دراسات استراتيجيةدراسات جيوسياسيةدراسات سياسيةنظرية العلاقات الدولية

النظام الدولي الجديد بين الواقع والقرار

بقلم: محمد موسى

حلم الولايات المتحدة بالسيطرة على العالم قديم، ومن اجل تحقيق هذا الحلم قامت بهجوم متدرّج على العالم. ابتدأت مسيرتها بتوحيد القارة ثم بالسيطرة على نصف الكرة الغربي. ولما خرجت إلى العالم بعد الحرب العالمية الثانية فرضت عليه نظاماً دولياً يضمن تفوقها، وأخذت تصرّف شؤون العالم بالتعاون مع الدول الكبرى الأخرى، الاتحاد السوفياتي وبريطانيا وفرنسا. ثم ما لبثت أن أسقطت بريطانيا وفرنسا ورفعت الاتحاد السوفياتي بقرار سياسي أميركي إلى جانبها تصرّف وإياه السياسة الدولة. لم يفرض الاتحاد السوفياتي على الولايات المتحدة هذا القرار. فمع أن الاتحاد السوفياتي كان يشاكس الولايات المتحدة ويعرقل مشاريعها في الأمم المتحدة، فإنه لم يهدد مصلحة أميركية واحدة خلال سنيّ الحرب الباردة، لأنه كانت تنقصه الإرادة لاستعمال أسلحته لتهديد المصالح الأميركية، وكمثال على ذلك أن الاتصالات السرية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي كانت قد قطعت سنة 1958 مرحلة طويلة. ولإخراج تلك الاتصالات إلى العلن افتعل خروتشوف في تشرين الثاني سنة 1958 أزمة برلين الثانية، وقام بتسليم مذكرات للدول الغربية عرض فيها جعل برلين مدينة حرة منزوعة السلاح وربما تحت إشراف الأمم المتحدة، وأعطاهم مهلة ستة شهور وإلا فإن الاتحاد سيوكل ترتيبات المرور إلى برلين إلى دولة ألمانيا الديمقراطية. ولما تصلّبت الدول الغربية في موقفها ولم ترد على المذكرات هرول خروتشوف بنزع الفتيل ويعلن أن فترة الشهور الستة ليست إنذار. ثم يعلن أن للدول الغربية حقوقاً مشروعة في المرور إلى برلين. كان دافع الولايات المتحدة للوفاق سياسياً وعسكرياً، تماماً كان في توجهات روزفلت. لقد جعلت الولايات المتحدة من الاتحاد السوفياتي نصيراً لها في سنوات الوفاق في تصفية الإمبراطوريات الأوروبية، كا حيّدته في احتوائها للصين، فكان دوره في إدارة العالم رمزياً، وكانت حصته من العالم لا تتناسب مع مجهوداته ونفقاته.

لذلك لم يكن مستهجناً أن تقرر الولايات المتحدة منفردة الانفراد في السياسة الدولية. فكما كان الوفاق بقرار أميركي فإن الانفراد يمكن أن يكون بقرار أميركي. وحقيقة الأمر أن الإعلان جاء متأخراً عن القرار، أو القرار أقدم من الإعلان، ولكن الإنجاز في تحقيق المحتوى كان ضئيلاً. لقد اختار الرئيس بوش توقيت الإعلان مع انهيار الاتحاد السوفياتي وشيوعيته ليوحي بأن انتقال العالم من الثنائية إلى الانفراد انتقال طبيعي فيكون للإعلان أثره ووقعه على المسرح الدولي. لكن العلاقات الدولية لا يقررها ويحددها إعلان درامي، وإنما هيكل القوى على المسرح الدولي. فمن جهة فإن الدول التي تمتلك مقعداً دائماً في مجلس الأمن تمتلك قولاً في القضايا الدولية التي تعرض على المجلس. ومن جهة أخرى فإن المسرح الدولي تشرذم إلى مجالات حيوية لقوى كبرى، وتشرذم إلى قوى وتكتلاك اقتصادية فرضت صبغتها عليه. ومن جهة ثالثة فإن تصريف بعض القضايا الدولية يتم في مؤتمرات جماعية مثل مؤتمرات الدول الصناعية السبع.

كان الرئيس نيكسون قد رأي بنظرته الثاقبة تطور القوى على المسرح الدولي. وقد جسّد رؤيته تلك في مؤتمر صحفي في كينساس سيتي في 6 تموز سنة 1971 بقوله: «إذا نظرنا في المستقبل بعد 5 أو 10 أو 15 عاماً فإننا سنجد خمس قوى عملاقة اقتصادياً، الولايات المتحدة وأوروبا الغربية والاتحاد السوفياتي والصين واليابان. وهذه القوى هي التي ستقرر مصير العالم اقتصادياً. ولأن القوة الاقتصادية ستكون المفتاح لأشكال أخرى من القوة، فإنها ستقرر مستقبل العالم بطرق أخرى في الثلث الأخير من هذا القرن». ثم ألقى مزيداً من الضوء في مقابلة مع صحيفة التايمز اللندنية في 3 كانون أول سنة 1972 عندما قال: «علينا أن نتذكر أن الفترة الوحيدة في التاريخ التي نعم فيها العالم بالسلام لفترة طويلة، كانت عندما كان هناك توازن قوى. ويبرز خطر الحرب عندما تصبح دولة أقوى بكثير من منافستها. لذا فإنني أؤمن بعالم تكون فيه أميركا قوية. وسيكون العالم أفضل وأكثر أمناً عندما تكون فيه أميركا وأوروبا والاتحاد السوفياتي والصين واليابان تنعم بالعافية، وتوازن كل منها الأخرى لا أن تدفعها ضد الأخرى، في ميزان متعادل».

ومع تطور هيكل القوى على المسرح الدولي عما كان عليه سنة 1945 تصبح مشاركة دول أخرى لأميركا في تصريف شؤون العالم أمراً تلقائياً. فأميركا لا تملك الوسيلة الكفيلة بتحقيق انفرادها أو جعل العالم مؤسسة تجارية أميركية. وإذا كان العالم شركة مساهمة تمتلكها الدولة الكبرى فإن الصراع يجري على تحديد الحصص وعدد الأسهم لكل فريق، إذ تحاول كل دولة أن تزيد من نسبة أسهمها في هذه الشركة. وإذا كان العالم عائلة دولية واحدة فإن الصراع يجري على تحديد الأدوار في إدارة هذه العائلة. وتكافح أميركا للحفاظ على حصتها التي باتت معرضة للنقصان، وعلى دورها الذي أخذ في التآكل. ولا بد من أن يبقى في الذهن أن غياب الاتحاد السوفياتي أدى إلى غياب الدولة الثورية التي كانت تعمل على هدم النظام الدولي، وأن الدول القائمة الآن دول إصلاحية تسعى لإصلاح النظام الدولي بتغيير توزيع العدل الدولي وليس إلى هدم النظام الدولي الذي سيبقى أميركياً. ستكافح أميركا للملمة النظام القديم وليس بفرض انفرادها، وشتان بين الحلم والحقيقة. وكما قال أحد الاستراتيجيين فإن نظاماً عالمياً جديداً يكرس انفراد أميركا ليس أكثر من مزحة أميركية.

تقول أستاذة القانون الدولي في جامعة باريس، مونيك شوميليير جندرو، في مقالة من صحيفة اللوموند ديبلوماتيك: «أن سبل وشروط الولوج إلى نظام عالمي جديد ليست مما يرتجل ارتجالاً، ولا يوجد من يرى بجدّية أن حرب الخليج قد شكلت نظاماً أكثر عدلاً». أما كلود جوليان رئيس التحرير السابق لهذه الصحيفة فقد نقل عن جاك جوليارد وصفه لهذا النظام بقوله: «ليس فقط لم يجر إقامة نظام عالمي جديد، وإنما الأسوأ أن فوضى النظام القديم قد تكرّست وتأصلت. وليس فقط لم يجر حل المشاكل الرئيسية، وإنما أصبح حلها يتراءى أكثر صعوبة». كما عبّر رئيس قسم دراسات الحروب الكلية الملكية بلندن، البروفيسور لورانس فريدمان، عن رأيه في النظام الجديد في مقالة في مجلة الفورن أفيرز، جاء فيها: «تبقى الولايات المتحدة عملاقاً عسكرياً، ولكنها تحتل دوراً أقل من قوي في الاقتصاد العالمي. ومن هنا فإن القول بعالم أحادي القطبية أمر مشكوك فيه، إذ جرى الخلط بين تفكك الاتحاد السوفياتي وصعود الولايات المتحدة».

الرئيس بيل كلينتون والتغيير
تساءل المراقبون عما إذا كان الرئيس بيل كلينتون سيفي بوعوده الانتخابية فيعدل من مسار السفينة الأميركية مما يحقق تغييراً في الأولويات ونجاحاً في إيقاف الانحدار الأميركي، وإيجاد انطلاقة في الاقتصاد الأميركي ترضي الشعب الأميركي.

تقتضي الإجابة على هذا التساؤل التذكير بواقع نظام الحكم في أميركا. فالمعروف أن أصحاب رؤوس الأموال وأقطاب الصناعة يتحكمون في تحديد السياسة الأميركية. لا فرق أن يكون في السلطة الحزب الجمهوري أو الحزب الديمقراطي. كما أن الإدارات الأميركية لا تنفرد في صنع السياسة الأميركية، وإنما يساهم في صوغها إلى جانبها أجهزة ودوائر متعددة تبقى وإن تغيّرت الإدارات. لذلك فإن السياسة الأميركية تسير في اتجاه واحد، فتضيف كل إدارة لبنة أو لبنات إلى صرح هذه السياسة، لا فرق في هذا بين إدارة جمهورية أو إدارة ديمقراطية. فالمشهور أن الحزب الجمهوري هو حزب أصحاب رؤوس أموال والصناعيين الذين يعملون على توسيع أسواق أميركا ومد نفوذها إلى الخارج، واصطناع الحروب لتجعل من تجارة الأسلحة تجارة رائجة، وأن الحزب الديمقراطي هو حزب الشعب وحزب الإصلاحات الداخلية: لكن لو استعرضنا حروب أميركا الشهيرة لوجدنا أن الحزب الديمقراطي هو الذي أشعلها أو رجّ بأميركا فيها. فالحزب الديمقراطي هو الذي زجّ بأميركا في الحربين العالميتين، وأشعل الحرب الباردة، وحربي كورية وفيتنام. وبالرغم من التصريحات الرنانة التي أطلقها ريغان في حملته الانتخابية وبُعَيْدها، والاتهامات التي كالها لإدارة كارتر الديمقراطية، مدعياً بأنه سيغير سياسة أميركا تغييراً جذرياً عما كانت عليه في إدارة كارتر، فإنه ما إن استقر به المقام في البيت الأبيض حتى سار في أثر كارتر حاصداً ما زرعه. لقد كان كل عشّ باضت فيه وفرّخت إدارة ريغان من صنع إدارة كارتر. وحتى سباق التسلح الذي اشتهرت به إدارة ريغان فإن إدارة كارتر هي التي كانت قد وضعت برامجه وأخذت موافقة الكونغرس المبدأية عليها.

ولن تكون إدارة كلينتون بدعاً من الإدارات الأميركية. وعد كلينتون بأنه سيغيّر في الأولويات الأميركية، إلا أن المتوقع أن تبقى السياسة الأميركية تسير في نفس الاتجاه، بل وتسلك نفس التعرجات. ويعزز من هذا الفهم أن كلينتون من يمين الحزب الديمقراطيين وأنه تتلمذ في مدرسة السيناتور فولبرايت. يضاف إلى ذلك أن الرئيس بوش عبّد طرقاً ودفع بأميركا للسير عليها، مما يجعل من الصعب على كلينتون النكوص عنها، وبخاصة أن أي خفوت في صوت أميركا على الحلبة الدولية سيُفقدها بعضاً من مراكزها. ويكون بوش بعمله هذا قد حدد الكثير من ملامح أميركا وسياستها في عهد كلينتون.

ومن المستبعد أن يتمكن كلينتون من تحقيق الإصلاحات الداخلية المنشودة والموعودة حتى لو تمكن من إعادة ترتيب الأولويات. ومن أسباب الفشل المنظورة أن وضع حد للتشرذم الشعبي، وانحدار الشعب المعنوي، وإعادة الثقة بالقيم الأميركية وبقيادات أميركا السياسية، وإعادة الثقة بسياسة أميركا الخارجية وبالتالي حشد التأييد الشعبي لها، يعتمد بدرجة كبيرة وأساسية على إعادة العافية للاقتصاد، فيعود المجتمع الأميركي مجتمع الوفرة والرخاء. ولا يحلم أحد بتحقيق هذا الإنجاز لأن مجتمع الوفرة والرخاء أصبح من الماضي الذي لا يعود. وأفضل ما يحلم به كلينتون هو وقف انحدار الاقتصاد الأميركي وإعادة التوازن له. وهذه الغاية إن لم يكن من المستحيل تحقيقها فإنه في منتهى الصعوبة بعد أن غرفت أميركا في الديون وسيطرت الاختلالات الهيكلية على اقتصادها. إن إعادة التوازن للاقتصاد الأميركي تقتضي تخفيضاً حاداً في دور أميركا العالمي، وزيادة حادة في الضرائب، وحشد أموال ضخمة لإعادة هيكلية الاستثمار. وما عرضه كلينتون في حملته الانتخابية من برامج لخفض الوجود الأميركي في الخارج، وزيادة في الضرائب، لا تكفي للوفاء بالآمال الموعودة. كما أن توفير الأموال الضخمة اللازمة للاستثمار المطلوب أمر بعيد المنال. يضاف إلى هذا أن من غير الوارد دفع الشعب الأميركي للاقتصاد في الإنفاق وتقليل الاستهلاك.

وتتضح الصعوبات التي تواجه إدارة كلينتون إذا علمنا أن الثروة الأميركية موزعة حسب إحصائية سنة 1989 كما يلي:

1% من الشعب الأميركي يمتلكون 37% من الإرث القومي الأميركي.

9% من الشعب الأميركي يمتلكون 32% من الإرث القومي الأميركي.

90% من الشعب الأميركي يمتلكون 31% من الإرث القومي الأميركي.

ومما يزيد من هذه الصعوبات أن الكتل الاقتصادية الإقليمية المقفلة أصبحت من سمات المسرح الدولي وجزءاً أساسياً منه، مما يقيّد من حركة التجارة العالمية وبضع العوائق في وجه التجارة الأميركية. وخطورة فشل إدارة كلينتون في تحقيق لإصلاحات المرجوّة هي في أنها قد تكون المحاولة الأخيرة أو المفروض أن تكون كذلك. وفشل إدارة كلينتون فشل للحزب الديمقراطي. وأهمية فشل الحزب الديمقراطي هي في أنه يأتي بعد فشل الحزب الجمهوري خلال اثنتي عشرة سنة، مما سيعني الإعلان عن فقدان الأمل في الإصلاح، ويعني بالتالي الاعتراف للشعب الأميركي وللعالم بأن أميركا تسير نحو الانهيار. وسيسرّع هذا الاعتراف من وتيرة الانهيار.

إذا كانت الولايات المتحدة تعاني من ضعف في قدرتها على التأثير في قرارات الدول الأخرى، فكيف ستداري ضعفها وتخوض صراعها؟ لما كان ضعف الولايات المتحدة ليس ابن ساعته وإنما تمتد جذوره لعقود خلت، فإن استعراضاً موجزاً لبعض جوانب السياسة الأميركية خلال تلك العقود سيلقي ضوء على كيفية مداراة أميركا لضعفها.

عِبَر من الماضي
كانت بريطانيا تعمل قبل الحرب العالمية الأولى على محاربة روسيا القيصرية حتى آخر جندي أملاني ففشلت. وكان من جرّاء سياستها تلك اندلاع الحرب العالمية الأولى التي ضعضعت مركز بريطانيا وهزت نظامها الدولي. وقبل الحرب العالمية الثانية أخذت بريطانيا تعمل على أن تحارب الاتحاد السوفياتي وشيوعيته أيضاً حتى آخر جندي ألماني ففشلت. وكان من جرّاء ذلك نشوب الحرب العالمية الثانية التي أنهكت بريطانيا وهدمت نظامها الدولي.

لم تتعظ بريطانيا من أخطائها تلك، فلم تكد الحرب العالمية الثانية تضع أوزارها حتى أخذ تشرشل يستعدي الولايات المتحدة حكومة وشعباً على الاتحاد السوفياتي وشيوعيته. ولما لم تفلح المواعظ البريطانية أرسل المستر بيفن، وزير خارجية بريطانيا العمالي في 24 شباط سنة 1947، رسالة إلى الرئيس الأميركي ترومان يخبره فيها أن بريطانيا لم تعد قادرة على الوفاء بالتزاماتها التاريخية في جنوب أوروبا، وأنها قررت وقف معونتها ودعمها لليونان وتركية لتكل تلك المسؤولية حليفتها أميركا. ورداً على تلك الرسالة أعلن الرئيس ترومان في 12 آذار في رسالة للكونغرس أن أميركا قبلت المسؤولية، وأنها تعتبر أمنها من أمن واستقلال الدول الحرّة. وُلِد برسالة الرئيس ترومان ما سمي بمبدأ ترومان، وأدخل القاموس السياسي مصطلح جديد هو مصطلح «الحرب الباردة».

نجحت بريطانيا عملياً في جر أميركا إلى أوروبا ليس فقط لإيجاد توازن قوي جديد في أوروبا للحفاظ عليها كما يوحي ظاهر السياسة والتصريحات، وإنما لتوريط تلك القوة الهائلة في حرب مع الاتحاد السوفياتي بإيجاد الاحتكاك المباشر بينهما، بينما تنصرف بريطانيا لإصلاح شأنها وشأن إمبراطوريتها التي أخذت تتداعى. فأميركا تدفع الثمن، وبريطانيا تقطف الثمرة، فيكون العالم كبقرة بين رَجُلَيْنَ، يرعاها الأول ليحلبها الثاني. كانت بريطانيا تعتمد في حالة ألمانيا على عدم وجود اسبقيات ألمانية للسيطرة على أوروبا وهدم النظام الدولي، بينما كانت تعتمد في حالة أميركا على سذاجة سياسة أميركا وعدم درايتهم في الشؤون الدولية مما يمكن بريطانيا من تسخير أميركا وقوتها لصالح بريطانيا ومصالحها.

قادت أميركا حلفاءها الأوروبيين في حرب باردة ضد الاتحاد السوفياتي ومعسكرة، فكانت تحارب على جبهتين، جبهة وراثة الإمبراطوريات الأوروبية، وجبهة الاتحاد السوفياتي. وجدت أميركا بعد سنوات أن حربها على جبهتين يستنزفها ويضعف من قدرتها على تحقيق غاياتها، وبخاصة أن بريطانيا كانت لا تجد غضاضة في التآمر مع الاتحاد السوفياتي على أميركا. ولما كانت وراثة الإمبراطوريات الأوروبية الغاية العاجلة بينما كان إنهاء الاتحاد السوفياتي الغاية الآجلة، رأت أميركا أن تستجيب لمغازلة الاتحاد السوفياتي فتعقد معه اتفاقاً يبرّد جبهتها معه للتفرغ لتصفية الإمبراطوريات الأوروبية. كانت أميركا ترى أن اتفاقاً مع الاتحاد السوفياتي سيمكنها من اتخاذه نصيراً لها في تصفية الإمبراطوريات الأوروبية، ومن تحييده في احتواء أميركا للصين. وهكذا لم تنته رئاسة آيزنهاور الثانية إلا وكانت المفاوضات بين الدولتين قد أشرفت على نهايتها، مما مكّن الرئيس كنيدي من توقيع الاتفاق في حزيران سنة 1961.

بعد اتفاق الوفاق وانتهاء الحرب الباردة بين العملاقين أصبح صراع أميركا مع الاتحاد السوفياتي يكاد ينحصر في إنهاكه بجرّه إلى سباق تسلّح رهيب، وجرّه إلى مناطق نفوذ هامشي بعيدة عن مجاله الحيوي. وباستثناء هذا، وباستثناء حرب فيتنام التي أشعلتها أميركا لاحتواء الصين، يصبح جلّ صراع أميركا في الستينات والسبعينات مع حلفائها الأوروبيين. لذلك فإن الوقوف على بعض جوانب السياسة الخارجية الأميركية وأساليبها يقتضي استعراضهم لبعض جوانب العلاقات الأميركية ـ الأوروبية

 

 

3.3/5 - (3 أصوات)

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى