظيمية المختلفة التي عبرت عن ثورة تنظيمية فظهرت أشكال تنظيمية لم تكن موجودة واختفت أشكال كانت قائمة، والهدف من التغيرات في الجانبين مزدوج تغير على مستوي تأقلم المنظمة لبيئتها، وتعير في الانماط السلوكية للعاملي في المنظمة.
        والاسهام الحقيقي الذي يقدمه هذا الاقتراب هو توضيح وشرح الصندوق الأسود الذي لم يوضحه تحليل النظم حيث يتم صنع السياسات العام وتنفيذها ومقاضاة المخالفين لها.
3- اقترابات قواعد اللعبة
وتوجد هنا ثلاثة اقترابات تتعدد صياغتها وهي : الاختيار الرشيد، الاختيار المرضي، واقتراب العملية :-
أ- الاختيار الرشيد
يقوم هذا الاقتراب على ثلاثة فروض أساسية : الرشادة، والكفاءة، والاقتصاد، وتتأسس الرشادة على مفهوم الرجل الاقتصادي الذي يقدمه الاقتصاديون، وهو رجل يسعى لتعظيم المنفعة في ظل ظروف افتراضية هي: المعرفة الكاملة والبصيرة الكاملة بالظروف الاقتصادية التي تعتبر معطاه، مبدأ الحراك الكامل فلا توجد عوامل مؤسسية أو سيكولوجية تجعل ترجمة الاختبار الرشيد إلى حركة مستحيلاً أو مكلفًا أو بطيئًا، ومبدأ المنافسة البحتة فالحركة نتيجة لاختيار الفرد لا اختيار الجماعة، والسياسة العامة محصلة سلسلة متتالية من قرارات الاختيار، في ظل معرفة كاملة ونظام تفضيلات مستقر وتوافر مهارة غير محدودة في حساب أهمية المسارات البديلة فالعناصر الاساسية لهذا النموذج:-
1.    مجموعة من البدائل السلوكية للاختيار، وهي مجموعة كاملة تضم كل الاختيارات البديلة.
2.    مجموعة فرعية من بدائل السلوكية يدركها الإنسان أو يأخذها في الاعتبار.
3.    الأوضاع أو النتائج الممكنة في المستقبل لكل بديل.
4.    دالة العائد التي توضح المنفعة المحتملة لكل بديل متي تم اختياره.
5.    معلومات عن حدوث النتائج المستقبلية إذا ما تم اختيار بديل معين، أي احتمالات تحقق النتائج.
وتتحكم الكفاءة والاقتصاد في ترتيب البدائل طبقا للعائد المتوقع منها والتكلفة المحتملة لتبني هذا الاختيار، ومقتضي الكفاءة اختيار البديل الأقدر على تحقيق الهدف ومقتضي الاقتصاد أن تكون النواتج أكبر من التكاليف.
وهناك العديد من العقبات أمام صنع سياسة رشيدة، من أهمها:
1.    لا توجد عوائد مجتمعة متفق عليها عادة، وإنما عوائد لأفراد وجماعات بعينها، وكثيرًا ما تتعارض.
2.    لا يمكن مقارنة أو وزن العوائد والنفقات المتعددة والمتعارضة فكيف – مثلا – نقارن أو نزن قيمة “كرامة الفرد” بزيادة الضريبة عليه.
3.    لا يسعى صانعوا السياسة العامة إلى صنعها على أساس الأهداف المجتمعية وحدها ـ وإنما يحاولون أساسا تعظيم عوائدهم : القوة، الوضع الاجتماعي – الاقتصادي، إعادة الانتخاب، المال، وغيرها.
4.    تمنع الاستثمارات الضخمة في السياسات الموجودة صانعي السياسة العامة من إعادة فحص البدائل التي استبعدت بقرارات سابقة.
5.    يدفع عدم اليقين بالنسبة لعواقب السياسات البديلة صانعي السياسة إلى الالتزام بشدة ما أمكن بالسياسات السابقة لتخفيض إمكانية حدوث عواقب غير متوقعة تخلق اضطراب.
6.    من الصعب أخذ كل المتخصصين وكل المهتمين في الاعتبار عند صنع أو تنفيذ السياسة العامة.
وعلى الرغم من استحالة تطبيق هذا الاقتراب في الواقع إلا أنه ذو اسهام جاد في بناء النماذج التي توضح الأمثليات التي تحاول النماذج التطبيقية لتنحرف عنها انحرافات محسوبة للتلاؤم مع الواقع.
ب- الاختيار المرضي
لقد أخد المفكرون والدارسون في تبني مفاهيم جديدة للرشادة تفترق عن المعني الموضوعي، فهناك رشادة شخصية إذا كانت الوسائل موجهة نحو أهداف الفرد الذاتية، ورشادة واعية حيث يكون تكييف الوسائل للغايات عملية واعية، ورشادة ذاتية متى اعتمد ربط الوسائل بالغايات بناء على المعرفة الفعلية للشخص، فهي رشادة مقيدة بظروف الموقف، فالرشادة لا تحدد السلوك، فالسلوك في منطقة الرشادة كامل والتأقلم بالنسبة للقدرات والاهداف والمعرفة، ويتحدد السلوك بالعوامل غير الرشيدة. ومعنى هذا أن صانع السياسة العامة يتصرف تحت وفي ظل ظروف تقيد رشادته، وأنه لن يسعى إلى تعظيم الأهداف والغايات المعطاة (أي الحل الأمثل) وإنما سيختار البديل المرضي بالنسبة لتلك الأهداف والغايات، فالسياسات العامة لا تعكس حلولا مثلي وإنما تقدم حلولا يرضى عنها صانعوا السياسة العامة على الأقل أو من تهمهم عمومًا.
ويعتبر من أهم ملامح هذا الاختيار هي :-
1.    فحص مجموعة محدودة من بدائل السياسة العامة، فلا تفحص إلا السياسات التي من المعروف أو من المتوقع أن الحالة ستقود إليها ستكون مختلفة عن الوضع القائم، أو السياسات ذات العواقب التي تعد مختلفة عن الوضع الحالي.
2.    فحص عدد محدود من عواقب أي سياسة معطاة، ويقتصر الفحص على مقارنة الاختلافات الحدية بينها.
3.    أقلمة الغايات للوسائل، وليس الوسائل للغايات كما في الاختيار الرشيد، فيتم الاختيار بين السياسات عن طريق ترتيب التغيرات الجزئية ترتيبًا تفضيليًا.
4.    ذو وجهة علاجية، فالسياسة العامة عبارة عن التحرك بعيدًا عن امراض مجتمعية، أكثر منها تحرك نحو أهداف محددة.
ج- اقتراب العملية
وقد سار هذا الاقتراب في اتجاهين : حل المشكلة ونموذج العملية السياسية، وهما يلتقيان في المسائل الأساسية ويختلفان في موضع تحليل السياسة العامة، فهو عند أنصار حل المشكلة سابق على صنع الاختيار، وعند أنصار العملية السياسة افتراض الرشادة الموضوعية، وفي العملية السياسية افتراض الرشادة المقيدة.
والعمليات التي يتضمنها حل المشكلة هي كالتالي:
1.    وضع المحتوي: ما هي المشكلة التي لابد من معالجتها ؟ ما هي الأهداف المحددة التي نسعى إليها في مواجهة هذه المشكلة؟
2.    وضع البدائل : ما هي المسارات البديلة للحركة؟ وما هي إمكانيات جمع بيانات أكثر؟
3.    التنبؤ بالعواقب: ما هي عواقب كل حركة بديلة ؟ وما هي الأساليب الملائمة للتنبؤ بهذه العواقب ؟ وإذا كانت النواتج غير مؤكدة فما احتمال حدوث كل منها؟
4.    صنع الاختيار: بربط كل جوانب التحليل مع بعضها، ما هو مسار الحركة المفضل ؟
وقد جعل هذا الاقتراب المحللين يركزون على دراسة كيفية صنع القرارات وربما ما يجب أن تكون عليه، ولكنه لم يسمح لهم بالتركيز على جوهر السياسة العامة : من يحصل على ماذا متى وكيف ولماذا على الرغم من أن هذه الأسئلة كانت بؤرة اهتمام المشروع الأول لهذا الاقتراب.
ثانيًا: الاقترابات والأدوات الكمية
إن فحص هذه الاقترابات يسمح بتصنيفها في مجموعتين متميزتين بمقصود تحليل السياسة العامة، وهما: اقترابات الاختيار الأمثل، واقترابات الأداء الأكفأ.
1- اقترابات الاختيار الأمثل
تسعى هذه الاقترابات إلى تقديم العون لاختيار القرار الأمثل أو على الأقل – وهو الأكثر واقعية – الأنسب، إنها لا تفرض قرارًا وإنما توضح جدوي الاختيارات البديلة وبعدها تلعب الارادة السياسة دورها في اختيار الأنسب أو تحاشي اختياره، ومعني أن قرار اختيار سياسة عامة، لا يعكس بالضرورة تلك الحسابات التي تقدمها هذه الاقترابات ذلك أن الجدوى السياسية ما زالت بعيدة عن الحساب الكمي، وإنما تعتمد أحكام قيمية وتخمينية تصورية، وقد يقول البعض أن خريطة التفضيلات القيمية للمجتمع وقدرة الحكومة على الضبط الاجتماعي يحلان كميًا هذه المعضلة ن فهما قابلان للتعبير الكمي، ولكن كليهما رهن الارادة الفردية التي قد تغير من تفضيلاتها لأسباب منطقية، وقد تدرك الضبط الحكومي مهما بلغ من صرامة أنه لا شيء.
وجوهر هذه الاقترابات هو تحليل المنفعة وجوهره أن الانسان يبتعد بفطرته عن الألم أو الخسارة ويبحث عن اللذة أو السعادة، فهو إنسان رشيد بدرجة ما ومعيار ما، وهو لا يكتفي بالوصول إلى ما يبحث عنه وإنما يعمل على تعظيمه، ونجد في هذا الاطار تحليل التكلفة / العائد، وتحليل القرار.
أ- تحليل التكلفة / العائد
 يقوم هذا التحليل على ثلاثة فروض :
1.    تعتمد رفاهية المجتمع على رفاهية الأفراد الذين يكونونه وليس على أي شئ آخر، ولذلك فإن تحليل التكلفة يقدر المنافع التي يحصل عليه الافراد، ولا يقدر المنافع التي يحصل عليه الافراد ولا يقدر المنافع التي يحصل عليها المجتمع فوق وزيادة على المنافع الفردية.
2.    التبادلات الارادية في السوف الحرة مفيدة لطرفي التبادل.
3.    حال المجتمع سيكون أفضل بعد حدوث التغير (تبني السياسة العامة) إذا تحسن حال شخص واحد ولم يسؤ حال أي شخص.
ويتم تحليل التكلفة / العائد في خمسة خطوات :
1.    تحديد المشروع أو المشروعات التي يتم تحليلها.
2.    تحديد كل الآثار – المرغوب فيها وغير المرغوب فيها، الآنية والآجلة التي يتركها المشروع (المشروعات) على المجتمع.
3.    تقدير قيم نقدية لهذه الآثار، وتحسب الآثار المرغوب فيها كعوائد وغير المرغوب فيها كتكاليف.
4.    يحسب العائد الصافي = (أجمالي العوائد – إجمالي التكاليف).
5.    يتم الاختيار على أساس معايير معينة والأساسي فيها هو اختيار البديل الذي ينتج أكبر عائد صافي.
ويستخدم تحليل التكلفة / العائد بعدة طرق : قسمة التكلفة على العائد، ويسمي “معدل العائد/ التكلفة”، وهو ما يعرف عند الاقتصاديين بمعدل العائد على الاستثمار، وطرح التكاليف من العوائد ويسمي بالعائد الصافي، وإذا عبر عن العوائد بقيم نقدية فإنه يسمى “معدل التكلفة / الفاعلية” الذي يستخدم في تعظيم مخرج كمية معينة من المال وفي تقليل تكاليف تحقيق مجموعة معينة من الأهداف.
وتستخدم طرق عدة لحساب التكلفة والعائد، مثل المتوسطات الحسابية (كمتوسط الدخل الفردي ) واسعار الظل، واستطلاعات الرأي (كما في حالة تثمين ما لا مثيب له كحياة الإنسان) وتقدير القيمة الحالية، وتقدير المكتسبات المستقبلية ( أي القيمة المستقبلية، وما يمكن أن يتحقق في فترة زمنية ما )، ومعادلات الاختلاف الاحادية أو المتعددة ( تسمى أحيانا معادلات المنفعة) والسلاسل الزمنية، والكثير من الإحصاء اللامعلمية.
ب- تحليل القرار
وهو الإطار الذي يستخدم فيه تحليل التكلفة/ العائد، وإن كانت أهمية هذا الاخير لا تقتصر على ذلك فهو يستخدم أيضا وبكثافة في التقييم، ويبدأ تحليل القرار من مشكلة ما، أو هدف ما، فيعرف المشكلة أو الهدف، وهنا تكمن إحدى صعوبات تحليل السياسة العامة : هل المشكلة حقا مشكلة أو عرض لمشكلة غير معروفة؟ وهي مشكلة من وهل الهدف هو الهدف المنشود ؟ وإن كان فمن وجهة نظر من ؟، ولعل أهم اسهامات هذا المجال شجرة القرار ونظرية المباريات، ونظم حل المشكلة.
        وفي شجرة القرار لا ينظر إلى القرار كقرار منعزل، ذلك أن قرارات اليوم تعتمد على قرارات سنصنعها في المستقبل، والسياسة العامة ليست قرار اختيار يصنع اليوم فحسب، بل هي قرار اليوم وقرارات تصنع في المستقبل، وتبدأ شجرة القرار من الفرض وعدمه بعبارة أخري من افتراض حدوث السياسة العامة وافتراض عدم حدوثها، ثم تتشعب كلا منهما مرة تلو أخرى، موضحة أربعة أشياء هامة :
1.    عقد القرار التي توضح كل المسارات الممكنة للحركة والمفتوحة أمام صانع القرار.
2.    عقد الفرصة التي توضح الأحداث غير المؤكدة ومحتمل حدوثها وكل نواتجها المحتملة.
3.    احتمالات حدوث كل ناتج ممكن لكل حدث صدفة.
4.    العوائد التي تلخص عواقب كل تجميعة ممكنة من الاختيار والصدفة.
والقول بأن شجرة القرار تبدأ من الفرض وعدمه تبسيط شديد فهي في الواقع العملي تبدأ من كل البدائل المطروحة للحركة، وقد تتم اختبارات محدودة أثناء تنمية شجرة القرار.
وتقوم نظرية المباريات على افتراض الرشادة وسعى الفاعل إلى تعظيم عوائده من المباراة، وتهتم ببيان مسألتين: استراتيجيات الحركة لكل طرف، والنواتج الممكنة لكل تحرك في إطار الاستراتيجية، ولا تهتم بالأعداء الذين ينوى كل منهما إبادة الآخر وإنما بالشركاء أو الاطراف الذين لا يثق كل منهم في الآخر أو لا يتفق معه، فهى تعبر عن مواقف مساومة وهي مواقف تعتمد فيها قدرة أى طرف على تحقيق أهدافه – بدرجة هامة ومؤثرة- على اختيارات أو قرارات الطرف الآخر، وفي هذه المباريات يستخدم مزيج من القوة والاقناع من التهديد “الوعيد” والمكأفاة “الوعد” وقد تكون المباراة صفرية عندما تكون مكاسب طرف هي خسائر الطرف الآخر، ومن يكسب يأخذ كل شئ، ونكون غير صفرية عندما يكسب كلا الطرفين أو يقلل كل منهما خسائره، وقد تكون بين شخصين أو متعددة الأشخاص، وعلى الرغم من التعبير الرياضي الذي تتسم به المباريات إلا أنه عند التطبيق ترد القيود التي تفقد المباراة الكثير من أمثلياتها.
وتبدأ نظم حل المشكلة بصياغة المشكلة، وهي أصعب خطورة وربما تأخذ ثلاثة أرباع الوقت والجهد الكلي، فهي تتضمن وصفًا تفصيليًا للمهمة وتحديد المتغيرات العامة وعلاقاتها، ثم يتم وضع النموذج أو النماذج التي تنتقل بمحلل السياسة العامة من الواقع إلى عالم مجرد، عالم النموذج المبني على أساس النظرية أكثر من أي شئ آخر، فهو تبسيط لعالم المشكلة.
2- اقترابات الأداء الأكفأ
تسعى هذه الاقترابات إلى تقديم العون في تحسين الأداء، وذلك عن طريق إيجاد الأداة الأكفأ، وقد يعرفها البعض بأنها ” بحوث العمليات”  ويضعها البعض في أدبيات مختلفة، وإن أنصار بحوث العمليات يعرفونها تعريفًا واسعًا بأنها كل التحليل الكمي للسياسة العامة، وتعرف تعريفًا محددًا بأنها محاولة تطبيق التحليل المنطقى أو الرياضيات لمساعدة الزبون على تحسين كفاءته في الموقف الذي يكون معنى ” مزيد من الكفاءة” واضحًا، ومن أمثلة هذه الاقترابات نماذج الجدولة، وصفوف الانتظار، ونماذج ماركوف، والبرمجة الخطية.
أ- نماذج الجدولة
وهي تسهل تنسيق أنشطة المنظمة، وتساعد على تحقيق استخدام أفضل الموارد، وهي صالحة لنطاق واسع من الانشطة : من اتفه الأمور إلى الأكثر جدية، وقد ابتكر “جانت” خريطة تعتمد على رسم قضبا تمثل الأنشطة المختلفة في تواليها وتداخلها منها توضيح التقدم بمقارنة ما تم عمله بالأهداف المخططة.
وأدخل على خريطة “جانت” تطوران هما : أسلوب المسار الحرج CPM وتكنيك مراجعة تقويم البرامج، حيث حلت شبكة تدفقات محل قضبان “جانت” مما يوضح كيف تترابط الأنشطة والحوادث وتوضح الاحداث في هذه الشبكة في دوائر، وتوضح الاسهم مسار التنفيذ، ولأن معظم الأحداث يعتمد، بل يتوقف على حدوث حدث أو أكثر مسبقا، فإن الشبكة توضح الارتباطات بما يقود إلى تحقيق الهدف النهائي، ويوجد في الخريطة “مسار حرج” هو أطول مدى زمني في الشبكة، وهو وقت تنفيذ السياسة العامة أو البرنامج، ولتحديد الوقت الذي يمر لابد من وضع تقديرات قد تعتمد على خبرة صانع السياسة العامة، وهذا جيد في الامور المتكررة، ولكن عندما يكون النشاط جديدًا فإن وضع التقديرات يكون صعب، ولمواجهة طريقة “PERT” هذه الصعوبة اقترح تكنيك مراجع تقويم البرنامج لتقدير الوقت تستخدم فيها تقديرات : وقت الانتهاء التفاؤلي ووقت الانتهاء التشاؤمي، ووقت الانتهاء المحتمل جدا، ويمكن استخدام حساب التكلفة لتحديد تكلفة كل مرحل، وهو ما يسمى “تكلفة بيرت”، ومن ثم تجمع الشبكة بين الوقت والتكلفة.
ب- صفوف الانتظار
يستخدم عادة في حل مشكلات توصيل الخدمات، وزيادة كفاءة ما يعمل في هذا المجال من منظمات وأجهزة وتتطلب زيادة القدرة، ولكن الأخيرة مكلفة، ولذلك تنمو صفوف الانتظار عندما تكون التسهيلات المتوافرة لأداء الخدمة أقل مما يحتاج إليه لتسليمها وقت طلبها مباشرة، وهي تشبه طوابير السيارات في اختناقات المرور، فهي تنتظر النور الأخضر لعبور لاميدان فالانتظار تأخير في الحصول على الخدمة، وقد يقضي الناس سنوات عديدة في انتظار تليفون أو شقة، ولا يعنى الانتظار مجرد الوجود المادي في صف، وإنما تأخير الحصول على السلعة أو الخدمة سواء كان المستهلك في صف مادي أو لم يكن.
والانتظار دائما مكلف وغالبًا ما ندفع لتحاشيه، وأحيانا تصل تكلفته إلى حد الكارثة، ولكن من جدير بالذكر أنه من المستحيل تحاشي الانتظار تماما، فالتكاليف تمنعنا من ذلك، ولذلك فإن المشكلة عادة هي تقصير وقت الانتظار، ولإنجاز ذلك لابد من زيادة التسهيلات المتاحة للخدمة، ومن ثم لابد من الموازنة بين تقصير وقت الانتظار وحدود استثماراتنا في قدرة الخدمة، وتأتي هنا أهمية نموذج الصفوف، فهو يخبرنا عن كيفية استجابة وقت الانتظار لمستوى التسهيلات المتاحة.
وقت انتظار العملاء على شباك صرف الشيكات بفتح شباك آخر، وقد يكون من الممكن تغيير الوقت المطلوب للخدمة بتحسين الاجراءات، وهو ما نسميه تبسيط الإجراءات.
وغالبًا ما يكون الطلب على الخدمة عشوائيًا من ناحية الزمن ولذلك فإن نماذج الانتظار نماذج احتمالية، ويتم التحليل في خطوات ثلاثة:
1.    حساب التوزيع التكراري للوصول الفعلي لطلب الخدمة على مدي فترة زمنية، ويؤخذ من السجلات أو يجمعها الباحث، وتحويله إلى توزيع احتمالي.
2.    استخدام هذا التوزيع في بناء النموذج، ثم نطبق النموذج على فترات زمنية عديدة للوصول إلى نتائج يمكن الثقة فيها، وهذه النتائج توزيع احتمالي آخر لوقت الانتظار.
3.    وضع برنامج الحاسب الألي الذي يوضح كيفية الحساب لفترة زمنية افتراضية، وعدد من لن ينتظروا، وعدد من ينتظرون لفترات متباينة (مرتبة تصاعديا)،ثم يشغل البرنامج على أساس وجود وحدة واحدة للخدمة، ثم وجود وحدتين، ثم ثلاثة، وهكذا، حتي نحصل على افضل وضع في حدود الموارد المتاحة.
ج- نماذج ماركوف
وهي توضيح التحركات الاحتمالية لشخص واحد (وحدة واحدة) وتسمى هذه التحركات بسلسلة ماركوف، وتوضح احتمالات الحدوث وعدم في مصفوفة تسمى “مصفوفة التبديل”، ويمكن تحويل بيانات المصفوفة إلى معادلات اختلاف زمنية، وتوضح  المصفوفة سلسلة نهائية، وأهم خصائص هذه المصفوفة :
Ø     لابد أن يوجد عدد نهائي (محدد) من المجموعات أو الحالات المعرفة جيدا بحيث تقع أي مفردة في مجموعة واحدة، وفقط مجموعة واحدة، في كل فترة زمنية، فهي مجموعات متبادلة الاستبعاد وشاملة في مجموعها، ومعني هذا أنها تكون نظامًا مغلقًا.
Ø     لابد أن تكون الفترات الزمنية نمطية، أى متساوية في الطول.
ويمكن استخدام نماذج ماركوف في صور سلاسل منتظمة وسلاسل ممتصة Absorbing وسلاسل دورية  Cyclical Chains  ويلاحظ أنه في السلسلة المنتظمة ينتقل الفرد من حالة إلى أخرى كالحال في التغير من الصحة إل المرض أو العكس، أما في السلسلة الممتصة فتوجد حالة تستغرق الفرد ولا يخرج منها، كإضافة حالة الموت إلى الحالتين  السابقتين، وفي السلسلة الدورية تنتقل المفردة من حالة إلى أخرى بطريقة منتظمة، كفتح مكتب في يوم وإغلاقه في التالي وفتحه فيما بعده، وهكذا.
د- البرمجة الخطية
وهي تكنيك لتخصيص الموارد متى كان عرضها محدود جدا، فهو أداء في تحقيق الامثلية، أي يهتم بتحديد أفضل المستويات للأنشطة المختلفة في لمواقف التي تنافس فيها الانشطة على موارد نادرة، أو بتحديد أقل الاساليب تكلفة لتحقيق الهدف، ولا يعنى هذا أنه يعطى دائمًا حلولاً سليمة، فقد يعطي حلولاً خاطئة، وقد يعطى حلولا تتطلب حكمًا قيميًا ما حتى تصبح حلولاً.
ولمشكلة البرمجة الخطية خمسة مكونات:
1.    الأنشطة المتاحة.
2.    معيار للأداء الكلي أو المخرج يتم على أساسه الاختيار.
3.    معاملات الدالة الموضوعية، أي الأوزان التي تقيس فعالية كل نشاط من الأنشطة في تحقيق الأداء الكلي.
4.    المعاملات التي تخبرنا بالكمية المستخدمة في كل نشاط من كل مورد.
5.    القيود الواردة على إجمالي الموارد التي يمكن استخدامها.
وترد عليه عدة قيود تحد من أهميته، منها :
1.    أن تكون بعض العلاقات غير خطية، وأن تكون بعض المتغيرات ذات قيمة تكاملية فقط.
2.    أن تكون القيود الواردة على الموارد قيودًا لا تجعل أي حل مجدى يسفر عن قيم يمكن تقبلها في الدالة الموضوعية.
3.    قد يتعذر التوفيق بين الاهداف المتعارضة.
4.    كثيرًا ما يتعذر التعبير عن المتغيرات كميًا.
وخاتمة القول إن محلل السياسة العامة في البلدان النامية عليه أن يولف بين ما أوضحناه من إسهامات للاقترابات والأدوات الكيفية (غير الكمية)، فتحليل النظم يوضح في المقام الأول التأثيرات البيئية والتحليل المؤسسي يجيب على السؤال أين تصنع وتنفذ السياسة العامة وتحليل الفاعل السياسي يكشف عن الفاعلين الحقيقيين سواء في الصنع أو التنفيذ، وتحليل قواعد اللعبة يكشف عن المبادئ التي يمكن اتباعها أو تعديلها قبل تطبيقها في الصنع أو التنفيذ.
أما الاقترابات والادوات الكمية فإن استخدامها مرهون بعدة عوامل :
Ø     موضوع السياسة قيد الدراسة.
Ø     البيانات المتاحة من حيث طبيعتها وتكلفة جمعها ومصداقيتها.
Ø     التقدم العلمي وجدواه بالنسبة للهدف من التحليل، ولا توجد قاعدة عامة لاستخدامها، سوى أن تعددها أفضل من الاعتماد على أحدها وحده.
ونشير أخيرًا إلى أن محلل السياسة العامة ينبغي أن تتوافر لديه معرفة بمهارات جمع البيانات وأساليبها.

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى