دراسات سياسيةدراسات شرق أوسطية

العدالة الانتقالية كآلية لمعالجة الأزمة الحالية في الجزائر

Transitional justice as mechanism for resolving the current crisis in Algeria

 

  أ/ كـــــــــــردالــــــــــواد مصـــــــطـــــــفـــــــــــى

 كلية الحقوق– جامعة سطيف 2 –

mestafaboulem@yahoo.fr

                           

  العدالـة الانتقالية Transitional justice مفهوم حديث النشأة في الأدبيات السياسية والقانونية، لكن يحمل في مضمونه مُحصّلة تجارب إنسانية أليمة عاشتها دول ومجتمعات وأفراد عبر مراحل التاريخ البشري، أنتجت مجمل هذه التّجارب الإنسانية في العصر الحديث تصوّرات وتطبيقات متنوعة لهذا المفهوم ذو الأبعاد والنتائج المتعددة.

 تتفق معظم الأدبيات في القول بأن العدالة الانتقالية هي مجموعة العمليات والاجراءات السياسية والقانونية والإدارية والقضائية؛ التي يُطلقها مجتمع معيّن بصدد الانتقال من حالة الصّراع إلى حالة السّلم، أو من حالة الانهيار والانتهاك وما ارتبط به من استبداد وتسلط؛ إلى حالة البناء وإحقاق الحقوق وإرساء الحكم الديموقراطي؛ من خلال إعمال مجموعة من الضمانات والآليات؛ تأخذ عدة تسميات منها مثلا لجنة الحقيقة والمصالحة في جنوب إفريقيا، هيئة الانصاف والمصالحة في المغرب، هيئة الحقيق والكرامة في تونس…

ويحصي عالم اليوم تجارب هامة في مجال العدالة الإنتقالية وتطبيقاتها. فقد وظفتها بعض الدول الأوربية من أجل معالجة المخلفات الرهيبة للحرب العالمية الثانية، ثـم استعانت بها بعض دول أمريكا اللاّتينية لاصلاح تركة تجاوزات الديكتاتوريات العسكرية السّابقة في هذه الدول خلال حقبة سبعينات القرن العشرين، وبعـد سقوط الاتحاد السوفياتي في بداية تسعينيات القرن الماضي؛ تم تفعيل العدالة الانتقالية من أجل جبر انتهاكات حقوق الإنسان خلال فترة حكم الأنظمة الشيوعية في دول أوربا الشّرقية؛ أما فـي العقد الثاني من القرن21م؛ فقد لجأت بعض بلدان العالم العربي بعد اندلاع الحراك الشعبي في عدد منها، إلى إعمال آليات العدالة الانتقالية- تجربة تونس سنة 2013، تجربة ليبيا سنة 2012، ويبقى السبق للتجربة المغربية التي بدأت سنة 2003- وإطلاق هذه التجارب في هذه البلدان كان بُــــــــــغية المسائلة عن أخطاء الماضي والوصول إلى جبر الضرر وضمان عدم الإفلات من العقاب، بما يحقق المصالحة بين أفراد الشعب الواحد في البلد الواحد، ويكفل العيش في كنف الاستقرار والازدهار لهذه الشعوب في المستقبل .

 كتقييم عام لتجارب العدالة الانتقالية المتنوعة التي سجلت هنا وهناك في مجتمعات ما بعد الصراع وما بعد الحكم الاستبدادي التسلطي، فإن أغلب هذه التجارب نجح في تضميد جراح الماضي وإحقاق الحقوق ورد المظالم، كما هو الحال مثلا في تجربة العدالة الانتقالية في ألمانيا سنة 1992، وتجربة جنوب إفريقيا سنة 1995؛ حيث نجحت المصالحة في هذا البلد، وأصبح اليوم يسجل أسرع معدلات للنمو الاقتصادي والتنمية البشرية ضمن مجموعة بلدان الجنوب ودول البريكس، وينطبق نفس الوضع تقريبا على رواند التي كانت لها تجربتها الخاصة في تطبيق العدالة الانتقالية، أما التجارب الأخيرة للعدالة الإنتقالية في بعض الدول العربية خاصة دول ما بعد بالحراك العربي؛ فهي تجارب يصعب تقييمها حاليا؛ لأن أغلبها لا يزال في بداية الطريق، ربما مع تفـــرّد التجربة التونسية نوعا ما عن غيرها، أما بعضها الآخر فلا تزال تواجهه عقبات جدية مثل ما هو حاصل بالنسبة للتجربة الليبية.

لذلــــــــــــــــــك، فإن ظروف وتحديات وحتى رهانات المرحلة التي تعرفها الجزائر في ظل هذا الحراك الشعبي السلمي، سوف يجعل من تجربة الجزائر في تطبيق العدالة الانتقالية، تجربة ناجحة ذات خصوصية متميزة عن غيرها، تمكنها من تجاوز تركة الماضي وتعزيز المصالحة الوطنية التي يعتنقها الشعب الجزائري، وبذلك تتجنب الإشكالات والمآزق وحتى الاخفاقات التي شابت تجارب الدول الأخرى؛ وبعبارة أخرى الوصول إلى تأسيس جزائر مستقبل جديدة تسودها الديموقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان؛ وفي الأخير تُضاف التجربة الجزائرية في تطبيق العدالة الانتقالية إلى سجل التجارب الناجحة في العالم.

وعليـــــــــــــــــــه، فبعد هذا المدخل النظري والمفاهيمي الموجز جدا، سوف نأتي لاحقا على تفصيل متواضع لمقترحات تطبيق العدالة الانتقالية في الجزائر.

 

يتبــــــــــــــع

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى