دراسات شرق أوسطية

المرأة السورية كانت سفيرة نساء العرب.. فمتى تعود؟

د.محمد عبدالرحمن عريف

هي من حصلت على حق التصويت منذ العام 1949 وحق الترشح والانتخاب 1951، وهي من الحقوق السياسية الهامة التي من المفترض أن تكتمل بحصولها على حقوقها الاجتماعية في الفضائين الخاص والعام. ولكن لم تستطع النساء السوريات الحصول على “كوتا نسائية” بحدها الأدنى 30% واستمر هذا الأمر قبل الثورة ليومنا هذا”. رغم أن سورية كانت من أوائل الدول التي منحت المرأة هذا الحق، حتى أنّها سبقت عدداً من الدول الأوروبية المتقدمة في ذلك، وفي عام 1950 رشحت “ثريا الحافظ” نفسها في إنتخابات البرلمان لكنها لم تفز، وبحلول عام 1971 أصبح للمرأة أربعة مقاعد في البرلمان من أصل 173 مقعداً، ازداد بعدها عدد المقاعد البرلمانية النسائية حتى وصلت إلى 12% من مجمل مقاعد البرلمان السوري في الانتخابات التشريعية للعام 2012.

لا تقتصر المشاركة السياسة على السلطة التشريعية فقط، فقد شغلت المرأة السورية منصباً وزارياً منذ عام 1976 حيث بدأت مشاركتها بالوزارة بمنصب وزاري واحد هو وزارة الثقافة، ليصبح للمرأة منصبان بعد تسلم المرأة الثانية لحقيبة وزارة التعليم العالي عام 1991 ثم انتقلت هذه الحقيبة إلى وزارة العمل عام 2000 والثانية إلى وزارة المغتربين، كذلك تعمل المرأة في السلك الدبلوماسي السوري منذ عام 1953 وقد بلغ عدد السفيرات السوريات “خمس سفيرات” في 2005، ودخلت سلك القضاء منذ عام 1975 وتعمل في كافة أنواع المحاكم (مدنية، جزائية، تجارية) وكافة درجات التقاضي حتى محكمة النقض ومجلس القضاء الأعلى والنائب العام الأول لسورية ولكن ليس في القضاء الشرعي.

هنا كان حقًا لها أن تأخذ هذا اللقب فهي من شاركت منذ انطلاقة الثورة عام 2011 بفاعلية لافته بهرت العالم، إن دلت على شيء إنما تدل على مستوى عالٍ من النضج الفكري والسياسي، مما يعطي انطباعًا بأن لها مكانة مميزة، وستكون شريكة بصناعة القرار على الصعيد السياسي والاقتصادي وشريكة بصياغة مستقبل سوريا.

رغم كل ذلك جاء غيابها تمامًا عن المشهد السياسي اليوم وبعد أكثر من ثمان سنوات يلاحظ غيابها تماماً عن المشهد السياسي في الداخل السوري، وتراجع كبير في حضورها السياسي خارج سوريا. فتمثيلها في الهيئات السياسية لا يطال مركز صنع القرار، ووجودها لا يتعدى ضرورات الديكور. قد يكون هو الضعف السياسي حالة عامة كما أوضحت سيرورة الأحداث، فإن الضعف السياسي ونقص الخبرة، حالة عامة لا تطال النساء فقط، ولا يبرر إقصاء المرأة بحجة نقص الخبرة والكفاءة.

قد تكون هي الخطوات اللازمة للوصول إلى مشاركة فعالة حول الخطوات اللازمة للوصول إلى مشاركة فعّالة في الحقل السياسي، والمعايير التي تحكم وصول المرأة إلى مواقع سياسية هامة، وهنا قد يوجد سببان لعدم تطور العمل السياسي للمرأة، اجتماعي وسياسي.

فالعامل الاجتماعي يتعلق بالأحزاب السياسية التي تصدرت المشهد السياسي في سوريا من خلال فترة الستينات، كانت أحزاب المد القومي وهي بطبيعتها أحزاب محافظة تحتكم بأدبياتها إلى العادات والتقاليد الاجتماعية السائدة، ولم تكن قضايا الدعم السياسي للمرأة من اهتماماتها. وفي الثمانينات، باتت الحياة السياسية معدومة، إثر البطش الأمني والتنكيل الذي طال أغلب أعضاء الأحزاب المعارضة من رجال ونساء، وهذا أدى إلى ابتعاد النساء عن العمل السياسي، بل وابتعاد الرجال أيضًا. فتمثيل المرأة في الهيئات السياسية لا يطال مراكز صنع القرار، ووجودها لا يتعدى ضرورات الديكور.

الواقع أنه عندما مرت سوريا بفترة انفراج ديمقراطي، كان هناك الكثير من السيدات اللاتي كان لهن دور على المستوى الثقافي والاجتماعي والسياسي. ولما جاء نظام الاستبداد أدخل مفاهيم غريبة، شوه الأسرة وحرم المرأة من التطور الطبيعي والارتقاء بدورها في الحياة الاجتماعية والسياسية، ودورها دخل ضمن لعبة الاستبداد، الممارسة عليها وعلى الرجل على حد سواء.

هنا تأتي مسؤولية المرأة عن هذا الواقع، وكي نحاكم كفاءة السياسيّات يجب أن يكون لديهن الفرصة في ممارسة العمل السياسي وهذه مسؤولية جميع الأطراف المعنية بنهوض المجتمع السوري. العمل السياسي ليس رغبة فقط، هو مهنة يجب احترافها بشكل علمي للوصول إلى نتائج صحيحة، وبالتالي؛ على السيدات المهتمات بالشأن السياسي أن يمتلكن ثقافة سياسية، لامتلاك مفاتيح العمل السياسي. إضافةً إلى مسؤولية الأحزاب السياسية التي تتبنى مفهوم تمكين المرأة سياسياً، من خلال وضع خطة عمل واضحة في هذا الاتجاه تصنع منهن، رائدات في المحافل الدولية.

من ثم فإن إحدى البوابات الهامة لتحقيق هذا الغرض هو المنظمات النسائية، فنشوء منظمات وتجمعات تعمل على قضايا المرأة يعد عملاً إيجابياً، ومطلوباً نظراً لحاجة المجتمع السوري للعديد من المنظمات لتغطية الإهمال الكبير الذي عانت منه السورية، فالتشكيلات السياسية المحدثة هي استمرار للأحزاب القديمة بأشخاصها وعقليتها، تقليدية وإيديولوجية ولا تعبر عن ثورة تريد التغير الشامل. فالمجتمع السوري بحاجة لرؤية جديدة وبرامج عمل تواكب هذا التطور الذي حصل، والذي برزت فيه المرأة وعبرت من خلال مشاركتها بالثورة عن تطور يفوق العقلية الحزبية الموجودة في الاحزاب السورية.

يبقى في النهاية أن المرأة السورية لا تنقصها الكفاءة. بل ينقصنا أحزاب سياسية وطنية منفتحة، وبرامج واضحة تتعلق بالمرأة. أما الخبرة فتكتسب من الممارسة. وبالنسبة للهيئات التمثيلية، سنجد العديد لم ينجح بتقديم مشروع وطني يكون بديلاً واضحاً عن النظام وهذا هو الأساس، فهل ننتظر أن يكون لديهم برنامج يخص المرأة؟. فتحقيق مشاركة فعّالة في العمل السياسي هو بداية الانخراط في العمل مع الأحزاب السياسية التي تناسب توجهاتهن. ومحاولة العمل الجاد من داخل الحزب لامتلاك الخبرات في الحوار والنقاش المنطقي، وامتلاك زمام المبادرة. وكذلك عليهن أن تَعين مفهوم المشاركة والتعاون لدعم قضيتهن.

ختامًا فهي الثورة بمختلف وسائل تعبيرها السياسي والمدني، تبقى فعل ديموقراطي يحدث للمرة الأولى في تاريخ سوريا، فمسؤولية الجميع رعاية هذه الثورة والعمل الجاد للوصول إلى مجتمع ديموقراطي تسوده العدالة والمساواة. فكيف ستتكون الخبرة دون الممارسة العملية للعمل السياسي ودون دخول التجربة؟، لنكن واقعين ونعترف بأن العقلية الشمولية والتفكير الإقصائي إذا ظل سمة السوريين رجالاً ونساءً ليس في صالح سوريا والسوريين، وفي القلب منهم نموذج المرأة السورية التي كانت سفيرة نساء العرب.. فمتى تعود؟.

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى