دراسات سياسيةنظرية العلاقات الدولية

السياسة السعودية: محاولة للفهم

وليد عبد الحي

تتفق كل دول العالم في سياستها على ثلاث أولويات ، لكنها تختلف على ترتيب هذه الاولويات من حيث الأكثر اهمية ، وتتمثل هذه الاولويات في : أمن النظام السياسي، وأمن المجتمع، وأمن الدولة، ويمكن تحديد السمة المركزية في كل من هذه الاولويات الثلاث على النحو التالي:
أ‌- أمن النظام: ويعني البقاء في السلطة لأطول فترة ممكنة.
ب‌- أمن المجتمع: ويعني تحقيق التطور بقطاعاته المختلفة وضمان تماسك البنية المجتمعية
ت‌- أمن الدولة : ويعني الحفاظ على الاقليم وعدم استقطاع أي من مكوناته الجغرافية أو موارده
لكن الخلاف بين دول العالم هو في ترتيب الأولويات ، أي ما هي الاولوية التي تعلو على غيرها وبالتالي يتم تكييف الأولويتين الأخريين لصالحها، أي ان الاولوية الأعلى تخضع لها بقية الاولويات، فمثلا تعلو أولوية أمن النظام على أمن الدولة او المجتمع في كل الدول الديكتاتورية كالدول العربية، وتعلو أولوية أمن المجتمع على غيرها في الدول الديمقراطية، بينما يعلو أمن الدولة على غيره في الدول الملتبسة مثل اسرائيل وتايوان ..الخ.
وهنا لا بد من التنبيه لنقطة في غاية الاهمية،وهي ان الأولوية العليا لا تعني بأي شكل من الأشكال الغاء او التضحية بالأولويتين الأخريين، بل يتم تكييف وتبرير السياسات في الاولويتين الأخريين بكيفية تخدم الأولوية العليا، أي اخضاع الأدنى من الاولويات للأعلى منها.
أين تقع السعودية في هذه الأولويات:
يبدو لي ان الأولوية الأعلى في السياسة السعودية هي لأمن النظام، وبالتالي تكييف ألأمنيين الآخرين لصالح هذا البعد، وأمن النظام يعني بقاء الاسرة الحاكمة في السلطة ، وعليه فإن أي سلوك سياسي أو أي سياسات مجتمعية او علاقات دولية أو تحولات داخلية يجب ان تتكيف مع هذا الهدف المركزي بل وأن تخضع له..
ذلك يعني أن أية قوة ذات توجه تغييري للنظام سواء أكانت محلية أو اقليمية أو دولية ستجد نفسها في مواجهة مع السعودية ويتم اخضاع كل المتغيرات الأخرى لصالح لجم القوى التغييرية سواء أكانت هذه القوى دينية او قومية او يسارية أو ليبرالية، ويجب اخضاع السياسات التنموية او شبكة العلاقات الدولية لصالح متغير “أمن النظام” أي البقاء قي السلطة، وهنا قد يقول قائل ان كل النظم تعمل على بقائها ، وهذا صحيح ولكن مثلا في الدول الديمقراطية معيار اختيار الحاكم والتداول على السلطة هو بمقدار انجاز الاولويتن الاخريين وهما امن المجتمع وأمن الدولة، فالمجتمع – لا النظام – هو من يحدد من يبقى في السلطة ومن يغادرها، ومعياره في ذلك هو مدى تحقيق امن المجتمع وأمن الدولة.
وبنظرة تاريخية مقتضبة نجد أن آل سعود –كسلطة- وقفوا تاريخيا ضد أي قوى تغيير بغض النظر عن هوية او توجهات هذه القوى، فقد وقفوا ضد كل التوجهات التي تنطوي على تغيير جيواستراتيجي في المنطقة،وهو ما يتضح في موقفهم من الهاشميين عندما تم طرح مشروع الحسين بن علي ، أو في موقفهم ضد الناصرية والبعثية ، وهاهم يقفون ضد الحركات الاسلامية وعلى رأسها الاخوان المسلمين بعد ان شعروا بتمدد هذه الحركة في أوصال الجسد العربي بخاصة ان البيئة السعودية تشكل موضع جذب لهذه الثقافة السياسية، وقد بنت السعودية علاقاتها وتحالفاتها مع القوى الداخلية او الاقليمية او الدولية على اساس المعادلة التالية: ترتيب القوى الخارجية والداخلية طبقا لقوة تهديدها لأمن النظام ، والعمل على تحطيم او لجم القوة الاكثر تهديدا لأمن النظام بالتحالف مع مختلف القوى الاخرى بما فيها التي تهدد النظام السعودي بدرجة أقل، ولنلاحظ ما يلي:
1- الوقوف الى جانب العراق(صدام حسين) ضد الثورة الايرانية للشعور بان مكامن الخطر على النظام هي الاعلى في ايران منها في الخطر العراقي، لكنها وقفت ضد صدام حسين عندما اصبح على حدودها، بل واقتربت من ايران قليلا خلال تلك الفترة، رغم ما كلفته هذه التحولات لكل من المجتمع السعودي والدولة السعودية من تكاليف .
2- الوقوف مع الاخوان المسلمين واحتضانهم ضد الناصرية لاسيما فترة الستينات من القرن الماضي، ومع انحسار المد القومي –الناصري والبعثي- وتزايد الهواجس من التهديد الاخواني للنظام ، اعتبرت السعودية حليفها السابق(الاخوان) حركة ارهابية بما فيها حركة المقاومة الفلسطينية حماس.
3- شكلت الوهابية الأطار الشرعي لتبرير المكوث في السلطة، وعندما بدأت بعض التيارات الدينية التي نهلت من الثقافة الوهابية تتقارب مع تيارات دينية اخرى ، شعر النظام السياسي أن هذه التيارات قد يراودها حلم السلطة كما حدث في تونس ومصر في مرحلة من مراحل ما سمي بالربيع العربي، كما ان تصدر الاخوان المسلمين لاغلب الانتخابات في الجزائر (التسعينات من القرن الماضي) والاردن ومصر وفلسطين..الخ، جعل النظام السياسي يشعر بالتهديد من هذه القوى لا سيما مع تزايد المطالب الغربية بضرورة تعديل المناهج والاتهامات للسعودية في بعض المؤسسات الغربية بدعم الارهاب، هنا اصبحت هذه الحركات موضع تهديد –او هكذا استشعر النظام السعودي- فبدأ بالاعتقال وصولا لأحكام بالاعدام بعضها تم بالمنشار..وهو أمر خلق ردة فعل مجتمعية، لكن النظام يعطي اولوية امنه على اولوية امن المجتمع..
4- تقديم الاموال للدول الغربية (تجارة وسلاح وعمولات واستثمارات وبترول..الخ) مقابل المساندة لبقاء النظام في ظل أي رياح تغييرية، فالسعودية تقبل العون لبقاء النظام لكنها لا تقبل العون لتطور المجتمع (القيم الديمقراطية والعلمانية..الخ).
5- أن موقفها من اسرائيل له صلة بمعادلة امن النظام، فالموقف السعودي من اسرائيل مرتبط بالموقف الامريكي، وعندما شعرت بأن الاقتراب من اسرائيل يعزز أمن النظام في ظل التحولات الاقليمية والدولية ذهبت لاسرائيل بطريقة تدرجية رغم أن المجتمع السعودي لا يرى اسرائيل إلا امتدادا ليهود بني قريضة.
6- وقفت السعودية مع الأمامية في اليمن (الزيديين الشيعة –الحوثيين ) خلال ثورة السلال، لأن الامامية كانت جزءا داعما لأمن النظام السعودي خلافا للناصرية، وبعد التغير اصبح ” الزيديون ” عملاء ” للتشيع الإيراني ” ..واصبح الضغط على المنطقة الشرقية لا سيما في القطيف دليل على أولوية أمن النظام على امن المجتمع الذي يمكن تحقيقه من خلال تمتين الجسور بين مذاهب وتنوعات المجتمع الثقافية لا بتسعير نار التباين الذي يخدم امن النظام.
7- تُعد السعودية واحدة من أقل دول العالم في الحراك الاجتماعي والسياسي ، فهي بدون دستور ولا نقابات ولا أحزاب بل تُعد واحدة من اقل دول العالم في عدد المسيرات او المظاهرات من قبل المجتمع، لأن النظام يرى في أي تنظيم اجتماعي او سياسي او حتى ثقافي تهديدا لأمنه، بل ان الدعوة الوهابية لم تعرف شكلا تنظيميا الا من خلال جهاز هو اقرب للجهاز الأمني (هيئة الامر بالمعروف) وهدفه أمن النظام بالشكل الذي يعزز من بقائه، وتم تفكيك هذا الجهاز في اطار استشعار المخاوف من التنظيمات الدينية.
8- السعودية ضد الشيعة( لأنهم ضد السنة)، ولكنها ضد الأخوان المسلمين السنة، وضد تركيا السنية وقطر الوهابية وحماس السنية…الحقيقة ان الامر هنا مرتبط بأن ما يجمع هؤلاء هو انهم ” قوى تغييرية” بغض النظر عن مضمون او جدوى هذا التغيير ، وهذا يكفي ان تقف السعودية ضدهم..زبل هي تحاول اقناع دول يحظى فيها الاخوان المسلمين بالشرعية لخلع الشرعية عنهم…لماذا؟
الخلاصة: ان حركة التاريخ تشير الى ان الدول التي تجعل أمن المجتمع هو الأولوية هي التي تمكنت من التطور والبقاء، اما الدول الملتبسة فهي اسيرة الظرف الدولي والاقليمي، اما من يجعل امن النظام هو الاعلى فهو في تضاد مع حركة التاريخ.
إن أية محاولة لتفسير السياسة السعودية بعيدا عن أولوية أمن النظام واخضاع أمن المجتمع وامن الدولة لها لن تثري المعرفة السياسية، فهي دولة معنية بالابقاء على النظام في كرسي السلطة من ناحية وتدير علاقاتها من ناحية اخرى على اساس ما يخدم هذا الهدف المركزي، ونتمنى للدولة والمجتمع السعودي كل الخير والرفاه والتوفيق من خلال تعادلية الأولويات لا من خلال طغيان أحدها.

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى