...

الخلفية التاريخية للنزاع في الصحراء الغربية

تعرض هذه الدراسة من وجهة نظر تحليلية الأسباب الكامنة وراء النزاع في الصحراء بدءا بالمحددات التاريخية ثم العوامل الإستراتيجية جغرافيا وسياسيا والتي كان لها بالغ الأثر في إذكاء هذا الصراع.

* بقلم/ فاطمة بنت عبد الوهاب

الصحراء بلاد السيبة والمفاجآت السياسية
الاستعمار والمقاومة
تصفية الاستعمار ومطامع الجيران
أقطاب النزاع وعوامل استمرار الأزمة

يبدو أن مقولة ابن خلدون بأن “الأوطان الكثيرة القبائل والعصائب قل أن تستحكم فيها دولة” كانت تنطبق إلى حد بعيد على منطقة الصحراء الغربية ذات البنية السكانية العشائرية. فبالرغم من الهجرات المتعاقبة على المنطقة لم يتمكن أي طرف من إقامة سلطة مركزية على هذه الصحراء، التي ظلت تستوطنها قبائل بدوية تقوم حياتها على تتبع مساقط الغيث عبر الرمال الحارقة بحثا عن الماء والكلأ النادرين، وظلت حياة ساكنيها تتنظم وفقا للعلاقات العرفية بعيدا عن إكراهات الأنظمة المركزية. ومع ذلك فمن الطبيعي أن تقيم هذه القبائل -صاحبة السيادة على مجالها الرعوي- خلال انتجاع المرعى في هذه الناحية أو تلك من الصحراء المترامية الأطراف اتفاقيات تتعدد بتعدد الجهات والزعامات والأطراف دعما لهذه السلطة أو مهادنة لتلك…إلخ.

الصحراء بلاد السيبة والمفاجآت السياسية

لقد شكلت هذه الصحراء منذ أن تحددت بنيتها الجيولوجية والسكانية على ما هي عليه عالما غامضا بالنسبة لغير أبنائها وكانت بذلك عنصر إغراء وهاجس خوف للجيران. ففضلا عما أتاحته هذه المنطقة من إمكانيات للتبادل التجاري (مثلت تجارة القوافل والتجارة الأطلسية على الشواطئ الصحراوية أوج قوته) فقد كانت مصدرا للمفاجآت السياسية وملاذا للخارجين على النظم ممن وجدوا فيها مأمنا من مطاردة الأعداء وأفقا لتحقيق الأحلام بما تتيحه من مخزون بشري يتمتع أفراده بما عهد عن البدو من شجاعة وقوة بأس.
وإذا كانت جدلية الخوف والإغراء نتيجة لذلك قد طبعت علاقات الصحراويين بالسلط والنظم القريبة إليهم (حكام الدول المركزية شمال وجنوب الصحراء) فإنها قد هيمنت على جيران ما وراء الحدود المائية بنفس القوة.
فمن المخزون البشري لهذه الصحراء أتى الفاتح الإسلامي طارق بن زياد من الشاطئ المغربي ليطيح بمملكة لزريق ويقيم على أنقاضها نظاما إسلاميا في شبه الجزيرة الإيبيرية، ومن هذه الصحراء أتى القائد المرابطي يوسف بن تاشفين لينقذ سلطة المعتمد بن عباد ويؤجل سقوط الحكم الإسلامي في الأندلس بأزيد من أربعة قرون. لذلك فليس غريبا أن ينظر الإسبان إلى حدودهم الجنوبية (بما فيها الشواطئ الصحراوية المقابلة للكناري) بتوجس دائم عكسه، منذ اللحظة الأولى لاستعادة الحكم المسيحي في شبه الجزيرة الإيبيرية، العمل -وفقا لوصية ملكتهم إيزابيلا الكاثوليكية- على الاحتفاظ بموطئ قدم على الشواطئ العربية درءا لأي خطر محتمل.

الاستعمار والمقاومة

”فرنسا وإسبانيا ظلتا عاجزتين عن شل حركة المقاومة في أرض ثابتُها الوحيدُ هو الحركة: حركة الرمال والسكان والعمليات العسكرية”

ظلت الصحراء إذن بفعل عواملها الذاتية منطقة عصية عجز الجيران عن إخضاعها وإن استطاعوا أن ينشؤوا معها علاقات تبادل حميمة حينا وعنيفة أحيانا حسب تقلبات الطقس السياسي وطبيعة العلاقة مع قبائلها.
ومع بروز ظاهرة الاستعمار استطاعت الإمبراطورية الإسبانية العتيقة أن تستعيد موقعها على الشواطئ المقابلة لجزر الكناري بمنطقة الصحراء الغربية في خضم صراع أوروبي محموم على اقتسام المنطقة.
ففي مؤتمر برلين (1884-1885) أقرت الدول الأوربية بسيادة إسبانيا على منطقة الصحراء الغربية التي ستعلنها مدريد في وقت لاحق محافظة إسبانية لتقيم بها سلطة محلية.
غير أن الإسبان اكتفوا في البداية بالتحصن داخل مراكز معزولة على الشواطئ في مناطق “طرفاية” و”الداخلة” و”لكويرة” تاركين العمق الصحراوي مجالا لسيادة القبائل الصحراوية كما كان من قبل، الأمر الذي سيشكل متنفسا لحركة المقاومة على كامل الامتداد الصحراوي في المغرب وموريتانيا والجزائر وبالذات المقاومة الموريتانية التي حولت ثقل عملياتها المسلحة إلى المناطق الشمالية في الصحراء بتنسيق مع الشيخ ماء العينين في مدينة السماره بعد أن ضيق الفرنسيون الزاحفون من الجنوب عليها الخناق.
ولم يخف الفرنسيون انزعاجهم من الوضع الأمني المتفاقم في الصحراء وعجز الإسبان عن مواجهته فكثفوا ضغوطهم على الحكومة الإسبانية من أجل تشديد قبضتها على السكان.
وعلى الرغم من إلحاح فرنسا -شريك إسبانيا الاستعماري في المنطقة- على أن تضطلع السلطات الإسبانية “بمسؤولياتها” داخل مجالها الأمني, واتهاماتها المبطنة لها أحيانا بالتغاضي عن “المشاغبين الصحراويين”، فإن إسبانيا ظلت عاجزة عن شل حركة المقاومة في أرض ثابتُها الوحيدُ هو الحركة: حركة الرمال والسكان والعمليات العسكرية.
وتحت تأثير الضربات التي كانت تفاجئ جيشيْ الاحتلال من كل فجاج الصحراء وبفعل عمليات المطاردة التي تنظمها فرنسا بعد كل غارة قادمة من الشمال داخل مجال السيادة الإسباني، فقد ربطت المستعمريْن علاقة اتسمت بالتوتر والصدام أحيانا رغم مصلحتهما المشتركة في التصدي للمقاومة ورغم اعتراف فرنسا منذ 1900 بسيادة إسبانيا على الصحراء الغربية في مفاوضات التسوية بينهما, واتفاقهما سنة 1932 على ضم مناطق الساقية الحمراء ووادي الذهب أي (منطقة الصحراء الغربية) إلى التراب الإسباني.
ولعل إسبانيا كانت على حق في مخاوفها من التوغل داخل أعماق الصحراء وهي التي خبرت أكثر من أي أوروبي آخر شدة سكان الصحراء وإتقانهم لعبة الكر في صحراء لا ترحم الغرباء، فقد اضطر جيش الاحتلال الإسباني -تحت تأثير الهجمات التي شملت تقريبا كامل التراب الصحراوي ابتداء من خمسينيات القرن المنصرم- إلى الانكماش داخل مدينتي لعيون والداخلة رغم تمسك الإسبان القوي بهذا الإقليم الذي رأت فيه فرنسا مجالا لخلخلة أمنها وقسما مقتطعا على حساب موريتانيا الكبرى التي حلم كزافيى كبولاني (الوالي الفرنسي على موريتانيا) بإقامتها كضمان وحيد لتثبيت أقدام الفرنسيين في المنطقة؛ بينما نظرت إسبانيا إلى ما اكتشف فيه من ثروات طبيعية على أنها “هبة العناية الإلهية لإسبانيا” في منطقة هي “سوق المستقبل” حسب عبارات وزير الخارجية الإسباني الأسبق ألبرتو مارتين أرتاخو.
ولم يستطع الصديقان العدوان (إسبانيا وفرنسا) تطويق التوتر الناجم عن تداخل مجالات السيادة ورسم الحدود في الصحراء إلا سنة 1958 في اتفاق بئر “أم قرين” بالشمال الموريتاني الذي استهدف التنسيق بين الجيشين الإسباني والفرنسي لقمع الانتفاضة الشعبية والقضاء على جيش التحرير، أي بعد أن بدأت مسارات الاستقلال في المغرب وموريتانيا.

تصفية الاستعمار ومطامع الجيران

”قبيل انسحاب إسبانيا من الصحراء كانت الأطراف المعنية تستعد لاقتطاف الثمرة اليانعة كل بطريقته، فالبوليساريو تطالب بالاستقلال والمغرب وموريتانيا اتجها إلى محكمة العدل الدولية التي أعطت رأيا استشاريا حول طبيعة روابط البلدين مع المجموعة الصحراوية فسره كل طرف لصالحه”

مع تلاحق الاستقلالات في المنطقة حاولت إسبانيا –التي كانت قد فقدت مستعمراتها في العالم الجديد- أن تتشبث بوجود معزول في الصحراء الغربية عزز أملها فيه نجاح الجيشين الاستعماريين المتحالفين (الفرنسي والإسباني) في القضاء على جيش التحرير في الصحراء سنة 1958 وخفوت العمليات العسكرية في العشرية الموالية.
وكان الإسبان قد أخضعوا المنطقة الصحراوية لعدة تقسيمات إدارية استهدفت عزل الإقليم الصحراوي عن امتداداته في المغرب وموريتانيا والجزائر، بالإضافة إلى تقطيعه إلى مناطق منفصلة عن بعضها تخضع كل منها لسلطة مستقلة عن الأخرى.
غير أن عوامل التاريخ والجغرافيا كانت ضد المشروع الإسباني في الصحراء. فقد تقوى مطلب الاستقلال في الصحراء بفعل عوامل أهمها استقلال المستعمرتين الفرنسيتين الجارتين: المغرب وموريتانيا وانتصارات الثورة الجزائرية على المستوى الإقليمي، وخسارة الحركة الاستعمارية لمواقعها لصالح حركات التحرر على المستوى العالمي، فضلا عن الضغوط الدبلوماسية التي تمارسها دول الجوار على مستوى الهيئات الدولية ومساعي هذه الأخيرة إلى تصفية الاستعمار بفعل انقسام العالم وقتها إلى معسكرين اشتراكي ورأسمالي يدعم أولهما تحرر الشعوب انسجاما مع شعاراته وأطروحاته الأيديولوجية، ويشجع ثانيهما أعضاءه على التنازل عن الشكل المسلح للاستعمار سعيا إلى الإبقاء على ما أمكن من علاقات التبعية الاقتصادية والثقافية.
ولعل الأقوى من كل هذه العوامل ما عرفه المجتمع الصحراوي من تغيرات اقتصادية واجتماعية وثقافية ستعزز مطلب الاستقلال وستشكل دفعا جديدا للمقاومة المسلحة التي كانت قد خبت عقب هزيمة جيش التحرير في نهاية الخمسينيات. فقد اجتاح الصحراء خلال الستينيات جفاف أتى على الاقتصاد الرعوي، فاضطر السكان إلى الهجرة نحو المراكز الحضرية -التي كانت إلى ذلك الوقت عبارة عن مراكز صغيرة- حيث أصبحوا يتعايشون وجها لوجه مع جنود الاحتلال وموظفيه الإداريين.
وقد أدى الاحتكاك داخل المدن التي كانت أقرب إلى حاميات عسكرية إلى الوعي أكثر بوضعية الصحراء كبلد محتل يحكمه الأجانب بالحديد والنار، فبدأ التحرك من داخل المدن الصحراوية لأول مرة. وتعد انتفاضة “الزملة” سنة 1970 في مدينة العيون عاصمة الإقليم ضد أسبنة الصحراء الأبلغ في التعبير عن هذا الوعي الجديد. وكانت هذه الانتفاضة التي رفع المشاركون فيها الشعارات المطالبة بالاستقلال والتي انتهت بقتل واعتقال العديد من الصحراويين إيذانا ببدء مرحلة جديدة من الكفاح ضد المستعمر الإسباني.
وفي العاشر من مايو/أيار سنة 1973 تأسست الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (البوليساريو) لتبدأ العمل العسكري بعد عشرة أيام من تأسيسها, مما دفع الإسبان إلى الإعلان في السنة الموالية عن عزمهم على تنظيم استفتاء لتقرير المصير في الصحراء خلال الأشهر الستة الأولى من سنة 1975.
وبالفعل فقد شرعت مدريد في ترتيب البيت الصحراوي ما بعد إسبانيا من خلال المفاوضات مع مختلف الأطراف بهدف التوصل إلى اتفاقات ثنائية تضمن مصالح الإسبان من جهة، وتبقي على فتيل قابل للاشتعال متى ما استدعت ملفات إسبانيا العالقة في المنطقة ذلك.
وفي هذا الإطار أجرت الحكومة الإسبانية لقاءات في سبتمبر/أيلول 1975 مع البوليساريو كان موضوعها الاستقلال ومستقبل العلاقات، لتعقد في الشهر الموالي مباشرة اتفاق مدريد مع المغرب وموريتانيا والذي تتخلى بموجبه عن إدارة الصحراء لصالح البلدين.
وفي هذه الأثناء كانت الأطراف المطالبة بالصحراء تستعد لاقتطاف الثمرة اليانعة كل بطريقته، فالبوليساريو تكثف نضالاتها بنسف وتدمير محطات الحزام الناقل للفوسفات وتأجيج المظاهرات المطالبة بالاستقلال لتعم المدن الصحراوية، بينما اتجهت المغرب وموريتانيا إلى محكمة العدل الدولية التي أعطت في أكتوبر/تشرين الأول 1975 رأيا استشاريا حول طبيعة روابط البلدين مع المجموعة الصحراوية فسره كل طرف لصالحه.
غير أن المغرب بادر بالإعلان عن تنظيم مسيرة خضراء إلى الصحراء في 16 أكتوبر/تشرين الأول 1975 أي في نفس اليوم الذي صدر فيه رأي محكمة لاهاي، الشيء الذي سرع بإتمام إسبانيا لانسحابها خلال يناير/كانون الثاني 1976 شهر الإعلان عن قيام الجمهورية العربية الصحراوية بمباركة ودعم من الجزائر التي أعلنت رفضها لاتفاق مدريد.
وهكذا تحولت تصفية الاستعمار في الصحراء من حل لمشكلة الإقليم إلى تفجير لصراع محتدم بين الجيران الأشقاء.

أقطاب النزاع وعوامل استمرار الأزمة

”المغرب لا يريد التفريط يفرط في إقليم يحتل الرتبة الأولى عالميا في إنتاج الفوسفاتوالجزائر ترى في ضم إقليم الصحراء للمغرب تشجيعا لمطامعه التوسعية على حسابها وموريتانيا ترى في ضم نصيبها من الصحراء توحيدا المجموعة البيظانية والبوليساريو ترى أن الصحراء ليست أرضا بلا مالك كما كانت تزعم إسبانيا أيام الاحتلال”

لقد خرجت إسبانيا من الصحراء إذن، لكن بعد أن زرعتها ألغاما وخلافات تغذيها صراعات الأمس ومصالح اليوم ومطامح المستقبل.
فالمغرب -الذي ورث عن الاستعمار حدودا يعتبرها تآمرية على أرض المملكة التاريخية باقتطاع تيندوف للجزائر وكل أراضي موريتانيا- لا يمكن أن يفرط في هذا الإقليم الذي يمكنه من امتلاك 600 كم على واحد من أكثر السواحل ثروة سمكية في العالم، واحتلال الرتبة الأولى عالميا في إنتاج الفوسفات، وثروات باطنية متنوعة قد تشمل الغاز والنفط، فضلا عن التموقع في منطقة إستراتيجية لأمن أوروبا مما يمنحه إمكانيات أكبر للمناورة.
والجزائر ذات النظام الجمهوري والتوجه الثوري ترى في ضم إقليم الصحراء إلى المملكة ذات الأطماع التوسعية أصلا في الجزائر -والتي سبق أن خاضت معها معارك “حرب الرمال” على السيادة في منطقة تيندوف بعد استقلالها بعام واحد- تشجيعا لهذه المطامع ودعما لموقعها الإستراتيجي على حساب الجزائر منافستها على زعامة المنطقة. لذلك فإن خيارها الأفضل هو التشبث بمبدأ استقلال الصحراء.
أما موريتانيا التي أعلنت على لسان أول رئيس لها المطالبة بالصحراء الغربية سنة 1957 أي قبل أن تحصل على الاستقلال فإنها رأت في ضم نصيبها من الصحراء (وادي الذهب) تحقيقا لبعض مطالبها بتوحيد المجموعة البيظانية وإبعادا لخطر احتمال عودة المغرب إلى مطالبه القديمة بضمها، وإن كانت ستخسر صداقة الجزائر حليفها الأسبق الذي قدم لها الدعم الاقتصادي والسياسي.
وبالنسبة للبوليساريو فإن الصحراء ليست أرضا بلا مالك كما كانت تزعم إسبانيا أيام الاحتلال، بل إن الصحراويين شعب له هويته الخاصة وإرادته التي يجب احترامها. والصحراويون الذين أخرجوا الإسبان بقوة السلاح قادرون على مواصلة الكفاح المسلح ضد أي طرف يحتل أرضهم أو أطراف تقتسمها حتى التحرير وإقامة الدولة المستقلة.
وكانت تغذي هذه التناقضات مصالح القوى الاستعمارية التقليدية (إسبانيا وفرنسا) وصراعات الحرب الباردة. وهكذا فبدخول القوات المغربية والموريتانية أرض الصحراء دوت المدافع بين مقاتلي البوليساريو من جهة والقوات المغربية والموريتانية من جهة ثانية، مؤذنة باندلاع صراع مزمن اشتعل طويلا وما يزال قابلا للاشتعال في أية لحظة.
ويمكن أن نميز خلال هذا الصراع مرحلتين حتى الآن:

  1. المرحلة الدموية:
    وهي الممتدة من اتفاقية مدريد سنة 1975 بين إسبانيا والمغرب وموريتانيا إلى اتفاق المبادئ سنة 1988 بين المغرب والبوليساريو. وقد امتازت هذه المرحلة بقيام معارك ضارية دار معظمها في الجزء الموريتاني من الصحراء متجاوزا نطاق الأراضي الصحراوية أحيانا، بتنفيذ هجمات عديدة على مدن في عمق الأراضي الموريتانية بما في ذلك الهجوم مرتين على العاصمة نواكشوط.
    وقد اتسمت فترة ما قبل انسحاب موريتانيا من الصحراء من هذه المرحلة باعتماد إستراتيجية ضرب الحلقة الضعيفة, فتم التركيز على موريتانيا الطرف الأضعف لتكسير التحالف المغربي الموريتاني الذي أخذ يتسع بتدخل القوات الفرنسية لتوفير غطاء جوي للجيش الموريتاني.
    وبالفعل نجحت البوليساريو في تحقيق هذا الهدف واستطاعت أن تدفع الجيش الموريتاني إلى قلب نظام الحكم والبدء في إجراءات الانسحاب من الصحراء سنة 1979.
    وقد دارت أهم المعارك في المرحلة الدموية حول: إنال, العرقوب، بنشاب، آوسرد ونواكشوط مع الجيش الموريتاني، السماره بيرنزران، طانطان وبوكراع مع الجيش المغربي. غير أن استنزاف قوة الجيشين (المغربي والصحراوي) في هذه المرحلة وانتهاء الحرب الباردة وثنائية القطبين ربما مهدت للمرحلة الثانية.
  2. المرحلة الدبلوماسية:
    وهي الممتدة من اتفاق المبادئ سنة 1988 بين المغرب وجبهة البوليساريو إلى الآن. وتمتاز هذه المرحلة بتصدع التحالفات التي كانت قائمة خلال المرحلة الأولى من الصراع، بخروج موريتانيا من حرب الصحراء، وانشغال الجزائر بأزمتها الداخلية، وتفاقم المشاكل الحدودية بين المغرب وإسبانيا، وارتباك فرنسا بفعل تقلبات الساحة الدولية، وتنامي ظاهرة المد الأصولي في منطقة نفوذها التقليدية وغير بعيد عن مدنها الجنوبية حيث الجاليات المغاربية…إلخ.

ولعل هذا التصدع في التحالفات –إضافة إلى أعباء الحرب (المادية والنفسية)- هو ما حدا بكل الأطراف إلى قبول مبدأ الحل السلمي المرتكز على الاستفتاء الذي أصبح الصراع دائرا حول شروطه وآلياته وطبيعة المشرفين عليه…إلخ. فهل تسمح ملامح المشهد السياسي الدولي بحسم هذا النزاع لصالح إحدى القوى الإقليمية “العظمى” أم أن “توازن التخلف والتبعية” في هذه النقطة من العالم العربي والإسلامي يستدعي الإبقاء على بؤرة للتوتر؟ وهل يكون تراجع أصوات الحسم العسكري في هذه المرحلة لصالح الحل السياسي كفيلا بإنهاء المشكلة؟ أم أن الحل كسراب الصحراء “يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا”؟!
_______________
* باحثة موريتانية

أهم المراجع
1 – مواقع متعددة حول الصحراء الغربية على محرك البحث: Google.fr
2 – حرب البوليساريو، صلاح الدين حافظ، دار الوحدة، بيروت، 1981.
3 – Tony Hodges, Sahara Occidental : Origines et enjeux d’une guerre du désert, traduis de l’anglais par Dominique Kugler, l’Harmattan, Paris, 1987.
4 – Maurice Barbier, Le conflit du Sahara Occidental, l’Harmattan, Paris, 1987.
5 – Mohamed Fall Ould Bah, Eléments d’une économie politique des «conflits» au Sahara Occidental: de Cheikh Melainine au Front Polisario.

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button