دراسات سياسيةنظرية العلاقات الدولية

الـمـقـاربــة الــبـنــائـيـة في العلاقات الدولية

الـمـقـاربــة الــبـنــائـيـة (Constructivism) :ظهرت كنموﺫج في العلاقات الدولية مع نهاية الثمانينيات،خاصة مع كتابات” ndtWe Alexander” و”onuf Nicolas”23. أدخل هﺫا الأخير الأدوات البنيوية في دراسة العلاقات الدولية بالاعتماد على التوفيق التـﺫاتاني (SubjectiveArrangement) الـﺫي يركزعلى تأثير المعاييروالقيم والأفكار على سلوك القواعد الدولية24،فمن الناحيةالأنطولوجية تختلف هﺫه المقاربة النظرية عن النظريات التفسيرية في أنها تدافععنأهمية الهويةفي بناء السلوكيات والمصالح،أمامن الناحية المنهجية فهي ترفض سيطرة منهج علمي واحد،وتطالب بالتعدديةالمنهجيةوتفضلالمنهجيةالتفسيرية25،وتنصب أبحاث البنائيةحول طبيعة القواعد ( الدول،الجماعات،الأفراد) والعلاقات البنيوية التي تعرف بالعلاقة بين الفاعل والبنية (ructuretS-Acteur )26، وهﺫا يبين أكبر إسهام ابستمولوجي،وﺫلكمن خلال إيجاد حل لإشكالية العلاقة بين الفاعل والموضوع،و الـﺫي يشكل كل طرف زوجا غير قابل للانفصال وهذا ما يعرف بـ (التكوين المتبادل ) ، وتنطلق البنائية من عدة فرضيات في محاولتها لتفسير السياسة الدولية وتتمثل فيما يلي :
– تشكل الدول الوحدات الرئيسية للتحليل .
– إن البنى الأساسية للنظام القائم على الدول مبنية بشكل تـﺫاتاني
– البنى الأساسية للسياسة الدولية هي بنى اجتماعية وليست مادية .
– إن العلاقات الدولية لا تتأثر بسياسة القوة فحسب ، بل أيضا بالأفكار .
– إن البنية هي نتاج علاقات اجتماعية .
– إن الهويات ومصالح الدول تتشكل بفعل البنى الاجتماعية27.
انطلاقا من هﺫه الفرضيات تحاول البنائية تبني تصورا أكثر اجتماعية ، لـﺫلك تولي أهمية بالغة للهوية في تفسيرها للعلاقات الدولية، ويرى هﺫا الاتجاه أن العلاقة بين الهوية والأمن علاقة سببية، والتي تتجسد في السياسة الأمنية الوطنية ، كما تركز من جهة أخرى على البنية الدولية باعتبارها تحدد سلوك الدول ، كما يشترك البنائيون مع الواقعيين في فوضوية السياسة الدولية ، وأن الدول لها قدرات هجومية ، وأن الدول لايمكن أن تكون متأكدة بشكل مطلق من نوايا الدول الأخرى ، وأنها تحاول أن تسلك سلوكا عقلانيا، فهي إﺫن تعترف بالقدرات العسكرية للدول وعقلانيتها إلا أنها تعتبر الطبيعة الفوضوية بناءا اجتماعيا28. وتنتقد البنائية كلا من الليبيرالية والواقعية الجديدتين لأنهما تعتبران مصالح ومصالح الفاعلين محددة سلفا، فهي تتجاوزهم في ذلك وتعتبر الهويات والمصالح مجسدة في مؤسسات تحتويها ، وهياكلها تنعكس في شكل قواعد رسمية، أو مصالح أو هويات، وبناءا على هذه الرؤية، فإن المِؤسسات هي عملية استيعاب داخلي لوجود الفرد وهويته ومصالحه، وهي عملية معرفية وسلوكية، وتمثل التنشئة الاجتماعية جزءا أساسيا من عملية الاستيعاب الداخلي للهويات ، وبهذا فإن الفوضى وتوزيع القوة لهما معنى فقط في ظل الدور والتوقعات المنطلقة من الهويات والمصالح المؤسسية،وإذا كانت المدرستين الليبيرالية والواقعية الجديدتين تركزان على تعظيم المنفعة، وتعتبران أن كل الهويات والمصالح في السياسة العالمية لها هوية واحدة هي العمل على تحقيق مصالحها، أما البنائية فهي ترى أن الدولة والأماكن تنطلق من فهم ثابت ومحدد ومعروف سلفا لهويتها ،وتعتمد على الأطر التاريخية والثقافية والاجتماعية ، فالهوية تؤثر في السياسة العالمية ، إذ تقوم بوظائف عدة ، فهي تعرفك من أنت،وتعرفك بالآخرين ، وتفهم الدولة الآخرين بناءا على الهويات والمصالح ، حيث أن هوية الدولة تعكس أفضالياتها ومصالحها وأفعالها القادمة29 .
لقد اهتم البنائيون عموما بدراسة وتحليل الظواهر الدولية، خصوصا منها القضايا الأمنية، والنزاعات الداخلية وخصوصا النزاعات الإثنية المتعلقة بالهوية، إﺫ يرون أن أزمة الهوية هي ديناميكية سيكولوجية ،وأن النزاعات الداخلية إنما هي نتاج لهشاشة الهوية الإثنية، إلا أنها في واقع الأمر ما هي إلا بناءا لقادة إثنو– سياسيين،فلكي تحدث أزمة الهوية يجب توفر مجموعة من الظروف المساعدة على انفجار النزاع ، فمرض الهوية عبارة عن تزامن لمجموعة من الأعراض ويلخصها ” hualT François” في ثلاثة أزمات هي :

1- الأزمة الاجتماعية – الاقتصادية :إن انعدام الرفاهية ،وتجني مستوى معيشة السكان ، وارتفاع نسبة الفقر، يزيد من درجة التوتر داخل المجتمع وعدم الاستقرار ويعزز اللامساواة والتهميش ، مما يدفع لتحريك المطالب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية،ويمهد لظهورالنزاع وتصعيده سعيا لتحقيق الذات والبقاء للجماعات الإثنية داخل المجتمع ككل.

2– أزمة الدولة : إن أزمة الهوية لن تحدث إذا لم يكن هناك أزمة دولة ، فالدولة في هذه الحالة لم تستطع تقلد وظائفها الدولاتية ، ووقفت عاجزة عن تلبية أبسط الحاجات للمواطنين ، وهذا العجز ناتج عن شخصنة الدولة، أي أنها أصبحت تخدم أقليات أو جماعات معينة تحتكر السلطة والثروة وتمثل الدولة في شخص هؤلاء ، وبما أن دولة ما بعد الاستقلال ضعيفة وهشة ويسيطر عليها العامل الإثني، فغالبا ما يخلق التمييز بين الجماعات الإثنية، كما أن الحياة السياسية في هذه الدول لا يمكنها أن تقوم إلا على أساس نزاع الهوية الإثنية ، وقد توصلت الدراسات في هذه المجال إلى أن المطالبة بالحقوق السياسية ينبثق في الأساس من سياسات التهميش والتمييز والإقصاء التي يمارسها النظام السياسي أو الطبقة الحاكمة، إلا أن هذا العامل وحده لا يكفي لبروز أزمة الهوية.

3- أزمة التجانس الداخلي الإثنو– ثقافي (éténiégortéHé ) : ترتبط الظروف الهوياتية إلى حد بعيد بعامل التجانس الداخلي ن والذي يفرض وجود أقليات أو إثنيات وطنية أو دينية من جهة ، ووجود جار يعتقد أنه عدواني ، خاصة إذا كان هذا الجار يدعم أحد مكونات المجتمع في دولة معينة ، فعدم التجانس الداخلي هذا يجعل الإثنيات تعيش منغلقة في نفس المجال السياسي ونفس الحدود، ويخلق فجوة تقسم الجماعات المختلفة الهوية إلى” نحن” و “هم” ، كما تنقسم إلى ” أهل البلد ” و ” الغرباء ” ، ومن هم ” داخل الجماعة” ومن هم “خارج الجماعة”32، وكلما زادت الفوارق بين الجماعات الإثنية ، كلما اتسعت هوة التفاهم ونمت الأحقاد أكثر فأكثر ، فيلجأ إلى العنف أو الهجرة

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى