النجم الساطع: المضامين الإستراتيجية والمقاولة الأمنية

تناقلت وسائل الإعلام العالمية خبر تنظيم الجيش المصري تمارين عسكرية كبرى بالاشتراك مع الجيش الأمريكي على الحدود الغربية مع ليبيا، انطلاقا من أكبر قاعدة عسكرية شيدها الجيش المصري للقوات البرية مؤخرا غرب البلاد، والتي تضم معدات قتالية ثقيلة وبحجم كبير، تشمل الدبابات، السيارات المدرعة، راجمات الصواريخ وغيرها، كما أظهرته صور الإعلام؛ أو بالأحرى كما تعمّدت القيادة المصرية التسويق له في وسائل الإعلام لردع العدو وإظهار جاهزية القوات المصرية للقتال البري على حقل يمتد على مئات الكيلومترات.
السؤال المحيّر، لماذا قام الجيش المصري ببناء هذه القاعدة للقوات البرية على الحدود الغربية في الفترة الأخيرة التي يعاني منها الاقتصاد المصري من أزمة خانقة، وفي نفس الوقت لا يوجد على الجهة المقابلة أي جيش يمكن أن يهدد الأمن المصري بالحجم الذي يتم الاستعداد له بهذه الطريقة؛ خاصة وأن الجيش الليبي الذي كان يلوح به القذافي بأنه سيحارب به إسرائيل وأمريكا، دمّره القصف الجوي للناتو خلال ستة أشهر من الحرب الأهلية (مارس إلى أغسطس 2011)؟ ولماذا حوّلت مصر اهتمامها بمصادر التهديد نحو الغرب، بالرغم من وجودها الاستخباري الكثيف شرق ليبيا ولم تتعرض لهجمات من قبل الجماعات الليبية داخل أراضيها، في حين أن الهجمات القاسية التي يتعرض لها الجيش المصري هي على الحدود الشرقية في شمال سيناء من قبل تنظيم داعش؟ والسؤال الأكثر إثارة للريبة والخطورة، لماذا يشارك الجيش الأمريكي في هذه التمارين العسكرية، بالرغم من اتهام واشنطن للقاهرة بانتهاكات حقوق الإنسان وجمدت على إثر ذلك جزءً من مساعداتها العسكرية للجيش للمصري؟
الجانب المثير للريبة الأمنية حول النوايا والسلوك العسكري المصري أن في الوقت الذي تجرى فيه تمارين عسكرية مع الجيش الأمريكي على الحدود الليبية، يضرب تنظيم داعش بقوة في شمال سيناء عندما هاجم مواقع أمنية وقتل 18 شرطيا أمس، مما يعني أن التهديد هو جدي وأن التنظيم قوي في تلك المنطقة، وهي التي يجب أن تحظى بالأولوية الإستراتيجية أكثر من غرب البلاد على الحدود الليبية. النتيجة أنه إذا كانت هناك تهديدات تواجه الأمن المصري فهي في الناحية الشرقية، سواء في شكلها التقليدي (تنامي قوة الجيش الإسرائيلي المستمر بالرغم من اتفاقية السلام) أو في شكلها غير التقليدي (تنظيم داعش)؛ وبالتالي الأولى أن تبنى القاعدة البرية الأكبر في مصر غرب قناة السويس وليس على الحدود الليبية.
المصدر الآخر المعزز للريبة حول السلوك المصري والأمن الإقليمي في المغرب العربي، هو ذلك الذي ورد في مقال لمنظّر المستقبليات وليد عبد الحي في الربيع الماضي حول تصاعد الاهتمام الإسرائيلي بالجيش الجزائري في الفترة الأخيرة، من خلال حجم الدراسات التي أجرتها الجامعات الإسرائيلية ومراكز البحوث المتخصصة في الشؤون الإستراتيجية والعسكرية حول تطور طريقة القتال ومستويات التحديات وقدرات التجهيز للجيش الجزائري، وخاصة حول طريقته في إدارة عملية الحفاظ على الوحدة الترابية للبلاد وقتال الجماعات الإرهابية وردع التهديدات عبر الحدود.
من الناحية السياسية-الإستراتيجية، تبحث مصر في الفترة الأخيرة عن توسيع نفوذها نحو الغرب على حساب المغرب العربي بواسطة التشييد المتزايد لبنيتها التحتية العسكرية غرب البلاد، توثيق علاقاتها السياسية والعسكرية مع الجماعات الليبية شرق ليبيا؛ والأكثر من ذلك، إظهار قدراتها العسكرية البرية في السيطرة على الأرض وإمكانياتها العملياتية واللوجستية في التدخل البري السريع، من أجل جلب انتباه الحلف الأطلسي حول إمكانية القيام بدور مهيمن في منطقة المغرب العربي. الدوافع الخلفية لمثل هذه الغايات الإستراتيجية، محددة في انتشار النفوذ الإستراتيجي الإيراني، التركي، السعودي، بالإضافة إلى النفوذ الإسرائيلي في المجال التقليدي لعمل السياسة الخارجية المصرية.
وهذا يعني بطريقة أخرى، أن مصر تقيّم الوضع الإستراتيجي على أن هناك قابلية للتغلغل في المغرب العربي (ليبيا وموريتانيا على وجه الخصوص)، وان الحلف الأطلسي يبحث عن مقاول قادر على تنفيذ مهام التدخل والاحتواء بالنيابة عنه. وعندما يحدث ذلك، بالطبع المتضرر الأول هو الجزائر؛ وهي المهمة الصعبة والحتمية في نفس الوقت، لأنه سوف يكون على الجيش الجزائري التحضير والعمل -على مدى خمس سنوات قادمة- على توسيع وتأهيل البنية التحتية العسكرية على الحدود الشرقية، خاصة فيما يتعلق بنشر وتشغيل طائرات بدون طيار، وقواعد الصواريخ المتطورة، والدعم اللوجستي؛ وفي نفس الوقت المحافظة على الحضور البارز على الحدود الغربية؛ إنها وضعية شبيهة بما كانت تعيشه ألمانيا في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين؛ التي كانت تواجه التحديات المطروحة من قبل الجيش الروسي من الشرق والجيش الفرنسي من الغرب.

عامر مصباح
جامعة الجزائر 3

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button