دراسات استراتيجيةدراسات سياسية

المشهد الإيراني عام 2020 طبقا لإيقاع التغير الفعلي عام 2008

أولا: السيناريو الممكن

سيتم بناء السيناريو الممكن على أساس استمرار وتيرة هذه المتغيرات الواردة في الجدول رقم(56)كما هي دون تغيير إلا في حدود التغير الذي اشرنا له واثره على مكانة إيران الإقليمية،وهو ما يستدعي تقسيم المتغيرات إلى مجموعتين :

أ-المتغيرات الداخلية(وتشمل المتغيرات من 1-33 الواردة في الجدول رقم(55).

ب-المتغيرات الخارجية وتشمل المتغيرات من 34-40،وقد أدرجنا الأحزاب المعارضة في هذه المجموعة نظرا لوجودها في الخارج ولاستنادها على دعم القوى الدولية.

وسنتتبع هذا السيناريو على محورين،الأول هو السيناريو المتفائل(افتراض استمرار الوضع على حاله مع عدم قدرة المتغيرات السلبية على تغيير هذا الوضع) ثم السيناريو المتشائم القائم على افتراض تنامي دور المؤشرات السلبية بشكل يغير من بنية النظام تماما.

وسنقوم بعرض هذين السيناريوهين كما لو أننا في عام 2020،وعليه سيكون الواقع الحالي قد تحول إلى ماضي.

أ-السيناريو الممكن المتفائل: 

نظرا لأن التزايد السكاني للمجتمع الإيراني حقق نقطة التوازن فقد أعلن وزير الداخلية في عام 2020 أن عدد سكان إيران هو 83,7 مليون نسمة،يتوزعون على مساحة 1,648 مليون كم2،وبكثافة سكانية تصل إلى 50,78 شخصا في الكيلومتر المربع.

وتشير الارقام الرسمية المعلنة في الصحف الإيرانية في نهاية عام 2020 إلى أنه ما يزال المجتمع الإيراني مجتمعا فتيا،إذ رغم الإنضباط في الزيادة السكانية فإن نسبة الشباب تمثل 58%،وهو أمر ساعد قليلا في تخفيف الضغط الاجتماعي على الدولة خلافا لما حدث عام 2012 من إضطرابات اجتماعية بسبب ارتفاع نسبة البطالة والتضخم.

ويعاني المجتمع الإيراني من تزايد التكدس الحضري،حيث يمثل سكان المدن 78,2% من مجموع السكان،وهو الأمر الذي يؤدي إلى ضغط على المرافق لا سيما أن التجديد في هذه المرافق ما زال محدودا،كما أن هذا التزايد في عدد سكان المدن أدى إلى ارتفاع شديد في أسعار العقار،وهو الذي جعل الدولة تزيد من مخصصات مشروعات الإسكان غير أنها لا تزال عاجزة عن حل هذه المشكلة.

ويلاحظ أن النزوح الريفي نحو المدن رفع من وتيرة التفكك الأسري،وتزايدت نسبة الجريمة وانتشار المخدرات،لا سيما أن الاضطرابات في البيئة المحاذية سمحت لتجارة المخدرات بالإستمرار وهو الأمر الذي انعكس على إيران بحكم أنها تمثل معبرا تجاريا من أفغانستان وباكستان.

وقد اشارت المصادر الأمنية إلى ان معدل الاشتباكات المسلحة بين قوى الأمن وشبكات تهريب المخدرات عام 2020 تجاوزت (2000) اشتباك،أي بزيادة تصل إلى 2% عن عام 2019.

من ناحية أخرى ،تبدو آثار النزعة الانفصالية بين أقليات البيئة المحاذية والإقليمية أقل تأثيرا على الأقليات الإيرانية،وتراقب إيران وتركيا بشكل منسق تطور الاشتباكات بين الجيش العراقي والقوات الكردية في شمال العراق والتي اشتدت حدتها منذ عام 2018،إذ أن الأكراد أقاموا كيانا سياسيا في شمال العراق شبيه بحالة شمال قبرص،أما التنظيمات الدينية السنية بخاصة في بلوشستان،والقومية في خوزستان فقد تراجع نشاطها بشكل كبير منذ عام 2014،الأمر الذي خفف من العبء الأمني عن كاهل الدولة.

وقد لعبت بعض المؤشرات الاقتصادية دورها في تحسن الوضع العام في الدولة،ولعل تنامي حجم الطبقة الوسطى لتصل إلى 59% عام 2020 ساهم في التوزان الاجتماعي إلى حد ما،نظرا لترافقه مع تحقيق الدولة لنسبة زيادة سكانية متوازنة كما سبق وان ذكرنا،واستمرار اسعار البترول في حدود 130 دولارا منذ عام 2019،وتحقيق معدلات نمو تصل إلى 5،4%.

وتمكنت الدولة من تخفيف جزئي من مشكلة البطالة،فرغم دخول حوالي 918 ألف فرد إلى سوق العمل عام 2020 فإن معدل البطالة تراجع إلى حوالي 11%،غير أن حذف العمالة الموسمية من تعريف العمالة يرفع هذه النسبة إلى 12،1%.

كما تمكنت المؤسسة العسكرية من تحسين الناتج الصناعي من خارج القطاع النفطي،وقد ارتفع الناتج الصناعي عام 2020 بنسبة 2% عن العام السابق،وهو ما ساهم في تقليص الواردات وتزايد الصادرات،مع ملاحظة أن إيران صدرت مواد عسكرية عام 2020 بحوالي 280 مليون دولار،غير ان استمرار القيود على الحرية الاقتصادية ولو بحدة أقل منذ عام 2014 لم تساعد على تطور أكبر.

وشكلت زيادة القدرة الصناعية في مجال صناعة السيارات مؤشرا على تحسن واضح في هذا القطاع،فقد انتقلت إيران إلى المرتبة الثامنة عالميا في صناعة السيارات عام 2020،علما انها احتلت المرتبة 18 عام 2005 والمرتبة 10 عام 2009(أنتجت 700 الف سيارة من 17 طراز عام (2008)2.

ونظرا لتحقيق مؤسسات البحث العلمي تطورا هاما،رغم أن أغلب نفقات البحث العلمي حتى عام 2016 ذهبت إلى الأغراض العسكرية،فقد تعزز الوضع الاقتصادي قليلا من هذه الناحية نظرا لاستمرار نسبة الانفاق الدفاعي في حدود 4,8% من إجمالي الناتج المحلي.

ويعود تحسن البحث العلمي إلى تطور التعليم في المجتمع الإيراني ،فقد بلغت نسبة الأمية عام 2020 حوالي 10،14%،وتقاربت نسب التعليم بين الذكور والإناث بشكل ملحوظ.

وقد ساهمت كل هذه المؤشرات في تخفيف وطأة التضخم ولكن بنسبة بسيطة،ورغم استمرار التباين بين ارقام الدراسات الغربية والأرقام الرسمية الإيرانية فإن البنك المركزي الإيراني قدره في عام 2020 بحوالي 18% بينما تشير المصادر الغربية إلى أنه يصل إلى 20%.

وقد انعكست كل هذه التغيرات على مؤشر التنمية البشرية،وقد دخلت إيران إلى الشريحة الدنيا في مجموعة الدول الأعلى في هذا المؤشر عام 2014، متقدمة في ذلك على كل من السعودية ومصر.

وفي مجال المشاركة السياسية،استمر تقلص نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية،فلم يشارك في انتخابات عام 2017 إلا 50% تقريبا،بينما لوحظ استمرار في تحسن المشاركة في الانتخابات البرلمانية حيث وصلت نسبة المشاركة في انتخابات عام 2020 حوالي 68% وهي نسبة عالية بالمقاييس الدولية.

على ان البنية الحكومية في الدولة ما تزال تعاني الكثير من مظاهر الفساد،فقد تراجعت مكانة إيران في مقاييس منظمة الشفافية الدولية،واحتلت المرتبة 160 بين الدول ال 199 دولة في عام 2020،وقد انعكس ذلك في تنامي ظاهرة الشللية،وعدم قدرة الدولة على ضبط السلوك الاقتصادي للحرس الثوري بشكل خاص، رغم دوره في الانجازات الاقتصادية لا سيما في قطاع التصنيع.

كما تواصل الدولة تدخلها في قوائم الانتخابات،ورغم الاحتجاجات التي رافقت انتخابات الرئاسة عام 2009،وعام 2013 و 2017 حول حجم تدخل مجلس صيانة الدستور في قبول المترشحين،وكذلك تدخله في انتخابات مجلس الشورى في الأعوام 2012 و 2016 وأخيرا في عام 2020،فإن المقترحات التي قدمت من قبل الإصلاحيين في مجلس الشورى لتحديد معايير أكثر وضوحا للأسس التي يتدخل على أساسها مجلس صيانة الدستور لم تجد موافقة من المجلس.

ورغم التحسن التدريجي في مناخ الحريات السياسية،وتزايد عدد صحف المعارضة،وإقرار مجلس الشورى منذ عام 2012 السماح بإقتناء أدوات إلتقاط المحطات الفضائية،وتزايد المشاركين في شبكة الانترنت،إلا أن الأحزاب السياسية ما تزال تعاني من الرقابة عليها،لا سيما الأحزاب السياسية الليبرالية التوجه،بينما أصبحت المعارضة الخارجية اقرب إلى هياكل سياسية ضعيفة تفقد وزنها تدريجيا كما حدث مع منظمة مجاهدي خلق التي إنحلت عام 2012.

ومع تدهور صحة المرشد الأعلى منذ بلوغه سن 75 عاما في عام 2014،تزايدت الدعوات لانتخاب المرشد الأعلى بطريقة مباشرة من الشعب أو تعيين مجلس يقوم مقامه،أو فصل مهام المرشد الأعلى عن القضايا السياسية والتركيز على القضايا الروحية، لكنها لم تؤد الغرض المطلوب.

أما على المستوى الخارجي،فإن العلاقات العربية الإيرانية تعرف قدرا من التذبذب،فمن ناحية لم تتمكن الإمارات العربية من حل مشكلاتها مع إيران حول الجزر رغم إثارة الموضوع في مناسبات عديدة مع المسؤولين الإيرانيين الذين يزورون المنطقة من ناحية وفي مجلس التعاون الخليجي من ناحية ثانية،وواصلت الإمارات المناداة بعرض الموضوع على محكمة العدل الدولية،كما أن مجلس التعاون الذي اقامته دولة الإمارات مع إيران في أكتوبر 2008 دفع بقضية الجزر إلى التواري التدريجي،كما أن المشاريع المشتركة في الجزر أفقدت القضية زخمها رغم ظهورها بين الحين والآخر في بعض التصريحات والمقالات الصحفية الخليجية.

ونظرا للتغيرات المتكررة التي أصابت القيادات السياسية العليا في عدد من الدول الخليجية فإن الانصراف إلى الشأن الداخلي أعطى إيران هامشا من الحركة أوسع مما كان عليه الحال بعد عام 2012.

كما كان لتزايد نسبة التكنوقراط في الإدارات العليا في إيران والسعودية دور في استقرار العلاقات بينهما،رغم التصريحات التي تظهر من وزير الخارجية السعودي الجديد الخاصة ببعض التيارات السياسية في العراق والمدعومة من إيران.

وتبدي إيران قدرا كبيرا من الحذر في الرد على بعض الدعوات التي تظهر في بعض الصحف الخليجية والداعية إلى الحد من التزايد في العاملين الإيرانيين في دول الخليج،كما أن إيران أكدت على عدم تدخلها في الشأن الداخلي للدول الخليجية إثر تزايد الدعوات من قبل بعض المثقفين الشيعة في السعودية للسماح بتشكيل نوع من الأحزاب السياسية منذ عام 2018.

ونظرا لموافقة العراق على وجود تسهيلات عسكرية أمريكية في اراضيه بعد اتفاق عام 2009،وتراجع قوة الأحزاب الدينية العراقية وهو ما ظهر في انتخابات البرلمان العراقي في عام 2017،أخذت إيران في التركيز بشكل أكبر على علاقتها مع آسيا الوسطى،لا سيما بعد أن اتهمت الحكومة العراقية إيران بأنها تتدخل في شؤونها الداخلية إثر الاشتباكات بين أنصار إيران وخصومها داخل القطاع الشيعي من الشعب العراقي كما حدث في عام 2015.

وقد تنامت العلاقات الإيرانية السورية في مجالات إقتصادية رغم ظهور بعض الخلافات بين البلدين حول التضييق في العراق على التيارات السياسية العلمانية،وتسعى إيران منذ عام 2013 إلى تمديد أنابيب نفط إيرانية إلى سوريا عبر العراق،لكنها لم تنجح حتى عام 2020 .

ونظرا لتغير القيادة السياسية في مصر،وما تلاها من إضطرابات واسعة بعد عام 2011،أكدت إيران وقوفها ضد المحاولات الخارجية لا سيما من بعض الدول الغربية للتأثير على استقلال مصر،لا سيما مع اختلال موازين القوى السياسية الداخلية في مصر لصالح التيارات المناهضة للسياسة الأمريكية3.

وتبدو العلاقات الإيرانية الإسرائيلية هي الأكثر توترا في شبكة علاقات إيران الإقليمية،نظرا لاستمرار الغموض الاستراتيجي الإيراني في الموضوع النووي،وتزايد التعاون بين أذربيجان وإسرائيل بعد انضمام الأولى لحلف الاطلسي عام 2012،وتزايد التواجد الإسرائيلي في المناطق الكردية العراقية،واستمرار تنامي نفوذ القوى الشيعية اللبنانية لا سيما المسلحة منها.

ويسود التوتر الشديد الذي بدأت وتيرته بين الطرفين في العودة لحدتها التي سادت قبل أكثر من عشر سنوات(في أعوام 2008 و2009)، إلى عدة عوامل منها،عمليات الإغتيال الغامضة التي تتهم فيها إسرائيل كلا من إيران وحزب الله ،وتزايد التقارير عن طبيعة المحطة النووية التي بدأت إيران بمساعدة سوريا على إنشائها عام 2017.

وتشير الصحف الإيرانية منذ أكثر من عام وتحديدا مع منتصف عام 2019 إلى خسارة إيران بعض نفوذها في الساحة الفلسطينية نظرا للاضطرابات الواسعة بين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة،وبدء تراجع مكانة الحركة الدينية.

ونظرا لعدم تحقيق إيران اختراقات ذات شأن في علاقاتها العربية،بدأت توجهات السياسة الخارجية الإيرانية تميل تدريجيا وبشكل متسارع نحو أسيا الوسطى منذ عام 2013.

وقد نجحت إيران في تسريع العمل لتنشيط طريق الحرير الجديد،ونجحت في الدخول إلى منظمة شنغهاي كعضو كامل العضوية،غير أن المنافسة الإسرائيلية لها في هذه المنطقة والإغراءات الأمريكية لكل من قرغيزيا وأوزبكستان بشكل اساسي،إلى جانب عضوية أذربيجان في حلف الناتو منذ عام 2012 والتي اشرنا لها،ما تزال تعيق تقدم إيران في هذا الجانب.

ونظرا لاستمرار الحصار الغربي على إيران،رغم استمرار التلكؤ الأوروربي في تطبيقه بالشكل الذي تريده الحكومة الأمريكية،فقد بدأت إيران تعاني من مشاكل اقتصادية لا سيما في قطاعها النفطي،حيث لم تتمكن من زيادة انتاجها منذ عام 2015،وقد ساعدها بعض الشيء بدء توليد طاقة كهربائية من محطاتها النووية.

وتواصل الولايات المتحدة ضغوطها على إيران،بعد أن اقامت محطات تنصت على حدودها الغربية مع العراق،كما يتواصل ظهور السفن الحربية الأمريكية في مياه الخليج بين الحين والآخر.

ورغم أن النظام السياسي حقق قدرا من الاستقرار السياسي، فإن الولايات المتحدة عادت منذ عام 2016 إلى السعي لتغيير النظام ،لكنها لم تنجح حتى الآن رغم فرار شخصيات إيرانية بارزة إلىالخارج بعد خلافات حادة حول صلاحيات المرشد الأعلى والتي تزايدت بعد عام 2014.

وقد أدى غياب عدد من الشخصيات عن المسرح السياسي الإيراني حتى عام 2020 بسبب الموت أو العجز الصحي مثل رفسنجاني ومهدي كروبي ومحمد خاتمي ومحمد تقي مصباح يازدي وعلي أكبر ولايتي وغيرهم من القيادات الأولى للثورة إلى تعزيز القيادات الشابة التكنوقراطية،وهو ما عزز النزعة البراغماتية في السياسة الإيرانية وشجع الأوروبيين على المراهنة على هذه التحولات الهادئة في البنية السياسية الإيرانية.

ومع أن التيار الاصلاحي بدأ يعرف قدرا من التحسن في وضعه بعد عام 2013 ،أي بعد انتهاء فترة الرئيس السابق والتي اصطبغت بالنزعة الشعبوية الى حد ما،فإن الولايات المتحدة ما زالت تتأرجح في سياستها بين التفاوض مع إيران على العديد من القضايا وبين الرغبة الكامنة في تغيير النظام لاستكمال حلقات تطويق روسيا وملء الفراغ في مناطق المجال الحيوي لها وللصين،رغم ان هذه السياسة عرفت تلكؤا بعد الانهيار المالي الذي أصاب الأسواق الأمريكية عام 2008،واستمر تأثيره حتى عام 2011.

نظرا لكل هذه المعطيات اتسمت المكانة الإقليمية الإيرانية في نهاية عام 2020 بما يلي:

1-تنامت القوة الإيرانية دون الوصول إلى حد اعتراف المجتمع الدولي بها كقوة إقليمية تشاركها الدول الكبرى في اتخاذ القرار الاستراتيجي الخاص بالمناطق الجيواستراتيجية التي تنتمي لها إيران وبالذات آسيا الوسطى والقوقاز وآسيا العربية.

2-بقيت العلاقات الإيرانية العربية لا سيما مع دول الخليج تتأرجح بين توترات إعلامية أو مواجهات ديبلوماسية في بعض المحافل الدولية لكنها لم تصل إلى حد التصادم العسكري بينهما،وقد أبدت دول الخليج -في حدود معينة- نوعا من التردد في الاستجابة لتوجهات أمريكية نحو مزيد من التضييق على إيران.

3-واصلت إيران سياستها في عدم توظيف البعد المذهبي في علاقاتها مع الدول الخليجية باستثناء العراق،كما حرصت التيارات السياسية الشيعية في دول الخليج لا سيما في كل من السعودية والبحرين والكويت على الحفاظ على مسافة سياسية كافية بينها وبين إيران.

غير أن بعض الدول الخليجية بدأت منذ عام 2013 بعض التضييق على الإيرانيين العاملين فيها لا سيما في الإمارات العربية والكويت.

4-سادت سياسة الغموض الاستراتيجي في السياسة النووية منذ البداية حتى عام 2020،غير أن إيران حققت تقدما واضحا في إقرار دولي بحقها في تطوير برامجها النووية رغم استمرار الجدل حول طبيعتها،لا سيما أن أخر تقارير وكالة الطاقة النووية لعام 2020 إشتمل على قدر من عبارات التشكيك في طبيعة المنشآت الإيرانية.

ومعلوم ان محمد البرادعي –رئيس وكالة الطاقة النووية السابق-كان قد اعلن في عام 2007 أن إيران”إذا كانت تسعى لإمتلاك القنبلة النووية ،فيمكنها ذلك خلال فترة تمتد من 3-8 سنوات،أي بين 2010-2015″،غير أن امتلاكها لا يعني الإعلان عنه في دولة تتسم بقدر كاف من العقلانية.

5-بلغت العلاقات الإيرانية مع دول آسيا الوسطى قدرا كافيا من التطور منذ عام 2012 لا سيما في مجال تمديد الأنابيب النفطية والغازية،وتطور التجارة البينية،وشكل تغلب إيران على عقبات دخولها إلى منظمة شنغهاي عاملا مشجعا على تطور هذه العلاقات.

6-رغم كافة المشكلات التي طرأت على العلاقات الإيرانية الأوروبية،فإن أوروبا ما تزال هي الشريك التجاري الأول لإيران طبقا لإحصاءات عام 2020.

ب-السيناريو الممكن المتشائم

يستند بناء السيناريو المتشائم على فكرة محددة وهي تعظيم جوانب الخطر والمتغيرات السلبية في الظاهرة موضوع البحث.

ويمكن لنا أن نحدد مصادر الخطر الاساسي على إيران في الآتي:

أولا-التعرض لهجوم عسكري كاسح من إسرائيل أو الولايات المتحدة أوكليهما معا.

ثانيا-إضطرابات داخلية تتطور إلى حد الثورة وتغيير النظام.

وسنعمل على تناول هذين الاحتمالين :

أولا:الهجوم العسكري:

استنادا إلى ما نشرته الدوريات المختلفة لا سيما الأمريكية منها والصادرة عن مراكز الدراسات الاستراتيجية أو من الخبراء العسكريين،فإن الهجوم على إيران قد يكون مدفوعا لا بالخوف من الإمكانيات الحالية لإيران بل من الإمكانيات والفرص التي قد تتاح لها مستقبلا وتجعل التغلب عليها أكثر صعوبة، وقد يأخذ العمل العسكري ضدها عدة احتمالات:

1-أحتلال إيران على طريقة الاحتلال لكل من افغانستان والعراق بين2010-2013.

وتتم هذه العملية عبر ضرب معسكرات الحرس الثوري الأساسية بتهمة أنها مراكز لتدريب الإرهابيين أو المقاومين في العراق،ثم الانتقال بعد ذلك إلى ضرب المفاعلات النووية بالطائرات والسفن الحربية ،وتشمل الأهداف حوالي 300 موقع منها 125 موقعا لها صلة بأسلحة الدمار الشامل.

وفي المرحلة التالية يتم الهجوم البري عبر عدة جبهات من الشمال (قوات قادمة من أذربيجان)وقوات من الشرق من افغانستان،ثم من الجبهة الغربية من العراق والخليج،وتتقدم هذه القوات نحو العاصمة طهران على غرار ما حدث في العراق،وتستغرق المدة لإنجاز هذه المهمة حوالي اسبوعين.

وذكرت الصحف الأمريكية أن هذه الخطة تخضع للتحديث بشكل دوري على ضوء التطورات العسكرية في إيران ونمط المعلومات المتوفرة عن المواقع الإيرانية.

وفي هذه الحالة فإن المنطقة ستعرف إضطرابات واسعة من العنف واستغلال الأقليات المختلفة لهذه الحالة للإنفصال عن الدولة الأم،وقد يشكل ذلك قاعدة لإنجاز مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي قام على فكرة أن مشكلات الشرق الأوسط ليست نابعة من القضية الفلسطينية أو من النفط أو من الحركات الإسلامية بل نتيجة عدم تطابق الحدود السياسية مع الخريطة الإثنية للمنطقة،وهو ما يعني فتح المجال أمام تطبيق الفكرة التي طرحها رالف بيترز(Ralph Peters) الذي عمل نائبا لرئيس الاركان لشؤون الاستخبارات في وزارة الدفاع الأمريكية في إجتماع لحلف الأطلسي في روما عام 2006 ،وتقوم على تغيير الخريطة السياسية لأغلب دول الشرق الأوسط بشكل تتسق فيه الحدود السياسية مع الحدود الاجتماعية،وتتركز التغييرات في مناطق الأكراد والبلوش والشيعة والمسيحيين والبهائيين والإسماعيليين والنقشبنديين والأرمن،وهو ما سيؤثر على خرائط كل من إيران والعراق والسعودية والأردن وباكستان وتركيا.

2-تطبيق خطة كونبلان-8022

تستند هذه الخطة (التي بدأ العمل عليها مع نهاية عام 2002 في فترة تولي رامسفيلد وزارة الدفاع) بشكل أساسي إلى استثمار التفوق التكنولوجي بين إيران والولايات المتحدة بأكبر قدر ممكن،وتقوم هذه الخطة على ركائز اربع:

أ-استخدام أدوات الحرب الإليكترونية والسيبرانية لشل كافة الأجهزة الإيرانية العاملة في الحقل العسكري وغيره،وشل سبكة الانترنت وقطع الكهرباء عن كافة اجهزة الاتصالات.

ب-استخدام القصف الدقيق لكافة المواقع الحساسة بواسطة القاذفات.

ج-إنزال قوات خاصة تعمل في المناطق الحساسة.

د-استخدام القنابل النووية التكتيكية لإختراق المواقع المحصنة في إيران.

ومن الواضح ان هذه الخطة معنية فقط لا بتغيير النظام بل بأنهاء طموحاته النووية،وهو أمر يبقى موضع جدل بين الخبراء العسكريين.

3-استخدام القصف الجوي:سواء من قبل إسرائيل او الولايات المتحدة أو كليهما:

تشير التصورات الاستراتيجية لهذا الاحتمال إلى ان هذه الخطة تعني قيام الطائرات الأمريكية او الاسرائيلية بغارات على المواقع الاساسية في إيران، مع التركيز على تدمير أهم ثلاثة مواقع(بوشهر،اراك،طهران)،فإذا لم تستجب إيران على الفور لمطالب الدول الغربية (وقف تخصيب اليورانيوم والقبول بمراقبة اكبر لمنشآتها)،تبدأ الموجة الثانية من الهجوم مستهدفة كافة المواقع الدفاعية الإيرانية بما فيها المواقع المدنية والعسكرية الخاصة بالبرنامج النووي ،مع التلويح باستخدام أسلحة نووية في حالة استخدام إيران لأية اسلحة دمار شامل من قبلها أو من قبل حزب الله.

4-احتمال الحرب النووية بين إيران وإسرائيل:

يعيدنا هذا السيناريو إلى المتغير “قليل الاحتمال –عظيم التأثير”(Low Propability-High Impact)الذي سنعود له في السيناريو المحتمل ،فإذا افترضنا أن إيران ستمتلك سلاحا نوويا خلال الفترة بين 2010 و2020،فإن المواجهة النووية مع إسرائيل تصبح محتملة ولوفي حدود قليلة .

ويرى الخبير الأمريكي أنتوني كوردسمان أن هذا السيناريو ينطوي على جانبين:

أ-احتمال أن تتمكن إسرائيل من إعتراض الصواريخ النووية الإيرانية.

ب-إحتمال أن تنضم سوريا للهجوم الإيراني باستخدام أسلحة كيماوية أو جرثومية.

غير أن الأمر الذي سينتهي إليه هذا السيناريو هو وقوع خسائر بشرية هائلة من الطرفين،كما أن عبور صاروخ نووي إيراني واحد إلى إسرائيل قد ينهي الدولة اليهودية من الناحية البشرية لا سيما أن أكثر من 80% من سكان إسرائيل يتجمعون في منطقة الوسط والتي لا تزيد مساحتها عن سبعة آلاف كيلومتر مربع،ويعبر عن هذه الفكرة رفسنجاني بقوله” إن استخدام قنبلة نووية واحدة ضد إسرائيل سيدمر كل شيء ،بينما لن تؤدي أكثر من “أذى” للعالم الإسلامي”

وقد يؤدي تزايد احتمالات هذا السيناريو إلى أن تطالب دول الخليج بنصب اسلحة نووية باكستانية على أراضيها كضمان لعدم مهاجمتها من قبل أي من الطرفين.

ويذهب فرانسوا هيسبورغ الذي يعمل مديرا للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن إلى ترجيح احتمال الحرب النووية من خلال توقعه بأن إيران ستصل إلى القنبلة النووية في حدود عام 2010،وسيؤدي هذا إلى انتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط كله،ثم يرى في جانب آخر أن التوتر بين حزب الله وإسرائيل قد يدفع ببعض “العدميين” في إيران لتزويد الحزب بأسلحة نووية يستخدمها لضرب مدينة حيفا.

5-احتمال الانسحاب الأمريكي من العراق لا سيما مع وصول إدارة ديمقراطية للسلطة في الولايات المتحدة:وقد يؤدي هذا الانسحاب إلى تصاعد التوتر بين السنة والشيعة في العراق ،الأمر الذي سيؤدي إلى خريطة تحالفات إقليمية تقف فيها دول الخليج إلى جانب جماعات سنية أو حتى علمانية،بينما تقف إيران إلى جانب القوى الشيعية،وتغرق المنطقة في حروب أهلية قد تستغرق المدة التي استغرقتها الحرب العراقية الإيرانية.

كما أن إيران ستجد نفسها في تعاون مع تركيا في ضوء تنامي النزعة الانفصالية للأكراد في المنطقة.

وعند تقييم القدرات الإيرانية للرد على هذه السيناريوهات العسكرية،يتضح من مختلف التقارير الدولية أن القدرة الهجومية لإيران ما تزال محدودة للغاية،لكن قدراتها الدفاعية أكثر تطورا من قدراتها الهجومية.

ثانيا:إضطرابات واسعة تصل إلى حد الثورة وتغيير النظام:

قد تتضافر مجموعة من العوامل-رغم ضعف احتمالاتها- لحدوث هذا السيناريو:

أ-تدهور الأوضاع الداخلية لا سيما من الناحيتين الاقتصادية والسياسية،وقد يؤدي تراجع حاد في أسعار البترول كما حدث بعد الانهيار المالي عام 2008 أو الفشل في زيادة انتاجه نظرا لاستمرار واشتداد الحصار الدولي إلى تراجع كبير في مداخيل الدولة بخاصة أن البترول يمثل مصدر 80% من الناتج المحلي.

وقد يؤدي ذلك إلى نتيجتين مترابطتين ،فمن ناحية تنخفض معدلات الدخل الفردي أو يبتلعها التضخم ،ومن ناحية أخرى تزداد نسبة الفقر وتتسع دائرة الفساد إلى جانب سعتها الحالية.

من ناحية أخرى قد تتصاعد التباينات بين جناحي السلطة من المحافظين والإصلاحيين لا سيما في ظل استمرار التضييق على مرشحي الإصلاحيين من قبل مجلس صيانة الدستور،وتنتقل الصراعات إلى الشارع والمؤسسات الأخرى بما فيها المؤسسات العسكرية،وقد يتعزز هذا الاحتمال بظهور إنشقاق بين رجال الدين في قم أو مشهد،أو بروز شخصية دينية تتزعم رفض ولاية الفقيه.

وقد تجد أحزاب المعارضة لا سيما العاملة في الخارج فرصة في مثل هذه الظروف لتزيد من حدة الأزمة.

ويأخذ الصراع عدة اشكال ،كالمظاهرات التي يترتب عليها صدامات عنيفة أو وقوع عدد من عمليات الاغتيال المتبادلة أو الغامضة،وتتسع دائرة العنف إلى حد انتشارها في معظم أرجاء الدولة ولا سيما العاصمة طهران.

وقد يأخذ التغيير في بنية السلطة شكل التحول التدريجي نحو العسكرة،وما يعزز ذلك عدد من المؤشرات::

أ-النفوذ الذي تتمتع به المؤسسة العسكرية والذي قد يؤدي بها إلى العمل على التحكم في صلاحيات المرشد الأعلى،وما يدل على ذلك أن الانتخابات الرئاسية عام 2005 تقدم لها 1010 مرشحين ،لم تتم الموافقة إلا على ستة مرشحين بينهم أربعة من الذين كانوا ضباطا في الحرس الثوري او الأجهزة الأمنية(لاريجاني،قاليباف،محسن رضائي،أحمدي نجاد).

ب-استمرار التهديد الأمريكي والإسرائيلي يجعل القرار بيد المؤسسة العسكرية.

ج-سيطرة شخصيات كانت أساسا من المؤسسة العسكرية على وسائل الإعلام وقيادة المحافظات والبلديات ومنهم أعضاء في مجلس الشورى.

وقد تجد بعض القوى الإقليمية والدولية فرصة لتأجيج العنف والإضطرابات من خلال استغلال وسائط الإعلام لا سيما الفضائيات،وربما تسهيل دخول المتسللين وتهريب السلاح،بل والاتصال ببعض الأفراد في القوات المسلحة وفي الجامعات والنقابات العمالية.

ب-قد تجد بعض الأقليات كالأكراد والبلوش والأذريين والعرب فرصة في مثل هذه الظروف لمحاولة الانفصال عن الدولة لا سيما في حالة الإحساس بأن قوى إقليمية او دولية قد تساند انفصالهم.

ونظرا لأن أغلب الأقليات تتواجد كما رأينا في الصفحات السابقة(أنظر الملحق رقم 1) على حواف الدولة فإن هذا يسهل لها الحصول على المساعدات الخارجية ويسهل لها عملية الانفصال.

ولكي يتم تسهيل ذلك قد تحدث عمليات عنف مفتعلة ضد الأقليات من السنة أو الأقليات القومية الأخرى لتعميق حالة الاضطراب.

وقد يؤدي ذلك إلى تدخل المؤسسة العسكرية وإعلان حالة الطوارئ بشكل يمهد لتغيير النظام السياسي،أو يدفع الرئيس والمرشد الأعلى على الاستقالة،او الدخول في حرب أهلية على غرار النموذج العراقي.

وسيكون لذلك عواقب وخيمة على المكانة الإقليمية للدولة،وسيؤدي إلى ارتفاع ولو مؤقت في اسعار البترول تستفيد منه دول الخليج بشكل يعزز الأوضاع فيها.

لكن الأمر سينطوي على مخاطر اخرى،مثل انتقال الصراع إلى دول مجاورة إذا تصاعدت النزعة الانفصالية،فقد تجد تركيا نفسها مضطرة لكبح النزعة الانفصالية من قبل الاكراد بالتدخل بشكل أو اخر،وقد تطال الحرب الطائفية بين السنة والشيعة مناطق أخرى.

إن هذا السيناريو مرتبط بالحالة الاقتصادية والسياسية التي لا تبدو في الوقت الحالي مرشحة لإفرازه،رغم ارتفاع نسب الفساد واستمرار التضييق على الحريات الاقتصادية والسياسية،وتأرجح السوق النفطية.

وقد لاحظنا أن الأعباء الإقتصادية ليست موزعة على اسس عرقية او طائفية،وبينت دراستنا أن توزيع الفقر او البطالة أو التركز في الصناعات ليست مرتبطة بالتنوعات الإثنية في المجتمع.

كما دلت الدراسة على ان النزعة الإنفصالية ضعيفة في الأساس وتميل بشكل عام لا سيما في ابعادها المركزية إلى التراجع منذ عام 1990

خلاصة البحث

عند النظر في تاريخ الشرق الأوسط منذ انتهاء حملة نابليون على مصر،يمكن ملاحظة أربع ظواهر كبرى هي تفكك الدولة العثمانية قبل حوالي 90 سنة،وانتهاء حقبة الاستعمار المباشر قبل حوالي 50 سنة،وانتهاء الحرب الباردة قبل حوالي 20 سنة،وبداية انتهاء الحقبة الأمريكية التي يبدو اننا نعيش بداية مراحلها،وهو ما تعزز بالأزمة المالية التي تفجرت في عام 2008 رغم ان الأزمة بدأت قبل ذلك.

وقد اتسمت المراحل السابقة بصراع على تشكيل بنية الشرق الأوسط بين القوى المحلية والقوى الخارجية،وكانت السيطرة في المراحل السابقة للقوى الخارجية،بينما تبدو المؤشرات المتزايدة تشير إلى أن مستقبل المنطقة ستتحكم فيه القوى المحلية بشكل أكبر من الفترات السابقة،وهو ما يتضح في تنامي الدور الإيراني والتركي،ناهيك عن قوى ما دون الدولة-كحزب الله- في المنطقة الشرق أوسطية.

وقد شكلت الثورة الإيرانية عام 1979 بداية ظهور القوى المحلية التي تحاول تشكيل المنطقة دون الاستناد إلى قوى خارجية(الكتلة الإشتراكية أو الكتلة الرأسمالية) كما كان عليه الحال في فترة الحرب الباردة عندما استندت الحركة القومية العربية بقيادة مصرية إلى الدعم السوفييتي،وهذا يعني بروز قوى محلية تضع بذاتها قواعد الحركة لنفسها ولا تستند لقواعد حركة خارجية،ويساهم في هذا التحول عدد من المؤشرات منها بروز المسألة المذهبية كأحد محاور الصراع،وتعثر التسوية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين،وتنامي القوى الدينية في الوقت الذي تتآكل فيه الأنظمة السياسية في المنطقة ،ثم الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام التي حولت الشرق الأوسط إلى “قرية إقليمية كل شيء فيها مكشوف”.

يترتب على مثل هذه التحولات أن الفترة القادمة ستعرف عددا من المظاهر:

1-ستبقى الولايات المتحدة هي الدول الأكثر نفوذا خلال فترة الدراسة،غير أن هذا الموقف سيعتريه تراجع نسبي مع تنامي تيار العزلة في الولايات المتحدة والذي شكلت الأزمة المالية احد روافده،كما أن الإدارة الديمقراطية ستحاول تقليص إلتزامات الولايات المتحدة بقدر لا يخل بالإختيارات الاستراتيجية العليا لها.

إن الاتجاه العام للعلاقات الدولية يوحي بأن النظام الرأسمالي يوظف عددا من آليات تكيفه مع أزماته الدورية،وأحد هذه الآليات هي انتقال موقع مركز النظام،فالنظام الرأسمالي لا يتورع عن التضحية بوحداته حتى المركزية(الدول بشكل خاص) لصالح موضوعه(تراكم الثروة )،فبعد أن كان أطلسيا ،يبدو أنه يتحرك ليكون باسيفيكيا،وهو ما يطوي بداخله عددا من التحولات الاستراتيجية في التفاعلات الدولية.

وسيتيح مثل هذا التحول النسبي لا سيما في مراحله الإنتقالية المجال للقوى الإقليمية لكي تسعى لتوسيع هامش الحركة المتاح لها،وهو ما سيعطي إيران فرصة لذلك.

2-من الواضح ان إيران ستكون هي وإسرائيل وتركيا القوى الإقليمية الأكثر تأثيرا في المنطقة،لكن حجم التحديات لإسرائيل سيزيد من معاناتها،وابرزها استمرار فشل التسوية وفشل تطبيع العلاقات مع شعوب المنطقة،مع احتمال تراجع تدريجي وبطيء في المكانة الاستراتيجية لإسرائيل،بينما تنشغل تركيا بمحاولة الاندماج في الكتلة الأوروبية من ناحية وتحقيق مكانة إقليمية مركزية في الشرق الأوسط كبديل ثان من ناحية أخرى..

3-سيكون العراق هو المنطقة الرخوة التي تتيح للاعبين الإقليميين والدوليين أن يتنافسوا عليه.

4-سيعرف سعر البترول تذبذبا ولكنه سيبقى في المحصلة النهائية مرتفعا.

السيناريوهات الإيرانية:

هل النظام السياسي في خطر:

بعد ان استعرضنا مراحل التاريخ السياسي الإيراني منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد،حاولنا تحديد نقاط الجذب الجيواستراتيجية عبر هذه الفترات الطويلة،إلى أن وصلنا إلى المرحلة المعاصرة التي تشير فيها الدراسة إلى أن العراق سيشكل نقطة الجذب الاستراتيجية خلال المرحلة القادمة ،سواء كمنطقة تهديد محتملة أو كمنطقة واعدة توسيع النفوذ الإيراني.

وقد توصلت الدراسة إلى ان النفوذ الإيراني سيبقى قويا في العراق ويتزايد لكنه سيحمل في ثناياه العديد من المشكلات،وأبرزها تقاسم وظيفي بين الولايات المتحدة وإيران من ناحية وبروز لحساسيات متصاعدة بين القوى الشيعية الدينية العراقية من ناحية والإيرانية من ناحية أخرى.

وظهر من الدراسة ان المجتمع الإيراني يحقق تقدما واضحا في عدد من المجالات الاجتماعية أبرزها نجاح واضح في برنامج ضبط الزيادة السكانية،وتزايد مضطرد في مستوى ونوعية التعليم والبحث العلمي،وتحسن مستمر في وضعية المرأة والتمكين لها سياسيا وإجتماعيا.

غير أن آفة المخدرات والبغاء منتشرة بشكل مقلق،إلى جانب ترافق هذه الظواهر مع تزايد واضح في التفكك الأسري يغذيه التزايد في نسبة النزوح من الريف إلى المدن.

وتدل دراستنا على أن نسبة التدين في المجتمع الإيراني لا تتناسب مع المساحة الواسعة للصبغة الدينية في النظام السياسي.

وفي مجال الاستقرار السياسي ،فإن مؤشرات تتمثل مؤشراته التي أتينا عليها في ثنايا هذه الدراسة تشير إلى ان النظام السياسي الإيراني حقق درجة من الاستقرار النسبي يجعله خارج دائرة الخطر إلى حد ما([ii]).

أما في الجانب الاقتصادي ،فإن الفترة الأولى بعد توقف الحرب مع العراق عام 1988 كانت مركزة على إعادة ترتيب الأوضاع الداخلية،ونجحت الدولة في تحقيق معدلات نمو لا بأس بها،وهو الأمر الذي انعكس على مستويات الرفاه العام في المجتمع،مما جعل إيران تدخل إلى مجموعة الدول ذات الدخل المتوسط.

ورغم استمرار ارتفاع معدلات البطالة والتضخم ،فإنها مرشحة للتحسن خلال العشرية القادمة لا سيما إذا ترافق ذلك مع استمرار الارتفاع في أسعار النفط لتبقى في حدود مئة دولار وهو أمر مرجح رغم هبوطه في أواخر عام 2008.

ولا تبدو إيران قادرة على تحقيق عناصر اساسية من خططها الإقتصادية رغم النجاح في تحقيق عناصر أخرى،فمن المستبعد أن تنجح في زيادة انتاجها النفطي بالشكل الذي تتضمنه خططها ،وسيبقى النقص في الغاز أحد مشكلاتها.

وفي البعد السياسي،يمكن القول بأن قواعد الممارسة السياسية بين الحكومة والمعارضة قد استقر الجزء الأكبر منها،ورغم استمرار القيود الحادة على الحريات وتخلف إيران في هذا الجانب قياسا للدول المتطورة ،إلا ان نسبة الممارسة الديمقراطية فيها متقدمة بشكل كبير عن دول الأقاليم التي تنتمي لها في الخليج وآسيا الوسطى والقوقاز مع استثناء تركيا وإسرائيل.

وقد لاحظنا من الدراسة الكمية أن الإتجاه الأعظم لمختلف المؤشرات يميل نحو مزيد من الاستقرار رغم احتمالات حدوث توترات إجتماعية بين الحين والآخر كما اشرنا في تناول السيناريوهات،كما ان النزعة الانفصالية ما تزال ضعيفة بشكل كبير.

وفي شبكة العلاقات الدولية الإقليمية،ظهرت الديبلوماسية الإيرانية ناجحة بشكل لا جدال فيه،ورغم المازق الذي يثيره برنامجها النووي إلا أن إحتمالات تسويته بطريقة سلمية تتزايد على حساب احتمالات تسويته بطريقة عسكرية.

وقد نجحت إيران في تطوير علاقاتها مع أغلب الدول الإقليمية ولو بمستويات متفاوتة،ونجحت في إيجاد قوى محلية مساندة لها في عدد من هذه الدول.

وبعد استعراض كافة السيناريوهات للمكانة الإقليمية الإيرانية(السيناريو الممكن ،والسيناريو المعياري،والسيناريو المتشائم،والسيناريو المحتمل) نؤكد على ان السيناريو المحتمل هو الارجح طبقا لهذه الدراسة

ويتمثل هذا السيناريو في تحسن متواصل للمكانة الإيرانية،وتجنب لاية توترات مع مجموع الدول المحاذية لها،وستميل إلى تصالح تدريجي مع البيئة الدولية،وعدم استخدام البعد الطائفي في سياستها الخارجية،ورغم أن إيران لن تحقق مكانة الدولة “المركز” خلال الفترة حتى عام 2020 إلا أنها تضع خطاها على أول الطريق(أنظر تفاصيل هذا السيناريو في الفصل السادس من هذه الدراسة).

ومع أن العراق سيبقى نقطة العناية الإيرانية ،إلا ان علاقات إيران بآسيا الوسطى ستعرف تناميا متواصلا يعزز من المكانة الإقليمية لإيران في بيئاتها الإقليمية المختلفة.

إننا نعتقد بأن النموذج الصيني يشكل الخلفية التي تسيطر على عدد من صناع القرار السياسي الرئيسيين في إيران،فهو مزيج من البراغماتية وقدر من الإيديولوجيا العقلانية،وهو إدراك للواقع المعاصر المستند لإحساس تاريخي بالحق في مكانة لائقة على المسرح الدولي،رغم ان ذلك يختلط بتوجس تاريخي من الخارج.

وبناء عليه ،فإن من الأفضل للدول العربية ان تعمل على التكيف مع هذه الوضعية،وأن تعمل بقدر كاف على تحويل تدريجي للعلاقة مع إيران من علاقة صفرية إلى علاقة غير صفرية،نظرا لأن الاستمرار في العلاقة الصفرية سينطوي على مخاطر كبيرة للغاية . 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى