دراسات سياسية

العلاقات المصرية-السعودية: فرص وكوابح التحالف

عامر مصباح (جامعة الجزائر 3)
شهدت العلاقات المصرية-السعودية في الفترة الأخيرة انطلاقة جديدة عقب زيارة الرئيس المصري إلى السعودية، لترميم الأضرار التي ترتبت عن دعم الرئيس المصري للحكومة السورية وتأييد الدور العسكري الروسي ضد الجماعات المقاتلة الحليفة للسعودية فوق الأراضي السورية؛ بالإضافة إلى الحملة الإعلامية المصرية ضد اتفاق الطرفين حول ترسيم الحدود وعودة جزيرتان في البحر الأحمر للسيادة السعودية. جاءت هذه الزيارة في سياق عودة الدفء للعلاقات المصرية-الأمريكية مع استقبال إدارة ترامب للرئيس المصري في واشنطن، حتى ولو لم تتعد الزيارة المجاملة والعلاقات العامة، والجولة المكوكية لوزير الدفاع الأمريكي في المنطقة التي شملت الدول الحليفة مثل مصر، إسرائيل، قطر، وجيبوتي؛ مما يعني بطريقة أخرى أن أولويات السياسة الأمريكية في المنطقة ذات مضامين أمنية-عسكرية؛ ولا يوجد طرف أوفر حظا في التعاطي إيجابيا مع هذه الأجندة مثل الرئيس المصري. في مقابل ذلك، هناك قلق سعودي إزاء نيات الرئيس الجديد في واشنطن وقانون جاستا بالذات.
من الناحية التناظرية، نجد أن كل طرف يواجه تحديات إقليمية وداخلية جدية، جعلته بحاجة إلى الطرف الآخر. بالنسبة للرئيس المصري، فإنه يواجه أزمة اقتصادية حادة كنتيجة لارتفاع خدمات الدين الخارجي وتباطؤ النمو إلى أدنى مستوياته. أما بالنسبة للسعودية، فإن أكثر التحديات القاسية التي تواجهها هي الحرب في اليمن وتنامي النفوذ الإيراني في المنطقة. بناءً على هذه الحقائق، يمكن للطرفين أن يتوصلا إلى صفقة، تقوم فيها مصر بدفع قواتها المسلحة نحو الأراضي اليمنية لإنهاء تمرد الحوثيين وتمكين الحكومة في عدن من السيطرة على كل إقليمها؛ في مقابل تقديم السعودية لقروض ميسّرة لإنعاش الاقتصاد المصري وتخفيف ضغوط خدمات الديون؛ خاصة وأن نائب المخابرات السعودية الجديد محمد العسيري قد أعلن الأسبوع الماضي أمام وسائل الإعلام أن مصر وعدت بتوفير 40 ألف جندي لدعم الدور السعودي في اليمن.
بالرغم من الوجه البراغماتي العقلاني لهذه الصفقة المحتملة، إلا أنها عملية محفوفة بالمخاطر والعقبات لعدة اعتبارات: والتي في أولها أن التدخل العسكري في اليمن هو بمثابة انتحار جماعي وتورط أمني ليس بإمكان القوات المصرية في الوقت الراهن تحمّل أعباءه السياسية والأمنية؛ وبالتالي سوف يدفع إلى مزيد من الاصطفاف الإقليمي، خاصة وأن الإدارة الأمريكية ممتعضة من الدور السعودي العسكري في اليمن على خلفية استهداف المدنيين والآثار الإنسانية للحرب.
الاعتبار الثاني، هو حالة الريبة التي لازالت تغشى العلاقات الثنائية بين الطرفين خاصة مع اختبار السعودية للرئيس المصري حول صفقة ترسيم الحدود، وبالتالي سوف لا يكون من السهل إيجاد أرضية يمكن أن تعمل على الأرض في هذا الصدد. الاعتبار الثالث، ان ارتفاع الأعباء الاقتصادية والأمنية السعودية في حرب اليمن وسوريا، في مقابل انخفاض أسعار النفط، والضغوط الاجتماعية الداخلية، كلها عوامل سوف تمنع السعودية منح القروض التي تدفع الرئيس المصري إلى القيام بحشد عسكري كبير والنزول على الشواطئ اليمنية للقتال بالنيابة عن الحكومة اليمنية في عدن.
المشكلة العميقة التي تحول دون نجاح أي شراكة استراتيجية ثنائية أو جماعية في المنطقة العربية، هو غياب الرأي الشعبي في رسم وتحديد الأولويات السياسية والأمنية في السياسة الخارجية للدول العربية بشكل عام؛ وطالما ان هذا المتغير المستقل الرئيسي غائب، فإن الحكومات العربية القائمة ستظل تقاتل دون عمق شعبي، مما يعني بطريقة أخرى الوصول إلى بوابات مسدودة.

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى