دراسات سياسية

الخيارات السعودية بين الفرد والدولة:أحلاهما مرُ – وليد عبد الحي

مع كل يوم جديد ، تضيق مساحة المناورة امام الدبلوماسية السعودية ، فبعد الفشل الذريع في العملية الأمنية للتخلص من خاشقجي، وبعد الفشل الأكبر في صياغة سيناريو مقنع للمجتمع الدولي لتفسير ما حدث ، تتنامى الضغوط على صانع القرار السعودي لتحديد المسئولية فيما وقع واين الجثة ومن اصدر الامر، وتتسع الدائرة لتنتقل من قتل خاشقجي الى الدعوات المتزايدة لوقف الحرب على اليمن من ناحية ، ويرافقها مساعٍ أقل ضجيجا لإعادة بناء الجسور بين الدوحة والرياض من ناحية أخرى ، وهو ما جعل القرار السعودي تائه بين كيفية ” حماية ولي العهد- كفرد- من تداعيات قتل وتذويب خاشقجي، وبين حماية الدولة من التداعيات المترتبة على حماية الفرد ، كما أنها تكشف عن هشاشة ” التفكير الغرائزي ” في نسج الخيوط مع واقع دولي في غاية التعقيد، ويجعل كل مشروعات ولي العهد التي راهن على جعلها ” أعمدة” التحول والاصلاح في مهب الريح.
إن عودة احمد بن عبد العزيز للرياض بضمانات دولية توحي ان المجتمع الدولي لاسيما الولايات المتحدة واوروبا معنية بحماية الدولة أولا، نظرا لخطورة التداعيات المترتبة على وقوع اضطرابات فيها، بينما تبدو نشاطات ولي العهد ووالده- الملك- وبعض اجهزته الامنية حريصة على حماية الفرد أولا، لكن الطَّرق المستمر من وسائل الاعلام الأمريكية –بخاصة الواشنطن بوست- وبعض الاعلام العربي لا سيما قناة الجزيرة ، والتسريب المتلاحق من تركيا لتفاصيل الجريمة يقض مضاجع القصور في الرياض.
المخاطر المحتملة: ما هي السيناريوهات التي ينتظرها ولي العهد:
1- العزل لولي العهد: وقد يشكل ذلك مخرجا يريح الدول الغربية والخليجية بشكل خاص ، كما يقلص مساحة التوتر الداخلي في السعودية لاسيما في اوساط العائلة والحركة الدينية من سلفيين او اخوان او وهابيين او حتى الليبراليين، لكن خطورة العزل تنطوي على احتمال لاحق وهو المطالبة بمحاكمة ولي العهد في حال استقرار الرأي على مسئوليته عن الجريمة ، وهنا قد يستمر مسلسل خاشقجي في التجاذب حول مكان محاكمته؟ في السعودية ( وهو الخيار الأقل ضررا للسعودية وله) او في تركيا( وهو الخطر الذي ينطوي على مخاطر اقليمية في حالة الإدانة له،) أو محاكمته دوليا كما تطالب الكثير من هيئات المجتمع المدني الغربية وعلى راسها منظمة العفو الدولية والعديد من هيئات حقوق الانسان ( وهو ما يعني قضاء فترة طويلة في السجن).
2- الهبوط بولي العهد لمرتبة أدنى بان يصبح وليا لولي العهد، وهو ما ينطوي على احتمال عزله بعد وفاة والده من قبل ولي العهد الجديد، وهو ما وقع مع الأمير مقرن ومع محمد بن نايف، وهو أمر لا يبدو ان ولي العهد الحالي سيتقبله ببساطة، وقد يعمل على التجييش ضده لا سيما إذا كان القرار من هيئة البيعة التي سبق وان تحسس رفض بعض اعضائها أصلا لتعيينه وليا للعهد.
3- ان يتمكن ولي العهد بن سلمان من استقطاب تأييد دولي ( كما لوحظ بمديحه الذي ينطوي على بعض التملق لأردوغان من ناحية واتصالاته مع كوشنير ومع المسيحيين الانجليكيين الاكثر تأييدا لاسرائيل من ناحية ثانية) ، وقد يبدي بن سلمان قدرا من المرونة مع قطر( امتداح أدائها الاقتصادي في تصريحاته الاخيرة يشي بنوع من هذه الدبلوماسية)، وقد يندفع أكثر بلقاء علني مع نيتنياهو او مسئول اسرائيلي كبير او الاعلان عن موقف تجاه اسرائيل يعزز من مكانته، او تقديم اغراءات مالية سرية او علنية لجهات أمريكية بشكل خاص للمساندة له في مأزقه الحالي ، وقد يرى بن سلمان ان ذلك كافيا للاحتفاظ بمنصبه انتظارا لوفاة الاب حيث تصبح سلطته مطلقة وتمكنه من ترتيب البنية الداخلية بالكيفية التي يراها الأنسب له.
4- احتمال انفجار الصراع الداخلي لا سيما إذا اتخذ الأمير العائد أحمد بن عبد العزيز موقفا مناهضا لولي العهد ، وإذا تحالف معه متعب بن عبدالله(الحرس الوطني) وساندته الحركة الدينية رغم تكبيلها الحالي، وقد يعود محمد بن نايف ومقرن للظهور في المشهد من جديد.
5- ثمة احتمال آخر ،أن تواصل السعودية وبعض القوى الامريكية لا سيما وزارة الخارجية والبيت الابيض في المماطلة والتسويف على امل نسيان المجتمع الدولي للموضوع تدريجيا ، او وقوع حدث كبير يصرف الانظار عن موضوع خاشقجي ،وينصرف الجهد الدولي للحدث الجديد، ويصبح كلام الليل يمحوه النهار.
لعل المشهد السعودي الحالي هو الأكثر تعقيدا وخطرا في التاريخ السعودي منذ أزمة الصراع بين سعود وفيصل، فإذا تمت التضحية بالفرد قد تنجو الدولة، وإذا تمت التضحية بالدولة من أجل الفرد فقد تتغير الخريطة السياسية لمنطقة الخليج تغييرا جذريا..ربما.

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى