دراسات استراتيجيةدراسات شرق أوسطية

العُوار في تحليل الاستراتيجية الامريكية في الشرق الاوسط

وليد عبد الحي

يبدو لي ان محاولات التنبؤ بالسلوك الامريكي في منطقتنا تعتورها إشكالية منهجية تتمثل في محاولة تفسير السياسة الامريكية عندنا في نطاق ” المتغيرات الاقليمية ” الشرق أوسطية دون ايلاء الاهتمام الكافي بالتغير الذي يصيب الدور الامريكي المتآكل في النظام الدولي المعاصر، فالولايات المتحدة التي تدخلت عسكريا في دول أخرى بدءا من زمن جيفرسون في ليبيا عام 1801 الى الآن حوالي 250 مرة، وقتلت حوالي 20 مليون نسمة في 37 دولة بدأ ت تستشعر بنفاد طاقاتها التدخلية ، وهو الامر الذي يكاد ان يجمع عليه أغلب اساتذة الاستراتيجية والدراسات المستقبلية الامريكية.

ان الاطلاع على اهم الدراسات الامريكية والأوروبية خلال العقود الثلاثة الماضية يساعد على استشعار سيطرة هذا الاستنتاج ، ويكفي التوقف عند النماذج الاكثر بروزا في هذا الاتجاه…من باب ” إن نفعت الذكرى”.

لعل دراسة جون غالتنغ (Johan Galtung) الموسومة : ” The Fall of the American Empire—and then What?” الصادر عام 2009 تمثل الاكثر تاثيرا في هذا النطاق، بخاصة ان رصيد هذا العالم – ذي الأصول النرويجية- في التنبؤات جعلته موضع تتبع من الدول المختلفة، فقد تنبأ غالتنغ ب:
– الثورة الأيرانية 1979
– اضطرابات تيانانمين الصيني 1989
– انهيار الاتحاد السوفييتي 1991
– الأزمات الاقتصادية : 1987 و 2008
– هجمات 11 سيبتمبر
وشكل تنبؤه لانهيار الامبراطوية الامريكية( وليس الدولة) دعما –في حدود – لاستنتاجات العلماء الآخرين في هذا المجال،فقد تنبأ عالتينع بأن الأمبراطورية الامريكية ستبدأ في الانهيار في عام 2025 ثم راجع تنبؤاته ورأى ان الانهيار للامبراطورية الامريكية سيحدث في وقت أبكر من 2025، بسبب التسارع الذي تركته سياسات بوش وترامب .
وكان غالتينغ قد وضع نموذجا تحليليا في عام 1980 وطبقه على الاتحاد السوفييتي، حيث رصد ما مجموعه 10 مؤشرات ” متناقضة ” في بنية الاتحاد السوفييتي ، ووصل في خلاصة التفاعل بين هذه المؤشرات العشر الى ان الاتحاد السوفييتي لن يعيش اكثر من ” عشر سنوات ” وهو ما حدث فعلا.
وشكل كتابه عن الولايات المتحدة نقلة جديدة في تطويره لنموذجه، إذ حدد فيه 15 مؤشر تناقض- متزامنة ومتناقضة- في بنية الامبراطورية الامريكية،وقال بأن الانهيار سيبدأ بما اسماه ” تنامي النزعة الفاشية”، وهو ما يتجسد في ظواهر مثل الشعارات الامريكية : امريكيا هي الاستثناء، محور الشر والخير، الثقة المفرطة في القوة الامريكية، وَهْم القيادة والقدرة على السيطرة…الخ.
واستنادا لتقنية ” مصفوفة التأثير المتبادل “(cross impact matrix) وصل الى تحديد المؤشرات الأكثر تأثيرا في تعزيز اتجاه التراجع الامريكي وهي:( ولن اثقل على القارئ بالمؤشرات الكمية التي استند غالتنغ لها)
1-التناقضات الاقتصادية: وتتمثل مؤشراتها الفرعية في :فائض الانتاج وغائض الطلب،البطالة، والتغيرات المناخية
2-التناقضات العسكرية: وتظهر في اتساع الفجوة بين سياسات الولايات المتحدة وسياسات الناتو والحلفاء الاوروبيين، وفي التكاليف الاقتصادية للحروب المتلاحقة
3- التناقضات السياسية: وتتضح في التناقض بين أدوار الولايات المتحدة وأدوار الامم المتحدة وأدوار الاتحاد الاوروبي.
4-التناقضات الثقافية : وتبدو في تناقض الثقافات الفرعية : المسيحية –اليهودية –الاسلامية والاقليات الأخرى
5- التناقضات الاجتماعية: التناقض بين الصورة الحالمة للمجتمع الامريكي وبين ازدياد الشرائح الاجتماعية التي تزداد عجزا في بلوغ الحد الادنى من هذه الصورة، ناهيك عن تنامي سوء عدالة توزيع الثروة.
وبعد تحليل التفاعل المتبادل بين المؤشرات استنتج انها ستزداد عمقا استنادا للاتجاهات العظمى- mega-trends- وهو ما سيدفع الولايات المتحدة نحو سياسات الانكفاء التدريجي عالميا وقد يصل لحواف المجتمع الامريكي خلال الزمن المحدد للدراسة.
إن دراسة غالتنع ليست منفصلة عن دراسات بالعشرات تبدأ بدراسة بول كينيدي المشهورة 1986 وصولا الى دراسات جون غرير(
John Michael Gareer:
Decline and Fall: The End of Empire and the Future of Democracy in 21st
عام 2014.
ذلك يجعلني اعود مرة أخرى للتأكيد ان التغير في السياسات الامريكية في منطقتنا هو نتيجة لفعل عوامل بنيوية أمريكية دولية ، ولا تلعب المتغيرات الاقليمية إلا دورا مساعدا ، فعدم الاسراع نحو الحل العسكري ، والتحول نحو الأدوات الناعمة بدأت بذورها مع فترة أوباما، وأدرك العقل البراغماتي الامريكي ان الضرورة تقتضي إدراك الوهن البنيوي ، لكن الصورة ” للأمريكي المتفوق” تلح على العقل العربي بأن لا يرى الامور الا استنادا للصورة التاريخية……………………………………………………ربما

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى