دراسات أسيويةنظرية العلاقات الدولية

العلاقات العربية – الصينية فى الفترة من “2001-2015 م”: دراسة حالة (مصر) – الجزء الثاني

محددات العلاقات العربية – الصينية

فى بداية الامر يمكن القول بأن العلاقات العربية الصينية هى محصلة تركيبة من العناصر التاريخية والثقافية والسياسية والمصالح المتبادلة بل ورصيد من العواطف ايضا,وقد تأثرت هذه العلاقات سلبا وايجابا شأنها فى ذلك شأن العلاقات بين الدول بالتطورات الاقليمية والعالمية,ومصالحها الداخلية والاقليمية والدولية,والدور الذى يمارسه كل منهما على الساحة الدولية,والضغوط التى يتعرض لها كلاهما من المجتمع الغربى,الا أن القاسم المشترك الذى يجمع بين الجانبين هو انضمامهما الى نادى الحضارات الدولى تحت مسمى الثقافة الشرقية,والى الدول التى لديها قيم وتقاليد عريقة تضرب بجذورها فى اعماق التاريخ فضلا عت تاريخ العلاقات المتميزة بينهما,وقد تشكلت علاقاتهما على مر التاريخ وفقا لهذا الاعتبار,فكانت نظرة العرب للصين على أنها أرض العلم والعراقة,وأن هناك تقارب فكرى بين الحكم الصينية القديمة و مأثورات العرب التاريخية,بينما كانت الصين تنظر الى الامة العربية باعتبارها من أقدم الامم ومهد الحضارة الانسانية,وأن التقاء هاتين الحضارتين قد ساهم فى تنمية المجتمع البشرى وتوفير كنوز الحضارة الانسانية,وفى هذا الصدد يمكن الاشارة الى تقسيمات العالم طبقا لرؤية المستشرق الصينى الشهير “جى ثيانج لين” الذى قسم ثقافة العالم الى أربعة ثقافات:الصينية,والهندية,والاوربية,والامريكية,والعربية والاسلامية,وفى اطار الثقافة الغربية بينما ضم الثقافات الثلثاة الاخرى تحت مسمى الثقافة الشرقية,وأشار الى أن التفاعل داخل الثقافة الشرقية ذاتها يرجع الى عصور بعيدة,وأن هذا التفاعل كان واضحا ملموسا على وجه التحديد بين الثقافتين الصينية والعربية الاسلامية,واتفاقا على ما طرحه المستشرق الصينى,ووفقا للكتب التاريخية ايضا, ترجع العلاقات بين الصين والدول العربية الى أكثر من 2100سنة فقد ارتبط الجانبان بعلاقات تجارية وثقافية واستمر هذا التعاون التفاعل بين الطرفين على مدى هذه السنوات الى ان تأسست جمهورية الصين الشعبية فى أكتوبر 1949م,وتوالت فى السنوات اللاحقة لهذا التاريخ اعترافات الدول العربية بها,ومع ذلك فان مستوى العلاقات العربية الصينية فى الوقت الحالى بالمقارنة التاريخية لمستوى هذه العلاقات,وبمناظرة علاقات الصين مع المجموعات الاقليمية الاخرى يتسم بمحدودية وتغليب معايير جديدة عليها أخذا فى الاعتبار التطورات الدولية وأهداف الصين المستقبلية وغيرها من العوامل الاخرى[1].وفى هذا الفصل سوف يتم تناول وتجاوز الجوانب التقليدية التى من خلالها يتم توصيف العلاقات العربية الصينية وتقييمها والتى غالبا ما ترتكن الى تقسيمها الى مراحل تاريخية أو ارجاعها الى اصول ايديولوجية لبلورة معالم هذه العلاقات أو استخدام مؤشرات المنح والقروض والمشروعات التى تقدمها الصين للدول العربية للحكم على مدى تطورها,وأنه سيتم تناول العلاقات العربية الصينية من منظور واقعى ومدى تأثرها بمصالح الصين الحيوية وأمنها القومى وعلاقاتها مع القوى الكبرى وبالتطورات الدولية,اضافة الى الواقع الحالى للمنطقة العربية,كما تتناول الدراسة الى متابعة المحددات الداخلية والخارجية المؤثرة على العلاقات العربية الصينية.

المبحث الاول: المحددات الداخلية للعلاقات العربية -الصينية

حيث ان المقصود بالمحددات هىتلك العوامل التى تشكل حدود الدور الصينى فى النظام الدولى ومدى فعالية وتأثيرهذه العوامل على العلاقات العربية الصينية وهذه المحددات ترتبط بمجموعة من عوامل القوة الذاتية الكامنة فى الصين كدولة سواء من حيث القوة البشرية اوالكوارد الاولية او الاستقرار السياسى والتنمية الاقتصادية,كما يرتبط بمجموعة من العوامل الخارجية مثل علاقات الصين الاقليمية وينظر لها جيرانها بل وتصورها هى ذاتها لدورها الاقليمى وشبكة علاقاتها الخارجية وهو الامر الذى ينعكس سلبا أو ايجابا على الدور الصينى فى النظام الدولى ككل ودورها فى الدول العربية بشكل خاص.حيث يمكن متابعة هذه المحددات على المستويات الثلاثة الداخلية والاقليمية والدولية,وهى ذاتها المحددات التى تعد ايضا محددا للسياسات العربية تجاه الصين مع اختلاف الدرجة والاهداف فالعرب ليسوا دولة واحدة,وبالتالى تتعدد اهدافهم وتنفرد كل دولة برسم علاقاتها الخارجية,علاوة على وجود أولويات أخرى فى علاقات الدول العربية بالخارج تتمثل بصورة رئيسية فى العلاقات مع الغرب,حيث توجد ارتباطات بين غالبية الدول العربية والغرب خاصة الولايات المتحدة الامريكية,ومن ثم فان هذه الدول تخضع فى الغالب لضغوط الغرب فى جعل العلاقات العربية مع الصين محدودة التى يمكن أن تؤثر سلبا وايجابيا فى تحديد السمة الاساسية للعلاقات[2].وتنقسم المحددات الداخلية الى عدة محددات,أهمها المحدد الجغرافى,والمحدد الثقافى,والمحدد السياسى,وعند الحديث عن المحددات الداخلية فى تحديد سياسة الصين الخارجية تجاه العديد من الدول العربية نكون بصدد مجموعة من العوامل الداخلية التى تؤدى دورا مؤثرا فى السياسة الخارجية الصينية وتقسمها الدراسة الى ثلاثة محددات:

1- المحدد الجغرافى والسكانى
2- المحدد التاريخ والتقاليد والثقافة
3- المحدد الاقتصادى والعسكرى
1-المحدد الجغرافى والسكانى:–

تلعب أوضاع الجغرافيا السياسية دورا هاما فى تشكيل بيئة القرارات السياسية لدولة ما,فهى تتفاعل مع تأثيرات عناصر قوة الدولة وثقافتها وقيادتها,والية صنع سياستها وتحديد اختياراتها وقراراتها,فتعتبر جغرافية الدولة من العوامل الهامة فى تحديد توجهات السياسة الخارجية لاى دولة وأحد العوامل ذى الطابع المادى الاكثر ثباتا فى عناصر قوة الدولة[3].فالبيئة الجغرافية(موقع,مساحة,تضاريس,ومناخ)تلعب دورا حيويا فى تحديد ما اذا كان فى أمكن الدولة ان تستوعب كما كبيرا من السكان,وما اذا كان فى استطاعتها الاستحواذ على بعض عناصر القوة,ويؤثر امتلاك الدولة لموارد طبيعة داخل حدودها على قدرتها فى تحقيق أهداف سياستها الخارجية ومقاومة ضغوط الدول الاخرى,كما يلعب موقع الدولة بين جيرانها المتاخمين دورا فى تحديد وتطوير هويتها القومية,وبالتالى يمكن من خلالها فهم سلوك الدولة ازاء بعضها,فالموقع الجغرافى يؤثر بشكل أو لأخر فى سياسة الدولة,فهو من جانب يحدد الاطار الحيوى الذى تتحرك فيه الدولة,كما يحدد طبيعة التهديدات والمخاطر التى قد تواجه الدولة,كما تتأثر فرص التنمية المحتملة لدولة ما بجغرافيتها من جوانب شتى[4].حيث تقع جمهورية الصين الشعبية فى الجزء الشرقى من قارة أسيا,والساحل الغربى من المحيط الهادى تبدأ حدود الصين فى أقصى الشمال من الخط المركزى لنهر هيلونغ شمال بلدة موخه,وحدودها فى أقصى الجنوب هى حيد تسنغمو البحرى من طرف جزر نانشا الجنوبى,المسافة من الجنوب الى الشمال حوالى 5500 كيلو متر,والمسافة من الشرق الى الغرب حوالى 5200 كيلو متر,ويمتد طول حدود الصين البرية 22.800كيلو متر,ولها ساحل طويل على المحيط الهادى وعاصمتها بكين,وتتصف تتضاريس الصين بارتفاعها غربا وانخفاضها شرقا,وتحتل مساحة المناطق الجبلية ثلثى مجمل مساحة البلاد,حيث تمثل الجبال 33.3%,الهضاب26%,الاحواض 18.8%,السهول 12%,التلال9.9%,وتبدو تضاريس الصين كسلم ينحدر من الغرب الى الشرق بصورة رئيسية,حيث تغطى جمهورية الصين الشعبية 9.6مليون كيلو متر مربع,وهى بذلك اكبر دول أسيا وتاتى فى المركز الثالث على مستوى العالم من حيث المساحة بعد روسيا وكندا[5].وتتناثر فى مناطق الصين البحرية الواسعة 5400 جزيرة,أكبرها جزيرة تايوان(مساحتها حوالى 36 الف كيلو متر مربع),وتليها جزيرة هاينان (مساحتها 34الف كيلو متر مربع تقريبا)فيوجد فى العالم 19 قمة جبلية يزيد ارتفاع كل منها عن7000مترعن سطح البحر,منها 7 قمم جبلية تقع داخل حدود الصين وعلى الخطوط الحدودية الصينية,وتنتشر على هضبة تشينغهاى التبت التى تلقب باسم “سقف العالم” كثير من الجبال الشاهقة,ويبلغ معدل ارتفاع جبال الهيمالايا 6000 متر عن سطح البحر,ويبلغ ارتفاع قمة جومولانغما-فمة الهيمالايا الرئيسية 884.43متر عن سطح البحر,لذلك تعد أعلى قمة فى العالم,وبالنسبة للمناخ تقع معظم أقاليم الصين فى المناطق المعتدلة والمناطق شبه المدارية,ويقع جزء منها فى المناطق المدارية جنوبا,أما شمالها فيقترب من المناطق المتجمدةويوجد فى الصين56 قومية من بين اجمالى عدد السكان فى ال31 مقاطعة ومنطقة ذاتية الحكم ومدينة تابعة مباشرة للحكومة المركزية,وتعد قومية هان اكبر قومية من حيث عدد السكان حيث يبلغ عدد أبناء قومية هان 1159.4مليون نسمة,أى 91,59%من مجمل سكان الصين,ويبلغ تعداد لبناء الاقليات القومية 106.43مليون نسمة,أى 8.41%من مجمل سكان الصين,فمن بين ال55أقلية قومية تستخدم قومية هوى ومان اللغة الصينية,بينماتستخدم كل من ال53 أقلية قومية لغة منطوقة خاصة لكل منها,ول21أقلية قومية لغاتها المكتوبة تستخدم 27لغة مكتوبة.ومساحة الصين الشاسعة,جعلها مجاورة جغرافيا لعدد كبير من الدول حيث تتجاور الصين مع “خمسة عشره”دولة,فيتاخمها من الشرق جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية,ومن الشمال منغوليا,ومن الشمال الشرقى روسيا,ومن الشمال الغربى قازاقستان وقرغيزستان,وطاجيكسان,ومن الغرب والجنوب الغربى افغانستان وباكستان والهند وتيبال وبهوتان,ومن الجنوب ميانمار ولاوي وفيتنام,وتواجه الصين”ستة”بلدان عبر البحار وهم جمهورية كوريا الجنوبية واليابان والفلبين وبروناى وماليزيا واندونيسيا فى الشرق والجنوب الشرقى.كما يلعب العمل السكانى دورا هاما ومؤثرا فى سياسات الدول,حيث يعتبر العنصر البشرى من العناصر الهامة لبناء قوة الدولة,فهو الاساس للنهوض بالدول اقتصاديا,وعسكريا,وثقافيا,وعلى الرغم من أن الحجم الكبير للسكان لا يضمن الفعالية الدولية,فان الدول ذات الحجم السكانى الصغير هى عادة أقل تميزا,وان كانت كيفية تكوين السكان ومدى تماسكهم الاجتماعى ومستوى تعليمهم ومهاراتهم لها أهميتها فى التفرقة بين الدول,والصين اكثر دول العالم سكانا حيث يبلغ عدد السكان الاجمالى بها اكثر من 1307.56مليون نسمة ما عدا سكان(منطقة هونغ كونغ الادارية الخاصة ومنطقة ماكاو الادارية الخاصة ومقاطعة تايوان)وهذا العدد يمثل خمس سكان العالم تقريبا,فالصين هى احدى الدول العالية كثافة سكانية فى العالم,ويبلغ متوسط الكثافة السكانية 136 نسمة/كيلو متر مربع,ولكن توزيع السكان ليس متوازنا حيث ان الكثافة السكانية عالية فى المناطق الساحلية الشرقية,اذ تتجاوز 400نسمة/كيلو متر مربع,وفى المناطف الغربية قليل للغاية,أقل من 10 افراد/كيلو متر مربع والارياف كثيرة السكان والمدن قليلة السكان,كما ان سرعة زيادة السكان عالية,وقد استطاعت الصين خلق “طبقة وسطى” يعتد بها ويبلغ اجمالى عددها عدد سكان الولايات المتحدة الامريكية,وارتفعت دخولها المعيشية بسرعة تعادل عشرة امثال سرعة ارتفاع الدخول الامريكية الحقيقية فى التسعينات لقد عادت “هونج كونج” ومكاو للصين وتطالب بعودة تايوان الى الوطم الام الا انها تواجه على الجانب الاخر مطالب تدعو الى الانفصال عن كيان الدولة الصينية مثل اقليم التبت ومقاطعة”سنكيانج[6].وبالتالى يصعب اغفال زاقع الزيادة السكانية الهائلة التى تشهدها الصين والتى تزيد بمعدل 3.3%سنويا,وهو مايعكس تداعيات الطلب على الغذاء التى باتت احدى اهم القضايا الاقتصادية التى تواجه النموالسكانى فى الصين بما يؤثر على سياستها الخارجية فى هذا الأن وخاصة مع اسرائيل بشان المجال الزراعى ومحاربة التصحر وتتعاون الصين واسرائيل فى هذا الصدد.

2-محدد التاريخ والتقاليد والثقافة:-

هناك عاملا التاريخ والتقاليد يؤثرا فى توجه الصين الخارجى فمثلا نجد “جون كرانمر باينغ” أن فكرة الصين التقليدية القائمة على اساس أنها تتمتع بتفوق وأنها الرائدةو”المملكة الوسطى”التى يدور من حولها الغير قد وجدت تطبيقها فى عهد الصين الشعبية من خلال اتخاذها سياسات وطنية واخرى ثورية تعطى المثل للغير بأنها يمكن أن تكون قائدة للاخرين فى العالم ويمكن للعالم ان يتعلم منها,وهناك عامل الايديولوجيا الذى يعتبر العامل الحاسم فى ادراة توجه السياسة الخارجية الصينية فى عهد الرئيس”ماوتسى تونغ”,حيث كان الخط العام يتبع فكرة الماركسية-اللينية وفكر “ماوتسى تونغ”باعتباره الموجة للسياسة الخارجية الصينية أصحاب هذا التوجه ينظرون الى ، سياسة الصين الخارجية منذ ميلها الى الاتحاد السوفيتى ومن ثم توجهها الى دعم الحركات التحرر حول العالم وتحولها فيما بعد نحو الولايات المتحدة الامريكية ليست الا نتيجة طبيعة للفكر الايديولوجى الذى كانت تقوم عليه الصين الشعبية[7].وبالنسبة للثقافة تبرز الثقافة السياسية السائدة على صعيد المحددات الداخلية للسياسة الخارجية الصينية,التى تعد من اهم خصائصها”الطابع البرجماتى-الواقعى”وهى صفة قديمة اتصف بها الصينيون وتعنى سرعة تكيفهم مع الاوضاع وقد ساعدت على مدى استجابة وتأقلم المجتمع مع المتغيرات والاوضاع المستحدثة,وتعتبر الثقافة السياسية شقا أساسيا من الثقافة العامة,فتعد الثقافة السياسية من اقدم الثقافات والحضارات على مر التاريخ,وتتميز الحضارة الصينية بعنصرى الاستمرار والاستقرار وعلى مستوى الثقافة السياسية شهدت الصين دولة المؤسسات السياسية منذ 1500 سنة ق.م وكان ذلك فى عهد اسرة “شانج”,وقد شكلت هذه الثقافة الشخصية القومية للمجتمع الصينى وما تتسم به من تقاليد مميزة وتعتبر الكونفوشية والماوية احدى اهم جذور وركائز الثقافة السياسية الصينة ,فقد كانت الكونفوشية مصدر الهام عام للثقافة الصينية عبر قرون عديدة وكان اهم تأثير لها هو الاعتقاد بأهمية المحافظة على الحياة الانسانية العظيمة ورعايتها,وقد ارتبط هذا الهدف بكل اوجه الحياة وبصفة خاصة بالسياسة والاخلاق,ومن ثم فقد كان هدف هذه الثقافة يدور دوما حول كيفية جعل المرء عظيما ولهذه العظمة وجهات:الاول داخلى ويتمثل فى “شموخ الروح”التى يعبر عنها سلام الفرد مع نفسه ورضاؤه لكماله,والوجه الثانى خارجى ويتمثل فى “القدرة على العيش بصورة جيدة على الصعيد العملى مع الشعور بالعزة فى السياق الاجتماعى”,وقد تبلورت هذه العظمة فى المثل الصينى الذى يقول “بالحكمة فى الداخل والنبل فى الخارج”وتعتبر “الكونفوشيوسية”الفلسفة الاخلاقية ذات النظرة الاجتماعية والكونية للحضارة الصينية,كما تمثل جوهر فكر الثقافة السياسية الصينية,وتعتبر أفضل طريقة لفهم الشعب الصينى هو فهم أفكار”كونفوشيوس”,وهناك من يرى أن “كونفوشيوس”هو الصين,وان الصين صاغت نفسها فى قوالب نظريات كونفوشيوس,وتنسب الكونفوشية الى “كونج فو زى” كونفوشيوس(551-479ق.م)والذى كان موظفا حكوميا فى احدى حكومات النبلاء والاقطاعيين بعد انهيار الحكم المركزى لاسرة تشو فى نهاية القرن السابع(ق.م)وقد جمع تلاميذه كتاباته واراءه فى شكل حوارات كحوارارت سقراط التى جمعها تلميذه افلاطون ونشرت تحت اسم”المنخبات”والتى اصبحت تسمى المعرفة العظمى فيما بعد,فالكونفوشية فلسفة اجتماعية انسانية تدور حول البشر والمجتمع,وتؤكد على سيادة القيم فى المجتمع وتهتم بالجانب الانسانى والاخلاقى,الامر الذى حال دون اكتسابها اى اساس للتطرف أو التعصب شأنها شان اى فلسفة اخلاقية مثالية,ويؤمن “كونفوشيوس”بان حل المشاكل الاجتماعية يكون عن طريق التحلى بالسلوك الحميد,وتوقير الكبار والعطف على الصغار والامانة والتحكم فى الانفعالبما يضمن استقرار المجتمع وبدون ذلك فلن يوجد الا الفوضى,وفى المجال السياسى فقدعرف “كونفوشيوس”الحكومة الصالحة بأنها التى تعمل على اسعاد رعاياها كما اكد على حق المواطنة المستنيرة واعتبرها ركنا أساسيا وضروريا من اركان النظام,وذلك على اعتبار أن الحكم هو تفويض من السماء للحاكم,مشروط بالالتزام بالقيم والاخلاق فى الحكم,والتحلى بالاخلاق والعمل على رفاهية شعبه,فالفقر يولد الجريمة,وعدم الاستقرار فى المجتمع,كما ان على الحاكم ان يعطف على الرعايا الاجانب المقيمين فى بلاده,وفى حالة عدم التزام الحاكم وتحلية بالصفات المذكورة فانه يفقد التوكيل الممنوح له من السماء[8].ويمكن القول بأن الصين أصبحت تعتمد على الحكمة الصينية كما عبر عنها كونفوشيوس فى رده على سؤال حول عالم الميتافيزيقا والغيب”,أننا لم ننتهى من اليوم ومن بناء عالم الواقع حتى نفكر فى عالم الميتافيزيقا ما بعد الطبيعة,حيث احتل المحدد الثقافى فى العلاقات العربية الصينية اهمية خاصة منذ تأسيس الصين الجديدة عام 1949م انعكاسا لما لأبدته الصين من اهتمام بتطوير علاقاتها مع دول منطقة الشرق الاوسط,فضلا عن اهتمام الصين بشكل خاص بمسألة الشخصية الثقافية ودراسة اللغات والحضارات,ناهيك عن البعد الحضارى للعلاقات الثقافية بين الجانبين بأعتبار أن الصين والمنطقة العربية مهد الحضارة البشرية,فعلى المستوى الدراسى والاكاديمى,أهتمت الصين باللغة العربية والاداب الشرقية,حيث انشات قسما للغة العربية فى جامعة بكين,كما أنشأت جامعة بكين لدراسات اللغات الاجنبية,ثم كلية بكين الثانية للغات الاحنبية,وجامعة بكين للغات والثقافة,وجامعة الدراسات الاجنبية بشنغهاى,وكلية لويانغ للغات الاجنبية,وحسب تقديرات هذه الجامعات بلغ عدد الخرجين المتخصصيين فى اللغة العربية نحو اربعة ألاف شخصا,وقد أوفدت وزارة التعليم الصينية عدد من طلابها وخريجها الى الدول العربية,وكانت أول دفعة منها الى مصر-جامعة القاهرة-لدراسة اللغة والاداب والتاريخ,تلاها دفعات اخرى الى مصر وسوريا والعراق,كما اهتمت الصين باقامة هيئات ومعاهد لبحث القضايا العربية منها بحوث غرب اسيا وافريقيا التابع لاكاديمية العلوم الاجتماعية,ومعهد الشرق الاوسط لجامعة الدراسات الاجنبية بشنغهاى,ومعهد اسيا وافريقيا بجامعة بكين,ومعهد جنوب غرب اسيا بجامعة بكين,ومعهد جنوب غرب اسيا بجامعة يينات,ومعهد غرب اسيا بجامعة جنوب الغرب للمعلمين,ومعهد اوروبا الشرقية واسيا الوسطى وغرب اسيا بأكاديمية شنغهاى للعلوم الاجتماعية,ومعهد الشرق الاوسط بجامعة شمال الغرب,ومعهد البحوث الاستشراق بجامعة بكين,وقد نشرت المعاهد ومراكز الابحاث الصينية العديد من المؤلفات عن الدول العربية فى اطار اهتمامها بالتعرف على هذه الدول وفى مقدمتها:موجز الدول العربية عام 1955م,دول الشرق الاوسط عام1956م,كما قامت بترجمة العديد من المؤلفات العربية الى الصينية,وتفيد احصائيات هذه المعاهد الى أنه خلال الفترة من عام 1990م الى عام 2000م نشرت الصين أكثر من 500 كتاب عن احوال عامة من منطقة اسيا وافريقيا مثل موسوعة غرب اسيا وشمال أفريقيا,و50 كتاب عن سياسة الشرق الاوسط مثل دليل سوق الشرق واقتصاد الشرق الاوسط المتغير,و40 كتاب عن تاريخ وجغرافية الشرق الاوسط,و40 كتاب عن ثقافة واداب وفنون الشرق الاوسط مثلالثقافة العربية,وفلسفة العرب,و120 كتاب عن الدول العربية مثل تاريخ مصر القديمة,السعودية,عاهل الاردن الملك حسين,و10 كتب عن علاقات الشرق الاوسط الدولية,الوضع فى الشرق الاوسط بعد حرب الخليج-عاصفة الصحراء,و50 كتاب عن الاسلام مثل تاريخ الثقافة العربية الاسلامية,ويقوم حاليا معهد غرب اسيا وشمال افريقيا التابع لاكاديمية العلوم الاجتماعية الصينية بتأليف موسوعة دولغرب اسيا وشمال افريقيا,عبارة عن 60 جزءا لكل دولة عربية جزء بالاضافة الى بحوث القضايا العربية,بالاضافة الى ذلك أقيمت حوارات بين جمعية الصداقة العربية-الصينية(التى تأسست فى ديسمبر عام 2001م)وتم توقيع اتفاقيات تعاون ثقافى بين الصين وجميع الدول العربية كل على حدة تتضمن تبادل البرامج الثقافية والمعلومات والخبرات الاكاديمية,فضلا عن المنح الدراسية المتبادلة(ويبلغ عدد الطلاب العرب لاكثر من 13 دولة نحو 1000طالب),كما تم توقيع اتفاق تعاون ثقافى بين المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم وجامعة الدراسات الاجنبية ببكين 26/7/1987م,وتوقيع بروتوكول للتعاون بين المكتبة الوطنية للصين ومركزالتوثيق والمعلومات للجامعة العربية فى 18 يناير عام 2001م فى بكين,ويمثل الاسلام احد ركائز المحددات الثقافية بين الجانبين, دخل الاسلام الصين منذ اكثر من 1300سنة,وتوجد 10 قوميات صينية اسلامية ضمن ال56قومية صينية,تسعة منها موجودة فى مقاطعات سينجيانج,وجانسو وتشينغهاى شمال غرب الصين والعاشرة (وهى قومية هوى)موزعة فى كل اتحاد الصين,وطبقا للاحصائيات الرسمية فى الصين,يبلغ عدد المسلمين 20 مليون,كما يوجد فى الصين 30 الف مسجد,42 ألفامام,و10 مجموعات عرقية اسلامية كلها سنه,وبالاشارة للاسلام كعامل ثقافى سياسى فى العلاقات العربية –الصينية يرى بعض الكتاب ومن بينهم الكاتب المتخصص فى شئون الصين “جراهام فولر”أن موقف الصين من الاسلام متأثر بشكل مباشر بوجود الاقلية المسلمة الكبيرة داخله,وان الصين تشعر بعصبية من الاسلام وتعتبره دينا يهدد الدولة,وانه رغم انقسام المسلمين الى قسمين”الهوى”الذين يتحدثون الصينية وموزعون على كافة اقاليم الصين,و”اليوغور”الذين يتحدثون التركية ويتركزون فى مقاطعة “سيجيانج”,الا ان الاخيرة تسبب صداعاللصين,وتعتبر الصين موضوع تركيتان الشرقية تنظيم ارهابى يكلب بأنفصال “سيجيانج”عن الصين,حيث أن الاسلام يمثل عامل سلب وايجاب فى نفس الوقت فى العلاقات العربية-الصينية,والعمل الايجابى قد ينحصر فى ان 2.9%من المسلمين فى العالم موجودين فى الصين,أى ان المسلمين الصينيين يشكلون جزءا هاما من سكان العالم الاسلامى,وأن البعد الاسلامى فى المحدد الثقافى بين الجانبين يثرى الحوار وتبادل وجهات النظر فيما يتعلق بالاديان,كما انه يتيح الفرصة لتبادل المنح الدراسية فى مجال اللغة العربية والدين بين الجانبين فضلا عن العلوم الاخرى,أما العامل السلبى للبعد الاسلامى فقد ينحصر فى تخوف الصين من انتشار الفكر التطرفى القادم من بعض الدول,ورؤية الصين للديانات,ومنها الاسلام,التى تتسم بالطابع العلمى والتعامل مع الدين كثقافة,وبالتالى منع دخول أى كتاب دينى الا بموافقة مسبقة,ورصد علاقات الدول العربية بدقة وعناية مع الاقاليم الاسلامية,ومنح تأشيرات لرجال الدين بعد استبيان كامل وتدقيق يصل الى حد الرفض,ويشار فى هذا الصدد الى موضوع انعقاد قمة منطمة”ابيك”فى شنغهاى بالصين بعد حادثة 11سبتمبر ووقف السلطات الصينية منح كافة التأشيرات لمواطنى الدول العربية والاسلامية لدخول الصين خلال فترة انعقاد القمة بدعوى حماية رؤوساء الدول والحكومات المشاركة من احتمالات التعرض لعمليات ارهابية,الامر الذى أثار الشعوب العربية والاعلام العربى على الصين,ولم يكن له ما يبرره فعليا فى هذا التوقيت الذى كان العرب والمسلمون على وجه التحديد يتعرضون لمشكلات فى دول العالم المختلفة,وبالتالى لم يكن متوقعا أن تتخذ الصين مثل هذا القرار,وفى التقدير يعد المحدد الثقافى أحد اهم الابعاد النشطة فى علاقات الصين مع الدول العربية باعتبار ان هذا المحدد يمثل نقطة محورية فى تقريب الشعوب.[9]

3-المحدد الاقتصادى والعسكرى:-

بالنسبة للمحدد الاقتصادى,فان اية سياسة خارجية اذا لم تعتمد على اساس اقتصادى سليم فلا يمكن أن تنهض لتحقيق الاهداف المرجوة منها,حيث تؤثر قوة او ضعف اقتصاد الدولة بشكل مباشر أو غير مباشر على سياستها الخاريجة,فلكى تنجح الدولة فى تحقيق اهدافها الخارجية لابد من اعتمادها على هيكل اقتصادى سليم يتضمن استقلالية وعدم تبعية الدولة وتنويع لقاعدتها الانتاجية,وعدم الاعتماد على قاعدة احادية الانتاج وكذلك تحرر الدولة من كونها منتجه للمواد الخام او كونها سوقا لتصريف المنتجات الاجنبية,لا تنطلق السياسة الخارجية الصينية من فراغ ولكن من خلال واقع يشهد صعودا لقوة اقتصادية وسياسية وعسكرية جديدةيؤهلها لان تكون قوة عالمية فاعلة اذ تحتل المرتبة الاولى عالميا من حيث تعداد السكان الذى يبلغ نحو(1.4)مليار نسمة,وهى صاحبة اسرع نمو اقتصادى فى العالم,بلغ عام2006م تحو 10.7%ولدى الصين اكبر احتياطى نقد اجنبى بالدولار الامريكى وصل فى نهاية سبتمبر عام 2006م نحو 988 مليار دولار,وهى أكبر منتج للفحم والفولاذ والاسمنت,وثانى اكبر مستهلك للطاقة ثالث اكبر مستورد للنفط,ونظرة سريعة على تنمية القدرة الوطنية الشاملة للصين خلال ثلاثين عاما من الفترة 1978م وحتى عام 2007م ومن الاصلاح والانفتاح يمكن تلخيص مايلى:1– ارتفاع معدل زيادة اجمالى الدخل القومى فى الصين فى الفترة من 1978م وحتى عام2007م وصل الى 9.7%فى حين ان معدل الزيادة فى الاقتصاد العالمى فى نفس الفترة الزمنية وصل الى 3%

2-ارتفع الدخل المالى للصين من 113.2مليار يوان عام 1978م ليرتفع الى 5.13 تريليون يوان عام 2007م

3-زيادة احتياطى العملات الاجنبية من 167 مليون دولار فى نهاية عام 1978م ليرتفع الى 15.282 تريليون دولار(تريليونو528.2 مليار دولار)فى عام 2007م,هذا وقد وصل احتياطى العملات الاجنبية فى نهاية الشهور الست الاولى من عام 2008م الى 18.088 تريليون دولار(تريليون و808.8 مليار دولار)

4-زيادة حجم ودائع ومدخرات سكان المدن والحضر فى عام 1978م من 21.1 مليار يوان لتصل الى 17.6 تريليون يوان(سبعة عشر تريليون وستمائة يوان وسيعنائةوستون مليار يوان)فى عام 2007م

5-تغيرت نسب معدل زيادة الناتج القومى للانتاج بقطاعات الاعمال الثلاثة الكبرى الزراعة والصناعة والخدمات على نحو 11.7 للزراعة فى عام 2007م مقابل 27.94% فىعام 1978م,و49.20%للصناعة فى عام 2007م مقابل 47.88% فى عام 1978مو39.10% للخدمات فى عام 2007م مقابل 24.13% فى عام 1978م,ومن المتوقع ان يكون الناتج المحلى الاجمالى للصين حتى عام 2020م حوالى 4.000بليون دولار تقريبا بسعر الصرف الحالى[10].ويطبق النظام الاقتصادى الصينى سياسة الانفتاح على الخارج بصورة شاملة,حيث تعمل الصين من أجل بناء نظام دولى اقتصادى وسياسى ترجو ان يتسم بالعدل والعقلانية بحيث يعكس رغبات شعوب مختلف دول العالم ومصالحها المشتركة,حيث ترى ان تكونالمبادئ الخمسة للتعايش السلمى اساس لبناء النظامان الدولى السياسى والاقتصادى معا,وتقوم الصين بتوسيع مجالات الاتصالات التجارية والتعاون الاقتصادى والتكنولوجى والتبادلات العلمية والثقافية على نطاق واسع من مختلف دول ومناطق العالم على اساس مبداى المساواة والمنفعة المتبادلة,وقد انضمت الصين الى منظمة التجارة العالمية فى 11 من ديسمبر عام2001م بعد مفاوضات امتدت خمسة عشرعاما,وبدأت الصين تطبق نظام التجارة العالمية تطبيقا فعليا وتلعب دورا ايجابيا من اجل دفع التقدم فى العالم,وترى الصين ان الاقتصاد العالمى يعتبر كيان موحد يتصل بعضه ببعضه الاخر ويعتمد بعضه على بعض الاخر,والعولمة الاقتصادية لا تجلب فرص تنمية للدول النامية فحسب,بل تاتى لها بمخاطر كبيرة,لذا اصبحت تسعى للمحافظة على الاستقرار النقدى والحيلولة دون حدوث أزمات نقدية وضمان الامن الاقتصادى,حيث تحتل الصين المركز الثانى من حصص اجمالى الناتج المحلى العالمى فى عام 2007م بنسبة 10.83%بأسعار صرف تعادل القوى الشرائيةو بنسبة 5.99%بأسعار الصرف السوقية,وتشير الاحاءات الى التراجع المستمر فى الثقل النسبى للولايات المتحدة الامريكية,اذ هبط نصيبها من الناتج العالمى من 25.4%عام 2000مالى 21,4%عام 2007م,وتراحعت مساهمتها فى الصادرات العالمية من السلع والخدمات من14%الى9,6%خلال نفس الفترة,بينما ارتفع نصيب الصين من6%الى20.1%ووصلت صادراتها الى 13.2%خلال نفس الفترة,فلقد شهد الاقتصاد الصينى تحولات هائلة فى السنوات الاخيرة مع استمرار النمو المذهل والطويل الاجل فى الناتج المحلى الاجمالى,مما ارتقى بمرتبة الصين بين كبر اقتصاديات العالم حيث تعد الثانية بعد الولايات المتحدة الامريكية مباشرة اذا قيس الناتج بالدولار طبقا لتعادل القوى الشرائية بين الدولار واليوان الصينى,كما تدعمت الصورة العالمية للاقتصاد الصينى فى ظل الطوفان الصادرات الصناعية الصينية العادية,وعالية التقنية الذى اغرق مختلف اسواق العالم ووضع الصين بمفردها فى المرتبة الاولى عالميا كأكبر دولة مصدرة للسلع متجاوزة كل الدول الرأسمالية الصناعية الكبرى,وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكة وألمانيا واليابان,ولقد حافظت الصين على نظامها الاشتراكى فى ظل نموها الاقتصادى السريع حيث حققت ما يطلق عليه التنمية فى ظل النظام سوق اشتراكى يتيح الفرص للقطاع الخاص مع دور مهيمن للدولة,كما استطاعت ان تحقق الاستقرار الاجتماعى والسياسى,فمع النمو السريع للافتصاد الصينى والناتج المحلى الاجمالى بسرعة هائلة خلال السبعة والعشرين عاما الاخيرة متجاوزة الكثير من القوى الاقتصادية التقليدية الكبرى من ناحية الحجم,أصبحت الصين فى بؤرة اهتمام الاقتصادى العالمى,كما ان الاستثمارات الجديدة فى الصين يجرى تنفيذها وفقا لاحداث التقنيات بما يعنى ان الصورة الانطباعية عن الاقتصاد الصينى باعتباره اقتصادا ضخما,لكنه غير متقدم او يستخدم تقنيات قديمة كثيفة العمل,وهو انطباع يجب ان يتغير لبناء صورة صحيحة عن الاقتصاد الصينى تعتمد على ما يجرى فعليا فى الواقع وليس على الاحكام الانطباعية القديمة,كما أن الصين نفسها اصبحت عنصرا فعالا فى التطوير التكنولوجى الصناعى والزراعى والدوائى والعسكرى الذى يجرى فى العالم ,وليس مجرد دولة متلقية للانجازات التكنولوجية من الدول الاخرى,كما أنها تعمل بمرونة وكفاءة لتنوع مصادر حصولها على وارداتها من الطاقة بالاساس النفط,ومن المعادن الرئيسية الضرورية الصناعة الصينية المتعاظمة النمو,كما تعمل الصين على تنمية اسواقها الخارجية بصورة شديدة الفعالية,يعد الهدف الاكبر للسياسة الصينية هو تأمين عناصر عملية التنمية بجانبها السياسى والاقتصادى فى الداخل,باعتبار ان الاستمرار فى هذه التنمية سيؤمن للصين استقرارها فى الداخل ودورهاالعالمى فى الخارج,وعمل التنمية الاقتصادية التى تتبنها القيادة الصينية فى فترة حكم الرئيس”دينج تشاوبينغ” فى اواخر السبعينيات من اجل تحفيف التنمية الاقتصادية تحقق النمو الصينى فى مختلف مجالات سياسة الانفتاح الاقتصادى التى تبنتها الصين الشعبية منذ تلك الفترة.

وبالنسبة للمحدد العسكرى يمثل المحدد العسكرى احد العوامل المؤثرة فى السياسة الخارجية وهو ما تمتلكه الدولة من قدرات وامكانيات عسكرية تشمل تجهيز الجيوش واعدادهاوتدريبها ونوعية الاسلحة بكافة اشكالها والتى تستخدمها الدولة لحفظ امنها واستقلالها وردع اى اخطار أو تهديدات خارجية,ويمكن تقسيم القدرات العسكرية الى كمية(عدد الفرقوالاسلحة)وكيفية(مستوى انظمة التسليح والتدريب والخبرة والتماسك),والواقع ان هناك نقاطا ثلات لالتقاء السياسة الخارجية مع قضايا التسليح:الاولى,ان الدول التى تنتهج سياسة خارجية نشطة او هادفة نحو التغيير عادة ما تتبع سياسة تقوم على الاستحواذ على المزيد من الاسلحة,والثانى أن المزيد من الاسلحة قد يغرى صانعى القرار فيها على استخدام الاداة العسكرية فى سياستها الخارجية,والثالثة ان الجيش قد يمثل أحد المعوقات والقيود التى تؤثر على خيارات السياسة الخارجية وبدائلها,وتعد القوة العسكرية من المرتكزات المتغيرة,وذلك بسبب تبدل أدوات الحرب والخطط النفسية والاعلامية او ما يسمى بالحرب الباردة,وهى كذلك ترتبط ارتباطا وثيقا بالمرتكزات الاخرى كالمساحة والموارد الطبيعية والنموالاقتصادى,والسكان والعوامل التكنولوجية التى ادت الى تحولات اساسية فى مفهوم القوة,وتملك الصين قدرات عسكرية هائلة جعلتها تشغل المكانة الثالثة من حيث القدرة النووية,وتتبع الصين سياسة دفاعية من خلال العمل على تدعيم الدفاع الوطنى ورفض العدوان ومواجهة التدمير المسلح والدفاع عنسيادة البلد,كما تهتم ببناء وتقوية القدرة الدفاعية الوطنية كأساس لاستراتيجيات الدفاع,وبالنسبة للاستراتيجية العسكرية الصينية,فقد ذكرت احدى الدراسات ان الصين قد اعتمدت على الاستراتيجية العسكرية فى عام1993م,وذلك بعد تطبيع العلاقات مع حكومة الاتحاد السوفيتى,وتسعى الصين الان الى تطوير القوة العسكرية كاداة من ادوات الدولة,حيث تهدف من ذلك التطوير تحقيق خمسة اهداف,الهدف الاول هو الحفاط على النظام الامن من خلال الحفاظ على الحزب الشيوعى,والثانى هو الحفاظ على السلامة الاقليمية,اما الهدف الثالث فيتمثل فى تحقيق الوحدة الوطنية وذلك من خلال التركيز على تايوان ,فيتعين على الصين احتواء تايوان الانفصالية,فى حين ان الهدف الرابع يكمن فى تحقيق الامن البحرى فهناك اهتماما متزايد فى الصين للتركيز على الدفاع عن الحقوق والمصالح البحرية فالصين فى حاجة الى استغلال الموارد البحرية لاستغلالها فى التنمية الاقتصادية,فالصين تريد ان يتم ترسيم الحدود البحرية مع جيرانها,وبالتالى الاتفاق على التحكم فى الموارد تحت سطح البحر,لاسيما النفط أما الهدف الخامس فهو السعى لتحقيق الاستقرار الاقليمى وذلك من خلال المحافظة على بيئة خارجية مستقرة لمواصلة التنمية الاقتصادية للصين[11].حيث جميع تلك المحددات الداخلية كان لها دور فى تحديد العلاقات العربية-الصينية تجاه العديد من الدول العربية ولكن بدرجات متفاوتة,الا ان المحدد الداخلى الاكثر وضوحا فى التأثير كان هو العامل المرتبط”بالتنمية الاقتصادية”التى تبنتها الصين فى أواخر السبعينيات.

المبحث الثانى:المحددات الخارجية للعلاقات العربية –الصينية

حرصت القيادة الصينية على تعظيم القوة الصينية فى كافة المجالات بما يؤهلها للوصول الى مرتبة القوة العظمى وسبيلها الى ذلك بناء اقتصادى عصرى دينامى التطور يساهم فى تحقيق نقلة نوعية فى قدرتها الاقتصادية,واستراتيجية التحول الى دولة عظمى لا يمكن أن يتحقق من خلال القوة العسكرية وحدها,بل من خلال بناء قوة اقتصادية,وعلمية وتكنولوجية,وتحقيق الاستقرار الاجتماعى,واكتساب الهيبة السياسية اقليميا ودوليا,ويلى هدف الصين الاكبر التنمية الداخلية السياسية والاقتصادية أهداف اخرى,مثل تأمين سياسات عالمية تقود الى عالم متعدد الاقطاب تسوده المصالح المتبادلة عبر تعاون جماعى والعمل على احتواء بؤر التوتر الاقليمية المختلفة عبر الحوار,والابتعاد عن المواجهات العسكرية,ومتابعة التنافس السلمى مع القوى الكبرى الاخرى,وفى مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية,ويمثل هذا المحددات الخارجية للعلاقات العربية الصينية والتى تقسم الى محددات اقليمية وأخرى دولية.

1-المحددات الاقليمية:-

تعرضت الصين بحكم التاريخ وبحكم الوضع الجغرافى لحروب ومشاحنات اقليمية عديدة مع الدول المجاورة لها,منها اليابان وكوريا الشمالية وروسيا وفيتنام,وقد سعت الصين الى تحسين والعمل على تطوير علاقاتها مع دول الجوار منذ التسعينات لتحقيق هدفين,تمثل الهدف الاول فى فى العمل على احباط محاولة احتواء وعزل الصين وتحطيم العقوبات التى فرضتها الولايات المتحدة عليه,حيث قامت الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها بفرض عدد من العقوبات على الصين فى عام 1989م نتيجة أحداث الميدان السماوى عندما اطلقت الشرطة الصينية النار على الطلاب المتظاهرين,اما الهدف الثانى فتمثل فى ضرورة تهيئة الصين لاطارها الحيوى والبيئة الاقليمية لتكون بيئة مواتية لتحقيق التنمية الصينية فى هذه المرحلة[12].ومع أن الدبلوماسية الصينية قد نبذت عهد “الالتزام الايدلوجى”الذى طبع أداءها خلال الحقبة الماوية منذ نهاية الثورة الثقافية الا انها تعزز بالفعل حضورها فى المنطقة الاسيوية خلال اتباعها لسياسة حسن الجوار,وقد حددت الصين اهداف سياسة حسن الجوار الاقليمى فى تطوير علاقات الصداقة النشطة مع دول الجوار,والحفاظ على السلام والاستقرار الاقليمى,والترويج للتعاون الاقتصادى الاقليمى,ولتنفيذ هذه السياسة بدأت الصين حوار مع دول الجوار على قدم المساواة بشأن التعامل مع النزاعات التاريخية الحدودية البرية والمائية من اجل التوصل الى حلول معقولة لها,مع الاخذ فى الاعتبار أن النزاعات التى لايمكن حلها الان يمكن ان تؤجل لبعض الوقت خلال رحلة بناء الارضية المشتركة بينهم مع الاحتفاظ بهذه الخلافات,وعدم السماح لها بالتأثير على العلاقات بين هذه الدول,واصبحت الصين تتمسك بمبدأ حسن النية فى معاملة دول جوارها الاقليمى واعتبارهم شركاء فى دفع التعاون بينهم فى مختلف المجالات,وبعد جهود استغرقت سنوات عديدة تشكلت بصورة أساسية منظومة التعاون الاقليمية الجنوبية- الشمالية,ففى الشمال تتطور أشكال التعاون فى منظمة”شنغهاى”,وانتقلت من مرحلة بدائية الى مرحلة تعاون جوهرى,فى مجالى الامن والاقتصاد ودفع تحقيق السلم والاستقرار فى المنطقة ذاتها,وفى الجنوب يتم بذل الجهود لرفع مستوى الية التعاون لجنوبى شرقى اسيا,ولاستمرار أعمال التعاون حول الامن التقليدى والامن غير التقليدى من خلال 10+1(10بلدان لرابطة دول جنوب شرق اسيا والصين)و10+3(10 بلدان لرابطة دول جنوب شرق اسيا والصين واليابان وجمهورية كوريا)وفى اكتوبر 2003م قامت الصين بالشراكة الاستراتيجية بينها وبين رابطة جنوب شرق اسيا,وذلك من خلال انضمامها رسميا الى معاهدة التعاون والصداقة لدول جنوب شرق اسيا باعتبارها اول دولة كبيرة خارج رابطة دول جنوب شرق اسيا وتتمثل اهداف المعاهدة فى “دفع تحقيق السلام والصداقة والتعاون الدائمين بين الشعوب مختلف البلدان فى تلك المنطقة,وتعزيز قوتهم الحقيقية والوحدة وتكثيف العلاقات بينهوتستهدف سياسة حسن الجوار تحقيق عدة اهداف امنية الهدف الاول والاطار للاهداف الاخرى هو تزويد الصين ببيئة اكثر أمنا فى جوارها الجغرافى المباشر,الامر الذى يجعلها اكثر قدرة على زيادة تأثيرها فى شئون العالم وذلك فى ظل سعى الصين الى تجنب شعور دول الجوار بأى تهديدات امنية صينية,حيث ان هناك عددا من دول الجوار تطرح هذه التهديدات لسببين:الاول نزاعها الحدودى مع الصين,والثانى علاقاتها مع القوى الخارجية المعادية للصين,ويأتى الهدف الامنى الثانى فى معالجة نزاعات الحدود من خلال التشاور والمفاوضات ,لذلك تبحث الصين عن تأمين الحدود والبحث عن تسوية سلمية لها,أما الهدف الثالث فيتمثل فى منع تحالف دول الجوار مع قوى خارجية معادية للصين,لذا تعمل الصين على تطوير علاقات استراتيجية وايجاد ارضية مشتركة مع الدول الاسيوية لمقاومة الضغوط الغربية فى مجال اختراق السوق وحقوق الانسان,وتعتمد الصين فى العمل على تنمية وتعزيز علاقات حسن الجوار والتعامل مع المشكلات والخلافات على الحواروالتشاور مع الدول الاسيوية,وتقوم اليات التعاون الاقليمية وشبه الاقليمية الاسيوية بدور ذى أهمية متزايدة فى تعزيز النمو والاستقرار الاقتصاديين فى اسيا,فأسيا فى قسمها الجنوبى الشرقى واحدة من اكثر مناطق العالم دينامية,لكنها تواجه ايضا بعض التحديات فيما يخص تعزيز التنمية الاقتصادية وبناء المؤسسات السياسية وبالحفاظ على الامن والاستقرار,لذا تعمل الصين مع الدول الاسيوية الاخرى على التصدى للتحديات المشتركة.وترى الصين أنه لكى يتحقق هذا الهدف على الدول الاسيوية حنوب شرق اسيا اتخاذ بعض الخطوات لزيادة التعاون,والتى تتمثل فى الاتى:-أ)تعزيز ثقة السياسة المتبادلة:وذلك من خلال العمل بقدر الامكان على وضع الخلافات جانبا والعمل على اساس الاحترام والمساواة المتبادلين,وحل النزاعات والخلافات من خلال الية تعزيز والتشاور واتباع فكر يتسم بالثقة والمنفعة المتبادلة والمساواة والتنسيق والعمل على تكريس الية الامن الاقليمى والتصدى للتهديدات الامنية والحفاظ على السلام والاستقرار بين الدول الاسيوية خاصة فى جنوبها الشرقى

ب)تعميق التعاون بكافة مجالاته:من خلال تعزيز ترتيبات التجارة الحرة الاقليمية أليات تسهيل الاستثمار وتعميق التعاون النقدى والمالى وتزويد الترابط بين شبكات البنية الاساسية فى جميع انحاء أسيا والتعاون فى مجالات الحد من الفقر وتنمية الموارد البشرية وتضيق الفجوات فى التنمية وتعزيز التنمية المشتركة بين الدول الاسيوية,والالتزام بسياسة الانفتاح وذلك من خلال العمل على الا يظل التعاون الاقليمى غير حصرى,وذلك من خلال الاستفادة من ممارسات التنمية فى المناطق الاخرى,واستخدام منابر مثل منتدى التعاون الاقتصادى المعروف”بالابك”,اجتماع(اسيا-اوروبا)المعروف بالاسيم,ومنتدى التعاون شرق اسيا وأمريكا اللاتينية,وحوار اسيا-الشرق الاوسط لتعزيز الحوار والتعاون مع المناطق الاخرى وتحقيق التقدم المشترك من خلال التبادل والتعاون مع باقى العالم.

ج)التصدى لتحديات الارهاب:اذ تعمل الصين على التصدى لتحديات الارهاب بجميع صوره وتدعم التعاون فى مجال مكافحة الارهاب ومنع الانتشار النووى,ومكافحة الجرائم عبر الوطنية والهجرة عبر القانونية والاتجارفىالمخدرات,والتصدى للتغير المناخى وتعزيز التبادل والتعاون فىمجال حماية البيئة والاستخدام الامثل لموارد المياه من اجل تعزيز ثقافة حماية البيئة فى اسيا.

د)زيادة التبادلات الثقافية والشعبية:وذلك من خلال تنفيذ تبادلات ثقافية ذات أشكال متنوعة ودعم الحوار بين الحضارات المختلفة وتعزز الاتصال والتعاون بين البرلمانات والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات الاكاديمية ووسائل الاعلام فى الدول الاسيوية,ودعم التبادلات الشبابية بهدف زيادة الفهم المتبادل بين الشباب.

2-المحددات الدولية:-

أدركت الصين العديد من التحديات التى تطرحها البيئة الدولية ومن تلك التحدياتالضغوط التى يمكن ان تمارسها الولايات المتحدة على النفط العربى بحيث شكل هذا الواقع ضغوطا على الصين فى مجال حصولها على النفط العربى بما يعكس تحكم الولايات المتحدة بأهم محددات التنمية والتطور الصينى وهو ما سوف يكون اكبر الاثر على العلاقات العربية-الصينية ,ويمكن تحديد محددات العلاقات الصينية-الامريكية حيث أنها تدخل فى محددات العلاقات العربية-الصينية فبوجه عام,يحكم العلاقات الصينية-الامريكية مجموعة من المحددات لعل أبرزها,وهم:-أ)الاحتياج الاستراتيجى:وهو الادراك المتزايد والمتبادل بين الطرفين بأهمية الطرف الاخر واحتياجه له وان اختلف معه,وربما يفسر هذا الامر مستوى التعاون بعد كل خلاف تشهده علاقات البلدين.

ب)يسيطر الفكر الواقعى على العلاقات:فى ادراة كل طرف لعلاقاته مع الطرف الاخر وعدم الرغبة فى تقديم أية تنازلات,فالولايات المتحدة الامريكية تضغط على الصين فى محاولة التحكم فى صعودها,حتى لايضر المصالح الامريكية والصين من ناحيتها ترفض فكرة الهيمنة الامريكية على العالم.

ج)تتأثر العلاقات الصينية-الامريكية بتغير الادرارت الامريكية:دون ان تتأثر بتغير القيادات الصينية ومن الملاحظ ان معظم الادارات الامريكية تتبع سياسة متشددة تجاه الصين منتقدة الادراة السابقة لا تلبث ان تغير من موقفها.

د)تأثير العوامل الداخلية على العلاقات الصينية-الامريكية:فالاعلام والكونجرس الامريكى وجماعات حقوق الانسان كلها تلعب دورا فى الضغط على الادرارت الامريكية لدعمها لاتباع سياسات متشددة اتجاه الصين,وعموما تعتمد السياسة الصينية الحالية على المصالح الاقتصادية والتى يتزايد لامن واستقرار اقليميا ودوليا حسب الكثير من الاستراتيجيون الصينية وتتاثر المصالح الصينية بأى اجراءات أو سياسات تتسبب فى عدم الاستقرار,ويظهر ذلك فى تعامل الصين مع الولايات المتحدة الامريكية,فعلى الرغم من حدوث عدد من عناصر الاختلاف فى علاقات البلدين الصين والولايات المتحدة على المستوى الامنى والتجارى عام 2005م الا ان الصين لا تدع هذه الخلافات تدخلها فى صراع مع الولايات المتحدة حيث يترك للقادة الصينيون يتصرفون على اساس الحكمة التى وضعها زعيم الصين”دنج تشاوينج” أن تتصدى الصين لاى صراعات تؤثر على هدفها الرئيسى وهو التنمية الاقتصادية والاجتماعية,ولكن الادراة الدبلوماسية الجيدة والقوة الناعمة لعلاقة الصين مع الولايات المتحدة لا تعنى عدم ادراكها أن هناك قوى وتيارات فى الولايات المتحدة تترصدها وتنظر اليها نظرة منافسة وخصم محتمل[13]. وفى ظل العلاقات الصينية-الامريكية تقوم نظرة الصين الى الشرق الاوسط,على ان سياسة الصين تجاه الشرق الاوسط تخضع سياساتها العامة الداعية الى بناء بيئة استقرار وسلام دولية,وان مسالة الشرق الاوسك مسألة معقدة جدا,ولدى العرب وجهات نظر مختلفة تجاه هذا الموضوع كما تعتقد الصين ان للعرب دورا مهما,وهى تسعى لبناء تعاون اقتصادى معهم اكثر من ميلها للتعاون السياسى,حيث ان تطوير وتنمية الاقتصاد الصينى هى السبيل لارغام العالم على الاستماع اليك وهى المقولة التى تؤمن بها الصين,وعند تناول العلاقات السياسية الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة يجب الاخذ فى الاعتبار ثلاثة عوامل مهمة[14]:الاعتبارالاول:مسألة تايوان والضغط المتزايد من جانب الولايات المتحدة

الاعتبار الثانى:مسألة القيود التجارية والتعريفات الجمركية الامريكية على البضائع الصينية

الاعتبار الثالث:العقوبات الاقتصادية المحتملة وخفض مستوى العلاقات الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة

دائما تستخدم الولايات المتحدة مسألة تايوان كألية للضغط على الصين وتمارس ضغوطا على الحكومة الصينية احيانا بتنفيذ مناورات عسكرية مشتركة مع تايوان وقد كانت مساندة الولايات المتحدة لعضوية تايوان فى منظمة الامم المتحدة موضع اعتراض صريح من جانب الصين,وهذه المسألة هى التى اصبحت الان اساس ملاحظات مهمة للغاية فى العلاقات بين الصين والولايات المتحدة الامريكية,بالاضافة الى مسألة تايوان فان موضوع العلاقات الاقتصادية والتبادل التجارى بين الصين والولايات المتحدة هو عامل مهم,فحجم التبادل التجارى بين الصين والولايات المتحدة يزيد على 220 مليار دولار,ولكن قامن الولايات المتحدة فى الاعوام الاخيرة بتطبيق تعريفات جمركية وتجارية على البضائع الصينية مما حمل الصين عن البحث عن اسواق جديدة ومستهلكين جدد لبضائع رخيصة لاتقبل المنافسة,وقد ادى انخفاض سعر العملة الوطنية الصينية والبضائع الصينية الرخيصة بالمقارنة بالبضائع الاوروربية والامريكية الى اعتراض المؤسسات الانتاجية الاوروبية والامريكية وقد وضعت هذه المسألة الصين مرات عديدة وجها لوجه مع قوانين منظمة التجارة العالمية وبالنسبة لعلاقة الصين بالاتحاد الاوروبىفمع انتهاء الحرب الباردة أخذت الصين والاتحاد الاوروبى يبحثان عن تدعيم مواقفهم فى النظام الدولى فى ظل محاولتهما لجعل عالم ما بعد الحرب الباردة متعدد الاطراف اذ ان القوة المسيطرة على النظامالدولى سياسيا وعسكريا واقتصاديا وثقافيا هى الولايات المتحدة,وبالتالى يعتبر الاتحاد الاوروبى بالنسبة للصين احدى القوة الرئيسية اللتى يمكن ان تلعب دورا فى اعادة تشكيل النظام الدولى سعيا نحو التعددية القطبية,ومن ثم فوجود علاقة ايجابية مع الاتحاد الاوروبى يحقق للسياسة الصينية أهدافا مهمة فى مقدمتها مواجهة الهيمنة الامريكية فضلا عن تدعيم سياستها الاقتصادية والتى تهدف الى تصدير منتجاتها عبر الاسواق العالمية وخاصة ان الاتحاد الاوروبى هو الشريك الثالث للصين بعد الولايات المتحدة الامريكية واليابان,فعلى الرغم من وجود اختلافات فى وجهات النظر الطرفين فى بعض القضايا السياسية الا ان المصالح الاقتصادية دائما ما تجب كل الخلافات وفقا لرؤية الطرفين البراجماتية الواقعية لمصالح كل طرف تجاه الاخر,ويمكن فهم طبيعة العلاقات بين الطرفين من خلال معرفة رؤية كل طرف للطرف الاخر,ورؤية كل طرف للتقدم التى يتحقق لدى الطرف الاخر,ففى الوقت التى كانت العملية الاندماج الاوروبى تأخذ خطوات متسارعه منذ الثمانينيات من القرنالعشرين الى ان وصلت الى المرحلة الحالية,نجد فى المقابل الصين هى الدولة الاسرع نموا منذ عام 1978م بمعدل نمو حوالى 8% والواقعان استمرار الصعود الصينى لايعنى غياب مشكلات التى تواجه الصين,وانما يعنى أنها تتقدم رغم وجود مشكلات وتحاول التغلب عليها وقد كانت النظرة كل منها للعملية التى تجرى فى الطرف الاخر ايجابية,وتنال التأييد لاسباب مختلفة,فدعم سياسة الاندماج الى اوروبا وسياسة صينية ثابتة,السبب ورائها أما تقليل التأثير الامريكى فى اوروبا,ومن ثم دفع الولايات المتحدة لدعم التعاون معها,او خلق تحديات امام الاتحاد السوفيتى,لاسيما ان الصراع السوفيتى,وكانت الدول الاروبية من جانبها ترى ان الصعود الصينى من شأنه ان يؤدى الى اندماج الصين اكثر فى الساحة الدولية,وتحولها الى أحد الاقطاب فى ظل بحث أوروبا عن عالم متعدد الاقطاب,فضلا عن أن ذلك يجعل الصين تقترب اكثر من اقتصاد السوق,اما عن رؤية كل للطرف الاخر,فبالنسبة لرؤية الصين للاتحاد الاوروبى يلاحظ انه فى السبعينيات من القرن العشرين كانت الصين تنظر الى اوروبا الغربية كونها تشكل جزء من الجبهة المتحدة ضد الهيمنة السوفتية,ومن ثم أيدت الصين حلف شمال الاطلنطى,وقد كانت ترحب بالقادة الاوروبيين الذين يتبنون الخطط التشدد مع الاتحاد السوفيتى ومنهم”مارجريت تاتشر”منذ كانت زعيمة للمعارضة ومع التغير الذى حدث فى السياسة الخارجية الصينية فى الثمانينيات من القرن العشرين,واتجهاهها لتخفيف المواجهة مع الاتحاد السوفيتى,ورفعها شعار استقرار البيئة الدولية لتوحيد الاراضى الصينية,وبالتالى تحولت الرؤية الصينية لغرب اوروبا فى اطار التحول فى السياسة الخارجية الصينية من التركيز على الاعتبارات الايديولوجية الى البرجماتية والتركيز على المصالح الاقتصادية واصبحت الصين تنظر الى الاتحاد الاوروبى بعد نهاية الحرب الباردة باعتباره احد القوى الرئيسية فى النظام الدولى,ومن ثم فان تدعيم العلاقات معه يحقق مصالح مهمة لها,بالاضافة الى ذلك تلعب المساعدات دور مهم فى هذا السياق فهى تأخذ اتجاها واحدا من الاتحاد الاوروبى الى الصين وبخاصة من المانيا وفرنسا كما ان الدول الاوربية تعتبر من اكثر مصادر الاقراض للصين ومنها فرنسا وبريطانيا والمانيا وايطاليا واسبانيا,وبالنسبة لرؤية الاتحاد الاوروبى للصين فالامر لم يختلف كثيرا بالنسبة لدول اوروبا الغربية التى كانت تنظر الى تطوير علاقاتها مع الصين كاحد ادواتها للضغط على الاتحاد السوفيتى,فى ظل الاستراتيجية الغربية العامة بالضغط على الاتحاد السوفيتى,وقد شهدت اوروبا الغربية فى اوائل الثمانينيات من القرن العشرين جدلا حول الصعود الاسيوى الذى يمثل الصعود الصينى جزاء منه وكيفية التعامل معه وقد حسم هذا الجدل بعد انتهاء الحرب الباردة لصالح دعم العلاقات مع هذه المنطقة واعطائها اولوية فقد تميزت الرؤية الاوروبية تجاه الصين بالشمول بحيث انها سعت لتدعيم العلاقات فى كل المجالات,مع السعى لخلق اطار عبر اقليمى للتعاون الاوروبى الاسيوى تكون نواته دول الاسيان ودول الاتحاد الاوروبى,ولأصدر الاتحاد الاوروبى أربعة وثائق خاصة بالعلاقات مع اسيا ثلاثة منها كانت عن دعم العلاقات مع الصين بهدف الوصول الى مرحلة الشراكة الكاملة,وفى هذا الاطار فالاتحاد الاوروبى فى حاجة الى دعم الصين التى تمتلك ثانى اكبر احتياطى نقدى على مستوى العالم ومن ثم فان تحويلها لجزء من احتياطاتها الى اليورو يخدم الاتحاد الاوروبى فضلا عن ان الصين عضو دائم فى مجلس الامن,ومن ثم فان التعاون معها فى القضايا العالمية مسألة مهمة,بالاضافة الى رغبة الاتحاد الاوروبى فى اقامة نظام دولى متعدد الاطراف وهى نفس رغبة الصين[15].وياتى الاتحاد لاوروبى فى الترتيب الثالث من حيث كبر حجم الاستثمارات فى الصين,وتلعب هذه الاستثمارات دورا فى مجالات الواردات والصادرات الاوروبية من والى الصين حيث نجد كثيرا من الشركات الاوربية تستفيد من مزايا الاستثمار فى الصين ومنهابالاخص العمالة,كما تساهم الاستثمارات الاوربية فى زيادة حجم الصادرات الاوروبية الى الصين عن طريق الالات اوالمواد التى تدخلها هذه الشركات الى الصين والتى تستخدم فى عملية الانتاج,وبالرغم من التزام الاتحاد الاوروبى سياسة الصين الواحدة الا ان الاتحاد الاوروبى ينظر بعين الاعتبار الى المصالح الاقتصادية التجارية والاستثمارية مع تايوان,وضرورة تحقيق الامن والاستقرار عبر مضيق تايوان,لذا نجد الاتحاد الاوروبى يدعو الى حل القضية بالطرق السلمية,وهذه وجهة نظر لاتتعارض مع نظرة الصين التى تسعى لتحقيق الوحدة مع تايوان كجزء من الوطن الام عبر الطرق السلمية مع اعترافها بتايوان ككيان له سماته التجارية والاقتصادية الخاصة,ولها علاقات ثقافية واقتصادية مع باقى دول العالم,الا ان الخلاف كثيرا ما يجدد اعتراض الصين على نوعية العلاقات بين تايوان والاتحاد الاوروبى التى ترتقى لمستوى عقد الصفقات.وعلىجانب العلاقات الصينية-الايرانية والتى بالطبع تؤثر على العلاقات الصينية-العربية,فعلاقات الصين بايران قوية ومتنوعة وتشكل المجالات العسكرية والاقتصادية ومجالات النفط والاعمار وهذا يترك أثره على مواقف الصين الدولية ويؤثر على وضع وأمن الخليج والدول العربية وايران عضو مراقب فى منظمة”شنغهاى للتعاون”وهى المنظمة التى تضم الصين وروسيا ودول اسيا الوسطى وقامت لاعتبارات التنسيق الامنى ومقاومة الارهاب,وتتمتع ثلاث دول بوضع مراقب فيها وهى الهند وباكستان وايران,فايران باعتبارها عضوا مراقبا فى هذه المنظمة تقدمت بطلب العضوية الكاملة,ووجود ايران بمنظمة”شنغهاى للتعاون”من الممكن ان يكون بمفهوم حلقة وصل بين منطقة الشرق الاوسط ومنطقة اسيا الوسطى والقوقاز وربما يحول المنافسة فى المنطقة الى شكل من اشكال التعاون ونظر ايران الى منظمة تعاون شنغهاى باعتبارها نادى الدول المتقاربة ثقافيا واقتصاديا وانها مهمة لمصالحها الاستراتيجية فى اسيا الوسطى وكذلك فى تدعيم سياسة ايران الخارجية القائمة على “الاتجاه شرقا”وعضوية ايران فى هذه المنظمة ستسمح للصين وروسيا أن تتأثر وبشكل اكثر ايجابية على السياسة الخارجية الايرانية خاصة ازاء العالم الاسلامى,وتمتلك ايران 13%من مجمل احتياطات النفط على مستوى العالم بالاضافة الى وجود 18%من احتياطات الغاز على مستوى العالم كل هذا منح ايران قوة فاعلة على المستوى الدولى,والحقيقة ان قدرة ايران على التأثير القوى على مسار الطاقة فى الشرق الاوسط قد كانت دائما سبب قلق الغرب وكل الدول الصناعية بشكل عام,وتوفر ايران حوالى 15%من النفط الذى تحتاجه الصين,والصين ليست مستعدة بأى حال من الاحوال التنازل عن هذا المصدر,فيظهر مدى أهمية هذه النسبة عند مقارنتها بالمملكة العربية السعودية,وفى ظل تلك المحددات تتبنى الصين لرؤية خاصة لحل مشاكل الشرق الاوسط تقوم على مايلى:اعتماد التعاون الاقليمى كأساس للسياسة الامنية,وعدم الرغبة بالتورط عسكريا فى منطقة الشرق الاوسط,والتزام الصين باعتماد القنوات الدبلوماسية فى تطبيق سياساتها فى الشرق الاوسط وان التعاون الثنائى والمتعدد وبناء التنمية الاقتصادية سوف يحد من الازمات فى المنطقة العربية ويعالج مشكلة الارهاب,وتشجيع الصين لاتجاهات حوار الحضارية الثنائية والمتعددة.أذن يمكن القول بأن هناك العديد من العوامل التى شكلت فيما بينها ضوابط للعلاقات العربية-الصينية وهذه الضوابط على المستويات الثلاث الداخلية والاقليمية والدولية,والتى تتسم بالتنوع كماأن هناك العديد من العوامل التى تعد ايضا محددات للسياسات العربية اتجاه الصين مع اختلاف الدرجة والاهداف فالعرب ليسوا دولة واحدة,وبالتالى تتعدد اهدافهم وتنفرد كل دولة برسم علاقاتها الخارجية[16].ويمكن استخلاص بانكل من الصين والعالم العربى لها مساحة واسعة وتعداد سكان كبير ومن حيث المسلحة,تبلغ مساحة الصين 9.6مليون كيلو متر مربع بينما تبلغ مساحة العالم العربى 14.2 مليون كيلو متر مربع,وهما يشملان حوالى سدس مساحة يابسه العالم ,من حيث تعداد السكان توجد فى الصين 1.3مليار نسمة بينما يوجد فى العالم العربى 300 مليون نسمة,وهما يشكلان ربعسمان العالم,اما من حيث اجمالى الناتج المحلى فى عام 1007م فبلغ ثلاثة تريليون دولار امريكى للصين2.2تريليون دولار للدول العربية,وبلغ معدل نصيب الفردى لكل منهما 2280دولار و2492 دولار,ومن ثم توجهت انظار المنطقة العربية الى الصين التى يمكن ان تمثل ثقلا مضادا للهيمنة الامريكية فى نظام احادى القطبية خاصة وان منطقة الشرق الاوسط بصفة عامة والمنطقة العربية بصفة خاصة باتت تزخر بالعديد من القضايا المعقدة التى تسعى الصين لان تكون طرفا فاعلا فيها.

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى