دراسات افريقيةدراسات سياسية

المطبعون السودانيون الجدد.. بين مطرقة العسكر وسندان الخليج

نجاح عبدالله سليمان – كاتبة وإعلامية مصرية

هو السودان الذي عانى اقتصاديًا لأسباب متعددة منها العقوبات الأمريكية التي منعت عليه الاقتراض الدولي وصعبت على المستثمرين التوجه إليها (رُفعت العقوبات في نهاية 2017)، فهي واحدة من أفقر 20 دولة في العالم، ورغم كل الأموال العربية التي دُست في الخزائن السودانية، إلّا أن واقع الحال لم يتغير كثيراً، لذلك قد يكون التطبيع مفتاحاً.

رغم ذلك لم يكن أشد المتفائلين بالتطبيع (العربي – الإسرائيلي) ينتظر أن يكون السودان محطة جديدة لإسرائيل لأجل “بدء تعاون يفضي إلى تطبيع العلاقات بين البلدين”، كما سبق أن صرّح نتنياهو بعد لقائه البرهان في أوغندا. فالسودان كان إلى عهد قريب من أشد القلاع العربية التي تعلن معاداة إسرائيل، بل إن البشير صرّح في آخر عام من رئاسته: “نصحونا بالتطبيع مع إسرائيل لتنفرج عليكم، ولكننا نقول الأرزاق بيد الله”. ورغم أن الحكومة السودانية سارعت إلى نفي علمها بهذا التنسيق، إلّا أن التصريحات الإسرائيلية لم تكن لتخرج إلى العلن لولا وجود نية من قائد المرحلة الانتقالية في السودان بتطبيع العلاقات.

اختيار “بدء تعاون” مع السودان جاء في وقت مهم جداً. إذ لا تزال الحكومة الإسرائيلية منتشية بتقديم حليفها الأمريكي لما يعرف بـ”صفقة القرن” ودفاعه المستميت عنها، فضلاً عن أن التقارب (الإسرائيلي – العربي) أخذ دفعة جديدة بعد الزيارة التي سبق أن قام بها نتنياهو إلى مسقط، وتعدّد التقارير التي تشير إلى تنسيق (إسرائيلي – عربي) في ملفات متعددة، وأخيراً الاختراق الذي نجحت فيه إسرائيل داخل القارة الإفريقية وتقويتها لعلاقاتها مع عدة دول هناك، ومن ذلك تطلعها لأن تفتتح أوغندا سفارة لها في القدس.

هنا يبقى السودان ذا أهمية استراتيجية بالغة لإسرائيل، حيث تقع في منطقة لها علاقات مع الأخيرة، سواء جارته الشمالية مصر، أو دول أخرى جارة في الجنوب كجنوب السودان وأوغندا وإريتريا. ومن شأن إدخال السودان إلى “مجموعة الشركاء” أن يعطي لإسرائيل دفعة قوية في توسيع حضورها الخارجي، فضلاً عن منافع اقتصادية كبيرة، منها مزاحمة قوى إقليمية، كتركيا والسعودية، تتسابق لكسب النفوذ في السودان.

قد يكون رحيل البشير فتح المجال أمام السودان لإعادة النظر في ثوابت علاقاته الخارجية ومن أكبر المنافع الاستراتيجية، حسب تحليل نشر في صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية، هو قطع الروابط التي تجمع السودان مع جبهات معادية لإسرائيل، وبالتالي تخسر القوى التي شنت الحرب على الغرب خلال العقدين الأخيرين واحدة من أهم قواعد عملياتها، خاصة أن الخرطوم، حسب التحليل ذاته، كانت لها روابط مع أسوأ الأزمات التي واجهت إسرائيل والغرب، ومن ذلك احتضان مقاتلين لتنظيمات إسلامية.

حسب أوجيني كونتوروفيش، أستاذ القانون الدولي في جامعة جورج ماسون الأمريكية، فإن السودان تحوّل من “مكان انطلق العرب منه لرفض إسرائيل، إلى مكان ينطلقون منه للرّد على الرفض”، في إحالة منه إلى تهديدات الرئيس الفلسطيني محمود عباس بقطع كل العلاقات مع إسرائيل. ويمضي كونتوروفيش في الحديث لـDW  إنجليزي قائلاً إن الموقف السوداني ذو أهمية خاصة لأنه يأتي بعد تقديم واشنطن لرؤيتها الخاصة بالسلام في الشرق الأوسط، وأن كل التوقعات برد فعل عربي قوي ضد الإدارة الأمريكية بعد إعلان الصفقة لم تتحقق، بل “صرنا نرى دولاً عربية لا تريد أن تكون رهينة عدمية السلطة الفلسطينية” حسب قوله.

نعم في كانون الثاني/ ديسمبر 2018، هبَّت رياح على السودان “ربيع ثوري” من النوع الذي اجتاح بعض البلدان العربية في العام 2011، وتمَّ احتواء الغضب الشعبي المتفجّر في المدن السودانية بـروشتة جديدة قديمة، وهي نصف انقلاب عسكري، إذ تم الانقلاب على البشير، لكن سرعان ما اصطفوا ضدَّ جميع القوى السياسية الحزبية ومحاربة المدنية وعسكرة السودان. وإن لم يدم الحال طويلاً فبعد عامين هرول العسكر نحو التطبيع.. بعد جفاف دعمهم حرب اليمن ومساعدة التحالف العربي (السعودي –  الإماراتي) هناك.. فكان سيناريو التطبيع.. خلف هؤلاء كما كان في اليمن قبل سنوات في عهد البشير وبعده.

مؤخراً جاء الاعلان عن البقاء الرمزيّ للقوّات السودانيّة في اليمن، وما هو إلّا بمثابة غطاء لاستمرار التحالف العربيّ إلى حين إعلان السعوديّة رسميّاً عن انتهاء مهمّته في اليمن. على عكس ذلك لاحظ الرأي العام العربي والإسلامي هرولة غير مسبوقة للسير في قافلة المطبعين العرب مع العدوّ الصهيوني من قِبَل عدد من “الحكَّام العرب”، بعد أن تنصَّلوا فجأةً من التزاماتهم الأخوية والأخلاقية والسياسية والدينية تجاه أهلنا في فلسطين، الذين خسروا الأرض والدولة والمقدسات منذ ما يزيد على 7 عقود ونيف.

هنا فإن عسكر السودان بعد طبَّعت الإمارات والبحرين العلاقات مع العدو الصهيوني منذ زمنٍ، ولكن كانت أمورهما تسير في الظلام، ومن دون ضجيج يذكر، وما تمَّ الإفصاح عنه ما هو سوى إظهار المخفي إلى العلن، ربما يختلف الحال مع جمهورية السودان التي شهدت عاصمتها الخرطوم، بعد نكسة يونيو/ حزيران في العام 1967، قِمَّة اللاءات الثلاث، (لا للجلوس، ولا للتفاوض، ولا للاعتراف بالعدو الصهيوني)، تلك القِمَّة العربية التي حضرها عبدالناصر، وكانت بمثابة الرَّد السياسي العربي الجماعي على نتائج نكسة حزيران.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى