دراسات جيوسياسية

النظريات الجيوسياسية

مقدمة:

     لقد شهد القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين تطورا كبيرا للجيوبولتيك على المستوى النظري أو على مستوى تأثيره في صياغة التوجهات الإستراتيجية الكبرى للدول وقد لا يكون من المتيسر على الباحثين فهم الرؤى الإستراتيجية التي وجهت المواقف والتحولات الكبرى بدون الرجوع إلى نظريات الجيوبولتيك وعلى هذا الأساس نطرح الإشكالية التالية :

  • كيف تأثر نظريات الجيوبولتيك على العلاقات الدولية ؟

الفرضية :

إن الصراع الدولي على النفوذ والتأثير في العلاقات الدولية ودفاع الدول عن مصالحها ومحاولة فرض الدول هيمنتها على دول أخرى يتأثر بشكل مباشر بنظريات الجيوبولتيك المتغيرة .

الفصل الأول : نظرية القوة البرية

المبحث الأول : نظرية المجال الحيوي

  • فريدريك راتزل و إسهاماته في الجغرافيا السياسية

    هو عالم ألماني ولد سنة 1844 و هو صاحب كتاب الجغرافيا السياسية و يعتبر المؤسس الأول لعلم الجغرافيا الحديثة درس راتزل في هيدلبيرج 1866علم الحيوان و الجيولوجيا و التشريح و توفي عام 1904.[1]

    و يطلق عليه أبو الجغرافيا السياسية و هو ممن استفاد من أفكار داروين الثورية و تأثر بمفاهيم أستاذه رينر عن الحضارة العضوية و استطاع أن يطور نظرية ” الاختيار الطبيعي” و طبقها على الدول و أوضح أن الوحدات السياسية  ” الدول ” كائنات حية و كأي كائن حي في الطبيعة يعيش في صراع دائم للحصول على مساحات أكبر لتكفل له البقاء و الحياة عندما يكبر حجمها .

    و قد تأثر راتزل تأثيرا واضحا في اتجاهات و تطور الجغرافيا السياسية في معظم الدول على مستوى الدراسات الجامعية ، و رغم ذلك ظلت إسهاماته محل نقاش و جدل و ثمة كثيرون ممن يعتبرونه من أهم المساهمين في الجغرافيا السياسية حيث يعتبر كتابه “الجغرافيا السياسية ” امتداد لكتابه الجغرافيا الانثروبولوجية 1882″ فالنقطة الرئيسية في نظريته المتعلقة بالجغرافيا السياسية هي أن الدولة نوع محدد من التجميع المساحي على سطح الأرض و هي ” كائن متصل بالأرض ” فهو اعتبرها كائن مساحي يسعى للوصول إلى الحدود الطبيعية و إذا لم توجد منافسة فعالة من الدول المجاورة فالدولة تسعى لتخطي تلك الحدود و اعتقد أن التوسع الجغرافي و السياسي له جميع الخصائص المميزة للجسم الحي المتحرك و الذي يتمدد و ينكمش تقدما و تراجعا و أن أساس هذه الحركة هو الحصول على مساحة اكبر بالنظر إلى الحجم الأساسي للدولة و هو يعد أول عالم أوجد ثلاث عوامل اعتقد أنها تحكم نمط الدولة و نموها :

  • أولا : أن الدولة تأخذ طابع الأرضية أي امتلاك الدولة قطعة أرضية محددة و على أساس أنها كائن حي فهي تنظر إليه من منطلق موقعة الطبيعي
  • ثانيا : أن الدولة عبارة عن مجموعة أفراد يشعرون بعدم الانفصال عن مساحة ما من الأرض و التي تشكل موطنا لهم
  • ثالثا: أن الدولة تتطور بشكل مستمر داخل حدود ما أو يطلق عليه ” الإطار الطبيعي ” حيث تبدأ من وحدة صغيرة حيث تتمدد مع زيادة قوة الدولة لتتعدى تلك الحدود و هذا ما أطلق عليه فيما بعد ” الحدود الطبيعية “.[2]

  • قوانين النمو المساحي للدولة :

     أوضح راتزل سبعة أسس لكي تنمو الدولة بصورة سلمية في ورقة بحثية نشرت عام 1896 أي عام قبل نشر كتابه الشهير الجغرافيا السياسية و هي :

  • تنمو مساحة الدولة بنمو حضارتها و ثقافة سكانها : تنمو مع نمو نفوذها الحضاري من خلال انتشار ديانتها أو لغتها فالترابط النفسي أو العقائدي بين الوحدات الجغرافية من الممكن أن يكتمل بترابط سياسي ومن ثم فإن المناطق المتاخمة لحدود دولة يتحدث سكانها بلغتها ويدينون بدينها من السهل أن يمثلوا امتداد جغرافيا سهلا في المستقبل للدولة الجارة وذلك إذا ما رغبت في التوسع بطرق عسكرية أو دبلوماسية .
  • نمو الدولة يكون لاحقا لنمو السكان : فزيادة عدد السكان تعني زيادة الضغط على الموارد و محاولة إيجاد مخرج عن طريق الهجرة إلى المناطق المجاورة أو السفر لرحلات تجارية ، و هو ما يخلق نوعا من الألفة بين سكان الإقليمين فتزداد أواخر هذه العلاقة و التفاهم عن طريق التجارة أو بوجود وسائل اتصال طبيعية تسهل التقارب مثل : الانهيار ، البحيرات ، البحار ، أو عدم وجود عوائق طبيعية تفضل سكان الإقليمين .
  • تتسع الدولة عن طريق ضم وحدات اصغر أو دمجها : تزداد هيمنة الدولة ذات القوة الكبيرة تأثيرها على ما يجاورها من وحدات اصغر و من ثم تظهر صورة واضحة للتبعية من الوحدات الصغيرة لهذه القوة و تظهر رغبة شديدة من سكان هذه الوحدات الصغيرة للدخول مع الدولة الكبرى المجاورة في شكل تكتلات اقتصادية .أو عسكرية.أو عسكرية .
  • الحدود هي الإطار الخارجي للدولة و تتسع بنمو الدولة : فالدولة كلما كبر عدد السكان فيها كلما كانت لها حدود لا تتوافق مع حجمها و من ثم فإن الحدود أو الإطار الخارجي للدولة يتغير بتغيير الحجم
  • دولة في نموها تسعى دائما لضم المناطق ذات القيمة : فهي تسعى للتوسع و النمو باحتلال المناطق ذات القيمة الاقتصادية أو الموقع الاستراتيجي : السهول ، الأودية ، الأنهار ، الممرات البحرية …..الخ .
  • إن التوسع الأرضي للدولة البدائية يأتي بمثيرات من الخارج : فأفكار النمو و الوحدات تتنقل من الدولة الكبرى إلى الوحدات السياسية الصغيرة ذات الجذور الثورية ، و أن التي تبرز فيها شخصية قيادية فتبدأ هذه الوحدة في قيادة الوحدات المجاورة و ضمنها و بداية التوسع و ازدياد النفوذ المساحي
  • تنتشر عدوى الضم و اتساع المساحة بصورة سريعة بين الدول فعملية التوسع مستمرة و هي تقود لتوسع أخر في إطار التصارع بين الدول لإثبات الذات و قد عدل راتزل من هذا القانون فقال أن الأرض لا تتسع إلا لدولة كبيرة واحدة ، مشيرا إلى استغلال المساحات الكبيرة ستكون أهم ظاهرة في القرن 20 ، على أن تتحكم الدول كبيرة المساحة في تاريخ العالم في القرن 20 و كان يقصد روسيا في اوراسيا و الولايات المتحدة الأمريكية في أمريكا الشمالية[3]

  • هاوسهوفر:

    جغرافي ألماني ولد عام 1869 نال درجة الدكتوراه عن جغرافية اليابان عام 1911 خدم في الحرب العالمية الأولى في الجيش الألماني و ارتقى فيه حتى نال رتبة لواء وعين عام 1815 مدرسا للجغرافيا و التاريخ بمعهد ميونخ ثم أسس معهد الجيوبوليتيكا بميونخ و بعد وصول هتلر للحكم عين هاوسهوفر رئيس للمدرسة الألمانية و لقد أمن بأن الحياة للدولة الكبيرة أما الدولة الصغيرة فمصيرها الزوال و كان يعتقد أن العالم مصيره لثلاث حكومات : الولايات المتحدة في الغرب و اليابان في الشرق و ألمانيا في أوربا و إفريقيا كما أمن أيضا بفكرة الدولة كائن حي و أعتقد أن الدولة يجب أن تتبع سياسة الاكتفاء الذاتي .[4]

    و قد رأى أن الدولة هي التي يتوفر لها عدد أكبر من السكان و محطات مواليد مرتفعة و وجود ملائمة تامة بين السكان و تربة الوطن و توازن بين سكان الحضر و سكان الريف و قد نظر لحدود الدولة كالعضو للكائن الحي قابل للتغير و النمو و الاضمحلال ،أما من الناحية العسكرية فقد رأى أن القوة العسكرية تعتمد على ثلاث أركان : الجيش الأسطول و الطيران . و نجد أيضا من أرائه أن الدول الصغيرة لا تصلح للدفاع بل للهجوم لتنقل المعركة إلى داخل أرض الخصم أما البلدان الواسعة كروسيا تستطيع الدفاع بعمق و اعتقد أن الدول الموجودة في قلب الأرض يجب أن تتكتل و أن تشرف دولة قوية واحدة على الجزء من العالم و في اعتقاده أن ألمانيا هي الدولة المقصودة و لكنه لم يكن راغبا في التحرش بروسيا و كان يفضل أن يكون هناك حلف بين ألمانيا [5]

المبحث الثاني : نظرية قلب العالم

  • ماكيندر :

    ولد ماكيندر في سكوتلندا عام 1861 و أصبح أستاذ للجغرافيا في جامعة لندن و مديرا بكلية الاقتصاد و عضو بالبرلمان البريطاني و يعد ماكيندر أشهر الجغرافيين فهو صاحب أفضل نظرية إستراتيجية عالمية و قد قدم ماكيندر منظورا سياسيا عن أهمية التوزيعات الجغرافية للأراضي و المسطحات المائية على سطح الأرض بأسلوب منظم و توفي عام  1947[6]

  • نظرية قلب العالم :

    لقد لاحظ ماكيندر أن ثلاث أرباع مساحة الكرة الأرضية مغطاة بالمياه في حين أن مساحة اليابسة لا تتجاوز ربع إجمالي مساحة العالم و لاحظ اتصال البحار يبعضها البعض فأطلق عليها المحيط العالمي كما أطلق على اليابس القديم اسم الجزيرة العالمية التي تشغل واحد على ستة عشر من مساحة العالم و اعتبر أن أمريكا الش و الج  و استراليا و بريطانيا و اليابان بمثابة جزر تحيط باليابسة و تغطي نحو واحد من  اثنا عشر من مساحة العالم و تتكون الجزيرة العالمية من إفريقيا ، آسيا ، أوربا يتوسطها البحر المتوسط و قد أشار أن 90% من سكان العالم يقطنون هذه الجزيرة أما الجزر المحيطة بها فيسكنها باقي سكان العالم

    و قد طرح ماكيندر سؤال على نفسه : ” ما هي الإمبراطورية التي غزت العالم و لم تستطع أي إمبراطورية من غزوها ؟ “ووجد أن هذه الإمبراطورية هي الإمبراطورية المغولية والتي كانت مستقرة في منطقة الاستبس القاري ولذلك أطلق ماكيندر على المنطقة الوسطى من الجزيرة اسم منطقة الارتكاز سنة 1919وعدلها فيما بعد إلى منطقة القلب سنة 1919 والممتدة  من نهر الفولجا غربا إلى سيبيريا الشرقية شرقا ومن المحيط المتجمد والشمالي إلى هضاب إيران وأفغانستان في الجنوب ويقع غالبية منطقة القلب في روسيا (الاتحاد السوفياتي ) ،وقد عدل ماكيندر منطقة قلب العالم أيضا سنة 1943 بحيث اخرج منطقة سيبيريا الشرقية وادخل أوروبا الشرقية إلى منطقة القلب

    وقد تميزت منطقة القلب هته بأنها محاطة بثلاث بالجبال ويحدها المحيط المتجمد في الجهة الرابعة مما يجعل منها حصنا طبيعيا من الصعب الوصول إليه وان المنطقة يمكن اختراقها فقط من الجهة الجنوبية الغربية عن طريق أوربا الشرقية [7]

    كما أشار سنة 1943 إلى منطقة ارتكاز أخرى وسماها منطقة القلب الجنوبي وتضم إفريقيا جنوب الصحراء.

    وقد أطلق على الأراضي التي تحيط بالقلب باسم الهلال الداخلي التي تتخذ شكل قوس ويتألف من سواحل أوروبا الغربية وصحراء شبه الجزيرة العربية والأقاليم الموسمية في آسيا كالهند وجنوب شرق آسيا والجزء الأكبر من الصين ويمتاز هذا الهلال الداخلي بأن فيه جزء بحري وجزء بري.

    أما الحلقة الخارجية أطلق عليها اسم الهلال الخارجي وتتكون من أمريكا الشمالية وأمريكا اللاتينية وإفريقيا جنوب الصحراء وأستراليا واليابان وبريطانيا .

ولخص ماكيندر نظريته :

  • من يتحكم في شرق أوروبا يتحكم في قلب العالم
  • من يتحكم في قلب العالم يتحكم في الجزيرة العالمية
  • من يتحكم في الجزيرة العالمية يتحكم في العالم

    وبذلك نرى آراء ماكيندر قد أثرت في كثير من الخطط فمثلا كل الأحلاف ابتداءا من حلف الأطلسي إلى حلف جنوب شرق آسيا ماهي إلا محاولات لتطويق منطقة القلب والسيطرة على الهلال الداخلي.[8]

المبحث الثالث: نقد نظرية القوة البرية 

  • نقد راتزل

    لقد كان الجغرافيون الفرنسيون أمثال جون برنهس و ألبرت ديمانجيون وفيدال دي لابلاش على خلاف مع الألمان فهم يرون أن الدولة ليست وحدة سياسية كالكائن الحي وإنما هي وحدة ثقافية وقومية يوجهها الشعور الجماعي لسكانها كما يرون آن البيئة لا تتحكم في النشاط البشري كما يعتقد أنصار الحتم البيئي ولكنها تهيء للإنسان بعض الفرص وعليه أن يستفيد منها أو من بعضها كما رفضوا فكرة أن الدولة الصغيرة لا يمكنها الصمود والاستمرار .[9]

    أما ماكيندر فقد انتقد على انه اغفل التطورات التقنية في تكنولوجيات الاتصال والنقل والأسلحة العسكرية فحصانة المحيط المتجمد الشمالي لم تعد قائمة باكتشاف كاسحات الجليد والغواصات المتحركة تحته والأسلحة المتطورة والأسلحة النووية كما أن التطور العقائدي قد يغير كثيرا من أبعاد الصورة التي رسمها ماكيندر فنجد أن مينينيغ قد رأى أن ماكيندر لم يوفق حين حدد منطقة القلب والهلالين طبقا لمعيار الموقع بالنسبة للماء واليابس وكان أجدر له تحديديها على أساس المعيار الحضاري الأكثر ثباتا.

    كما أن ماكيندر قد أهمل دور الموارد السكانية إذ انه اختار منطقة الهارتلاند (قلب العالم) من منطقة اقل كثافة سكانية من المناطق الحيطة بها.

    كما لم يولي أيضا ماكيندر للولايات المتحدة الأمريكية أهمية إلا بعد انتقده سبيكمان حيث جاء بمفهوم جديد هو الريملاند (النطاق الهامشي) لتحديد المحيط البحري لقلب جزيرة العالم بحيث نجد أن نظرية سبيكمان المسماة بالنطاق الهامشي جاءت كانتقاد لنظرية ماكيندر بحيث أولت اهتماما لمنطقة الهلال الداخلي أكثر من القلب وهذا ما سنراه في الفصل الثاني. [10]

الفصل الثاني : نظرية القوة البحرية                                                                
المبحث الأول : أفكار ماهان في الإستراتيجية ( الموقع البحري )

   يمكن القول بأنه لم يكتب احد في توضيح الأهمية الإستراتيجية للموقع البحري من وجهة النظر الجغرافية في الحرب العالمية مثل الفريد ثايدر ماهان (1840-1914) الذي شارك في ارشاد و توجيه السياسة البحرية  الأمريكية حيث أن كتاباته أثرت في النهج الفكري البحري في كل من فرنسا و روسيا و اليابان و غيرها من الدول البحرية.

    و من خلال علاقاته المباشرة و بمساهمة أصدقائه السياسيين مثل ثيودور روزفلت و هنري كابوت لعب ماهان دورا رئيسيا في إقناع الولايات المتحدة الأمريكية بتوجيه اهتماماتها نحو خلال السنوات الأولى من القرن 20.

    و أفكاره لا يمكن رصدها في كتاب أو مقال واحد و إنما يمكن الحصول عليها و تجميعها من كتاباته المتعددة و أكبر إسهاماته العلمية ثلاثيته الشهيرة :

  • أثر القوة البحرية على التاريخ
  • اثر القوة البحرية على الثورة و الإمبراطورية الفرنسية
  • حياة نيلسون

    و المحور الأساسي لهذه المؤلفات هو إبراز الشرط الوحيد و الأساسي للقوة العالمية و الذي هو التحكم في البحر ، فقد كان مقتنعا بأن القوة البحرية في المحيطات لها اليد العليا في ترجيح الصراع في أي مشكلة عالمية و قد وضع أربع مفاهيم أساسية حول دور القوة البحرية في العالم و هي :

1- أن البحار و المحيطات تمثل نظاما للربط و الإتصال بين أرجاء العالم

2- تمثل الامبراطورية الروسية صورة للدولة الحبيسة القارية

3- يحيط الإمبراطورية الروسية عدد من الدول البحرية الأوربية و الأسيوية

4- هناك ثلاث دول جزرية قوية تقع خارج الكتلة الأوراسية  و هي بريطانيا و اليابان و الولايات المتحدة الأمريكية

    و يرى أيضا أن البحر هو الطريق العظيم بين الدول فهو متسع و مشترك بحيث يسمح للإنسان بالتنقل في جميع الاتجاهات .

    و قد أعطى الموقع البحري المميز ميزة اقتصادية و سياسية  بعيدة المدى في عالم تسوده التجارة الخارجية في حين أن الموقع الحبيس يشكل عيبا نسبيا [11]

  • محددات القوة البحرية :

من خلال تحليل القوة البحرية البريطانية و من دراسة التاريخ البحري للعالم تمكن ماهان من تقديم ستة     عوامل تحدد القوة البحرية للدولة :

  • الموقع الجغرافي للدولة

هناك عدة مفاهيم هامة تحدد القوة البحرية مرتبطة بالموقع و هي

  • واجهة أو أكثر على احد البحار المفتوحة و يزيد القوة إذا كان يوفر للدولة تحكم في طرق التجارة
  • مدى الحدود الأرضية ، بحيث اعتبر الموقع الذي يملك حدود أرضية واسعة اعتبره أقل أهمية في حين أن الموقع الجزري الذي يعتبر ذا قيمة عالية
  • الشكل الطبيعي للدولة

    يقصد به شكل الخطوط الساحلية للدولة فالسواحل تشكل نقطة قوة للدولة فهي تبقيها على اتصال بالعالم الخارجي و لكن إذا كانت السواحل طويلة لكن الدولة لا تملك موانئ فهذا يجعلها تفتقر الى التجارة الخارجية

  • الامتداد المساحي للدولة

قصد بهذا طول الشريط الساحلي للدولة و قدرته الدفاعية ضد الغزو فقد اعتبر الدفاع من أهم العوامل

  • حجم السكان

    يعد حجم السكان من أحد العوامل الهامة المحددة لقوة الدولة البحرية حيث الدولة ذات الحجم السكاني الكبير تستطيع بناء طاقم الأسطول و توفيره.[12]

                                                                                                                                                                                                                                                               

المبحث الثاني: نظرية النطاق الهامشي (سبيكمان )

    سبيكمان هو استراتيجي هولندي امريكي و المعروف بلقب أبو علم الاحتواء وهو عالم سياسي ويعتبر أحد مؤسسي الواقعية الكلاسيكية في الخارجية الأمريكية يهتم بالفكر السياسي لأوربا  الشرقية وهو أستاذ للعلاقات الدولية ويقوم بتدريسها في معهد الدراسات الدولية في جامعة ييل وقد ولد نيكولاس سبيكمان في مدينة أمستردام في 13اكنوبر 1897وكان متزوجا من روائية أطفال توفي يوم 26جويلية 1943في مدينة نيوهيفن بسبب مرض السرطان عن عمر يناهز 49 سنة .[13]

    وعلى خلاف ماكيندر فقد أعطى سبيكمان كل الأهمية في نظريته للهلال الداخلي أو ما اسماه بالنطاق الهامشي وليس لقلب العالم كما اهتم بالهلال الداخلي وأعطاها أهمية اكبر من قلب العالم ويرجع ذلك إلى أن هذا النطاق يضم عددا ضخما من سكان العالم وانه يمتاز بموارده الاقتصادية والطبيعية المتنوعة علاوة على توفره على طرق بحرية داخلية.

ولذلك وضع سبيكمان نظريته القائلة:

-أن من يسيطر على النطاق الهامشي يتحكم في قارة اوراسيا

-ومن يتحكم في اوراسيا يتحكم في مصير العالم

    وتبعا لرأي سبيكمان تقع الجزر والقارات خلف البحار الهامشية مثل بريطانيا اليابان إفريقيا أستراليا والعالم الجديد وأطلق سبيكمان على هذه المناطق اسم القوى الخارجية بحيث رأى سبيكمان أن الصراع بين القوى العظمى سوف تكون على السيطرة على أراضي الرملاند [14]

المبحث الثالث : نقد النظرية البحرية

  • نقد ماهان :

    انتقدت نظرية ماهان التي تقوم على نشر القواعد العسكرية خارج الحدود الإقليمية للولايات المتحدة الأمريكية فنجد أوين لاتيوور في مقال له بعنوان the inland crossrods of Asia  كلما بعدت القواعد العسكرية عن الوطن كلما أصبحت خطر كحاجز يحول دون نمو هيبة الدولة

    ويقول بان القواعد المقامة في بلاد أجنبية عرضة للإخلاء من قبل الدول التي توجد في أراضيها لأنها تتنافى وسيادتها أو أنها تخشى تهديدا من قبل دولة كبرى أخرى

    كما انه أهمل دور القوة الجوية والبرية فبدون هاتين القوتين تكون القوة البحرية ضعيفة وخاصة من تطور الحاصل في مجال الطيران والأسلحة النووية [15]

  • نقد سبيكمان :

    لقد تعرض سبيكمان هو الأخر إلى النقد وذلك من خلال عدم وجود دولة في النطاق الهامشي تستطيع تنظيمه كله نظرا لتعرضه للضغط الشديد من جانب كل من قوى البر قوى البحر كما أن منطقة الإطار لايمكن أن تكون دولة واحدة بالإضافة إلى أن هذه المنطقة هي منطقة سلام في حالة السلم بين قوى الحر والبر والى منطقة صراع أو اصطدام بين القوتين [16]

الفصل الثالث :  نظرية القوة الجوية   

المبحث الأول : نظرية  سفرسكي

     يعد احد رجال القوة الجوية الروسية و قد اقترن مفهوم القوة الجوية باسمه رغم وجود الكثيرين ممن سبقوه في الكتابة عن أهمية هذه القوة من الناحية الجيوبوليتيكية  ممن تأثر بهم و يعود الفضل له في تقويم القوة الجوية في كتابه  القوة الجوية مفتاح البقاء 1950 و قد رسم سفرسكي خريطة العالم على أساس المسقط القطبي للمسافات و الانحرافات الصحيحة  وتبعا لمقياس رسم هذه الخريطة يقع النصف الغربي للعالم في جنوب  القطب بينما يقع النصف الشرقي في أوراسيا و إفريقيا في إفريقيا في شمال نقطة القطب  و تعتبر أمريكا اللاتينية مستودعا لتموين الولايات المتحدة الامريكية  بالمواد الغذائية و الخامات ، واعتبر سفرسكي أن المناطق التي يتداخل فيها نفوذ السيادة الجوية لكل من الولايات المتحدة الأمريكية و الإتحاد السوفياتي سابقا هي التي ستحدد مصير السيطرة على العالم [17]

و يكمن التعبير على هذا الرأي على النحو التالي :

  • من يملك السيادة الجوية يسيطر على مناطق النفوذ السابقة ( منطقة تحديد مصير العالم )
  • ومن يكون بيده مصير مناطق التداخل السابقة يكون بيده مصير العالم

فقد اهتمت نظريته بالطائرات و أهميتها كسلاح لحسم الحرب و أعطى القوات الجوية أهمية اكبر من أي قوة من القوات الأخرى.

المبحث الثاني: نقد نظرية القوة الجوية

    يعيب على نظرية القوة الجوية أنها نظرية للإستراتيجية العالمية في ضوء حرب شاملة و عالم منقسم إلى كتلتين فقط تتزعم العالم ( الولايات المتحدة الأمريكية ، و الإتحاد السوفياتي ) و الرعب النووي عمل على استبعاد احتمال حرب عالمية ثالثة فإن الدور القوات الجوية يصبح مقصورا على تدعيم القوة البرية و البحرية لذلك فإن الهدف لا يمكن تحقيقه من خلال إستراتيجية سفرسكي لأن اللجوء إلى الحرب النووية الشاملة معناه تدمير العالم و المدنية و الحضارة و انقطاع السيادة و النفوذ 

كما يعيب على هذه النظرية أن سفرسكي جعل منطقة قلب العالم في المحيط المتجمد مما يجعل هذه المنطقة غير مهمة بالنظر إلى منطقة القلب عند ماكيندر وسبيكمان [18]

الخاتمة :

    نستنتج في الأخير ومن خلا ل ما سبق أن نظريات الجيوبولتيك ستحرك العالم اليوم وغدا أو ستحول حركته العفوية لحركة مقننة خاضعة لها ومنسجمة معها لان الممارسة التطبيقية لها على الأرض تبقى هي الأصدق وان الصراع الحاصل في العالم من اجل بسط الهيمنة والنفوذ قد تأثر بشكل كبير بنظريات الجيوبولتيك المتغيرة .

قائمة المراجع :

أولا: المراجع باللغة العربية

  • الكتب :
  • رياض ، محمد . الأصول العامة في الجغرافيا السياسية و الجيوبولتيكا . القاهرة : مؤسسة هنداوي للتعليم و الثقافة ، 2014 .
  • سلطان ، جاسم . جيوبوليتيك .ط .1 . بيروت : دار التمكين للأبحاث و النشر ،2013.
  • السمرائي أحمد ، محمد . موسوعة المصطلحات العلمية في الجغرافيا السياسية و الجيوبوليتيك . ط .1 .بغداد : الذاكرة للنشر و التوزيع ، 2012.
  • حسين ، خليل . الجغرافيا الإقتصادية و السياسية و السكانية والجيوبوليتيكا . ط . 1 . بيروت : منشورات الحلبي الحقوقية ، 2013.
  • المحاضرات :
  • مصباح ، عامر . ” محاضرات في مقياس الجيوبوليتيك ” 2014 ،2015.

[1] عامر مصباح ، ” محاضرات في مقياس الجيوبوليتيك ، السنة الدراسية : 2014/2015 ).

 خليل حسين ، الجغرافيا الإقتصادية و السياسية و السكانية و الجيوبوليتيكا ، ط. 1 . ( بيروت : منشورات الحلبي الحقوقية ، 2013 )،ص234.[2]

[3] – نفس المرجع السابق ، ص- ص. 336-240.

[4] محمد أحمد السمرائي ، موسوعة المصطلحات العلمية في الجغرافيا السياسية و الجيوبوليتيك ، ط . 1 .( بغداد : الذاكرة للنشر و التوزيع ، 2012 )، ص . 86.

[5]  محمد رياض ، الأصول العامة في الجغرافيا السياسية و الجيوبوليتيكا (القاهرة : مؤسسة هنداوي للتعليم و الثقافة ،2014)، ص. 71.

[6] محمد أحمد السمرائي ، مرجع سبق ذكره ، ص.116.

[7] سلطان جاسم ، جيوبوليتيك ، ط . 1. ( بيروت : دار تمكين للأبحاث و النشر ، 2013 ) ص . 63.

[8] محمد رياض ، مرجع سبق ذكره ، ص. 86.

[9]  محمد أحمد السمرائي ، مرجع سبق ذكره ،ص. 73.

[10]  نفس المرجع السابق ، ص . 179.

[11] خليل حسين ، مرجع سبق ذكره ، ص.270.

[12]  نفس المرجع السابق ، ص272.

 عامر مصباح ،مرجع سبق ذكره . [13]

[14] سلطان جاسم ، مرجع سبق ذكره ، ص . 66.

[15] خليل حسين ، مرجع سبق ذكره ، ص. 275.

[16]  محمد أحمد السمرائي ، مرجع سبق ذكره ، ص. 189.

 خليل حسين ، مرجع سبق ذكره ، ص. 760.[17]

 احمد محمد السمرائي ، مرجع سبق ذكره ، ص . 233.[18]

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى