الدفاع المجتمعي والبقاء القومي للدولة

د.عامر مصباح (جامعة الجزائر 3)

يعني “الدفاع المجتمعي” الطريقة التي يمكن جعل فيها المجتمع يلتحم مع القوات المسلحة من اجل تحقيق غايات الفعالية العسكرية في مواجهة التهديدات الأمنية الموجهة ضد البقاء القومي للدولة، سواء كانت قادمة من البيئة الخارجية أو متفجرة من البيئة الداخلية نفسها. يقتضي مثل هذا المبدأ عمل مجموعة من العناصر مع بعضها البعض بشكل متزامن وهي: الثقافة السياسية، العقيدة العسكرية، السوسيولوجية الوظيفية ومهارة الاستخدام الفعال للأسلحة الفردية.
الهدف الرئيس للدفاع المجتمعي هو جعل مهمة قوات العدو اختراق الجغرافيا الوطنية او السيطرة على المدن الكبرى صعبة أو فخا للانتحار الجماعي، مؤدية في نهاية المطاف إلى الإنهاك العسكري والسياسي ثم الهزيمة. في نفس الوقت، ضرورة الحفاظ على التماسك السوسيولوجي للمجتمع مستمرا وفعالا تحت الظروف القتالية القاسية. لماذا التأكيد على التماسك السوسيولوجي كمكون رئيسي في الدفاع المجتمعي؟ إذا نظرنا للتجربة العراقية عام 2003، نجد أن صدام حسين عندما قال في إحدى خطاباته، أن الأمريكيين سوف ينتحرون على أسوار بغداد، كان يعني تحويل البيئة القتالية إلى جحيم للجنود الأمريكيين عن طريق فتح مخازن الأسلحة الخفيفة أمام الشعب للقتال الفردي والزُمري؛ لكن بسبب الهشاشة السوسيولوجية الناتجة عن غياب التضامن العضوي (بتعبير إميل دوركايم)، وقسوة النظام السياسي التي أنهكت المجتمع وضعضعت العلاقات الاجتماعية، استطاع الأمريكيون أن يعيدوا توجيه الأسلحة الفردية نحو القتال الداخلي بين مكونات المجتمع بدل مقاتلة العدو الغازي.
الفكرة الأساسية المستخلصة من التجربة العراقية، السورية والليبية، أن الدفاع المجتمعي لا ينجح في المناخ السياسي غير الديمقراطي، الهشاشة المؤسساتية، الثقافية السياسية الضحلة، والنخب المتناحرة على حساب مصالح الوطن والمتورطة بطريقة أو أخرى في الفساد.
يبدأ الدفاع المجتمعي بتريكز الانتباه على تضييق الفجوة الكبيرة بين المجتمع والدولة، والربط العضوي بين مفهوم الدولة، المجتمع، والأمة؛ عن طريق خلق ثقافة التكامل السوسيولوجي، الثقافة السياسية الوظيفية، وقيم الوطن الآمن. يجب النظر إلى كل هذه العناصر على أنها عمليات سوسيولوجية تتفاعل ابتداءً في المستويات تحت وطنية، عبر عمليات التنشية الاجتماعية-السياسية التي تجري في المستويات القاعدية حيث الأسرة، المدرسة، المساجد، جماعات الصداقة والعالم الافتراضي.
عندما تُطبّع هذه المعاني في الإدراك المجتمعي والوعي السياسي وتُحمل في الثقافة السياسة كمضمون للاتصال الوظيفي، نكون بصدد بلورة مفهوم شامل ووظيفي للدفاع المجتمعي.

 

 

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button