الدول الفاشلة: تعريفها وتصنيفات وتهديداتها للاستقرار والأمن الدوليين

الدول الفاشلة: تعريفها وتصنيفات وتهديداتها للاستقرار والأمن الدوليين

“الدول الفاشلة”  من كتاب “أمريكا والدولة الفاشلة”

مقدم إلى: أ.د/ على الدين هلال

إعداد الطالبة: أمل أحمد هاني زكى إبراهيم

كلية الإقتصاد والعلوم السياسية
      قسم العلوم السياسية
تمهيدى دكتوراه
   مسار النظم السياسية المقارنةنظرية السياسة المقارنة (مقرر إجبارى)

 

 

 محتويات العرض: 

رقم الصفحة المحتوى
1 الغلاف
2 تمهيد
3 نبذة عن الكاتبة
3 أهمية الدراسة
4-10 تقسيم الدراسة

المطلب الأول: 4-5أ. التعريف النظري للدول الفاشلة

ب. المفاهيم المتشابهة المعبرة عن ظاهرة الفشل

المطلب الثاني: 6-8أ. التعريف الاجرائي للمفهوم

ب. عرض التهديدات التي تمثلها الدول الفاشلة على الاستقرار والأمن الدوليين بصفة عامة وعلى الأمن الأمريكي بصفة خاصة

المطلب الثالث: 9-10أ. تصنيفات الدول الفاشلة وفقا لأشهر المقاييس الأمريكية
11 الخاتمة
11 التقييم

 

المقدمة

  • اسم الكتاب: أمريكا والدولة الفاشلة.
  • المؤلف: رنا أبو عمرة.
  • اسم الناشر: دار ميريت للنشر.
  • سنة النشر: 2014.
  • نبذة عن الكاتب: باحثة دكتوراه في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ولها العديد من المقالات التحليلية.
  • أهمية الدراسة:

تنبع أهمية هذه الدراسة من أنها تعد الأولى من نوعها في الوطن العربي التي تتناول ظاهرة الدول الفاشلة بشكل أكاديمي سواء من الناحية النظرية أو من الناحية التطبيقية. فمصطلح الدول الفاشلة من المصطلحات المتداولة والمنتشرة على مستوى واسع في الأوساط الأكاديمية والسياسية الغربية منذ عقود، بحيث أصبح من غير المنطقي تجاهله.  وقد شهدت المرحلة الأخيرة حالة من عدم الدقة ومن عدم الموضوعية عند استخدام المفهوم. الأمر الذي تحاول هذه الدراسة تداركه وتوضيحه من خلال التعرض لتعريفاته المختلفة ومؤشراته. فثمة فرق كبير بين فشل الدولة وانهيارها الناتج عن  الناتج عن اندلاع الصراعات الداخلية والاقليمية، وهو ما يمكن اعتباره الحالة الكلاسيكية للفشل وبين الدول التي فشلت وظيفيا كنتيجة لاخفاقات متتابعة في أداء مؤسساتها وسياسة حكومتها في ظل تنامي متطلبات شعبها بما يفوق مواردها وقدراتها وهياكلها القائمة. الأمر الذي يحتم في مرحلة معينة انهيار هذا النظام واستبداله بأخر أكثر فاعلية ووظيفية.

وقد ركزت الدراسة على السياسة الأمريكية تجاه ظاهرة الدول الفاشلة حيث كانت الولايات المتحدة الأمريكية من أوائل الدول الغربية التي اهتمت بهذا المصطلح أكاديميا، ثم سياسيا وأمنيا وتنمويا، مما كان له آثر في بلورة المصطلح الى الشكل الذي وصل الينا الأن.

وينقسم الكتاب الى جزئين. الجزء الأول يتناول ماهية الدولة الفاشلة والجوانب التطبيقية والنظرية المرتبطة بالظاهرة. والجزء الثاني يتناول محددات وآليات السياسة الخارجية الأمريكية تجاه ما صنفته كدول فاشلة. وسيتم التركيز هنا على المبحث الثاني من الكتاب وهو بعنوان الدولة الفاشلة، وينقسم الى ثلاثة مباحث:

المطلب الأول:

أ. التعريف النظري للدول الفاشلة.

ب. المفاهيم المتشابهة المعبرة عن ظاهرة الفشل.

المطلب الثاني:

أ. التعريف الاجرائي للمفهوم.

ب. عرض التهديدات التي تمثلها الدول الفاشلة على الاستقرار والأمن الدوليين بصفة عامة، وعلى الأمن الأمريكي بصفة خاصة.

 المطلب الثالث:

أ. تصنيفات الدول الفاشلة وفقا لأشهر المقاييس الأمريكية.

المطلب الأول

التعريف بالدولة الفاشلة

بدأ الاهتمام بمفهوم الدولة الفاشلة من قبل الأكادميين وصانعي السياسية منذ بداية الثمانينات، الا أن الترويج السياسي له جاء في أوائل التسعينيات في خطاب مندوبة الولايات المتحدة الأمريكية في الأمم المتحدة في سياق حشد الجهود الدولية لمساعدة وانقاذ الصومال، وتلى ذلك الترويج للمفهوم في دورية السياسة الخارجية عام 1993، حيث نشر مقال بعنوان “انقاذ الدولة الفاشلة”.

وكان هناك مسميات ومصطلحات مشابهة كمصطلح “أشباه الدول – الدول المنهارة – الدول الهشة – الدول الضعيفة”، مما أدى الى التداخل بيت المفاهيم الواصفة لنفس الظاهرة.

ويتضح من السياق الزمني لظهور المفهوم ارتباطه بالتغير الحادث في هيكل النظام الدولي ابان الحرب الباردة، وارتباط الترويج له بأحداث الحادي عشر من سبتمبر وبداية الحرب الأمريكية على الارهاب. وهو ما يثير في الذهن حملات تقسيم العالم لصالح القوى الكبرى ابان الأحداث العالمية الكبرى التي تعيد تشكيل موازين القوى، مما يعلي من درجات الحيطة والحذر عند التعامل مع المفهوم نظرا للتسيس الشديد له من قبل الحكومات.

وينقسم المطلب الأول الى:

أ. التعريف النظري للدول الفاشلة.

ب. المفاهيم المتشابهة المعبرة عن ظاهرة الفشل.

أ. التعريف النظري للدول الفاشلة:

لا يوجد تعريف جامع شامل مانع لما يعنيه مصطلح الدول الفاشلة، الإ أنه بشكل عام يشير الى حالة من الاخفاق الوظيفي تعاني منه الدولة تؤدي الى تأكل قدرتها وقدرة نظامها القائم على الحكم بفاعلية وكفاءة، وهو ما ينتج عنه في أكثر حالاته سقوط وانهيار الدولة.

فعلى المستوى الداخلي، فشل الدولة يعني افتقادها للقدرة على السيطرة الفعلية على أراضيها. وعلى المستوى الدولي، يتمثل الفشل في تراجع قدرتها على التفاعل مع الوحدات السياسية كعنصر دولي كامل الأهلية.

وتختلف الدراسة مع الأراء السابقة الذكر حول تعريف الدولة الفاشلة، حيث:

  • لا يعني عدم أداء بعض الوظائف الفشل التام وليست جميع الدول فاشلة بنفس الدرجة.
  • كذلك تفيد التعريفات السابقة بأن فشل الدولة في مجال ما يؤدي الى حتمية الفشل في مجال آخر، وهو أمر غير صحيح اذا أخذنا بعين الاعتبار نسبية الفشل.
  • قد تعامل المفهوم مع الدولة الفاشلة باعتبارها فاشلة كنتيجة حتمية لاخفاق سياساتها في الداخل فقط، وتجاهل احتمالية حدوث الفشل كرد فعل لأحداث عنيفة تسببت فيها قوى خارجية، كالاحتلال أو فرض عقوبات أحادية الجانب.
  • هذا التعريف لم يشر الى الفترة الزمنية المتوقعة لوصف الدولة بالفاشلة. فدور العامل الزمني ظل متراجعا في اطار المفهوم المطروح.
  • أرجعت بعض الدراسات فشل الدولة الى دور القيادة (الحاكم)، تلك القيادة التي تبنى النظرة المصلحية الضيقة لقلة أو النخبة الحاكمة التي تهيمن على مقاليد الأمور، حيث تثار هنا معادلة: قائد فاشل + نظام فاشل = دولة فاشلة.

 

بشكل عام ان مصطلح الدولة الفاشلة هو ترجمة حرفية لمصطلح Failed States، الذي تطور في الأدبيات الغربية لتقييم وضع وأداء الدول التي بدأت مسيرة النمية والتحديث في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وكنتيجة للتأخر الزمني لمساهمات الأدبيات العربية.

وتقترح الدراسة تعبير بديل للترجمة وهو الدول غير الفاعلة، لأن المصطلح الأول مطلق وتحكمي، بينما المصطلح المقترح يعكس تدريجية تراجع وظيفة الدولة.

وبناء عليه، قدمت الباحثة تعريف للدولة الفاشلة، وهو: “الدولة التي لا تستطيع القيام بوظائفها الأساسية ولا تستطيع الوفاء بالاحتياجات الأساسية لأفراد شعبها بشكل مستمر، مما يؤدي على المدى الطويل الى حالة من عدم الاستقرار تدلل عليها مؤشرات سياسية وامنية واجتماعية واقتصادية وثقافية ومجتمعية. وتتعاظم عوامل الفشل اما بسبب انخراط الدولة في صراع لفترات طويلة، أو لقصور بنيوي في مؤسساتها لخبرات تاريخية أو لظروف جغرافية وديموجرافية، أو لمواجهتا أزمة حادة ومفاجئة، ولا يمكن الحكم على فشل دولة بمعزل عن محيطها الاقليمي ومستجدات وقضايا النظام الدولي”.

 

ب. المفاهيم المتشابهة المعبرة عن ظاهرة الدولة الفاشلة:

  • الدول المنهارة: تشير الى انهيار هيكل وسلطة الدولة.
  • الدول الهشة: يتلازم هنا عدم القدرة على اداء وظائفها بتدهور أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية.
  • الدول الضعيفة: يرجع سبب ضعفها لأسباب هيكلية بنيويةوتعتبر موطنا للتوترات الاثنية والدينية واللغوية والعرقية، التي عادة ما تكون كامنة وتنفجر في هيئة أعمال عنف.
  • آشباه الدول: حيث تراجع فاعلية دور الدولة على المستوى الخارجي.
  • الدول الرخوة: استخدم هذا المفهوم الاقتصادي وعالم الاجتماع Myrdal، ويرى أن دول العالم الثالث تنتمي لهذا المفهوم، حيث تصدر القانون ولا تطبقهن اما لوجود ثغرات به، ولانتفاء ثقافة حكم القانون ولتفشي الفساد، ولافتقادها نظام اجتماعي متماسك.
  • الدول المائلة الى الفشل: وهي الدول غير القادرة أو غير الراغبة في ضمان توفير الأمن والخدمات الأساسية لمواطنيها.وهذا المفهوم قد تناول الحكم على نوايا الدول في الاشارة اليها بوصفها “غير الراغبة”، فهو لا يلتزم بالحياد.
  • الدول المعرضة للخطر/ الدول في أزمة: تلك الدول التي تعاني من أزمة أو على وشك اندلاع صراع بسبب غياب الشرعية وفاعلية دور الدولة على مناطق ما على اقليمها.

وهناك اختلاف بين هذه المصطلحات، الإ أن أغلب الدراسات تستخدم أكثر من مصطلح في نفس الدراسة وكأنها مترادفات متطابقة، وهو ما يعكس التداخل والتشابه الشديد فيما بينها، ويؤكد على أهمية ضبطها وتناولها في سياقها الذي ظهرت فيه ووفقا لمجالات اهتمام كل مفهوم.

  

المطلب الثاني

أ. مؤشرات وتداعيات الدول الفاشلة

تقسم الدراسة المؤشرات الكمية والنوعية الدالة على ظاهرة الفشل الى ثلاث مجموعات أساسية: اجتماعية، واقتصادية، وآمنية. ويتم نصنيف الدول بناء على هذه المؤشرات، بحيث تصبح -وفقاً لها- أعلى الدول حصولاً على النقاط هي الأقرب الى الفشل.

  1. 1. المؤشرات الاجتماعية:
  • بحيث تنتج هذه الضغوط عن ارتفاع الكثافة السكانية، مما يؤثر على نصيب الفرد من الاحتياجات الأساسية (المواد الغذائية، المياه، الخدمات العامة)، فضلاً عن تدهور كفاءة هذه الخدمات. وتزداد حدة الضغوط الاجتماعية مع ازدياد تباين معدلات النمو السكاني بين الجماعات المختلفة عرقياً، اثنياً، أو دينياً في المجتمع.
  • تزايد حركة اللاجئين الى خارج الدولة، أو تهجير عدد من السكان بشكل قسري في منطقة داخل الدولة، ويتولد عن ذلك اضطرابات تفجر مشاكل لا تهدد فقط الأمن في معناه التقليدي ولكن الانساني سواء كان ذلك داخل حدود الدولة أو مع دول الجوار.
  • اندلاع صراعات بين الجماعات الفرعية في المجتمع بسبب اضطهاد أحد هذه الجماعات. وتترايد هذه الصراعات مع وجود أنماط من أعمال العنف العنصرية ضد جماعة بعينها بجانب تهميش السلطة الحاكمة لهذا بالقمع أو بالاضطهاد ورسم صورة تحرض على الاستبعاد والكراهية تجاه هذه الجماعة.
  • انتشار ظاهرة هروب الكفاءات والسياسيين المعارضين الى خارج الدولة هرباً من الممارسات غير العادلة من قبل النظام الحاكم، الى جانب ارتفاع معدلات الهجرة الطوعية لتدهور االاقتصادية.

 

  1. 2. المؤشرات الاقتصادية:
  • عدم انتظام معدل التنمية الاقتصادية، ووعدم المساواة في توزيع فرص التعليم والعمل، مما ينتج عنه تصاعد النراعات والانقسامات.
  • استمرار تدهور الوضع الاقتصادي وذلك وفقاً للمؤشرات الدالة عليه والمتمثلة في معدلات الدخل القومي، وحجم الدين العام، ومعدلات وفيات الأطفال، وارتفاع نسبة الفقر، وانخفاض معدلات الاستثمار، وارتفاع معدلات البطالة. الى جانب الارتفاع المفاجئ للأسعار وانهيار وتدهور العملة الوطنية مع نمو وانتشار تجارة السوق السوداء.
  • ازدياد معدلات الفساد والمعاملات غير الشرعية بين عامة الناس دون وجود قواعد لهذا النمط من التعاملات التجارية، بالتواري مع عدم قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها المادية لمواطنيها مثل برامج الضمان الاجتماعي والمعاشات.

  1. المؤشرات السياسية والأمنية:
  • افتقاد نظام الحكم لشرعيته ومصداقيته ويدلل على ذلك العديد من المظاهر، كتزايد اتهام النخبة الحاكمة بالفساد والتربح، وارتفاع نسبة مقاطعة الانتخابات والتشكيك في نتائجها، والقيام بالتظاهرات وكثرة الاعتصامات المدنية. بالاضافة الى ارتفاع معدلات الهروب من الخدمة العسكرية، وتزايد الهجمات المسلحة، وتنامي أشكال تضييق النخبة على النقابات والمؤسسات الأهلية.
  • زيادة حدة تدهور قدرة الدولة على تقديم الخدمات العامة بما يعني تراجع دورها الأساسي في خدمة الشعب. واقتصار النخبة الحاكمة على تقديم الخدمات بما يصب في مصلحة جماعة بعينها والنخبة الحاكمة والمؤسسة العسكرية والمؤسسات السيادية ذات المصلحة.
  • تعطيل أو تعليق تطبيق حكم القانون وانتشار ممارسات انتهاك حقوق الانسان.
  • ظهور حالة من الازدواجية الأمنية، وتتمثل في وجود نخبة من رجال الأمن غير خاضعين للمحاسبة، أو ميليشيات تدعم النظام الحاكم، أو ميليشيات للمعارض. وهو ما يشار اليه بوجود دولة داخل دولة.
  • تصاعد الانشقاقات داخل النخب السياسية (الحكومة، الأحزاب، المجتمع المني، الحركات الاجتماعية).
  • تزايد حدة التدخل الخارجي من جانب دول أو فاعلين من غير الدول. وقد يكون التدخل من قبل المانحين خاصة اذا كان هناك جماعة مستفيدة من الدعم والمساعدات الخارجية.

 

تعقيب الباحثة على المؤشرات سابقة الذكر:

  • تغطي المؤشرات الموضوعية لقياس فشل الدول جوانب متعددة مما يضمن سهولة وصف أي دولة بالفاشلة مع اختلاف درجات الفشل. ذلك الأمر الذي أدى الى تسييس المفهوم والحيادية عن معناه الأكاديمي أو التنموي، واعتبرته الدول ذات المصلحة مدخلاً للتدخل في الشئون الداخلية للدول المهمشة بما يحقق مصالح القوى الكبرى بصرف النظر عن المصلحة الوطنية لشعوب الدول التي تصنف على أنها فاشلة.
  • دمج المؤشرات الدالة على فشل الدولة مثل الفساد والصراعات وغياب الشفافية والتضخم وأوضاع الأقليات، أدى الى وجود حالة من التداخل بين المؤشرات، مما يزيد من احتمالات الاعتماد على قدر من الانتقائية عند تصنيف الدول.
  • إن المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية تحتاج لفترات زمنية طويلة لكي تظهر وتعبر عن حالة فشل واضحة. الا أنها في أطوار نموها، تعتبر أبرز المحفزات الكامنة للفشل والتي تعبر عن نفسها في النهاية في شكل تدهور الوضع الامني.
  • وترى الباحثة أن هذا النمط من المقاييس الذي يربط المؤشرات ببعضها البعض ، يكرس منهج التبعية غير المتكافئة لصالح الدول الكبرى ولكن باستخدام توصيفات جديدة.
  • أغفلت المؤشرات السابقة البعد التاريخي المتمثل في دور الخبرة الاستعمارية التي زرعت جذور الفساد وكانت سبباً وراء اعاقة النمو الطبيعي للهياكل الاقتصادية والاجتماعية للدول النامية، والذي وصل الى حد النزاعات الاثنية والعرقية والطائفية فيما بين الجماعات، أو بين التيارات السياسية المختلفة.
  • لم تأخذ المقاييس السابقة في عين الاعتبار متطلبات مجتمعات الدول محل الدراسة، حيث وازنت بين مستوى أداء هذه الدول وبين الأولويات العالمية للتنمية دون مراعاة لخصوصية الثقافية والاجتماعية للدولة محل القياس.

ب. التهديدات التي تمثلها الدول الفاشلة على الأمن والاستقرار الدوليين بوجه عام، والأمن الأمريكي بوجه خاص

  1. دور هذه الدول في تعزيز العنف، حيث اعتبرت الولايات المتحدة الأمريكية هذه الدول قواعد أساسية لعمليات الجماعات التي تعتبرها ارهابية، وكرست ذلك بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. فصحيح أن فشل الدول قد تعكس تزايد احتمالات التهديد الأمني داخل الدولة أو فيما بين دول المحيط، الا أن هذه المؤشرات ذاتها لا تضمن انتاج ارهاب بالمفهوم الأمريكي، ناهيك عن أنه لا يوجد تعريف متفق عليه لظاهرة الارهاب.
  2. تعدد الأطراف الفاعلة داخل الدولة، وظهور فاعلين ما دون الدولة ينافسون سلطتها، مما يؤثر على السياسة الخارجية والبنية الداخلية للدولة، ويساهم في تقليص مساحة قدرتها على التحكم في مجالها السياسي والاقتصادي والاجتماعي. فلم تعد قدرات الدول هي محل الخلاف، بل أصبح الخلاف حول مصادر وأدوات وعمليات ادارة السلطة. ويشترك الفاعلون الجدد في تعبيرهم عن مصالح لجماعات داخلية عجزت الدولة عن التعبير عنها. ومن ناحية آخرى، قد يؤدي فشل الدول الى فقدان الثقة في المرجعية الدستورية الديمقراطية للنظم السياسية وظهور مرجعيات بديلة كالمرجعية الدينية، مما يغذي احتمالات اندلاع الصراعات.
  3. تقدم الدول الفاشلة وكذلك الدول التي في طريقها الى الفشل نماذج لانتهاكات حقوق الانسان، وتزداد حدة هذا البعد اذا قوبل بصمت دولي، وهو ما يطلق عليه الازدواجية السياسية بغية الحفاظ على مصالح القوى الكبرى. وبالرغم من اشارة الدراسات الى أن الدول الفاشلة ترتبط بقضايا انتهاكات حقوق الانسان، فهي تقوم بجهود مضاعفة لحماية حكم القانون في الوقت الذي تواجه فيه اتهامات بتعطيلها لحكم القانون.
  4. يعتبر ارتفاع معدلات النزوح من أبرز تداعيات فشل الدول، والذي قد يؤدي الى تزايد احتمالات القتال واندلاع العنف. في هذه الحالة، يكون من الأسلم تدخل منظمة مثل الامم المتحدة من خلال آلية حفظ السلام لاحتواء الأزمة قبل تفاقمها دون الحاجة الى اللجوء لمجلس الأمن لاستصدار تفويض للتدخل بأغراض انسانية بعد اندلاع النزاع.
  5. التأثير المحفز للدول الفاشلة للتهديدات الجديدة عابرة الحدود مثل التغير المناخي، وما يرتبط به من قضايا المياه، والامراض، والتوزيع السكاني، وتأثر قطاع الزراعة، والمياه الجوفية وغيرها من القضايا الجديدة.
  6. دور الدول الفاشلة في نشر السلاح. فانتشار الفساد ورخوية الحدود تم توظيفهم لدعم وجهة النظر القائلة بأن الأوضاع ساعدت على تحول الدول الى طرق مناسبة لعبور وتهريب الأسلحة البيولوجية والكيميائية والاشعاعية والنووية أو معداتها. فمن وجهة النظر الأمريكية، نجد أن مقياس وقفية السلام قد أظهر قوتين نوييتين باعتبارهما من أكثر الدول فشلاً وهما باكستان وكوريا الشمالية والتأكيد على ما تمثلانه من تهددي للأمن والسلام الدوليين، بما يخدم عمليات تسييس المفهوم لصالح الأهداف الأمريكية خاصة في عهد بوش الابن.
  7. دور الدول الفاشلة في نشر الجريمة الدولية حيث تستفيد المنظمات الاجرامية من المخابئ الأمنية التي توفرها هذه الدول، كما تستفيد من الدول الأقل فشلاً في اللجوء اليها والاختباء بها والقيام بعمليات غسيل الأموال. مما يكشف عن علاقة خفية بين الدول الأقل فشلاً والدول المتقدمة ذات المصلحة في تصنيفها بالفاشلة.
  8. دور الدول الفاشلة في خلخلة الاستقرار الاقليمي بسبب تدفق اللاجئين وزيادة معدلات تهريب الاسلحة وانهيار التجارة الاقليمية. الا أن الدراسة لاحظت اهمال الدور الذي يمكن أن يلعبه المجتمع الدولي لتوتر العلاقات بين القوى الاقليمية والدول المجاورة.
  9. تفاقم تبعات تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية وعدم مساهمة أي من نمطي العلاقة الخارجية (التبعية أو الاعتماد) في احداث أي تطور ايجابي في الداخل، مما يؤدي الى زعزعة الاستقرار في الداخل وتدهور الأوضاع على المدى البعيد، أي فشل الدولة برغم وجود مساعدة المجتمع الدولي.
  10. تمثل الدولة الفاشلة عائقاً أمام تطبيق برامج التنمية، والتي كان يتم التعامل معها من منطلق انساني وليس سياسي أمني. ونثير هذه الاشكالية تساؤلات حول كفاءة استخدام الدول التي حصلت على المساعدات لتلك المنح وقدرتها على توظيفها لكي تنتقل من كونها دولة فاشلة الى دولة أقل فشلاً.

 

المطلب الثالث

 تصنيفات الدول الفاشلة

جذبت ظاهرة الدول الفاشلة اهتمام جهات أكاديمية وسياسية عديدة -غالبيتها أمريكية- وقامت هذه الجهات بتصميم مقاييس لتصنيف الدول.

أولا: أشهر المقاييس التصنيفية للدول الفاشلة:

  • من القارة الأفريقية: (الكونغو- كوت ديفوار – ليبريا – نيجريا – زيمبتبوي – سيراليون – انجولا – تشاد – أفريقيا الوسطى – النيجر – اوغندا – رواندا).
  • من الدول العربية: (الصومال – العراق – السودان – اليمن – لبنان – جزر القمر).
  • وطبقاً لمقياس البنك الدولي: (الضفة الغربية وقطاع غزة).
  • من الدول الأسيوية: ( أفغانستان – باكستان – بورما – كوسوفو- نيبال – تيمور الشرقية – كوريا الشمالية – سيريلانكا).
  • من دول أمريكي اللاتينية: (كولومبيا – هاييتي).

ثانيا: أبرز الجهات الرسمية التي أعدت هذا النوع من المقاييس:

  • وزارة الخارجية الأمريكية: وكان الغرض من التصنيف المساعدة على تحديد المجالات ذات الاولوية التي يجب توجيه المساعدات اليها. وعادة ما تظهر الاولويات ذات الطابع الاغاثي في مقدمة الأولويات. ويوزع المقياس الدول الى أربع فئات وفقاً لشكل البرامج الملائمة الى: دول تحتاج الى اعادة بناءRebuilding ، ودول ناميةDeveloping ، ودول جديرة بالدخول في علاقة شراكةPartnership ، ودول توجه لها برامج خاضعة لشروط وقيودRestrictive.
  • المقياس الصادر عن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية: حيث أصدرت الوكالة دراسة بعنوان “قياس ضعف الدول” وترتب الدول من حيث ضعفها وفقاً الى 33 مؤشر تعبر عن جواني وظيفية سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية. ويتسم المقياس بالخصوصية حيث يصمم مؤشراته بما يتناسب واحتياجات البرامج التنموية في الوكالة وبما يخدم البرامج.

ثالثاُ: ابرز الجماعات ومراكز الفكر التي صممت مقاييس:

  • مؤسسة بروكنجز البحثية.
  • وقفية السلام ودورية السياسة الخارجية.
  • المقياس الصادر عن جامعة جورج ماسون.
  • مقياس برنامج الصراعات داخل الدول ومنعها وتسويتها بمركز بلفر بجامعة هارفارد.
  • مقياس البنك الدولي. (ولا يمكن اغفال تأثير الولايات المتحدة الأمريكية داخل البنك الدولي بالرغم من كونه منظمة أممية بالاساس).

 

تعقيب الباحثة على المقاييس سابقة الذكر:

  • تم تصميم بعضها لخدمة برامج التنمية لذا ركزت فيها على مؤشرات معينة على حساب مؤشرات اخرى.
  • بعضها تم تصميمه لأغراض أكاديمية بحتة، لذا ظهر فيها تأثير التيار السائد للمؤسسة الفكرية رغم اتباع منهج احصائي موضوعي.
  • تختلف الأهداف المصمم لأجلها المقاييس بحسب اطار عمل جهة البحث (تنموية – عسكرية – أكاديمية) وهو ما يبرر الاختلاف النسبي لترتيب الدول رغم اندراجها ضمن فئة فرعية واحدة من الفشل.
  • وبوجه عام، القدرة على الاستفادة من نتائج المقاييس هي القضية الأم، أي بما يخدم الاقتراب من المصدر الرئيسي للتهديد وارساء نظام للانذار المبكر.

رابعاً: التقسيات الفرعية للدول الفاشلة:

لا يوجد مقياس لا يتضمن تقسيمات فرعية تتراوح ما بين 4 – 5 فئات.ويندرج تحت الفئة الأولى الدول الأشد خطورة كالدول المستنفرة، والمنهارة، والمتطرفة، والتي تحتاج الى اعادة بناء. يليها الدول المنذرة بالخطر والفاشلة ودول حالات الفشل المرتفعة في الفئة الثانية. بينما الدول المتوسطة والضعيفة وذات الخطر الحقيقي والنامية في الفئة الثالثة. وآخيراً الفئة الخامسة حيث الدول التي يمكنها الدخول في شراكة والدول الأكثر استقراراً.

 

فائدة التقسيمات الفرعية:

  • المساهمة في تقديم آلية للانذار المبكر للمناطق المحتلة لتفجر الأزمات.
  • ترتب المجتمعات المعرضة للخطر حسب درجة خطورتها.
  • تقيس احتمالات وقوع صراع داخلي.
  • تهدف الى عرض الشروط اللازمة للبدء في جهود اعادة بناء الدول.
  • تقدم خريطة لمساعدة المجتمع المدني المحلي والدولي في توجيه برامج التنمية.
  • تلقي الضوء على تطور شكل النزاعات والصراعات وأسبابها على المستوى الدولي نظراً الى أن الدول الفاشلة تعد تربة خصبة لنمو الصراعات وما يرتبط بها من تهديدات كالجريمة المنظمة وانتشار الاسلحة وتدهور الوضع الأمني والبيئي والتطرف السياسي والفكري، مما يستدعي دوراً اقليميا ودولياً لمساعدة الدولة على مواجهتها.

الخاتمة

أهم النتائج التي توصلت اليها الباحثة

  1. أن الدولة الفاشلة كظاهرة تعكس في مجملها معضلة أكاديمية وتطبيقية تتمثل في أن الحالات الحقيقة تعجز عن تهديد الأمن والسلم الدوليين في ظل معاناة أغلب مواطنيها من القضايا الانسانية.

فعلى سبيل المثال، الدولة الفاشلة وعلاقتها بالجماعات الارهابية، حيث تبرز أغلب الدراسات أن الدولة الفاشلة هي موطن الارهاب ومن ثم تعد الخطر الحقيقي،وهو غير صحيح. فما يجعل من الدولة الفاشلة خطر محقق هو تنامي نفوذ قوة اقليمية، وتشابك التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والانسانية في ظل التدهور الامني الداخليـ مع وجود مصلحة لقوة كبرى في بقاء الوضع على ما هو عليه في هذه الدولة.

  1. وتتصاعد أهمية الظاهرة محل الدراسة وتتراجع وفقاً لأولويات المجتمع الدولي. وتتعامل الدول الكبرى مع حالات الدول الفاشلة على حسب المصالح. إن فشل الدولة يعد فرصة بينما انهيارها يعد عبئاً تحاول الدول الكبرى تفاديه مالم تدفع مصالحها في عكس هذا الاتجاه.

تقييم:

الاتفاق مع أغلب ما جاءت به الباحثة في الدراسة محل العرض حيث:

اعتمدت الدراسة آلية لمقاييس فشل الدول وهي الأنسب، والتي تعتمد على جمع كل المعلومات الخاصة بالدولة محل الدراسة ومؤشرات فشلها والدلالات علي ذلك، وترتيبها زمنياً واختيار التواريخ مع مراعات الخبرة التاريخية لهذه الدولة، والأحداث الفاصلة الأكثر تمييزاً خاصة الدلالات الدولية المؤثرة، كما أنه لابد من مراعاة خصوصية كل حالة.

عدم الاتفاق مع قول الباحثة أن الدولة الفاشلة كظاهرة تعكس في مجملها معضلة أكاديمية وتطبيقية تتمثل في أن الحالات الحقيقة تعجز عن تهديد الأمن والسلم الدوليين في ظل معاناة أغلب مواطنيها من القضايا الانسانية. حيث ينتقل دائماُ تأثير الفشل الى دول الجوار أولاُ، وتشير التقديرات الى أن 80 % من تكاليف الفشل تتحمله البلدان المجاورة. وتعتبر البلدان الفاشلة ايضاُ مصدر تهديد عالمي، بسبب التهديدات الأمنية، فتزدهر الجريمة المنظمة، وتقوم بأنشطة تدر عليها أرباح كاختطاف الأجانب أو تجارة السلاح والمخدرات. فعلى سبيل المثال، دولة مالي التي تعتبر نموذج للدولة الفاشلة، لها انعكاسات على محيطها الاقليمي (موريتانيا والجزائر والنيجر)

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button