دراسات قانونية

النظريات المفسرة لنشأة القانون الدستوري

تعريف القانون الدستوري
إن دراسة العلم الدستوري تعود إلى النصف الأول من القرن التاسع عشر حيث كان الايطاليون أول من ادخل دراسته في معاهدهم ثم انتقل إلى فرنسا سنة 1834 .
و نجد أن هذا المصطلح مكون من كلمتين : أولا القانون و الذي هو مجموعة القواعد القانونية العامة و المجردة الآمرة و المكملة و الملزمة . فالقانون ليس مجرد تقنين للعلاقات الاجتماعية السائدة في الدولة و ضابط للسلوك الإنساني ، فهو في نفس الوقت وسيلة لتطوير هذه العلاقات باتجاه إيديولوجي معين ، فالقانون هو عمل سياسي يعبر عن مصالح الفئات الاجتماعية السائدة في الدولة . و يقسم الفقهاء القانون إلى قسمين خاص و هو ينظم العلاقات بين الأفراد كالقانون التجاري و المدني ، وهو الأقدم و القانون العام الذي ينظم العلاقات بين الدولة و الأفراد سواء كانوا مواطنين أو أجانب كالقانون الدستوري و الإداري و الدولي ، وهو الأحدث . نظرا لان القانون العام يفترض وجود دولة دستورية ، وبالتالي لا يمكن أن يتطور في دولة استبدادية .

أما كلمة دستور في اللغة الفرنسية تعني التأسيس أو التكوين établissement أو institution ، ونجد أن كلمة دستور ليست كلمة عربية الأصل فهي كلمة فارسية تعني الدفتر أو السجل الذي تجمع فيه قوانين الملك و ضوابطه، و بذلك فإن الكلمة تستخدم للدلالة على القواعد الأساسية التي يقوم عليها تنظيم من التنظيمات ابتداء من الأسرة و الجمعية و النقابة و انتهاء بالدستور العام للدولة .
يمكن لنا أن نقول أن القانون الدستوري هو أكثر فروع القانون العام حداثة لأنه أكثر تعبيرا عن مفاهيم الديمقراطية و الحرية و المساواة من غيره من القوانين ، ولذلك فإن عمر القانون الدستوري لا يتجاوز مائتي سنة و هو يعود إلى الثورتين الأمريكية و الفرنسية .
و بالتالي يمكننا أن نعرف القانون الدستوري بأنه ذلك الفرع من القانون الذي يحدد القواعد القانونية المتعلقة ببنية الدولة و طريقة ممارسة السلطة السياسية . و بالتالي فهو يشمل كل ما يتصل بالدولة في أساسها و تكوينها و شكلها ، فكل ما يتعلق بوجود الدولة و مقوماتها و عناصر تكوينها و طرق ممارسة السلطة فيها يندرج تحت مفهوم القانون الدستوري .
الفرق بين القانون الدستوري و علم السياسة
هما علمان متكاملان و إن اختلفا في موضوعهما ، موضوع علم السياسة هو دراسة الظواهر السياسية مستقلة عن القواعد القانونية المنظمة لها ، ففي الانتخابات مثلا يهتم القانون الدستوري بدراسة مختلف جوانب التشريع الانتخابي ، بينما يهدف علم السياسة إلى معرفة العوامل المؤثرة في سلوك الناخبين . و يمكن لنا أن نعرف علم السياسة بأنه العلم الذي يدرس الظواهر السياسية المتعلقة بممارسة السلطة بهدف معرفتها و دون الحكم عليها من منطلق عقائدي . و هذا التكامل بين القانونين ناتج عن ضرورة علم السياسة من اجل دراسة النظم الدستورية و معرفة خصائصها .
المعيار الشكلي للقانون الدستوري
يقصد بالقانون الدستوري طبقا للمعيار الشكلي القواعد التي تتضمنها الوثيقة المعروفة باسم الدستور ، وبالتالي فأي وثيقة تخرج عن إطار الدستور تعتبر غير دستورية ، غير أن هذا المعيار منتقد في أن هناك بعض الدول كانجلترا لها دستور غير مكتوب أي عرفي ، إضافة إلى أن الدستور في بعض الأحيان يتضمن قواعد ليست ذات طبيعة دستورية . مثلا المادة 54 من الدستور الجزائري ” الرعاية الصحية حق للمواطنين….” .
المعيار الموضوعي للقانون الدستوري
يعتمد هذا المعيار على الموضوع أو المضمون بصرف النظر عن الشكل .و بناءا عليه يتضمن القانون الدستوري جميع القواعد التي لها طبيعة دستورية أيا كان مصدرها سواء تضمنتها الوثيقة الدستورية أو نظمت بقوانين عادية .
غاية القانون الدستوري
إن غاية القانون الدستوري هي تحقيق تعايش سلمي بين السلطة و الحرية ، فالسلطة هي ظاهرة اجتماعية ضرورية لحفظ النظام الاجتماعي ، و الحرية هي حاجة دائمة و متجددة عند الإنسان بهدف الانعتاق من قيود الحكم . و نجد أن الحاجة إلى السلطة و الحرية هي من ثوابت كل تنظيم اجتماعي في أي زمان أو مكان . و مسألة التوفيق بين السلطة و الحرية هي نسبية ناتجة عن عدة عوامل كالتاريخية مثلا أي تطور العادات و الأفكار و العلوم و العامل الخلقي الفلسفي أي مجموعة القيم و المفاهيم السياسية . و كل نظام سياسي يدعي انه يعطي الحل الأمثل في التوفيق بين السلطة و الحرية حتى النظم الاستبدادية لا تستطيع نظريا تجاهل هذا الموضوع نظرا لما للحرية من قدسية في نفوس المواطنين . و نجد أن وسائل الحكم التي أوجدها القانون الدستوري ليست سوى محاولات لتحقيق المصالحة بين السلطة و الحرية ، تختلف باختلاف الإيديولوجيات القائمة
أصل نشأة الدولة
إن البحث عن أصل نشأة الدولة يعد من الأمور العسيرة ذلك أن الدولة ظاهرة اجتماعية يرجع أصلها إلى الحضارات القديمة و هي في تطورها تتفاعل مع الأوضاع السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية السائدة .
1 – النظريات الغير عقدية
أ- نظرية القوة و الغلبة :
إن الدولة حسب نظرية القوة هي نتاج القوة المادية فمصدر السلطة الأولى سواء في العائلة او القبيلة او المدينة كان التفوق بالقدرة و خاصة الجسدية و المادية . فالجماعات الأولية كانت تعيش في صراع مستمر مع بعضها ، وقد نتج عن هذا الصراع انتصار جماعة منهم على غيرها فأصبح هناك غالب يفرض إرادته على المغلوب ، ويمد سلطانه على إقليم معين فوجدت الدولة ، فالحرب حسب نظرية القوة هي التي تلد الدولة ، كما أن وظيفة الدولة الأولى هي الدفاع عن وجودها . ومن أهم مفكري هذه النظرية ابن خلدون في كتابه المقدمة و Walter bagehot و Jencks و oppenheimer … و من أولى نتائج هذه النظرية التأكيد على سيادة الدولة المطلقة التي لا يحدها أي قانون او معاهدة ، فللدولة مطلق الحرية في عقد المعاهدات و إلغائها و إعلان الحرب . و يقول فقهاء هذه النظرية أن الحرب هي التي تدفع بالعقل البشري تحت ضغط الحاجة الى الإبداع . قد تأكد صحة هذه النظرية في العديد من المرات حيث قامت العديد من الدول على أساس القوة المادية و الانتصار في الحروب .
ب- نظرية التطور التاريخي : يرى دعاة هذه النظرية ان الشكل الأول للاجتماع كان العائلة التي تطورت الى قبيلة فعشيرة فمدينة فإمارة و أخيرا إمبراطورية . فمع التطور التاريخي اكتشف الإنسان أولا الحاجة الى الاستقرار الاجتماعي فكانت العائلة ، ثم تبين له أهمية توسيع هذا الكيان الاجتماعي نظرا لما يوفر ذلك من إمكانيات ، فبالعيش المشترك بين مجموعة من الأفراد يربطهم ولاء تتحقق القدرة على تأمين الحاجات الأساسية و خاصة مواجهة أعدائهم الخارجيين .
ج- النظرية الماركسية : يرى ماركس ان ظهور الدولة او السلطة السياسية بمعناها الواسع ارتبط باكتشاف الانسان للآلة الزراعية البدائية أي لأدوات الإنتاج ، فقبلها كان الناس يعيشون على ما يلتقطونه من ثمار و أعشاب و ما يصطادونه فلا وجود للملكية الخاصة ، اما بعد اكتشاف الآلة الزراعية نتج عنه ظهور مفهوم الغلة التي هي قابلة للتخزين و التملك ، من هنا بدا الصراع بين الأفراد حول ملكية أدوات الإنتاج و ملكية الغلة الزراعية ، وكانت الغلبة للأقوى ليست فقط بالمعنى المادي بل وأيضا بالمعنى الفكري . و يمكن ان نقول ان النظرية الماركسية تقترب من نظرية القوة من حيث ان الدولة هي أداة إكراه و ان استمرارها متوقف على تملكها لقوة عسكرية كافية للدفاع عن نفسها .
2- النظريات العقدية ( نظرية العقد الاجتماعي )
تنطلق هذه النظرية على أساس ان الدولة ظاهرة إرادية قامت نتيجة اتفاق حر و اختياري بين مجموعة من الناس فضلوا الانتقال من حالة الطبيعة إلى حالة المجتمع المدني و السياسية مع ما نتج عن ذلك من قيام سلطة سياسية و تنازل المواطنين عن كل او بعض حقوقهم الطبيعية . و نجد جذور هذه النظرية في الفكر الكنسي الوسيطي و في الفكر الإسلامي . و هناك ثلاث مفكرين اختلفوا في تقييم العقد الاجتماعي و هم :
أ- توماس هوبز Thomas Hobbes 1588-1679 . يرى هوبز ان الإنسان ليس اجتماعيا بطبعه بل هو أناني محب لنفسه لا يعمل الا بالقدر الذي تتحقق معه مصالحه الشخصية ، و كانت القوة هي السائدة في العلاقات بين الأفراد الا ان الإنسان أدرك وجوب الانتقال من حالة الفوضى الى حالة الاجتماع المدني ، فتولدت ضرورة التعاقد لدى الجميع على ان يعيشوا معا تحت رئاسة واحد يتنازلون له عن كافة حقوقهم الطبيعية و يكلون له أمر السهر على مصالحهم و أرواحهم ، ونجد ان هذا العقد لا يلزم إلا أطرافه و بالتالي فالملك لا يلتزم بشيء لأنه ليس كرفا في العقد .
ب- جون لوك john Locke 1632-1704 يقول لوك أن حياة الفطرة لم تكن فوضى و اضطراب بل كانت حياة سعادة في ظل قانون طبيعي مستوحى من العقل البشري و الإلهام الالهي ، لكنها مشوبة بمشاكل و اخطار و لذلك شعر الفرد بضرورة الدخول مع الآخرين في عقد يقم المجتمع لحماية حقوقه ، لذلك كان العقد الاجتماعي بين الشعب من جانب و الحاكم من جانب اخر و لم يتنازل فيه الأفراد عن كل حقوقهم بل فقط القدر اللازم لإقامة السلطة ، و بالتالي أصبحت سلطة الحاكم مقيدة و أن الشعب ملزم بواجب الطاعة تجاه الحاكم طالما انه يعمل في الحدود التي رسمها العقد فاذا جاوزها الى غيرها كان للشعب حق مقاومته بل و عزله من منصبه .
ج- جان جاك روسو jean jack Rousseau 1712-1778 لقد غالى روسو في وصف حالة الإنسان البدائية حيث اعتبرها مليئة بالسعادة و الخير و الحب و الانتقال الى حالة الاجتماع المدني كان بهدف الارتقاء و تجنب بعض العقبات التي اعترضت وجوده في سبيل المحافظ على حياته . الحل عند روسو هو في تنازل كل فرد عن حقوقه للمجتمع كله التي هي الإرادة العامة ، فالإرادة العامة هي صاحبة السيادة و هي عبارة عن مجموعة الأفراد و انطلاقا من ذلك يطرح روسو مفهومه للحكم الديمقراطي المباشر القائم على سيادة الشعب الممثل بالإرادة العامة . و لذلك رفض روسو وجود سلطات تشريعية و تنفيذية مستقلة عن سلطة الشعب ، فالشعب هو الذي يشرع و الحكومة هي مجرد جهاز تنفيذي ينفذ ارادة الشعب . و بالتالي فهنا تحدث عملية التعاقد بين الافراد فقط و لكن على اساس ان لديهم صفتين كأفراد طبيعيين ثم كأعضاء في الجماعة السياسية ، وان الأفراد تنازلوا عن كل حقوقهم دون تحفظ ، وان الأفراد يكتسبون حقوق جديدة كبديل عما تنازلوا عنه من حقوق .
3- نظريات اخرى
أ- نظرية الوحدة ل gelenick :
يقول هذا الفقيه بان التقاء او تطابق إرادتين يمكن ان يحدث نوعان من العلاقات القانونية : العقد و الفيريبارونغ vereinbarung ، فالعقد هو توافق إرادات تريد كل منها الحصول على مصالح او أشياء مختلفة ، و لذلك فالدولة لا يمكن ان تنشأ بواسطة عقد لان الإرادات لا تتجه الى موضوع واحد فضلا على ان العقد ينشا وضعية قانونية ذاتية و ليست موضوعية كالدولة التي لا تكون الا نتيجة للفيرينبارنغ الذي يقصد به النتيجة المحصل عليها بفعل مشاركة عدة ارادات مجتمعة من اجل تحقيق هدف واحد مشترك هو إنشاء الدولة .
ب- نظرية النظام القانوني للفقيه النمساوي kelsen : ينطلق هذا الفقيه من فكرة ان الدولة هي نظام هرمي مركزي ، كل قاعدة تستمد صحتها من القاعدة الاخرى الى ان تصل للدستور الذي يستمد هو الآخر صحته من دستور سبقه ، هذا الاخير هو افتراض فقط بأنه موجود .
ج- نظرية السلطة المؤسسة للفقيه burdeau : يرى بان الدولة لا وجود لها الا اذا انتقلت السلطة السياسية من الجهة المسيطرة عليها (اشخاص طبيعية) الى كيان مجرد (شخص معنوي) فتنفصل الدولة عن الحكام و تندمج في التنظيم المجرد الدائم الذي هو الدولة ، ومن هنا فلا وجود للدولة الا حين تتحول السلطة من فعلية الى قانونية ، وهذا لا يكون الا بعمل قانوني يغير طبيعة السلطة السياسية و ينشئ الدولة ، هذا العمل هو الدستور .
د- نظرية المؤسسة لموريس هوريو : ينطلق من ان الدولة جهاز اجتماعي مترابط تتشكل من افراد مسيرين من قبل حكومة و تهدف الى تحقيق نظام اجتماعي و سياسي و ان تشكيلها يتم على مرحلتين ، الأولى تقبل الأفراد لمشروع اقامة الدولة المعتمد على فكرة مجموعة مثقفة ، اما الثانية تتمثل في دعوة هؤلاء الأفراد للمساهمة في تحقيق المشروع لإقامة الدولة .
ه- البيعة في الإسلام : حاول البعض تشبيهها بالعقد غير انه هناك فرق في ان البيعة أسلوب واقعي لإقامة الدولة او تجديد و تغيير الحاكم ، والبيعة لا تتم الا على أساس ثنائية الطرفين و يعتبر الرضا ركنا جوهريا لصحتها ، والحاكم في الدولة الإسلامية يشترط فيه صفات خلقية و كذلك كونه بعد المبايعة و توليه الإمارة لا يتحصل على أي امتياز يجعله أحسن من غيره .
تعريف الدولة :
التعريف اللغوي :

الدولة في اللغة بتشديد الدال مع فتحها أو ضمها ، العاقبة في المال والحـرب ، وقـيل : بالضم في المال ، وبالفتح بالحـرب ، وقـيل : بالضم للآخـرة وبالفتح للدنيا ، وتجمع على دول بضم الدال وفتح الواو ، ودول بكسر الدال وفتح الواو ، والإدالة الغلبة ، أديل لنا على أعدائنا أي نصرنا عليهم ، وكانت الدولة لنا.
ومن هذا المعنى جاء مصطلح الدولة نتيجة لغلبتها ، وإلا لما كانت دولة ، وقد ورد لفظ الدولة في القرآن الكريم في قوله تعالى : كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ الآية.
– التعريف الاصطلاحي :
تعرف الدولة بأنها ، شعب مستقر على إقليم معين ، وخاضع لسلطة سياسية معينة ، وهذا التعريف يتفق عليـه أكثر الفقهاء لأنه يحـتوي العناصر الرئيسة التي لا بد لقيام أي دولة منها ، وهي الشعب ، والإقليم والسلطة وإن اختلفوا في صياغة التعريف ، ومرد هذا الاختلاف إلى أن كل فقيه يصدر في تعريفه عن فكرته القانونية للدولة.

البحث الثاني : السلطة السياسية و السيادة
أركان الدولة ( عناصر الدولة )

يوجد خلاف بين الدراسات والأبحاث على عناصر الدولة الأساسية فمعظمهم يركز على ثلاثة أركان أساسية لأي دولة وهي :
أولا : السكان ( الشعب ) :
إن وجود الشعب في الدولة يعد ركن أساسيا لا غنى عنه لقيام أية دولة ، والشعب هو ركن أساسي من أركان الدولة . فلا يعقل وجود دولة بدون شعب لان الشعب هو الذي أنشئ الدولة . ولا يشترط حد أدنى لهذا الشعب كشرط لقيام الدولة ، فهناك دول تضم مئات الملايين من السكان ودول أخرى لا يتجاوز تعدادها عن المليون فلا شرط لقيام الدولة وجود عدد معين من السكان ولكن يجب أن يكون هناك عدد كاف من الأشخاص من أجل تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم في إطارها الذي يتجاوز إطار العائلة أو القبيلة .
• سكان الدولة هم :
يقسم السكان في أي دولة إلى ثلاثة أقسام رئيسية وهم :
1- المواطنون : وهم أفراد أو الجماعة داخل الدولة التي لها جميع الحقوق والواجبات ويمنحون ولائهم التام للدولة .
2- المقيمون : وهم الأشخاص الذين يقيمون في الدولة لسبب من الأسباب ، دون أن تكون لهم جميع حقوق المواطنين وخاص التصويت .
3- الأجانب : وهم رعايا الدول الأخرى ، وتكون إقامتهم لفترة محددة تتجدد دوريا إن تطلب الأمر ذلك . فان أقاموا في غايات العمل عليهم الحصول على إذن خاص .
ثانيا : الأرض ( الإقليم ) :
إذا وجد الشعب فلا بد له من الاستقرار على إقليم ما ، يكون مستقرا للشعب ومصدرا رئيسا لثروة الدولة ، وإقليم الدولة هو ذلك الجـزء من الكرة الأرضية الذي تباشر الدولة عليه سلطانها ، ولا يمارس عليه سلطان غير سلطانها .
ويتكون إقليم الدولة من ثلاثة أجزاء ، جزء أرضي ، وهو الجزء اليابس الذي تعينه حدود الدولة ، ويستعمل سطح الأرض وما دونه من طبقات إلى ما لا نهاية ، وما فوق ذلك السطح من مرتفعات كالجبال والهضاب وجزء مائي ، ويشمل المياه الموجودة داخل حدود الدولة من أنهار وبحيرات ونصيب من البحار العامة الملاصقة لإقليم الدولة ، وتسمى المياه الإقليمية ، وجزء هوائي ويشمل طبقات الهواء فوق الإقليمين الأرضي والمائي حسب ما هو محدد في أحكام القانون الدولي العام ، وقد يكون إقليم الدولة متصلا بشكل واحد وهو الغالب ، أو منفصلا.
ثالثا : السلطة السياسية :
عرف ماكس فيبر(1864 ـ 1920م) السلطة بأنها : ((السلطة هي الفرصة المتاحة أمام الفرد أو الجماعة لتنفيذ مطالبهم في مجتمع ما في مواجهة من يقفون حائلاً أمام تحقيقها)) او هي ((المقدرة على فرض إرادة فردٍ ما على سلوك الآخرين)) .
أما بالنسبة للسلطة السياسية في حد ذاتها فقد وردت لها تعريفات مختلفة ، ويمكن من خلال النظر في جوانبها وعناصرها المشتركة الوصول إلى أنها جميعا ترمي إلى بيان مقصود واحد وان اختلفت العبارات المستخدمة في هذا المعنى، أو ركز كل واحد منها على نقاط معينة:
1ـ من وجهة نظر جون لوك:
السلطة السياسية هي عبارة عن الحق في سن القوانين وعقوبات الإعدام وسائر العقوبات الأخرى بهدف تنظيم وحفظ الأموال وتسخير القوة الاجتماعية لتنفيذ هذه الغاية ولصد الاعتداءات الأجنبية .
2ـ رأي جان وليم لابير:
السلطة السياسية نوع من السلطة الاجتماعية المختلفة عما يُسمى بالمجتمعات المدنية .
3ـ رأي احد الكتاب المعاصرين:
متى ما امتد نطاق ممارسة القوة إلى خارج الإطار الفردي والخاص، وشمل فئة، أو شمل شعبا بأكمله، وكان مشفوعاً بحق استخدام الضغط والقوة، فهذا هو ما يُسمى بالسلطة السياسية، وهي حق للشخص الحاكم على المجتمع .
ويبدو أن من الممكن الجمع بين التعاريف المذكورة أعلاه، والقول:
إن السلطة السياسية هي عبارة عن نوع من الاقتدار المجعول لجهة عليا، ويتسع نطاقها إلى ما هو ابعد من الفصائل والمجموعات الخاصة والصغيرة وتلقي بظلالها على المجتمع برمته، ومن جملة التأثيرات الناجمة عنها، حق وضع القوانين والمقررات الاجتماعية، وتطبيق القانون ومعاقبة من لا يخضع للقانون، بهدف حماية الحقوق ودرء الاعتداءات الخارجية. وعلى المجتمع كله إطاعة مثل هذه السلطة .
• التميز بين صاحب السلطة وبين من يمارسها :
في القديم كانت هناك فترة سادت فيها ما سميت بشخصية السلطة وهذه الفترة جاءت نتيجة ترابط السلطة السياسية بفكرة الحاكم . إلا انه ومع تقدم الجماعات بدأت هذه الفكرة ( الارتباط بين السلطة السياسية والحاكم ) بالانهيار ، وبدأت ظهور فكرة جديدة وهي فكرة السلطة المجردة عن شخصية الحاكم ونتج عن هذه الفكرة الفصل بين السلطة والممارس وهو الحاكم.
• مميزات السلطة :
تمتاز السلطة السياسية في أي دولة بأنها أصلية أي أنها لا تنبع من سلطات أخرى ، وإنما السلطات الأخرى هي التي تنبع منها ، وإن السلطة السياسية داخل الدولة تمتاز أيضا بأنها سلطة ذات اختصاص عام أي أنها تشمل جميع جوانب الحياة داخل الدولة ، بعكس السلطات الأخرى ، التي تهتم بتنظيم جانب معين من حياة الأشخاص . وتمتاز السلطة أيضا أنها تميز الدولة عن الأمة فالدولة يجب لقيامها وجود سلطة أما الأمة لا يوجد لقيامها سلطة سياسية .
إضافة إلى أن أندري هوريو يميز سلطة الدولة بأنها :
– سلطة مركزية وحيدة : أي أنها سلطة لا توجد بينها وبين المواطنين سلطات وسيطة و ليست الوحدات المحلية إلا سلطات إدارية فقط كالبلدية ، كما لا تخضع إلى سلطات تعلوها و لا توجد سلطات منافسة لها على الإقليم .
– سلطة مدنية : هذا لا يعني أن السلطة الحاكمة قد لا تكون عسكرية في بعض الأحيان ، فقد تبدا عسكرية ثم تنتهي مدنية .
– سلطة إكراه مادي : يكمن جوهر القوة العامة للدولة في هذا الاحتكار للقوة المادية من قوى مسلحة و قوى بوليسية التي بدونها لا تكون الدولة إلا شكلا فارغا من مضمونه .
خصائص الدولة
أولا : الشخصية المعنوية

الشخص المعنوي هو شخص قانوني يمتاز على الآدميين بأنه قادر على اكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات . ويترتب على الاعتراف للدولة بالشخصية القانونية إضافة إلى القدرة على التمتع بالحقوق وتحمل الالتزامات ، الفصل بين السلطة ومن يمارسها ( الحاكم ) .
إن الاعتراف بالشخصية المعنوية للدولة يعني وحدة الدولة واستقلاليتها وهذا لا يعني الاستقلالية فقط عن الأفراد المحكومين بل الاستقلالية أيضا عن الحكام وبالتالي زوال فكرة شخصية الدولة . وظهور السلطة المجردة النظامية .
إن التطور في الأنظمة السياسية وما يصاحب هذا التطور من تغيير في القائمين على السلطة لا يغير من وحدة شخصية الدولة ، التي تفسر في النهاية استمرارها وبقائها ككائن مستقل .
• نتائج الشخصية المعنوية للدولة :
1- تعتبر الدولة وحدة قانونية مستقلة ومتميزة عن الأفراد المكونين لها .
2- إن المعاهدات والاتفاقيات التي أبرمتها الدولة، تبقى نافذة مهما تغير شكل الدولة أو نظام الحكم فيها
3- تبقى التشريعات سارية في حالة تغيير شكل الدولة أو نظام الحكم فيها أو القائمين عليها ما لم تعدل هذه التشريعات أو تلغ .
4- إن الالتزامات المالية تبقى نافذة بغض النظر عن أي تغيير يلق بالدولة .
5- حقوق الدولة والتزاماتها تبقى قائمة ببقاء الدولة بغض النظر عن أي تغيير يلحق بشكل الدولة .
ثانيا : السيادة
إن تمتع الدولة بالسيادة يعني أن تكون لها الكلمة العليا التي لا يعلوها سلطة أو هيئة أخرى . وهذا يجعلها تسمو على الجميع وتفرض نفسها عليهم باعتبارها سلطة آمرة عليا . لذلك فسيادة الدولة تعني وببساطة أنها منبع السلطات الأخرى. فالسيادة أصلية ولصيقة بالدولة وتميز الدولة عن غيرها من الجماعات السياسية الأخرى .والسيادة وحدة واحدة لا تتجزأ مهما تعددت السلطات العامة لان هذه السلطات لا تتقاسم السيادة وإنما تتقاسم الاختصاص .
• مظاهر السيادة :
1- المظهر الداخلي : وهو أن تبسط السلطة السياسية سلطاتها على إقليم الدولة . بحيث تكون هي السلطة الآمرة التي تتمتع بالقرار النهائي .
خصائص السيادة
1- مطلقة:
بمعنى أنه ليس هناك سلطة أو هيئة أعلى منها في الدولة فهي بذلك أعلى صفات الدولة ويكون للدولة بذلك السلطة على جميع المواطنين، ومع ذلك فإنه مما لا شك فيه توجد عوامل تؤثر على ممارسة السيادة يمكن اعتبارها، حدودا قانونية، فحتى الحاكم المطلق لا بد أن يتأثر بالظروف التي تحيط به سواء كانت هذه الظروف اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية كما يتأثر أيضا بطبيعته الإنسانية، كما يجب أن يراعى تقبل المواطنين للقوانين وإمكان إطاعتهم لها.
2- شاملة: أي أنها تطبق على جميع المواطنين في الدولة ومن يقيم في إقليمها باستثناء ما يرد في الاتفاقيات والمعاهدات الدولية مثل الدبلوماسيين وموظفي المنظمات الدولية ودور السفارات. وفي نفس الوقت فإنه ليس هناك من ينافسها في الداخل في ممارسة السيادة وفرض الطاعة على المواطنين.
3- لا يمكن التنازل عنها: بمعنى أن الدولة لا تستطيع أن تتنازل عنها وإلا فقدت ذاتها، يقول روسو: “لما لم تكن السيادة سوى ممارسة الإرادة العامة فإنها مما لا يمكن التنازل عنه، إن صاحب السيادة الذي ليس سوى كائن جماعي لا يمكن أن يمثله غيره؛ فالسلطة مما يمكن نقله ولكن الإرادة لا يمكن نقلها والواقع أنه إذا لم يكن من المتعذرات أن تلتقي إرادة خاصة في نقطة مع الإرادة العامة فإنه من المستحيل على الأقل أن يكون هذه الالتقاء ثابتا ومستمرا” .
4- دائمة: بمعنى أنها تدوم بدوام قيام الدولة والعكس صحيح، والتغير في الحكومة لا يعني فقدان أو زوال السيادة؛ فالحكومات تتغير ولكن الدولة تبقى وكذلك السيادة.
2- المظهر الخارجي : يعني استقلالية الدولة وعدم خضوعها لدولة أخرى ( السيادة بالمظهر الخارجي مرتبطة بالاستقلال ) .
5- لا تتجزأ: بمعنى أنه لا يوجد في الدولة الواحدة سوى سيادة واحدة لا يمكن تجزئتها. ويقول “روسو” إن السيادة لا تتجزأ؛ لأن الإرادة إما أن تكون عامة وإما ألا تكون كذلك، فهي إما إرادة الشعب في مجموعه وإما إرادة جزء منه فقط، وفي الحالة الأولى تكون الإرادة العامة المعلنة عملا من أعمال السيادة ولها أن تسن القوانين، وفي الحالة الثانية ليست سوى إرادة خاصة أو عمل من أعمال الإدارة ولا تكون إلا مرسوما على أكثر تقدير”.
مصدر السيادة وصاحبها
أهم النظريات التي قيلت في بيان صاحب السيادة :
أولا : النظرية الثيوقراطية :
ترجع هذه النظرية إلى أن السيادة لله وحده ، أي أن الحكم والقرار الأول والأخير لله وحده .
اختلفت التفاسير للنظرية الثيوقراطية فقسمت إلى ثلاث صور :
1- نظرية الطبيعة الإلهية للحاكم :
هذه النظرية تقول أن الله موجود على الأرض يعيش وسط البشر ويحكمهم ، ويجب على الأفراد تقديس الحاكم وعدم أبدا أي اعتراض ، وبالتالي فالحاكم يعبد . ( هذه النظرية كانت سائدة في المماليك الفرعونية والإمبراطوريات القديمة ) .
2- نظرية الحق الإلهي المباشر :
هذه النظرية تقول أن الحاكم يختار وبشكل مباشر من الله ( أي أن الاختيار بعيدا عن إرادة الأفراد وانه أمر إلهي خارج عن إرادتهم . من خصائصها:
I- لا تجعل الحاكم إلها يعبد .
II- الحكام يستمدون سلطانهم من الله مباشرة .
III- لا يجوز للأفراد مسألة الحاكم عن أي شيء . ( تبنت الكنيسة هذه النظرية فترة صراعها مع السلطة الزمنية كما استخدمها بعض ملوك أوروبا لتدعيم سلطانهم على الشعب ) .
3- نظرية الحق الإلهي غير المباشر :
الحاكم من البشر لكن الله لا يتدخل مباشرة في اختيار الحاكم و إنما بطريقة غير مباشرة ، بحيث يوجه الأحداث و يرتبها على نحو يساعد الناس على اختيار نظام الحكم الذي يرتضونه و الحاكم الذي يتقبلون الخضوع لسلطته.
• الانتقادات التي وجهت للنظرية الثيوقراطية :
1- نظرية مصطنعة فقط لخدمة مصالح معينة .
2- نظرية لتبرير استبداد السلطة .
3- بعض الفقه نادى بعدم تسميتها بالنظرية الدينية على أساس أنها لا تستند في جوهرها إلى الدين .
ثانيا : نظرية سيادة الأمة :
بعض العلماء اخذ يقرب مفهوم سيادة الأمة إلى مفهوم الديمقراطية واعتبرهما تعبيران عن فكرة واحدة ولكن من ناحيتين . حيث أن الديمقراطية هي تعبير عن الشكل السياسي أما مبدأ سيادة الأمة ، فهو عبارة عن التعبير القانوني .
أول ما ظهرت فكرة السيادة ظهرت على لسان القانونيين الذين كانوا يدافعون عن سلطات الملك في فرنسا ضد البابا والإمبراطور ، مؤكدين أن الملك يتمتع بالسيادة الكاملة في ممتلكاته ، وان هذه السلطة العليا لا ينافسه عليها أحد في الدولة . ومع قيام الثورة الفرنسية بقيت فكرة سيادة الأمة قائمة بما لها من صفة الإطلاق والسمو والأصالة ولكنها انتقلت من الملك إلى الأمة ، لتصبح بذلك إرادة الأمة هي السلطة العليا التي لا تنافس .
إن مبدأ سيادة الأمة يعني أن الصفة الآمرة العليا للدولة لا ترجع إلى فرد أو أفراد معينين بل إلى وحدة مجردة ترمز إلى جميع الأفراد أي الوحدة التي تمثل المجموع بأفراده وهيئاته وأنها بالإضافة إلى ذلك مستقلة تماما عن الأفراد الذين تمثلهم وترمز إليهم .
• النتائج المترتبة على مبدأ سيادة الأمة :
1- النظام النيابي التقليدي .
2- الانتخاب وظيفة وليس حقا .
3- الأخذ بالاقتراع المقيد .
4- النائب ممثل للأمة .
5- التنكر لمفهوم الوكالة الإلزامية .
6- الأخذ بنظام المجلسين .
7- القانون تعبير عن إرادة الأمة .
* نقد مبدأ سيادة الأمة :
1- مبدأ سيادة الأمة يؤدي الاعتراف للأمة بالشخصية المعنوية ، وبالتالي إلى قيام شخصين معنويين يتشاركان على إقليم واحد وهما الدولة والأمة .
2- قيل انه لا توجد حاجة في الوقت الحاضر للأخذ بنظرية سيادة الأمة .
3- يؤدي مبدأ سيادة الأمة إلى السيادة المطلقة وهذا يؤدي إلى الاستبداد.
4- قيل أن مبدأ سيادة الأمة لا يمثل نظاما معينا .
ثالثا : نظرية سيادة الشعب :
التطور الذي لحق بالمذهب الفردي ، والانتقادات التي وجهت إلى مبدأ سيادة الأمة هي الأسباب الكافية لظهور أصوات تنادي في التمثيل النسبي الحقيقي للشعب منظورا إليه في حقيقته وتكوينه ، لا بوصفة المجرد كوحدة متجانسة مستقلة عن الأفراد المكونين له .
تقوم نظرية سيادة الشعب على أن السيادة للجماعة بوصفها مكونة من عدد من الأفراد ، لا على أساس أنها وحدة مستقلة عن الأفراد المكونين لها.
وطبقا لنظرية سيادة الشعب تكون السيادة لكل فرد في الجماعة ، حيث إنها تنظر إلى الأفراد ذاتهم وتجعل السيادة شركة بينهم ومن ثم تنقسم وتتجزأ .
– الاختلاف بين مبدأ سيادة الأمة وسيادة الشعب

مبدأ سيادة الأمة
سيادة الشعب
– السيادة لمجوع الأفراد

  • وحدة واحدة مجردة لا تقبل التجزئة
  • مستقلة عن الأفراد ذاتهم
-ينظر للمجموع من خلال الأفراد
– السيادة للأفراد ، تنقسم السيادة بينهم
السيادة مجزأة ومنقسمة بين الأفراد

النتائج المترتبة على مبدأ سيادة الشعب :
1- تجزئه السيادة بين الأفراد .
2- الانتخاب حق لا وظيفة .
3- الأخذ بالاقتراع العام .
4- العودة لمفهوم الوكالة الإلزامية ونشأة الأحزاب السياسية .
5- الأخذ بنظام التمثيل النسبي .
6- القانون تعبير عن إرادة الأغلبية .
• نقد سيادة الشعب :
1- تجسيد علاقة التبعية بين النائب والناخب .
2- إن الأخذ بمبدأ سيادة الشعب لن يحل المشكلة لأنه في الواقع يجزئ السيادة ويجعلها مقسمة بين أفراد الشعب .
يعتبر مفهوم السيادة أشمل من السلطة؛ فالسلطة” هي ممارسة السيادة (يطلق البعض على السيادة صفة السلطة العليا) أو أن حق السيادة هو مصدر حق السلطة، وكلمة “سيادة” اصطلاح قانوني يترجم كلمة فرنسية مشتقة من أصل لاتيني تعبر عن صفة لمن له السلطة لا يستمدها من غير ذاته ولا يشاركه فيها غيره، ولم تدخل هذه الكلمة لغة القانون إلا في القرن السادس عشر.
أما السلطة فهي “القدرة على فرض إرادة أخرى”، وتمثل الدولة السلطة القهرية التي تعلو على سلطة أي جماعة أخرى في المجتمع، والفرض يتم بإحدى وسيلتين، فهو إما أن يتم بوسائل القهر والعنف، وإما أن يتم بوسائل الإقناع الحر وضرب المثل وتقديم النموذج، وتزداد قوة السلطة دائما ويزداد استقرارها كلما زاد قبولها اختياريا عن طواعية. وقد تعددت أنواع السلطات فهناك السلطة التشريعية والسلطة الشخصية والسلطة التفويضية والسلطة السياسية والسلطة العامة والسلطة التنفيذية، ولا تزال السلطة السياسية هي أهم أنواع السلطة الحديثة.

البحث الثالث ، الفصل الثاني
الرقابة على دستورية القوانين

في دولة القانون هناك تدرج للقوانين يطلق عليه التدرج التشريعي حيث تأتي القواعد الدستورية في المقدمة بسبب مبدأ علوية( سمو ) الدستور ثم تأتي بعدها القوانين الصادرة من السلطة التشريعية المختصة والتي لابد أن تكون منسجمة مع القواعد الواردة في الدستور، و تليها بعد ذلك الأوامر الصادرة من السلطات التنفيذية والتي تصدر من الجهة المختصة قانونا ويلزم عدم مخالفتها للدستور والقانون وإلا تم الطعن بها بعدم شرعيتها أو عدم دستوريتها وتكون آثارها باطلة . إن الغاية الحقيقية من تقرير مبدأ الرقابة على دستورية القوانين هو تأكيد مبدأ سمو الدستور، لان ما يتضمنه الدستور من مبادئ تتعلق بالحقوق والحريات العامة، فإنها قد تقررت لمصلحة الأفراد في مواجهة السلطتين التشريعية و التنفيذية ، لذلك يصبح هؤلاء الأفراد من أكثر المستفيدين من تقرير مبدأ الرقابة على دستورية القوانين.

و يمكن القول بأن حماية الدستور من خلال الرقابة على دستورية القوانين هي أهم من إعداد الدستور و إقراره ، حيث تهدف هذه الرقابة إلى ضمان أن تكون كافة القوانين الصادرة من السلطة التشريعية والأوامر الصادرة من السلطة التنفيذية غير مخالفة للدستور، فهي حارس على الشرعية القانونية وتحافظ على الحدود الدستورية للسلطات، ، كما تهدف إلى ضمان حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ، وضمان سيادة القانون وكفالة العدالة والمساواة في المجتمع الديمقراطي، وهي من الضمانات الهامة للحرية والديمقراطية ،و إذا أصاب الفساد جسم الهيئة التشريعية نتيجة الصراعات السياسية و الحزبية فإن الرقابة تعتبر هي الوسيلة الأخيرة للأفراد في الدفاع عن حقوقهم ، على عكس الحكم الدكتاتوري القائم على حكم الفرد حيث تنعدم هذه الضمانات فتتعرض حقوق الإنسان إلى ابشع الانتهاكات ويتم خرق أحكام الدستور وخرق التدرج القانوني ، فتكون الدولة بلا قانون ويسود الظلم وعدم المساواة وعدم احترام القانون ، و يؤكد معظم فقهاء القانون الدستوري على أهمية مبدأ الرقابة على دستورية القوانين ، لذلك يلاحظ أن دساتير بعض الدول تنص صراحة على بطلان القوانين التي تخالفها ، وهذا يعني أيضاً بطلان القانون المخالف للدستور حتى في حالة عدم النص في الدستور على ذلك ،و هذا البطلان يعتبر نتيجة حتمية لفكرة الدستور الجامد الذي لا يمكن للقوانين العادية أن تعدله ، فإذا أصدرت السلطة التشريعية قانونا يخالف مبدأً أو نصاً دستورياً في دستور جامد، فإن السلطة التشريعية تكون بذلك قد تجاوزت اختصاصاتها و يصبح ما أقدمت عليه باطلاً لمخالفته الدستور دون الحاجة إلى النص على ذلك البطلان في صلب الدستور .
تختلف الدول في تنظيم الرقابة على دستورية القوانين ، فبعض الدول تمنع الرقابة على دستورية القوانين بشكل صريح،مثال على ذلك الدستور البلجيكي لسنة 1831 و الدستور البولوني لسنة 1921 ، إضافة إلى بريطانيا حيث إن نظامها يقوم على مبدأ سيادة البرلمان ومن ثم يتعذر تقييد سلطته أو إقرار أية رقابة على ما يصدره من تشريعات . أما الدول التي تأخذ بالرقابة على دستورية القوانين فإنها تختلف من حيث الجهة التي تتولى الرقابة ومدى ما يمنحها القانون من صلاحيات في هذا الشأن ،
حيث أن أشكال هذه الرقابة تتعدد وتختلف من نظام إلى آخر تبعاً لاختلاف التنظيم الدستوري لشكل هذه الرقابة وآلياتها ، فمنها من اعتمد أسلوب الرقابة السياسية ، ومنها من اعتمد أسلوب الرقابة القضائية ، كما يمكن أن تكون الرقابة شعبية والتي تتمثل في الرأي العام والصحافة ووسائل الإعلام الأخرى و رقابة منظمات المجتمع المدني .
أولا : الرقابة السياسية على دستورية القوانين
تتمثل هذه الرقابة في قيام هيئة مشكلة تشكيلا سياسيا بممارسة تلك الرقابة بناءً على نص دستوري يمنح تلك الهيئة السياسية ممارسة حق الرقابة على دستورية القوانين من خلال فحص القوانين قبل صدورها لتقرر ما إذا كانت تلك القوانين متوافقة مع الدستور أو مخالفة له ، إذن فهي رقابة سابقة على إصدار القانون ، و تعتبر الرقابة التي يمارسها (المجلس الدستوري ) في فرنسا أبرز مثال على الرقابة السياسية .
من الناحية التاريخية فإن المحاولات الأولى لتقرير الرقابة السياسية ظهرت في فرنسا سنة 1795 ، حيث اقترح الفقيه ( سييز ) إنشاء هيئة سياسية تكون مهمتها إلغاء القوانين المخالفة للدستور ، بيد أن الجمعية التاسيسية آنذاك لم توافق على هذا الاقتراح ، و عند إعداد دستور السنة الثامنة في عهد نابليون عاد ( سييز ) وطرح اقتراحه مرة أخرى و استطاع إقناع واضعي الدستور بسلامة مقترحه ، وبذلك انشأ مجلس أطلق عليه (المجلس المحافظ ) وفقا لدستور السنة الثامنة ، تكون مهمته فحص مشروعات القوانين للتحقق من عدم مخالفتها للدستور، كما أخذت فرنسا بهذه الرقابة في دستور سنة 1852 و عهد بمهمة الرقابة إلى مجلس الشيوخ ، بيد إن كلا المجلسين ( المجلس المحافظ و مجلس الشيوخ ) لم يوفقا في هذه المهمة بسبب سيطرة الإمبراطور عليهما حيث كان المجلسين أداة بيد الإمبراطور . أما دستور سنة 1946 فقد انشأ اللجنة الدستورية التي تقوم بمهمة الرقابة على دستورية القوانين وكانت تتألف هذه اللجنة من ( رئيس مجلس الجمهورية ، رئيس الجمعية الوطنية ، 7 أعضاء ينتخبون من قبل الجمعية الوطنية على أساس التمثيل النسبي للهيئات السياسية ، 3 أعضاء ينتخبون من قبل مجلس الجمهورية بنفس الطريقة) ولا يجوز أن يكون هؤلاء الأعضاء من ضمن أعضاء البرلمان . أما دستور سنة 1958 فقد نص على تشكيل (المجلس الدستوري ) للقيام بمهمة الرقابة والذي يتألف من 3 أعضاء يعينون من قبل رئيس الجمهورية ، 3 أعضاء يعينون من قبل رئيس الجمعية الوطنية ، 3 أعضاء يعينون من قبل رئيس مجلس الشيوخ ، رؤساء الجمهورية السابقون مدى الحياة ،ويتم تعيين رئيس المجلس من قبل رئيس الجمهورية)، وتكون مدة العضوية 9 سنوات غير قابلة للتجديد و يتم تجديد ثلث المجلس كل 3 سنوات .
من مميزات الرقابة السياسية إنها وقائية فهي تسبق صدور القانون ومعنى ذلك أن القانون المراد تشريعه لن يتم إصداره إذا كان مخالفا للدستور لذلك فهي تمنع حدوث الآثار التي تحدث لو كانت الرقابة بعد نفاذ القانون ، لكن الواقع أثبت عدم نجاح الرقابة السياسية في تحقيق الرقابة الفعالة على دستورية القوانين ويكاد يجمع فقهاء القانون الدستوري على عدم ملائمة الرقابة السياسية وفشلها في تحقيق الغايات المرجوة منها بسبب إناطة مهمة الرقابة بهيئة سياسية ، حيث إن أعضاء الهيئة قد لا يكونون مكونين تكوينا قانونيا يتناسب مع خطورة وأهمية هذه الرقابة ، كما أن الطابع السياسي لتشكيل هذه الهيئة قد لا يمنعها من التأثر بالاتجاهات و الميول السياسية وهو ما لا يتفق مع الهدف من هذه الرقابة ، حيث أن بعض الأعضاء يعينون من قبل رئيس الجمهورية و آخرون من قبل المجالس النيابية ، إضافة إلى أن الدول التي تأخذ بهذا النوع من الرقابة قد حصرت حق الطعن في القوانين غير الدستورية بهيئات حكومية دون إعطاء هذا الحق للأفراد .
إن الكثير من الدول التي أخذت بهذا النوع من الرقابة هي في الواقع تلك الدول التي حكمتها الأنظمة الشمولية كدول المعسكر الاشتراكي السابق ( الاتحاد السوفيتي و يوغسلافيا وبلغاريا ) والتي جعلت مهمة الرقابة من اختصاص البرلمان ، أو من اختصاص مكتب مرتبط بالبرلمان ، الأمر الذي يثير التساؤل حول الحكمة من جمع مهمة التشريع والرقابة على التشريع في جهة واحدة . و يعتبر النظام الدستوري الفرنسي هو أحد الإستثناءات القليلة في الأنظمة التي تبنت الرقابة السياسية ،خصوصا إن فرنسا تمثل أحد النماذج المثالية للأنظمة الديمقراطية، ويعود السبب في ذلك إلى خصوصية تاريخية وسياسية تميزت بها التجربة الفرنسية، فمفهوم مبدأ الفصل بين السلطات الذي طالما ساد لدى المشرعين الفرنسيين يتمثل في أن البرلمان هو المعبر عن إرادة الشعب وأن القانون هو التعبير عن هذه الإرادة وتبعاً لذلك لا يجوز أن تمارس أي سلطة أخرى الرقابة على إرادة الشعب ، كما أن رفض فكرة الرقابة القضائية في فرنسا يعود إلى أسباب تاريخية تمثلت في الموقف السلبي للمحاكم الفرنسية من الإصلاحات وتدخلها في أعمال السلطات الأخرى، حيث كانت المحاكم تعمل على عرقلة القوانين ووصل الأمر بهذه المحاكم إلى درجة الحكم بإلغاء القوانين، وقد تركت تصرفات هذه المحاكم آثاراً سيئة في نفوس الناس وعند رجال الثورة الفرنسية ، لذلك وضعت الثورة نصوصاً صارمة تحرم على المحاكم التدخل بطريق مباشر أو غير مباشر في أعمال البرلمان .
ثانيا : الرقابة القضائية على دستورية القوانين
هي الرقابة التي تمارسها هيئة قضائية تختص بالفصل في مدى دستورية أي قانون تصدره السلطة التشريعية، و ينطلق مفهوم الرقابة القضائية على دستورية القوانين من فكرة حق الأفراد في حماية حقوقهم وحرياتهم المقررة بموجب الدستور، فوظيفة القضاء تتمثل في الفصل في الخصومات التي تحصل بين الأفراد والدولة أو بين الأفراد أنفسهم وهي وظيفة على قدر كبير من الأهمية ، كما تشكل الرقابة القضائية ضمانة فاعلة لدستورية القوانين حيث يتسم القضاء بالحياد والنزاهة والاستقلالية بالإضافة إلى الخبرة القانونية .
وهناك صورتان للرقابة القضائية على دستورية القوانين هما:
1 – الرقابة عن طريق الامتناع : كانت الولايات المتحدة الأمريكية سباقة في الأخذ بالرقابة القضائية على دستورية القوانين ، بالرغم من أن الدستور الأمريكي لم ينص صراحة على مبدأ الرقابة القضائية إلا أن هذا الأمر كان مفهوماً ومتوقعاً ومقبولاً لدى واضعي هذا الدستور و كانت بداية تطبيق المبدأ أمام محاكم بعض الولايات الأمريكية كولاية فرجينيا ، ومع أن المبدأ عرفته في البداية و أخذت به بعض الولايات الأمريكية قبل أن تأخذ به المحكمة العليا الفدرالية إلا أن المؤرخون يربطون بينه وبين أول حكم للمحكمة العليا قررت فيه تطبيق هذا المبدأ وكان ذلك في حكمها الشهير في القضية الرائدة ماربري ضد ماديسون في عام 1803م ، وقد ارتبط المبدأ باسم رئيس القضاء (جون مارشال) الذي يرجع إليه الفضل في إظهاره في حكمه في هذه القضية واعتبره البعض منشئا للمبدأ . حيث قال مارشال في حكمه في هذه القضية أنه (من واجب الهيئة القضائية أن تفسر القانون وتطبقه، وعندما يتعارض نص تشريعي أو قانون مع الدستور فإن السمو والبقاء يكون للدستور). و ليس للمحاكم الأمريكية أن تلغي القانون عند نظرها في قضية أمامها بعدم دستورية قانون ما ، بل تمتنع عن تطبيقه وإن حكمها في ذلك ليس ملزما للمحاكم الأخرى ، حيث يحق لها تطبيق القانون على اعتبار انه دستوري ، إلا إذا كان الحكم بعدم دستوريته صادراً من المحكمة العليا ، و ليس للمحاكم الاتحادية حق إصدار آراء استشارية و قد استقرت المحكمة العليا على هذا المبدأ منذ تأسيسها وحتى الآن ، فحينما قدم الرئيس (واشنطن) إلى المحكمة الاتحادية سلسلة من الأسئلة المتعلقة بتفسير المعاهدات المعقودة مع فرنسا لإبداء رأيها فيها ، أجابت المحكمة بأنها ( لا ترى من المناسب إعطاء رأي في أمور لم تنشأ عن قضية مطروحة أمامها ) . وهو ما يعرف بقاعدة “أن القاضي لا يستفتى” بمعنى أنه لا يجوز أن يطلب من القاضي إصدار فتوى، ذلك أن قيام القاضي بإصدار الفتوى هو تعبير عن رأيه في شأن ما قبل أن يعرض عليه النزاع وقبل أن يسمع دفاع الخصوم وحججهم وهو ما يعد إهداراً لحق الدفاع الذي يعتبر من أهم الضمانات المقررة للأفراد لدى ممارستهم حق التقاضي، و من المعروف أن قيام القاضي بالإفتاء أو تقرير رأي لمصلحة أحد الخصوم في الدعوى يعتبر من الأسباب المؤدية إلى عدم صلاحية القاضي لنظر الدعوى ويكون بالتالي ممنوعاً من سماعها .
وهناك عدة صور لرقابة الامتناع ، منها :
الدفع بعدم الدستورية : إن المحاكم تمارس هذا الحق عندما يطرح أمامها نزاع و يطالب أحد طرفي النزاع تطبيق قانون ما ، فيطعن الطرف الآخر بعدم دستورية هذا القانون و يطلق على هذه الطريقة طريقة الدفع الفرعي ولا يحق لأي شخص الطعن بعدم دستورية القوانين بصورة أصلية ،أي إنه إذا رأى شخص أن قانونا ما يخالف الدستور فلا يحق له أن يتقدم للمحكمة للطعن بهذا القانون، بل يجب أن يكون القانون يطبق على الشخص في دعوى قضائية ، فيبادر هذا الشخص إلى الطعن بعدم دستورية هذا القانون . وفي هذه الحالة يكون اختصاص المحكمة بالتأكد من دستورية القانون قد جاء متفرعاً عن الدعوى المنظورة أمامها ،وعلى المحكمة النظر في صحة هذا الطعن، فإذا تبين لها إن القانون غير دستوري امتنعت المحكمة عن تطبيقه و تفصل في الدعوى بما فيه صالح المتهم أو المدعى عليه . إن الرقابة القضائية على دستورية القوانين في الولايات المتحدة هي قضاء امتناع تقوم على نظام السوابق القضائية حيث تتقيد كل محكمة بالحكم الذي تصدره و تقيد به المحكمة التي في درجتها و المحاكم الأدنى منها درجة .
الأمر القضائي: وهي صورة من صور رقابة الامتناع و بحسب هذه الطريقة يحق لأي شخص أن يلجا إلى المحكمة و يطلب منها أن توقف تنفيذ قانون ما على اعتبار إنه غير دستوري ، و للمحكمة أن تصدر أمراً قضائيا إلى الموظف المختص بعدم تنفيذ القانون ، و يلاحظ إن مهمة إصدار الأمر القضائي في الولايات المتحدة هو من اختصاص محكمة اتحادية مكونة من 3 قضاة ، ويجوز الطعن في قرارات هذه المحكمة أمام المحكمة الاتحادية العليا .
ومن الصور الأخرى لرقابة الامتناع هو الحكم التقريري و بمقتضاه يحق للشخص أن يطلب من المحكمة أن تصدر حكم تقرر فيه ما إذا كان القانون الذي سيطبق عليه دستورياً أم لا و في هذه الحالة لا يتم الفصل في الموضوع إلى أن يصدر حكم من المحكمة حول هذا الطلب . و تلاقي هذه الطريقة تأييداُ من الفقه الأمريكي ، لأن المحكمة تستطيع أن تعلن عن رأيها في دستورية أو عدم دستورية قانون ما حيث أن هذه الطريقة تنسجم مع الغاية من تخويل المحاكم سلطة الرقابة على دستورية القوانين .
2 – الرقابة عن طريق الإلغاء
وتتمثل هذه الرقابة في تشكيل محكمة خاصة أو أعلى محكمة في البلاد و يحق للمحكمة أن تحكم ببطلان القانون غير الدستوري بالنسبة للجميع ، أي إن قرارها يلغي القانون المخالف للدستور و تجعله في حكم العدم ولا يجوز الاستناد عليه في المستقبل، وان لهذا الحكم حجية مطلقة أي انه ملزم لسائر المحاكم والجهات التي تطبق القانون ، و يحق لأي فرد أن يتقدم لهذه المحكمة طالبا إلغاء قانون ما إذا رأى في هذا القانون مخالفة للدستور .
و يمكن أن تكون هذه الرقابة على نوعين ، رقابة إلغاء سابقة و رقابة إلغاء لاحقة . و طبقاً للنوع الأول يتم إحالة مشروعات القوانين إلى جهة قضائية مختصة ( محكمة خاصة ) لفحصها من الناحية الدستورية قبل إصدار القانون من قبل رئيس الدولة ، فإذا قررت هذه المحكمة عدم دستوريته تعين على السلطة التشريعية تعديله في حدود الدستور ، و قد أخذ الدستور الايرلندي لسنة 1937 بهذا النوع من الرقابة .
أما رقابة الإلغاء اللاحقة فإنها تباشر على القوانين بعد صدورها ، فإذا رأى الشخص بأن قانون ما غير دستوري فإنه يستطيع الطعن في هذا القانون أمام المحكمة المختصة التي خولها الدستور سلطة إلغاء القانون غير الدستوري دون أن ينتظر الشخص تطبيق القانون غير الدستوري عليه . و تختلف الدول التي أخذت بهذا النوع من الرقابة في مسألة إعطاء الحق للأفراد في الطعن بدستورية القانون ، فدساتير بعض الدول مثل الدستور التشيكوسلوفاكي لسنة 1920 قد حصر هذه الحق بهيئات عامة ( المجالس التشريعية والمحكمة القضائية العليا و المحكمة الإدارية العليا و المحكمة المختصة بالانتخابات ). كما تختلف الدول في تحديد المحكمة المختصة بالرقابة ، فدستور بوليفيا لسنة 1880 مثلاً قد جعل هذا الأمر من اختصاص المحاكم العادية ،و بعض الدول جعلت الرقابة من اختصاص محكمة خاصة ومن هذه الدول ،دستور العراق لسنة 1925 ودستور النمسا لسنة 1945 ودستور إيطاليا لسنة 1947 .
تمارس ( المحكمة الدستورية العليا )عادة وظيفة الرقابة القضائية حيث تمارس هذه المحكمة دورها في بيان مدى مطابقة القوانين الصادرة أو مخالفتها للدستور، كما إن تشكيل المحكمة الدستورية العليا هو أمر مهم جداً و تظهر أهمية هذه المحكمة بصورة واضحة في المجتمعات الديمقراطية حين يؤدي رئيس الدولة القسم أو اليمين عند انتخابه أمامها ويتعهد بأنه سيقوم بواجباته ويحترم الدستور والقوانين فأن حنث في اليمين تعرض للمسؤولية و أحالته للقضاء ومن هنا تظهر أهمية الدور المناط بهذه المحكمة في دولة القانون فهي صمام الأمان لاحترام القواعد الدستورية والقانونية من الحكام والمحكومين.
ثالثا : الرقابة الشعبية
لا يمكن إنكار الدور الهام الذي تلعبه جهات شعبية مختلفة مثل الرأي العام والصحافة ووسائل الإعلام الأخرى في الدول الديمقراطية ،حيث يطلق على الإعلام عادة(السلطة الرابعة )، لذلك يمكن أن تقوم هذه الجهات بمهمة الرقابة على دستورية القوانين ، إذ يمنح الدستور لهذه الجهات في بعض الدول الحق في الاحتجاج على خرق قانون ما لقواعد الدستور و الطلب إلى الأجهزة المختصة ( المحاكم الدستورية) لمعالجة هذا الخرق ، ويتم ذلك وفق آليات ينظمها القانون ، وتبنت هذا الأسلوب دساتير كل من (ألمانيا و غانا و سلوفاكيا).
رابعا : رقابة منظمات المجتمع المدني
في ظل المجتمع المدني لابد من خضوع الحاكم والمحكوم للدستور والالتزام بالقواعد القانونية ،و تعتبر منظمات المجتمع المدني و خاصة المنظمات غير الحكومية هي العين الساهرة على المجتمع وعلى الدستور ، وتسمى هذه المنظمات بـ( السلطة الخامسة) حيث يقوم أفراد المجتمع من خلال هذه المنظمات المستقلة عن سيطرة ونفوذ السلطة بممارسة دورهم و حقوقهم في اختيار ومراقبة السلطات العامة في الدولة وما تصدره هذه السلطات من قوانين و لوائح وتشريعات و مدى مطابقة هذه القوانين لمبادئ الدستور ، إذ تقوم منظمات حقوق الإنسان و منظمات المجتمع المدني المختلفة بمهمة الرقابة على دستورية القوانين ،و يجب أن لا ننسى دور منظمات المجتمع المدني في تحقيق التنمية الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ، حيث تعتبر هذه الممارسات جزءا من العملية الديمقراطية ذاتها .
الرقابة في الدستور الجزائري
تضمن دستور الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية الصادر في 28 نوفمبر سنة 1996 تنظيم الرقابة على دستورية القوانين في المواد 163 إلى 169. فنصت المادة 163 على أن يؤسس مجلس دستوري يكلف بالسهر على احترام الدستور. كما يسهر المجلس الدستوري على صحة عمليات الاستفتاء، وانتخاب رئيس الجمهورية، والانتخابات التشريعية، ويعلن نتائج هذه العمليات.
ونصت المادة 164 على كيفية تشكيل المجلس بقولها يتكون المجلس الدستوري من تسعة أعضاء: ثلاثة أعضاء من بينهم رئيس المجلس يعينهم رئيس الجمهورية، واثنان ينتخبهما المجلس الشعبي الوطني، واثنان ينتخبهما مجلس الأمة، وعضو واحد ينتخبه مجلس الدولة. بمجرد انتخاب أعضاء المجلس الدستوري أو تعيينهم، يتوقفون عن ممارسة أي عضوية أو أي وظيفة أو تكليف أو مهمة أخرى. يعين رئيس المجلس الدستوري لفترة واحدة مدتها ست سنوات. يضطلع أعضاء المجلس الدستوري بمهامهم مرة واحدة مدتها ست سنوات، ويجدد نصف عد أعضاء المجلس الدستوري كل ثلاث سنوات.
وحددت المادة 165 اختصاصات المجلس الدستوري بالإضافة إلى الاختصاصات التي خولتها إياه صراحة أحكام أخرى في الدستور، في دستورية المعاهدات والقوانين، والتنظيمات، إما برأي قبل أن تصبح واجبة التنفيذ، أو بقرار في الحالة العكسية. يبدي المجلس الدستوري بعد أن يخطره رئيس الجمهورية، رأيه وجوباً في دستورية القوانين العضوية بعد أن يصادق عليها البرلمان. كما يفصل المجلس الدستوري في مطابقة النظام الداخلي لكل من غرفتي البرلمان للدستور، حسب الإجراءات المذكورة في الفقرة السابقة.
ونصت المادتان 166 و167 على إجراءات الطعن أمام المجلس الدستوري وإجراءات اتخاذ المجلس لقراره. فقررت المادة 166 أن يخطر رئيس الجمهورية أو رئيس المجلس الشعبي الوطني أو رئيس مجلس الأمة، المجلس الدستوري. كما نصت المادة 167 على أن يتداول المجلس الدستوري في جلسة مغلقة، ويعطي رأيه أو يصدر قراره في ظرف العشرين يوماً الموالية لتاريخ الإخطار. يحدد المجلس الدستوري قواعد عمله.
وتضمنت المادتان 168 و 169 النص على أثر الرأي أو القرار الصادر من المجلس الدستوري في شأن دستورية المعاهدات والنصوص التشريعية والتنظيمية. فنصت المادة 168 على أنه إذا ارتأى المجلس الدستوري عدم دستورية معاهدة أو اتفاق، أو اتفاقية، فلا يتم التصديق عليها.
كما نصت المادة 169 على أنه إذا ارتأى المجلس الدستوري أن نصاً تشريعياً أو تنظيمياً غير دستوري، يفقد هذا النص أثره ابتداء من يوم قرار المجلس.
كما نصت المادة 126 على أن يصدر رئيس الجمهورية القانون من أجل ثلاثين يوماً، ابتداء من تاريخ تسليمه إياه. غير أنه إذا أخطرت سلطة من السلطات المنصوص عليها في المادة 166 التالية المجلس الدستوري، قبل صدور القانون، يوقف هذا الأجل حتى يفصل في ذلك المجلس الدستوري وفق الشروط التي تحددها المادة 167 التالية.
ونصت المادة 176 على أنه إذا ارتأى المجلس الدستوري أن مشروع أي تعديل دستوري لا يمس البتة المبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري، وحقوق الإنسان والمواطن وحرياتهما، ولا يمس بأي كيفية التوازنات الأساسية للسلطات والمؤسسات الدستورية، وعلل رأيه، أمكن رئيس الجمهورية أن يصدر القانون الذي يتضمن التعديل الدستوري مباشرة دون أن يعرضه على الاستفتاء الشعبي، متى أحرز ثلاثة أرباع أصوات أعضاء غرفتي البرلمان.
ويتضح من هذه النصوص أن المجلس الدستوري الجزائري هو مجلس سياسي يشترك في اختيار أعضائه جميع السلطات ف بالدولة، سواء في ذلك السلطة التنفيذية أو السلطة التشريعية أو السلطة القضائية.
وتقتصر الاختصاصات الإلزامية للمجلس الدستوري على القوانين العضوية أي الأساسية ( المادتان 123 و 165 ) والنظام الداخلي لكل من غرفتي البرلمان ( المادة 165)، وتعديل الدستور إذا رغب رئيس الجمهورية في إصداره دون عرض على الاستفتاء الشعبي ( المادة 176). كما يقتصر الحق في إثارة مسألة الدستورية أمام المجلس على رئيس الجمهورية ورئيس المجلس الشعبي الوطني ورئيس مجلس الأمة.
ويجب أن يصدر المجلس الدستوري رأيه أو قراره خلال عشرين يوماً من تاريخ اخطاره، ويترتب على الرأي أو القرار الصادر من المجلس بعدم دستورية المعاهدة أو الاتفاق أو الاتفاقية عدم التصديق عليها، كما يفقد النص التشريعي أو التنظيمي أثره من يوم صدور قرار المجلس بعدم دستوريته.
ويلاحظ أن مضي مدة العشرين يوماً التي نص الدستور الجزائري على ضرورة إصدار المجلس الدستوري قراره خلال لا يعني سقوط حق المجلس في الاستمرار في نظر الطعن المعروض عليه، إذ لا تعتبر مدة سقوط تؤدي إلى إنهاء حق المجلس في الاستمرار في أداء مهمته. ويؤكد ذلك نص المادة 126 من الدستور التي ترتب على إخطار المجلس الدستوري وقف المدة التي يجب فيها إصدار القانون حتى يفصل المجلس في الطعن المقدم له.
كما يلاحظ أيضاً أن رقابة المجلس الدستوري الجزائري على دستورية القوانين والمعاهدات والتنظيمات قد تكون رقابة سابقة على صدور القانون وفي هذه الحالة يبدي المجلس رأيه بشأنها، وقد تكون هذه الرقابة لاحقة لصدور القانون وفي هذه الحالة يصدر المجلس قرارا يؤدي إلى أن يفقد النص المقضي بعدم دستوريته أثره من يوم قرار المجلس. ويؤكد هذا القول نص المادة 165 من الدستور على أن يفصل المجلس الدستوري… في دستورية المعاهدات والقوانين والتنظيمات، إما برأي قبل أن تصبح واجبة التنفيذ، أو بقرار في الحالة العكسية، ونص المادة 169 على أنه إذا ارتأى المجلس الدستوري أن نصا ً تشريعيا أو تنظيميا غير دستوري، يفقد هذا النص أثره، ابتداء من يوم قرار المجلس.
وإذا كان الدستور المغربي – شأنه شأن الدستور الفرنسي – قد أخذ بكل من التدخل العلاجي والوقائي لحماية المجال اللائحي وعدم خروج السلطة التشريعية ، وأعطى للمجلس الدستوري الحق في إصدار قرار يوضح فيه ما إذا كانت النصوص المعروضة عليه لها صيغة تشريعية أو أنها ذات صيغة تنظيمية لائحية تختص بها السلطة التنفيذية، فإن الدستور الجزائري لم يعط للمجلس الدستوري مثل هذا الاختصاص ، وإن كان قد أخذ بالاتجاه الفرنسي وحدد مجالا للقانون لا يجوز للمشرع تجاوزه.
وإذا كان البعض في فرنسا قد طالب بإخضاع التعديلات الدستورية التي لا تعرض على الشعب في الاستفتاء لرقابة المجلس الدستوري، رغم معارضة الغالبية لذلك لعدم وجود نص في الدستور يعطي للمجلس هذا الحق، فإن الدستور الجزائري قد نص صراحة على إعطاء هذا الحق للمجلس الدستوري، فنص في المادة 176 على أنه إذا ارتأى المجلس الدستوري أن مشروع أي تعديل دستوري لا يمس البتة المبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري … أمكن رئيس الجمهورية أن يصدر القانون الذي يتضمن التعديل الدستوري مباشرة دون أن يعرضه على الاستفتاء الشعبي، متى أحرز ثلاثة أرباع أصوات أعضاء غرفتي البرلمان. فرئيس الجمهورية يستطيع أن يصدر التعديلات الدستورية بمجرد موافقة البرلمان عليها، دون عرضها على الشعب في الاستفتاء، على أن يعرض الأمر أولا على المجلس الدستوري ويحصل على موافقته.

البحث الرابع : الديمقراطية كنظام للحكم
قبل ذلك هناك مفهومان مختلفان : الأول هو شكل الحكم و الثاني نظام الحكم .

المقصود بشكل الحكم التنظيم الذي تكون عليه المؤسسات السياسية العليا في الدولة مثل مؤسسة رئاسة الدولة و الحكومة و السلطة التشريعية و طرق تكوينها و مبادئها … أما نظام الحكم فالمقصود به شكل الحكم بالإضافة إلى الوسائل و الأساليب المستخدمة من طرف السلطة الحاكمة لمخاطبة الشعب و تسيير شؤون المجتمع . لذلك تدخل في دراسة نظام الحكم عناصر أخرى مثل البنية الاقتصادية و الاجتماعية للدولة و مدى اتساع سلطات الحكام و أهدافهم و القوى الاجتماعية التي يتم الاعتماد عليها من اجل الوصول إلى السلطة و ممارستها .

يقول جان جاك روسو
إن مشكلة الحكم هي أساس المشكلات التي عانت منها الشعوب طوال كفاحها وبقدر صلاح إدارة الحكم بقدر التفاف الجماهير حولها
مفهوم الديمقراطية

وهي مفهوم واسع ، ساهم في إثرائه، عبر عقود طويلة من الزمن كثير من المفكّرين السياسيّين، كل حسب نظرته لهذا المفهوم، فجاء إطاراً كبيراً يجمع في داخله العديد من التيّارات الفكرية، التي تتّفق على بعض الخطوط العامّة، وتختلف في معظم التفاصيل. بيد أنّ الديمقراطية تبلورت بمرور الزمن في الديمقراطيات الحديثة المطبّقة ـ بشكل أو بآخر ـ في الغرب، وعُرفت بالديمقراطية التقليديّة الغربية. ويعود تاريخ الديمقراطية إلى المدن اليونانية القديمة مثل أثينا و اسبارطة، التي تمّ فيها تطبيق نوع من أنواع الديمقراطية. ومن هنا اشتقّت بمعنى الشعب(Demos)، الكلمة من اللغة الإغريقية، و (cratos) ، التي تعني السيدة أو الحكومة او السلطة .فإذا جمعنا المقطعين نجد المعنى اللغوي للديمقراطية و هو حكم او سيادة الشعب .
إضافة الى التعريف الاصطلاحي السائد الذي معناه ذلك النظام السياسي أو نظام الحكم الذي يعطي السيادة و السلطة للشعب او لغالبيته العظمى ، بحيث يكون الشعب هو صاحب السلطة و مصدرها و أيضا يمارسها بصورة فعلية ، وأفضل تعريف للديمقراطية هو ما قدمه احد الرؤساء الأمريكيين أبراهام لنكولن بقوله ” الديمقراطية هي حكومة الشعب بواسطة الشعب و لأجل الشعب ” .
الأصل التاريخي للديمقراطية :
بداية ظهور الديمقراطية بدأت منذ عصور قديمة عند بعض الفلاسفة في الحضارات الشرقية مثل كونفوشيوس الصيني الذي نادى بسيادة الشعب ووجوب خضوع الحكام لإرادته ، ثم انتقلت الى اليونانيين حيث طبقت بعض مدنهم الديمقراطية المباشرة ، لكن فيما بين الأحرار النبلاء (ديمقراطية طبقية) . و قد طبقت الديمقراطية دول عريقة كانجلترا و فرنسا و الولايات المتحدة الأمريكية منذ نهاية القرن الثامن عشر و خلال القرن التاسع عشر ، وقد كرستها مواثيق دستورية هامة تمثلت أساسا في إعلان حقوق الإنسان و المواطن الصادر عن الثورة الفرنسية عام 1789 و من قبله إعلان حقوق الإنسان في الولايات المتحدة ، إضافة إلى دستور usa الصادر عام 1787 .
أما بالنسبة لمفهوم الديمقراطية في الفقه الحديث نقول انه لم تعد الديمقراطية ذات دلالة سياسية فقط بل تتضمن عدة مجالات :
– المضمون الاقتصادي و الاجتماعي : أي أن يكون للديمقراطية غاية اجتماعية تتمثل في تحرير الإنسان من الحاجة و القيود و اللامساواة الاقتصادية ، فيتم توجيه الاقتصاد من اجل توزيع أفضل للدخل الوطني و اشتراك العمال في تسيير المؤسسات .
– المضمون السياسي و الدستوري : يتجلى في عدة عناصر

  • المشاركة الفعلية المباشرة والمستمرة للمواطنين في تحديد اختيارات و سياسة البلاد و في تطبيقها.
  • ضمان الحريات الفردية و الجماعية الخاصة و العامة *التعددية السياسية.

رفض الهيمنة الإيديولوجية و المذاهب السياسية .العمل برأي الأغلبية.
*تعدد المؤسسات الممارسة للسلطة أي توزيع السلطات في الدولة .
أنواع الديمقراطية
أ ـ الديمقراطية المباشرة:
ويقوم فيها الشعب بنفسه ودون واسطة بمهامّ السلطتين التشريعيّة والتنفيذيّة. أي أن الشعب لا ينتخب ممثليه في السلطتين التشريعيّة والتنفيذيّة، بل يمارسهما بنفسه، حيث يجتمع المواطنون في هيئة جمعية عمومية للتصويت على مشروعات القوانين و تعيين القضاة و الموظفين و تصريف الشؤون العامة الخارجية و الداخلية . وهذا النوع هو الأساس الذي قام عليه مفهوم الديمقراطية بأصوله الإغريقية ، ثمّ بلور صيغته المعاصرة ودعمه المفكِّر الفرنسي (جان جاك روسو)، ولكنّه أسس لمفهوم جديد هو (العقد الاجتماعي) الذي تكون الديمقراطية وفقه بصورة اتفاق وتراضٍ وعقد بين أفراد الشعب من جهة، وبينهم وبين الشخص الذي يمنحونه حقّ الحكم من جهة أخري. وهذا النوع من الديمقراطية ليس له مصداق خارجي في الوقت الحاضر. غير أن الديمقراطية المباشرة تعتبر النموذج المثالي للحكم الديمقراطي الصحيح على أساس أنها تحقق مباشرة للشعب سيادته و ممارسته للسلطة التنفيذية بنفسه و عن طريق مباشر بلا نيابة أو وكالة . الى جانب ذلك فهي تطبق في بعض المدن السويسرية حيث يجتمع المواطنون مرة في السنة لانتخاب كبار الموظفين و القضاة و للمصادقة على بعض القوانين . هذه الديمقراطية مستحيلة التطبيق نظرا لاتساع رقعة الدولة الحديثة و كثرة سكانها ، ولأنها تتطلب نضجا سياسيا عاليا .
ب ـ الديمقراطية شبه المباشرة: وفيها ينتخب الشعب ممثّليه ليكونوا نوّاباً عنه في السلطة التشريعيّة، كما ينتخب انتخاباً مباشراً أو غير مباشر مسئولي السلطة التنفيذية، مع احتفاظ الشعب بحقّه في محاسبة السلطات والاعتراض عليها، وتقرير المسائل الرئيسيّة عبر الاستفتاء، وحقّ الاقتراح الشعبي. وتحاول معظم دساتير البلدان الديمقراطية اعتماد هذا النوع من الديمقراطية. الذي بدا ظهوره في بعض مقاطعات الاتحاد السويسري و الولايات المتحدة الأمريكية في القرن التاسع عشر ثم اتسع نطاقه مع مطلع القرن العشرين . و يظهر تدخل الشعب في هذا المظهر من الديمقراطية في عدة مجالات :

  • الاقتراح الشعبي : اقتراح تعديل دستوري أو اقتراح قانوني .
  • الاعتراض الشعبي : أي الاعتراض على قانون معين خلال مدة معينة من صدوره من البرلمان و بالتالي يطرح الأمر على الاستفتاء الشعبي فإذا وافق الشعب على الاعتراض الغي القانون .
  • الاستفتاء هو اخذ رأي الشعب بخصوص مسألة معينة .
  • حل البرلمان بعد الاستفتاء على حله.

– إقالة النواب .
– عزل رئيس الجمهورية .
هذه الإجراءات ليس شرطا أن تطبق كلها لكي تعتبر ديمقراطية شبه مباشرة بل الاكتفاء ببعضها .
ج ـ الديمقراطية غير المباشرة او النيابيّة: وفيها ينتخب الشعب نوّاباً عنه لتولي مسؤولية الحكم . كاملة، دون أن يتمتعوا بالحقوق التي يتمتّع فيها الشعب في الديمقراطية شبه المباشرة . و لقد نشأ النظام النيابي في انجلترا و مر بمراحل طويلة من التطور حتى استكمل أركانه ، وبالتالي هنا الشعب لا يتولى ممارسة مظاهر السيادة و إنما يوكل هذه المهام الى أشخاص ينتخبهم لهذا الغرض و يشكلون برلمانا يمارس سلطات فعلية
– يتطلب النظام النيابي : وجود هيئة منتخبة ذات سلطة فعلية سواء مكون من مجلس او مجلسين . يباشر سلطة حقيقية في مجال التشريع ، إضافة الى تاقيت مدة العضوية في الهيئة البرلمانية ، وتمثيل النائب للأمة بأكملها و ليس دائرته الانتخابية فقط ، إضافة إلى استقلال النائب عن ناخبيه .
* ومن هنا تسعى الديمقراطية التقليدية بأنواعها كافّة إلى تحقيق ممارسة الشعب للسلطة وإلى حكم الشعب لنفسه. ورغم أن للديمقراطية أبعاداً وتأثيرات اقتصادية واجتماعية، إلا أنّها تعدّ مذهباً سياسيّاً، يعتمد على أساس نظري، يتمثّل في كون الشعب مصدراً للسيادة أو الحاكمية،وعلى أساس عملي، ويتمثّل في ممارسة الشعب للسلطة، بشكل مباشر أو غير مباشر.
* وهناك أنظمة نقيضه للأنظمة الديمقراطية والتي تسمى بالشمولية .فإذا كانت الأنظمة الديمقراطية تعطي السيادة للشعب وتحترم حقوقه وحرياته فالأنظمة الشمولية عكس ذلك فهي ترى أن السيادة المطلقة للحاكم الكاريزمي وحده ومن هنا لا يكون هناك فصل بين السلطات لان الأمر كله متجمع في يد واحدة هي الآمرة والناهية والطاعة لها واجب ولو بالإكراه وهنا يخفت أو يتلاشى صوت المعارضة وتصبح كل الامرة واحدية فالحاكم واحد ابدي لا يغيره

البحث الخامس : النظام النيابي

1- النظام البرلماني :
هو النظام القائم على وجود توازن بين السلطتين التشريعية و التنفيذية و أدوات تأثير متبادلة ، فحق البرلمان في حجب الثقة عن الحكومة يقابله حق الحكومة في حل البرلمان . يرتكز النظام البرلماني على وجود تعاون وثيق بين السلطتين مع حفظ الانفصال بين ذاتية كل من هاتين السلطتين. نشأ النظام البرلماني في انجلترا نتيجة سلسلة من الأحداث التي ساهمت في انتقال السلطة تدريجيا من الملك إلى رئيس وزرائه ، وحدث ذلك بعد ثورتي 1648 و 1688 أين تقيدت سلطة الملوك و تم القضاء على هيبتهم .

عناصر النظام البرلماني
1* برلمان منتخب مكون من مجلسين أو من مجلس واحد (السلطة التشريعية) : يمارس البرلمان في النظام البرلماني صلاحيات متعددة أهمها الصلاحية التشريعية و المالية و الرقابية . لكنه يشارك في الوظيفة التنفيذية عن طريق مراقبته نشاط الحكومة بعدة وسائل منها الاستجواب و الأسئلة الكتابية و الشفاهية و لجان التحقيق .
2* رئيس الدولة غير مسئول ( السلطة التنفيذية) : رئيس الدولة في هذا النظام له مهام شرفية فقط و رمزية ذات طابع بروتوكولي تتمثل في تجسيد وحدة الدولة و تعيين رئيس الحكومة و الوزراء و اصدار القوانين و المعاهدات ، وبالتالي فالرئيس هنا غير مسؤول سياسيا . وهو تقريبا اما ورث الحكم او عين من طرف البرلمان .
* الوزارة المسئولة (السلطة التنفيذية) : تعتبر الوزارة روح و محور النظام البرلماني و هي تتمتع بخصائص تميزها عن سائر الوزارات او الحكومات في الأنظمة الدستورية ، و الوزراء يعينهم رئيس الحكومة بناءا على اعتبارات سياسية بالدرجة الأولى و يعينهم رئيس الدولة شكليا بعد موافقة البرلمان في معظم الحالات ، علما أنهم يكونون من الأغلبية البرلمانية و بالتالي نواب من البرلمان غالبا .
و نلاحظ هنا نقطتين أساسيتين
– مسؤولية الحكومة أمام البرلمان:
الوزارة هنا مسئولة مسؤولية جماعية و تضامنية عن أعمالها أمام البرلمان الذي يستطيع إشغال مسؤوليتها السياسية و إسقاطها إذا ما كانت على خلاف معه .
– حل البرلمان : يقابل حق البرلمان بحجب الثقة عن الحكومة حق الأخيرة بحل البرلمان و الاحتكام للشعب في حال خلافها معه .
* التعاون بين السلطتين التشريعية و التنفيذية
– وسائل تأثير الحكومة على البرلمان :

* حق حل البرلمان عند الضرورة .
* طرح مسألة الثقة أمامه حيث تلزمه بالتعبير عن موقفه منها .
* دخول أعضاء الحكومة إلى البرلمان للدفاع عن مشاريع القوانين التي تقترحها الحكومة.
* دعوة البرلمان للانعقاد خارج الفترات التشريعية.
* إمكانية تأجيل عمل البرلمان.
– وسائل تأثير البرلمان على الحكومة :
* سحب الثقة منها .
* استجواب الوزراء و طرح الأسئلة .
* إنشاء لجان للتحقيق في موضوع .
* مناقشة برنامج الحكومة و إمكانية عدم الموافقة عليه .
* مناقشة أعضاء الحكومة داخل اللجان البرلمانية .
أهم تطبيقات هذا النظام البرلماني في العديد من البلدان الأوربية ذات الشكل الملكي كانجلترا و كذا البلدان الاسكندينافية ، كما يطبق في بعض دول النظام الجمهوري كايطاليا و الهند .
2- النظام الرئاسي :
يعرف النظام الرئاسي على انه نظام الفصل الجامد بين السلطات أو هو النظام الذي تتركز فيه السلطة التنفيذية بيد رئيس الجمهورية منفردا و الذي ينتخب من الشعب مباشرة، أي النظام الذي ينعدم فيه وجود الحكومة كمؤسسة دستورية ذات صلاحية . أي استقلال و فصل كبير بين السلطة التشريعية و التنفيذية و عدم إمكانية تأثير احدها على الأخر . و يعتبر النظام الأمريكي هو أحسن مثال على هذا النظام . ففي هذا النظام لا يستطيع الرئيس حل البرلمان و لا يستطيع هذا الأخير حجب الثقة عن الرئيس .
أركان النظام الرئاسي :
– السلطة التشريعية : يتكون البرلمان من النواب المنتخبين من طرف الشعب و قد يتشكل من مجلس واحد أو مجلسين ، والبرلمان مستقل تمام عن الرئيس ، وفي هذا النظام يمارس البرلمان وظيفته التشريعية بصفة كلية و بمفرده دون مشاركة السلطة التنفيذية رسميا لكن الرئيس يمكنه الاعتراض على القوانين الشيء الذي يلزم البرلمان بإجراء قراءة ثانية .
– السلطة التنفيذية : تنحصر السلطة التنفيذية في رئيس الجمهورية الذي هو نفسه رئيس الحكومة علما انه لا توجد حكومة بالمعنى الدقيق إذ الوزراء ليسوا إلا مجرد أعوان و مساعدين للرئيس يعملون تحت إشرافه . و نجد أن الرئيس هنا غير مسئول تجاه البرلمان كما انه غير مقيد بآراء وزراءه . وبالتالي فالرئيس يتمتع بالسلطة التنظيمية و خاصة إصدار القرارات المستقلة بحكم أن المجال التشريعي محدد و مقيد .
3- النظام المجلسي :
هو نظام يتميز بتركيز و دمج كامل السلطة و مظاهر السيادة في يد المجلس النيابي (البرلمان) المنتخب من طرف الشعب و الذي يتولى الوظيفة التشريعية لكنه يسند ممارسة الوظيفة التنفيذية إلى هيئة خاصة منبثقة عنه تمارسها تحت إشرافه و رقابته و تكون مسئولة مسؤولية تامة أمامه عن جميع التصرفات . أي كأن البرلمان يمارس كلا الوظيفتين التشريعية و التنفيذية .و بالتالي فالحكومة ليست مؤلفة من وزراء بل من منفذين لإرادة البرلمان . و غني عن القول أن البرلمان يتمتع باستقلاله و سيادته بحيث لا تستطيع الحكومة حله . و النظام المجلسي هو اقرب إلى عالم الأفكار لأنه من الصعوبة أن يتحقق على ارض الواقع نظرا لان المجلس المكون من مئات النواب يعجز عن مباشرة كافة السلطات و دون تفويض بعض صلاحياته إلى الوزراء .
عرفت فرنسا تطبيق هذا النظام في ظل دستور 1792 و 1848 و 1871 و كذا النمسا في دستور 1920 و تركيا في دستور 1924 . و الواقع أن النظام المجلسي كثيرا ما يطبق في الأنظمة التسلطية و الاستبدادية إذ غالبا ما يؤدي إلى دكتاتورية السلطة التنفيذية مثلما حدث في تركيا في عهد كمال اتاترك او دكتاتورية السلطة التشريعية مثلما حدث في فرنسا خلال الجمهورية الرابعة بسبب الانحرافات و الممارسة السيئة للسلطة .
4- النظام المختلط :
هو الذي جمع بين النظام الرئاسي و النظام البرلماني و مثاله النظام الدستوري الفرنسي الذي يعد النموذج الرئيس للنظام المختلط أو شبه الرئاسي و تتجلى فيه مظاهر الخلط فيما يلي :
* مظاهر النظام الرئاسي :

  • رئيس الجمهورية منتخب من الشعب .
  • يتولى رئاسة مجلس الوزراء .
  • يعين الوزير الأول .
  • يعين الوزراء و يقيلهم بناءا على اقتراح رئيس الحكومة .
  • يعين كبار موظفي الدولة من مدنيين وعسكريين يتمتع بالسلطة التنظيمية و خاصة إصدار القرارات

* مظاهر النظام البرلماني :

  • ثنائية السلطة التنفيذية اذ يوجد رئيس حكومة .
  • البرلمان يراقب نشاط الحكومة .
  • الحكومة مسئولة أمام البرلمان و يستطيع أن يسحب منها الثقة .
  • يمكن للسلطة التنفيذية حل البرلمان .
  • تشارك السلطة التنفيذية في الوظيفة التشريعية باقتراح القوانين و مناقشتها داخل البرلمان .

هذا النظام أخذت به الجزائر ، فالنظام الجزائري له طابع مختلف يغلب عليه النظام الرئاسي لكونه يقوم بصفة أساسية على رئيس الجمهورية و على المكانة التي يحتلها

البحث السادس : حق الانتخاب
إذا كانت الديمقراطية بمفهومها الواسع تعني حكم الشعب ومن اجل الشعب،فإن الانتخاب هو الوسيلة التي من خلالها يمكن الوصول إلى مبتغى حكم الشعب لفرز أفضل العناصر الكفؤة ليكونوا ممثلين مخلصين ينفذون ما يطمح إليه الشعب .

1- معنــى الانتخاب :
الانتخاب يعني مكنة المواطنين الذين تتوفر فيهم الشروط القانونية من المساهمة في اختيار الحكام وفقا لما يرونه صالحا لهم . وفكرة الانتخاب هي ليست بالغائرة في جذور التاريخ ،إنما هي حديثة التأسيس والصياغة . وأول ما ظهرت في انكلترا اثر نشوب الخلاف التاريخي بين النبلاء وممثلي المدن ، مما أدى إلى قيام ممثلي المدن أن يعقدوا اجتماعاتهم في قاعة منفصلة ومارسوا أولى خطوات الانتخابات باختيارهم رئيس لمجلسهم لإدارة الجلسات والتحدث أمام الملك.
2- طبيعة الانتخاب :
أثير جدل فقهي وسياسي حول الطبيعة القانونية للانتخاب ، لذلك ظهرت عدة اراء متباينة حاولت معالجة طبيعة الانتخاب
* الانتخاب حق شخصي : أي انه حق لكل فرد في المجتمع ، ويترتب على ذلك تطبيق مبدأ الاقتراع العام أي مساهمة جميع أفراد المجتمع البالغين سن الرشد في الانتخاب .لكن وعلى اثر اعتبار أن الانتخاب حق شخصي يجب الانتباه إلى الحقيقة التالية ، فما دام انه كذلك فلا يمكن إلزام الفرد بأي التزام كان . فهو حر في أن يمارس هذا الحق ويشترك في العملية الانتخابية أو أن يمتنع عن ذلك و يهمل ممارسة حقه ويلاحظ أن هذا المبدأ ينسجم مع السيادة الشعبية .
* الانتخاب وظيفة اجتماعية : ظهر هذا الرأي بعد قيام الثورة الفرنسية عندما نادت الطبقة البرجوازية الفرنسية بمبدأ سيادة الأمة بدلا من مبدأ السيادة الشعبية . و بالتالي فان الأفراد الذين يمارسون عملية التصويت والانتخاب إنما يقومون بذلك نيابة عن الأمة ويؤدون وظيفة اجتماعية ، وهم لايحصلون على هذا الحق ( حق تأدية الوظيفة وممارسة عملية الانتخاب ) إلا من خلال الدستور ومن القوانين التي لا تعترف بهذا الحق إلا لمن تراهم أهلا لذلك . ويلاحظ كذلك أن باستطاعة تلك القوانين أن تجعل من عملية التصويت هذه إلزامية وكذلك يمكن فرض عقوبات إذا اقتضت الحاجة عند عدم التقيد بهذه العملية
* الانتخاب سلطة قانونية : يرى الكثير من الكتاب بان الانتخاب ليست بالحق الشخصي ولا بالوظيفة الاجتماعية ، إنما هو سلطة قانونية يؤسسها وينظم قواعدها الدستور ويوضح آليات تطبيقها لأجل أن يشترك المواطن في اختيار ممثليه والحكام . في الجزائر أن مبدأ الانتخاب العام هو مبدأ راسخ في الفكر السياسي و هذا ما نصت عليه دساتير الجزائر.
3- هيئــــــــة الناخبين :
يقصد بهيئة الناخبين مجموعة المواطنين الذين يحق لهم المساهمة في الانتخاب ومجموعة الشروط التي تتطلبها قوانين الانتخاب والتي يجب توافرها في كل ناخب ويلاحظ ان تحديد حجم هيئة الناخبين يتوقف على الفلسفة التي يعتمدها المشرع عند وضع قانون الانتخاب :
* العمر: لقد استقر الرأي الذي يقول ان بلوغ سن الرشد ( المدني ) يخول الإنسان ممارسة جميع التصرفات القانونية والتي ترتب له حقوق وعليه التزامات ، فأصبح من البديهي والحال هذا أن يكون سن الناخب وكحد ادنى أن يكون قد بلغ سن الرشد القانوني ، لكن يلاحظ وفي ظل الكثير من القوانين الانتخابية تحديد سنا( سياسيا ) يختلف عن سن الرشد المدني ويجب على الناخب بلوغه ليتسنى له المساهمة في عملية التصويت وهذا السن السياسي يزيد من عمر الناخب عن السن المدني .
* قيد الجنس : ظلت النساء محرومات من حق الانتخاب لفترة طويلة من الزمن وهذه الظاهرة موجودة حاليا في العديد من البلاد ومنها مثلا الكويت على سبيل المثال لازالت تحرم على المرأة مزاولة حق الانتخاب والترشح لمجلس الأمة .
* التعليم : تشترط بعض القوانين أن يكون الناخب على درجة معينة من التعليم ليتسنى الدخول بالعملية الانتخابية وبهذا يتم استبعاد الأميين عن الانتخاب ، مثل البرتغال وشيلي والفلبين .
* العنصر ، الثروة : هذان القيدان أصبحا لا مكان لهما في الوقت الحاضر ، وكانت آخر التجارب في دولة جنوب إفريقيا حيث كان نظام الفصل العنصري لا يسمح للأفارقة ذات البشرة السوداء من ممارسة حقهم بالانتخابات .
الشروط الواجب توافرها بهيئة الناخبين :
* الجنسية : تشترط جميع القوانين الانتخابية في العالم تقريبا أن يكون الناخب من مواطني الدولة ، أي حاملا لجنسيتها ، وتمنع الأجنبي المقيم على أراضيها من المشاركة في التصويت .
* الأهلية العقلية : يجب أن يكون الناخب متمتعا بكامل قواه العقلية ، ولكي لا يساء هذا الحق لابد أن يثبت الجنون أو العته بحكم قضائي سابق ليوم الانتخاب .
– وبعد حصر الأسماء والذين تنطبق عليهم الشروط التي اقرها القانون يتم إعداد قوائم أو جداول انتخابية تتضمن تلك الأسماء وتعلق في أماكن يتمكن المواطن البسيط من الوصول إليها قبل إجراء كل عملية انتخابية ، وتسجل الاعتراضات خلال مدة معقولة يحددها قانون الانتخاب وأمام الجهة التي أوكل لها هذه المهمة . ويكون الاعتراض سلبيا أو ايجابيا ، فالاعتراض السلبي يكون على شخص قد تم إدراجه ضمن قوائم الناخبين بهدف استبعاده لعدم توفر شرط أو مجموعة من الشروط فيه ، أما الاعتراض الايجابي فيتضمن طلب إدراج اسم لم يتم تضمينه الجدول لأي سبب كان .
4- أنواع الانتخاب :
-الانتخاب العني و السري:
إن الاختيار بين سرية الاقتراع او علنيته ذو علاقة مباشرة مع الديمقراطية لان العلنية تعني ارتباط الناخب بالديمقراطية و تجعله يظهر شجاعته المدنية و تحمله للمسؤولية . غير أن العلنية تتضمن مخاطر من شانها التأثير على إرادة الناخب و جعله عرضة للرشوة و التهديد ، خاصة في أنظمة الحكم الاستبدادية او الأنظمة ذات الحزب الوحيد ، وقد تؤدي علنية الاقتراع إلى ارتفاع نسبة الممتنعين ، لذلك تميل معظم قوانين الانتخاب الى سرية الاقتراع .
– الانتخاب الإجباري و الانتخاب الاختياري : الجدل مازال قائما بين مؤيدي الاقتراع الإجباري و مؤيدي الاقتراع الاختياري ، فالأول يعتبرون أن الاقتراع واجب و ليس حقا ، بينما يعتبر مؤيدو الاقتراع الاختياري أن الاقتراع حق يجيز لصاحبه عدم استعماله ، وفي بعض البلدان مثل بلجيكا و استراليا و اللكسمبورغ نصت دساتيرها على اعتماد الاقتراع الإجباري .
– الاقتراع المقيد و العام : إن الاقتراع المقيد يعني النظام الذي يشترط في الناخب توافر قدر معين من الثروة أو التحصيل العلمي ، وبالتالي يحرم من الانتخاب من لا يتوفر فيه ذلك (هذا النظام يحد من الحقوق السياسية للمواطنين ).
أما الاقتراع العام هو النظام الذي لا يشترط على الناخب توافر نسبة معينة من المال و التعليم بل يقرر المساواة بين الناخبين ، وهو منتشر في غالبية النظم الانتخابية الحالية ، فهو يحقق مبدأ حكم الشعب كما يكفل حرية الناخبين .
– الانتخاب المباشر والانتخاب غير المباشر: حيث يكون الانتخاب مباشراً عندما يقوم الناخبون بانتخاب النواب من بين المرشحين مباشرة وهو ما يسمى بالانتخاب على درجة واحدة، أما الانتخاب غير المباشر فهو الذي يتم فيه الانتخاب على درجتين حيث يقوم الناخب بانتخاب مندوبين ليقوم هؤلاء المندوبون بعد ذلك بمهمة انتخاب أعضاء البرلمان أو الحكام ولهذا فأنه قد يتم على ثلاث مراحل أو درجات عندما يقوم النواب بانتخاب الحكام. و الجزائر تأخذ بالاقتراع المباشر.
– الانتخاب الفردي والانتخاب بالقائمة: يكون الانتخاب فردياً عندما يتم تقسيم الدولة إلى عدة دوائر انتخابية لعدد النواب المراد انتخابهم بحيث يكون لكل دائرة انتخابية نائب واحد ولا يجوز للناخبين أن ينتخبوا أكثر من مرشح واحد أما الانتخاب بالقائمة فهو النظام الذي يميل إلى تقليص عدد الدوائر الانتخابية مع تخصيص عدد من النواب يجري انتخابهم في قائمة أسماء المرشحين وفقاً للعدد الذي يحدده قانون الانتخاب ويمكن الأخذ بالقائمة المغلقة عندما يطلب من الناخبين التصويت على القائمة كلها دون تغيير أو تعديل في حين توجد قوانين انتخابية تعطي الناخب الحق في تشكيل قائمته هو من أسماء يتم اختيارهم من عدة قوائم.لقد عمل بنظام القائمة بالنسبة للانتخابات البلدية في انتخابات جوان 1990.
5- نظـــم الانتخاب :
هي مجموعة القواعد القانونية الضابطة والمنظمة لآليات اختيار المرشحين . ويندرج تحت مفهوم نظم الانتخاب ثلاث أشكال يمكن استعمال أي منهما لجعله نظام يتم بواسطته فرز العناصر التي لها الحق بممارسة العملية الانتخابية ومن مجموع عدد المرشحين وهذه النظم هي وكما يلي :
أ- نظام الأغلبية :
يقصد بنظام الأغلبية أن المرشح الذي يحصل على أعلى نسبة من الأصوات والتي تفوق عدد الأصوات لكل من المرشحين الآخرين يعتبر فائزا بالانتخابات ، ونظام الأغلبية يمكن ممارسته في حالة الأخذ بمبدأ التصويت الفردي وكذلك في حالة التصويت على القائمة أي انتخاب عدة نواب في منطقة واحدة. وتشترط بعض القوانين الانتخابية حصول أي من المرشحين على أغلبية معينة للفوز بالمقعد. وبهذا المعنى يمكن تقسيم هذا النظام إلى نوعين هما :
– نظام الأغلبية ذو الدور الأول : في هذا النظام يفوز بالانتخابات المرشح الذي يحصل على أصوات تفوق عدد أصوات أي من المرشحين الآخرين بغض النظر عن نسبة ما حصل عليه بقية المرشحين ، ويسمى هذا النوع بالأغلبية النسبية ( الأغلبية البسيطة ) ، مثال : لو افترضنا وجود خمسة (5 ) مرشحين لمنطقة انتخابية ، فان النتيجة قد تكون بالشكل الأتي :-
100000 ، مائة الف عدد الأصوات الصحيحة .
المرشح ( أ ) ، حصل على 30000 ثلاثون ألف صوت صحيح .
المرشح ( ب) ، حصل على 25000 خمسة وعشرون الف صوت صحيح .
المرشح ( ج ) ، حصل على 20000 عشرون الف صوت صحيح.
المرشح ( د ) ، حصل على 15000 خمسة عشر الف صوت صحيح .
المرشح ( ه ) ، حصل على 10000 عشرة آلاف صوت صحيح .
وبذلك يكون المرشح ( أ ) هو الفائز بالانتخابات بالرغم من حصوله على اقل من ثلث أصوات الناخبين ومن الدول التي آخذت بنظام الأغلبية ذو الدور الاول الولايات المتحدة واغلب دول الكومنولث.
– نظام الأغلبية ذو الدورين : في ظل هذا النوع ولكي يعتبر المرشح فائزا لابد أن يحصل المرشح على الأغلبية المطلقة من الأصوات . وهو ما يطلق عليه بنظام (2/1 + 1) ، أي ما زاد على نصف الأصوات لكي يعد فائزا بالانتخابات ، والمثال التالي يوضح الأمر :
100000 مائة ألف عدد الناخبين المصوتين بصورة صحيحة .
50001 ما حصل عليه المرشح ( أ) .
35000 عدد أصوات المرشح ( ب ).
14999 عدد الأصوات التي حصل عليه المرشح ( ج ) .
وبذلك يكون المرشح ( أ ) هو الفائز بالانتخابات بالنظر لحصوله على أكثر من نصف الأصوات . أما اذا لم يحصل على ما زاد على 50 بالمائة من عدد الأصوات ، فتعاد الانتخابات مرة أخرى ، وفي الدور الثاني تكون الأغلبية النسبية كافية للفوز .
أما نظام الأغلبية ذو الدورين فأخذت به فرنسا بعد الثورة الفرنسية وحتى عام 1925 ثم عادت إليه في انتخابات 1988..
ب- نظام التمثيل النسبي :
(( التمثيل النسبي هو إعطاء كل حزب أو كل تجمع يمثل رأيا أو اتجاها معينا عددا من المقاعد النيابية يتناسب مع قوته العددية )). ويفترض هذا النظام الأخذ بأسلوب التصويت على أساس القائمة ، ومفهوم القائمة يمكن أن يكون على وجهين هما :
القائمة المغلقة: وهي تلك القائمة التي لا يستطيع الناخب إدخال أي تحوير عليه وان يصوت لها كاملة .
القائمة المفتوحة : فإنها تسمى كذلك عندما يكون من حق الناخب أن يختار الأسماء الراغب بترشيحهم من بين القوائم المتنافسة ويصوت للقائمة التي يكونها هو بنفسه. ويشترط عند الأخذ بنظام التمثيل النسبي أن تكون المنطقة الانتخابية واسعة إلى حد أنها تنتخب عدة نواب مما يمكن الأحزاب السياسية أن تقدم قوائمها في كل منطقة انتخابية تتقدم إليها . ويلاحظ كذلك انه بالإمكان جعل البلاد منطقة انتخابية واحدة يمكن للقوى السياسية أن تتقدم بقوائمها في أي مركز انتخابي تشاء لأجل جمع اكبر عدد ممكن من المؤيدين لكل حزب .
آليـــة توزيع المقاعد النيابية بين القوائم :
أ ) التمثيل النسبي الكامل :

لأجل اعتماد هذا النوع ، لابد أن تحتسب أصوات جميع الناخبين وعلى المستوى الوطني ، أي وبعبارة أكثر دقة أن تكون البلاد منطقة انتخابية واحدة . وأول خطوة نبدأ بها هي إخراج العدد الانتخابي الموحد وعلى المستوى الوطني ، ويتم ذلك من خلال (( حاصل قسمة جميع أعداد الناخبين في البلاد على عدد المقاعد النيابية والتي يتكون منها المجلس )) . وناتج هذه القسمة نستخرج المعدل الوطني الموحد ، والقائمة التي تحصل على أصوات تعادل هذا المعدل يكون لها مقعدا ، ولو حصلت هذه القائمة على ضعف المعدل يكون لها مقعدان ، وهكذا ….
مثال : نفترض أن مجموع عدد الناخبين المسجلين (( 10000000 )) عشرة ملايين ناخب وعلى المستوى الوطني وكان عدد المقاعد الواجب إشغالها هو (275) مقعد . عندئذ نستخرج العدد الانتخابي الموحد من خلال إجراء عملية القسمة بين عدد الناخبين وعدد المقاعد .
العدد الانتخابي الموحد = عدد الناخبين / عدد المقاعد .
= 10000000 / 275 = 36000 ، ما يوازي العدد الانتخابي الموحد .
بهذا الوصف تقدم حزب بقائمته وحصلت على 50000 صوت صحيح وفي إحدى المناطق الانتخابية الأخرى حصل على مائة ألف صوت صحيح . عندئذ يتم تقسيم الأرقام بالصيغة التالية :
50000 / 36000 = (1) مقعد ويوجد فائض 14000 صوت .
100000 / 36000 = (2) مقعد ويوجد فائض 28000 صوت .
يتم جمع الفائض لهذا الحزب وعلى المستوى الوطني ويتم تقسيم المجموع على العدد الانتخابي الموحد
14000+ 28000 = 42000 ألف صوت .
42000 / 36000 = (1) يحصل هذا الحزب على مقعد إضافي وتهمل الأصوات الأخرى . هذا بالنسبة للحزب الواحد وتستمر العملية لبقية الأحزاب الأخرى المشاركة
ب ) التمثيل النسبي التقريبي :
لتلافي عيوب التي صاحبت تطبيق التمثيل النسبي الكامل ، وخاصة مسألة فوز بعض الاشحاص بمقاعد نيابية في القائمة الوطنية ودون ان يكون احد من المواطنين قد انتخبهم بالاسم ، فقد لجأت بعض الدول الى إجراء جميع عمليات توزيع المقاعد النيابية على الصعيد المحلي ، أي تقسيم البلاد إلى مناطق انتخابية كبيرة تتسع لعدة مقاعد وإهمال الأصوات التي ستبقى لكل حزب .
مثال : لو افترضنا منطقة انتخابية معينة تنتخب (5) خمسة نواب وأدلى 200000 مائتان ألف صوت صحيح ، وقد نزلت في المنطقة الانتخابية أربع قوائم وحصلت على الأصوات بالشكل الأتي :
القائمة آ حصلت على 86000 ألف صوت .
القائمة ب حصلت على 56000 الف صوت .
القائمة ج حصلت على 38000 الف صوت .
القائمة د حصلت على 20000 الف صوت .
لتوزيع المقاعد النيابية بين هذه القوائم علينا إتباع إحدى الطرق الآتية :
1 ) طريقة الباقي الأقوى :
نستخرج العدد الانتخابي الموحد لهذه المنطقة الانتخابية وفق المثال السابق فنلجأ إلى العملية التالية :
العدد الانتخابي الموحد = عدد الأصوات الصحيحة / عدد المقاعد
= 200000 / 5 = 0 4000 العدد الانتخابي الموحد.
_ نجري عملية القسمة بين عدد الأصوات الصحيحة التي حصلت عليها كل قائمة على العدد الانتخابي الموحد ، وبذلك نعطي مقعدا نيابيا لكل قائمة تحصل على خارج قسمة العدد الموحد . ونستمر وفق المثال أعلاه .
القائمة (آ) 86000 / 40000 = تحصل على ( 2 ) مقعد ولديها فائض من الأصوات 6000 صوت
القائمة (ب) 56000 / 40000 = تحصل على مقعد ( 1) ولها فائض 16000 الف صوت .
القائمة (ج ) 38000 / 40000 = لا تحصل على أي مقعد . والباقي 38000 الف صوت.
القائمة (د ) 20000 / 40000 = لا تحصل على مقعد . والباقي 20000 الف صوت .
ويلاحظ من المثال أعلاه ، ان الباقي الأقوى يكون للقائمة(ج ) والتي لها 38000 صوت فتنال مقعدا واحدا ، ولما كان لهذه المنطقة الانتخابية 5 مقاعد ، وتم تحديد 4 مقاعد ، هنا لا بد من إعطاء المقعد الخامس للقائمة التي لديها باقي أقوى وهي بالتأكيد القائمة (د) .
وبهذا تم توزيع المقاعد بالشكل الأتي : القائمة (آ) حصلت على 2 مقعد ، والقائمة (ب) حصلت على 1 مقعد ، والقائمة (ج) حصلت على 1 مقعد ، والقائمة (د) حصلت 1 مقعد .
2 ) طريقة المعدل الأقوى :
استنادا للمثال السابق ، ولأجل تطبيق هذه الطريقة لابد من استخراج عدد المقاعد المقسومة على العدد الانتخابي الموحد كخطوة أولى ومن ثم نستخدم طريقة المعدل الأقوى بالنسبة لمقاعد المتبقية ، وتتلخص هذه الطريقة بأن نقوم بإضافة مقعد واحد لكل قائمة انتخابية ومن ثم نعيد تقسيم ما حصلت عليه كل قائمة على عدد المقاعد لاستخراج معدل ما حصلت عليه كل قائمة على حدا ومن ثم نقوم بإعادة بقية المقاعد وحسب أعلى المعدلات التي ظهرت بها القوائم، ونستمر بالمثال السابق وحيث أن النتائج كانت هي : القائمة (آ) قد حصلت 2 مقعد ، والقائمة (ب) قد حصلت 1 مقعد ، والقوائم ج ، د لم تحصلا على اي مقعد ، وعند تطبيق هذه الطريقة سنرى الفرق واضحا قياسا لطريقة الباقي الأقوى .
القائمة (آ) : 86000 / 2+1 = 86000 /3 = 28666 صوت .
القائمة (ب ) 56000 / 1+1 = 56000 / 2 = 28000 صوت .
القائمة (ج) 38000 / صفر +1 = 38000 / 1 = 38000 صوت .
القائمة (د ) 20000 / صفر +1 = 20000 / 1 = 20000 صوت .
ويلاحظ وعند إجراء مقارنة بسيطة نجد أن القائمة (ج) هي الحاصلة على أقوى معدل ، لذا تنال مقعدا نيابيا واحدا ، وبما أن هناك مقعدا خامسا يجب إشغاله ، فإننا نكرر العملية ونضيف مقعد أخر لكل قائمة ونرى الفرق ونستمر بالمثال أعلاه :
القائمة (آ) 86000/ 2 +1 = 86000/ 3 = 28666 صوت .
القائمة (ب) 56000 / 1+1 = 56000 / 2 = 28000 صوت .
القائمة (ج) 38000 / 1+1 = 38000 / 2 = 19000 صوت .
القائمة (د) 20000 صفر +1 = 20000 /1 = 20000 صوت .
في هذه المرة تكون القائمة(آ) هي صاحبة المعدل الأقوى ، عندئذ تحصل على مقعد إضافي وهو المقعد الخامس والأخير . وبإتباع هذه الطريقة تكون النتيجة قد اختلفت عما كانت عليه في طريقة ( الباقي الأقوى ) ، ولتوضيح الحالة كما هي ندرج النتيجتين :
بموجــــب طريقة الباقي الأقوى بموجب طريقة المعدل الاقوى
القائمة (آ) لها مقعدان القائمة (آ) لها 3 ثلاثة مقاعد
القائمة (ب) لها مقعد واحد القائمة (ب) لها مقعد واحد
القائمة (ج) لها مقعد واحد القائمة (ج) لها مقعد واحد
القائمة (د) لها مقعد واحد القائمة (د) لم تحصل على مقعد
بموجب طريقة المعدل الاقوى
القائمة (آ) لها 3 ثلاثة مقاعد
القائمة (ب) لها مقعد واحد
القائمة (ج) لها مقعد واحد
القائمة (د) لم تحصل على مقعد
ج- الأنظمة الانتخابية المختلطة :
بما أن نظام الأغلبية فيه عيوب ومزايا ، وكذلك نظام التمثيل النسبي فيه عيوب وله مزايا ، وحيث أن الإنسان يسعى دائما الى الأحسن ، فقد عمدت بعض القوانين الانتخابية إلى أساليب انتخابية تجمع بين النظامين ، نظام الأغلبية ونظام التمثيل النسبي ، وتحاول أن تتلافى عيوب كل منهما قدر الإمكان ، ويلاحظ أن بعض الأنظمة قد تأتي ميالة إلى نظام معين على حساب نظام أخر ، وقد تكون نسبة الاختلاط متوازنة بين النظامين .

البحث السابع : الأحزاب السياسية و الجماعات الضاغطة
تعتبر الأحزاب السياسية بمفهومها الحديث ظاهرة حديثة النشأة لا يتجاوز عمرها القرن إلا قليلا باستثناء أحزاب الولايات المتحدة الأمريكية ، غير ان للأحزاب أصولها التاريخية التي تتمثل في اتجاهات الرأي و النوادي الشعبية و جمعيات الفكر و المجموعات البرلمانية . وكانت الأحزاب او ما يشابهها في الماضي تعتبر بدعة سيئة ترمز إلى التفرقة و يخشى منها على وحدة الدولة و ينظر إليها بشيء من عدم الارتياح . وقد نشأت الأحزاب في العصر الحديث مع التزايد الهائل في أعداد الناخبين الذي صاحب انتشار مبدأ الاقتراع العام في القرن التاسع عشر اذ وجد الناخبون أنفسهم مجرد جمهور عريض من أصحاب الحقوق السياسية غير قادر على تحديد أهدافه العامة او مناقشة مشاكله الهامة ، فظهرت الحاجة إلى تنظيمات شعبية يتجمع حولها الناخبون ، وهكذا قامت الأحزاب السياسية استجابة الى لحاجة الناخبين إليها ، ووضعت البرامج التي من شانها استقطاب اكبر عدد من الأصوات الناخبين لصالح مرشحيها بهدف الحصول على أغلبية المقاعد البرلمانية مما يمكنها من تشكيل الحكومة .

تعريف الحزب السياسي :
هي تنظيمات شعبية تستقطب الرأي العام و تستهدف تولي السلطة في الدولة ، وذلك باستعمال طرق ووسائل مشروعة . و لذلك نقول ان الديمقراطية ترتكز على التعددية الحزبية و على وجود ضمانات فعلية لممارسة الحريات العامة و خاصة لضمان حقوق المعارضة كما ترتكز على سيطرة روح من التسامح تترجم عمليا باحترام متبادل لكل الآراء .
مزايا تعدد الأحزاب السياسية :

  • أداة الرأي العام في التعبير عن مختلف اتجاهاته.
  • الأحزاب السياسية تنشط الحياة السياسية في الدولة.
  • التصدي للاستبداد الحكومي .
  • خلق النواب و السياسيين القادرين .

خصائص الحزب :
الحزب هو تنظيم دائم . – هو تنظيم وطني .- السعي للوصول الى السلطة .- الحصول على الدعم الشعبي .- المذهب السياسي .
نقول أن المادة 40 من دستور 1989 تقول أن حق إنشاء الجمعيات ذات الطابع السياسي معترف به ، لكن لا يمكن التذرع بهذا الحق لضرب الحريات الأساسية والوحدة الوطنية والسلامة الترابية و استقلال البلاد و سيادة الشعب “.وأكد على هذه المادة قانون 89-11 و المتعلق بالجمعيات ذات الطابع السياسي
تصنيف الأحزاب السياسية :
– الأحزاب الليبرالية و الأحزاب الاستبدادية :
* الأحزاب الليبرالية هي
أحزاب تؤمن بالتعددية العقائدية متسامحة و غالبا ما تكون ديمقراطية ،إلا انه من الممكن وجود أحزاب ليبرالية في أنظمة استبدادية ، وهي أحزاب رأي أي تجمع بين أشخاص يؤمنون بنفس الآراء السياسية و من ابرز أمثلتها أحزاب بريطانيا الثلاث المحافظ و الليبرالي و العمالي .و لا تدعو الأحزاب الليبرالية إلى تغيير السلطة بالعنف و إنما تؤمن بإمكانية التغيير الديمقراطي .
* الأحزاب الاستبدادية تهدف إلى منع التعددية الحزبية و هي تهدف الى إصلاح المجتمع من خلال الثورة ، إضافة الى أنها أحزاب شمولية تهدف إلى تحقيق الدولة الشمولية التي تشمل سلطاتها كل المجالات دون قيود ، وترفض في هذا النوع من الأحزاب المعارضة ومثالها ( الأحزاب البرولتارية و العمالية و النازية ).
– الأحزاب المنظمة و الأحزاب الغير منظمة .

  • تعود بداية الأحزاب الغير منظمة إلى أواخر القرن السابع عشر في انكلترا و إلى الثورة الفرنسية 1789 ، فالأحزاب غير المنظمة هي أحزاب تقتصر على بعض البرلمانيين و على بعض التنظيمات الإقليمية حيث لا انتشار إقليمي للحزب .
  • اما الأحزاب المنظمة قد تكون ليبرالية و ديمقراطية او استبدادية ، وهي تتميز بوجود قاعدة حزبية شعبية واسعة. وتتميز الأحزاب المنظمة بتوفير مصادر تمويل اكبر من تلك التي توفرها الأحزاب غير المنظمة .

– الأحزاب الصغير و الأحزاب الكبيرة
غالبا ما يكون للأحزاب الصغيرة عددا قليلا من الحزبيين بالمقارنة مع الأحزاب الكبيرة ، ويساعد نظام الانتخاب النسبي على زيادة الأحزاب الصغيرة التي لا تمثل سوى نسبة ضئيلة من الرأي العام ، والأحزاب الصغيرة تكون إما مرنة او جامدة ، جامدة أي أنها تتمثل في البرلمان دون التحالف مع غيرها من الأحزاب ، اما المرنة فهي المضطرة الى التحالف مع أحزاب لمواجهة الخصم .
اما الأحزاب الكبيرة فهي تضطر أن تنظم نفسها بطريقة ديمقراطية من الأعلى الى الأسفل، وهي تعتبر أحزاب رأي متسامحة بعيدة عن الإيديولوجيات المتطرفة ، وبالتالي نقول ان الأحزاب الكبيرة تضطر الى تقبل عدة تيارات سياسية و هذه التيارات تتصارع ديمقراطيا داخل الحزب ، وتطمح الأحزاب الكبرى في الوصول إلى السلطة و الاستئثار بها و لذلك فهي تعمل على كسب اكبر عدد ممكن من المواطنين و خاصة في الانتخابات النيابية .
– تصنيفات أخرى هناك من يميز بين الأحزاب على أساس التركيبة الاجتماعية (أحزاب الرأي ، أحزاب الطبقات ـ الأحزاب المهنية ، أحزاب الفلاحين، أحزاب البورجوازيين، الأحزاب العمالية …) او أن تصنف على أساس جغرافي .
أنظمة الأحزاب و نتائجها :
* أنظمة الحزب الواحد :
يهدف الحزب الواحد إلى إقامة دكتاتورية مطلقة و يبرر ذلك إما باعتباره يمثل الأمة (الأحزاب الفاشية) أو الأكثرية الساحقة من الشعب ( الأحزاب الشيوعية) .
* أنظمة الأحزاب التعددية : يمكننا أن نميز بين أنظمة الثنائية الحزبية و أنظمة الثلاثية و الرباعية و التعددية الحزبية مع إمكان وجود حزب مسيطر .
خلاصة القول أن للأحزاب دور أساسي في عمل الأنظمة السياسية الديمقراطية ، فالأحزاب السياسية الحرة المنظمة و التعددية هي عماد الأنظمة السياسية ، الخلاصة الثانية أن أنظمة الأحزاب هي إلى حد بعيد نتيجة لنظام الانتخاب المطبق .
الجماعات الضاغطة :
الجماعات الضاغطة هي عبارة عن تنظيمات تمثل مصالح خاصة لبعض الفئات تمارس ضغط على الحكام من اجل إصدار تشريعات تراعي المصالح المشتركة لتلك الفئات .
خصائصها :

  • مجموعة من الناس أو من المؤسسات يوجدون في شكل اتحاد او جمعية .
  • لها مصالح مشتركة تجمع بينهم و هي عادة مادية .
  • تستعمل عددا من وسائل الضغط و التأثير .
  • تمارس ضغطها على السلطة السياسية الحاكمة حتى تستجيب لطلباتها .

تصنيفها :
– جماعات المصالح و جماعات الأفكار :

  • الأولى هي التي تدافع عن مصالح مادية أساسا مثل جماعات التجار و أصحاب الأعمال و النقابات و الاتحادات المهنية .
  • جماعة الأفكار تسعى إلى فرض أفكار و قيم معينة سواء أخلاقية او سياسية مثل جمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان .

– جماعات الضغط الكلي و جماعات الضغط الجزئي :

  • جماعات الضغط الكلي همها الأساسي ممارسة نشاط الضغط على السلطات العامة و توجد بصفة أساسية في الولايات المتحدة الأمريكية (اللوبيات) .
  • أما جماعات الضغط الجزئي يكون الضغط فيها جزءا من نشاطها العام مثل الاتحادات المهنية .

– التصنيف حسب المجالات :
* جماعات الضغط السياسي (lobbies ) :
هي جماعات ذات مصالح سياسية بحتة تعمل على أن تكون لها علاقات دائمة مع رجال السلطة و تمارس الضغط بشكل مستمر للحصول على المزيد من الامتيازات مثل اللوبي اليهودي في أمريكا .
* جماعات الضغط شبه السياسية : مثل نقابات العمال و الاتحادات المهنية تستعمل النشاط السياسي كوسيلة لتحقيق أهداف اقتصادية و اجتماعية .
* جماعات الضغط الإنسانية مثل الجمعيات الخيرية لا تنشط إلا بقصد الحصول على اعانات مالية و قوانين لصالحها .
* جماعات الضغط ذات الهدف : تدافع عن مبادئ على مستوى محلي او دولي مثل greenpeace.
* جماعات الضغط للدفاع عن مصالح الدول الأجنبية مثل اللوبي الصهيوني و الياباني .
دور الجماعات الضاغطة :
تعتبر قوة اعتراض و قوة اقتراح في نفس الوقت و بالتالي فهي تمكن العديد من الأفراد من الدفاع عن مصالحهم و كذلك الكثير من الفئات الاجتماعية . لذا فهي تقدم معلومات مهمة للحكام لاتخاذ قرارات دقيقة و صائبة و ملائمة و أكثر واقعية في القطاع المعني ، فهي لها دور وساطة بين الحكام و المحكومين ، وبالتالي تمثل قناة يمارس من خلالها المواطنون سيادتهم و حياتهم الديمقراطية . و هناك عدة عوامل تحكم الدور الفعال للجماعات الضاغطة و هي العامل المالي و عامل كثرة الأعضاء و عامل حسن التنظيم و القدرة على الانتشار عبر الوطن .
وسائل الجماعات الضاغطة :

  • الاتصال بالحكومة (الصداقات ، الإغراءات المالية ، الحفلات ، إرسال الرسائل).
  • التأثير في النواب (الضغط عليهم ، تمويلهم في حملاتهم الانتخابية).
  • تعبئة الرأي العام (إصدار النشرات ، عقد الندوات ، استخدام وسائل الإعلام) .
  • العنف كالإضرابات و عرقلة العمل .

تتميز الجماعات عن الأحزاب فيما يلي :

  • تختلف عن الأحزاب في كونها لا تسعى للوصول إلى السلطة السياسية بل لتحقيق مصالح معينة مادية او معنوية .
  • أهدافها محدودة مقارنة مع الأحزاب .
  • لا تعتمد بصفة محددة أساسية على العدد الضخم من المنخرطين .
  • الأحزاب تقدم مرشحين لها في الانتخابات بعكس الجماعات الضاغطة التي قد تمول و تقدم مرشحين يخدمونها عن طريق الأحزاب .
  • تأثيرها على السلطة يمون غير مباشر بل كثيرا ما تعمل في الخفاء ..

لكن هناك علاقة وطيدة بين الأحزاب و الجماعات الضاغطة فكثيرا ما تسيطر الأحزاب عليها ، او أن الجماعات الضاغطة نمول الأحزاب .

البحث الثاني ، الفصل الثاني
نشأة الدساتير و مسارها
معنــــى الدستور :

لم يرد في قواميس اللغة العربية القديمة معنى واضح لكلمة الدستور ، لذلك حاول بعض فقهاء القانون الدستوري إرجاعها الى الاصل الفارسي ، ومعلوم ان اللغة العربية قد تأثرت سلبا وايجابا في مراحل مابعد نشر الدعوة الاسلامية في اصقاع الارض وتفاعلها مع الثقافات الاخرى الامر الذي يفسر لنا دخول الكثير من المصطلحات الى هذه اللغة واستقرارها على اساس انها ترمز لمفهوم معين ومن هذه المصطلحات ما يعرف بالدستور .
والمعنى المرادف لكلمة الدستور في اللغة العربية ( الاساس او القاعدة ) كما يمكن ان تعني الاذن والترخيص .
ويقابل كلمة الدستور في اللغة العربية اصطلاحا ( القانون الاساسي )
اما في اللغة الفرنسية واللغات المشتقة منها تعني كلمة دستور (constitution ) تعني التأسيس او التكوين .
فالدستور بهذا المعني ومن الناحية اللغوية ، هو مجموعة القواعد التي تحدد الاسس العامة لطريقة تكوين الجماعة وتنظيمها . وطبقا لذلك ، يمكن تصور وجود دستور في كل جماعة بشرية منظمة ، كالاسرة والقبيلة والحزب السياسي وكذلك يوجد وبصورة مستقرة في كل دولة حاليا على اساس ان الدولة هي من اكبر التنظيمات استقرارا واهمها ولها القدرة على تفعيل دور الجماعات الاقل حجما منها وتوجيه برامج التنمية ورفع القيمة الانسانية للافراد والجماعات المنضوية تحت لوائها لو احسن بناء هياكلها .
اما من الناحية الاصطلاحية : فكلمة الدستور تعني مجموعة القواعد القانونية المنظمة لممارسة السلطة ومصادرها والعلاقة بين القابضين عليها والاشخاص المعنوية والطبيعية العاملين تحت امرتها . وكذلك القواعد المتعلقة بالضمانات الاساسية للحقوق والحريات العامة في المجتمع
او هو : مجموعة القواعد القانونية التي تبين وضع الدولة و تنظم السلطات فيها من حيث التكوين و الاختصاص و تحديد العلاقة بينها بالإضافة إلى تقرير ما للفرد من حقوق وواجبات .
كان فلاسفة اليونان أول من تناول مصطلح الدستور بالمدلول السياسي ، و كان أبرزهم هو (أرسطو ) ، وإذا كانت بداية استخدام مصطلح الدستور كمفهوم سياسي قد بدأت في اليونان القديمة، إلا أن الاستخدام الحديث والمعاصر لهذا المصطلح قد ارتبط بنظريات العقد الاجتماعي والتطور الديمقراطي الذي بدأ في أوروبا.
إن الدستور كمفهوم سياسي قانوني قد تطور عبر العديد من المراحل ، وتبعا لنتيجة الصراع في كل مرحلة وصولا إلى مرحلة الدستور الديمقراطي ، فقد أدى هذا إلى تبلور مجموعة من التقاليد الدستورية الأصلية التي صارت تحكم العمل السياسي في الدول الغربية، خاصة وأن هذه التقاليد نابعة من واقع خبرة هذه المجتمعات ، الأمر الذي أدى إلى توفير الإطار الملائم للتطور الدستوري المستمر في هذه البلدان .
أسس و مبادئ الدستور الديمقراطي
لابد أن يحتوي الدستور على جملة من المبادئ يجري تفصيلها على نحو يلزم المشرع العادي بالتقيد بها من جهة، و أن تجد هذه المبادئ طريقها للتطبيق الكامل والنزيه من جهة أخرى، ومن أهم خصائص الدستور الديمقراطي والتي تبلورت عبر سنوات طويلة من الصراع بين أنصار إطلاق السلطة وأنصار تقييدها هي :
أ – لا سيادة لفرد أو لقلة على الشعب :
قديما كانت السيادة تعنى الحق المطلق في الأمر دون قيد أو منازع و نشأ هذا المفهوم للسيادة في ظروف خاصة في أوربا و فرنسا على وجه الخصوص ، ألا انه في الممارسات الدستورية الديمقراطية المعاصرة ليس هناك حق مطلق غير منازع وغير مقيد يعطى لصاحبه الحق في إصدار الأوامر ، حتى الشعب لا يملك هذا الحق المطلق غير المقيد ، وإنما يمارس الشعب سلطاته بموجب أحكام الدستور وكل دستور ديمقراطي معاصر مقيد بحقوق وحريات عامة لا يجوز مسها وشرائع وعقائد يجب مراعاتها .
إن وضع هذا المبدأ موضع التطبيق يتطلب ضرورة انتخاب أعضاء (البرلمان ) ، المناط بهم مهمة التشريع في ظل قيود الدستور ، بمعنى ألا تخالف التشريعات التي يضعونها أحكام ونصوص الدستور ،كما يتطلب ضرورة انتخاب المسؤولين عن السلطة التنفيذية المناط بهم دستوريا السيطرة على قرارات الحكومة وسياساتها، والقيام بمساءلة السلطة التنفيذية عن أداء مهامها وفقا لاختصاصاتها الدستورية .
ب – مبدأ سيادة القانون :
و يعني إن القانون هو أعلى سلطة في الدولة و لا يعلو عليه أحد ، إن تطبيق هذا المبدأ على ارض الواقع هو ما تتميز به الحكومة الدستورية الديمقراطية و من أجل تطبيق هذا المبدأ لابد من وجود ضمانات لاحترامه ، وتتمثل هذه الضمانات في وجود جزاء على مخالفة أحكام هذا المبدأ وأفضل أداة لتحقيق ذلك هي وجود هيئة قضائية تتوافر فيها ضمانات الاستقلال والنزاهة والكفاية وتكون مهمتها إلغاء القرارات المخالفة للقانون .
وأبرز مظاهر هذا المبدأ هو ( مبدأ سمو الدستور)، ، أي انه لا يوجد أي نص أعلى من الدستور أو يساويه في المرتبة ، ومن ثم لا يجوز مخالفة أحكامه ، لذا يُطلق على الدستور مصطلح القانون الأساسي، أو قانون القوانين، تمييزاً له عن بقية التشريعات (القوانين والأنظمة)، و لكون الدستور أعلى مرتبة من القوانين فقد نشأ : مبدأ سمو الدستور، والحقيقة أن القوانين هي الأخرى سامية ولكن بالنسبة للأنظمة فقط، ولذلك انحصر السمو على الدستور فحسب لأنه هو الذي يحدد معاييراً وقيماً للنظامين القانوني والسياسي في الدولة.
وينطوي سمو الدستور على سمو موضوعي وآخر شكلي:
ويتحقق السمو الموضوعي بالدستور لأنه يتضمن قواعد بشأن شكل الدولة ونظام الحكم فيها، والسلطات الثلاث ( التشريعية و التنفيذية و القضائية )، أي كيفية ممارسة السلطة ومصدرها، والعلاقة بين الحكام والمحكومين، إضافة إلى حقوق وحريات الأفراد.
أما السمو الشكلي فإنه يتضمن شكل وإجراءات وضع القواعد الدستورية، وهي طريقة أصعب من طريقة وضع قواعد القوانين العادية، وكذلك قواعد وطرق تعديل الدستور.
ويترتب على هذا المبدأ ، نتيجتين هامتين :
1 – دعم مبدأ المشروعية القانونية ، من خلال أيجاد مرجعية دستورية تنبثق عنها القوانين وتقيد سلطة المشرع في إصدار القوانين .
2 – التأكيد على إن الدستور يبين الاختصاصات وأنه على جميع سلطات الدولة أن تراعى اختصاصاتها الدستورية ، فلا تخرج عن إطار اختصاصاتها .
جـ – الفصل بين السلطات الثلاث وتحقيق التوازن فيما بينها :

الدستور الديمقراطي يقوم على عدم تركيز السلطة في هيئة واحدة ، وإنما يقوم على توزيع السلطات وتحقيق التوازن بين السلطات الثلاث( التشريعية والتنفيذية والقضائية) ، بما يؤدى إلى عدم انفراد أي مؤسسة من مؤسسات النظام السياسي بالسلطة ، و في نفس الوقت يحقق التعاون المطلوب بينها لتسيير العمل السياسي،
د – ضمان الحقوق والحريات العامة :
يتمثل هذا البعد للدستور الديمقراطي في توفير الضمانات اللازمة لممارسة الحقوق والحريات العامة ، وهو بعد مكمل لخصائص الدستور الديمقراطي ، ويعبر عن مميزاته ، ومن ثم فالدستور الديمقراطي يهتم بتوفير هذه الضمانات قدر عنايته بتحديد اختصاصات السلطات وضبط تصرف الحكام .
هـ – تداول السلطة سلمياً :
وهو مبدأ أساسي من مبادئ الدستور الديمقراطي ، فتداول السلطة بين القوى السياسية الشرعية ، أي المعترف بها قانونيا ، يجب أن يكون وفقا لنتائج الاقتراع العام ، وما يسفر عنه انتخابات ديمقراطية ، وعلى أحكام الدستور الديمقراطي أن توجد المؤسسات وتخلق الآليات اللازمة لذلك .
يقع الدستور في قمة الهرم القانوني للدولة، وتحتاج إليه كل دولة قانونية، إذ هو يحدد طبيعة الدولة (هل هي بسيطة أم اتحادية)،و شكل نظام الحكم فيها، كما يحدد علمها وعاصمتها ولغتها وعقيدتها الفكرية والسياسية، والمسألة الثانية التي ينظمها الدستور هي السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية من حيث تشكيلاتها واختصاصاتها، وطبيعة العلاقة الدستورية فيما بينها، و يُنظم الدستور الحقوق والحريات السياسية والمدنية سواء على صعيد الفرد أو مؤسسات المجتمع المدني ،وكلما تضمن الدستور في نصوصه على مبادئ حقوق الإنسان كان أكثر ديمقراطياً ، و الأهم من ذلك تطبيق هذه ! النصوص ، فالنصوص التي لا تجد طريقها إلى التنفيذ تعد نصوصاً معطلة .
إن هناك معيارين لتعريف الدستور، المعيار الشكلي وهو يعتمد بصفة أساسية على الشكل الخارجي للدستور أو الجهة التي أصدرته ،فالدستور هو مجموعة من القواعد القانونية التي لا يمكن أن توضع أو تعدل إلا بعد إتباع إجراءات خاصة تختلف عن إجراءات وضع وتعديل القانون العادي. والمعيار الموضوعي الذي يعتمد على مضمون القاعدة أو موضوعها ، ففي ظل المعيار الموضوعي يقصد بالدستور مجموعة القواعد القانونية التي تنظم مزاولة السلطة السياسية في الدولة فتنظم شكل الدولة الخارجي والسلطات المختلفة فيها ووظيفة كل منها والعلاقات فيما بينهما، كما أنها تبين ما يفترض أن تقوم به الحكومة وما لا ينبغي أن تقوم به من ناحية أخرى.
أنواع الدساتير
1 – الدساتير المكتوبة والدساتير غير المكتوبة
أ – الدستور المكتوب :
يكون الدستور مكتوباً إذا كان صادراً عن الجهة المختصة بذلك على شكل نصوص تشريعية رسمية ، قد تكون في وثيقة رسمية واحدة( وثيقة الدستور) أو عدة وثائق دستورية مكتوبة ، و اتخذت الإجراءات و الأشكال الخاصة التي تختلف عن الإجراءات و الأشكال التي تصدر بها القوانين العادية .
ب – الدستور غير المكتوب : وهو الذي تتكون قواعده نتيجة العادة و التكرار في الشؤون التي تتعلق بنظام الحكم و العلاقة بين السلطات ،فهو عبارة عن قواعد عرفية استمر العمل بها لسنوات طويلة حتى أصبحت بمثابة القانون الملزم و يطلق بعض الفقهاء على الدستور غير المكتوب اصطلاح(الدستور العرفي) ، نظرا لأن العرف يعتبر المصدر الرئيسي لقواعده ،و تكون الدساتير عرفية عندما تستند إلى العرف ولا تضمها وثيقة خاصة ، والعرف هو تصرف مادي وسلوك معين تقوم به مؤسسات الدولة أو بعض هذه المؤسسات ولا يحصل اعتراض على هذا السلوك بوصفها تتميز بوصف قانوني . وهذا يعني إن للعرف ركنين : الركن المادي والمتمثل بالسلوك . والركن المعنوي المتمثل بحصول الرضا عن هذا السلوك بوصفه قانونا مل زما.
من الناحية التاريخية فإن الدساتير غير المكتوبة أسبق من الدساتير المكتوبة ،إلا أنه بعد انتشار حركة التدوين تقلصت الدساتير غير المكتوبة و أصبحت الدساتير المكتوبة هي الغالبة ،و لم يبقى من الدساتير العرفية في الوقت الحاضر سوى الدستور الإنجليزي. لقد ظهرت أول الدساتير المكتوبة في القرن الثامن عشر ، حيث أخذت بها الولايات الأمريكية التي بدأت تضع دساتيرها ابتداء من سنة 1771 بعد استقلالها عن إنجلترا ، و عندما كونت هذه الولايات تعاهداً فيما بينها صدر دستور الدول المتعاهدة عام 1781، وبازدياد الروابط بينها تحولت إلى نظام الدولة الاتحادية، وظهر الدستور الاتحادي سنة 1787 وهو الساري الآن في الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن ادخل عليه الكثير من التعديلات ، وأخذت الدول الأخرى فكرة الدساتير المكتوبة من الولايات المتحدة ، فلما قامت الثورة الفرنسية اعتنق رجالها هذه الفكرة ، وكان أول دستور لهم دستورا مكتوبا وهو دستور سنة 1791 و تأخذ فرنسا بالدساتير المكتوبة منذ ذلك الوقت، و انتشرت فكرة الدساتير المكتوبة إلى كل بلاد العالم من أمريكا و فرنسا ، بحيث أصبحت الدساتير المكتوبة هي القاعدة العامة و الدساتير غير المكتوبة ( العرفية ) هي الاستثناء.
إن تقسيم الدساتير إلى مكتوبة و عرفية هو تقسيم نسبي و غير مطلق ، فالدول التي تأخذ بالدستور العرفي قد أوجدت إلى جانبه وثائق مكتوبة ، كما هو الحال في إنجلترا حيث يحكمها دستور عرفي تكونت قواعده بالعادة والسوابق الدستورية المتكررة ، و إلى جانب الدستور العرفي فإنها تأخذ بعدد من الوثائق المكتوبة ، كالعهد الأعظم الصادر سنة 1215 ووثيقة ملتمس الحقوق الصادرة سنة 1629 ، ووثيقة إعلان الحقوق الصادرة سنة 1688 ، و وثيقة الانضمام بين إنجلترا و ايرلندا سنة 1800 ، و وثيقة البرلمان سنة 1911 و وثيقة تنظيم الوصاية على العرش سنة 1937. و بالعكس فإن الدول التي تأخذ بالدستور المكتوب لا تنكر إن للقواعد العرفية دوراً إلى جانب الوثائق الدستورية المكتوبة.
إن التمييز بين الدساتير المكتوبة والدساتير غير المكتوبة يقوم على أساس العنصر الغالب أو الأعم ، حيث يرى بعض فقهاء القانون الدستوري إن الدستور يعتبر مكتوباً إذا كان في اغلبه صادر في شكل وثيقة أو عدة وثائق رسمية من المشرع الدستوري ، ويعتبر غير مكتوب إذا كان في أغلبه مستمدا من العرف والقضاء أي من غير طريق التشريع .
و هناك خلاف بين فقهاء القانون الدستوري حول مسألة أي النوعين أفضل، الدساتير العرفية أم الدساتير المكتوبة ، حيث يرى بعض الفقهاء بأن النوع الأول أفضل على أساس إنها تتسم بالمرونة و عدم التعقيد على عكس الدساتير المكتوبة والتي تتسم بالجمود ، في حين يرى البعض الآخر بأن الدساتير المكتوبة أفضل ، لأنها:

  • تؤدي إلى ضمان حقوق الأفراد وحرياتهم كونها تتسم بالوضوح و الدقة والتحديد و سهولة الإطلاع عليها ومعرفة ما تحتويها من نصوص منظمة لنظام الحكم وللحقوق والحريات مما يسهّل على أفراد الشعب معرفة ما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات ، على عكس القواعد العرفية التي يشوبها الغموض وعدم التحديد.
  • يمكن وضع القواعد الدستورية في وقت قصير بالمقارنة بالقواعد العرفية التي تستغرق وقتاً أطول حتى يتم تكوينها.
  • يتجاوب الدستور المكتوب مع المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الدولة .

2 – الدساتير المرنة والدساتير الجامدة
أ – الدساتير المرنة:
هي التي يمكن تعديلها بنفس الإجراءات التي يتم بها تعديل القوانين العادية أي تكون الجهة المناط بها سلطة التعديل أو الإلغاء هي السلطة التشريعية وفقاً لأحكام الدستور ، و تعتبر الدساتير العرفية دساتير مرنة وأبرز مثال لها هو الدستور الإنجليزي ، إذ إن سلطة التعديل ممنوحة للبرلمان حيث يستطيع أن يعدل الدستور بالطريقة التي يعدل بها أي قانون عادي آخر ، كما يمكن أن تتسم الدساتير المكتوبة بالمرونة إذا لم تشترط إجراءات معقدة لتعديلها ، مثل دستور إيطاليا لسنة 1848 و دستور الاتحاد السوفيتي السابق لسنة 1918.
ب – الدساتير الجامدة: هي الدساتير التي لا تعدل أو تلغى بنفس الإجراءات التي تعدل بها القوانين العادية ، بل يستلزم تعديلها إجراءات أشد من تلك التي تم بها تعديل القوانين العادية ، ويهدف واضعو الدستور الجامد إلى كفالة نوع من الثبات لأحكامه وذلك باشتراط إجراءات خاصة تجعل تعديل الدستور صعباً ، و يتلاءم الجمود مع طبيعة الدساتير باعتبارها أعلى مرتبة بين القوانين العادية، إذ يجب إلا تتساوى إجراءات تعديلها مع إجراءات تعديل هذه القوانين، بل يجب أن تكون أصعب و أشد منها، و يتميز الدستور الجامد بالثبات و الاستقرار ، وتحقيق الاحترام للدستور سواء لدى أفراد الشعب أو الهيئات الحاكمة ، و من أمثلة الدساتير الجامدة هو دستور أمريكا سنة 1787 و الدساتير الفرنسية و المصرية 1923 – 1956 – 1971 .
إن معظم الدساتير النافذة في الوقت الحاضر هي دساتير جامدة بالنظر لاختلاف إجراءات تعديلها عن إجراءات تعديل القوانين العادية ، حيث تشترط إجراءات صعبة لغرض تعديل الدستور ، و يتراوح جمود الدستور بين حظر تعديل الدستور ، و بين جواز التعديل بشروط خاصة أو مشددة ، فبالنسبة لحظر تعديل الدستور فإن واضعي الدساتير المحظور تعديلها لا يوردون فيها عادة نصا بالحظر المطلق من كل قيد ، بل يلجأ ون إلى نوعين من الحظر ، الحظر الزمني حيث يتم تحديد فترة زمنية كافية لتثبيت أحكام الدستور قبل السماح باقتراح تعديلها، أو الحظر ا لموضوعي وذلك لحماية أحكام معينة في الدستور بطريقة تحول دون تعديلها أصلا، حيث يتقرر هذا الحظر بالنسبة لأحكام معينة في الدستور تعتبر جوهرية وخاصة ما يتعلق منها بنظام الحكم المقرر، و من أمثلة الدساتير التي أخذت بالحظر الموضوعي هو دستور البرتغال لسنة 1991 الذي يحظر تعديل شكل الحكومة الجمهورية .
أما بالنسبة لجواز التعديل بشروط خاصة ، فإن الدساتير تختلف اختلافا كبيراً فيما تورده من أحكام بشأن كيفية تعديلها 3 – الدساتير المفصّلة والدساتير الموجزة
إن أغلب دساتير العالم هي مفصّلة ، و قد تكون بعض الدساتير موجزة كما هو الحال في الدستور الأمريكي ، و النوع الأول من الدساتير هي الأفضل لأنها لا تحتاج إلى كثرة التعديل، كما أنها تنظم الأمور الدستورية تنظيماً واضحاً وصريحاً.
4 – الدساتير الدائمة والدساتير المؤقتة
الأصل في الدساتير أن تكون دائمة ، غير أنه يمكن أن تكون هناك ضرورة لإصدار دستور مؤقت ، كما هو الحال عند حدوث ثورة أو انقلاب أو أن يحدث تغيير سياسي في إحدى الدول ، فقد يحدث أن يصدر الحكام الجدد الذين قبضوا على السلطة إعلان دستوري مؤقت يسري تطبيقه إلى أن يتم وضع دستور دائم من قبل الهيئة المخولة بذلك، ثم إقراره من قبل الشعب في استفتاء عام، وهدف ذل ك هو تحقيق نوع من الضبط لأداء وممارسة السلطة القائمة ، ويعتبر هذا الترتيب جزء من ترتيبات المرحلة الانتقالية ، غير أن بعض الأنظمة وخاصة الدكتاتورية التي تخضع إلى دستور مؤقت تبقي على دستورها المؤقت ولا تحترم ما وعدت به في أول يوم وصلت فيه إلى السلطة بوضع دستور دائم في أقرب وقت ممكن، وهذا كان حال الحكم الدكتاتوري البائد منذ أن استولى على الحكم و حتى سقوطه في 9/4/2003 ، ويمر العراق الآن بمرحلة كتابة مسودة الدستور الدائم ، وطبقاً لأحكام المادة الواحدة و الستون من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية ، فإن على الجمعية الوطنية كتابة المسودة للدستور الدائم و عرضها على الشعب العراقي للموافقة عليه باستفتاء عام .
أساليب نشأة الدساتير
لقد مرت عملية نشأة الدساتير بعدة مراحل:
المرحلة الأولى حيث كان الملوك ينفردون بسلطة وضع وتأسيس الدستور وهو ما يطلق عليه أسلوب المنحة ، المرحلة الثانية وهى المرحلة التي تبرز فيها جهود الشعب عن طريق هيئات تعمل باسمه لحمل الملوك على الاعتراف بحق الشعب في المشاركة في هذه السلطة وهو ما يعرف بأسلوب العقد ، المرحلة الثالثة وهى مرحلة انفراد الشعب بسلطة وضع الدستور وهو أسلوب الجمعية التأسيسية ، والذي قد أدى إلى ظهور أسلوب الاستفتاء الدستوري ( الاستفتاء الشعبي )، و في الحالات التي لا يباشر فيها الشعب بنفسه السلطة التأسيسية بل يوكلها إلى هيئة أو لجنة مختصة تضع مشروع الدستور ، فإنه لا يتحول إلى دستور إلا بعد موافقة الشعب عليه في الاستفتاء العام .
و تتباين أساليب نشأة الدساتير في الدول حسب ظروف النظام السياسي القائم ونوع الحكم السائد في الدولة ودرجة النضج السياسي لدى الرأي العام فيها ، و يلعب الأسلوب الذي يتبع في وضع الدستور دوراً هاما في كشف المذهب السياسي الذي ينطوي عليه ، و يجمع فقهاء القانون الدستوري على أن أساليب نشأة الدساتير تصنف إلى نوعين رئيسيين هما الأساليب غير الديمقراطية و الأساليب الديمقراطية ، و تعبر الأساليب غير الديمقراطية عن غلبة إرادة الحاكم على إرادة الشعب أو على الأقل اشتراك الإرادتين في وضع الدستور، و الأساليب غير الديمقراطية هي:
1 – أسلوب المنحة :
في بداية نشأة الدول كان الحكام ( ملوكاً أو أمراء ) ينفردون وحدهم بتملك وممارسة السلطة ، وكانوا يقومون من جانبهم بإصدار الدساتير ،لذلك أطلق على هذا الأسلوب لوضع الدستور ( أسلوب المنحة) ، حيث يصدر الدستور بإرادة الحاكم صاحب السلطان والسيادة ، دون أن يشاركه أحد في هذا الإصدار، و يأتي الدستور في هذه الحالة من الأعلى ، أي ينزل من الحاكم على الشعب ، فالحاكم يوافق على التضحية بجزء من سيادته أو يوافق على تنظيم طريقة مزاولته لها، مثال ذلك الدستور الذي أصدره الملك لويس الثامن عشر ملك فرنسا في يونيو 1814 و دستور اليابان 1889 الذي منحه الإمبراطور للشعب .
إن هذا الأسلوب هو أسلوب قديم لوضع الدساتير و قد عفى عليه الزمن واندثر تماما،ً لما فيه من عيوب و ما توجه إليه من انتقادات، أهمها ، إنه يعطي للحاكم حق إلغاء ما أصدره ومنحه لشعبه من دستور ، لاعتقاده القوي بأن من يملك المنح يملك المنع ، كما أنه دليل على عدم تقدم الديمقراطية . ومع تقدم الديمقراطية في العصر الحديث فقد تراجع الأخذ بهذا الأسلوب في إصدار الدساتير ، حيث اندثرت في الوقت الحاضر جميع الدساتير الصادرة بها الأسلوب باستثناء دستور إمارة موناكو 1911.
و يمكن القول بأن الدستور المؤقت الذي تصدره حكومة معينة يعتبر من قبيل المنحة ، فقد يحدث أن يصدر إعلان دستوري مؤقت يسري تطبيقه إلى أن يتم وضع دستور دائم من قبل الهيئة المخولة بذلك، ثم إقراره من قبل الشعب في استفتاء عام، وهدف ذلك هو تحقيق نوع من الضبط لأداء وممارسة السلطة القائمة، ويعتبر هذا الترتيب جزء من ترتيبات مرحلة انتقالية.
2 – أسلوب العقد :
وهي الطريقة الثانية من الطرق التي اندثرت و عفى عليها الزمن في وضع الدساتير ، حيث ينشأ الدستور في هذه الحالة بناء على اتفاق بين الحاكم والشعب واشتراك إرادتهما على قبول الدستور ، فالشعب يدخل في الأمر كطرف أصيل في هذا العقد، ويترتب على هذه الطريقة عدم استطاعة أي منهما( الحاكم أو الشعب ) إلغاء الدستور أو سحبه أو تعديله إلا بناء على اتفاق الطرفين ، وبذلك يضمن الشعب عدم إقدام الحاكم على إلغائه أو تعديله، فالدستور هو نتيجة لاتفاق إرادتين في صورة عقد، و وفقاً للقاعدة القانونية – العقد شريعة المتعاقدين – فلا يجوز نقضه أو إلغاؤه أو تعديله إلا بإرادة طرفيه.
وهذه الطريقة تفترض حدوث نوع من أنواع التطور على طريق التقدم الديمقراطي حيث يمثل هذا الأسلوب خطوة إلى الأمام في الطريق نحو الحرية والديمقراطية ، إلا أنه لا يعتبر أسلوبا ديمقراطيا، وهذا الأسلوب فرضته الظروف الجديدة التي ظهرت بعد فترة من نضال الشعوب من أجل الحقوق والحريات العامة، وكسر شوكة الحكم المطلق و محاربة استبداد السلطة المطلقة المتمثلة في استبداد الملوك والأمراء وقادة الانقلابات العسكرية . ومن الدساتير التي وضعت حسب هذه الطريقة هو دستور دولة الكويت سنة 1962 وكذلك دستور دولة البحرين سنة 1973.
وتوجه إلى طريقة العقد عدة انتقادات أهمها هو، إن الملك يعد في هذه الحالة مساويا للشعب مع أنه لا يقتسم معه حق السيادة ، وطالما إن السيادة للشعب ، فلا يكون له أن يشترك معه في إبرام عقد يحدد اختصاصاته واختصاصات ممثلي الشعب .
الأساليب الديمقراطية لنشأة الدساتير
1 – أسلوب الجمعية التأسيسية :

تعد هذه الطريقة من الأساليب الديمقراطية لخلق الدساتير ،حيث تعد أكثر ديموقراطية من الطريقتين السابقتين ،كما يمثل م رحلة أكثر تقدماً في نضال الشعوب ضد الحاكم المطلق ، ويصدر الدستور وفقاً لهذه الطريقة من الجمعية التأسيسية ، أو كما يطلق عليها اسم الجمعية النيابية التأسيسية ، والتي تنتخب بصفة خاصة من الشعب و يعهد إليها مهمة وضع و إصدار دستور جديد يصبح واجب النفاذ ، حيث يتاح للشعب فرصة انتخاب ممثليه ليقوموا بمهمة وضع الدستور ، وأول من أخذ بهذه الطريقة هي الولايات المتحدة الأمريكية بعد استقلالها عن بريطانيا سنة 1776 كما اتخذته أمريكا أسلوباً في وضع وإقرار دساتير الولايات و دستورها الاتحادي، و اعتمد رجال الثورة الفرنسية على هذا الأسلوب ،و اتبع هذا الأسلوب في وضع معظم الدساتير التي ظهرت عقب الحرب العالمية الأولى و الحرب العالمية الثانية ،مثال على ذلك ( فرنسا في دستور 1948) .
2 – أسلوب الاستفتاء الشعبي أو الاستفتاء الدستوري :
في هذه الحالة يصدر الدستور مباشرة من الشعب ،و تعد أكثر الطرق ديموقراطية ، حيث يتم تحضير مشروع الدستور بواسطة جمعية نيابية منتخبة من الشعب أو بواسطة لجنة حكومية أو بواسطة الحاكم نفسه ثم يعرض على الشعب في استفتاء عام لأخذ رأى الشعب في مشروع الدستور ولا يصبح الدستور نافذا إلا بعد موافقة الشعب عليه.
ومن الدساتير التي وضعت حسب هذه الطريقة دستور الجمهورية الفرنسية الرابعة دستور 1946، والدستور المصري لعام 1956 والدائم لعام 1971 .
عملية تعديل الدستور
يمكن أن تمر عملية تعديل الدستور بأربع مراحل أساسية هي :
– اقتراح التعديل: قد يتقرر حق اقتراح تعديل الدستور للحكومة وحدها أو للبرلمان وحده أو لكليهما معا، أو لكل من البرلمان والشعب.
– تقرير مبدأ التعديل: يمنح البرلمان عادة سلطة تقرير ما إذا كانت هناك ضرورة لتعديل الدستور من عدمها ، على اعتبار إن البرلمان يمثل الشعب وهو بهذه الصفة أكثر السلطات صلاحية لتقرير مدى ضرورة التعديل ، و تتطلب بعض الدساتير موافقة الشعب على إقرار مبدأ التعديل ، بالإضافة إلى موافقة البرلمان.
– إعداد التعديل : إن بعض الدساتير تشترط انتخاب هيئة خاصة توكل إليها مهمة التعديل، إلا أن معظم الدساتير تعطي البرلمان هذه المهمة حسب شروط خاصة من أهمها اجتماع البرلمان في شكل مؤتمر أو اشتراط نصاب خاص لصحة جل سات البرلمان أو في التصويت لصحة القرارات الصادرة منه أو في كليهما معا.
– الإقرار النهائي للتعديل : إن معظم الدساتير تجعل نفس الهيئة التي توليها اختصاص إعداد التعديل الدستوري مختصة أيضا بإقراره نهائيا وهذه الهيئة تكون هيئة تنتخب خصيصا لأداء المهمة الموكولة إليها، مع تطلب شروط خاصة فيه. و تعطي بعض الدساتير سلطة إقرار التعديل للشعب عن طريق الاستفتاء الدستوري .
التعديل الدستوري في الجزائر :
عرفت الجزائر 4 عمليات مراجعة للدساتير ، فقد تم وقف العمل بدستور 1963 ، كما تم تعديل دستور 1976 ثلال مرات 1979 و 1980 و 1988 ، قبل أن يوضع دستور جديد للبلاد عام 1989 الذي تمت مراجعته في 1996 و عرف هذا الأخير تعديل ، و اغلب الفقهاء يقولون أن المراجعة ليست تعديل وإنما إلغاء .
إجراءات التعديل :
– المبادرة بالتعديل :
تم إناطة حق المبادرة بالتعديل إلى رئيس الجمهورية فقط في دستور 1976 و دستور 1989 ، وبرئيس الجمهورية و البرلمان معا في دستور 1963 . أما في دستور 1996 فلرئيس الجمهورية حق المبادرة بالتعديل الدستوري م 174 ، وكذلك ل ثلاث أرباع أعضاء غرفتي البرلمان المجتمعتين معا أن يبادروا باقتراح التعديل على رئيس الجمهورية الذي يمكنه عرضه على الاستفتاء الشعبي .م 177 .
– إقرار التعديل : يكون بطريق مختلفة :
*إما عن طريق البرلمان لكن وفق إجراءات خاصة و بنسبة تصويت معينة تختلف عن نسبة المصادقة على القوانين العادية ، ونجد ذلك في نص المادة 176 ” إذا ارتأى المجلس الدستوري أن مشروع اي تعديل دستوري لا يمس البتة المبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري، وحقوق الإنسان والمواطن وحرياتهما، ولا يمس بأي كيفية التوازنات الأساسية للسلطات والمؤسسات الدستورية، وعلل رايه، أمكن لرئيس الجمهورية أن يصدر القانون الذي يتضمن التعديل الدستوري مباشرة دون ان يعرضه على الاستفتاء الشعبي، متى أحرز ثلاثة ارباع (4/3) أصوات أعضاء غرفتي البرلمان ” .
* او عن طريق الاستفتاء الشعبي أي أن مشروع التعديل يعرض على الشعب للمصادقة عليه حتى يصبح نافذا و تناولت هذا المادة 174 فيقوم رئيس الجمهورية بإصداره خلال 50 يوم الموالية لإقراره .
في الأخير نجد أن عملية تنظيم المراجعة الدستورية بعيد عن الشعب صاحب السيادة حتى ولو أن نص المادة 7 تقول ان السلطة التأسيسية ملك للشعب ” ، لكن أحكام المراجعة الدستورية لا تعكس ذلك بحيث انه لم تدرج ضمن أسلوب المراجعة الدستورية ممارسة حق الاقتراح الشعبي المعمول به في الأنظمة الديمقراطية شبه المباشرة ، وبالتالي فالشعب مستبعد تماما من حق القيام بتعديل الدستور .
نهاية الدساتير
لا نقصد بنهاية الدستور نهاية بعض نصوصه أي الإنهاء الجزئي لهذه النصوص عن طريق تعديلها ، ولكننا نقصد التعديل الشامل او الإنهاء الكلي للوثيقة الدستورية . و يحدث الإنهاء عندما يتضح عجز ما يتضمنه من مبادئ و أحكام عن مسايرة التطورات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية في المجتمع ، بحيث لا تكفي التعديلات بل يلزم وضع دستور جديد
الطريق العادي لإنهاء الدساتير : يعني الإعلان عن إلغائه و توقف العمل به في هدوء و بغير عنف ، واستبداله بدستور جديد يتلاءم مع التطورات السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية للبلاد .
و انتهاء حياة الدستور بالإلغاء يختلف بحسب ما إذا كان الدستور عرفيا أو مكتوبا . لان تعديل الدستور العرفي سواء تعديل جزئي أو كلي لا يمثل صعوبة فقد يتم إما عن طريق إنشاء قواعد عرفية جديدة تتوافر لها أركان العرف المادي و المعنوي ، وإما بإصدار دستور مكتوب يلغي الدستور العرفي و يحل محله ، أما الدساتير المكتوبة فقد تكون جامدة أو مرنة . ولا توجد عقبات في سبيل تعديل الدستور المرن لانها تعدل بنفس الطريقة التي تعدل بها القوانين العادية . اما الدستور الجامد فيتم الالغاء فيه بوضع دستور جديد يحل محل القديم باحد اساليب نشاة الدساتير السابق دراستها .
الطريق الغير عادي لإنهاء الدساتير : المقصود بالطريق الثوري لإنهاء الدساتير إسقاطها و القضاء عليها و إيقاف العمل بها في أعقاب اندلاع ثورة أو وقوع انقلاب .
يميز بعض الفقه الدستوري بين الثورة و الانقلاب من حيث الهيئة التي تقوم بالنشاط الثوري فالثورة تصدر عن الشعب و تنبع منه أما الانقلاب فيصدر عن السلطة الحاكمة أو طائفة معينة . و الراجح فقها أن الفارق الجوهري إنما يكمن في الهدف الذي ابتغاه مصدر الحركة فإذا كان الهدف من الحركة تغيير النظام السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي السائد في الدولة و إحلال نظام جديد محله غدت الحركة ثورة . أما إذا كان الهدف من الحركة هو تغيير الحكومة القائمة بطريق العنف و إحلال حكومة جديدة محلها دون تغيير النظام القانوني السائد في الدولة غدت هذه الحركة انقلابا . و على هذا النحو تهدف الثورة إلى إقامة نظام سياسي و اجتماعي و اقتصادي جديد على أنقاض النظام القديم بينما يهدف الانقلاب إلى استبدال حاكم بآخر و تغيير الأوضاع السياسية فقط .

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى