السودان بين مطرقة كورونا وسندان الأزمة الاقتصادية

اعداد : أ. محمد فوزي  – باحث في العلوم السياسية

  • المركز الديمقراطي العربي

منذ تحديد فيروس كورونا المستجد أو ما يعرف أيضا ب ( Covid19 ) للمرة الأولى في يناير 2020 وتفشيه بسرعة رهيبة في العالم، ووصولا إلى انتشاره في القارة السمراء والتي وصلت (1) معدلات الإصابة فيها إلى 25131 مصاب و 1205 وفاة حتى يوم 21 أبريل، سادت حالة من الذعر والهلع في مختلف أنحاء العالم، ولكن هذه المخاوف تعززت في القارة الأفريقية وذلك في ضوء افتقار غالبية الدول الأفريقية للمقدرات الاقتصادية والمقومات الفنية والآليات التي تمكنها من التعاطي مع الفيروس بالشكل الذي يحقق المعادلة الصعبة المتمثلة في الحفاظ على صحة السكان من جانب، ومن جانب آخر الخروج بأقل الخسائر الاقتصادية التي لا تسبب جرحا كبيرا للدولة.

في هذا السياق أثيرت تساؤلات كبيرة وزاد الجدل في السودان مع اجراءات الحكومة الأخيرة المرتبطة بفيروس كورونا ومساعي الحد من انتشاره، وذلك في ضوء الأزمات التي تشهدها السودان خصوصا فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي، والمخاوف والتحذيرات من انهيار النظام الصحي السوداني أمام فيروس كورونا.

1-إلى أين وصل فيروس كورونا في السودان؟

منذ أعلنت السودان (2) عن ظهور أولى الحالات المصابة بفيروس كورونا منذ شهرينتقريبا، والمجتمع السوداني يعيش حالة تعتبر مزيج بين الذعر والخوف ككل بقاع العالم التي وصلها الفيروس هذا من جانب، وفي ذات الوقت حالة من ما يمكن تسميته عدم تقدير لخطورة الموقف أو إذا جاز القول “اللامبالاة” غير آبهين بإعلان الحكومة حالة الطوارئ الصحية في البلاد وكافة الإجراءات الاحترازية التي أعلنتها الحكومة سعيا لتحجيم الفيروس ومحاولة السيطرة عليه قبل تفشيه وانتشاره (3)، وهو الأمر الذي عكسته مجموعة من الممارسات كعدم الرضوخ لقرارات الحظر واستمرار حركة الناس وتفاعلاتهم التجارية بشكل مكثف، هذا فضلا عن عدم ملامسة تغيير واضح فيما يتعلق بسلوك الناس وعاداتهم تجاه بعضهم البعض أو بمعني أدق غياب “الثقافة الوقائية”.

الحاصل أن السودان كمعظم دول العالم لم تسلم من انتشار فيروس كورونا، حيث سجلت البلاد حتى اليوم 24 أبريل إلى  174 حالة إصابة، متضمنة 16 حالة وفاة، و 14 حالات شفاء، حسب ما أعلنته الحكومة (4)، والملاحظ أن أعداد الاصابات في ازدياد، وهو الأمر الذي ترتفع معه التوقعات والمخاوف من ازدياد في الاصابات قد يمهد لتفشي الوباء في البلاد، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى انهيار منظومتي الصحة والاقتصاد خصوصا، وهما المنظومتين اللتين تعانيان بطبيعة الحال من أزمة كبرى هذا فضلا عن باقي القطاعات.

2- كيفية تعاطت السودان مع الفايروس؟

بدأ التعاطي السوداني مع فيروس كورونا مبكرا من قبل الحكومة، وذلك فور بدء انتشار الفيروس في بعض دول الجوار مثل مصر وكينيا، فقد دفعت هذه التطورات الحكومة السودانية إلى اتخاذ (5) مجموعة من الاجراءات المهمة في منتصف مارس المنصرم، كان أهمها:

  • توجيه الجهات الأمنية بدعم وزارة الصحة لتنفيذ إجراءات الحجر الصحي بمراكز العزل والإيواء لعزل وفحص المخالطين الرافضين الخضوع للإجراءات المحجرية.
  • الاستفادة من المستشفيات العسكرية بالمركز والولايات كمراكز للإيواء ولتقديم الخدمات العلاجية
  • إغلاق رياض الأطفال والمدارس السودانية والأجنبية والخلاوي والمعاهد الدينية بجميع المراحل، ووقف المهرجانات والمعسكرات وفصول التقوية
  • تأجيل امتحانات شهادة الأساس في الولايات التي لم تجرى فيها لموعد يحدد لاحقا
  • إغلاق جميع الجامعات والكليات والمعاهد العليا ومؤسسات التعليم العالي الحكومية والخاصة والأجنبية
  • اتخاذ إجراءات وضوابط صحية إضافية بالسجون ومراكز الإصلاح
  • تكليف الوزارات والوحدات الحكومية والخاصة باتخاذ التدابير الكفيلة بتقليص الازدحام في مواقع العمل
  • منع التجمعات العامة في الأفراح والأتراح والمناسبات العامة
  • تشديد الرقابة على الأسواق العامة وضبط أسعار المواد التموينية والمستلزمات الطبية وغير الطبية
  • اجلاء المواطنين السودانيين العالقين بالمعابر مع جمهورية مصر العربية عبر معبر أرقين وإنشاء معسكر إيواء مؤقت وإجراء الفحص الطبي بواسطة فريق طبي متكامل

أعقب هذه الاجراءات والقرارات قرار مجلس الأمن والدفاع السوداني في اجتماعه بالقصر الجمهوري في السادس عشر من مارس، بفرض حالة الطوارئ الصحية في البلاد (6)، وإغلاق كل المطارات والمعابر باستثناء شحن المساعدات والشحن التجاري، هذا فضلا عن منح الطلاب والمتدربين في المعاهد العسكرية إجازة كإجراء احترازي، حتى وصلنا إلى إعلان مجلس الأمن والدفاع السوداني في الثالث والعشرين من مارس عن فرض حظر التجول في كل المدن السودانية (7)، اعتباراً من الثلاثاء 24 مارس، ثم جاء قرار السلطات السودانية في يوم 25 مارس  بالإفراج (8) عن 4217 سجينا كإجراء احترازي من تفشي الفيروس، وذلك بعد أن تم فحص جميع المفرج عنهم.

في سياق متصل وفي إطار الاجراءات الاحترازية التي اتخذتها السلطات السودانية أعلن (9) نصر الدين مفرح أحمد وزير الشؤون الدينية والأوقاف السوداني يوم الأربعاء 15 أبريل تعليق صلاة الجمعة والجماعات بكل المساجد في ولاية الخرطوم، وكذلك تعليق الصلوات بكافة الكنائس بالولاية، حيث شمل القرار كل الصلوات وكل الطقوس الدينية والقداسات، وفي خطوة مماثلة أعلنت وزيرة الشباب والرياضة السودانية ولاء البوشي (10)، إيقاف النشاط الرياضي في كل أرجاء البلاد، ضمن خطة الدولة لمواجهة فيروس كورونا.

وأخيرا وفي نفس السياق قرر (11) بنك السودان المركزي وقف التعامل المباشر مع العملاء في جميع المصارف العاملة في البلاد مشيرا إلى أن القرار جاء تماشيا مع توجهات الدولة الرامية للحد من انتشار عدوى فيروس كورونا.

جدير بالذكر أن الجهود المبذولة لمواجهة كورونا في السودان لم تقتصر على الحكومة والجهات الرسمية فقط، فقد أعلن (12) وزير رئاسة مجلس الوزراء عمر مانيس، أن (500) منظمة شبابية ومهنية تعمل ضمن المنصة السودانية لمواجهة “كورونا”، وقال إنها تبذل كل جهودها لتصنيع أجهزة التنفيس والمعقمات لمقابلة الإحتياجات الصحية للتصدي للجائحة، وأكد مانيس خلال الإعلان الرسمي عن المنصة السودانية لمواجهة كورونا بقاعة الصداقة عزم الدولة على التعاون مع المنصة للانتصار على الجائحة وتجاوز المحنة، فيما أكد ممثل القطاع الخاص هاشم مطر، مبادرتهم في اتحاد أصحاب العمل لدعم المنصة، ونوه بدور المنظمات المحلية والسودانيين العاملين بالخارج لابتدارهم التبرعات لمواجهة فيروس “كورونا” .

3- أهم التحديات التي تعوق السيطرة على الفيروس:

بالرغم من كم الاجراءات الاحترازية والجهود المبذولة طوال الفترات الماضية ومنذ بداية التعاطي السوداني مع فيروس كورونا إلا أن هنالك العديد من التحديات والأزمات التي تعوق مساعي السيطرة على الفيروس وتحجيم انتشاره، فبالرغم من أن سودان ما بعد البشير يعاني العديد من الأزمات التي قد يكون لها تداعيات سلبية فيما يتعلق بالسيطرة على جائحة كورونا مثل أزمات الوقود والنقص في الخبز وغاز الطبخ وغلاء الأسعار، والأزمات السياسية الأخرى المرتبطة بطبيعة وبنية المجلس السيادي الانتقالي، إلا أن وضع المنظومة الصحية في البلاد يقع على رأس هذه التحديات، فبالرغم من أن أعداد المصابين في السودان حتى الآن قليلة إذا ما قورنت بدول أخرى، لكن المخاوف تزداد يوما بعد يوم من انهيار منظومة الصحة في البلاد، هذه المنظومة التي تعاني بطبيعة الحال من إشكاليات وأزمات عدة، ففي الوقت الذي تشير فيه السلطات السودانية إلى أن استراتيجيتها في التعاطي مع كورونا تعتمد على تبني آليات واستراتيجيات وقائية، فإن أوضاع القطاع الصحي مأساوية وتنذر بخطر شديد، ففي بيان للجنة الأطباء المركزية بالسودان (13) أشارت اللجنة إلى أن ثمة 10 مستشفيات تعمل بأقل طاقمها، وأربعة أخرى في الخرطوم شبه توقف عملها نتيجة حجر أطقمها بعد الاشتباه في إصابتهم، وأكدت اللجنة في بيانها أن البلاد تواجه جائحة كورونا وسط نظام صحي رث يوشك أن ينهار، مشيرة إلى أن الكوارد والقائمين على منظومة الصحة يعانون كثيرا ويحاربون من أجل محاولات فرض الاستقرار، وذلك في ضوء شح الإمكانيات والتعدي المستمر عليهم، وهو الأمر الذي تكرر كثيرا في الفترات الأخيرة.

وأشارت اللجنة إلى أمر خطير وهو أن نزيف الكوادر الصحية قد بدأ بالفعل في البلاد، نتيجة عدم توافر مستلزمات الحماية الشخصية، وغياب نظام الفرز البصري، وكذلك فقد نوهت إلى أن هنالك مستشفيات تعاني وتعمل بأقل من طاقتها الكاملة، مع توقف بعض الأقسام، فيما تعمل أخرى بفرق أقل نتيجة حجر عدد كبير من كوادرها بسبب الاشتباه في اصابتهم، يضاف إلى ذلك عدم الالتحاق بالعمل في غياب وسائل النقل، هذا فضلا عن توقف بعض المستشفيات عن تقديم خدماتها لضرورة التعقيم، ووصولا إلى أزمة الوقود التي تمر بها البلاد وعدم وجود آليات واضحة لمعالجة هذه الأزمة التي تنعكس بالسلب على المنظومة الصحية وقدرتها على تقديم خدماتها وأداء مهامها، وهي الأمور التي تحمل في مجملها دلالات خطيرة تشير إلى احتمالية بلوغ منظومة الصحة مرحلة التوقف التام عن تقديم الخدمات الطبية وانهيار النظام الصحي ككل.

ويواجه السودان كذلك إشكالية أخرى ربما تعانيها كثير من البلاد، وهي إشكالية الوعي المجتمعي والموروث الثقافي والعادات والتقاليد التي تمثل في توقيت كالذي نعيشه تهديدا وخطرا كبيرا، حيث أشارت بعض التقارير (14) إلى أنه بالرغم من حالة الطوارئ المعلنة في البلاد، إلا أن شوارع السودان عصية على الإفراغ أو حتى تقليل التجمعات، والعادات الاجتماعية كالأحضان والسلام لا تزال مسيطرة على تعامل الناس مع بعضهم البعض، وتمضي قطاعات ليست بالقليلة في حياتها غير آبهة بالتحذيرات والإجراءات والخطر المحيط وكأن الفيروس محض سردية خيالية، وهو الأمر الذي يحمل في طياته ناقوس خطر كبير ربما نشهد نتائجه الكارثية في الفترات المقبلة.

4- الأزمة الاقتصادية:

يعاني السودان من أزمة اقتصادية كبيرة يرتبط بعدها الرئيسي بالديون الخارجية، وذلك في ضوء غرقه في هذه الديون وتضخمها وعدم قدرته على السداد في السنوات الأخيرة بسبب الفساد المستشري من جهة، وعدم وفاء بعض المنظمات الدولية بوعودها التي قطعتها بإعفاء السودان من الديون حال الوصول إلى صيغة لتحقيق السلام الشامل وخير مثال على ذلك مفاوضات نيفاشا 2005 هذا من جهة أخرى، وفي الأيام الماضية حدثت خيبة أمل كبيرة بالنسبة للشارع السوداني وذلك عقب خلو (15) البيان الذي أصدرته كريستالينا غورغييفا، المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، من إسم السودان، وهو البيان الذي تقرر بموجبه تخفيفٍ فوريٍّ لأعباء خدمة ديون 25 بلداً وذلك في إطار استجابة الصندوق الرامية إلى مساعدة البلدان الأعضاء في التغلب على تأثير جائحة كوفيد-19، وهو الأمر الذي زاد من أعباء السودان في مواجهة الجائحة، وفي مقال له في جريدة الصيحة السودانية (16) بعنوان ( وباء الكورونا وتداعياته الاقتصادية: قراءة أولية ) أشار التجاني الطيب إبراهيم وزير الدولة للمالية فى حكومة الصادق المهدي (الديمقراطية الثالثة)، الاقتصادي السابق في صندوق النقد والبنك الدوليين، إلى أنه وفق تداعيات كورونا المحتملة عالمياً ومحلياً، فإنَّ نمو الاقتصاد السوداني سيكون سالباً بنسبة 3 في المئة على أقل تقدير، ما يعني مزيداً من البطالة والفقر. كما أن عدم تمكن المنتجين من الحصول على مدخلات الإنتاج والمستهلكين من الوصول إلى الأسواق بسبب الحجر المنزلي والتباعد الاجتماعي قد يؤدي إلى أزمة غذاء عالمية، ما سيؤثر سلباً في فاتورة الواردات الغذائية. وكذلك النقص في الإيرادات العامة نتيجة تباطؤ الاقتصاد المحلي المتوقع، سيشكل تحدياً حقيقياً لبلد أقعدته الحرب والصراعات والدولة الرخوة، كما أوضح أنَّه يُتوقع أن يتأثر الاقتصاد السوداني باحتمال تراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والصادرات وتحويلات المغتربين السودانيين بالإضافة إلى التأثير السلبي للركود الاقتصادي في الدول المتقدمة والناشئة والنفطية على مساعداتها للسودان، لأن الضغوط الداخلية في تلك الدول قد تضطر حكوماتها إلى خفض مساعداتها أو وضع شروطٍ بشأنها لزيادة نفوذها السياسي والاقتصادي.

والحاصل أن السودان ينتظره أعباء اقتصادية جديدة تضاف إلى أزمته الموجود بطبيعة الحال، وذلك في ضوء الاجراءات المتبعة للتعاطي مع كورونا والتداعيات السلبية المترتبة عليها.

الخاتمة:

ختاما يمكن القول إنه في ضوء محددات رئيسية كالوضع العام للمنظومة الصحية في السودان وقدرته الاستيعابية، وردرود الفعل والتعاطي الحكومي والمجتمعي، هذا فضلا عن الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها السودان، فإن الأمور تسير في اتجاه ينذر بخطر شديد، وهو الأمر الذي يقتضي من السلطات السودانية محاولة وضع استراتيجية شاملة تحاول من جانب اتخاذ نمط تعاوني خصوصا مع الدوائر الخارجية، ومن جانب آخر تحاول ضبط الأوضاع داخليا والسيطرة عليها بقدر الإمكان وعدم الوصول إلى مرحلة الانفجار، بما يضمن الخروج بأقل الخسائر وتفادي السيناريوهات المروعة التي ستكون نتاج طبيعي لتفشي الفيروس.

المراجع:

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button