دراسات سياسية

الدراما والسياسة.. عندما حضرت في “سلسال الدم”

د.محمد عبدالرحمن عريف

 يقال أن الدراما محاكاة للواقع.. لكن أين هذا الواقع الذي جُسد في سلسال الدم، فالمسلسل يناقش حقبة تاريخية مهمة في تاريخ مصر والتي شهدت كثير من الأحداث ودخولها مرحلة صعبة نتج عنها تطورات كثيرة، وهنا فالدراما تعتبر من أهم العوامل التي ترصد الأحداث التاريخية على مدار الزمن وتعبر عن الفترة التي رصدتها بشكل دقيق، لكن السياسة أفسدت ذلك كله. خاصة عن حياة الصعيد الذي أصبح أرض خصبة للقصص الدرامية والتاريخية.

يجسد «أحمد بدير» شخصية تتولي منصب رفيع خلال تلك الفترة ويحاول تحقيق أكبر جزء من المكاسب سواء على مستوي السلطة أو المال ويكون ثروة كبيرة من خلال نفوذه وعلاقته.

مجدي صابر كاتب الحلقات، قال لا أتوقع أي شئ حينما أكتب عمل، فكنت أعمل بصدق، وشخصيًا لا يمكنني تقديم عمل على الشاشة إلا اذا كنت راضيًا عنه بنسبة 100% وليس 99%، فأنا لا أسمح بأي أخطاء أو قصور حتى لو قمت بتكرار كتابة المسلسل أكثر من مرة، فأنا لا أتجاهل أي نقد، لأنني الناقد الأول لأعمالي، وأشارك فى تفاصيل كثيرة فى العمل، وشخصيًا أرى أن أي عمل لكي ينجح يتطلب ذلك مخرج لأنه يشكل نصف العمل، ومنتج يستطيع الانفاق، وفنانين أكفاء، بالإضافة إلى الصدق فى العوامل، وجميعها عوامل تحقق بنسبة كبيرة نجاح أي عمل.  

الكاتب يدعي أنه على وعي كامل بمشاكل الصعيد، ويبرر السبب فى ذلك إلى نشأته لأنه من مواليد محافظة سوهاج، ووالده هاجر إلى القاهرة، وكان عمره حينها عام، وعاش عمره بأكمله فى شبرا قبل انتقاله للإقامة فى مدينة نصر، ولكن نصف أسرته فى الصعيد، ويؤكد هنا أن بعض أجزاء مسلسل سلسال الدم كانت من أحداث حقيقية عاشها بنفسه، وظهرت فى مشهد تهجير “هارون” فى المسلسل، والذي حدث مع والده بالفعل، فحينما تزوج والده وهو فى سن الـ17 عامًا، أنجبه بعد سنة، وحدثت مشكلة بينه وبين ابن العمدة وقام بضربه، وحينما علم العمدة بالواقعة، اتصل بجده، وكانت تربطهما علاقة وطيدة، وقال له “علشان العيش والملح اللي بيني وبينك، مش همد ايدي على ابنك، ولا هضرب عليه رصاصة، ولكن لو بات فى منزله، فهو مهدر دمه”، وبالفعل هاجر والدي إلى القاهرة، وظلت هذه الحادثة متعلقة فى ذهنه حينما تم سردها له، وقام بكتابتها فى مسلسل سلسال الدم، ويؤكد هنا أن أغلب مشاهد المسلسل من نسج الخيال ولكن هناك بعض المشاهد الواقعية حقيقية.

الغريب والعجيب هو وصول عدد حلقات المسلسل إلى (220 حلقة) وهو يعد أطول مسلسل فى تاريخ الدراما المصرية، والجمال الحقيقي فى هذا المسلسل يكمن فى أنه لا أحد يستطيع أن يتوقع ما الذي سيحدث فى الحلقة التالية؟، وأعتقد أن الكتابة الحرفية والتشويق داخل الدراما الاجتماعية السبب الرئيسي فى ذلك.

الكاتب يعترف أن السيناريو معد مسبقًا لحقبة تاريخية سابقة وأحداث مختلفة، ويقول أثناء كتابتي المسلسل عام 2000، كان المسلسل يحمل رمزية العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وكنت أجسد لصورة مصر فى نصرة، والحاكم “هارون”، لينتهي الآمر بسقوط هارون وهو انتصار الشعب على الحاكم، ويشاء القدر أن يحدث ما كتب تمامًا، فحينما انتهيت من تصوير الجزء الثالث للمسلسل، بدأت فى كتابة الجزء الرابع، وتزامن ذلك مع فترة 25 كانون الأول (يناير) 2011، وصولًا إلى أحداث 30 حزيران (يونيه) 2013، وفكرت أن يكون للعمل خط سياسي محدد.

جسدت شخصية أحمد بدير، والبعض ظن أنني اتحدث عن شخصية بعينها، فأنا لا أتحدث عن شخصيات فى أعمالي ولكن أتحدث عن ظواهر، والفنان احمد بدير جسد أكثر من شخصية من قيادات الاخوان، والجزء الرابع ينتهي بسقوط الاخوان وصولا لـ30 حزيران/ يونيه، لأنني لابد أن أنحاز للخير والقيمة الإيجابية فى النهاية، فأكثر من 40% من الشعب المصري أمي لا يقرأ ولا يكتب ويقلد ما في المسلسلات، لذلك يجب أن يكون لدينا وعي أثناء تقديم أعمالنا الدرامية.

لقد برزت النزعة الدينية بشكل واضح فى مسلسل “سلسال الدم”، فالشعب المصري متدين بطبعه، وحاول المسلسل أن يجسد فى شخصية “نصرة” التي قدمتها الفنانة عبلة كامل، الجانب الديني، والتي تشربتها جيدًا كونها جاءت وهي طفلة مع والدها إمام المسجد، وتعلمت صحيح الدين، وحرصت على التأكيد على ذلك بعد وفاة والدها بسبب ظلم “هارون” الذي جسد شخصيته الفنان رياض الخولي، فأراد المسلسل أن يظهر الفارق فى السلاح الذي استخدمه الطرفان فى الصراع بينهما.

يبقى أن صنّاع مسلسل “سلسال الدم”، في الجزء الأخير منه، جاءت مواصلة سلسلة الأخطاء القانونية، فبعدما أشار عدد من المحامين المنتمين إلى الصعيد بمصر إلى خطأ في تطبيق القانون خلال أحداث المسلسل، شهدت الحلقات التالية مواصلة هذه الأخطاء في الموضوع نفسه، المتعلق بجريمة الزنا الملفقة في أحداث المسلسل، فبعدما جدد وكيل النيابة حبس المتهمة بالزنا 15 يوماً بعد أن تم حبسها 4 أيام على ذمة التحقيق من وكيل النيابة نفسه، وهو الخطأ الذي كان يحب تداركه بأن يتم عرضها على قاضي المعارضات، فوجئ المشاهدون، بقرار ثالث من النيابة العامة بإحالة الأوراق إلى المحكمة، وهذا يعتبر باطلاً، ذلك لأن قرار استمرار حبسها السابق لمدة 15 يوماً ليس من اختصاصه، وإنما من اختصاص قاضى المعارضات و”ما بنى على باطل فهو باطل”.

هنا تم الكشف عن أخطاء تقنية وإخراجية في بعضها، جاء الدور على الأخطاء الفنية والكتابية التي ظهرت فيها بعض الأعمال بعيدة بشكل كبير عن الواقع الحقيقي، والأخرى تحمل الكثير من المبالغة غير المنطقية؛ ما أثار انتقادات الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي في مصر.

يعد الجزء الأخير من مسلسل «سلسال الدم»، صاحب الحظ الأوفر من الانتقادات، بسبب تطويل المشاهد والأحداث، وتأخير انتصار المظلوم على الظالم، وهو الصراع الذي يلعب عليه المسلسل من البداية، مع ضعف الفكرة نفسها؛ لأنه لا توجد سيدة مهما كانت قوية، تستطيع منافسة الرجال على النفوذ والقوة. وحضرت السخرية من السيناريو الذي عالج قصة بداية ثراء الحاجة ناصرة التي تلعب دورها الفنانة عبلة كامل، «كيف لسيدة صعيدية فقيرة أن تصل إلى امتلاك مجموعة اقتصادية كبيرة من بيع كراتين الشيبسي في النجع، هذا من درب اللامعقول».

سبق أن أشار سيناريست “سلسال الدم”، إلى أن المسلسل يحتوي على عشرات الرسائل منها أن بعض من يصل للسلطة ينسى من حوله ولا ينظر لمشاكلهم، مؤكدًا: “تم تجسيد حكم الإخوان والثورات من خلال سلسال الدم باستخدام الشخصيات الرئيسية في العمل”. وأضاف: “هناك الكثير من المشاكل حاليًا بسبب توقف الجهات الحكومية عن الإنتاج وترك الساحة للجهات الخاصة فقط، والتي تسببت في إخلال التوازن وعدم الاهتمام بقضايا المجتمع المختلفة وتقديم رسالة هادفة، وأصبح الأمر حسب الأهواء فلم نعد نحارب الرشوة والفساد والبلطجة”.

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى