تحليل السياسة الخارجيةدراسات شرق أوسطية

المغامرات ” الأردوغانية ” في السياسة الخارجية

د. باسم عثمان – كاتب وباحث سياسي

تسببت سياسات الرئيس التركي أردوغان الداخلية والخارجية: في نشر الفوضى وعدم الاستقرار وحالة ” التأزيم ” لكل مناحي الحياة الداخلية التركية وخصوصا بمفاصل الاقتصاد المحلي تبعا لسياساته الداخلية ” البهلوانية” , الاقتصادية منها والاجتماعية, زعزعة وتوتير علاقة أنقرة مع دول الجوار إقليميا و حتى دوليا. وحلت تركيا في المركز الأخير على مؤشر عالمي يقيس حالة العدالة الاجتماعية في عدد من دول العالم متأثرة بسياسات الإفقار والتجهيل التي يفرضها نظام الرئيس أردوغان على الأتراك، مع استمرار ظهور أرقام تبين التراجع في مؤشرات مالية واقتصادية محلية تركية.

مؤشرات محلية:

وبحسب صحيفة “تي 24” التركية، جاءت تركيا في أسفل قائمة تضم 41 دولة من دول الاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، من حيث العدالة الاجتماعية, ومؤشر العدالة الاجتماعية أعدته مؤسسة “برتلسمان” الألمانية بين دول الاتحاد الأوروبي ودول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية  ويصنف الدول وفقاً لعدة مؤشرات فرعية هي جهود منع الفقر وفرص التعليم العادل وسهولة الوصول إلى سوق العمل وغيرها, حيث احتلت تركيا المركز الـ 31 في مؤشر “منع الفقر”، والمركز الـ 41 في “فرص التعليم العادل”، والمركز الـ 37 في “الوصول إلى سوق العمل”.

وفي سياق الأرقام السلبية، كشف تقرير متخصص عن تزايد حالات الانتحار في تركيا جراء تفاقم الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، والتي أغلقت العديد من المؤسسات والشركات ما زاد من معدلات البطالة.

في العاشر من أغسطس 2014، انتخب أردوغان رئيسا للبلاد خلفا لعبد الله غول , وفي البداية، استقطبت قيادة أردوغان مجموعة من القادة ، مثل الشخصية الإسلامية في البلاد، فتح الله غولن، والسياسي عبد الله غول, كما اجتذبت شخصيات مثل الاقتصادي البارز علي باباجان وفي السياسة الخارجية أحمد داود أوغلوا , اما اليوم، هؤلاء الأربعة هم أعداء أردوغان، ويعارضونه بشكل شرس بسبب تجاوزاته التي حولت تركيا إلى بلد يسير نحو الدكتاتورية.

وبسبب انفراده المتزايد بالقرارات، حاولت مجموعة من القادة العسكريين الانقلاب عليه سنة 2016، وبعد نجاحه في إجهاض العملية، صعّد أردوغان من هجماته على معارضيه، وأحكم سيطرته على وسائل الإعلام، واعتقل العديد من الصحفيين المعارضين ونشطاء المجتمع المدني.

وشهدت فترة الطوارئ، اعتقال خصوم سياسيين لأردوغان ومعارضين كثر، بتهم من بينها دعم محاولة الانقلاب التي تتهم أنقرة رجل الدين فتح الله غولن بالوقوف ورائها.

دوليا: حذر خبراء ومختصون في شؤون مصائد السمك الموريتانية من أساليب “جائرة” لسفن صيد تركية بساحل البلاد البحري، معتبرين أنها استغلال سيئ، وخروج عن معايير اتفاق الصيد الذي أبرمته موريتانيا منذ سنوات مع الشركات التي تتبع لها هذه السفن.  كذلك، تصاعدت حدة التوتر بين اليونان وتركيا، على خلفية توقيع أردوغان وفايز السراج، رئيس حكومة الوفاق الليبية، مذكرتي تفاهم حول ترسيم الحدود البحرية، مع إصرار أنقرة على المضي في تنفيذها رغم الاعتراضات الدولية والإقليمية.

سوريا .. نقطة التحول:

تحول النهج الإقليمي المثير الذي قاده أردوغان بمبدئه الذي أسماه “مشاكل صفر مع الجيران” إلى حقيقة “كئيبة ومقيتة ” , ولعل تدخلاته المتكررة في المشهد السوري الحالي يقدم “التحول الأكثر دراماتيكيا وفظا في السياسة العامة الأردوغانية”.

قبل يوليو 2011 وصلت العلاقات بين أنقرة ودمشق إلى مستويات غير مسبوقة من علاقات حسن الجوار، ولكن شهد النصف الثاني من فترة ولاية أردوغان تدهور العلاقات بين البلدين، خصوصا بعد يقين دمشق بان أنقرة تقوم “برعايتها لتنظيم داعش الإرهابي وبقية الفصائل الارهابية” المتواجدة على الأراضي التركية ودعمها ماليا وعسكريا ولوجستيا ,والتي زحفت من أراضيها الى سوريا وعاثت فسادا ودمارا وترهيبا للسكان الامنين , ثم غزو القوات التركية لشمال سوريا بداية أكتوبر 2019.

المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب، اتهم في تقرير له شهر مايو الماضي حكومة أردوغان بـ “التورط مع تنظيم داعش” , وفي مقال نشر على موقعه الرسمي كتب المركز ” أثارت سياسات أردوغان، الكثير من التساؤلات في المنطقة وتدخلاتها في الشأن السوري والعراقي بشكل فاضح، خصوصا في اعقاب نشر العديد من وسائل الإعلام الأوروبية ومن المعارضة التركية حول العلاقة ما بين اردوغان وتنظيم داعش، هذه العلاقة أثارت الكثير من الجدل، والتي في أعقابها تراجعت تركيا وتحولت الى النظام الشمولي.

كما انه في النصف الثاني من حكم أردوغان, “تسمّمت” علاقات تركيا أيضا مع كل الجوار الإقليمي والدولي, بسبب تصريحات أردوغان التي يهاجم فيها في أكثر من مناسبة تلك الدول بالموازاة مع “تورّطه في سوريا”، حيث لم تسلم معظم الدول العربية والإقليمية والدولية من “مشاكل” أردوغان، إذ اتهم المستشارة الألمانية بانتهاج سياسة “نازية”, وأدان بطريقة مستفزة معاملة الصين لسكان الأويغور المسلمين , وما اعلنه التلفزيون الألماني ARD  من جانبه سنة 2016 إن الحكومة الألمانية تعتبر تركيا حاليا منصة العمل المركزية” لمنظمات إسلامية وإرهابية في الشرق الأوسط”, وجاء في مقالة لصحيفة ذي غلوباليست:  ” أن مقتل زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي نهاية أكتوبر الماضي على بعد أقل من ثلاثة أميال من الحدود التركية في شمال غرب سوريا يثير احتمالات بأن يكون الزعيم الإرهابي تمتع ببعض الحماية التركية”.

الاطماع الاقتصادية الاردوغانية:

أكثر من 120 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، ونحو ملياري برميل من الثروات ,هذه عينة من ثروات في قاع حوض شرق المتوسط وترقد فوقها مجموعة من الدول، وما خفى كان أعظم , وهذه الثروة كفيلة بفتح شهية الغزاة وتغذية أطماع أي فكر استعماري لسرعة الاستيلاء على هذه الكنوز وإحكام القبضة على مواردها, ووفقا لتقديرات نشرتها هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، وتقديرات شركات التنقيب عن الغاز، فإن شرق المتوسط يعد من أهم أحواض الغاز في العالم، حيث يسبح فوق بحيرة من هذه السلعة الذهبية تكفى لتلبية حاجة سوق أوروبا لمدة ٣٠ عاما، والعالم لمدة عام واحد على الأقل.

وإذا أردنا تفسيرا لمخططات الرئيس التركي أردوغان في الآونة الاخيرة ,هو السعي الغير مشروع لتوسيع رقعة الحدود البحرية لبلاده في شرق المتوسط ،  ولهذا, عليك أن تعيد قراءة تاريخ أطراف أخرى أدركت أهمية هذا الكنز الاستراتيجي القابع تحت البحر، واستثمرت وجودها في دائرة هذا الحوض الوفير بالطاقة، وبادرت بالاكتشافات وبناء حقول الغاز , وكانت “إسرائيل” الأنشط في هذا المضمار، فظهر حقل «غزة مارين» عام ٢٠٠٠ داخل الحدود البحرية الإقليمية لقطاع غزة، وتقدر الكمية الممكن استخراجها منه، بـ ٣٠ مليار متر مكعب من الغاز، ثم خرج حقل «تمار» في ٢٠٠٩ باحتياطات بلغت ٢٨٠ مليار متر مكعب, وتوالت سلسلة حقول دقت ناقوس الخطر في بلدان مجاورة، مما دفع قبرص إلى إطلاق الحفر في حقل «أفروديت» الذى تم اكتشافه فى ٢٠١١، وتقدر احتياطاته بـ١٤٠ مليار متر مكعب من الغاز..الخ, حيث استفزت كل هذه التحركات الدولية أطماع تركيا الاستعمارية وجشع أردوغان للقرصنة على مناطق أكبر وأكثر حيوية فى شرق المتوسط يوفر من خلالها نسبة أكبر من الغاز الطبيعى يستعين بها فى سد العجز فى الاقتصاد التركي، وتعويض خسائر الداخل الناجمة عن تعدد جبهاته الخارجية لأطماعه الاقتصادية واحتلال موقع ذو “تأثير مهم” في الخارطة الإقليمية والدولية لاحقا.

ولم تكترث أنقرة بحالة الارتباك فى المتوسط التي ستنتج عن سيناريو توسعها الإقليمي عبر البوابة الليبية والاتفاق المشبوه مع حكومة الوفاق الوطني الليبية، علما بأن الاتفاق لا يقتصر على ترسيم الحدود البحرية والسماح لتركيا بتوغل أكبر وغير شرعي فى شرق المتوسط، وإنما يفتح المجال للانتشار العسكري التركي فى المنطقة وزرع مقاتلاتها فى القواعد الليبية كوسيلة لابتزاز دول الجوار وتهديد استقرار وأمن حوض المتوسط.

ويذهب محللون إلى أن جوهر الموضوع من القضية يتعلق “بحلم” تركيا فى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ومساومة قادة وزعماء القارة العجوز على هذا الحلم, نظير الانتفاع  بكميات كبيرة ومشبعة من البترول والغاز, بعد أن يتمكن “القرصان التركي” أردوغان من امتلاك بعض المفاتيح الهامة و المتاحة , كما يراهن “السلطان الجديد” التركي على ما تشكله منطقة شرق المتوسط من أهمية كبرى لدول الاتحاد الأوروبي باعتبارها “عازلا” يحمى القارة الاوروبية من التهديدات “الإرهابية”، حيث يشكل موقعها نقطة مهمة فى استراتيجية كل الدول المطلة على ساحل المتوسط الرابط بين ٣ قارات ومحيطين .. وبسيطرة تركيا على محاور بعينها فى هذا المكان يتسنى لها التفاهم مع أوروبا وبناء مصالح من باب “الندية”.

تعددت جبهات القتال والاستنزاف التي فتحها أردوغان ليغطي بها على خطاياه وفاتورته الباهظة فى الداخل، وتبدو “جبهة المتوسط” الحالية وثرواته هي الأخطر والأهم لتجميل وجه الرئيس التركي أمام شعبه بعد أن فتحت قطعة “الغاز الطبيعي” المنعشة شهية “السلطان الجديد” .

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى