دراسات سياسية

مفارقات الفعل السياسي الجزائري نحو الممارسات السياسية من دوامة الافتراضيّ إلى محاولات التغيير الواقعي

كاتب المقال: نوفل صحراوي

اصبح الإستخدام الواسع لاعلام الجديد يطوي بداخله جميع وسائط الاتصال الاخرى المطبوعة والمسموعة والمرئية وكذلك الجماهرية، وشبه الجماهرية، والشخصية والذي يعرف الان بمواقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك، تويتر، اليوتيوب، المدونات) التي أضافت بعدا ثقافيا واجتماعيا وسياسيا للتكنولوجية المعلومات الحديثة عبر الانترنت، مما خلق مجتمعات افتراضية غير تلك المتعارف عليها فى الاعلام الكلاسيكي بمعنى الجمهور الكونى فمواقع التواصل الاجتماعي حاولت اعادت صياغة علاقة المحلي بالكوني وعلاقة الإنسان بالتقنية وعلاقة التكنولوجيا بالأفكار ، وهذا وفق مايصطلح عليه بالتداخل الرقمى بين عالمين يبدوان متناقضين في العلوم السوسيولوجية، و عالم التنظمات التي لها مظهر مادي ملموس ومحسوس مثل: الفرد، الجماعة، العائلة، والعشيرة والقبيلة والمدرسة والمؤسسة، وبين العالم الغير مادي ذي الصبغة المعنوية  الغير محسوسة مثل: وسائل إلاعلام الحديثة ووسيط شبكة الانترنت بشكل خاص.

لذلك لقد اكد الإستخدام الواسع النطاق للشبكات الاجتماعية وكذلك الدور الكبير الذي لعبته في تحريك الشباب اطلاقا من الفعل العاطفي، نحو التعبير عن الرأي والانتقاد للأنظمة الحاكمة، بل وأثارت ثورات الربيع العربي المفتعلة في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا وبذلك أصبح هذا الفضاء الإلكتروني فضاء عاماً للتغيير وأداة من ادوات الفتنة والتحريض والتعبئة الجماهرية لإطلاق الإنتفاضات أو الثوارات الشعبية التى يغلب عليها الطابع الشبانى العاطفي، فلقد أظهر الحراك الشعبي في كل من الجزائر و السودان زخم وقوة النشاط السياسي الإفتراضي الذي ألهب الإحتجاجات والمظاهرات، بعد ان خرجت العديد من الفئات المختلفة من المجتمعين الجزائري بتاريخ 22فبرير 2019 والسوداني للتعبير عن رفضها لتمديد الفترات الرئاسية الجديدة للرئيسين المنتخبين في كلتا الدولتين.

كانت العهدة الخامسة التي كان يروج لها الحزب الحاكم والطبقة السياسية من المتنفذين في السلطة الجزائرية، حتي فبراير 2019 أملا منهما في فتح الباب أمام فترات رئاسية جديدة للرئيس المنتهية عهدته، مما جعل الملايين من الجزائريين يخرجون للشارع بتاريخ 22فبرير 2019 للتعبير ليس فقط عن معارضتهم للعهدة الخامسة للرئيس “عبد العزيز بو تفليقة” بل أيضا عن إستيائهم من نظام الحكم الذي نحره الفساد الاداري والمالي والسياسي وبذلك فقد هذا النظام الشىرعية الأخلاقية والسياسية التي تحول دون الإستمرار بتحكمه بالقرار السياسي للبلاد.

وقد زادت حالة الانغلاق في وسائل الاعلام الكلاسيكي (الاعلام الرسمي لدولة) التي تسيطر عليها الدولة، وبث مايتناسب مع سياساتها كسلطة عليا، وكذلك اشراك القنوات التليفزيونية الخاصة معها في ذلك بتوحيد المحتويات الاعلامية المعروضة للجمهور، هذه الاخيرة التى تمادت مع بداية الانتفاضة في تضليل الرأي العام بشأن تطورات المشهد السياسي في البلاد مما أدي للبحث عن أدوات بديلة للتعبير وتداول أطروحات سياسية مختلفة لتعبير عن الرأي بعيد عن واسائل الاعلام المحلية.

هكذا باتت شبكات التواصل الاجتماعي ليست فقط وسائل بديلة لتعبير عن الرأي، أو وسيط يتم عبره التواصل السياسي لابلاغ الرسائل للفئات الاجتماعية المختلفة بل عاملا أساسيا من عوامل تشكيل الفضاء العام المؤثر على عموم الشعب والحياة السياسية والتشريعية والقضائية بالمفهوم الذي وضعه “يورغن هابرماس حول الفضاء العام.

وبذلك أصبحت الشبكات الاجتماعية تمثل واقعا إفتراضيا لمحاولة استحضار قضايا الشأن العام ومنقشتها وترجمتها في شكل حراك اجتماعي سياسي بأشكاله المختلفة من خلال انتاج الخطاب والترويج له بأساليب مختلفة مرورا بتنظيم النشاط السياسي والتعبئة له وصولا إلي الحراك السياسي الميداني وعلي هذا النحو فأن زيادة نسبة التعبير الحر للأفراد في الشبكات الإجتماعية او مايسمى “بالعالم الإفتراضي”ونسبة التعبئة العامة الفعلية في المجتمع الحقيقي يجب ان تتسم بوعى الجماعى  ، فالمجتمع في الفضاء العام الافتراضي يعتبر ديناميكية جارفة ( نظرية القطيع و  فكرة “نظرية القطيع ” وهي نظرية تلخص ردود الافعال البشرية لاسيما حينما تكون مع الجماعات الغير منتظمة ونتهت الى فكرة انه كلما زاد عدد الافراد كلما قل العقل الوعي ومكانية قياتتهم فالعقل الجمعي لايعطي الفرصة في استقلالية التفكير وتكوين القناعة الشخصية)  بمعنى يجب ان تقوم على عوامل موضوعية ملموسة تسمح لها بتوليد حالة من العمل الاجتماعي الهادف لحل المشكلات عند افراد المجتمع وتحكيم العقل ، وهذا ما يولد الرغبة في الخروج من التعبير الافتراضي إلى التعبير الفعلي في الفضاء العام الحقيقي لكن دون حدوث مفارقات تسبب التشؤه.

لذلك نسبة المقاومة التي يتلقاها الغير في الفضاء الافتراضيّ مهما كانت اشكالها، ومدي الجنوح نحو التعبير الفعلي في الفضاء العام الحقيقي عبر المشاركة في التجمعات والمظاهرات، فكلما قلت المقاومة التي يجدها الخطاب المعارض في الفضاء الافتراضيّ زاد الجنوح نحو المشاركة في الحراك عبر التظاهر، فأليات التأثير السياسي المتعاظم الذي باتت وسائل الاعلام البديلة تحظى به في الحياة السياسية العامة بالجزائر في سياق الحراك السياسي الشعبي من حيث القدرة علي التأثير في الأخرين دفعت المؤشرات المجمعة الي ان وسائل الاعلام تسير نحو صناعة “الموطنة”البديلة بالتى بات لها في زمن الانترنت دورا فاعلا كمثير إجتماعي يساهم بقوة في صناعة لحظة من لحظات تاريخ المجتمعات الكونية  في خلق النشؤة الجماعية الناتجة عن الحراك الجماعي الساعي للدفاع عن الصالح العام، خاصة في مراحل عدم التكامل الاجتماعى، او في حالة التفكك الاجتماعي التي تنشأ في المجتمعات السائرة في طريق النمو، نتيجة لفقدان الحكام للشرعية السياسية من جهة ثم انعدام التنسيق والاتصال بين كل الجهات خاصة بين الحاكم والمحكوم وعدم اخذا الحكام تطلعات الشعب في الحسبان، او نتيجة لما أسماه هابرماس بالتواصل المشؤه، او الفضاء العام الافتراضيّ المشؤه.

في الأخير ولما سبق ذكره، الاعلام البديل بشبكاته الاجتماعية ومحتوياته الحرة الغير خاضعة لتأطير المؤسسي المضبوط هو بصدد إعادة بعث الفضاء العام حيث ينشي سياقا سياسي يشعر الفرد بمسؤوليته التاريخية تجاه بلده،  لكن هذا اذا لم يتم التظليل في الفضاء الافتراضيّ بحجم المعلومات من خلال انشاء حسابات زائفة ووهمية لتظليل الجمهور. ولكن برغم من ذلك هذه السياقات التكنولوجية التى تتيح للفرد فرصة التعبير فكريا يتيح للفاعلين في تلك الشبكات فرصة التعاطي العقلاني مع القضايا والخروج من عقبات التعبير الغوغائي(غياب العقل وتسود الانفعالات والعاطفة) المشوش في تلك الشبكات او عقبات التشويش المؤسسي كشرط من شروط حصول الاجماع وبذلك يقترب ذلك الفضاء من صغته المثالية ، فهو نموذج جديد لشرح أليات تأثير وسائل الاعلام في تكوين الجمهور والرأي العام، خلال الظروف الإستثنائية التي تعيشها المجتمعات المكبوته (حديثة الاستقلال) في لحظة من تاريخها، وكذلك الممارسات الديمقراطية المثلي وتقريب المجتمعات من السلطة من خلال إعلام المواطن.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى