دراسات سياسية

العقل في مواجهة سياسة “حافة الهاوية”

بقلم: أحمد طه الغندور.

لعل ما ذكره الأديب الراحل جبران خليل جبران في قوله ” الحق يحتاج إلى رجلين: رجل ينطق به ورجل يفهمه ” ما يدفعنا إلى التفكير بسياسة حافة الهاوية التي يمارسها الاحتلال في مواجهة الشعب الفلسطيني منذ سنوات عدة وخاصة مع قيام السلطة الوطنية الفلسطينية على أرض الوطن.

ويُعرف المختصون سياسة حافة الهاوية؛ بأنها لجوء دولة أو كيان سياسي لتحقيق مكاسب معيّنة عن طريق تصعيد أزمة ما، ودفعها إلى شفا الحرب والمواجهة الصريحة، بصورة خاصة، مع إيهام الخصم أنها تأبى التنازل له أو الرضوخ لمطالبه ولو أدّى بها ذلك إلى اجتياز هذه الحافة الخطرة.

وهذا عين ما يمارسه الاحتلال من جرائم وممارسات غير قانونية وغير شرعية في فلسطين المحتلة وبشكل يومي ضد الشعب الفلسطيني وأرضه وحتى قيادته، الأمر الذي يسعى إلى زعزعة الآمل في قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة من خلال العدوان الدائم على مكوناتها السابق الإشارة إليها.

ولعل أخر صور العدوان ضد السلطة الفلسطينية إصدار الاحتلال ما يسمى “قانون خصم رواتب ذوي الأسرى وأسر الشهداء الفلسطينيين من عائدات الضرائب الفلسطينية “، وهو الإجراء الذي وصفته السلطة الفلسطينية بأنه “قرصنة” تُمارس على المستوى الرسمي من قبل سلطات الاحتلال.

ويقضي هذا الإجراء بأن يقوم وزير جيش الاحتلال سنويًا بتقديم تقرير إلى المجلس الأمني المصغر “الكابينيت” يوجز فيه الأموال التي تُحولها السلطة إلى عوائل الأسرى والشهداء، ليتم تقسيم هذا المبلغ إلى 12 جزءًا، ثم تُخصم شهريًا من أموال الضرائب التي تجبيها “تل أبيب” وتنقلها للسلطة الفلسطينية وفق الاتفاقيات بين الطرفين.

مع العمل على تحويل الأموال الفلسطينية التي سيتم اقتطاعها إلى المستوطنات ودعم مشاريع مختلفة فيها، ولتعويض المستوطنين والجنود الذين يُصابون نتيجة عمليات فلسطينية، إضافة لتمويل مشاريع تم وصفها بأنها “ترمي لتعزيز النضال ضد الإرهاب”.

هذا الإجراء الغير شرعي فتح شهية الاحتلال لطرح مشروع مشابه بشأن ادعاء الاحتلال بوجود الأضرار التي تُسببها الطائرات الورقية والبالونات الحارقة في مسيرات العودة، في حين تدرس وزارة “الأمن الداخلي” في حكومة الاحتلال تقديم طلب لوزارة المالية الإسرائيلية بصرف تعويضات عن الأضرار التي تسببها هذه الطائرات، وخصم قيمتها من الضرائب الفلسطينية.

ومن ثَم قام الاحتلال بإجراءات ضد الشعب الفلسطيني تمثلت في إغلاق المعابر التجارية لقطاع غزة ومنع إدخال البضائع والغاز والوقود، كما عمل على احتجاز بضائع التجار على هذه المعابر دون وجه حق، وبرر ذلك بما يدعيه من حرائق ناتجة عن البالونات والطائرات الورقية.

بعد هذا العرض لابد لنا من وقفة نعرض فيها تساؤلاً هاماً في ظل هذا الظرف السياسي الذي يحيط بنا، ألا وهو: لماذا يلجأ الاحتلال إلى عرض نفسه كضحية لاعتداءات الفلسطينيين، في الوقت الذي لا نحسن فيه نحن الفلسطينيين عرض قضيتنا على المجتمع الدولي مع إننا ضحايا هذا الاحتلال المجرم؟

هل علينا في سبيل أن نتحدى الاحتلال أن نبتعد عن جوهر الحق في المقاومة والحق في الدفاع عن النفس، وأن نقدم أنفسنا كمعتدين؟

لماذا نمنح الاحتلال أدوات إدانتنا كمعتدين؛ في حين أننا لم نكون كذلك في أي يوم من الأيام؟

متى نتوقف عن استخدام كلمات فارغة لا طائل منها مثل ” القصف بالقصف، غزة ليس لديها ما تخسره، إغلاق المعابر نصر لغزة، ونعود إلى جوهر المصطلحات الحقيقية كالحق الشرعي بالدفاع عن النفس، وحماية المدنيين العزل زمن الحرب، والحق الشرعي والأمن في التنقل عبر المعابر.

إن إظهار الوجه الإنساني للشعب الفلسطيني لا يقلل من قيمته أو من مدى صلابته في مواجهة الاحتلال، لكننا للأسف لا نحسن استخدام هذه الميزة، الاحتلال يذهب بأمهات الجنود القتلة إلى مجلس حقوق الإنسان ليقولوا ” إن لديهم أسرى لا يعرفون مصيرهم في غزة “، في حين لدينا قضايا إنسانية قد تغير وجه القضية الفلسطينية في العالم، لكن نتجاهلها وقد لا ندري سبباً لذلك، ماذا عن رازن النجار، إبراهيم أبو ثريا، عهد التميمي وأخيراً الصديقين أمير النمرة ولؤي كحيل.

من يظن أن “غزة ليس لديها ما تخسره ” عليه أن يعيد تركيب أو ترتيب فهمه وفقاً لقوله تعالى: “أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116) ـ المؤمنون.

ومن يصور التمادي في الظلم من الاحتلال دون خطوات جدية في مواجهته نصر؛ فلعله وقع في الغرور وعليه أن يعود لقوله تعالى: ” لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ۙ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ (25) ـ التوبة.

على ما يبدو أننا لا نريد للمقاومة بكافة صورها أن تدافع عن هذا الشعب بشكل صحيح، بل نريد أن نفرض عليها مفاهيم خاطئة نتيجة جهل البعض أو غروره، كما إننا مقصرون في تصدير قضايانا للعالم بشكل سليم يدفع العالم إلى نصرتنا.

ولعل هجوم الاحتلال على موارد السلطة لمنعها من دفع رواتب أسر الشهداء والأسرى، والتي هي موارد الشعب الفلسطيني، تمثل قضية بحاجة إلى التكاتف للوصول بها بشكل واضح لا لبس فيه إلى المجتمع الدولي، هذا المجتمع الذي لا يعرف أن أسر الشهداء هم أهل رازن النجار، إبراهيم أبو ثريا، محمد أبو خضير، عبد الفتاح الشريف وعائلة دوابشة.

ماذا قدمنا للمجتمع عن عائلات هؤلاء الشهداء، وهل أبرزنا كيف يعامل الاحتلال عناصره التي ارتكبت الجرائم في حقهم؟

أما عن الأسرى وأهلهم؛ فالسؤال الجوهري هل يقوم الاحتلال بواجباته القانونية اتجاه الأسرى وفقاً لاتفاقيات جنيف وكافة المعاهدات الدولية ذات العلاقة؟

هل يجيز القانون الدولي فرض الاعتقال الإداري على المدنيين الفلسطينيين؟

ما هي الجرائم التي ارتكبها أعضاء المجلس التشريعي القابعين في معتقلات الاحتلال؟

ما هو مصير المرضى والنساء والأطفال في معتقلات الاحتلال؟ وما هي الجوانب الإنسانية التي تحيط بهم وبأسرهم أثناء فترات الاحتلال.

كم نحن مقصرون في التوجيه الإعلامي لقضايانا الإنسانية ونحن لدينا وزارتي إعلام والعديد من المكاتب الإعلامية التي تتبع الفصائل المتعددة، والتي لا تخضع للعقل أو المهنية، والتي قد تكون السبب الرئيسي في هذا المستوى من التردي الإعلامي!

أخيراً لابد لنا من النظر في الحكمة التي أوجدها الفيلسوف الصيني القديم لاوتسو تاوتيه كنج؛ حيث قال: “من تعلم كثيراً عن الآخرين قد يكون متعلما، أما من يفهم نفسه فهو أكثر ذكاءً، ومن يتحكم في الاخرين قد يكون قوياً، أما من ملك زمام نفسه فهو الأقوى “.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى