دراسات جيوسياسية

النظريات الجيوبوليتيكية

أستاذ المادة تغريد رامز هاشم محسن العذاري

تعتبر نظريات المدارس الجيوبوليتكية Geopolitics من النظريات التى تهتم بدراسة تأثير البيئة الطبيعية والعوامل الجغرافية على الخصائص والظواهر والمؤثرات والتطورات السياسية للشعوب والدول ، ومن الطبيعي أن يكون تفاعل العامل الجغرافي مع العامل السياسي في حياة المجتمعات البشرية موضع دراسة العلماء والمفكرين ، ولكن الجيوبوليتيك كفرع من فروع المعرفة تعتبر علماً حديثاً متفرعاً عن الجغرافيا وعاملاً هاماً من عوامل دراسة الاستراتيجية السياسية ، الاستراتيجية الأمنية ، والاستراتيجية العسكرية منذ فترات تاريخية سابقة فقد أشار المؤرخ الإغريقي هيرودوت ( 484ق . م – 425 ق .م ) في مؤلفاته التاريخية ( إن سياسة الدولة تعتمد على جغرافيتها) وقد حاول الفيلسوف والمفكر السياسي الفرنسي مونتسكيو (1689م-1755 م ) في كتاب روح القوانين Esprit des lois في عام 1748 وأيضا في كتابه الآخر الدفاع عن روح القوانين De’fense de l’esprit des lois عام 1750 – أن يبين الأسباب الكامنة – وراء وجود قوانين معينة في بلد معين وصلة هذه القوانين بالمناخ والبيئة وقد ربط مونتسكيو الجغرافيا بالاقتصاد عن طريق العوامل الطبيعية مثل البحار والمحيطات فهذه العوامل تؤثر في النهج السياسي للدول .

وقد تناول ادولف هتلر مصطلح المجال الحيوي وربطه بالعوامل الجغرافية والطبيعية التى تؤثر في النهج السياسي للدول وقد ظهر هذا المصطلح في كتاب كفاحي والذي نشرة هتلر للمرة الأولى عام 1925 وقد تعددت نظريات الجيوبوليتيك وتطورت عبر فترات زمنية مختلفة وقد أدى تطورها إلى اهتمام السياسيين بمدلولاتها ، وبالتالي فهناك ارتباط بين نظريات الجيوبوليتيك ومفهوم الأمن البحري ، وخصوصا أن هذه النظريات ارتبطت بالقوة والسيطرة والسيادة فعلى حسب قول المفكر الفرنسي برتران بادي ( لا بد من إعادة التفكير في مبدأ القوة لان أغلب الكوكب الأرضي قد مسّه العنف ، ولأول مرة نعي أنه لا يوجد مكان واحد في العالم محمي من مخاطر العنف والإرهاب ، يُضاف لذلك أن العنف ظاهرة معولمة مثل سائر الظواهر الأخرى ، لذا فالعالم مقبل على مستقبل مؤلم متخمٍ بالصراعات ) .
والواقع أن نظريات الجيوبوليتيك تتفق على مبدأ القوة والسيطرة ولكنها تختلف في تحديد نوعيتها ؛ فنجد أن عالم الجغرافيا البريطاني هالفورد ماكيندر Halford Makinder أشار أن البر هو بمثابة القوة والسيطرة الجيوبوليتيكية ، ويرى المفكر العسكري الأمريكي الفريد ماهان Alfred mahan أن القوة و السيطرة الجيوبوليتيكية ترتبط بالبحار والمحيطات أما المفكر السياسي الأمريكي سبيكمانSpykman قد أشار أن قوة السيطرة الجيوبوليتيكية ترتبط بالتحالف بين قوة البحر وقوة البر معا ، وقد اختلف المفكر الروسي الكسندر دى سفرسكسي Alexender De Sversky عن المفكرين السابقين وقد رأى أن القوة والسيطرة للوضع الجيوبوليتيكي ترتبط بالسيادة الجوية ، والواقع أن النظرة التراكمية المرتبطة بمفهوم الأمن البحري تندمج مع مجموعة النظريات السابقة .

ومعنى ذلك عندما نتناول مفهوم الأمن البحري من خلال النظريات الجيوبوليتيكية السابقة لا بد أن نتناول هذا المفهوم من خلال أربع مستويات نظرية مرتبطة بالقوة والسيطرة الأمنية :الأول مستوى البحر ، والثاني مستوى البر ، والثالث المستويين معا ، والمستوى الرابع الجو ولكن يجب أن نضع في الحسبان أن القوة والسيطرة لا يقتصران على الدوائر الرسمية فقط لأننا نتعامل مع عنصر القوة في أصعدة الحياة كافة، سواء القوة التي تستند على القانون أو المعاهدات أو الاتفاقيات أو القوة الرأسمالية الاقتصادية الحرة أو الرسمية أو القوة التى تستند على القتل والإرهاب والقرصنة عن طريق التهديد بالسلاح فجميعهم مثال للقوة والسيطرة .
وبالتالي عندما نتناول مفهوم الأمن البحري من منظور جيوبوليتيكي لابد أن تشتمل العمليات الأمنية على الأربعة مستويات السابقة ، ومن وجهة نظر شخصية لابد أن يكون هناك مستوى خامس بالإضافة إلى المستويات الأربعة السابقة وهو مستوى الفضاء الخارجي لان هذا المستوى الجيوبوليتيكي لا يستهان به في المجال الأمني وخصوصا بعد التقدم الهائل في المجال الإلكتروني والتكنولوجي ولا بد أن يوضع في الاعتبار استخدام الفضاء الخارجي في السيطرة فقد يتحكم في الأرض والبحر والجو _ وبالتالي فالأمن البحري يرتبط أيضا بالفضاء الخارجي في عمليات الأمن البحري ولابد أن نضع في الاعتبار أن الأمن البحري يتأثر بالإطار الجيوبوليتيكي تأثيراً مباشراً من خلال تأثير نظريات الجيوبوليتيك المتغيرة لان أبعاد الأمن البحري ترتبط بالموقع الجغرافي والحدود السياسية فمثلاً النقل المتتابع البحري يكون نقل بحري في جميع أجزائه ولكنة يتم على مرحلتين وذلك في عدم وجود خط ملاحي مباشر إلى الجهة المطلوب نقل الشيء أليها ، والنقل المتعدد الوسائط وهو الذي يتم بطرق مختلفة ويعتبر الجانب البحري جزء منة ويستخدم الجزء الأخر منة بطريق البر أو الجو وبالتالي فهناك تطابق للنظريات الجيوبوليتيكية الأربعة السابقة مع عمليات الأمن البحري المرتبط بالنقل البحري والمرتبط أيضا بالمواقع الجغرافية والحدود السياسية المتغيرة .
وعلى الرغم أن عمليات الأمن البحري تأخذ منهجاً ثابتاً من حيث القواعد الدولية التي تضعها الخطوط الاستراتيجية له ، ولكن قد يكون هناك اختلافات في تنفيذ تلك القواعد الدولية للأمن البحري ويرجع ذلك لتفاوت القوة من دولة إلى أخرى فعلى الرغم أن بعض الدول لديها القدرة على السيطرة من خلال معايير الأمن البحري لأنها بمثابة دول ساحلية ولديها على حسب قول مونتسكيو قوانين معينة من اجل طابعها الجغرافي ولكنها غير قادرة على تنفيذ معايير الأمن البحري ويقابل ذلك دول أخري غير ساحلية وليس لديها المعايير الدولية للأمن البحري ولكنها لديها القدرة على تنفيذ المعايير الدولية للأمن البحري من خلال عمليات النقل البحري متعدد الوسائط أو عن طريق المعاونة الأمنية في البر والجو من اجل البحر ، ومعنى ذلك أن الأمن البحري المرتبط بالإطار الجيوبوليتيكي لا يعتمد على السيطرة على البحر فقط ولكن لابد من القوة والسيطرة في جميع الإطارات والمستويات التى أشرنا أليها . فترتبط أهمية الفضاء الخارجي للأمن البحري من خلال مكافحة حرب المعلومات التقنية أو ما يطلق عليها حرب المعلوماتية Informatics Warfare المرتبطة بالسيطرة الإلكترونية من خلال الأقمار الصناعية بالفضاء الخارجي ، وهناك نوعان من الحروب المعلوماتية.

 

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى