الصراع على موقع الرئاسة في فنزويلا من جديد

تشهد فنزويلا ــ التي يسودها النظام الرئاسي حسب الدستور الفنزويلي النافذ ــ، هذه الأيام صراعاً شديداً على السلطة، خرج من أطار المعارضة السلمية التي عرفها البلد منذ حكم الرئيس الاشتراكي الراحل هوغو تشافيز (1954 ــ 2013) إلى حالة السيطرة الانقلابية، وذلك بعد إعلان زعيم المعارضة خوان جوايدو نفسه رئيسا مؤقتا للبلاد، بينما يصر الرئيس الحالي نيكولاس مادورو على أنه الحكم الشرعي لفنزويلا والمنتخب بطريقة شعبية ديمقراطية بعد وفاة الرئيس هوغو تشافيز الذي حكم البلد لسنوات طويلة أكثر من أربعة عشر عاما، تأتي سيطرة زعيم المعارضة خوان جوايدو على الحكم بعد التدهور الاقتصادي الذي تشهده فنزويلا منذ انخفاض أسعار النفط رغم أن فنزويلا من البلدان الأولى في إمتلاك الثروة النفطية؛ لكنها لم تشهد نهضة اقتصادية وخدماتية كتلك التي شهدتها الدول الأخرى المصدرة للنفط أو على الأقل بلدان أمريكا اللاتينية التي تشهد تطور ملحوظا رغم المشاكل التي لا زالت دون حلول إستراتيجية، كما أن المعارضة بقيادة خوان جوايدو تتهم الرئيس نيكولاس مادورو بالتلاعب في نتائج الانتخابات الأخيرة مما يجعله فاقدا للشرعية بنظر المعارضة.

ولم يحسم الأمر بعد، فيما إذا كان زعيم المعارضة الشاب الطامح لتولي السلطة والنافذ في السنوات الأخيرة في عدد من المؤسسات الرسمية في فنزويلا كالمؤسسة العسكرية سيسيطر بالكامل على فنزويلا أو أن الأمر بالنهاية سيستتب لصالح الرئيس الحالي نيكولاس مادورو، أو قد تسير الأمور بإتجاه سيناريوهات أكثر تعقيدا كالحرب الأهلية شأنها شأن بلدان عربية نامية في حالة ما بعد احتجاجات الربيع العربي، إلا أن الموقف الدولي أتسم بالاختلاف تبعاً للتوجهات الإيديولوجية والسياسية، ففي الوقت الذي أعلنت فيه الولايات المتحدة بتصريحات مباشرة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ودول غربية أخرى (كندا، وبريطانيا، والمانيا، وفرنسا) دعمها لزعيم المعارضة والدعوة إلى إجراء انتخابات حرة بعد فترة، بتصريحات مباشرة مثلما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنه سيستخدم (الثقل الكامل) للقوة الاقتصادية والدبلوماسية الأمريكية من أجل إستعادة الديمقراطية في فنزويلا، وكذلك حث وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الجيش في فنزويلا على تقديم الدعم والحماية للمواطنين، بالمقابل فأن دول أخرى مناهضة للسياسات الأمريكية أعلنت رفضها لأي انقلاب أو خروج على السلطة في فنزويلا كإعلان روسيا والصين ودول حليفه لهما مثل سوريا وإيران. ويمكن قراءة التطورات السياسية الأخيرة في فنزويلا من جانبين:

الجانب الأول: قراءة الأوضاع الداخلية

هناك أزمة داخلية في فنزويلا، وهي وأن لم تكن وليدة اليوم فأنها تفاقمت بعد غياب هوغو تشافيز الذي كان صاحب خبرة في التعامل مع المشاكل الداخلية والصراعات الخارجية، وكذلك أسباب ذاتية تعود إلى شخصية هوغو تشافيز وقربها للكثير من الفنزويليين، ووصفت حكومته بالسلطة الديمقراطية الاشتراكية، وأشتهر لمناداته بتكامل أمريكا اللاتينية السياسي والاقتصادي مع معاداته للإمبريالية وانتقاده الحاد لأنصار العولمة من الليبراليين الحديثين وللسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية.

ولشخصيته المثيرة للجدل، قاد فنزويلا متحدياً السياسة الأميركية، حيث طبع مرحلة سياسية فريدة من عمر أمريكا اللاتينية، أعادت إلى القارة مدها اليساري وتعاطفها مع قضايا المستضعفين في العالم أجمع.

وتشهد ربما الشخصيات المتربعة على رئاسة العديد من الدول في القارة على الحالة التشافيزية، التي حاولت الولايات المتحدة وحلفاؤها احتواءها، حيث باتت ظاهرة عصيّة على التدجين. كما أن شعار محاربة الإمبريالية وعدم السماح بسيطرة الليبرالية والتدخل الأمريكي لم تعد مقنعة للشباب بصورة خاصة وعامة الناس بصورة عامة، خصوصا وأن فنزويلا بعد سنوات حكمت فيها قيم الاشتراكية، من هنا كانت الأزمة الاقتصادية التي ضربت فنزويلا مؤخرا شأنها شأن الدول النفطية الأخرى، وكانت بمثابة ناقوس الخطر الذي هز مسند الحكم في البلد.

الجانب الثاني: قراءة التدخلات الخارجية

يحتل التدخل الخارجي في فنزويلا عمرا طويلا، واليوم هي مرجحة أكثر لمزيد من التدخلات الخارجية بحكم تحول الصراعات الإيديولوجية والسياسية بين المعسكرين الليبرالي والمعسكر الاشتراكي رغم تراجعه منذ إنتهاء الحرب الباردة إلى صراع المصالح؛ لكن لا تزال تصنف الدول النامية بمدى قربها وولائها من المحور الأمريكي أو المحور الروسي الصيني، لذا لا تهدأ الولايات المتحدة عندما تجد ثغرة سياسية أو أمنية في البلدان المصنفة على المحور الروسي الصيني حتى تتدخل بصورة مباشرة في دعم أي توجه يغير من معادلة الحكم في الداخل، في حين تصر روسيا بقيادة فلاديمير بوتين على عدم السماح للتوجه الغربي بقيادة الولايات المتحدة على زعزعة نفوذها عبر محاربة حلفائها التقليديين في أي دول كانت سواء في شبه القارة الأمريكية أو في قارة آسيا ومنطقة الشرق الأوسط، والأسباب كما ذكرنا وأن اختفت الحسابات الإيديولوجية لكن المصالح السياسية والاقتصادية هي التي تحكم العلاقة ما بين الدول، فميزان القوى يترجح بما تقدمه هذه الدولة أو تلك من منافع اقتصادية ونفوذ سياسي، لذا ففنزويلا بحكم سيادة النزعة المحافظة من التوجهات الأمريكية وقربها من الدول المناوئة لواشنطن.

فأن نجت فنزويلا من محاولة زعيم المعارضة في السيطرة على السلطة فأنها قد لا تشهد استقراراً سياسياً ونمواً اقتصاديا يلبي طموحات الشعب الفنزويلي؛ لأسباب عديدة منها: الصراع الدولي في زعزعة الخصوم المحليين، وعدم توفر المناخ السياسي الداخلي في إيجاد حياة سياسية ديمقراطية، ونمط اقتصادي متطور، ينهض بالدولة، ويعالج مشاكل المجتمع.

…………………………………

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية / 2001 – 2019

 

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button