نظرية العلاقات الدولية

المنظور الإسلامي تجاه التنظيم الدولي المعاصر :مقاربة نظرية

د. سامي إبراهيم الخزندار – أستاذ العلاقات الدولية و الدراسات الاستراتيجية المشارك

قسم العلوم الإنسانية و الاجتماعية -الجامعة الهاشمية / الأردن

الملخص:

يسعى هذا البحث إلى تقديم رؤية تأصيلية إسلامية أو منظور حضاري إسلامي تجاه المنظمات السياسية الدولية المعاصرة ذات الهوية غير العربية أو الإسلامية ، وما يرتبط بهذا المنظور من معرفة لمنظومة القيم السياسية الضابطة للسلوك الإسلامي تجاههذه المنظمات الدولية والتعامل معها.

إن تأثير المنظمات الدولية على الحياة السياسية للمجتمع العربي والإسلامي و الدولي، يجعل من بناء أوصياغة هذا المنظور ضرورة لحماية مصالح الأمة الإسلامية ، و تفعيلاً لعالمية دورها في العمران والصالح الإنساني العام.

تمهيد:

شهد المجتمع الإنساني في النصف الثاني للقرن العشرين،ـ وحتى الآن، تطوراً هائلاً وسريعاً في مجال العلاقات الدولية، وشكلت المنظمات الدولية ظاهرة أساسية ومحورية في تفاعلات وحدات هذا المجتمع الإنساني، وخاصة بين الدول، وأصبحت هذه المنظمات مكوناً أساسياً من مكونات العلاقات الدولية. من ناحية أخرى، فإن ما يعيشه المجتمع الإنساني من أزمة غياب قيادة حضارية عالمية، أو وجود بديل حضاري إنساني، يقوم على مبادىء العدالة والقيم والعيش المشترك في آن واحد، تسبب بها، إلى حد كبير،ـ هيمنة المشروع الحضاري الغربي المادي المنطلق والغاية. و قد انعكست آثار هذه الأزمة سلباً على فعالية أدوات تحقيق التعاون المشترك والأمن والسلام في المجتمع الإنساني، مثل: المنظمات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة.

إنَّ هذه الأزمة الحضارية تجعل من الضرورة البحث أو النظر في نموذج قادر على أن يقدم بديلاً حضارياً يصلح لأن يكون أحد مكونات قيادة المجتمع الإنساني وخدمته، والبحث عن هذا البديل ليس بالضرورة يعني إلغاء أو الاستغناء عن أدوات أو خبرات المجتمع السياسي الإنساني في إدارة وقيادة المجتمع الإنساني وتطويره، مثل المنظمات الدولية، التي تشكل حاجة إنسانية في مجال العلاقات الدولية، وإنما المطلوب هو معرفة كيفية الاستفادة منها حضارياً، مع محاولة إزالة العوامل التي تحدث خللاً أو انحرافاً في مسيرتها أو دورها في خدمة جميع المجتمع الإنساني الدولي على أساس من العدالة والمساواة والمصالح المشتركة.

أولاً: مدخل عام: الإطار المنهاجي للدراسة

1- طبيعة ومشكلة الدراسة:يتناول هذا البحث تحديد ماهية الرؤية والمنظور الإسلامي تجاه ظاهرة التنظيم الدولي أو المنظمات الحكومية الدولية المعاصرة، غير العربية و غير الإسلامية، ذات الطبيعة السياسية أو الطبيعة السياسية – العسكرية، مع تحديد طبيعة الأسس والقواعد التي يرتكز عليها هذا المنظور الإسلامي، والتي تشكل جزءاً من تناول الرؤية الإسلامية في مجال العلاقات الدولية المعاصرة. وبمعنى آخر، فإن هذا البحث يتناول طرح و تقديم رؤية تأصيلية إسلامية تجاه المنظمات الحكومية الدولية المعاصرة، وما يرتبط بها من معرفة “لمنظومة القيم أو الأسس السياسية الضابطة” والموجهة للسلوك السياسي الإسلامي تجاه التنظيم الدولي أو المنظمات الدولية السياسية المعاصرة، وكيفية التعامل معها. وسوف يتناول هذا البحث الرؤية الإسلامية تجاه التنظيم أو المنظمات الدولية في ضوء الاعتبارات التالية:

$1§ إن التعامل يقع في مرحلة اختلال معادلات القوة الدولية، فهو يقع في ظروف الضعف الإسلامي، ومقابل القوة للدول الكبرى المسيطرة على المنظمات الدولية.

$1§ الرؤية تختص بالتعامل مع المنظمات السياسية الدولية من خارج الدائرة العربية والإسلامية؛ أي المنظمات التي تعتبر جزءاً من المشروع الإنساني، أو كجزء من أدوات المشروع الحضاري الغربي.

$1§ إن هذا البحث يتناول إطاراً نظرياً فقط، وليس مجاله دراسة حالات تطبيقية لمنظمات دولية قائمة فعلاً، مثل، الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، وهي قد تكون مجال دراسة أخرى، ومكملة لهذا البحث.

2- أهداف الدراسة:تهدف الدراسة إلى تقديم رؤى جديدة في أسلوب التعامل الإسلامي مع أحد الفاعلين الأساسيين في المجتمع الدولي، وهي المنظمات الدولية المعاصرة، سعياً في بناء وتعزيز الأمن والسلام الدولي، والتعاون والمشاركة الإيجابية بين وحدات وشعوب المجتمع الدولي، خدمة للمجتمع الإنساني.

وتهدف الدراسة ـ عموما ـ إلى تحقيق ما يلي:

$11. الإسهام في بلورة الرؤية الحضارية الإسلامية في مجال العلاقات الدولية المعاصرة.

$12. التعرف على طبيعة الأسس ومنظومة القيم السياسية المستخدمة في العمل السياسي الدولي.

$13. دراسة أشكال التعامل مع المنظمات الدولية المعاصرة من خلال المنظور الحضاري الإسلامي.

$14. إدراك طبيعة العلاقة بين مفاهيم الأمن والسلام الدوليين وهدف التعاون الدولي وفق المنظور الوسطي الإسلامي.

$15.توفير رؤية حضارية مختلفة لصناع القرار، تشكل قاعدة جديدة للتعامل مع التنظيم الدولي أو المنظمات الدولية المعاصرة في واقع العولمة الحالي.

3- أهمية الدراسة:تظهر أهمية هذه الدراسة من خلال الحاجة إلى:

$11.توفير مجموعة قواعد وقيم سياسية، بحيث تشكل مدخلاً عربياً جديداً (New Approach) في دراسة وتحليل التنظيم الدولي وفق منظومة حضارية إسلامية.

$12.بلورة وتحديد الأسس النظرية التي يستند عليها التفاعل والتعايش الحضاري الإسلامي مع المنظمات الدولية، والتي تشكل أحد الفاعلين (Actor) الأساسيين في العلاقات الدولية المعاصرة.

$13.المساهمة في توفير دراسات أكاديمية أصيلة، ترتكز على الأصول الفكرية والحضارية الإسلامية، وتعالج الندرة في الأدبيات العلمية حول موضوع التنظيم الدولي المعاصر.

4- مفاهيم الدراسة:مصطلح التنظيم الدولي هو مصطلح حديث نسبياً، ظهر في منتصف القرن العشرين. وقد شاع استخدام مفهوم “التنظيم الدولي” للتعبير عن “المنظمات الدولية” International Organizations في أدبيات القانون الدولي والمنظمات الدولية المعاصرة. من ناحية أخرى، فإن تعبير “تنظيم دولي” أو “منظمة دولية” غدا اصطلاحاً متداولاً ومعروفاً، تنص عليه وتشير إليه غالبية المعاهدات والمواثيق الدولية”1؛ حيث إن “التنظيم الدولي” يُعنى بشكل أساسي بحل المشكلات وتحقيق التعاون، ولا يتصور قيامه بهذا الدور على وجه ملائم وفعال إلا بوجود هيئة أو منظمة دائمة يتم من خلالها – وعن طريقها- العمل على تحقيق ذلك. وانطلاقاً من هذا، فإن “المنظمة الدولية “هي مقتضى جوهر فكرة التنظيم الدولي، بالإضافة إلى أنها تقدم لنا الدليل الخارجي أو الظاهر على وجود هذا التنظيم…. كما أنه لا يتصور – في ظروف عالم اليوم- تحقيق هذا التنظيم بدون منظمة أو منظمات دولية”2.

تنوعت تعاريف “التنظيم الدولي”، إلا أنها عموماً تتشارك في عنصرين أساسيين، هما: “التنظيم”، و”الدولي”. ومن التعاريف السائدة للمنظمات الدولية أنها عبارة عن “تنظيم دولي، يتمتع بصفة الدوام وبالشخصية الدولية، وتتفق مجموعة من الدول بموجب ميثاق أو اتفاقية على إنشائه ومنحه الصلاحيات اللازمة (المطلقة أو المقيدة) للإشراف جزئياً أو كلياً على بعض شؤونها المشتركة، والعمل على توثيق أواصر التعاون والتقارب فيما بينها، والقيام بتمثيلها، والتعبير عن مواقفها ووجهات نظرها في المجتمع الدولي”3. ويعرفها البعض بأنها: “هيئة تشترك فيها مجموعة من الدول على وجه الدوام، للاضطلاع بشأن من الشؤون العامة المشتركة، وتمنحها اختصاصاً ذاتياً تباشره هذه الهيئات في المجتمع الدولي”4.

ونظراً لأن هذه الدراسة ليس مجالها دراسة اختلاف فقهاء القانون الدولي حول مفهوم التنظيم الدولي، أو المنظمات الدولية؛ فإنها ستكتفي باعتماد المفاهيم التي أشرنا إليها سابقا.

5- منهجية الدراسة:تحقيقا لأهداف البحث ونتائجه المرجوة سوف يتم اتباع الخطوات التالية:

$11.إجراء عملية مسحية لأهم الأدبيات العلمية في مجال التنظيم الدولي والعلاقات الدولية، وكذلك لبعض مصادر وأدبيات التراث السياسي الإسلامي ذات العلاقة بموضوع الدراسة.

$12.القيام بعملية تحليل منطقي ومنهجي للعمليات التي تضع الظاهرة السياسية موضوع الدراسة (العلاقة بين التنظيم الدولي والرؤية الإسلامية) في إطار منتظم متماسك له معنى، ويشكل إضافة فكرية وعملية.

$13.متابعة الخطوة السابقة باللجوء إلى استخدام المنهج التركيبي Synthetic Method، والذي يقوم على توحيد المفاهيم والمكونات المبعثرة والعلاقات المفككة إلى كل واحد؛ أي إعادة تجميع وبناء الأجزاء لتكوين الكل أو المنظومة السياسية المنشودة.

$14.وضع القواعد العامة و صياغة المنظومة الإسلامية التي تعمل على تفسير الظاهرة السياسية (التنظيم الدولي المعاصر) وتفاعلاتها.

أخيراً، إن خطوات البحث هذه يفترض أن تتميز بدرجة عالية من الانتظام، وتزاوج بين النظرية ومعطيات الواقع، بهدف تحقيق غايات الدراسة ونتائجها.

ثانياً: ما أهمية و ضرورة دراسة التنظيم الدولي المعاصر من منظور إسلامي؟

يرى عبد الحميد أبو سليمان “أن النظرية الإسلامية والفلسفة التي تقوم عليها العلاقات بين الدول تركز على فكرة السلام. و الرؤية الإسلامية للسلام تستند بشكل قطعي إلى وحدة الأصل الإنساني والمصالح المشتركة أو المصير المشترك، وهي تشكل الأسس الثابتة والوحيدة لفهم طبيعة الإنسان وطبيعة العلاقات الشخصية البيئية والتفاعلات الدائرة بين الجماعات”. ومن المهم أن ندرك أن الإسلام يقرر أن طبيعة الإنسان ومصالحه وعلاقاته في تفاعلها وتلاحمها إنما تماثل الحلقات الدائرية المتداخلة، تبدأ بالفرد وتنتهي بالإنسانية. وفي المقابل، فإن الفلسفات والأيدلوجيات العالمية الأخرى تركز في جهودها نحو السلام على كيفية إدارة المنازعات والحروب، ومحاولة الحد من أضرارها. وهذه الفلسفات الغربية إنما تقوم على أساس مفهوم القومية وصراع الجماعات والطبقات، وبذلك تؤكد على العامل السلبي في العلاقات الإنسانية في اختلاف المفاهيم والمصالح والتوجهات المتعارضة، وعادة ما يؤدي هذا الموقف التنازعي إلى وقوع الحروب، وإنزال الأضرار والدمار بالحياة والأحياء. وبالرغم من ذلك، فإنه لا بد لنا أن لا نتجاهل أن الطريق الطويل الذي يسلكه المجتمع العالمي على خطى الوظيفية العالمية ونمط المنظمات الدولية يعتبر تقدماً عظيماً وملموساً، ويجب الإبقاء عليه، كما يمكن تطويره وتحسينه من خلال إطار فلسفي بناء، وفي ظل مباديء الوفاق والسلام التي يكفلها الإسلام5. من جانب آخر، وبالرغم من أن ارتكاز الرؤية الإسلامية للعلاقات الدولية على السلام كأصل وغاية في العلاقات الدولية، إلا أن المنظور الإسلامي لم يأخذ مكانه في الواقع العملي للعلاقات الدولية، خاصة على صعيد تسوية الصراعات والنزاعات الدولية، وهو ما يدفع نحو بناء منظومة إسلامية أو إطار فكري مكمل في مجال إدارة الصراعات وفض المنازعات، وهو مجال آخر للبحث والدراسة.

من ناحية أخرى، فإن الواقع الدولي والعلاقات الدولية المعاصرة أصبحت من التداخل والتفاعل بشكل أصبح لا بد لأي وحدة من وحداته أو مكوناته ـ كالدولة القطرية أو المنظمات الدولية والإقليمية، وغيرها ـ أن تتفاعل في أي مجتمع إنساني بشكل يؤثر فيه ويتأثر به، وذلك حسب موارد القوة وطبيعة إدارتها. وتُعتبر المجتمعات العربية والإسلامية من أكثر المجتمعات تأثراً بطبيعة العلاقات والسياسات الدولية المعاصرة؛ بحكم الأهمية الاستراتيجية، وحجم الاهتمام الدولي بالمنطقة. وقد أصبحت المنظمات الدولية غير العربية أو الإسلامية فاعلاً مهماً في التأثير سلباً أو إيجاباً على الواقع العربي والإسلامي، خاصة في ضوء معطيات الضعف الذي نعيشه، ذلك أن المنظمات الدولية بشكلها المتعارف عليها حالياً تُعتبر ظاهرة معاصرة، نشأت منذ بدايات القرن العشرين، في عهد الضعف العربي والإسلامي، والواقع السياسي المتدهور للمجتمعات العربية الإسلامية، واستنزاف الأمة العربية والإسلامية في قضايا الاستقلال القطري، وقضية الصراع العربي _ الإسرائيلي، والخلافات والتجزئة السياسية بين دول هذه الأمة، وتغييب الرؤية أو الدور السياسي للمنظور الإسلامي عن قضايا العصر.

وفي المقابل، فإن المنظمات الدولية السياسية أصبحت تلعب دوراً أساسياً في المجتمع الدولي، ولا يمكن لأي مشروع حضاري تجاهل أهميتها ودورها السياسي في مختلف مناحي الحياة.

وفي ضوء ما سبق فإنه لا بد من البحث عن ماهية الرؤية الإسلامية تجاه المنظمات الدولية وكيفية التعامل معها، خاصة أن طبيعة الإسلام تدعو إلى الاجتهاد في قضايا ومستجدات العصر وظواهرها، وعدم الوقوف أو الجمود الفكري والسياسي أو السلبية أمام هذه الظواهر الإنسانية التي تؤثر في حياة المجتمع العربي والإسلامي، وضرورة انتقال المجتمع العربي والإسلامي إلى ظاهرة الفعل والتأثير والفاعلية تجاه هذه الظواهر، ولكن ضمن رؤية فكرية حضارية واضحة. كما أننا مطالبون بتقديم البديل السياسي الدولي الحضاري الإسلامي العالمي، الذي يستطيع أن يتعامل مع مستجدات العصر وظواهره الدولية المعاصرة؛ ذلك أن الإسلام يدعو أتباعه إلى إحداث نظام عالمي جديد، وهذا يعني تحقيق ” أداء واجب الطاعة والتسليم لله تعالى، الذي أمر الناس جميعاً بالدخول في دين الإسلام، وتنظيم شؤونهم وتدبير أمور حياتهم في عدل موثوق وإخاء مسؤول…. ولأن ذلك هو الطريق الوحيد لإنقاذ البشرية من المنافسة المتواصلة والمعاناة العقيمة والآلام الخاوية بالحاضر، ومن الدمار الوشيك في المستقبل… ولذلك، فإن التزام المسلمين بنظام عالمي، يسوده السلام والعدالة والإخاء، هو التزام ديني ومنفعي معاً”6.

ومما يؤكد ضرورة ما سبق أن طبيعة عالمية الإسلام تدعو إلى الاتصال بالحضارات والأمم الأخرى، فما دامت الأمة والدولة الإسلامية تحمل “رسالة حضارية إلى أمم أخرى غير مسلمة يفرض عليها الشرع الاتصال مع هذه الأمم، وعملية الاتصال هي في حقيقتها تفاعل حيوي، أي تتفاعل مع هذه الأمم تأثيراً وتأثراً، والتفاعل يقتضي التجديد المستمر والتنوع الدائم”7. إن هذه الطبيعة العالمية للإسلام، وتوجهه نحو تحقيق الاتصال الحضاري مع الآخر، يعني تجاوز مجموعة من المثالب في هذا المجال، أهمها8:

$11.مثلب الجمود والتوقف (وهو ما يعني غياب الحركة والتفاعل مع الآخر).

$12.مثلب العيش خارج نطاق الزمن الحاضر (وهو يعني التخلف عن لحظتها وواقعها المعاش ومتابعة التطورات والمستجدات والتفاعل معها).

$13.مثلب الدفاع عن الراهن (وهو يعني رضا بالأمر الواقع، وتبريرا لعجز الأمة أن يكون لها موقع في النشاط الإنساني العام).

$14.مثلب افتقاد وعي الموقف المحيط بالحركة ( وهو ما يرتبط بضرورة التجديد في الفكر والحركة والمؤسسات والرؤى والسياسات ، والتجديد في التعامل الخارجي ، والتجديد في إدراك مقاصد هذا التعامل، وفي ترتيب أولويات القضايا والواجب ؛ حتى لا تعيش هذه الأمة خارج دائرة العصر).

إن دراسة المنظمات الدولية ، من خلال رؤية إسلامية ، هو جزء من دفع أو مغالبة هذه المثالب، والانتقال إلى الحركة والتواصل الحضاري، وكذلك جزء من الفعالية الكونية للإسلام، وبشكل خاص في المحيط السياسي الدولي.

وقبل أن نخوض في بلورة الرؤية الإسلامية تجاه التعامل مع المنظمات الدولية، لا بد أن نؤكد على:

$11. ضرورة التفريق بين الثوابت الإسلامية (خاصة في الإطار العقائدي) والمتغيرات التي تخضع “لآلية الاجتهاد الإسلامي في مستجدات العصر (خاصة في إطار المعاملات)، وبشكل خاص فيما يعرف بـ “السياسة” عموماً، والسياسة الشرعية خصوصاً”.

$12. وكذلك “لا ينبغي أن نجعل أكبر همنا مقاومة كل جديد، وإن كان نافعاً، ولا مطاردة كل غريب، وإن كان صالحاً، وإنما يجب أن نفرق بين ما يحسن اقتباسه وما لا يحسن، وما يجب مقاومته وما لا يجب، وأن نميز بين ما يلزم فيه الثبات والتشدد، وما تقبل فيه المرونة والتطور”9.

$13. وكذلك “إن تطبيق الشريعة وتنزيلها على الواقع منوط بالاستطاعة والإمكان”10.

$14. وأخيراً، (لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان)، كما تنص على ذلك القاعدة الفقهية، وهو ما يؤكده المحققون من العلماء، فـ “كثير من الأحكام تختلف باختلاف الزمان، يتغير عرف أهله لحدوث ضرورة، أو فساد أهل الزمان، بحيث لو بقي الحكم على ما كان عليه أولاً للزم منه المشقة والضرر بالناس، ولخالف قواعد الشريعة المبنية على التخفيف والتيسير، ودفع الضرر والفساد”11. وضابط الأحكام التي تتغير بتغير الزمان يشير إليها أحد العلماء بقوله: “اتفقت كلمة المذاهب على أن الأحكام التي تتبدل بتبدل الزمان وأخلاق الناس هي الأحكام الاجتهادية التي بنيت على القياس ودواعي المصلحة، فإذا أصبحت لا تتلاءم وأوضاع الزمان ومصلحة الناس وجب تغييرها، وإلا كانت عبثاً وضرراً، والشريعة منزهة عن ذلك”12. ولا شك أن ظاهرة المنظمات الدولية، وكيفية التعامل معها، تصب في دائرة مستجدات العصر، وترتبط بمصالح المسلمين.

ثالثاً: المنظور الإسلامي تجاه التنظيم الدولي المعاصر: ماهيته و الأسس و الأهداف

سيتم تحديد ماهية المنظور الإسلامي تجاه المنظمات الدولية المعاصرة من خلال تحديد العناصر الأساسية التالية:

$1 أ‌-أهداف وغايات التنظيم الدولي المعاصر و المنظور الإسلامي.

$1 ب‌- الأسس والقواعد والمنطلقات العامة للمنظور الإسلامي تجاه المنظمات الدولية المعاصرة.

أ- أهداف وغايات التنظيم الدولي المعاصر و المنظور الإسلامي:

سنتناول هنا تحديد طبيعة أهداف وغايات المنظمات الدولية، مع الإشارة إلى مدى توافقها واشتراكها مع المنظور الإسلامي.

التنظيم الدولي أو المنظمات الدولية المعاصرة تدور أهدافها وغاياتها ومبررات وجودها المعلنة ـ بشكل عام ـ حول غايتين أساسيتين، هما: تحقيق “الأمن والسلم”، وتحقيق “التعاون” بين أعضائها في جميع أو بعض المجالات التي يتفق عليها بين الأعضاء13. ولكنّ مضمون هذين الهدفين مفتوح الضوابط؛ فهما فضفاضان في المعنى ويخضعان لتفسير أعضائها، ولا يعني براءتهما من سوء الاستخدام، أو خضوعهما لتفسير يخضع لمصالح بعض أعضاء المنظمات فقط، أو توجيههما نحو المصلحة الذاتية الأنانية التي تقوم على تمجيد الذات والهيمنة، أو تسخير الآخرين، بحيث يتحقق الأمن والسلم والتعاون لمجموعة محدودة من الأعضاء أو لبعض الأعضاء المتنفذين، ممن يملكون عناصر القوة والهيمنة، ولا يفهم الأمن والسلم إلا بما تفسره هذه المجموعة، وما تراه وتقرره لها أو للأعضاء الأقوياء في بعض المنظمات الدولية.

ووفق المنظور الإسلامي، فإن تحقيق هدف “الأمن والسلم”، وتحقيق غاية “التعاون” بين أعضاء المجتمع الإنساني أو مجموعة من الدول، هو غاية ومبدأ يحكم الحراك الإسلامي في السياسة أو العلاقات الدولية، ولكنه مرتبط بإطار التعاون على “البر والتقوى”؛ أي الخيرية للصالح الإنساني العام، أو لصالح مجموعة دول، بشرط عدم إلحاق ضرر أو إضرار بالآخرين، لقوله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ: “لا ضرر ولا ضرار”14. وكذلك عدم الإخلال بمنظومة القيم الإنسانية الأساسية عموماً، ومنظومة القيم الإسلامية في العلاقات الدولية خصوصاً، (مثل: المساواة، ووحدة الأصل الإنساني، العدالة، الوفاء بالعهود،… وغيرها). من جانب آخر، إن سمو هذه الأهداف أو الغايات في المنظمات الدولية لا ينفي ضرورة النظر إلى طبيعة الممارسات ونتائجها، ومدى تطابقها مع هذه الأهداف، وهو ما يسميه علماء أصول الفقه الإسلامي بـ “مآلات الأفعال”15، وكما يقول الإمام الشاطبيمما هو معلوم أن “الـنـظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعاً، كانت الأفعال موافقة أو مخالفة”16.

ب- الأسس والقواعد العامة للمنظور الإسلامي تجاه المنظمات الدولية المعاصرة:

هناك مجموعة من القواعد والأسس أو المبادىء العامة تشكل الإطار العام للحراك الإسلامي ورؤيته على صعيد العلاقات الدولية وما تشمله من منظمات دولية. وتتكون هذه القواعد والمبادئ من المستويات التالية:

$11-مستوى المقاصد العامة للشريعة الإسلامية.

$12-مستوى المبادىء الإسلامية العامة في مجال العلاقات الدولية.

$13-مستوى القواعد الأصولية والفقهية.

$14-مستوى الاجتهاد التطبيقي و”فقه الاعتبارات”.

$11) مستوى المقاصد العامة للشريعة الإسلامية:

إن اللجوء إلى ما يُعرف بالمقاصد العامة للشريعة الإسلامية يشكل محوراً أساسياً أو جوهرياً في تكوين الإطار العام للرؤية الحضارية والحراك الإسلامي، سواء في نطاق السياسة والعلاقات الدولية، أو تجاه مكونات المجتمع الدولي، أو في بقية مجالات الحياة.

وقبل الخوض في تحليل العلاقة بين المقاصد العامة للشريعة ومقاصد وأهداف المنظمات الدولية كأحد مكونات العلاقات الدولية والمجتمع الدولي، لا بدّ من تحديد ماهية المقاصد وطبيعتها.

ماهية المقاصد العامة للشريعة الإسلامية:

يرى بعض الباحثين أنه “لم تحظ مقاصد الشريعة بتعريف دقيق جامع مانع″17، وإنما تم التركيز على الغايات العامة، أو جوهر الرسالة الحضارية للشريعة. فالشاطبي، مؤسس علم المقاصد، اكتفى بالقول: “إن وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد في العاجل والآجل معاً”18. أي مصلحة العباد في الدنيا والآخرة. ويشير البعض الآخر من علماء المسلمين إلى أن “المقصد العام للشريعة الإسلامية هو عمارة الأرض، وحفظ نظام التعايش فيها، واستمرار صلاحها بصلاح المستخلفين فيها، وقيامهم بما كلفوا به من عدل واستقامة”19.

وقد لخص أحد الباحثين المعاني التي تداولها العلماء في موضوع المقاصد العامة للشريعة، نستعرض أهمها فيما يأتي20:

$1- عبر البعض عن المقاصد بمطلق المصلحة، سواء أكانت هذه المصلحة جلباً لمنفعة أم درءاً لمفسدة، أم كانت مصلحة جامعة لمنافع شتّى، أم كانت تخص منفعة معينة أو بعض المنافع القليلة والمحصورة، وهو ما عبر عنه ابن القيم الجوزية بقوله: “فإن مقاصد الشريعة مبناها وأساسها على الحِكَم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها”21.

$1- كما عبر البعض الآخر عنها بـ “نفي الضرر، ورفعه وقطعه”، أو “رفع المشقة”. وعبر عنها آخرون بـ “رفع الحرج والضيق، وتقرير التيسير والتخفيف”.

وبصورة عامة، فإن التعريفات أو المفاهيم تراوحت ما بين مفاهيم أو تعاريف تأتي في نطاق “المصلحة العامة”، مثل ما عبر عنه ابن القيم، أو جاءت في إطار الكليات الشرعية الخمس الشهيرة، وهي: حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال.

ولا شك أن مجمل هذه المقاصد تدور حول “مصلحة العباد” وعمارة الكون والصالح الإنساني العام. ومن هنا، فإن معنى المقاصد يدور في فلك التعاون على صلاح أو مصلحة وخير الإنسانية، وإصلاح الكون، وتنمية المجتمع الإنساني، والتعايش البشري، وإقامة العدل في الأرض.

ويلخص العلامة يوسف القرضاوي هذه المعاني بقوله: “فمن المعلوم أن أحكام الشريعة إنما جاءت لتحقيق مصالح العباد، وإقامة القسط بينهم، وإزالة المظالم والمفاسد عنهم”22.

بناء على ما سبق، يمكن أن يقال إن المقاصد العامة للشريعة تشكل أرضية أساسية في بناء المنظور الإسلامي تجاه المنظمات الدولية، طالما اتجهت نحو “مصلحة العباد” أو ” الصالح الإنساني العام” أو “إصلاح المجتمع الإنساني وخيره”؛ أي طالما كانت تتجه نحو تحقيق “الأمن والسلام” و”التعاون” نحو بناء وتنمية المجتمع الإنساني العادل والخيّر عموماً، والمجتمع الإسلامي خصوصاً. وربما من المهم الإشارة هنا إلى مفارقة حول مفهوم أو هدف تحقيق “الأمن والسلام” في المنظمات الدولية هو مفهوم أو هدف وظيفي Functional قابل للتغيير والتعديل إذا قرر أعضاء هذه المنظمات الدولية تغييره أو تعديله، مع الحافظة على وجود واستمرارية هذه المنظمات، بينما في المنظور الإسلامي فإن مفهوم أو هدف “الأمن والسلم” هو جزء عضوي أو بنيوي من الكينونة الحضارية للرسالة الإسلامية لا يمكن إلغاؤها أو تغييرها برغبة من أصحاب هذه الرسالة الإسلامية.

إن جميع هذه المقاصد والاعتبارات المذكورة سابقاً تمثل تأطيراً أساسياً أو منطلقات وقواعد عامة للحراك الإسلامي، لبناء المنظور الإسلامي تجاه المنظمات الدولية المعاصرة وأطر التعامل معها، وذلك منعاً لانسحاب المواقف أو الأدوار الإسلامية من دائرة الفعالية في المجتمع الدولي ومؤسساته، ودائرة الحياة الإنسانية عموماً.

وفي المقابل، يجب أن ترتبط المقاصد العامة للشريعة بضرورة التحقق من مآلات الأفعال23، وبالتالي لا يكتفى بتحديد المقاصد العامة، وإنما يسعى للتحقق من ذلك عملياً أو فعلياً، فالإيمان يرتبط بالعمل الصالح. ولذلك، فإن نتائج المشاركة في المنظمات الدولية وممارساتها، سواء على الصعيد الداخلي للمنظمات أو الدور الدولي لها، هي التي تقرر مدى تحقق المقاصد العامة، ومدى تفعيل الدور الحضاري في المجتمع الإنساني، على أن ينسحب هذا الدور والفعالية ليس فقط على المجتمع الدولي، وإنما أيضاً ضمن دائرة توجيه هذه المنظمات الدولية نفسها، من خلال محاولة توجيهها وإخضاعها لمبدأ العدالة والمساواة في ممارساتها وقراراتها.

من جانب آخر، ربما كان من المناسب الإشارة هنا إلى علاقة نظرية القواعد الدولية الآمرة، التي تخضع لها أو التي يجب أن تلتزم بها المنظمات الدولية المعاصرة، وطبيعة المنظور الحضاري الإسلامي تجاه المنظمات الدولية. عموماً، كما يشير الباحث محمد الموسى في دراسته حول القواعد الدولية الآمرة – حسب آراء بعض الباحثين الغربيين، بأنه لا يجوز ـ كما هو معروف ـ للدول ولا للمنظمات الدولية مخالفتها؛ لأنها تمثل مبادىء دولية عرفية حظرية أي يحظر الخروج عليها. و يلخص ويستعرض في دراسته أهم هذه القواعد الدولية الآمرة وأفق الاتجاهات الدولية المعاصرة المؤيدة لهذه القواعد في24:

$11. تحريم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية.

$12. حماية حقوق الإنسان الأساسية.

$13. الحق في تقرير المصير.

$14. تحريم العدوان و استخدام القوة في تسوية النزاعات، وأن استخدام القوة من المنظمات الدولية يكون في حالات استثنائية و يجب أن يكون منضبطا وفق الالتزام بالقواعد المذكورة أعلاه.

عموماً، يمكن القول إن هذه القواعد، التي تخضع لها المنظمات الدولية المعاصرة، تتوافق مع المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، سواء من حيث حفظ الضروريات الخمس، أو من حيث الالتزام بالضوابط والأسس الأخلاقية التي فرضها الإسلام في الحرب، مثل: عدم قتل المدنيين، أو غير ذلك. وإن كانت مقاصد الشريعة، وكذلك مبادئها وممارساتها في العلاقات الدولية، بالإضافة إلى قواعدها الأخلاقية في الصراعات والحروب، سابقة بمئات السنين على هذه القواعد الدولية الآمرة.

من ناحية أخرى، إن هذه القواعد تشكل إطاراً معاصراً أكثر قبولاً وتفعيلاً لتطبيق جوهر مقاصد الشريعة من قبل المنظمات الدولية التي تحتوي أعضاء كافة الأديان والملل. وكذلك تشكل هذه القواعد إطاراً ضابطاً ومقبولاً لممارسات المنظمات الدولية بشكل يتوافق ومقاصد الشريعة الإسلامية ومبادئها الدولية.

$12) مستوى المبادئ العامة الإسلامية في مجال العلاقات الدولية:

هناك مجموعة من المبادىء العامة الإسلامية التي تؤطر الحراك الإسلامي الدولي تجاه بيئة أو نظام ومؤسسات المجتمع الدولي، (والتي منها المنظمات الدولية المعاصرة)، وهذه المبادىء تتلاقى في أحيان كثيرة مع طبيعة المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، وهي منبثقة من النظام التشريعي الإسلامي ، وتعبر عن جزء من سلامته ومنطقيته وصلاحيته.

ويعتبر تناول هذه المبادىء العامة جزءا من عملية توضيح طبيعة القواعد العامة الإسلامية، التي تحدد ماهية الرؤية والحراك الإسلامي تجاه المنظمات الدولية المعاصرة.

وأهم هذه المبادىء العامة ما يلي25:

$11. وحدة الأصل الإنساني أو “الأخوة الإنسانية”، وما يقتضي ذلك تحقيق قيم ومبادىء العدل والمساواة والحرية:

تقرر الشريعة الإسلامية وحدة الجنس البشري وانتسابه إلى أصل واحد هو آدم وحواء “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى”26، وبدون تمييز في لونه أو عرقه أو دينه. وبالتالي، فإن وحدة الأصل الإنساني هذه تقتضي العدل والمساواة في التعامل مع المجتمع الإنساني وأفراده، فالإسلام يدعو للعدل مع الآخرين، حتى لو كانوا أعداءه، بغض النظر عن دينهم، قال تعالى: “وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍعَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْاللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ”27، كما أن الدين الإسلامي كفل مبدأ الحرية لأفراده، ورفض الاستعباد؛ على أساس مبدأ المساواة بينهم (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا). وإن تحقيق العدل والمساواة والحرية في العلاقات الدولية يعني اتخاذ كل الوسائل الممكنة لمنع الظلم والفساد والتمييز ضد كياناته أو وحداته فيها من جهة، والتعاون مع وحدات المجتمع الإنساني لجعل العدل والمساواة والحرية أساس نظام الحياة وجوهر القانون الذي ينظم حياة المجتمع الدولي من جهة ثانية. و بذلك فإن أي منظمات تحمل في أهدافها و دوافعها الدعوة إلى تحقيق العدالة والمساواة والحرية في المجتمع الإنساني، تعتبر وسائل وأدوات ضرورية ولازمة للمساهمة في تحقيق تلك الأهداف والمباديء، وبالتالي فإنها تُعتبر متوافقة مع المنظور الإسلامي، وفي نفس الوقت جزءا من وسائله في تحقيق مبادئه وأهدافه.

$12. السلم هو الأصل في العلاقات الدولية:

يحرص الإسلام في دعوته على بناء علاقاته الخارجية على أساس السلم أو السلام مع الآخرين من غير المسلمين، سواء أكانوا أفرادا أم دولا وكيانات دولية، وهذا هو الأصل في علاقاته الدولية، طالما أن الآخرين لم ينتهكوا هذا المبدأ28.

إن “السلم” أو “السلام” في الإسلام هو مبدأ وغاية حضارية كونية، ورسالة حضارية يدور حراكه الدولي نحو تحقيقها لبني البشر أو المجتمع الدولي. وبالتالي، فإن سياساته وعلاقاته مع المجتمع الدولي تتأطر بهذا المبدأ. وإن كل الأدوات أو الهيئات، مثل المنظمات الدولية المعنية بتحقيق “الأمن والسلم الدوليين”، تمثل نقطة التقاء مع الرؤية الإسلامية نحو عمل مشترك إنساني، يصب في مصلحة الخير الإنساني العام، بكافة دياناته ومعتقداته أو طوائفه، كما “أن السلام العالمي هو الهدف النهائي للنظرية الإسلامية في العلاقات الدولية، والوصول إلى هذا الهدف هو مطلب المستقبل لجميع الأمم، والطريق إليه مليء بالتحديات التي تفوق طاقة أمة بمفردها. وإن الإسلام يعلم كافة البشر أن باستطاعتهم دوماً أن يتشاوروا وأن يتحاوروا ويتعارفوا من أجل اكتشاف الحقول المشتركة فيما بينهم، ولكي يعمقوا إدراكهم للمثل الإنسانية الفطرية التي تجمعهم، وليسهموا معاً في بناء علاقات دولية بناءة تتسم بالإيجابية والموضوعية والمستقبلية، وبالعدالة قبل ذلك كله”29.

$13. التعاون والاعتماد المتبادل:

يعد مبدأ التعاون والاعتماد المتبادل سنة من سنن الحياة الإنسانية، وهو ضرورة بشرية؛ حيث إن الإنسان “اجتماعي بالطبع″، لا يستطيع سد حاجاته أو القيام بمهامه أو أهداف وجوده بمفرده، فكان لا بد من التعاون، وما ينتج عنه من عملية الاعتماد المتبادل لتحقيق المصالح المشتركة.

وهذا الدين هو دين الفطرة، وهو الملائم لطبيعة الإنسان أو البشرية، كما تشير الآية الكريمة: “فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون”30. فكان من الطبيعي أن تتناسق وتتلاءم أسسه ومبادؤه مع الحياة الإنسانية وضروراتها. ومن ناحية أخرى، فإن التعاون والاعتماد المتبادل هو غاية ووسيلة ـ أيضاً ـ لهذا الدين، قال تعالى: “وتعاونوا على البر والتقوى”. ويتضمن الأمر بالتعاون تقرير الاعتماد المتبادل كسياسة عامة في تسيير العلاقات بين مختلف أطراف الوجود الإنساني بجميع مكوناته، بين الدول أو المنظمات أو الأفراد، إلا أن التعاون والاعتماد المتبادل في ضوء الطرح الإسلامي منضبط بمنظومة القيم والمبادىء الإسلامية الأخرى كالعدالة والمساواة وغيرها، وإلا فقد تحولت علاقات “التعاون” والاعتماد المتبادل إلى نوع من التحالف والتكتلات نحو الهيمنة لصالح القوى وخدمة منافع الأقوياء من الدول، والتي تدفع الإنسانية ثمناً لها. كما “أن هذا النمط من التعاون ]المرتبط مع القيم[ ضمن النظرية الإسلامية العامة للعلاقات الدولية، هو أحد عوامل التطور الاجتماعي والحضاري العام، وهو الذي يؤسس لبناء السلام الحقيقي بين مختلف الأمم والشعوب، ويحد من إمكانيات حدوث النزاعات أو نشوب الحروب والصراعات فيما بينها”31.

ويتخذ مبدأ التعاون والاعتماد المتبادل مستويات عدة، بدءاً من الأفراد، إلى الكيانات والجماعات والدول. ومن هنا، فإن المنظمات الدولية هي أحد الكيانات الأساسية المعنية واللازمة لتحقيق “التعاون والاعتماد المتبادل” بين المصالح الإنسانية، وبالتالي هي إحدى الهيئات المعنية أو المستهدفة بالخطاب الإسلامي، الداعي إلى تحقيق التعاون البشري ضمن منظومة القيم الفطرية المنضبطة لتحقيق “الصالح الإنساني العام”.

$14. “العالمية” / “الدعوة” / “البلاغ” و”عولمة الرحمة”:

الرسالة الحضارية الإسلامية رسالة عالمية؛ فهي “دعوة عالمية” للإنسانية والبشرية جمعاء، قال تعالى: “وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً”32. وهذا يقتضي من أصحاب هذه الرسالة الحضارية العالمية، التكليف بـ “البلاغ” بها للمجتمعات الإنسانية والمجتمع الدولي بجميع مكوناته (أفراد، حكومات، دول، منظمات دولية،…إلخ). وإن مقتضيات “الدعوة” و”العالمية”و “البلاغ” الانفتاح والتواصل الحضاري مع الآخر. أيضاً الرسالة الإسلامية معنية بـ “عولمة الرحمة”، “وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا رَحْمَة لِلْعَالَمِينَ”33، وبالتالي بناء العلاقات الدولية أو على مستويات أخرى على أساس من “التراحم”، وهو ما يشكل دافعاً لتحقيق السلام والخير الإنساني. إن هذا كله يمثل إطاراً عاماً للرؤية والحراك الإسلامي الدولي تجاه المجتمع الإنساني أو الدولي بمكوناته، والتي منها “المنظمات الدولية” غير الإسلامية، فهذه المنظمات تعتبر غاية ووسيلة للحراك الإسلامي أو للدعوة والبلاغ الإسلامي، فهي غاية من حيث ضرورة إبلاغها بطبيعة ومضامين الرسالة الحضارية الإسلامية، ووسيلة من حيث إنها تعتبر “منبراً دولياً” يساعد أو يتشارك في بعض جوانبه وأهدافه في السعي نحو تحقيق “الخير أو الصالح الإنساني العام”، كما أنها تعتبر منبراً لإبلاغ الرؤية الإسلامية في مختلف القضايا إلى مكونات وأعضاء المجتمع الإنساني. و إن تفاعل الرؤية الإسلامية في هذا المنبر لا ينفي أو لا يعني أن هذا “المنبر الدولي” ليست له قوانينه ولاعبوه الذين يتحكمون في حركته ودوره. كما أن الرسالة الحضارية الإسلامية معنية في رسالتها العالمية ودعوتها بمحاربة الفساد في الأرض، وإعمار الكون، ومقاومة الظلم والعدوان، وهذا يتطلب جهوداً جماعية ضخمة؛ مما يقضي بإقامة تحالفات مع الدول والمنظمات والشعوب المعنية في تحقيق الخير والعدالة للإنسانية، وهو ما تهدف له بعض المنظمات الدولية من الناحية النظرية على الأقل.

$15. الوفاء بالعهود و المواثيق واحترامها:

مما لا شك فيه أن تحقيق الأمن والسلام للبشرية، وتحقيق التعاون والاعتماد المتبادل، والعدالة والخير للإنسانية، والتفاعل الإسلامي مع محيطه الدولي ضمن طبيعة “العالمية” و”الدعوة” و”البلاغ”، والسعي الإسلامي لمحاربة الظلم والعدوان والفساد في الأرض وإعمار الكون، يتطلب ـ كما أشرنا سابقاً ـ جهوداً ضخمة وجماعية، تشترك فيها الأمة الإسلامية مع الأمم الأخرى، ومع الدول والمنظمات الدولية المعنية بتحقيق الخير والصالح الإنساني العام. إن هذا كله يحتاج إلى علاقات تعاون وتحالف وتعاقد بين الأمة الإسلامية والأمم الأخرى والمنظمات الدولية؛ حتى نتمكن من تحقيق هذه الغايات والقيم الإنسانية السامية التي يدعو لها الإسلام، وهذه العلاقات والتحالفات تقتضي إيجاد معاهدات واتفاقيات تنظم أشكال هذا التعاون، وتحدد غاياته ووسائله ومجالاته، وتشكل مرجعاً ضابطاً لمنع حدوث المنازعات بين هذه الأطراف. ومن هنا، فإن الإسلام معني تماماً بالالتزام بهذه العهود والمواثيق، التي تُعتبر جزءاً من تنظيم العلاقات الدولية بين الأمة الإسلامية والمنظمات الدولية، والدول غير المسلمة، خاصة وأنه يؤكد على الالتزام واحترام العهود والمواثيق مع الآخر كجزء من حرصه على الصالح الإنساني العام، ومصالح الأمة الإسلامية، وقد أكد القرآن ذلك في قوله تعالى: “يا أيها الذين ءآمنواأَوْفُواْ بِالْعُقُودِ”34.

إن احترام العهود والمواثيق جزء أصيل في النظرية الإسلامية في العلاقات الدولية أو التعاون الدولي، وإن عقد المعاهدات، سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية أو العسكرية أو غيرها، بما يخدم الإنسانية، هو ضرورة أساسية ضمن آلية التعاون على البر والتقوى وإعمار الكون. وبالتالي، فإن التفاعل الإيجابي تجاه المنظمات الدولية، التي تهدف لتحقيق العدالة والسلام، وإعمار الكون، ومحاربة الفساد والظلم والعدوان، ومنع الحروب والصراعات بين الدول، هو جزء أصيل في الرؤية الإسلامية من حيث المبدأ، ما دامت في إطار هذه الغايات والمقاصد والأهداف. وهذه الغايات والمقاصد حثّ عليها الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ عندما دخل قبل الإسلام في “حلف الفضول” لدفع الظلم، وأقره في مرحلة ما بعد الإسلام، وقال فيه: “لقد حضرت بدار عبدالله بن جدعان حلفاً ما يسرني به حمر النعم، ولو دعيت إليه في الإسلام لأجبت”35.

$16. “مبدأ المسؤولية الجماعية” أو “التضامنية”:

يرتبط الدخول في المعاهدات والاتفاقيات الدولية، التي تسعى للخير الإنساني العام وتحقيق الأمن والسلام والعدالة، بمبدأ إسلامي آخر هو مبدأ “المسؤولية الجماعية” أو “التضامنية” بين وحدات المجتمع الإنساني لمحاربة الفساد والعدوان والظلم، كما فعل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حلف الفضول لنصرة الضعيف ومقاومة الظلم، وكذلك سعياً لتحقيق الخير الإنساني العام، كما في قوله تعالى: “وتعاونوا على البر والتقوى”. ومبدأ المسؤولية الجماعية أو التضامنية أوضح ما يكون في حديث الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ:” (مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ، مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا، وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعاً، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا36. كما أن دعوة الإسلام للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يدور جوهرها على مطالبة كل مستطيع بمحاربة الفساد والظلم وتحقيق الخير والصلاح، والتشارك والتضامن أو التعاون الجماعي، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو تحمل المسؤولية الفردية والجماعية في تحقيق الإصلاح ومحاربة الظلم والخيرية للبشرية، قال تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر }37، ويقول تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة}38. ويقول سيدنا محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ:(من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) 39.

ومن هنا، فإن المنظور الإسلامي يرى في المنظمات الدولية، التي تسعى إلى تحقيق السلام والأمن الدولي، والخير الإنساني العام، أنها جزء من مبدأ المشاركة أو المسؤولية الجماعية أو التضامنية، بين الأمة الإسلامية مع الأمم الأخرى لمحاربة العدوان والظلم والفساد، وتحقيق العدالة والسلام والخير الإنساني العام في الأرض. وإن عدم التفاعل أو الفعالية الإيجابية تجاه المنظمات الدولية في إطار تحقيق هذه الغايات سيؤدي إلى الإضرار بالجميع وبوحدات ودول المجتمع الإنساني المسلمة وغير المسلمة، ويؤدي إلى نشر الحروب والصراعات، وخاصة من قبل أصحاب القوة والجبروت والكيانات القوية على الكيانات الضعيفة أو المستضعفة.

$13) مستوى القواعد الأصولية والفقهية:

تمتاز طبيعة الدين الإسلامي بالصلاحية لكل زمان ومكان، و”نصوص الوحي المنزل- بفضل ما تزخر به من قيم كونية متعالية، ومبادئ إنسانية سامية لنظام واقعي أفضل- تستطيع أن تحتفظ بقدرتها على التكيف مع مختلف التحولات الإيجابية التي تحاول النظم الوضعية المعاصرة أن تصل إليها”40. هنا، كان لا بد لهذا الدين من مقومات معينة تجعله قادرا على التعامل مع متغيرات ومستجدات كل عصر، وقد قام الفقه الإسلامي على مجموعة من (الضوابط) والقواعد الأصولية والفقهية التي توفر له الإمكانية والقدرة على التعامل مع مستجدات العصر ومتغيراته، بحيث تكون بمثابة المرجع والضابط العام لآلية “الاجتهاد” في التعامل مع المتغيرات الجديدة، وتوفير الديناميكية اللازمة له، بما يجعله مرنا متجددا قادرا على استيعاب المتغيرات بما يلبي الحاجات البشرية ومتطلباتها، خاصّة في ضوء اختلاف موازين القوى البشرية، سعياً نحو تحقيق مقاصد الشريعة. وهذه القواعد هي بمثابة مصادر تشريعية وضوابط للعلاقة بين الرؤية والحراك الإسلامي وطبيعة الواقع بمتغيراته المختلفة. وأهم هذه القواعد أو الضوابط التي تعطينا إطاراً أو تشكل مصدراً للمنظور الإسلامي تجاه المنظمات الدولية، تتمثل بما يلي:

$11. الاستصلاح (المصالح المرسلة):ويعني: “استنباط الحكم في واقعه لا نص فيها ولا إجماع، بناء على مراعاة مصلحة لا دليل من الشارع على اعتبارها ولا على إلغائها”41.

ويشير أحمد بو عود إلى أن الإرسال قد يراد به “أن يوكلَ أمرُ تقدير المصلحة إلى العقول البشرية، دون التقيد باعتبار الشارع أو عدم اعتباره لها… والمقصود بالعقول البشرية الاجتهاد البشري، من خلال ما كسب من معارف وعلوم وتجارب وفهم للواقع.

يتقيد المجتهد في حكمه على ما يستجد من أحداث مختلفة (مستجدات العصر) بالمصالح والأهداف التي رمت إليها الشريعة الإسلامية.

وعندما يوكل أمر تقدير المصلحة إلى العقول البشرية، أو لا يتقيد في حكمه على ما يستجد من الأحداث بالقياس على أصل منصوص، فإنه لا يعني طبعاً إهداراً للنصوص… وقد اختلف في الأخذ بالمصالح المرسلة بين معتبر لها وغير معتبر، وقد يكون لمن قال بعدم الأخذ بها من الأسلاف عذره في ذلك الزمان. ولكن اليوم فإن الغفلة عنها تعني أن الشريعة عاجزة عن مواكبة المستجدات ومتطلبات الحياة، غير عابثة بمصالح الناس وخيرهم الذي هو أعلى مقاصد الشريعة، وبالتالي يناقضون ميزة الشريعة الإسلامية في صلاحيتها لكل زمان ومكان”42.

يقول عبد الوهاب خلاف عن دور المصلحة المرسلة بأنها “أخصب الطرق التشريعية فيما لا نص فيه، وفيها المتسع لمسايرة التشريع تطورات الناس، وتحقيق مصالحهم وحاجتهم”43. ويقول القرضاوي ـ أيضاً ـ: “وجمهور فقهاء المسلمين يعتبرون المصلحة دليلاً شرعياً يبنى عليها التشريع أو الفتوى أو القضاء. ومن قرأ كتب الفقه وجد مئات الأمثلة من الأحكام التي لم تعلل إلا بمطلق مصلحة تجلب أو ضرر يدفع″44.

“إن حاصل المصلحة المرسلة يرجع إلى حفظ أمر ضروري، ورفع حرج لازم في الدين، وأيضاً مرجعها إلى حفظ الضروري من باب “ما لا يتم الواجب إلا به”، فهي إذن من الوسائل لا من المقاصد، ورجوعها إلى رفع الحرج راجع إلى باب التخفيف لا إلى التشديد”45.

إن العمل بالمصالح المرسلة (الاستصلاح) يدور في جوهره على قواعد وأطر تحدد طبيعة الدواعي من استخدامه، وهذا الجوهر هو الذي يفتح الباب على كيفية استخدام المصالح المرسلة في ظواهر ومستجدات العصر، ومنها ظاهرة المنظمات الدولية المعاصرة.

$12. قاعدة جلب المصالح ودرء المفاسد: إن “درء المفاسد وجلب المصالح هو مقصود الشارع الأعظم، وهذا المقصود حول اعتبار الشارع في تنزيل الأحكام على الوقائع، بيد أن حدوث الوقائع تكون المصالح فيه مشوبة بالمفاسد، بحيث لا يكون فعل في الوجود أبداً خالص المصلحة أو المفسدة، إذ إن المصالح الخالصة عزيزة الوجود46.

ويشير بعض العلماء إلى أنه حتى يحقق الوصف المصلحة أو المفسدة لا بد من47:

$1§ أن يكون النفع أو الضرر محققاً مطرداً.

$1§ أن يكون النفع أو الضرر غالباً واضحاً، تنساق إليه عقول العقلاء والحكماء.

$1§ أن لا يمكن الاجتزاء عنه في توصيل الصلاح وحصول الفساد.

$1§ أن يكون أحد الأمرين من النفع أو الضر، مع كونه مساوياً لضده، معضوداً بمرجح من جنسه.

وأهمية هذا المحور تتمثل ـ كما قال الشاطبي ـ في جعل جوهر جلب المصالح المعتبرة ودرء المفاسد إقامة الحياة الدنيا للحياة الأخرى، إذ يقول: “المصالح المجتلبة شرعاً والمفاسد المستدفعة إنما تعتبر من حيث تقام الحياة الدنيا للحياة الأخرى، لا من حيث أهواء النفوس في جلب مصالحها العادية أو درء مفاسدها العادية”48.

وعليه، فإن عملية الحراك نحو جلب المصالح ودرء المفاسد هي حركة الخيرية والبناء للصالح الإنساني العام، الذي تسعى إليه الرسالة الحضارية الإسلامية. إن هذه القاعدة تحدد إطارا عاما ضابطا للمنظور الإسلامي وحراكه تجاه المنظمات الدولية في إطار تحقيق جلب المصالح أو المنافع ومنع المفاسد والضرر لصالح الإنسانية عموماً، والأمة الإسلامية خصوصاً.

$13. قاعدة تغير الأحكام بتغير الزمان والمكان والحال:

يرى العلماء أن الأحكام والفتاوى الشرعية، التي تقوم على الأعراف ودواعي المصلحة، قابلة للتبدل بتغير الظروف والمكان والزمان، بما يخدم ويحقق المصلحة الإسلامية. ولكن التغير هنا لا يتعلق بتغير الأصول والثوابت الشرعية. وهذه القاعدة مهمة جداً في التعامل مع الظواهر والمستجدات الإنسانية المرتبطة بحياة الناس ومعاشهم عموماً؛ لما يعتريها من تبدل وتغير أو نشوء جديد. وطبيعة تغير هذه الظواهر الإنسانية هو جزء من طبيعة حياة الناس، وتنظيم وتسهيل معاشهم، ونظام المعاملات في حياتهم. عموماً تُعتبر ظاهرة المنظمات الدولية من هذه الظواهر والمستجدات الإنسانية التي نشأت لخدمة حياة الناس، وحفظ أمنهم، والمساهمة في رعايتهم، وتسهيل سبل معاشهم، وتلبية احتياجاتهم.

وحيث إن ظاهرة المنظمات الدولية ظاهرة إنسانية معاصرة، فإنه يمكن النظر إليها وفق الأحكام الإسلامية الخاصة بقاعدة تغير اعتبارات الحال والزمان، وتدخل هذه الظاهرة ضمن دائرة الأحكام الاجتهادية التي تراعي مستجدات ومصالح الأمة، وإن كان هذا التغيير “تبدلا في الحكم، إلا أنه لا يعتبر في حقيقته تبدلاً لحكم شرعي ثابت عن الأصل؛ إذ هو من أساسه ليس إلا تطبيقاً لأوجه متعددة لحكم شرعي ثابت”49.

يقول ابن عابدين في رسالته “نشر العرف”: “كثير من الأحكام تختلف باختلاف الزمان؛ لتغير عرف أهله لحدوث ضرورة، أو لفساد أهل الزمان، بحيث لو بقي الحكم على ما كان أولاً للزم المشقة والضرر بالناس، وخالف قواعد الشريعة المبنية على التخفيف والتيسير، ودفع الضرر والفساد”50.

ويقول محمد الزحيلي: “اتفقت كلمة المذاهب على أن الأحكام التي تتبدل بتبدل الزمان وأخلاق الناس هي الأحكام الاجتهادية التي تتلاءم وأوضاع الزمان ومصلحة الناس وجب تغييرها، وإلا كانت عبثاً وضرراً، والشريعة منزهة عن ذلك ولا عبث فيها، أما الأحكام الأساسية التي جاءت الشريعة لتأسيسها بنصوصها الأصلية الآمرة والناهية،… فهذه لا تتبدل بتبدل الزمان، بل هي أصول جاءت بها الشريعة لإصلاح، الزمان والأجيال، ولكن وسائل تحقيقها وأساليب تطبيقها، قد تتبدل باختلاف الأزمنة والمحدثات”51.

عموماً التغير في الأحكام بحسب الزمان أو المكان أو الظروف والأحوال مرتبط بتحقيق المصلحة (العامة)، وهذه المصلحة مرتبطة بضوابط معينة. ومن هنا، فإن الرؤية الإسلامية تجاه المنظمات الدولية وطبيعة التعامل معها مرتبط بالمصلحة سلباً أو إيجاباً، بحسب الظروف والزمان والمكان، فقد يكون التعامل مع بعض المنظمات الدولية مفيداً في مرحلة ما أو قضية ما، فالخير في التواصل والتفاعل معها، وقد تكون المصلحة في مقاطعة هذه المنظمات في مرحلة ما أو في قضية ما؛ منعاً لضرر أو فساد أكبر مترتب على هذا التعامل، “فالأمر عائد إلى الترجيح بين طرفي المصلحة والمفسدة، الحاكم على الأفعال بحسب الغلبة، فالمصالح والمفاسد الراجعة إلى الدنيا إنما تفهم على مقتضى ما غلب: فإذا كان الغالب جهة المصلحة فهي المصلحة المفهومة عرفاً، وإذا غلبت الجهة الأخرى فهي المفسدة المفهومة عرفاً”52.

وعموماً، فإن نسبة المصلحة والمفسدة ليست قضية ثابتة أو مطلقة، وإنما هي متغيرة وفق اعتبارات الزمان والمكان، ويبقى للقائم على الأمر أو صانع القرار دور بارز في الموازنة بين النفع والضرر، انطلاقا من القاعدة الفقهية التي تنص على أن ” تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة”53.

$11. قاعدة ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب:

لا خلاف في أن تحقيق المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، خاصة المقاصد الضرورية (الضروريات الخمس وتحقيق العدالة)، والتي أشير إليها سابقاً، أمر مطلوب وواجب، وبالتالي، أقر العلماء بأن الوسائل الشرعية التي تحقق هذه المقاصد واجبة؛ إذ إن “للوسائل حكم المقاصد”. ويشير الشاطبي في كتابه الاعتصام إلى أن “حاصل المصلحة المرسلة يرجع إلى حفظ أمر ضروري، ورفع حرج لازم في الدين، وأيضاً مرجعها حفظ أمر ضروري من باب “ما لا يتم الواجب إلا به”، فهي إذن من الوسائل لا من المقاصد، ورجوعها إلى رفع الحرج راجع إلى باب التخفيف لا إلى التشديد”54.

وقد بين سابقاً أن العدالة والمساواة والصالح الإنساني العام هي من مقاصد الشريعة، وبالتالي فإن أي تعاون مع أية دولة أو كيان دولي لتحقيق ذلك هو أمر مطلوب شرعاً. ومن هنا، فإن التعاون مع المنظمات الدولية أمر يدخل في المنظور والسياق الإسلامي ورؤيته الحضارية طالما هو يصب في تحقيق المقاصد العامة للشريعة، ويعتبر هذا التعاون وسيلة لتحقيق بعض هذه المقاصد، مثل: تحقيق الأمن الإنساني، (حفظ النفس)، وإعمار الأرض، وغيرها.

$12. قاعدة المشقة تجلب التيسير:

يقوم المنظور الحضاري الإسلامي على فهم أو فقه الواقع، وتأثير الفاعلين في تحقيق مقاصده الإنسانية، والواقع يحتوي على نظام دولي تتصارع فيه الكثير من المصالح وقوى العدل والظلم، وهناك الضعيف صاحب الحق، والقوي المستبد. وفي كثير من الأحيان واقع الضعف يفرض معادلات غير عادلة من الأقوياء، ويتطلب هذا الواقع تعاملاً تدريجياً وتخفيف المشقة في سبيل تحقيق ما أمكن من العدل والمقاصد الإسلامية في الحياة. ومن هنا، فإن قاعدة المشقة تجلب التيسير تشكل إحدى القواعد التي يقوم عليها المنظور الإسلامي تجاه العلاقات الدولية، بما فيها المنظمات الدولية، وتقوم هذه القاعدة على أحكام التيسير والرخص الشرعية الثابتة باستقراء وتتبع الجزئيات الفقهية والاستخلاص من القواعد والمبادئ الكلية، وليست مبنية على ما يمليه العقل ويبينه الهوى،… ثم إن المشقة الجالبة للتيسير هي المشقة غير المعتادة، التي لا يقدر عليها المكلف، أما المشقة المعتادة فلا مناص منها، وهي من طبيعة الحياة ومستلزمات أي فعل بشري، خيراً أو شراً، منفعة أو مضرة55.

إن الواقع (واقع الضعف السياسي، و الاقتصادي، والاجتماعي) للأمة الإسلامية، وطبيعة السياسة والقوى الدولية المحيطة، وعجز هذه الأمة عن الفعالية ورد المظالم الدولية عنها وعن حقوقها، هو واقع مشقة تؤثر على حياة الأمة ودولها وأفرادها، وهو تأثير كبير فيه الكثير من القهر والاضطهاد والظلم وتضييع الحقوق. من جانب آخر، فإن بعض المنظمات الدولية إما تكون أدوات لهذه المظالم أو القهر، أو أدوات يمكن الاستعانة بها لتخفيف ورد بعض المظالم والعدوان، أو جلب بعض التيسير. ومن هنا، فإن التعامل مع بعض هذه المنظمات، والعمل على توجيه جزء من قراراتها تجاه الأمة الإسلامية توجيهاً إصلاحياً وبنَّاءً، يجعل منها وسيلة إيجابية للتخفيف والتيسير على الأمة من شراسة بعض قوى الاستعباد والقهر الدولي، وذلك من خلال حالة ” التدافع″ في النظام الدولي وقوانينه، واستخدام أدواته التي تسمح ـ أحياناً ـ بدفع بعض الأذى والضرر. و إن كانت في أحيان أخرى هي سبب من أسباب أو أدوات المظالم، ولكن جلب المصالح ودرء المفاسد لا يمكن أن يكون كاملاً، وغالباً ما يخضع للموازنة وغلبة المصلحة وتعظيمها ما أمكن، في ضوء واقع الضعف الحالي للأمة.

$14) مستوى الاجتهاد التطبيقي للمنظور الإسلامي و”فقه الاعتبارات”:

تمثل المقاصد العامة والقواعد الأصولية والفقهية في التشريع الإسلامي الإطار العام لاجتهاد معاصر يناسب الزمان والمكان والحال، ويستجيب إلى متطلبات ومستجدات الواقع المعاصر، وهي تضبط وتدير العلاقة بين الطروحات الإسلامية وطبيعة الواقع السياسي المعاصر، كما أنها تشكل الإطار العام للرؤية الإسلامية في محيط العلاقات الدولية عموماً، وتجاه المنظمات الدولية خصوصاً. ويكتمل هذا الإطار بمعالجة ما يُعرف بالاجتهاد التطبيقي، والمقصود بالاجتهاد التطبيقي “إعمال العقل، من ذي ملكة راسخة متخصصة في إجراء حكم الشرع الثابت بمدركه الشرعي، على الوقائع الفردية والجماعية؛ تحقيقاً لمقاصد الشارع، وتبصراً بمآلات التنزيل”56. وهذا التعريف مشتق من تعريف الاجتهاد وبعديه الاستنباط والتطبيقي. وهو التعريف الذي صاغه فتحي الدريني بتعريفه للاجتهاد، وبقوله بأنه: “بذل الجهد العقلي، من ملكة راسخة متخصصة، لاستنباط الحكم الشرعي العملي من الشريعة، نصاً وروحاً، والتبصر بما عسى أن يسخر تطبيقه من نتائج على ضوء قواعد أصولية مشتقة من خصائص اللغة وقواعد الشرع أو روحه العامة في التشريع″57.

و”الاجتهاد التطبيقي”(التنزيلي أو إنزال الأحكام الشرعية على الواقع) هو “مطلب شرعي دعا إليه القرآن، وأكدته السنة ببيان، وشهدت له السوابق التاريخية بالاعتبار، فضلاً عن كونه ضرورة حيوية لتطور المجتمع وتغير المصالح وتشعبها، وطروء النوازل المفتقرة إلى تكييفها حسب ما يناسبها من أحكام ضابطة لها، لتسير الحياة وفق حقائق الوحي ومقررات التنزيل”58.

وممارسة الاجتهاد التطبيقي في المنظور الإسلامي تجاه المنظمات الدولية يتطلب الارتكاز على القواعد والاعتبارات التالية: فقه الموازنات، وقاعدة أخف الضررين، وفقه الأولويات، و”النسبية” في الممارسات، ومآلات الأفعال، و” فقه الواقع″ و”فقه الاستطاعة”.

وفيما يلي نتناول ما سبق بشيء من التفصيل:

$11. فقه الموازنات:

في ضوء تعقد الواقع الدولي المعاصر، والتداخل الكبير بين المصالح والمفاسد، وصعوبة الفصل في واقعنا المعاصر، كان لا بد من الاستعانة بما يسميه بعض العلماء “فقه الموازنات”. وسنتناول هنا توضيح طبيعته، ومقصوده، وأهميته عموماً، ومن ثم دوره وارتباطه في المنظور والتعامل الإسلامي تجاه المنظمات الدولية. يشير القرضاوي إلى أن “فقه الموازنات” يُقصد به جملة أمور59:

$1‌أ- الموازنة بين المصالح بعضها ببعض، من حيث حجمها وسعتها، ومن حيث تأثيرها واستمراريتها، وأيها ينبغي أن يقوم وأيها ينبغي أن يلغى.

$1‌ب- الموازنة بين المفاسد بعضها ببعض. (في ضوء نفس الحيثيات التي ذكرت في شأن المصالح ذات العلاقة بالحجم والسعة، والتأثير والاستمرارية).

$1‌ج- الموازنة بين المصالح والمفاسد، إذا تعارضتا، بحيث يتم التعرف متى يتم تقديم درء المفسدة على جلب المصلحة، ومتى تغتفر المفسدة من أجل المصلحة، وإذا تعارضت المصالح والمفاسد فالمقرر أن ينظر إلى حجم كل من المصلحة والمفسدة، وأثرها ومداها:

$1- فتغتفر المفسدة اليسيرة لجلب المصلحة الكبيرة.

$1- و تغتفر المفسدة المؤقتة لجلب المصلحة الدائمة أو البعيدة المدى.

$1- وتقبل المفسدة ـ وإن كبرت ـ إذا كانت إزالتها تؤدي إلى ما هو أكبر منها.

$1- وفي الحالات المعتادة: يقدم درء المفسدة على جلب المصلحة.

أهمية وضرورة فقه الموازنات:

يشير القرضاوي إلى أهمية وضرورة هذا الفقه، فيرى أن “مبدأ فقه الموازنات” يقوم على أساسه بنيان السياسة الشرعية، فيقول: “إذا غاب عنا “فقه الموازنات” سددنا على أنفسنا كثيراً من أبواب السعة والرحمة، واتخذنا فلسفة الرفض أساساً لكل تعامل، والانغلاق على الذات تكأة للفرار من مواجهة المشكلات… سيكون أسهل شيء علينا أن نقول “لا” أو “حرام” في كل أمر يحتاج إلى إعمال فكر واجتهاد. أما في ضوء “فقه الموازنات”، فسنجد هناك سبيلاً للمقارنة بين وضع ووضع، والمفاضلة بين حال وحال، والموازنة بين المكاسب والخسائر، على المدى القصير، وعلى المدى الطويل، وعلى المستوى الفردي، وعلى المستوى الجماعي، ونختار بعد ذلك ما نراه أدنى لجلب المصلحة ودرء المفسدة “60.

وعليه، فإن التعامل الإسلامي مع المنظمات الدولية، ليس أمراً مقبولاً فقط، بل يفرضه الواقع من جهة، كما أنه في ضوء “فقه الموازنات” “فإن الدخول في هذه الميادين الهامة ليس مشروعاً أو مستحبأً، بل هو واجب؛ لأنه وسيلة إلى أداء أمانة الدعوة ومقاومة الباطل والمنكر بقدر المستطاع، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، كما هو مقرر ومعلوم”61. وهذا لا ينفي أن الواقع العملي لهذه المنظمات يحتوي على الكثير من الخلل أو التحكم والاستبداد في سلطة القرار من قبل بعض القوى الدولية لتحقق مصالحها التي تتعارض في أحيان عديدة مع مصالح بعض الدول الإسلامية. ومن هنا، فإنه لا شك أن هناك صعوبة في ممارسة وتطبيق “فقه الموازنات” في الواقع والحياة العملية، وإن ذلك هو التحدي الأساسي الذي يجعل من “فقه الموازنات” ( والقواعد الأخرى التي ذكرناها) منهجاً علمياً تجعل الإسلام مواكبا للعصر، ويتفاعل معه، وينظم دورته وواقعه.

إن الكثير من الإشكاليات والصعوبات تظهر عند محاولة التطبيق العملي لفقه الموازنات، فمثلاً في ضوء فقه الموازنات:

$1- هل يقبل الدخول أو الوقوف أو التعاون مع قوى دولية غير مسلمة في المنظمات الدولية ضد نظام دولة عربية أو مسلمة يمارس عدواناً ما ضد كيان مسلم أو غير مسلم لمنعها من العدوان؟ وفي نفس الوقت فإن بعض هذه القوى الدولية تتسم سياستها الدولية في أحيان كثيرة بالظلم وازدواجية المعايير في مناطق أخرى من العالم الإسلامي؟

$1- هل يقبل التعاون مع المنظمات الدولية غير الإسلامية ضد كيان مسلم يمارس اضطهاداً لحقوق الإنسان داخله، سواء أكانوا مسلمين أم أقليات غير مسلمة؟

$1- هل يقبل التعاون مع المنظمات الدولية لإسقاط نظام عربي دكتاتوري يمارس القتل وأشد أنواع الاضطهاد لشعبه المسلم؟

$1- هل يقبل للدول العربية والإسلامية الأعضاء في المنظمات الدولية الالتزام بمواثيق المنظمات الدولية أو بعض قراراتها ولو خالفت مصلحة إسلامية، أو خالفت مصلحة لدولة مسلمة، وحققت مصلحة لدولة مسلمة أخرى في نفس الوقت؟

لا شك أن هذه الإشكاليات تفتح المجال لمزيد من إعمال “الاجتهاد السياسي الإسلامي” في منظور التعامل أو التعاون الإسلامي مع هذه المنظمات الدولية. وبالطبع ليس في إطار معارضتها للثوابت الإسلامية.

2. قاعدة أخف الضررين:

في ضوء “فقه الموازنات” ندخل في ما يسمى عند العلماء بقاعدة (أخف الضررين)، وخلاصتها: “إذا تعارضت المفاسد والمضار، ولم يكن بد من بعضها، فمن المقرر أن يرتكب أخف المضرتين وأهون الضررين. هكذا قرر الفقهاء: أن الضرر يزال بقدر الإمكان، وأن الضرر لا يزال بضرر مثله أو أكبر منه، وأنه يتحمل الضرر الأدنى لدفع الضرر الأعلى، ويتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام”62. وفي ضوء هذه القاعدة واجه المنظور الإسلامي أسئلة إشكالية تحتاج إلى رؤية عملية، منها: هل خروج الأمة الإسلامية عن دائرة التعامل أو التعاون مع المنظات الدولية هو مصلحة أو ضرر أو أشد ضرراً؟ هل الدخول في دائرة قانون النظام الدولي، ومحاولة إحداث أو تغيير في بعض معادلته هو ضرر أو منفعة أو أخف الضرر؟ وفي ضوء قاعدة جلب المصالح ودرء المفاسد، وفي ضوء قاعدة أخف الضررين، و”فقه الموازنات” يمكن تحديد المصلحة الإسلامية العامة تجاه المنظمات الدولية، وخاصة في ضوء واقع ضعف الأمة الإسلامية وعجزها عن الفاعلية والتغيير الشامل في المجتمع الإنساني الدولي المعاصر.

3. فقه الأولويات:

يقصد بفقه الأولويات: “وضع كل شيء في مرتبته، فلا يؤخر ما حقه التقديم، أو يقدم ما حقه التأخير، ولا يصغر الأمر الكبير، ولا يكبر الأمر الصغير”… ومن المقرر كذلك أن المصالح المقررة شرعاً متفاوتة فيما بينها، فالمصالح الضرورية مقدمة على الحاجية والتحسينية، والمصالح الحاجية مقدمة على التحسينية، وتلك المتعلقة بمصالح الأمة وحاجياتها أولى بالرعاية من المصالح المتعلقة بالأفراد عند التعارض، وهنا نجد “فقه الموازنات” يلتقي مع “فقه الأولويات”…. و” فقه الأولويات” مرتبط بفقه الموازنات، وفي بعض المجالات يتداخلان أو يتلازمان، فقد تنتهي الموازنة إلى أولوية معينة، فهنا تدخل في فقه الأولويات”63.

ويشير بعض الباحثين إلى أن “فقه الأولويات” يتكون من ثلاثة أجزاء، هي64:

$11. فقه بأحكام الشرع ومراتبها، أو الخريطة الشرعية للأحكام.

$12. فقه بالضوابط التي يتم بناء عليها ترجيح حكم على آخر.

$13. فقه بالواقع والظروف التي تحرك صانع القرار في الدولة المسلمة.

هناك الكثير من الأدلة الشرعية التي تؤكد على فقه الأولويات وضرورته65، وتكمن أهمية وضرورة هذا الفقه في الحراك الإسلامي تجاه المنظمات الدولية، كأن تعرف مثلاً ما هو أولى من قضايا المنظمات الدولية بالرعاية والاهتمام والتعاون لدى العرب والمسلمين، ما هو الأكثر نفعاً منها، وما هو الأقل ضرراً؟

$14. مآلات الأفعال (تداعيات النتائج المتوقعة):

الاهتمام بمراعاة مآلات الأفعال، أو النظر في النتائج المتوقعة للممارسات السياسية، يخرج المنظور الحضاري الإسلامي من التطبيق الآلي الحرفي للنصوص الشرعية إلى تحقيق الغايات والمقاصد الإسلامية أو الشرعية، حيث يشير إلى هذا المعنى أحد الباحثين بقوله: “و قد يتخلف تحقيق هذه المقاصد لعدم التحقق من مآلات الأفعال، إذ إن الحكمة لا تقتضي التطبيق الآلي للأحكام دون النظر لما قد يؤول إليه ذلك التطبيق وما يسببه من تداعيات قد تعود على المقاصد الشرعية بالنقض، بل هو محكوم بأصل النظر في المآلات الواقعة أو المتوقعة، لا سيما ونحن في هذه المرحلة والأمة تتطلع إلى استيعاب الكسب الحضاري الإنساني، ثم إثرائه”66. وإن المنظور الإسلامي يقوم على التفاعل مع المحيط الدولي ومكوناته وعناصره، ومنها المنظمات الدولية، وهو بذلك يقوم بصياغة نتائج أفعاله وبناء مستقبله، ومحاولة صنع النتائج المرجوة لنشاطه وحراكه تجاه المنظمات الدولية وفق تحقيق مقاصد الإسلام ومصالح الخير الإنساني العام.

إن الاهتمام بمآلات الأفعال يعني المشاركة في صنع القرار، وعدم الانعزال، وتحمل المسؤولية الإسلامية تجاه المجتمع الإنساني، وإهمال الاهتمام بها يؤدي إلى غياب حسن التقدير وفهم الواقع، “فالنص الشرعي يبقى في حيز النظر، ولا تتم سلامة تطبيقه إلا إذا كان ثمة تفهم واع للوقائع بمكوناتها وظروفها، وتبصر بما عسى أن يسفر عنه التطبيق من نتائج؛ لأنها الثمرة العملية المتوخاة من الاجتهاد التشريعي كله”67. وفي الحقيقة، فإن مآلات الأفعال هي جزء أساسي من الإحاطة والإدراك لمعطيات الواقع، أو ما يُعرف بـ “فقه الواقع″، الذي سنتناوله لاحقاً.

$15. قاعدة “النسبية”:

من المتفق عليه أن صفة الكمال هي لله وحده فقط، وفي المقابل فإن طبيعة الفكر الإنساني وإدارة الإنسان لشؤون الحياة لا تحمل صفة الكمال أو التنزه عن الخطأ، ذلك أن السمة الإنسانية في القيام على إدارة الحياة وشؤونها تجمع بين الصواب والخطأ، أو بين السلبيات أو المساوئ والمنافع أو الإيجابيات، بدرجات متفاوتة. وبالتالي، يقوم مفهوم قاعدة “النسبية” على قاعدة شرعية يعبر عنها الصحابي الجليل ابن عباس بقوله: (كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق) 68، والتي وردت على لسان عدد من علماء السلف69. أي أن الكفر والظلم والفسق يكون على درجات متفاوتة، فالظلم والعدوان في المجتمع الإنساني كلاهما شر، ولكن قد يختلف كل منهما في مستوى ودرجة الأذى والضرر للإنسان والمجتمع الإنساني. كما أن الفصل المطلق بين المساوىء والحسنات لا يمكن تحقيقه على العموم، ففي كثير من الأحيان هناك منطقة ضبابية “رمادية” تقدر فيها الأفضل أو الأقل ضرراً، سواء من حيث الممارسات أو من حيث الرؤى، في منطقة تخضع للاجتهاد.

ومن هنا، فإن الحراك الإنساني الإسلامي تجاه المنظمات لا يمكن أن يحمل صفة الكمال المطلق، فلا بد أن يقوم على الموازنة بين السلبيات والإيجابيات، بحيث يسعى لأن تطغى إيجابيات هذا الحراك من حيث الكم والنوع على السلبيات. ولا شيء يعني أن هذا الحراك معصوم عن الخطأ أو منزه عن النقائص، أو أنه يمكن أن يحقق الرؤية المثالية أو المقاصد الإسلامية بشكل كامل أو منزه عن النقائض، وإنما قد يتحقق في ضوء معطيات الواقع خير دون خير، أو شر دون شر، وذلك في إطار نسبي، وليس بشكل مطلق، وفق الرؤى والاجتهادات الإسلامية تجاه المصالح العامة. فالحراك الإسلامي هو نتاج إدراك أو فعل الفرد المسلم، الذي لا يستطيع تحقيق الكمال، فلا يستطيع تحقيق الخير كله أو بشكل كامل، أو يتخلص من السوء كله، وإنما لا بد في أي حراك من ربح وخسارة أيضاً، أو من ضرر ومنفعة، فالعملية نسبية. وبالتالي، فإن الحراك الإسلامي في معاملات وإدارة الحياة تقع ضمن العملية “النسبية”، وليس ضمن “المطلق”، إلا ما حددته ثوابت شرعية قطعية. من جانب آخر فإن قاعدة “ما لا يدرك كله لا يُترك جله” الذي سنتناول الحديث عنها لاحقا على الطبيعة النسبية في شؤون الحياة بما فيها إدارة العمل السياسي والشؤون الدولية بصفتها جزءاً من شؤون المعاملات التي تخضع للكثير من المستجدات والتغييرات.

و”النسبية” في الحياة هي جزء ومكون أساسي من دائرة الفعل الإنساني، وبالتالي فالإنسان يسعى في حراكه نحو تحقيق الأفضل والأصلح، ولكن لا يمكن تحقيق الخير كله وإلغاء الشر كله بشكل كامل، وإنما يسعى إلى تعظيم المنافع والفوائد، وتحجيم الخسائر والمساوئ، وفق تقديرات واجتهادات تحقيق الممكن من المصلحة العامة.

ولذلك، فإن الحراك الإسلامي تجاه المنظمات الدولية المعاصرة يقع ضمن دائرة “النسبية”، التي تقوم على تعظيم الفوائد والمنافع وتحجيم المساوئ والخسائر في دائرة التعامل والتفاعل معها، في إطار من وجود “خير دون خير” و”ظلم دون ظلم”.

$16. “فقه الواقع″/ “فقه الاستطاعة”:

يعد “فقه الواقع″ و”فقه الاستطاعة أو الممكن” من الاعتبارات الأساسية للمنظور الإسلامي في شؤون الحياة عامة، ومنها شؤون العلاقات الدولية والشؤون السياسية، بما فيها ظاهرة المنظمات الدولية. وبالرغم من تباين الآراء حول مفهوم “فقه الواقع″، إلا أن جوهر تعريفه يدور على المضمون التالي: “هو الفهم العميق لما تدور عليه حياة الناس، وما يعترضها، وما يوجهها”70. أما “فقه الاستطاعة” فهو يدور على “تحقيق الممكن من المقاصد والمصالح الإسلامية “لا يكلف الله نفساً إلا وسعها”71، وقوله تعالى: ”إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله”72.

عموماً، يمكن القول إن “فقه الواقع″ و”فقه الاستطاعة” يرتكزان ويظهران المنظور الإسلامي تجاه المنظمات الدولية بشكل أساسي، من خلال استخدام القاعدتين التاليتين:

$11. ما لا يدرك كله لا يترك جله.

$12. سددوا وقاربوا73.

إن هاتين القاعدتين تعبران عن “فقه الاستطاعة” أو “الممكن” في الحراك والممارسة السياسية الإسلامية على أرض الواقع، وتعكسان صورة من “الواقعية” في الحياة، بما فيها العمل والحراك في المحيط الدولي في ضوء معادلات وتوازنات القوى الدولية. كما تعكسان تعبيراً عن السعي لتحقيق المصالح العامة/ أو الإسلامية المقصودة بأكبر قدر ممكن أو ما أمكن منها. كما تؤكدان على أن مبدأ “التنازلات”،فيما هو خارج الثوابت القطعية، من خلال “التفاوض والمساومات”، سياق طبيعي بهدف الوصول إلى تحقيق المصالح الإنسانية، والإسلامية. وهذا كله يجعل الحراك والتفاعل والرؤية الإسلامية تجاه المنظمات الدولية في ضوء التسديد والمقاربة، وتحقيق بعض أو “تبعيض” المصالح، في ضوء المحددات والقيود الدولية، أو ما يرتبط بها من “فقه الاستطاعة” أو “الممكن”.

وبشكل عام، فإنه بمقدار النجاح في تقدير “فقه الواقع” يتم النجاح في تحقيق الرؤية الإسلامية ومقاصدها. ولا شك أن هذا الفقه يعطي إطاراً استراتيجياً إضافياً في الحراك الإسلامي تجاه المنظمات الدولية، ويساعد على تطبيق ما سمي بـ “الاجتهاد التطبيقي” للرؤى الإسلامية على الواقع العملي المعاصر.

$17. مراعاة “المصلحة” الإسلامية العامة:

تشكل مراعاة “المصلحة” الإسلامية العامة مقصداً لأي حراك إنساني إسلامي في أي مجال من مجالات إدارة الحياة، وخاصة الإدارة السياسية أو السلطة السياسية، وفي هذا يقول ابن القيم الجوزية: “أين وجدت المصلحة فثمة شرع الله”74، وبالتالي فإن الرؤية الإسلامية تجاه المنظمات الدولية يجب أن تراعي تحقيق المصلحة العامة للمسلمين.

وفي ضوء صلاحية مفهوم “المصلحة العامة الإسلامية” ذلك، قام العديد من العلماء بتحديد مفهوم المصلحة وضوابطها؛ منعاً للتفسير والتأويل الشخصي للمصلحة، وسوء التقدير أو الاستخدام لها. ولذلك كانت هناك ضرورة ـ أيضاً ـ لارتباط “العلم” بتحديد “المصلحة”، حيث يشير إلى ذلك الدريني بقوله: “إن العلم هو موضوع الحكم السياسي؛ لاتصاله “بالمصلحة” التي يُعتمد ] على العلم[ في تبيّنها، والتعرف على طبيعتها، وتحديد مفهومها وضوابطها نظراً، ومدى تحققها في الوقائع المعروضة عملاً وتطبيقاً ليُعلم مدى جديتها…. أيضاً، لو انفصل الحكم السياسي عن موضوعه، وهو العلم، لأضحى بلا موضوع، وهو عبث وتحكم، والشرع منزه عنهما، بل ربما أضحى وسيلة إلى الظلم والفساد، قصداً أو مآلاً، وهذا على النقيض من غاية التشريع السياسي في الإسلام جملة وتفضيلاً من الإصلاح وعمارة الدنيا”75.

ويشير الدريني إلى أن الإمام مالك – رحمه الله – أشار في سياق ” تحديده للمصلحة، على تنوعها، واختلاف طبيعتها، وشروط اعتبارها شرعاً، حيث اشترط- فيما اشترط- أنها إذا عرضت على العقول تلقتها بالقبول، والمقصود هنا العقول العلمية التي تتعلق المصلحة باختصاصها، إذ لا يعقل أن تعرض المصالح العليا للدولة على العقول العامية، وبذلك كانت الصلة بين “المصلحة” التي هي مناط الحكم وغايته بالعلم، وثيقة لا تنفصم؛ لأنها شرط في اعتبار المصلحة شرعاً”76.

وفي هذا السياق ـ أيضاً ـ حدد الإمام الشاطبي أموراً ثلاثة يجب مراعاتها عند الأخذ بالمصلحة، وهي:

$11. أن تكون معقولة في ذاتها، بحيث إذا عرضت على العقول تلقتها بالقبول.

$12.أن تكون ملائمة لمقاصد الشرع في الجملة، بحيث لا تنافي أصلاً من أصوله، ولا دليلاً من أدلته القطعية، بل تكون متفقة مع المصالح التي قصد الشارع تحصيلها، بأن تكون من جنسها أو قريبة منها، ليست غريبة عنها، وإن لم يشهد دليل خاص باعتبارها.

$13. أن ترجع إلى حفظ أمر ضروري، أو رفع حرج لازم في الدين77.

يمكن اعتبار هذه الشروط، التي تناولها الشاطبي، بمثابة ضابط أو شروط للمصلحة المبتغاة في العلاقة مع المنظمات الدولية، وأيضاً ضوابط في التعامل مع هذه المنظمات.

وبشكل عام، فإن الاجتهاد التطبيقي، واستخدامه للاعتبارات الستة السابقة، يجعله الإجراء العملي لما حصل على مستوى الفهم والإدراك النظري للأحكام الشرعية على واقع الأفعال، وتكييف السلوك والممارسات بها.. وهذا في الحقيقة لا يقل خطراً وأهمية عن الأول، إذ هو مناط ثمرات التشريع، ولا جدوى من التكلم بحق لا نفاذ له78.

أيضاً يمكن القول إن الاجتهاد التطبيقي هو أحد المرتكزات التي يستند عليها المنظور الحضاري الإسلامي تجاه العلاقات الدولية والمنظمات الدولية على الصعيد العملي، وهو أحد الأشكال التي ينتقل فيها المنظور الحضاري الإسلامي من إطار نظري إلى حالة عملية أو ممارسات فعلية. بمعنى آخر، فإن الاجتهاد التطبيقي يعكس الطروحات والمآلات النظرية تجاه المنظمات الدولية لتكون واقعاً عملياً، سواء على شكل قرارات أو مواقف سياسية أو استراتيجيات وسياسات عامة، وغيرها من أشكال التفاعل مع المنظمات الدولية والمحيط الدولي.

وعليه، فإنه في إطار هذه الضوابط من جهة، والحاجة والضرورة الإنسانية والإسلامية من جهة ثانية، وطبيعة واقع هذه المنظمات الدولية ونفوذها وتأثيرها على المجتمعات الدولية الإسلامية من جهة ثالثة، يكون التعامل مع المنظمات الدولية، والمشاركة في قراراتها وإدارتها، جزء أساسي وهام للحراك الإسلامي في الفعالية العالمية للمجتمع الإسلامي، أو عالمية الإسلام الفعلية في مشاركته في إدارة الحياة الإنسانية من جهة، ودرء مفاسد وجلب مصالح للأمة العربية الإسلامية، وفق “الاستطاعة”، ودفع “ظلم دون ظلم” عليها، من جهة أخرى.

رابعاً: إشكاليات وتحديات تواجه تطبيق المنظور الإسلامي في المنظمات الدولية المعاصرة

يعتبر المنظور الإسلامي تجاه المنظمات الدولية، الذي تناولته هذه الدراسة، جزءا من الرؤية الإسلامية الحضارية تجاه المجتمع الدولي والعلاقات الدولية، وما تشكله هذه الرؤية من إطار التفاعل الإسلامي مع أطرافه ومؤسساته، وعلى رأسها المنظمات الدولية.

ولا شك أن التطبيق العملي لهذا المنظور يواجه مجموعة من الإشكاليات والتحديات، خاصة في ضوء معطيات حالة العجز والضعف العربي والإسلامي الذي نعيشه، بعضها داخلية؛ أي ناتجة من البيئة الإسلامية نفسها، وبعضها خارجية، مرتبطة بواقع المجتمع أو النظام الدولي المعاصر، أو طبيعة المنظمات الدولية ذاتها.

وفيا يلي أهم هذه الإشكاليات والتحديات:

$11.حالة الضعف والتفكك والانحطاط الحضاري الذي يعيشه العالم الإسلامي، ومن المعروف أن أي حق أو منظور حضاري ليس لديه قوة فعلية له على أرض الواقع، فلا صوت مسموع له.

$12.ضعف أو محدودية جهود الباحثين وصناع القرار في بناء وصياغة النظرية أو المنظومة “السياسية – الفكرية- الدولية” للدولة الإسلامية المعاصرة في العالم الإسلامي للتعامل مع مستجدات العلاقات الدولية المعاصرة ومفاهيمها الحديثة، وبالطبع هذا لا ينفي وجود أطر عامة شرعية إسلامية في مجال العلاقات الدولية أو الخارجية ترشد في هذا المجال79.

$11) شبه غياب للإرادة السياسية العليا في العالم الإسلامي لممارسة المنظور الإسلامي في العلاقات الدولية والمنظمات الدولية، بغض النظر عن الدوافع والأسباب وراء هذا الواقع.

$12) أدت البنود الثلاثة أعلاه إلى شبه غياب لعملية تدويل المنظور والقيم والمبادىء السياسية الإسلامية، وضعف نشرها في المجتمعات الإنسانية والمنظمات الدولية، وهو ما أضعف تأثيرها على صعيد الممارسة والتطبيق.

الإشكاليات والتحديات الخارجية:

$11.الهيمنة الأحادية القطبية للمنظومة السياسية الغربية على النظام الدولي المعاصر على حساب تعزيز التعددية الحضارية والسياسية في هذا النظام، وهذه الهيمنة عملت على محاولة جعل العالم الإسلامي يقع ضمن التبعية، أو ما يمكن أن يُطلق عليه “الإلحاق الحضاري”، الذي يقوم على محاولة فرض تبعية العالم أو الحضارة الإسلامية وخضوعها للمنظومة أو الحضارة الغربية. من ناحية أخرى، إن فلسفة الهيمنة أو الإلحاق الحضاري جعلت الحضارة الغربية تعمل على تقديم تجربتها التاريخية ومعاييرها وقيمها السياسية والحضارية بمثابة المقياس والمعيار والنموذج للحضارات الأخرى، وأن لها الحق ـ أيضاً ـ في الوصاية في وضع القيم العالمية وفرض معاييرها وسياساتها على المجتمع الدولي، وعلى سلطة القرار في المنظمات الدولية80.

$12.ظاهرة الخوف من الإسلام “الإسلاموفوبيا” لدى معظم الدول الأعضاء في المنظمات السياسية الدولية، وخاصة لدى الدول الغربية، التي تسيطر على سلطة القرار في المنظمات الدولية الهامة. وتأثيرات هذه الظاهرة “الإسلاموفوبيا” ناتجة عن عدة عوامل، منها: الإرث التاريخي الصراعي بين المسلمين والأوروبيين، مثل: سوء الفهم، وصناعة الصورة النمطية السلبية تجاه العرب والمسلمين، وأيضاً، دور المصالح والدوافع السياسية لدى بعض القوى والأطراف الفاعلة والمؤثرة في قرارات المنظمات الدولية الكبرى، خاصة فيما يتعلق بقضية فلسطين.

الخاتمة:

مما لا شك فيه أن ظاهرة المنظمات الدولية المعاصرة أصبحت ظاهرة تلعب دوراً مؤثراً، سلباً أو إيجاباً، في الحياة السياسية للمجتمع الدولي بكافة أعضائه، بما فيها الدول العربية والإسلامية، وبالتالي أصبحت ظاهرة لا يمكن تجاهل دورها وتأثيرها على المجتمع العربي والإسلامي، وتطور ذلك الدور بشكل كبير في حقبة ما بعد الحرب الباردة، وبداية القرن الحادي والعشرين. من ناحية أخرى، فإن هذه الظاهرة معقدة في تفاعلاتها وتأثيراتها وأدوارها؛ نتيجة عوامل عدة، منها: تعدد الفاعلين أو الأعضاء في المنظمات الدولية، وتعدد أشكال وطبيعة المنظمات الدولية ومهامها، وكذلك أهمية وطبيعة القضايا التي تقوم بمعالجتها أو التدخل فيها. إن تطور دور وتأثير المنظمات الدولية وصل إلى حد أنه أصبح لها القدرة على تجاوز موضوع “السيادة الوطنية” للدول، أو “التدخل” على حساب مفهوم وحدود “السيادة” للدول بذرائع ودوافع شتى.

من جانب آخر، إن مسار هذه المنظمات الدولية أصبح يخضع في كثير من الأحيان لنفوذ ومصالح الكبار، بغض النظر عن حقوق الآخرين؛ وبالتالي همشت في كثير من ممارساتها الضوابط القيمية، وغاب عنها في أحيان كثيرة قيمة “العدالة” و”المساواة” و”الرسالة الحضارية العالمية”.

وفي ضوء ما سبق، سواء من حيث تأثير هذه المنظمات على حياة المجتمع العربي الإسلامي من جهة، أو الانحراف في بعض الأحيان في مسيرة أو ممارسات هذه المنظمات على حساب العدالة والمساواة ودورها الحضاري الإنساني العالمي من جهة ثانية، وفي المقابل السعي لتأكيد صلاحية الإسلام على التوجيه الإيجابي للظواهر والمستجدات السياسية المعاصرة؛ كل ذلك يجعل من بناء وصياغة منظور حضاري إسلامي تجاه هذه المنظمات الدولية ضرورة لحماية مصالح الأمة الإسلامية من جهة، وإعمالاً أو تفعيلاً لعالمية دور هذه الأمة في العمران والصالح الإنساني العام من جهة أخرى.

ولعل هذه الدراسة تبرز هذه القدرة والعناصر، من خلال محاولتها المساهمة في “التقعيد” و”التأصيل” الإسلامي تجاه المنظمات الدولية المعاصرة والتعامل معها.

الهوامش :

[1] المجذوب، محمد.التنظيم الدولي: النظرية والمنظمات العالمية والإقليمية والمتخصصة، بيروت: منشورات الحلبي الحقوقية، ط7، 2002، ص 63.

2 شلبي، إبراهيم أحمد.التنظيم الدولي: النظرية العامة والأمم المتحدة، بيروت: الدار الجامعية، 1986، ص8.

3 المرجع نفسه.

4خضير، عبد الكريم علوان.المنظمات الدولية: الوسيط في القانون الدولي العام، الكتاب الرابع، عمان: دار الثقافة للنشر والتوزيع، 2002، ص13. ولمزيد من التفاصيل حول مفهوم المنظمات الدولية، انظر أيضاً:

$1- Pease,Kelly-Kate S.. International organizations: Perspectives on Governance in the Twenty – First Century, Upper Saddle River, N.J.: Prentice- Hall, 2002.

$1- Armstrong, David, & Lloyd , Lorna, and Redmond, John. International Organization in World Politics (Making of the Twentieth Century), London: Palgrave. 2005.

$1- Barnett, Michael and Finnemore, Martha. Rules for the World: International Organizations in Global Politics, New York: Cornell University Press, 2004.

$1- Samuel, Barkin. International Organization: Theories and Institutions, London: Palgrave Macmillan, 2006.

5 أبو سليمان، عبد الحميد. النظرية الإسلامية للعلاقات الدولية: اتجاهات جديدة للفكر والمنهجية الإسلامية، القاهرة: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1993، ص 19-20.

6 المرجع نفسه، ص 43- 44.

7 منجود، مصطفى. الدولة الإسلامية وحدة العلاقات الخارجية في الإسلام، في مصطفى، نادية (المشرف العام)، مشروع العلاقات الدولية في الإسلام، القاهرة: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1996، الجزء الرابع، ص 140.

8 المرجع نفسه، ص 141-142

9 القرضاوي، يوسف. الاجتهاد في الشريعة الإسلامية، الكويت: دار القلم للنشر والتوزيع، 1996، ط1، ص 181

10 بن مولود جحيش، بشير. “في الاجتهاد التنزيلي”، سلسلة كتاب الأمة، قطر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، العدد 93، آذار 2003، ص 11.

11أفندي، محمد أمين، (الشهير بابن عابدين). مجموعة رسائل ابن عابدين، الجزء الثاني، الباب الثاني، ص 125. http://ia600506.us.archive.org/9/items/rabdin_pdf_ara/rabden2.pdf

12 البيانوني، محمد أبو الفتح. “القواعد الشرعية ودورها في ترشيد العمل الإسلامي”، سلسلة كتاب الأمة، قطر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، العدد 82، حزيران 2001، ص 128-129.

13انظر على سبيل المثال:

$1- المجذوب، محمد. مرجع سبق ذكره، ص8.

$1- خضير، عبد الكريم علوان. مرجع سبق ذكره، ص2.

14 حديث حسن، رواه ابن ماجة و الدارقطني وغيرهما مسنداً. ورواه مالك في الموطأ مرسلا : عن عمروا بن يحيى ، عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، انظر: شرح الأربعين النووية،

http://www.islamweb.net/media/index.php?page=article&lang=A&id=77768

15 حول تفصيل ذلك انظر: بن مولود جحيش، بشير. مرجع سبق ذكره، ص 20 وص52.

16 اللخمي، أبو إسحق إبراهيم بن موسى. الموافقات في أصول الشريعة، بيروت: دار المعرفة، ( 2/ 552)، ط2، 1416هـ 1996م،

17 بو عود، أحمد. “فقه الواقع: أصول وضوابط”، سلسلة كتاب الأمة، قطر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، العدد 75، أيار 2000، ص 144.

18 الشاطبي،أبو اسحق. الموافقات في أصول الشريعة، شرح الشيخ عبدالله دراز، 2/2 ، القاهرة: المكتبة التجارية الكبرى، د.ت، ج2، ص6.

19 الفاسي، علال. مقاصد الشريعة ومكارمها، بيروت: دار الغرب الإسلامي، ط5، 1993، ص45.

20 الخادمي، نور الدين بن مختار. “الاجتهاد المقاصدي: حجيته… ضوابطه.. مجالاته”، الجزء الأول، سلسلة كتاب الأمة، قطر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، العدد 65، أيلول 1998، ص 48-49.

21الزرعي، محمد بن أبي بكر (ابن القيم الجوزية). إعلام الموقعين عن رب العالمين، بيروت: دار الكتب العلمية، الجزء الثالث، 1991، ص 12،

http://www.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=336&idto=694&bk_no=34&ID=302

22 القرضاوي، يوسف. عوامل السعة والمرونة في الشريعة الإسلامية، القاهرة: دار الصحوة للنشر، ط1، 1985، ص 75.

23 راجع ماهية ذلك وتفصيله في بن مولود جحيش، بشير. مرجع سبق ذكره، ص 20 وص52.

24 الموسى، محمد خليل. سلطات مجلس الأمن في ضوء نظرية القواعد الدولية الآمرة، مجلة الشريعة والقانون، ع 37، يناير 2009، ص 30 -41.

25 انظر حول هذه المبادئ:

$1- غانم، إبراهيم البيومي. المبادىء العامة للنظرية الإسلامية في العلاقات الدولية، مجلة الاجتهاد، العددان الثاني والخمسون والثالث والخمسون، 2001- 2002 ، ص ص187- 215، ص ص 198-215.

$1- الخياط، عبد العزيز عزت. مقاصد الشريعة وأصول الفقه، عمّان: مطابع الدستور التجارية، 2000.

$1- ميقا، أبو بكر اسماعيل محمد. مبادىء الإسلام ومنهجه في قضايا السلم والحرب والعلاقات الدولية والإنسانية، الرياض: مكتبة التوبة، ط2، 1410 هـ، ص ص23-53.

$1- أبو سليمان،عبد الحميد أحمد. مرجع سبق ذكره، ص 41-48، ص ص 228 – 271.

$1- أبو عيد، عارف خليل. مقرر العلاقات الدولية في الإسلام، عمّان: جامعة القدس المفتوحة، 1996، ط1، ص ص 41- 43.

$1- حسين،عدنان السيد. العلاقات الدولية في الإسلام، بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، ط1، 2005، ص ص21- 47.

26 سورة الحجرات، آية 13.

27 سورة المائدة، آية 8.

28 للاطلاع حول المدارس الفكرية الإسلامية في هذا الأصل، انظر على سبيل المثال: ميقا، أبو بكر اسماعيل محمد. مرجع سبق ذكره، ص ص 56-68.

29 غانم،إبراهيم البيومي. مرجع سبق ذكره، ص 214-215.

30 سورة الروم، آية 30.

31غانم،إبراهيم البيومي. مرجع سبق ذكره، ص 207- 208

32سورة سبأ، آية 28.

33سورة الأنبياء، آية 107

34 سورة المائدة، آية 1.

35 الحديث رواه أبو داود في سننه، كتاب الأدب، ج4، ص 287.

36 أخرجه البخاري في كتاب الشركة (2493 )

37 سورة آل عمران، آية 104.

38 سورة النحل، آية 125.

39 انظر صحيح مسلم، كتاب الإيمان، متن 19.

40 ريشة، رمضان. “مقدمة في الخطاب الديني”، مايو2011، انظر الرابط التالي:

http://kenanaonline.com/users/ramadanresha/topics/90915/posts/262309 .

41 خلاف، عبد الوهاب. مصادر التشريع الإسلامي فيما لا نص فيه، الكويت: دار القلم للنشر والتوزيع، 1993، ص 70.

42 بو عود،أحمد. مرجع سبق ذكره، ص153

43 خلاف، عبد الوهاب. مرجع سبق ذكره، ص70.

44 القرضاوي، يوسف. عوامل السعة والمرونة في الشريعة الإسلامية، مرجع سبق ذكره، ص20.

45 الشاطبي، أبو إسحاق. الموافقات في الشريعة الإسلامية، مرجع سبق ذكره، الاعتصام، 2/129.

46 السلمي،أبو محمد عز الدين بن عبد السلام. قواعد الأحكام في مصالح الأنام، بيروت: مؤسسة الريان، 1990، ص14.

47 ابن عاشور، محمد الطاهر. مقاصد الشريعة الإسلامية، عمّان: دار النفائس للنشر والتوزيع، 2001، ص67.

48 الشاطبي، أبو إسحاق. الموافقات في الشريعة الإسلامية، مرجع سبق ذكره، 2/25.

49 البوطي،محمد سعيد رمضان. ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية، بيروت: مؤسسة الرسالة، 1986، ط5، ص 280-281.

50 مجموعة رسائل ابن عابدين 2/125.

51 القواعد الفقهية للزحيلي ص323-314.

52 الشاطبي، أبو إسحاق. الموافقات في الشريعة الإسلامية، مرجع سبق ذكره، 2/26.

53السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر. الأشباه والنظائر، دار الكتب العلمية، ط1، ص 121-122.

54الشاطبي، أبو إسحاق. الموافقات في الشريعة الإسلامية، مرجع سبق ذكره، كتاب الاعتصام، 2/129.

55الخادمي، نور الدين بن مختار. مرجع سبق ذكره، ص 162

56بن مولود جحيش، بشير. مرجع سبق ذكره، ص36

57 الدريني، محمد فتحي. المناهج الأصولية في الاجتهاد بالرأي في التشريع الإسلامي، دمشق: الشركة المتحدة للتوزيع، ط2، 1985، ص16-17.

58 بن مولود جحيش، بشير. مرجع سبق ذكره، ص36.

59 القرضاوي، يوسف. أولويات الحركة الإسلامية في المرحلة القادمة، مرجع سبق ذكره، ص30-32

60 القرضاوي،يوسف. أولويات الحركة الإسلامية في المرحلة القادمة، مرجع سبق ذكره، ص 36.

61 المرجع نفسه، ص37.

62المرجع نفسه، ص31-32.

63 المرجع نفسه، ص39.

64 البوكيلي، محمد. فقه الأولويات: دراسة في الضوابط، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، سلسلة الرسائل الجامعية، 1997، ص16.

65 المرجع نفسه، ص 39 – 42، وص44.

66 بن مولود جحيش، بشير. مرجع سبق ذكره، ص20.

67 الدريني، محمد فتحي. المناهج الأصولية في الاجتهاد بالرأي في التشريع الإسلامي، دمشق: الشركة المتحدة للتوزيع (مؤسسة الرسالة)، 1985، ص5، نقلاً عن بن مولود جحيش، بشير . مرجع سبق ذكره، ص23.

68 أخرجه الحاكم وصححه البيهقي في سننه عن ابن عباس، تفسير ابن عطية 4/457 بتصرف.

69 لمزيد من التفاصيل حول قاعدة (كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق)، وأدلتها الشرعية انظر: البيانوني، محمد أبو الفتح. مرجع سبق ذكره، ص 68- 71.

70 بو عود، أحمد. مرجع سبق ذكره، ص 44-45.

71 سورة البقرة، آية 286.

72سورة هود، آية 88.

73 قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: “سددوا و قاربوا و أبشروا، فإنه لن يدخل الجنة أحداً عمله، قالوا: و لا أنت يا رسول الله؟ قال: و لا أنا، إلا أن يتغمدني الله منه برحمة، و اعلموا أن أحب العمل إلى الله أدومه و إن قلّ”. رواه مسلم في صحيحه في كتاب صفات المنافقين و أحكامهم.

74 الجوزية، ابن القيم. أعلام الموقعين، مرجع سبق ذكره، الجزء الثالث، ص12.

75 االدريني، فتحي. خصائص التشريع الإسلامي في السياسة والحكم، مرجع سبق ذكره، ص36-40.

76 االمرجع نفسه، ص40.

77بداية المجتهد، ج 2، ص 310، مطبعة المعاهد.

78 المصدر بشير بن جحيش، ص19.

79 الخزندار، سامي. تطور علاقة حركات الإسلام السياسي بالبيئتين الإقليمية والدولية. أبوظبي: مركز الإمارات للدراسات الاستراتيجية، 2008، ص48.

80 الخزندار، سامي. المسلمون والأوروبيون: نحو أسلوب أفضل للتعايش. سلسلة دراسات استراتيجية، أبوظبي: مركز الإمارات للدراسات الاستراتيجية، 1997، ص14-20.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى