السودان الفريسة الجديدة

الدكتور محمد مراح

الأسوء من الانقلابات التي باتت إحدى ميزات السودان المعاصر ، أنه    ــ بعد ختل مدروس، فيما قد يستشف من تطور الوقائع والاحداث ــ للأسف الشديد قد  وقع فريسة بين أيدي القوى الإقليمية التي باتت معروفة مكشوفة، إذ أثبتت الأحداث في كل من سوريا وليبيا واليمن ، أن الدول المراد الدفع بها نحو ما خُطَط للمنطقة : إما تقسيما أو نكوصا إلى أسوأ مما هي عليه ، تمهيدا للأهداف الكبرى في المنطقة التي من أبرزها  : سهولة التصرف في خيراتها وثرواتها وإمكاناتها الطبيعية وربما البشرية ـــــ تسلَط أقلية تابعة للمركز العالمي على الأغلبية ـــــــ الفتَ في عضدها وإنهاكها ، بإضعاف قيمها الروحية والثقافية والتاريخية ـــــــ قولبة الأجيال الجديدة عبر التكنولوجيا الحديثة والوسائط التكنولوجية الاجتماعية الحديثة ـــ ترسيخ قيم جديدة خادمة لمشروعات هيمنة سوق العولمة الاقتصادية الخادمة الطيَعة للشركات العابرة للقارات ــ تهيئة الظروف الاجتماعية والسياسية والثقافية لقبول الكيان الصهيوني ، بوصفه مكونا طبيعيا في جسم المنطقة، مع ضمان استمرار تفوقه على باقي مكونات الجسم . وغيرها من الأهداف ، قلت : أثبتت الوقائع أن وقوع الدول المستهدفة ورقة أو فريسة بين أيدي القوى الإقليمية الشقيقة يجعلها عرضة لكل صنوف الفتك بها وإنهاكها وهدمها على نحو ربما يفوق وقوعها في أيدي الدول الاستعمارية العالمية.

 واختيرت دول إقليمية معينة لهذه المهمة الجديدة وفق معايير وخصائص صارت تتميز بها ، بعد تطورات كثيرة في المنطقة، وأحداث جسام عرفتها منذ الحروب الكبرى مع الكيان الصهيوني في الستينيات والسبعينيات واجتياح لبنان في الثمانينيات، ثم تحول الصراع المسلح المباشر معه من الدول إلى المنظمات والهيئات داخل دول { حزب الله } ، والمقاومة الفلسطينية ممثلة في حماس والجهاد والجبهة الشعبية .

 إذن أختيرت هذه القوى الإقليمية بناء على مميزات أهمها  منها :

 تركيبة هذه الدول الفكرية والثقافية والاجتماعية والتاريخية ساعد عليه   طفرة مالية قارونية ،  بسبب النفط والغاز من ناحية ،و من ناحية أخرى خصوصية العلاقة العضوية مع الدول الكبرى خاصة أمريكا وبريطانيا كما يعرف الجميع . فاهتدت القوى الكبرى  لإيجاد عامل في غاية الخبث ، ضامن ضمانا عضويا متينا لتنفيذ المطلوب ومزيد، ألا وهو اختلاق حالة حصار  بين دولة خليجية صغيرة وثلاث دول رصيفة لها، ودولة محورية عربية كبرى  في المنطقة .

وقد تجلى  تأكيد فعالية هذا العامل في المستجد السوداني، بسرعة هائلة ومكشوفة للعيان، تعسكها التصريحات والمواقف السياسية بقدر ما لدى هذه الدول، وبقدر أشد صخبا ووضوحا لدى أذرعها الإعلامية التي استعمرت الساحة الإعلامية العربية مُذ تمكنت إحداها ـــ مثلا ــ من كسب ملايين الجماهير العربية نحوها.

ومما يؤكد هذه الرؤية مثلا : التناقضات التي أفصحت عنها المعالجات الإعلامية لأحداث الأمس المفجعة الأليمة : فأصبحت هذه القناة الكبرى نصيرا للقوى المدنية هناك رغم الوضوح التام للتوجه اللائكي بل والشيوعي واليساري لقوى التغيير في السودان ، التي لا يمكن إخلاء طرفها من قدر من مسؤولية ما آلت إليه الأمور والقناة نفسها تكاد تكون محاميا  رسميا للإخوان المسلمين ووكيلا عنهم  في مأساتهم مع النظام المصري. وفي المقابل القناة الغريم لها  وسليلاتها نصيرا من طرف   خفي للمجلس العسكري الذي تؤيده الدول التي تعكس مواقفها وسياساتها سندا قويا وماليا داعما علنا مذ نجاحه في الإطاحة بنظام البشير على أيدي حوارييه .

كما أن الدولة التي تمثلها القناة الكبرى وتنطق بتوجهاتها في السياسة الخارجية ــ بطبيعة الحال لا غبي في الوجود الآن تنطلي عليه دعوى استقلال القناة انتسابا وملكية وتوجها ــ حوصرت ــ كما يدعى خصومها ــ بسبب مواقفها المساندة لقوى سياسية إسلامية كبرى .

إذن لا يمكن التفكير بسطحية : أن هذه اختيارت ومواقف يوجبها المبدأ مثلا، أو مجرد اداء إعلامي مهني محايد ، إنما هي في وجهها الظاهر قد تكون فرصة ذهبية لاستغلالها  ورقة تبدو رابحة هنا ، وقد تكون وبالا هناك وخسرانا مبينا للطرف الخصم، في سياق مسألة الحصار الذي يتضغضغ في حجور الأحداث المتقلبة، والسادة القيمين على شؤون أمتنا أمة القُصَر المهازيل . ووهي بالتالى فرصة مناسبة جدا للشروع عمليا في تهيئة أرض السودان جغرافيا وثرواته الطبيعية  والبشرية للمصير المنشود كما سبق القول ، من خلال التلاعب في تفاصيل الشيطان العتيدة .

   

نسأل الله الحفظ والستر، والتخفيف عن إخواننا في السودان، وتجنيبهم مصير الدول الأمثولات في المشهد.

كما أن هذا التطور المؤلم حالة صارخة النذير لنا نحن ، للشروع عمليا في آمن الوسائل والاختيارات لتجاوز أشدَ مواضع عنق الزجاجة حرجا في الأزمة ، بتغليب مصلحة الوطن و مصير الأجيال على العواطف والمواقف المتعنتة المتشنجة مهما يكن أطرافها . والذهاب إلى موقف الوطنيين الشجعان بالحلَ الدستو ــ سياسي للأزمة

فمسافة الأمان لا تزال متوفرة لنا ، والله ولي التوفيق لمن أخلص له وتوكل عليه وعزم أمره .

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button