الدبلوماسية و المنظمات الدوليةنظرية العلاقات الدولية

الدبلوماسية القطرية في القرن 20و 21م:الوساطة القطرية

في منتصف تسعينيات القرن الماضي إبان تولي الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني السلطة في البلاد، أخذت السياسة الخارجية لدولة قطر مَنحًى آخر، وسلكت مسارًا جديدًا عزز من مكانتها الدولية ومكَّنها من المساهمة في صنع السياسات بدلًا من اتباعها، فضلًا عن استقلال قرارها السياسي كنتيجة طبيعية للإصلاحات الداخلية التي شهدتها البلاد خلال العقدين الماضيين، ولعل أبرز المؤشرات على ذلك موقفها من ” ثورات الربيع العربي” المغاير لموقف دول الخليج قاطبة.

بيد أن القيادة القطرية منذ البداية حرصت على تجنب الصراعات المباشرة مع دول الجوار، وفي الوقت ذاته سعت الدوحة بصورة حثيثة إلى بناء علاقات متينة مع القوى الكبرى الفاعلة في المنطقة كـ “الولايات المتحدة الأمريكية، وبعض دول الاتحاد الأوروبي، و(إسرائيل)”[1]؛ لحماية أمنها من أي تهديدات خارجية، حيث تدرك الدوحة أن ما أقدمت عليه من تغييرات في سياساتها أمرًا غير مقبول لدى أطراف إقليمية اعتادت على نمط من التعامل مع قطر، وهو ما يتطلب الانخراط في تحالفات دولية، وبناء شبكة علاقات اقتصادية وعسكرية كبيرة …

احتلت الوساطة القطرية مكانة مرموقة وباتت موضع اهتمام عالمي، وتحولت الدوحة إلى طاولة لفض النزاعات في المنطقة ككل، حيث إنها توسطت فيما يقارب عشرة ملفات وقضايا إقليمية ودولية في أقل من ثماني سنوات: من لبنان، واليمن، ودارفور، وليبيا، إلى أفغانستان، ومن العراق إلى أزمة الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني الذين كانوا معتقلين في ليبيا، وبين فتح وحماس، والعلاقات بين السودان وتشاد، وبين فرنسا وسوريا، وإطلاق سراح 13 راهبة أرثوذكسية في سورية مقابل إطلاق سراح 153 معتقلة سورية من سجون النظام السوري، وأخيرًا عملية تبادل الأسرى بين الحكومة اللبنانية وجبهة النصرة، هذه السلسلة من الوساطات منحت قطر سمعةً عالميةً، إضافة إلى فوز الدوحة بتنظيم كأس العالم 2022م كأول دولة شرق أوسطية تحصل على هذه المهمة.

وبناءً على ما ذُكر عن الدبلوماسية القطرية ودورها في حل النزاعات يحاول التقرير تسليطَ الضوء على تاريخ الوساطة القطرية سيما الأخيرة منها.

منطلقات وأهداف الدبلوماسية القطرية:

انطلقت رؤية قطر السياسية تجاه السياسة الدولية من منطلقات عدة:

أولها: المنطلق الأخلاقي أو ما يمكن تسميته بـ “الدبلوماسية الإنسانية” والتي تشمل أبعادًا عديدة منها: الإغاثة الإنسانية، وحل النزاعات، والوساطة الدولية، وإعادة الإعمار.

ثانيها: “الدبلوماسية الوقائية”، وتكمن في تقديم قطر عبر مقترح لـ “معالجات وحلول استباقية بدلًا من الحروب الاستباقية”؛ لإحلال السلام والحد من الإرهاب والعنف بما يحفظ حقوق الشعوب، كما جاء ذلك في خطابات متكررة آخرها خطاب الأمير الشاب تميم بن حمد آل ثاني في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة: “علينا ألَّا نُخَيِّرَ الشعوب بين استبداد الطغاة أو الإرهاب”[2].

ثالثها: الإصلاح الداخلي “الاقتصادي، والمجتمعي…”، ويمثل القاعدة الصلبة التي تنطلق منها قطر للعب دور أكثر فاعلية في المسرح الدولي، حيث باتت قطر تتصدر مقدمة دول العالم من ناحية التعليم، ودخل الفرد GDP …

ومن اللافت أن خطابات المسؤولين القطريين لا تَخلُ من المبادرات والدعوة إلى إحلال السلام والتأكيد على أن الحوار هو المخرج الصحيح لكل قضايا العالم، كان آخر تلك المبادرات دعوة أمير قطر الشيخ تميم آل ثاني إلى حوار بين التحالف العربي وإيران، مؤكدًا أن بلاده مستعدةً لتنظيم ذلك في حال وافقت الأطراف المعنية[3].

أما عن العامل الضابط لإيقاع الدبلوماسية القطرية فهو الجمع بين القوتين الناعمة والصلبة أو ما يسمى بـ “القوة الذكية” في آنٍ واحد، والتوازن بين المنفعة ” البرغماتية ” وبين المبدأ الأخلاقي والإنساني، ولعله يتطابق تمامًا مع ما قاله أحمد داوود أوغلو مهندس السياسة التركية: “إن الدبلوماسية الإنسانية تعتمد على التوازن الحرج بين الضمير والقوة، فالقوة من غير ضمير ستؤدي إلى الاستبداد والظلم، والضمير من غير قوة سيؤدي إلى الضعف والانفلات، وتقوم فكرتنا على أن تكون تركيا دولةً رحيمةً وقويةً في الوقت ذاته”[4].

يشكل حجم دولة قطر الجغرافي وتعدادها السكاني نقطة ضعف تَحُولُ دون تحمل البلد مشاريع واستراتيجيات طموحة تحلم بها القيادة القطرية، ومما لا شك فيه أن القيادة القطرية تدرك نقاط الضعف ومكامن القوة فيما يخص وضع دولة قطر بشكلٍ عام، وذلك ما دفعها للبحث عن وسائل وطرق بديلة تساعد في خلق قوة مؤثرة على المستوى الإقليمي والدولي، وتوصلت إلى أن أفضل نهج للدولة الصغيرة هو القيام بدور الوساطة بين أطراف النزاع سيما وهي باتت تمتلك أهم وسيلتين أساسيتين “المال والإعلام”، لإنجاح مهمتها في إحلال السلام وفض النزاعات.

مختبر الوساطة القطرية:

من الواضح أن ثورات الربيع العربي والأحداث المتسارعة بصورة مكوكية في المنطقة العربية، غَيَّرَ الكثير من الرؤى والاستراتيجيات لدى كافة القوى الإقليمية والدولية، فدولة قطر هي إحدى دول المنطقة، ولم تكن بمعزل عمَّا يجري في محيطها العربي، وعلى إيقاع تسارع الأحداث وتغير المناخ السياسي بسرعة كبيرة وغير متوقعة في بعض الأحيان حتى من قبل الدول الكبرى، وفي خضم الأحداث فقدت الوساطة القطرية بوصلتها “الحياد الإيجابي” والوقوف على مسافة واحدة من جميع الأطراف وانتقلت إلى مربع الفعل، فحال الوساطة القطرية في هذا الصدد كحال الرؤية التركية “صفر مشاكل”، إلا أن هذه الدول ترى أن وقوفها مع ثورات الربيع العربي هو مبدأ لا يمكن التراجع عنه؛ لأنه متعلق بمصالح الشعوب وحقها في تقرير مصيرها.

ورغم ذلك التغيير في نهج الدبلوماسية القطرية، فإن القيادة القطرية أثبتت أن لديها القدرة والمرونة في إحداث مراجعات سريعة وجذرية، حيث أدركت القيادة القطرية أنه لا بد من تغيير أدواتها بما في ذلك قيادتها السياسية نفسها، وشهدت البلاد نقلًا سلسلًا وملفتًا للسلطة فيما يتواكب مع المتغيرات ويلبي مطالب المرحلة القادمة.

بيد أن تسلم الشيخ تميم بن حمد آل ثاني السلطة جاء على واقع ساخن وفضاء ملبد بثورات مضادة خصوصًا بعد الانقلاب العسكري ضد الرئيس المصري المنتخب “محمد مرسي”، وهو ما تطلب من القيادة الجديدة المضي قدمًا في مسارها القائم على مناصرة الشعوب ولو كان ذلك على حساب نفوذها ومصالحها -كما تقول القيادة القطرية- وقد لوحظ ذلك في سحب سفراء بعض الدول الخليجية احتجاجًا على وقوف دولة قطر “ماليًا وإعلاميًا” ضد نظام السيسي، في الوقت الذي ضخت دول الخليج مليارات الدولارات لصالح السيسي بغية تثبيت قواعده ضد التحركات الشعبية آنذاك.

وفي حادثة سحب السفراء أثبتت الدبلوماسية القطرية نضجًا في التعامل مع تلك الإجراءات غير المألوفة من قبل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات وكذلك مملكة البحرين بعدم الرد بالمثل، بل إنها ذهبت إلى أبعد من ذلك حيث أكد وزير الخارجية القطري أن قطر تتبنى سياسة الأبواب المفتوحة، وأن العلاقة بين دول المجلس ليست علاقة حكومات فحسب بل هي علاقة شعوب، لافتًا إلى أن أسباب الخلاف ليست خليجية وأنه من حق قطر تحديد موقفها من دولة خارج المنظومة الخليجية.

كما أن نهج الإعلام المصري اختبر الدبلوماسية القطرية، حيث نال من دولة قطر قيادةً وشعبًا بصورة فجة، ولم تنجر الدبلوماسية القطرية للوقوع في فخ المناكفات المباشرة التي تراها الدوحة غير مناسبة لسمعتها الدولية.

هذان الموقفان “التعامل مع قضية سحب السفراء، والتعاطي مع الإعلام المصري” شكلا اختبارًا حقيقيًا للدبلوماسية القطرية ومدى قدرتها على تجاوز التحديات، فالدولة التي تغرق في خلافات مع محيطها لا يمكن لها القيام بأية أدوار من شأنها تقريب وجهات النظر وإحلال السلام “أي أن فاقد الشي لا يعطيه”.

أسرار فاعلية الوساطة القطرية:

  1. الدستور:

استطاعت قطر فرض نفسها كوسيط بين أطراف الصراع، بل إن “الوساطة” أصبحت السمة الأبرز لهوية الدولة نفسها أو كما يسميها بعض المراقبين أنها “جنيف الشرق”، حيث تحوّلت الوساطة الدبلوماسية إلى عنصر رئيس من عناصر السياسة الإقليمية المستقلة والتجديدية لقطر، ما ميّزها عن جيرانها في كلٍّ من الخليج ومنطقة الشرق الأوسط ككلّ، وهذه الوساطة باتت مَعلَماً بارزاً في الدستور القطري الذي أُقِرّ في نيسان/إبريل 2003، حيث نصّت المادة السابعة على وجه الخصوص على أن السياسة الخارجية القطرية “تقوم على مبدأ توطيد السلم والأمن الدوليَّين، عن طريق تشجيع فضّ المنازعات الدولية بالطرق السلمية [5]“.

ما يعني أن الدولة بكل مؤسساتها وإمكاناتها الدستورية والاقتصادية تتجه في اتجاه واحد، حيث اجتمعت الرغبة والقدرة، ومن الجدير ذكره، أنه خلال البحث عن مواد هذا التقرير وجدت الكثير من الدراسات بلغات متعددة تتحدث عن الوساطة القطرية، أي أنها أصبحت هوية أو علامة عالمية تتصف بها هذه الدولة.

  1. الثروة والإعلام:

إن ثروة قطر المالية الضخمة منحتها قوةً إضافيةً على تحمل تبعات مهمة الوساطة بين أطراف النزاع خصوصًا، وهي في العادة دول فقيرة، فضلًا عن الحجم الصغير لعدد السكان والذي أعطى للقيادة القطرية مساحة واسعة للمناورة والتحرك، بعيدًا عن الضغط الشعبي، أو الضغوط الاقتصادية التي تعاني منها دول الجوار، كما أن شبكة الجزيرة ومراكز الأبحاث التابعة لقطر تلعب دورًا نشطًا في هذا المنحى.

  1. العولمة:

وبالإضافة إلى إمكاناتها ورغبتها في الوساطة واحتياطيها من الغاز الطبيعي، أدّت التغيرات الواسعة في النظام العالمي إلى تسهيل بروز قطر كلاعب قوي ويزداد قوة، وعلى نطاق أخص فقد جعلت العولمة من السهل على الدول الصغيرة أن تقفز فوق وزنها، وأن تلعب في مسرح الكبار وأن تستعرض أشكالًا جديدةً من القوة الناعمة[6].

  1. القيادة:

يعود الصعود السريع لدور قطر الدولي ونهضتها الاقتصادية لشخصية كلٍ من الشيخ حمد آل ثاني الذي حكم البلاد (1995 – 2013)، ورئيس الوزراء ووزير الخارجية السابق الشيخ حمد بن جاسم، واللذان عملا على تهيئة المناخ الداخلي ليتسنى لقطر ومن ثم وضع قطر في مقدمة الدول دبلوماسيًا واقتصاديًا، متجاوزة نقاط الضعف لدولة صغيرة بحجم قطر تقع بين جارتين أكبر وأقوى “المملكة العربية السعودية وإيران”.

أخيرًا يرى البعض أن دولة قطر لا توجد عليها مآخذ تاريخية قديمة، ربما لكونها كانت دولة تابعة لقرار الرياض قبل مجيء الشيخ حمد إلى الحكم، وبالتالي فإنه لا يوجد ثقل تاريخي من الصراع، أي أن حملها التاريخي لا يزال خفيفًا مقارنة بمصر والسعودية.

ملفات مركزية في ارشيف الوساطة القطرية:

اليمن 

شهدت محافظة صعدة اليمنية ستة حروب بين الحكومة اليمنية من جهة ومنتدى الشباب المؤمن المعروف اليوم بـ “جماعة الحوثي” نسبة لمؤسسها “حسين الحوثي” من جهة أخرى، كانت البداية بعد مقتل ثلاثة من الجنود في مواجهات محدودة بين السلطة المحلية وجماعة الحوثي، اشتعلت المعارك بين الجانبين حتى العاشر من سبتمبر 2004، عندما تمكنت القوات الحكومية من الوصول إلى موقع حسين الحوثي المتحصن في جبال مران وقتلته مع عدد من أنصاره، ثم أعلنت الحكومة وقفًا أحادي الجانب للقتال، استمرت موجات القتال فما إن تتوقف موجة حتى تشتعل الأخرى.

في يونيو 2006م أعلنت دولة قطر عن رغبتها في التوسط بين الحكومة اليمنية والحوثيين، وذلك بعد ما يقارب من أربعة أشهر على تجدد المواجهات بين الجانبين فيما سُمي بالحرب الرابعة، وقد حظيت المبادرة القطرية بقَبول وموافقة طرفي الصراع.

مثلت اليمن جزءً من استراتيجية الوساطة القطرية الأوسع لحل النزاعات والتي شملت لبنان وفلسطين ودارفور آنذاك، بيد أن زيارة الأمير حمد بن خليفة آل ثاني لصنعاء ترجمت عزم قطر في نزع فتيل الأزمة ووقف القتال.

تبادلت الدوحة وصنعاء وفود الميسرين لتقريب وجهات النظر خلال هذه الزيارات، ووضعت مجموعة من المطالب العامة لاتفاقية وقف إطلاق نار في 16 يونيو 2007 لتعود وتنهار بعد أشهر قليلة، إلا أنها لم تمنع من عودة الأطراف للتوقيع على اتفاقية الدوحة في فبراير 2008 والتي شملت مجموعة من البنود تعهدت فيها قطر بدفع 500 مليون دولار للمساندة في إعادة إعمار ما خلفته الحروب في محافظة صعدة، فيما تُلزم الاتفاقية الحكومة اليمنية بإطلاق سراح سجناء الجماعة والعفو العام وإعادة إعمار المناطق التي تضررت جراء المواجهات، مقابل تسليم جماعة الحوثي السلاح “الثقيل” والانسحاب من المواقع العسكرية.

يرى مراقبون أن فشل الجهود القطرية في اليمن ارتبطت بعاملين أساسيين:

  • إصرار الرئيس صالح بأن تكون الأموال تحت سيطرة الحكومة اليمنية، وهو ما أثار المخاوف لدى القيادة القطرية خاصة وأن اليمن تعيش حالة من عدم المساءلة والمحاسبة.
  • الوساطة القطرية جاءت في وقت تشهد فيه العلاقة القطرية السعودية حالة من الفتور، في حين تتمتع السعودية بنفوذ قوي في أوساط المسؤولين اليمنيين.

بعد فشل الجهود القطرية وإعلان قطر سحب تعهداتها، تبادل الطرفان “صالح والحوثي” التهم حول إفشال الاتفاق الذي سبب خيبة أمل شعبية واسعة، كما أدى إلى بداية فصول جديدة من المعارك الشرسة نتج عنها سقوط الكثير من القتلى والجرحى، وتسببت في موجة نزوح كبيرة وغياب أفق المصالحة.

لبنان

أثناء الحرب (الإسرائيلية) على لبنان عام 2006 والتي استمرت ما يقارب ثلاثة وثلاثين يومًا، استخدمت قطر جهودها الدبلوماسية لوقف الحرب حيث دفعت باتجاه إصدار القرار 1701 الذي ينص على وقف إطلاق النار، ولم تتوقف الجهود القطرية عند هذا الحد، بل إنها سارعت إلى كسر الحصار الجوي المفروض على مطار بيروت، وشاركت في قوات “اليونيفيل” المسؤولة عن حفظ السلام في لبنان.

شهدت لبنان احتقانًا سياسيًا شديدًا بين العامين 2006 – 2008، وعمت المظاهرات والاغتيالات الشارع اللبناني، فضلًا عن تبادل التهم بين حكومة السنيورة وحزب الله في قضية شبكة الاتصالات غير القانونية التابعة لحزب الله ووصل الأمر إلى حدوث مواجهات مسلحة بين الطرفين، فكل ما سبق ذكره من رصيد قطري جعلها الخيار الأنسب لكل القوى.

كما أن الدوحة تتمتع بعلاقة جيدة مع إيران وسوريا وحزب الله، في المقابل حصلت قطر على ثقة الجامعة العربية كرئيس لوفدها إلى لبنان، الأمر الذي انعكس إيجابًا على دور قطر في حلحلة النزاع اللبناني الذي أوشك على الانفجار.

تأتي زيارة الشيخ حمد آل ثاني لمناطق جنوب لبنان كأول زعيم عربي له اعتباراته على الصعيد الدبلوماسي، وبعد رصد كل العوامل الدبلوماسية التي تعطي للوساطة القطرية حضورًا قويًا، فإن استعداد تعهد قطر بدفع 300 مليون دولار بهدف إعادة إعمار مخلفات الحرب، يعزز من الصورة الذهنية لقطر ودورها في حل النزاعات وإعادة الإعمار من منطلق إنساني بصرف النظر عن توجهات الضحايا والمتضررين.

دعت القيادة القطرية الأطراف اللبنانية إلى قمة تصالحية في الدوحة، وبالفعل تم ذلك ووقعت كل الأطراف على الاتفاقية في مايو 2008 والتي تقضي بتعيين ميشال سليمان رئيسًا توافقيًا للبلاد، وتشكيل حكومة ائتلاف وطني، بهذا الاتفاق وبعد جهود كبيرة خرجت لبنان من عنق الزجاجة وبارك مجلس الأمن ذلك كما أشاد بالجهود القطرية.

صفقة تبادل الأسرى بين لبنان وجبهة النصرة:

نجحت الوساطة القطرية في إطلاق سراح 16 من الجنود اللبنانيين المختطفين لدى جبهة النصرة في جرود عرسال منذ شهر أغسطس من العام الماضي مقابل 25 أسيرًا بينهم 17 امرأة وأطفالهن، تكللت الجهود القطرية بالنجاح والتي جاءت بناءً على طلبٍ من الحكومة اللبنانية[7].

حالة النجاح هذه تعكس بظلالها على تجربة قطر الناجحة في حل النزاعات وفاعلية وساطاتها الدبلوماسية، حيث أصبحت قطر اليوم حديث الشارع اللبناني بل إن البعض دعاها للتوسط إلى حل الاختلالات السياسية، ولكن فيما يبدو أن صفقة الجنود قد عرَّضت حزب الله لحرج أمام الشارع اللبناني، حيث لم يكن له فيها أي دور، بل إن البعض يرى أنه السبب فيما وصلت اليه الحالة، فهل سيتجاوب حزب الله في حال تدخلت قطر بين الفرقاء السياسيين في لبنان؟ أم أنه أخذ موقفًا من قطر ودورها في سوريا؟

سرد تاريخي للوساطة القطرية: في عهد التاريخ الحدث الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني 

2004،قطر تفاوض على إطلاق سراح المغربيَين المختطفَين من قبل جبهة البوليساريو في الصحراء الغربية.
سبتمبر 2006 التزمت قطر بإرسال 200 إلى 300 جندي لقوات حفظ السلام في لبنان.
سبتمبر 2006 تعهّدت قطر بدفع 150 مليون دولار أمريكي لإعادة الإعمار في جنوب لبنان.
أكتوبر 2006 حاولت قطر التوسط في الصراع بين حركتي فتح وحماس بخطة تتضمن ست نقاط ولكنها لم تنجح.
مايو 2007 زار الوفد القطري اليمن للقاء القادة الحوثيين.
يونيو 2007 اتفاق وقف إطلاق نار مشترك بين الحكومة اليمنية والمتمردين الحوثيين.
مايو 2007 إطلاق سراح الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني في ليبيا بوساطة قطرية وبالتعاون مع جمهورية تشيكيا.
فبراير 2008 تم توقيع اتفاق سلام في الدوحة بين حكومة اليمن والحوثيين، وتتعهد قطر بدفع 300مليون دولار لتنمية صعدة.
سبتمبر 2008 عيّنت الجامعة العربية قطر للتوسط في محادثات دارفور للسلام.
يوليو 2008 نجحت الوساطة القطرية في الجمع بين الرئيس الفرنسي والسوري “بشأن القضية اللبنانية”.
مايو 2008 استضافت الدوحة أطراف الصراع في لبنان.
مارس 2008 وقَّع الرئيسان التشادي إدريس ديبي والسوداني عمر البشير اتفاق تفاهم ومصالحة بعد خمس سنوات من الحرب.
فبراير 2010 وقف إطلاق النار بعد وساطة قطرية بين حكومة اليمن والمتمردين الحوثيين.
فبراير 2010 الرئيس السوداني عمر البشير وحركة العدالة والمساواة يوقعان على اتفاقية وقف إطلاق النار في الدوحة.
مارس 2010 الرئيس السوداني عمر البشير وحركة التحرير والعدالة يوقعان على اتفاقية وقف إطلاق النار في الدوحة.
مايو 2010 انسحاب حركة العدالة والمساواة من عملية الوساطة في قطر من أجل دارفور.
يونيو 2010 توصلت جيبوتي وإريتريا إلى اتفاق وقف إطلاق النار حول النزاع على الحدود بفضل الوساطة القطرية.
أغسطس 2010 فاوضت قطر على تجديد اتفاق وقف إطلاق النار الذي أبرم في فبراير.
مارس 2011 دعمت قطر جامعة الدول العربية للتدخل في ليبيا.
مارس 2011 شاركت قطر في ائتلاف للتدخل في ليبيا.
يوليو 2011 وقعت حكومة السودان وحركة التحرير والعدالة وثيقة الدوحة للسلام في دارفور.
نوفمبر 2011 علّقت الجامعة العربية عضوية سورية بدعم من قطر.
أكتوبر 2012 أصبح الأمير حمد أول رئيس عربي يزور غزة منذ استلام حماس زمام السلطة.
الشيخ تميم بن حمد آل ثاني مارس 2014 – سحبت كلٌّ من المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة سفراءَها من قطر.
يونيو 2014 صفقة تبادل 4 من قيادات طالبان مقابل جندي أمريكي عبر الوساطة القطرية.
مارس 2014  إطلاق سراح 13 راهبة أرثوذكسية في سورية مقابل إطلاق سراح 153 معتقلة سورية من سجون النظام السوري.
سبتمبر 2015 الدوحة تستضيف اجتماعات المصالحة العراقية برعاية الأمم المتحدة.
ديسمبر 2015 طويت صفحة الجنود اللبنانيين الـ 16 الأسرى لدى جبهة النصرة بالإفراج عنهم مقابل 13 سجينًا في السجون اللبنانية بينهم خمس نساء.

الهوامش

[1] Politique du Qatar. https://fr.wikipedia.org/wiki/Politique_au_Qatar

[2] كلمة الشيخ تميم أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة

[3] كلمة الشيخ تميم أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة

[4] Ahmet Davutoglu, “Turkey’s humanitarian diplomacy: objectives, challenges and prospects.” Nationalities Papers, vol. 41, no. 6 (2013), pp. 865-866.

[5] Read more at: http://carnegie-mec.org/publications/?fa=56730

[6] Kristian Coates Ulrichsen, “Rebalancing Global Governance: Gulf States’ Perspectives on the Governance of Globalisation,” Global Policy 2 no. 1 (2011): 65

[7] الوساطة القطرية تنجح في إطلاق الجنود اللبنانيين- وكالة الأنباء القطرية

برق للسياسات والاستشارات

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى