تحليل السياسة الخارجيةدراسات شرق أوسطيةنظرية العلاقات الدولية

السياسة الخارجية الأمريكية اتجاه منطقة الشرق الأوسط بعد الحرب الباردة : دراسة مقارنة

يكتسب موضوع السياسة الخارجية الأمريكية اتجاه إيران أهمية قصوى في الدراسات الأكاديمية، باعتبارها الدولة المسيطرة على مختلف تفاعلات و تحولات السياسة الدولية ، فقد تطورت عقيدة السياسة الخارجية الأمريكية عبر مجموعة من التحولات اكتسبتها لحفاظها على مصالحها في أي نقطة من العالم ، باستخدام مختلف الوسائل المتاحة لضمان استقرار هيمنتها على العالم كما تتحكم في السياسة الخارجية الأمريكية مجموعة من المؤسسات الرسمية و غير الرسمية و مختلف العوامل التي تحددها بيئتها الداخلية و الخارجية ، كما أن السياسة الخارجية الأمريكية تعتمد أيضا على مجموعة من النظريات المفسرة لها ، و التي يعتمدها التياران المسيطران على الحياة السياسية في الدولة و هما الحزبان الجمهوري و الديمقراطي، و استهدفت السياسة الخارجية الأمريكية العديد من مناطق العالم خاصة منطقة الشرق الأوسط لما لها من أهمية جيوإستراتيجية كبيرة، و عليه فالمشكل المطروح يتمثل في، فيما تتمثل التغيرات و الثوابت في السياسة الخارجية الأمريكية اتجاه منطقة الشرق الأوسط؟

و للإجابة عن الإشكالية نطرح الأسئلة الفرعية التالية:
– ما هي محددات السياسة الخارجية الأمريكية
– ما هي أهمية موقع منطقة الشرق الأوسط؟
– ما هي التغيرات و الثوابت في السياسة الخارجية الأمريكية اتجاه الشرق الأوسط

و للإجابة عن الإشكالية و الأسئلة الفرعية نقوم بطرح الفرضية التالية:

– شهدت السياسة الخارجية الأمريكية تغيرات كثيرة في العديد من المستويات خاصة اتجاه منطقة الشرق الأوسط.

و لقد ارتأينا أن نقدم هذه البطاقة في المحاور الأساسية التالية:

أولا- لمحة عن السياسة الخارجية الأمريكية و محدداتها.
ثانيا- دراسة جيوإستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط
ثالثا- التغيرات و الثوابت في السياسة الخارجية الأمريكية اتجاه منطقة الشرق الأوسط

أولا- لمحة عن السياسة الخارجية الأمريكية و محدداتها.
– مراحل تطور السياسة الخارجية الأمريكية:

المرحلة الانعزالية: منذ إعلان الاستقلال الأمريكي عام 1776 اختار الآباء المؤسسون ما دعوه سياستهم الحكيمة الداعية إلى الانعزال وعدم الانخراط في القضايا العالمية والصراعات الدولية خاصة الأوروبية[1].

– مرحلة الحربين[2]:
اعتبرت الولايات المتحدة الأمريكية الحرب العالمية الأولى حربا أوروبية لا مصلحة لها فيها ،وكان حيادها في الحرب تكفل لها ميزة التعامل الاقتصاد مع جميع الأطراف، ولم يكن التدخل الأمريكي في الحرب إلا بعد تنفيذ ألمانيا بعض العمليات العسكرية ضد الملاحة الأمريكية التي أدت التي إلحاق الضرر بشركة الملاحة الأمريكية وكان التدخل الأمريكي عاملا حاسما في هزيمة دول المحور، ومن جهة أخرى أدى التدخل الأمريكي في الحرب العالمية الأولى إلى إدخال مفاهيم جديدة في السياسة الدولية أهمها :الدبلوماسية العلنية حرية التجارة ،حق تقرير المصير،و ذلك ما تضمنه مبادئ “ولسن 14 ” الذي أعلن عنها قبل الحرب العالمية الأولى في 08 جانفي ، 1914 وذا تكون الولايات المتحدة الأمريكية العالم الرأسمالي وتمكنت من تجنب التأثيرات السلبية للأزمة الاقتصادية العالمية بنسبة كبيرة.

– مرحلة الحرب الباردة[3]:
في هذه الفترة انفتحت الولايات المتحدة الأمريكية بشكل كبير على العالم الخارجي ،و أصبحت لها مصالح في أغلب مناطق العالم، كما برزت أهميتها بعد استعراضها لقوتها النووية في تفجير هيروشيما و ناكازاكي ، خاصة بعد تقديم المساعدات لتركيا واليونان 1947 بعد عجز بريطانيا على ذلك،

وفي هذه المرحلة وجدت الولايات المتحدة الأمريكية نفسها في مواجهة قوة عالمية عظمى يمثلها الاتحاد السوفيتي وفي مواجهة هذا الخطر الشيوعي اتبعت الولايات المتحدة الأمريكية عدة استراتيجيات أبرزها:

– سياسة الاحتواء.
– سياسة الرد الشامل.
– سياسة حرب النجوم.
– مرحلة ما بعد الحرب الباردة[4]:

وهي مرحلة القوة المهيمنة :تميزت هذه المرحلة بانهيار الاتحاد السوفيتي وانفراد الولايات المتحدة الأمريكية بالقطبية الأحادية، وهي مرحلة زيادة استعمال القوة العسكرية من طرف الولايات المتحدة الأمريكية وانتصار الثقافة الأمريكية والأسلوب الاقتصادي الليبرالي الأمريكي أو ما يعرف بنهاية التاريخ ،كما عبر عنها ” فرانسيس فوكوياما”بطغيان النموذج الليبرالي الأمريكي أو ما يسمى بأمركة العالم”.

ثانيا- دراسة جيوإستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط
– مفهوم الشرق الأوسط[5]:

وترى موسوعة السياسة أنه مصطلح غربي ، كثر استخدامه إبان الحرب العالمية الثانية و يشمل منطقة جغرافية تضم سوريا و لبنان و فلسطين و الأردن و الخليج و العراق و مصر و تركيا و ايران و تتوسع وترى موسوعة السياسة انه مصطلح غربي استعماري ،كثر استخدامه إبان الحرب العالمية الثانية وهو

يشمل منطقة جغرافية تضم سوريا ولبنان وفلسطين والأردن والعراق والخليج العربي ومصر وتركيا وإيران وتوسع لشمل أفغانستان وقبرص وليبيا أحيانا، وتضيف بأن المقصود من إطلاق هذا المصطلح لإدخال دولة غير عربية عليه تجنب استخدام مصطلح مثل المنطقة العربية ونزع صفة الوحدة العربية عنها.

ويعرف القاموس السياسي “الشرق الأوسط”: بأنه اصطلاح جغرافي يطلق على الإقليم الذي يضم

الدولة الأسيوية والإفريقية المتجاور ة القريبة من أوروبا ويطل أكثرها على البحر المتوسط وتشمل: إيران والعراق والجزيرة العربية ثم تركيا وسوريا ولبنان وفلسطين والأردن ومصر وليبيا وجمع هذه الدول عربية وإسلامية، وكان أكثرها إلى عهد قريب ضمن مناطق النفوذ البريطاني والفرنسي.

– خصائص إقليم الشرق الأوسط[6]:
يختص إقليم الشرق الأوسط بعدد من العوامل التي تظلل على معالم الوحدة فيه.
1- العناصر الطبيعية التي أعطت الإقليم صفاته الرئيسية، ومنها البنية الجيولوجية والتركيب الصخري إذ انه عنصر فعال في قوة أو ضعف التركيب السياسي في الشرق الوسط
2- عدم الاستقرار والاضطرابات التي تتعرض لها منطقة الشرق الأوسط مما جعلها مسرحا لحروب وصراعات كثيرة، واستمرار معاناة عدد من دوله من الاحتلال والتدخلات والضغوط الأجنبية وبروز العديد من الأزمات بين بعض الدول فيما بينها إضافة إلى المشاكل الداخلية للعديد من الدول التي تعاني الكبت واحتكار السلطة وتدني المستوى الاقتصادي.
3- انتشار أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط.

– الأهمية الاقتصادية للشرق الأوسط[7]:
يتمتع الشرق الأوسط بموقع استراتيجي و جيوسياسي حساس بالنسبة للمنافذ المائية والبرية وتتمتع

بمقدرات اقتصادية ونفطية ومالية هائلة حيث تعتبر هذه المنطقة نواة النفط العالي ومصدر قوة الحياة الصناعية، و أصبح الشرق الأوسط ميدانا تتنافس الدول على استثمار موارده، حيث نشطت أعمال البحث عن البترول في الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الأولى حيث كان هذا النشاط من نصيب الأمريكيين ففي 1931 تكونت شركة بترول البحرين لاستغلال هذا المورد الجديد وفي 1935 حصلت الولايات المتحدة الأمريكية على امتياز البحث عن البترول في الخليج العربي، كما نال الأمريكيون أيضا من الحكومة المصرية امتيازات بترولية في 1937 شرق قناة السويس وتعد السبعينيات عصرا زاهيا لمنطقة الشرق الوسط إلا أن ومع بداية الثمانينات تحول سوق النفط الدولي ونتيجة للحرب العراقية الإيرانية إلى سوق مسيطر عليه ،حيث انخفض حجم الإنتاج النفطي في الوطن العربي في تلك الفترة من 21 مليون برميل يوميا إلى 10 مليون برميل يوميا، إضافة إلى اكتشاف النفط والذي يعتبر أهم عامل لأهمية منطقة الشرق الأوسط.

ثالثا- التغيرات و الثوابت في السياسة الخارجية الأمريكية اتجاه منطقة الشرق الأوسط[8]

يستطيع المتتبع للأحداث أن يلحظ أن اندلاع ثورات ما سمي بالربيع العربي جعل واشنطن تتعامل بازدواجية المعايير تجاه الأحداث، فعلى سبيل المثال لم تتخل الإدارة الأمريكية عن مصر كدولة حليفة سابقا فحسب، بل فرضت عليها طوق العزلة وقطعت عنها برنامج المعونة، وذلك في أعقاب سقوط حكم الرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي، ورفضت الاعتراف بالترتيبات الدستورية الجديدة.

ووضحت ازدواجية المعايير الأمريكية، ففي حين تتفق مع المملكة العربية السعودية في دعم المعارضة السورية فإنها تختلف معها في تأييدها للتحولات في مصر، إضافة إلى التنازل عن التهديد الايراني لأمن الخليج العربي بعد أن غيرت موقفها الذي عكسه التقارب الأخير مع طهران. والأمر الذي يزيد من حيرة المتابعين للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط محاولاتها وسياستها المعلنة في محاربة الإرهاب وتعقب عناصره، في حين تقوم بدعم الإرهاب، ويبدو ذلك واضحاً في تحالفها مع الجماعات الإسلامية في المنطقة، وكشف ذلك التحالف عدم إيمانها بقضايا حقوق الإنسان وأنها ظلت تحملها لافتة تلاحق بها الدول، فقد غضت البصر عن أعمال إرهابية استهدفت أمن واستقرار المواطنين في مصر.

ويرى الخبراء أن محطة الانتكاسات الأمريكية في الشرق الأوسط بدأت بالتحالفات مع تيارات الإسلام السياسي بالمنطقة، بعد أن راهنت واشنطن عليها كحليف بديل للأنظمة البائدة، لا سيما مع بزوغ هذا التيار كفاعل رئيسي بعد ثورات الربيع العربي، ولكن بمرور الوقت تعرض حكم الإسلاميين لمأزق فعلي (خاصة في مصر وتونس، ليصل في نهاية المطاف إلى إسقاط الاخوان المسلمين في مصر في 30 جوان الماضي، وهو نفس السيناريو القريب الذي حصل في تونس).

وفي هذا الصدد يقول مصطفى اللباد مدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية “أدركت واشنطن أن تيار الإسلام السياسي هو الجواد الرابح في هذه الانتفاضات، فوضعت رهانها على هذه الجماعات أملاً في تحجيم دور الإرهاب والجهاد العالمي، لكنها لم تتوقع فشل سقوط حليفها الجديد في المنطقة (جماعة الإخوان المسلمين)، وهو ما جعلها تعيش صدمة مازال تأثيرها يلقي بظلاله على صانعي القرار الأمريكي”.

ظلت سياسة واشنطن تجاه مصر غير واضحة، فتارة تقف إلى جانب السلطات المصرية وتدعوها إلى مواصلة حربها ضد الإرهاب، وتارة تؤيد تظاهرات جماعة الإخوان المسلمين، وتصفها بالمشروعة لتحقيق مطالبهم ضد السلطة المؤقتة.

[1] لزهر وناسي، “الإستراتيجية الأمريكية في آسيا الوسطى و انعكاساتها الإقليمية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001″، ( مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية، فرع العلاقات الدولية و الدراسات الإستراتيجية، جامعة الحاج لخضر باتنة، كلية الحقوق، قسم العلوم السياسية،2009)، ص ص، 28

[2] قاسم أسماء أينة، “التوجهات الجديدة للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه إيران و انعكاساتها على دول المنطقة 2003-2014″، (مذكرة لنيل شهادة الماستر في العلوم السياسية، جامعة الجيلالي بونعامة خميس مليانة، كلية الحقوق و العلوم السياسية، قسم العلوم السياسية، 2015)، ص17.

[3] قاسم أسماء أينة، “التوجهات الجديدة للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه إيران و انعكاساتها على دول المنطقة 2003-2014″، مرجع سابق ص18.

[4] قاسم أسماء أينة، “التوجهات الجديدة للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه إيران و انعكاساتها على دول المنطقة 2003-2014″، مرجع سابق،ص 19.

[5] عبد الوهاب الكيالي وآخرون، موسوعة السياسة، الجزء الثالث ، (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1993 )، ص 45.

[6] قاسم أسماء أينة، “التوجهات الجديدة للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه إيران و انعكاساتها على دول المنطقة 2003-2014″، مرجع سابق ص110،111.

[7] ،1992 ، 2)- محمد أزعر، “السياسة الأمريكية اتجاه المنطقة العربية والتوازنات ما بعد حرب الخليج” ، مجلة مستقبل العالم الإسلامي، العدد 7 )
. ص 75

[8] أحمد علي، الثابت والمتغير في سياسة أمريكا تجاه الشرق الأوسط بعد الربيع العربي، الموقع الالكتروني، http://www.albasrah.net ، تم التصفح يوم: 2017-03-

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى