الرؤية الاسرائيلية للأزمة الجزائرية المعاصرة

وليد عبد الحي

يمثل (INSS) او معهد دراسات الامن القومي الاسرائيلي احد ابرز المؤسسات البحثية المؤثرة في اسرائيل، وهو مركز تابع لجامعة تل أبيب، ونشأ كرد فعل على الفشل الاسرائيلي في توقع حدوث حرب اكتوبر عام 1973 بين سوريا ومصر ضد اسرائيل.
في شهري مارس وابريل من عام 2019 الحالي اصدر المعهد تقييما للوضع في الجزائر اثر نشوب ازمة ما بعد بوتفليقة والاعتراض على ترشحه لمرة خامسة، ويمكن تحديد الرؤية الاسرائيلية لهذه الازمة في المؤشرات التالية:
1- يرى التقرير ان تحليل الوضع في الجزائر مرتبط بشكل وثيق بالوضع العام في المغرب العربي من ناحية وانعكاسات الربيع العربي من ناحية ثانية.
2- يحدد التقرير خمسة اتجاهات مركزية تفسر الازمة الجزائرية وتحدد مساراتها خلال الشهور القادمة وهي:
أ‌- ان القوى المركزية في تشكيل بنية السلطة السياسية الجزائرية تنطوي على ” عدم اتفاق ” بينها على خليفة بوتفليقة وشكل السلطة السياسية، وهذه القوى هي ” القادة العسكريون، قادة الاجهزة الامنية، رجال الأعمال، النخب السياسية بخاصة قادة الاحزاب السياسية.
ويرى التقرير ان الجزائر تمثل بوصلة الاستقرار او عدم الاستقرار في المغرب العربي، لكنها حتى الآن نجحت في لجم تمدد عدم الاستقرار الليبي ومنعت تمدد الحركات الارهابية على طول منطقة دول الساحل وبالتالي حماية الجنوب الاوروبي من تداعيات ذلك. وقد تمكنت الجزائر من انجاز ذلك بسبب امتلاكها قوة ” خشنة” قوامها 460 الف عنصر من القوات المسلحة والاحتياطي والدرك.
ب‌- الأزمة الاقتصادية: ان الاعتماد المركزي في كل من الجزائر وليبيا على الريع النفطي والفشل في تنويع مصادر البنية الاقتصادية جعل هذه الدول رهينة اسعار النفط التي عرفت انخفاضا حادا بعد عام 2014، وهو ما جعل الاحتياطي النقدي الجزائري يتراجع بنسبة 50% ودفع الدولة نحو المزيد من اجراءات التقشف، كما ان الصراع في ليبيا بين طرفي الصراع الداخلي على من يتحكم في المناطق النفطية زاد من عبء المراقبة الجزائرية لحدودها مع ليبيا. اما في المغرب وتونس فإن الدول غير الريعية لم تتمكن هي الاخرى من ضبط الزيادة في معدلات البطالة بخاصة في المغرب التي يتحكم في اقتصادها ثلاث شركات ويصل معدل البطالة فيها الى 18% بينما تصل النسبة في تونس الى 36% التي تعرف ظاهرة عدم العدالة في توزيع الدخل بين اقاليم الدولة ، وقد ادت هذه الجوانب لاضطرابات في الريف المغربي وعدم استقرار حكومي في تونس ، فاصبحت الجزائر داخل دائرة من عدم الاستقرار، بخاصة مع هشاشة دول الساحل الافريقية جنوب الجزائر.
ت‌- الاسلام السياسي: يرى التقرير انه رغم الضربة الموجعة التي وجهت للاخوان المسلمين في مصر وبعض الدول العربية الاخرى، فهم يتواجدون بشكل واضح في بنية السلطة في تونس والمغرب ، وقد تزداد الامور تعقيدا اذا تقدم الغنوشي أو من يدعمه لانتخابات الرئاسة القادمة في تونس. ويبدو ان الدول العربية الاخرى بخاصة الجزائر اتجهت نحو دعم التيار السلفي غير المسيس لامتصاص بعض الشعبية من الاخوان المسلمين، والملاحظ في ليبيا ان السلفيين اضحوا أقرب لتيار خليفة حفتر الذي تسانده مصر ومجلس التعاون العربي وتغض الجزائر الطرف عن ذلك.
ث‌- الاسلام الجهادي: رغم هزيمة داعش وما تركته من مشاعر احباط بين ” الجهاديين “، لكن ذلك لا ينفي ان هذا التيار الجهادي سيواصل العمل في الشمال الافريقي، ورغم الدعم الامريكي للقوى المعارضة لهذا التيار فإن معدلات عمليات هذا التيار ازدادت نسبيا في ليبيا ، وهو امر له انعكاساته على المدى المتوسط والمباشر على الجزائر،بخاصة ان هذه المجموعات هي التي تنفذ العمليات ضد الوحدات التونسية في الهضاب التونسية الغربية، كما ان المغرب تعلن بين الحين والآخر عن اكتشاف خلايا لهذه التنظيمات التي اعلنت قبل فترة عن مسئوليتها عن قتل بعض السواح في المغرب.
ج‌- المتغير الاخير هو تنامي الدور الروسي في المغرب العربي:تواصل روسيا توسيع دائرة تمددها الجيواستراتيجي والاقتصادي والسياسي في المغرب العربي، فالمغرب منحت روسيا موطئ قدم على المتوسط ، وعقدت معها اتفاقيات في قطاعات الطاقة والبنية التحتية، ودعتها للقيام بدور الوسيط في النزاعات الاقليمية في المنطقة، وتعد الجزائر بالمقابل ثالث اكبر مستورد للسلاح الروسي في العالم بخاصة في مجال الاسلحة التي اثبتت فاعليتها في الصراع في سوريا، كما ان التقارير المختلفة تعزز الفكرة القائلة بمساندة تسليحية من روسيا لحفتر، كما ان روسيا تحاول مد الجسور مع مختلف القوى الليبية لضمان دور لها، وتسعى روسيا الى ملء الفراغ الذي تعتقد ان امريكا مقبلة عليه في هذه المنطقة، واعتبار المغرب العربي بوابة لروسيا في افريقيا.
ما هي الملابسات لاسرائيل:
ما يعني اسرائيل في هذه الصورة – طبقا للمعهد الامني الاسرائيلي- هو:
القلق من توفير هذه الاضطرابات موطأ قدم للجماعات الاسلامية المسلحة ذات التوجه العدائي لاسرائيل، لان ذلك يوفر الفرصة لتسلل عناصر واسلحة هذه الجماعات الى سيناء وصولا الى غزة . وعليه يجب ان تبني اسرائيل استراتيجيتها على اقتناص هذه الفرصة لخلق بيئة للتعاون الامني والاستخباراتي مع مصر لضمان حدودها الغربية ، ولعل الانفتاح التشادي الاخير على اسرائيل يقدم نموذجا لحاجة هذه الدول للعون الاسرائيلي ويمكن مده للآخرين من الدول الافريقية الاخرى والعربية.
وماذا بعد:
ستعمل اسرائيل بكل الطرق لعرض خدماتها على دول المغرب العربي بخاصة في المجالات التالية:
أ‌- المعلومات الاستخبارية حول القوى الداعمة للمقاومة الفلسطينية في كل دولة مغاربية والعمل على تحجيمها وتشويهها اعلاميا.
ب‌- المساندة في الولايات المتحدة من خلال اللوبي اليهودي لطرف من اطراف الصراع الداخلي في كل دولة من دول المغرب العربي مقابل انفتاح هذا الطرف تدريجيا على اسرائيل على غرار ما جرى مع دول مجلس التعاون الخليجي
ت‌- محاولة تحريك بعض الاقليات او المذاهب او خلق شقاق داخل المؤسسات العسكرية من خلال توظيف التحالفات الدولية مع الاطراف الداخلية.
ث‌- تعزيز العلاقات الاسرائيلية مع كل من تشاد والنيجر ، وتعميق التسلل داخل موريتانيا

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button