دراسات سياسية

الديمقراطية إنجاز مجتمعي وليست ابتزازا خارجيا

عامر مصباح
جامعة الجزائر 3

تقضي المسلّمة الأساسية في التحول الديمقراطي أن هذا الأخير لا ينجح إلا في المجتمع الديمقراطي، الذي يتمتع بثقافة ديمقراطية ويسلّم بمبدأ الاعتراف بالآخر، وعلى درجة عالية من الوظيفية وتقسيم العمل إلى الدرجة التي يستطيع فيها الاعتماد على نفسه في القطاعات الحيوية أو التي عادة تسمى “بالقطاعات الإستراتيجية”، مثل مراكز الإنتاج الصناعي المتطورة، الزراعة المكتفية ذاتيا، والصناعة الحربية التي توفر حاجات الدفاع الضرورية للمحافظة على الإقليم موحدا وردع التدخلات الخارجية.
تدحض هذه الفرضية المحاولات الخارجية المتكررة -من قبل الأطراف التي تصنف نفسها أنها ديمقراطيات عريقة- لفرض الديمقراطية من الخارج بواسطة شعارات جذابة وغايات مشينة أو الأقل مغرضة تستهدف الشعوب التي تبحث عن إدارة شؤون نفسها بنفسها.
تنفذ عملية فرض الديمقراطية من الخارج بمقاربات مختلفة، مصففة من شن الحرب وتدمير الدولة (العراق عام 2003)، العقوبات الاقتصادية والعزلة الدولية (إيران)، دعم الحركات الاحتجاجية وخلق الفوضى (سوريا، ليبيا، اليمن)، دعم الحركات الانفصالية تحت ذريعة حماية الأقليات (تركيا)، خلق الإرهاب ومكافحته (العراق ومصر والجزائر)، تسريب الأموال القذرة للمعارضة (ليبيا والسودان ولبنان)، الشحن الإعلامي والشيطنة السياسية للحكومات التي لا تنصاع لخدمة مصالحها (فنزويلا)، الأعمال السرية مثل التخريب لخلق الفوضى وتشجيع الانقلابات العسكرية (تركيا 2016 والسودان 2019). من الناحية الإحصائية، أن معظم هذه الأنشطة تدعمها الحكومات الديمقراطية في الخارج وليس الاستبدادية.
في حالة فنزويلا، عندما لم تستطع القوى الديمقراطية أن تسقط الرئيس مادورو بالأدوات الديمقراطية، استخدمت العقوبات الاقتصادية، العزلة الدولية، الأعمال التخريبية مثل قطع الكهرباء، محاولة الاغتيال، محاولة انقلابية يوم الثلاثاء الماضي، والتهديد الأمريكي بالتدخل العسكري المباشر. السؤال الملح الذي يطرح هنا: هل الديمقراطية ملك للشعب أم للأطراف الخارجية؟ وما هي شرعية المعارضة التي تستعين بالخارج من أجل الوصول إلى السلطة؟
يمكن لكل هذه المقاربات أن تفشل أو على الأقل تكون غير فعالة عندما ينبت التحول الديمقراطي في مجتمع ديمقراطي ووظيفي، لكن في ضوء الحالات العربية فإن الطريق مازال طويلا.
إذا أخذنا حالة الحراك الشعبي في الجزائر، فإن المطالبة بتطبيق الديمقراطية لازالت مهمة صعبة في ظل عدة عوامل، أولها الغموض الذي يكتنف الأهداف الحقيقية للحراك، الأطراف التي تقف وراء التعبئة المستمرة، غياب الفواعل الرئيسية للديمقراطية والإطار الثقافي المناسب، غياب قيادة للحراك التي تستطيع أن تدير الحوار مع السلطة، وعدم مناسبة أدواته نسبيا (إسقاط الحكومة بالشارع دون وجود بديل ودون استخدام الأدوات الديمقراطية المعهودة التي تضمن استمرار الدولة والمجتمع موحدتين).
أكثر التحديات التي تواجه الحراك هي لجوء بعض الأطراف إلى الاستعانة بالخارج تحت ذرائع مختلفة، مثل اضطهاد الأقليات..

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى