الموقف الدفاعي للجزائر إتجاه الأزمة الليبية


“The defensive position of Algeria towards the Libyan crisis“

مولود بلقاسمي، باحث في طور الدكتوراه بالمدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية- الجزائر

مقال نشر في مجلة جيل الدراسات السياسية والعلاقات الدولية العدد 11 الصفحة 65.

مقدمة:

شهدت المنطقة العربية جملة من التحولات والإضطرابات التي هددت الأمن الوطني للدول العربية، كان أخطرها الحراك العربي سنة 2011 الذي أدخل المنطقة في موجات من العنف والتدمير والقتل والفوضى، ومنه كان للإضطرابات في ليبيا ودخولها في أزمة تداعيات على الأمن الوطني الجزائري من خلال دخول المنطقة العربية في تحولات وحسابات جديدة لم تكن متوقعة، ووجدت الجزائر نفسها أمام مجموعة من التحديات والتهديدات أجبرها على ضبط مقاربتها في التعامل مع هذه التحولات خاصة في منطقة شمال إفريقيا وبالأخص الأزمة الليبية لإعتبارات جغرافية وإعتبارات نمط الصراع ودخول ليبيا في دوامة من الفوضى الأمنية وتداعياتها على الأمن الإقليمي، وإنطلاقا من هذه المعطيات يمكن طرح الإشكالية التالية:ما طبيعة الموقف الدفاعي للجزائر تجاه الأزمة الليبية؟

وللإجابة على هذه الإشكالية سيتم التطرق للمحاور التالية:

المحور الأول: الأزمة الليبية: النشأة والأداء.

المحور الثاني: أولوية الأمن الوطني في السياسة الخارجية الجزائرية.

المحور الثالث: الأزمة الليبية كتهديد رئيسي للأمن الوطني.

المحور الرابع: حسابات الموقف الدفاعيوإشكالية المبادئ الثابتة والمصالح المتغيرة.

المحور الأول: الأزمة الليبية: النشأة-الأداء

إنطلقت إحتجاجات إجتماعية في ليبيا منتصف شهر فيفري 2011 من مدينة بنغازي شرق ليبيا مطالبة بإسقاط نظام القذافي، تزامنة هذه المطالب مع إضطرابات إجتماعية في كثير من الدول العربية كتونس ومصر واليمن وسوريا، لتدخل ليبيا بعدها في موجة من العنف المسلح والفوضى، وسرعان ما تم تدويل الأزمة الليبية من خلال قرارات منظمة الأمم المتحدة التي تفرض حظر الّأسلحة على ليبيا وتجميد أصول عائلة القدافي، أو من خلال تعليق الجامعة العربية لعضوية ليبيا وإجراءات محكمة الجنايات الدولية للتحقيق في جرائم ضد الإنسانية، ثم إنطلقة العمليات العسكرية الأجنبية على التراب الليبي بتاريخ 19 مارس 2011 تحت لواء حلف الناتو لتدخل البلاد بعد هذا التدخل الخارجي في مشاهد دموية تعقد الأزمة الليبية وتصبح مصدر لتهديد الأمن والإستقرار الوطني والإقليمي[1].

وبهذا تحول الوضع في ليبيا إلى أزمة تعصف بالأمن والإستقرار مع ظهور الكثير من الجماعات المسلحة التي تدعي الحفاظ على أمن المناطق المحررة، ليتحول البعض منها إلى مجموعات جهوية وأخرى ذات إيديولوجيات معينة بهدف فرض السلطة أو الحصول على الأموال، إضافة إلى تدخلات خارجية زادت الوضع تعقيدا وتأزما، فنشأة الحراك العربي في ليبيا كان داخليا محليا لأسباب سياسية وإجتماعية وإقتصادية، ولكن الأداء كان خارجي من خلال تدخل الحلف الأطلسي عسكريا وتدخلات من قوى إقليمية سواء من دول الخليج أو من إفريقيا أو من اسيا ليستحيل الوصول فيها إلى إتفاق، ولا ننسى الموقف الإيجابي للجامعة العربية بشأن التدخل العسكري من أجل فرض حظر جوي لحماية المدنيين وليس التدخل العسكري البري لوجود خلاف حول دلك وهو ما مثلته دول جوار ليبي[2].

وأصبح الوضع في ليبيا رهينة التحركات العسكرية وتداعياتها على مواقف الأطراف الداخلية والأطراف الخارجية المؤثرة في الأزمة، والملاحظ أن هناك تفاوت كبير بين جبهتي القتال بين شرق البلاد وغربها بعد تغير خارطة المجموعات المسلحة وإنتشارها بحيث تراجع دور الكثير منها في الساحة وخاصة في العاصمة طرابلس ككتائب القعقاع والصواعق ولواء المدني وتراجعها إلى مناطق جانبية بعد ما كانت تسيطر على مواقع مهمة في وسط العاصمة، فالأزمة الليبية دخلت في مرحلة الصراعات المسلحة المعقدة بين مجموعات مسلحة كثيرة وذات توجهات إيديولوجية مختلفة، يضاف إلى هذا دعم الكثير من الدول الإقليمية والدولية لمجموعات مسلحة على حساب جماعات أخرى مما يزيد الوضع تأزما وتعقيدا[3].

المحور الثاني: أولوية الأمن الوطني في السياسة الخارجية الجزائرية.

إن تحليل وتفسير السياسة الخارجية يرجع إلى ضبط وتحديد العوامل والمحددات التي تؤثر في صنع السياسة الخارجية وتعددها يظهر تعقيد عملية تحليل وتفسير السياسة الخارجية، لذلك فإنه ربما يكون من المستحيل فهم السياسات الخارجية وتفسيرها، فبعض السياسات تبدو غير رشيدة، وبعضها الآخر متأثر بالعديد من المتغيرات إلى حد يصبح معه من الصعب إن لم يكن من المستحيل التمييز بين أثر كل متغير، كما إن البعض الآخر من السياسات قد يكون محاطا بإطار من السرية[4].

بالنسبة لمفهوم الأمن الوطني الجزائري تعتمده دوائر الأمن السيادية في الجزائر على المفهوم التالي: “الحفاظ التام على المؤسسات والقيم الجوهرية للمجتمع” وبالتالي هو حماية الدولة من خطر القهر على يد قوة وتهديدات أجنبية، فهو مجموعة من الإجراءات والسياسات التي يعتمدها المجتمع للحفاظ على حقه في البقاء بالتحديد الدقيق والواعي للمخاطر والتهديدات القائمة والمحتملة التي يتوجب التعامل معها، ومن هذا المنطلق يمكن فهم خصائص مفهوم الأمن الوطني الجزائري من خلال:

  • يمثل الأمن الوطني الجزائري قيما سياسية ذات طابع نسبي وديناميكي متغير ومتطور تحدد بالزمان والمكان الجغرافي للجزائر.
  • يمثل الأمن الوطني الجزائري نقطة التقابل بين السياسة الداخلية والسياسة الخارجية للدولة، من منطلق أن السياسة الخارجية هي مرآة السياسة الخارجية، وبهذا تصير السياسة الداخلية إمتدادا للموقف الذي يحكم القوى الدولية المتصارعة إقليميا لا لسياستها الخارجية[5].

وما يوضح المنطلق لمفهوم الأمن الوطني هو العقيدة الأمنية للدولة والتي تعتبر الأرضية لبناء مفهوم الأمن الوطني، وهي محصلة تصورات وممارسة وإرث تاريخي وقدرات عسكرية وإقتصادية ومعطيات طبيعية يفرضها الموقع الجغرافي، ومنه فإن عناصر العقيدة الأمنية الجزائرية تتمثل في:

  • تأمين الحدود وحمايتها والحفاظ على وحدة التراب الوطني وسلامته بانتهاج الخيارات العسكرية الدفاعية وعدم المساس بسيادة أي دولة.
  • السعي نحو تعزيز التعاون على المستوى الإقليمي والدولي من أجل تحقيق الأمن والدفاع مثل مصادقة الجزائر على “ميثاق الإتحاد الإفريقي لعدم الإعتداء والدفاع المشترك” سنة 2007[6].

فالأمن الوطني في الجزائر والتهديدات التي تواجهه مربوطة بمدى قدرة الدولة على الحفاظ على أمن الدولة في إطار تحولات إقليمية ودولية، والتي مست بدورها في مفاهيم ومحددات الأمن الوطني ومقومات بنائه، فمفهوم الأمن الوطني ومفهوم التهديدات يتغير بتغير الزمان والمكان، وهو ما يشهده مفهوم التهديدات الأمنية بالنسبة للجزائر وخاصة مع ظهور تداعيات الحراك العربي من بينها ظهور مههدات ذات طبيعة صلبة في كثير من دول الجوار ورهاناتها تحقيق أمن الجزائر نظاما ومجتمعا ودولة[7]

وهذا كله يرجع إلى المجال الإدراكي والتصوري للمفهوم ويمكن الإعتماد على مقاربة “باري بوازن” في تصنيف التهديدات الأمنية بحيث يوجد:

  • تهديدات تستهدف القطاع العسكري بحيث تستهدف المساس بالقدرات العسكرية للدولة بما يهدد الوحدة الترابية للدولة.
  • تهديدات تستهدف القطاع السياسي: وهنا تأخذ التهديدات الأمنية بعدين أو امتدادين أحدهما داخلي ويشمل كل ما يتعلق بالمساس بقيم الدولة والمحافظة على مؤسساتها، أما البعد الخارجي فيتعلق بسياستها الخارجية وبعدها الدولي.
  • تهديدات تستهدف القطاع الاقتصادي ويتعلق الأمر هنا بمدى القدرة على توفير الموارد الطبيعية ومدى قدرة الدولة على تلبية متطلبات السكان بما يضمن لهم مستوى معيشة مقبول يجعلهم بمنأى عن البطالة والفقر.
  • تهديدات ذات طابع مجتمعي وتستهدف الأمن المجتمعي والحفاظ على الهوية والقيم.
  • تهديدات تستهدف القطاع البيئي وترتبط خاصة بالنشاط الإنساني المدمر للطبيعة والمتسبب في تدهورها[8].

إستمدت الجزائر عقيدتها الأمنية من مبادئها الدستورية، ففي حين لم ينص دستور 1963 على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، نص دستور 1976 في الفصل السابع والذي يتضمن مبادئ السياسة الخارجية في مادتيه 90-93 على مبدأ عدم التدخل من خلال أن الجزائر تناضل من أجل السلم والتعايش السلمي وذلك وفاءا لمبادئ عدم الإنحياز، ودعم التعاون الدولي، أما دستور 1989 فقد نصت المادة 27 من الفصل الثالث تحت عنوان الدولة أن الجزائر تعمل من أجل دعم التعاون الدولي، وتنمية العلاقات الودية بين الدول والمساواة والمصلحة المتبادلة، بالإضافة إلى تبنيها مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، ولقد تم تكرير نفس المادة في نص المادة 28 من الفصل الثالث في دستور 1996، ولم يشهد تعديل 2016 تغييرا في العقيدة العسكرية وتماشيا مع موقف الدبلوماسية الجزائرية التي تلتزم موقف الحياد الإيجابي[9].

والجزائر بقيت ثابتة على مبدأ تدخل الجيش الجزائري خارج حدوده رغم دعوات الكثير من الدول لتدخل الجزائر وخاصة في إطار مكافحة الإرهاب الدولي أو التحالف العربي أو التحالف الإسلامي ضد الإرهاب، ويهذا رفضت الجزائر خلال إجتماع وزراء الخارجية العرب في 2015 بشرم الشيخ مشروعا يتعلق بإنشاء قوة عربية لمكافحة الإرهاب، وأكدت أنها لا تسمح بقوات خارج الوطن، ولكن يمكن أن تكون لها مساهمات لوجستية دون أن تشارك بوحدات قتالية خارج حدود بلدها وستكتفي بالمساهمة بالدعم اللوجستيكي والدعم المدي والتدريب والتعاون الإستخباراتي[10].

وتثار إشكالية التدخل العسكري الجزائري خارج الحدود إستنادا إلى التغيرات الإقليمية في الجوار الجغرافي في ليبيا وتونس ودول الساحل وتداعياتها على الأمن الوطني الجزائري، بالرغم من أن هذا التدخل سيفتح المجال للجماعات الإرهابية والإجرامية بضرب الأمن الوطني، وتغير مفهوم الأمن الذي لم يعد يرتكز على المفهوم العسكري فحسب بل أصبح يرتكز على مدى تأمين الحاجات الأساسية والضرورية لوجود الإنسان، وأمام هذه المعطيات يمكن تحديد المكونات الأساسية للأمن البشري في إطار المسائل التالية: الأمن الإقتصادي، الأمن الغذائي، الأمن الصحي، الأمن البيئي، الأمن الشخصي، أمن المجتمع المحلي والأمن الجماعي والأمن السياسي[11].

المحور الثالث: الأزمة الليبية كتهديد رئيسي للأمن الوطني.

من منطلق الحدود الجغرافية بين الجزائر وليبيا والمقدرة بـ 982 كلم تعتبر الجزائر ما يحدث في ليبيا تهديدا لأمنها الوطني وأمن المنطقة من خلال تنقل الجماعات الإرهابية والأسلحة والجريمة المنظمة إضافة إلى كل أشكال الفوضى الأمنية من خلال تداعيات الأزمة الليبية على الوضع الأمني في تونس ومالي والوضع الأمني في منطقة الساحل وشمال إفريقيا[12].

ولكن يجب الإشارة أن ليبيا حتى في عهد القذافي لعبت دورا في خلق التوتر في المنطقة من خلال دعم قيام دولة الطوارق العظمى وبالتالي زعزعة أمن المنطقة بإعتبار أن الطوارق يقيمون في جنوب الجزائر وبالتالي تهديد الإستقرار الإجتماعي للدولة الجزائرية وبالتالي موقف الجزائر هو المهم في مواقف الدول الأخرى في الساحل بإعتبار الجزائر جيوسياسيا أكثر عرضة للتهديدات الأمنية والأكثر قدرة على العمل من خلال مقوماتها الجيوإستراتيجية وخاصة قدراتها العسكرية، وبهذا يعتبر عامل إدراك لدىالقيادات الجزائرية عامل مهم في التعامل مع التهديدات الأمنية في مرحلة القذافي ومرحلة ما بعد القذافي[13].

ويمكن حصر تأثير الأزمة الليبية على الأمن الوطني الجزائري من خلال جانبين مهمين:

الأول: إنعكاس تصريحات بعض الثوار الليبين من جر الجزائر إلى الصراعات الداخلية والقبلية، وتداعيات إنهيار مؤسسات الدولة الأمنية وبالتالي فوضى أمنية وأنتشار للسلاح ووقوعه في أيدي الجماعات المسلحة الإرهابية.

ثانيا: الجانب الاخر يتمثل في إنعكلسات الأزمة الليبية ككل على منطقة الساحل الإفريقي كعمق إستراتيجي للأمن الجزائري، بالتاي تدهور الوضع الأمني في مالي وتونس وتدلعياته على الأمن الوطني الجزائري[14].

خريطة توضح الحدود الجزائرية-الليبية

Web site : http://katehon.com/sites/default/files/201511143535229734_19.jpg

المحور الرابع: حسابات الموقف الدفاعيوإشكالية المبادئ الثابتة والمصالح المتغيرة.
يشمل مفهوم الدفاع فضلا عن التصور العسكري، الاقتصاد والهوية الثقافية والشخصية الحضارية، والمكانة الإقليمية والدولية. وبهذا فالدفاع الوطني بمعناه الشامل هو دفاع على صعيد الوطن والامة بجميع مقوماتها، ويرى المحللين العسكريين والباحثين الأكادميين أنالعقيدةعسكريةتحملالصفة الدفاعية بشكل عام،وهو ما يدل على أننا لا نقوم بأي تحركات عسكرية إلا إدا كنا معرضين لتهديد وهجوم عسكري، وفي حالة الهجوم من العدو يكون الطرف الاخر مجبر على الدفاع أولا ثم الإنتقال لمرحلة حسم المعركة، والعملية الدفاعية رهينة تكامل الأسلحة مع التجهيزات القتالية والتمارين والخطط القتالية وطرقتنفيذالاعمالالدفاعيةبشكلمباشر، وبهذا الخصوص فإن استخدام الوسائل القتالية الجديدة من قبل الوحدات المدافعة رفعت من مستوى قدرتها على القتال، وأدت إلى ظهور اشكال جديدة في الدفاع وجعلتها أكثر فاعلية وثبات[15].

تعتبر الأزمة الليبية من أهم التهديدات التي لإستقرار وأمن الجزائر، ومنه تعتمد الجزائر على موقف دفاعي في التعامل مع الأزمة لضمان أمنها الوطني فمن جهة تعتمد على أواوية تأمين الحدود الجزائرية-الليبية مما يعني أيضا تأمين الحدود الجزائرية التونسية –النيجيرية- المالية ومع هذا تبقى الحدود هشة أو حتى فاشلة فهي تواجه أكثر من 3000 كم من الحدود مما يصعب حمايتها فهي مفتوحة على الجريمة المنظمة والهجرة وتهريب السلاح وتنقل الجماعات الإرهابية، ومن جهة أخرى إضافة إلى تأمين الحدود مع ليبيا تسعى الجزائر إلى لعب دور الوسيط بين الفرقاء الليبين لدعم الحوار الليبي-الليبي لغلق الباب أمام التدخلات الخارجية والتي تسعى إلى ضمان مصالحها من خلال إطالة عمر الأزمة الليبية على حساب أمن وإستقرار ووحدة ليبيا[16]

فيمكن إعتبار أن الموقف الحالي للجزائر هو تأمين الحدود الجزائرية-الليبية وتعاون مع دول الجوار في مجال تبادل المعلومات لمنع تنقل الجماعات المسلحة، والإعتماد على الحوار بين الفصائل الليبية، ويجب الإشارة أن هذا الموقف يبقى الجزائر على المدى القريب والمتوسط على الحياد إتجاه الصراع في ليبيا ويبقيها كفاعل محوري في المنطقة وبصورة طيبة عند كل الفصائل الليبية المتصارعة ولكن من جهة أخرى يتطلب هذا الموقف الدفاعي مقومات وإمكانيات كبيرة مالية وبشرية وخاصة أن الجزائر تعاني من تحديات إقتصادية بفعل إنهيار أسعار النفط وتكلفة إعادة إنتشار القوات العسكرية وتكلفة كدلك التأهب والإستعداد في ظل الفوضى والهشاشة الأمنية في المنطقة[17].

ولكن هذا الموقف الدفاعي للجزائر إتجاه الأزمة الليبية يحمل الكثير من المخاطر على الأمن الوطني من خلال عدم القدرة على توقع ما ستؤول إليه الأزمة وتداعياتها وخاصة وأن الأزمة رهينة حسابات قوى إقليمية ودولية كثيرة بحكم مقومات الطاقة التي تمتلكها ليبيا وموقعها الإستراتيجي المطل على البحر الأبيض المتوسط، بالإضافة إلى أن هناك مشكلة وقت فكلما زادت عمر الأزمة الليبية كلما أنتجت تهديدات يصعب إدلالها كتقوية الجماعات المسلحة الإرهابية بفعل حركة السلاح وتقوية جماعات الجريمة المنظمة بفعل عائدات الفدية أو عائدات تجارة المخدرات والإتجار بالبشر، ويمكن لتراكم هذه التهديدات يؤدي إلى إنهيار كثير من الدول في منطقة الساحل الافريقي وشمال إفريقيا التي تعاني أصلا من الفشل والهشاشة، وعليه يجب على الجزائر إعادة النظر في مواقفها وفي مقاربتها بشكل عام بما يخدم أمنها الوطني ومصالحها الإستراتيجية على المدى القريب والمتوسط والبعيد، ودلك من خلال بناء منظومة دفاعية وطنية تستند إلى تفعيل المقومات الجيوإستراتيجية للجزائر من أجل لعب دور إقليمي محوري وبناء الأمن في المنطقة.

الخاتمة:

شكلت الأزمة الليبية تهديد حقيقي للأمن الوطني الجزائري من خلال تداعياتها الأمنية من إنتشار للسلاح ونشاط للجماعات الإرهابية والهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة، لتجد الجزائر نفسها أمام فوضى وتعقيدات أمنية يصعب التعامل معها ويصعب توقع مساراتها المستقبلية، وما يزيد الوضع تعقيدا التدخلات الأجنبية في الأزمة للحفاظ على مصالها في ليبيا إضافة إلى تداعيات هذه الأزمة على درجة حدة الأزمات الأخرى في المنطقة في ظل ضعف وهشاشة الدولة في منطقة الساحل، والوضع الأمني في تونس وتدهور أزمة مالي من منطلق إعتبار الأراضي الليبية كمنطلق للجماعات الإرهابية ومصدر للسلاح الذي كان متوفر لدى الدولة الليبية في عهد القذافي.

وفي ظل هذا الوضع وهذه التحولات المتسارعة أسرعت الجزائر بفعل مبادئها وثوابتها إلى تبني موقف دفاعي إتجاه الأزمة الليبية، فمن جهة سعت إلى تأمين الحدود الجزائرية-الليبية لمنع تنقل الجماعات الإرهابية والسلاح لداخل الجزائر مع تعاون معلوماتي إستخباراتي مع دول الجوار، ومن جهة أخرى تفعيل الدبلوماسية لتنشيط ودعم الحوار الليبي-الليبي بين أطراف الصراع، ولكن هذا الموقف الدفاعي ماعدا أنه يضمن للجزائر الحياد وتأمين الحدود على المدى القريب وحتى المتوسط كأقصى تقدير لا يمكن له أن يحل الأزمة الليبية ولا أن يضمن إستقرار وحماية الأمن الوطني الجزائري بإعتبار أن الأزمة تحمل تعقيدات كثيرة وأطراف متصارعة محليا ودعم من دول إقليمية ودولية من أجل تحقيق مصالحها في المنطقة، وخاصة أن الجزائر من جهة يعول عليها لما تمتكله من مقومات جيوإستراتيجية تمكنها من لعب دور محوري في هندسة الأمن في المنطقة، ومن جهة أخرى تسعى الكثير من الأطراف إلى زعزعة الأمن الوطني للجزائر وجرها إلى نزاعات مسلحة وفوضى أمنية قادرة على العصف بدول بأكملها وإنهيارها.

[1]- منصور لخضاري، تعقيدات الأزمة الليبية-المالية وإنعكاساتها على الأمن الإقليمي في الساحل، أشغال الملتقى مالي-ليبيا مبادرات السلام والخروج من الأزمات، وزارة الدفاع الوطني، المعهد العسكري للوثائق والتقويم والإستقبالية، 1éجانفي 2016، ص 154-155-156

[2]- – بدر شافعي، إشكاليات التدخل الدولي في ليبيا، مركز الجزيرة للدراسات، تاريخ النشر 19 مارس 2015، تاريخالإطلاع 27-04-2017، الموقع الإلكتروني: http://studies.aljazeera.net

[3]- السنوسي البسيكري، ليبيا: التطورات العسكرية والموقف الإقليمي والدولي، مركز الجزيرة للدراسات، تاريخ النشر 11 نوفمبر 2014، تاريخ الإطلاع 27-04-2017، الموقع الإلكتروني:

[4]- Jean Frèdèric Morin, La Politique ètrangère,Paris : Armand Colin, 2011, 47-48

[5]- وليد عبد الحي واخرون، فهم الأمن القومي الجزائري من مدخلي الأمن الوطني والدفاع الوطني، مرجع سبق دكره، ص 64-65

[6]- منصور لخضاري، السياسة الأمنية الجزائرية: المحددات-الميادين-التحديات، قطر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2015، ص 57-58

[7]- منصور لخضاري، إستراتيجية الأمن الوطني في الجزائر 2006-2011، أطروحة لنيل شهادة دكتوراه علوم تخصص علوم سياسية وعلاقات دولية، جامعة الجزائر 3: كلية العلوم السياسية والإعلام، 2012-2013،

[8]- Barry Buzan; People state and Fear the national security problem in international relations. Great Britain: Wheatshe of Books; 1983; p6

[9]- بوحنية قوي، الجزائر والتهديدات الأمنية الجديدة من مكافحة الإرهاب إلى هندسة الأمن، لبنان: دار الحامد للنشر والتوزيع، 2017، ص 202-203

[10]- رفيق شلغوم، هكذا ستساهم الجزائر في القوة العربية المشتركة، مقال منشور بموقع جريدة البلاد الجزائرية، تاريخ النشر 29/03/2015، تاريخ الإطلاع 05/11/2016، الموقع الإلكتروني:

[11]- الياس أبو جودة، مفهوم الأمن البشري في إطار التهديدات العالمية الجديدة، مقال منشور بمجلة الدفاع الوطني، العدد 74، تشرين الأول 2010.

[12]- عبد النور بن عنتر، الأزمة الليبية: غياب جماعي وخلافات ثنائية، مركز الدراسات المتوسطية والدولية، العدد 6، سبتمبر 2011، ص 07

[13]- محمد حمشي، أثر الأزمة الليبية على الأمن في منطقة الساحل: نحو نزع طابع التهديد الأمني عن إنهيار الدولة في ليبيا، مداخلة في يوم دراسي بكلية العلوم السياسية جامعة جامعة تيزي وزو بالتعاون مع مركز الدراسات والبحوث السياسية، 2014.

[14]- منصور لخضاري، مرجع سبق دكره، ص 438

[15]- وليد خالد أحمد، مفهوم الدفاع في العقيدة العسكرية الدفاعية، مقال منشور بجريد القادسية، العدد 01، 1993، تاريخ النشر 2015، تاريخ الإطلاع 05/11/2016، للإطلاع الإلكتروني: www.kitabat.com

[16]- يحي ح زوبير، الأزمات الليبية والمالية: أي أدوار للجزائر؟، أشغال الملتقى مالي-ليبيا مبادرات السلام والخروج من الأزمات، وزارة الدفاع الوطني، المعهد العسكري للوثائق والتقويم والإستقبالية، 1é جانفي 2016، ص 86-87

[17]- نفس المرجع، ص 92

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button