دراسات شرق أوسطيةقضايا فلسفية

الخامس من جويلية/ يوليو.. شعب عقد العزم أن تحيا الجزائر

في عديد زياراتي للجزائر ترافقني دموع على عديد الأحداث والمجازر، وفي القلب منها ما حدث في مختلف أنحاء البلاد كالجزائر العاصمة، وهران، بجاية، تلمسان، قسنطينة، مستغانم، قالمة، غليزان، سطيف، باتنة، بسكرة، عين البيضاء، خنشلة، سيدي بلعباس، سوق أهراس، شرشال، مليانة، سكيكدة، سعيدة، عنابة، تبسة، سور الغزلان. ذلك عندما شرع الثوار عن طريق تنظيم تجمعات ومسيرات ليتم استغلالها كوسيلة ضغط على الفرنسيين بإظهار قوة الحركة الوطنية ووعي الشعب الجزائري بمطالبه.

نعم هو عيد الاستقلال الجزائري.. كذل فهو الاحتفال بالذكرى السنوية لاستقلال بعد الدمار الفرنسي الذي دام أكثر من ثلاثة عشر عقداً (132سنة)، بفضل تفجير الثورة التحريرية الكبرى والتي تعد أكبر ثورة في القرن العشرين، وهوَ يوافق 5 (جويلية)/ يوليو سنة 1962، ولقد تم توقيع مرسوم الاستقلال يوم 3 جويلية 1962 وقامت جبهة التحرير الوطنية بإقرار 5 جويلية لمسح هزيمة 5 جويلية 1830 بسدي فرج.

الحقيقة أنه اكتفاء الشعب الجزائري من القهر والظلم والتعذيب والتقتيل والاستعباد واكتفائه من ألاعيب وكذب فرنسا فقد أراد الحرية كما أن فرنسا لم تحتل الجزائر وحدها بل شاركت معها أغلب دول أوروبا بنفس القدر فدعمتها بالاسلحة والعتاد والجنود إلى غيرها، وقد شنت أوروبا المئات من الحملات على الجزائر قبل الاحتلال لكن الجزائر كانت معزولة تمامًا خلاله لكنها دعمت من قبل بعض الدول خلال الثورة أهمها الصين ويوغوسلافيا،

هو عيد استقلال الجزائر استمرت من عام 1954 حتى عام 1962، حيث إن حركة التحرير بدأت خلال الحرب العالمية الأولى (1914- 1918)، واكتسبت دولة الجزائر القوة عندما أعطتها فرنسا الحكم الذاتي ولكنه لم يتطبق بعد الحرب العالمية الثانية (1939- 1945)، ومن الجدير بالذكر أن جبهة التحرير الوطنية في الجزائر بدأت حرب العصابات ضد القوات الفرنسية، واكتسبت اعترافاً دبلوماسياً من الأمم المتحدة لتأسيس دولة الجزائر، وكانت معظم حركات الهجوم هذه حول منطقة العاصمة، في المناطق الريفية على وجه التحديد، وسميت هذه الحرب بـ”حرب الجزائر” والتي كانت في عام 1956، ولكن من خلال تطبيق بعض الإجراءات القاسية استطاعت القوات الفرنسية السيطرة على الوضع في الجزائر، ولكن ضراوة المواجهات دفعت فرنسا للانسحاب منها، وفي عام 1959 أعلن شارل ديغول أنّ للجزائريين الحق في تقرير مصيرهم وحدهم، حيث حصلوا على الاستقلال في عام 1962.

نعم البداية عندما شرع زعماء الحركة الوطنية الجزائرية بالتحضير للاحتفال بنهاية الحرب العالمية الثانية بالتظاهر ابتداء من عيد العمال أول أيار/ مايو 1945. كان الجزائريون في مختلف أنحاء البلاد كالجزائر عن طريق تنظيم تجمعات ومسيرات ليتم استغلالها كوسيلة ضغط على الفرنسيين بإظهار قوة الحركة الوطنية ووعي الشعب الجزائري بمطالبه، ونجحت المظاهرات كل القطر الجزائري في أول أيار/ مايو 1945، ونادى الجزائريون باستقلال الجزائر واستنكروا الاضطهاد.

لقد خرج الشعب الجزائري مبتغيًا من وراء ذلك اغتنام فرصة الاحتفال العالمي لتوجيه رسالة إلى فرنسا مطالبًا إياها بحقه المشروع في الاستقلال، وبخروج المستعمر الفرنسي من الأرض التي احتلها سنة 1830 لكن آمال الجزائريين خابت بإخلاف المستعمر لوعوده. وكانت الاستجابة لمطلبهم، بأن واجهت الآلة العسكرية الفرنسية المظاهرات السلمية التي نظمها الجزائريون بالعديد من مدن الوطن بالتقتيل الوحشي والاعتقال الهمجي، وصوب بوليس الاستعمار و”الكولون” الفرنسيين نيران أسلحتهم صوب المواطنين العزل، مستهدفين كل من يرفع شعار الحرية للجزائر، فكانت الحصيلة مؤلمة حقاً.

لعل من أهم أحداث أيار/ مايو 1945، التي لم تكن محل عناية من طرف المؤرخين لحد اليوم، هي تلك التي وقعت في بلدة بني عزيز التي كانت تعرف فــي ذلك الوقت بـ”شوفرول”  بني عزيز، بلدة صغيرة (20 ألف ساكن)، تقع على سفح جبل سيدي ميمون على ارتفاع 1.646  متر وتبعد بخمسين كيلومتر عن مدينة سطيف. أنشئت سنة 1898 وأطلق عليها أسم (Chevreul). 

مهما يكن من أمر، فإن مجازر الثامن من أيار/ مايو 1945، وما ترتّب عليها من مآس وويلات للشعب الجزائري، ومحاولة تشتيت الحركة الوطنية بالقمع والسجن والتشريد، لم تجد حكومة المحتل فرصة للرجوع إلى سياسة الإصلاحات، كما كان يريدها أصحاب البيان، ولكن حاولت ربح الوقت ولو بشيء بسيط من تحسين صورتها أمام الرأي العام الدولي. غير أن تلك المجازر كانت بمثابة بداية النهاية بالنسبة للتواجد الاستعماري الفرنسي في الجزائر الذي واجه فيما بعد عملًا مسلحًا منظمًا شرع في التأسيس لنواته منذ ذلك التاريخ، حيث ساهمت تلك الأحداث الدموية التي انتشرت بكل أنحاء مناطق الشرق الجزائري بعد أن انطلقت من (سطيف وخراطة وقالمة)، في انتقال الحركة الوطنية من مسارها السياسي نحو التوجه العسكري بإنشائها المنظمة السرية عام 1947 بقيادة محمد بلوزداد.

الحقيقة أنه عمدت فرنسا الاستعمارية في إطار ممارستها التعتيم الإعلامي حول تلك الأحداث إلى الإعلان عن مقتل (1340 شخصًا) فقط في تلك المظاهرات وذلك في محاولة منها للتخفيف من حدة النتائج الوخيمة على المتظاهرين، إلا أن كتابات المؤرخين المستمدة مما أتيح من أرشيف واستنادًا لشهادات حية لمناضلين عايشوا تلك المجازر الوحشية، تؤكد بأن عدد الشهداء لم يقل عن (45 ألف شهيد)، كاشفة بأن السلطات الاستعمارية تخلصت من جثث ضحايا مجازرها في الثامن من أيار/ مايو 1945 بقالمة، برميها في أفران الجير بمدينة ”هيليوبوليس” والتي لا تزال موجودة إلى حد الآن وشاهدة على فظاعة الأحداث، وذلك لإخفائها عن لجنة التحقيق التي أعلن عن تشكيلها برئاسة الجنرال ”توبارت”.

إلى كل تلك الممارسات أيضًا لا يتردد بعض المسؤولين الرسميين في قلب مسار التاريخ من خلال تحميل جيل الثورة مسؤولية توتر العلاقات بين الجزائر وفرنسا، بدل التحلي بروح المسؤولية وروح المبادئ المزعومة التي بنيت عليها أسس الجمهورية الفرنسية والنظر في ما يطلبه الجزائريين من حق في الاعتراف والاعتذار والتعويض عن جرائم سيظل التاريخ شاهدًا عليها، متناسين بالتالي بأن سياسة الهروب إلى الأمام وكل تأخير في الاستجابة للمطالب المذكورة لن يعمل سوى في تمديد بقاء تلك الحقبة السوداء من التاريخ وصمة عار على جبين الدولة الفرنسية. 

في النهاية يبقى أنها كانت المظاهرات سلمية، وأدعى الفرنسيون انهم أكتشفوا (مشروع ثورة) في بجاية خاصة لما قتل شرطيان في الجزائر العاصمة، وبدأت الإعتقالات والضرب وجرح الكثير من الجزائريين. ولما أعلن عن الاحتفال الرسمي يوم 7 أيار/ مايو، شرع المعمرون في تنظيم مهرجان الأفراح، ونظم الجزائريون مهرجاناً خاصاً بهم ونادوا بالحرية والاستقلال. جاءت نتائج المجازر حيث تم الرد بقمع على المظاهرات التي نظمها الجزائريون هو ارتكاب مجازر بحق السكان الأصليين، وذلك بأسلوب القمع والتقتيل الجماعي شمل وتم استعمال القوات البرية والجوية والبحرية، ودمرت قرى ومداشر ودواوير بأكملها.

تاريخ قاسي نتج عنه شهادة المليون والنصف مليون جزائري.. بل كانت مجازر وجرائم ضد الإنسانية بمعنى الكلمة، ارتكبت في حق مواطنين عزل. لتبقى نقاط سوداء في تاريخ المحتل الفرنسي. لكل ما سبق يبقى الخامس من جويليه.. ذكرى لشعب عقد العزم أن تحيا الجزائر.. فكانت الحرية.

د.محمد عبدالرحمن عريف

 

 

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى