دراسات سياسية

الصحراقراطية – وليد عبد الحي

العلاقة بين السلوك السياسي وخصائص الطابع القومي من ناحية والبيئة الجغرافية من ناحية ثانية أمر قتله علماء الجيوبولتيك بالبحث والتحليل ، وسبقهم في ذلك أفلاطون وابن خلدون وصولا للنظريات الهيدروليكية وتفسيرها للاستبداد الشرقي ..وغيرهم.
فإذا علمنا ان الوطن العربي بمساحته التي تصل الى حوالي 13,8 مليون كيلومتر مربع (72,5 في افريقيا و 27,5 في آسيا)، فإن الصحراء تمثل أكثر من 82% من مساحة الوطن العربي بينما السهول لا تزيد عن 6% من المساحة العربية ، والملفت للنظر ان لبنان هي الدولة العربية الوحيدة التي ليس فيها صحراء، بينما الدول الباقية تلفها الصحراء ، وهنا يتسلل سؤال محدد: هل هناك علاقة بين الصحراء العربية والاستبداد السياسي العربي؟ وهل لها علاقة واضحة ومحددة بعمق التخلف السياسي العربي من استبداد وقبلية وعدم قدرة على التطور الموازي لتطور الآخرين؟
أعلم ان الكثير من الباحثين تناولوا هذا الموضوع في إطار نظرية ” الصحراء والبحر” وعلاقتهما بجرعة الاستبداد من خلال الاستبداد الاجتماعي والسياسي ممثلا في القيم القبلية والذكورية وثقافة الترحال القابعة في اللاوعي الجمعي والواحدية( بفعل المنظر الواحد الذي تمثله الصحراء، مما يجعل التركيبة النفسية أقل ميلا للتنوع ، ناهيك عن ان المنظر الواحد يخلق عقلا يعتاد على بساطة المشهد فينجب منظومة معرفية تكره التعقيد وتفر من البدائل المختلفة والمعقدة نحو البديل الابسط والوحيد..)..وهي مقدمة ضرورية لتجذر الاستبداد.
أعتقد ان مستوى الحريات الاجتماعية والسياسية- على علاتها- هي الاعلى في لبنان ، فهل هناك علاقة بين غياب الصحراء وبين مستوى الاستبداد الاقل في هذه الدولة رغم علل ديمقراطيتها التي لها اسباب أخرى؟ الا يلاحظ انه حيث تكون نسبة الصحراء اعلى تكون جرعة الديمقراطية أقل، فالوطن العربي هو الاقليم الأعلى نسبة في الصحراء في العالم وهو الاقل ديمقراطية بين كل أقاليم العالم السياسية..هل هناك علاقة؟
لقد استندت الى مؤشرات الديمقراطية المعروفة لتحديد ترتيب الدول العربية فيها، ثم اخذت نسبة مساحة الصحراء في كل بلد عربي، ووجدت ان معامل الارتباط بينهما أعلى كثيرا مما ظننت.. بل الملاحظ ان المناطق الاكثر جفافا هي المصدر الاكثر مشاركة في انتاج التطرف والجمود ، ويكفي النظر الى ان “نجد” في صحراء الجزيرة العربية هي الاكثر تصديرا لحركات التطرف والجمود الفكري عبر التاريخ الاسلامي كله..فهل هذه مصادفة؟
لا أزعم بأي شكل من الاشكال بأن الاستبداد سببه محصور في البنية الصحراوية، لكني اراه عاملا كامنا ومتواريا عن انظار التحليلات السياسية العربية-رغم اشارات متناثرة –
ان حكم الصحراء( الصحراقراطية) تزاوج مع ” مكر التاريخ” بتكريس دور الصحراء من خلال الثروة النفطية ، وهنا تطاول شيخ القبيلة من المستوى “القبلي” الى المستوى الإقليمي ، فاضحى شيخ القبيلة يتطلع لمد الصحراقراطية الى الحاضرة العربية كلها، فتكاتف الثراء المالي مع القحط المعرفي والوجداني فرسما معا لوحة بائسة ..
فدولة الخلافة الاسلامية امتدت من 632م (بداية الخلفاء الراشدين) الى 1923(سقوط الدولة العثمانية) أي قرابة الف وثلاثمائة سنة ، لكنها لم تستقر في الجزيرة العربية سوى اقل من 30 سنة وارتحلت بمركزها نحو دمشق وبغداد والقاهرة …الى القسطنطينية، وهي ظاهرة غير مألوفة في ارتحال الحضارة من مركز ظهورها( او عاصمتها) نحو مناطق أخرى ، وفي تقديري ان أحد الاسباب هو ” الهروب من بؤس الصحراء” …ويبدو أن هذه الصحراء العربية تنتقم منا الآن بالعودة نحو الصحراقراطية….ربما.

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى