نظرية العلاقات الدولية

النظرية في العلاقات الدولية

ربما لم تتعرض نظرية في مجال العلاقات الدولية للنقد النظري و العملي أكثر من الواقعية. وقد كان من المفترض أن يكون فشل النظرية في تفسير والتنبؤ بالنهاية الفجائية السلمية للحرب الباردة هو الخاتمة الحتمية لهذه النظرية. غير أنه ليس من المنظور أن تنتهي هذه النظرية، بل على العكس من ذلك فإن بعض الواقعيين يعتقدون أن نظريتهم سوف تستمر مثلما كانت دائماً على مدى أكثر من ألف عام في الهيمنة على مجال العلاقات الدولية ومجريات السياسة.
كيف إذن يمكن لنظرية قد فشلت تماماً في التنبؤ بحدث من أهم أحداث زماننا هذا، و التي اعتبرها البعض عديمة الجدوى والمعنى بالإضافة إلى إنها من الناحية النظرية أو العملية مدعاة للاعتراض الدائم، كيف يمكن لها أن تستمر في البقاء ؟

لقد كثر الهجوم المباشر والدفاع عن الواقعية. ومع ذلك، فقليل هم الذين حاولوا العثور على أسباب بقاء واستمرار النظرية. إن هذا المقال يتناول هذا السؤال، الذي وإن كان يبدو بديهياً فهو مهمل، كما أنه يحاول أن يجد الإجابة في أربعة عوامل أساسية:
1 – إلباس الواقعية صفة العلم.
2 – فشل ناقديها في تحقيق هجمات متناسقة ومتماسكة على النظرية.
3 – القوة الحقيقية للواقعية في تفسير الحرب والصراع في العلاقات الدولية.
44 – دورها الأيديولوجي بالنسبة للولايات المتحدة (القوى العظمى) .

1- العلم والواقعية:

يعتبر التزام نظرية الواقعية بالفهم العلمي للسياسة الدولية واحداً من الأسباب الرئيسية التي جعلت هذه النظرية تسيطر على العلاقات الدولية على الأقل في الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية. وللحق، فإنه على الرغم من أن الواقعيين لم يكونوا وحدهم الملتزمين بالتحليل العلمي للسياسة، كما لم يشارك جميعهم في الاعتقاد بالأيديولوجية العلمية (أو الإيجابية المنطقية) إلا أن مهندسي الواقعية الرئيسيين هم الذين دافعوا عن علمنة السياسة، وقد كان هذا هو أحد الأسلحة الفعالة في نقد المدارس الفكرية الأخرى لكونها مشوشة وغير دقيقة، هذا إلى جانب إغراقها في المثالية.
و عن طريق الادعاء بأن الواقعية هي نظرية علمية، فقد استطاع الواقعيون إقناع الآخرين بكون نظرياتهم الواقعية قابلة للتطبيق في أي زمان ومكان، و أنها متحررة من القيم بالإضافة إلى أنها عالمية وموضوعية.
وعلى الرغم من أن هذا الاعتقاد في التحليل العلمي للسياسة العالمية لم يكن العامل الوحيد الذي ساعد الواقعية على الهيمنة والبقاء من عصر إلى آخر في مجال العلاقات الدولية، إلا أنه مما لاشك فيه قد ساعد الواقعية على أن تتسمى خطأ بالواقعية، وأن تتبوأ هذه المكانة العلمية التي لم تكن لتستحقها أساساً.
إلا أن الواقعية كعلم قد فشلت في إنتاج أعمال علمية كانت تتطلع إليها. كما أنه في الآونة الأخيرة، أصبحت هيمنة الوضعية التجريبية (أو التحليل العلمي للسياسة) محل تساؤل ليس فقط على المستوى المنهجي ولكن أيضا على المستويين الفلسفي و المعرفي، وذلك من خلال ما سماه “يوسف لابيد” بـ “الجدل الثالث لتعريف العلم”، غير أنه ليس من المنتظر أن يتم نزع الثقة من الوضعية مرة واحدة وللأبد من خلال هذا الجدل الثالث .
فإذا كان الماضي بمثابة دليل استرشادي للمستقبل، فإن هذه المناقشات الكبيرة في العلاقات الدولية لن تصل أبداً إلى حل، وسوف تستمر الواقعية في الاستفادة من تسميتها المغلوطة كعلم، فتخرس ناقديها وتدعى أنها النظرية المتحررة من القيم العلمية الموضوعية ولكن كلما ازداد عدد هؤلاء الذين يتساءلون حول جدوى الصفة العلمية للواقعية، كلما فقدت الواقعية ببطء سطوتها التي لا تستحقها أصلاً.
هل نجح الواقعيون في صياغة نظريات علمية ؟ إذا كان من الممكن إظهار الصفة غير العلمية لجميع النظريات الواقعية الرئيسية، فإنه يكفى مناقشة “مورجنثاو” و “والتز” اللذين يعدان الأبويين المؤسسين للواقعية الكلاسيكية والواقعية الجديدة، كما أنهما من أشد المؤمنين بالتحليل العلمي للسياسة.

إلى أي مدى كانت أعمال مورجانتو “علمية” في دراسته للعلاقات الدولية؟ ( نقد لعلمية مورجانتو)

– وقد أعلن مورجنثاو بثقة أنه من الممكن التمييز بين الحقيقة و الاعتقاد، كما بالغ في التحدث حول طبيعة الإنسان المبنية على القوانين الموضوعية العالمية. إلا أنه عندما يصل الحديث إلى الواقعية، نجد “مورجنثاو” فطناً بالدرجة الكافية بحيث لا يصدر أية عبارات محددة. ومع الاعتقاد بأن كل شخص يعتقد بالفعل أن إعلان ميونيخ عام 1938 كان يعتبر فكرة جيدة في ذلك الوقت. فقد حذر مورجنثاو من أنه ما يبدو في حد ذاته كحقيقة بديهية بمنظور الماضي ما هو إلا شئ مجهول تماماً ولا يمكن تحديده سوى بمنظور المستقبل، أو حتى شئ لا يمكن تحديده من أي منظور إلا أنه إحساس غير يقيني.
– وكما ذكر مورجنثاو فإن: أول درس يجب أن يتعلمه طلبة السياسة الدولية وألا ينسوه أبداً، هو أن تعقيدات الأمور الدولية تجعل من التوصل إلى الحلول البسيطة والتنبؤات الأكيدة شيئاً مستحــيلاً.
– وفيما يتعلق بالنظر إلى نظرية توازن القوة فقد سلم مورجنثاو أيضاً بأن الحسابات المنطقية للقوة النسبية لعدة دول والتي تعتبر شريان الحياة لميزان القوة، هي سلسلة تخمينات لا يمكن التحقق من صحتها إلا باسترجاع الماضي.
وعلى المستويين النظري والتجريدي فقد تمكن مورجنثاو من إصدار ادعاءات مبالغ فيها حول السياسة متحدثاً عن الحقيقة والقوانين الموضوعية الدائمة. ومع ذلك، عندما يأتي الحديث عن الواقع ، فإنه يزعم أن العلاقات الدولية معقدة لدرجة أنه يمكن لأي شخص اعتبار كل من تخميناته هو الآخر تنبؤات جيدة، وأن الزمن فقط هو الكفيل بتعليمنا حقيقة الأشياء، وإذا ما كانت صالحة للعمل أم لا.
– ولا يسعنا إلا أن نتساءل عن مدى علمية عمل مورجنثاو هذا، ولماذا اهتم بالحديث عن السياسة في القوانين الموضوعية، إذا كان لا يستطيع أن يمدنا بمعطيات على غرار القوانين التي يمكن التحقق منها أو دحضها. وحتى إذا ما قبلنا بالحقيقة القائلة بأنه عندما كان يتحدث عن القوانين الموضوعية فإنه لم يقصد بها تلك الشبيهة بالعلوم الطبيعية بل أن جميع أفكاره حول القوة والمصلحة القومية هي تعميمات سطحية، وذلك في ضوء حقيقة أن واحدة من أهم الحجج التي يستند إليها هي أن العلاقات الدولية غاية في التعقيد لدرجة استحالة التوصل إلى عبارات بسيطة.( قوانين نختزل فيها العلاقات المتشابكة للظاهرة المدروسة على مستوى العلاقات الدولية).

” كينيت والتز”:
في حين يبدو أن مورجنثاو يبدأ بعبارات قوية إيجابية تنتهي باقتراب كلاسيكي للسياسات العالمية، ويبدو أن عمل “والتز” يتسم بكونه علميا طوال الوقت. وفي أعماله الأولى وجه والتز نقداً لكل من “سانت أوجستين” و “نايبور” و “مورجنثاو” مشيراً إلى أنه لا يمكن إثبات أو دحض التحليلات المبنية على الطبيعة البشرية. ويعتقد “والتز” أن نظريته عن العلاقات الدولية والمسماة بالواقعية الجديدة يمكن إثباتها أو عدم إثباتها باعتبارها أكثر قوة وعلمية من أعمال الواقعيين الكلاسيكيين. ومع ذلك، لا يبدو أن “والتز” قد نجح في تحقيق ما خططه لنفسه. وصحيح أن تحليل “والتز” يتسم على الأقل بمظهر القوة، حيث أنه يستخدم صراحة مفاهيم من الاقتصاد كما يقر بعض الافتراضات من نظريته. إلا أن نظريته عن توازن القوى لا تختلف إلى حد بعيد عن نظريات توازن القوى التي أيدها قبله عــدد من علماء السـياسـة والمؤرخين. أما الافتراض الوحيد الذي يحتمل الخطر الكبير، ألا وهو خطر التكذيب، فهو عبارة والتز القائلة بأن: العالم ثنائي القطبية هو الأكثر استقراراً من ذلك المتعدد الأقطاب. فالأساس أن جميع الافتراضات والعبارات الأخرى غير قابلة للتكذيب مثل الافتراض القائل بأن الدول سوف تشترك في سلوك متوازن. و لكن ماذا لو لم يتحقق هذا السلوك المتوازن؟ لقد استطاع والتز دائماً أن يقول بأنه تنبأ فقط باتجاه شديد إلى التوازن في النظام، فإذا ما تحقق هذا التوازن السلوكي فإن هـذا سوف يعمل على تأييد نظريته، أما إذا لم يتحقق فإن بإمكانه دائماً أن يقول بأنه لم يكن ليضمن توازنا سلوكيا بنسبة مائة في المائة.
ولكن ما هو هذا الاتجاه القوي ؟ هل هو 70، أو 800 بالمائة ؟ باختصار، فإن نظرية “والتز” عن ميزان القوة لم تعد علمية بدرجة أكبر من الواقعيين الكلاسيكيين، وفيما يبدو أن والتز هو أمين من الناحية الفكرية والعلمية حيث جعل نظريته تخرج إلى النور معلناً بشجاعة أن العالم ثنائي القطبية هو الأكثر استقرارا من ذلك المتعدد الأقطاب وبذلك عرض نفسه للتكذيب والسير ضد المألوف من الحكمة التقليدية. و لكن بنظرة ثاقبة نجد أن عبارته من الصعب تكذيبها ومنحها أي معنى له مغزى لفكرته عن الاستقرار. إن القطبين في مفهومه ليس تحالف القوى بين الأمم، بل قوة الأمة الواحدة. وبعد الأخذ في الاعتبار للعوامل مثل الاقتصادية والعسكرية والإقليمية وعوامل أخرى، فقد استنتج والتز أن الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي هما أكبر القوى في العالم ، و قد أعلن أن العالم ثنائي القطبية أكثر استقراراً من ذلك المتعدد الأقطاب.
ومن وصف والتز للعالم الثنائي القطبية فقد يستعجب المرء كم مرة في التاريخ كان لدينا العالم الثنائي القطبية الذي أوضحه ؟ لقد كان لدينا قطبان مثل أثينا و اسبارتا ، روما و قرطاج اللتان انتهى الحال بهما إلى حروب كلية. ولكن والتز ومدافعيه لم يضعوا في الاعتبار هاتين الحالتين اللتين لا تتناسبان مع وصف والتز لعالم ثنائي القطبية. وكان لدينا عالم متعدد الأقطاب مسالم مثل أوروبا التي سادت من 1815 حتى 1823. إن ذلك بالتأكيد حقيقة خطيرة على نظرية والتز، فإن مدافعي والتز يستطيعون الجدال بسهولة حول إمكانية التغلب على الصعـاب البنائية من خلال قيادة شخصية كبيرة . وطالما أنه ليس من المحتمل أن يكون لدينا العالم ذو القطبين الذي وصفه والتز لمدة وقت طويل، فإذا كان ذلك فإن نظريته لا تسلم من الخطر.
وأيا كانت التناقضات النظرية أو التجريبية الموجودة في نظريته، فإن مؤيدي والتز يستطيعون دائماً أن يجادلوا سواء أخفقوا في التوفيق مع توصيف والتز للثنائية القطبية، أو بأن البناء الإيضاحي لا يحدد كل شئ. وهكذا نستطيع أن نفهم لماذا لا يمكن الإطاحة أبداً بالواقعية.
ومهما حدث، فإنها أعدت سلفاً تفسيرات جاهزة لكل شئ. ولقد استطاع الواقعيون أن يتبؤوا مكانة لا يستحقونها في مواجهة المدارس الفكرية الأخرى، وذلك بأن أعلنوا أن عملهم هذا يتسم بالعلمية. وبينما تتماثل نظريات الواقعيين مع النظريات الأخرى في كونها غامضة ومعيارية إلى جانب أنها غير قابلة للتكذيب، فإن استخدامهم لبعض المصطلحات مثل القوانين الموضوعية – والنظرية- والواقع أضفى على تحليلاتهم هالة من العلم والواقع الموضوعي. وكما أشار “أشلي” بحق، فإنه بمجرد رفض العلماء لاستخدام أفكار الواقعيين السياسيين، فإنه سرعان ما يتم دفعهم للإحساس بأن خطاهم قد تعثرت خلف الخلفية الشرعية للعلم ليسقطوا في دنيا الجماليات الشخصية أو القيم أو الأخلاق أو النهايات. كما يتم دفعهم للإحساس بأن صيحاتهم لا تملك الركيزة العلمية. ولأن هذا الموقف جدير بالرثاء حيث أن المستقبل المحتمل للفلسفة الوضعية والواقعية يتمثل في أن هناك المزيد والمزيد من هؤلاء الذين يتساءلون عن جدوى الواقعية كنظرية علمية. أما و إن الحالة هكذا، فلن يصبح في إمكان الواقعية أن تنتقد المدارس الفكرية الأخرى بأنها غامضة وغير محددة.

2- الواقعية ونقادها:

على الرغم من أن الادعاء بتبني تحليل علمي للسياسة العالمية (أو الفلسفة الوضعية المنطقية) هو السلاح المحتمل لإسكات ناقديها، فإن هذا وحده لا يكفى لتفسير القوة الثابتة للواقعية في مجال العلاقات الدولية، حيث يعتبر إخفاق ناقدي الواقعية في الإتيان بنظريات ثابتة وراسخة أحد العوامل الأخـرى التي يجب أن توضع في الاعتبار. فلقد شكلت بعض النظريات من وقت لآخر تحديات في مواجهة الواقعية من أمثلة الوظيفية، والوظيفية الجديدة، والليبرالية، والليبرالية الجديدة ، والمؤسساتية الليبرالية الجديدة ، والنظم، وما بعد الحداثة، والنظريات النقدية والبنائية..ألخ. ولعل وجود مثل هذه الأسماء المتباينة من المدارس ذات التوجه الفكري المضاد ، يعد دليلا غير مباشر على فشل ناقدي الواقعية في تكوين جبهة موحدة ضد الواقعية، إلا أن هذا لا يعنى بالطبع أن المدارس الفكرية الأخرى تتحدى الواقعية عبثاً: فالحقيقة القائلة بأن الواقعية لم يعد بإمكانها الهيمنة على مجال العلاقات الدولية تحكى لنا شيئاً عن نجاح ناقديها. ولاشك في أن ناقدي الواقعية قدموا مساهمات هامة في مجال العلاقات الدولية موجهين انتباهنا إلى موضوعات مهملة إلى جانب إثرائهم لمواضع حديثنا. إلا أنهم يجب أن يجدوا حلولاً للعديد من المشكلات التي أشار إليها الواقعيون حتى يستطيعوا القيام بعملية إحلال للواقعية.
ولأن هناك العديد من ناقدي الواقعية من اتجاهات مختلفة فمن العدل إذن أن نتعامل مع كل منهم على حدة. فلقد أتت واحدة من أهم التحديات من وجهة نظر ليبرالية للسياسات العالمية، كانت آخرها:

3- المؤسساتية الليبرالية الجديدة:
وكما أشار “روندال شولير” و “دافيد بريس”، فإنه لا يوجد موضوع في نظرية العلاقات الدولية أكثر إثارة للجدل عبر العقد السابق أكثر من حقيقة دور المؤسسات العالمية- إذا ما كان هذا شأن المؤسسات ، ولماذا تستثمر الدول فيها، وأخيراً كيف أنها تؤثر في خيارات صانعي القرار في السياسات العالمية. والحق أن الجدل بين الواقعية الجديدة والليبرالية الجديدة أصبح صناعة نامية في مجال العلاقات الدولية، إلا أنه من الصعوبة بمكان تحاشى نفس الخلاصة التي توصل إليها “جون ميرشايمر” بشأن المؤسساتية الليبرالية:-
” لقد ظلت المؤسساتية الليبرالية في مركز مناقشات العلاقات الدولية لما يزيد عن العقد لتمثل حقبة طويلة، بالمعايير الأكاديمية. فإذا ما كان هناك دعم امبريقي للمؤسساتية الليبرالية، فقد كان من الممكن أن يظهر بعض منها على السطح الآن. والحق فإنه تم إجراء بحث تجريبي عن النظرية. إلا أن معظم هذا البحث قلل من شــأن المؤسساتيـة
الليبرالية، في حين أنه أيد الواقعية. ولهذا ليس من المدهش الآن أن تتحول المؤسساتية الليبرالية إلى الواقعية إلا أن الأمور سوف تتضح إذا ما تم الاعتراف بذلك.

سوف يكون الأمر أكثر وضوحاً بعض الشيء عندما نزكى ما أشار إليه ميرشايمر من أن المؤسساتية الليبرالية ما هي إلا الواقعية تحت مسمى آخر. فعلينا أن نعي تماماً أنه على الرغم من الجدل الساخن ما بين الواقعية الجديدة والليبرالية الجديدة، إلا أن الأمر لا يعدو أن يكون ضجة صاخبة من أجل لا شيء ، كما أن المعركة ما هي إلا حرب زائفة. فعندما خرج “روبرت كوهين” و “جوزيف ناي” بفكرة الاعتماد المتبادل المركب، وهى الفكرة التي سبقت المؤسساتية الليبرالية، فإنهما قاما بمجرد تعديل الواقعية أياً كانت ادعاءاتهم في ذلك.
– فبدلاً من اعتبار الدولة هي الممثل الرئيسي للعلاقات الدولية فقد اقترحا وجود ممثلين غير حــكوميين،
– وبدلاً من اتخاذ الأمن كهدف أسمى للدولة فقد أتيا بفكرة غياب الهيراركية بين الموضوعات ( غياب البناء التسلسلي للقضايا)،
– وأخيراً بدلاً من تقرير أهمية القوة العسكرية فقد سلما بأنها قد تكون غر ملائمة ويعتمد ذلك على قضايا محددة مع بعض الحلفاء.
وأيا ما كانت حقيقة وقيمة عمل كل من كوهين و ناي، فإن الأمر لا يعدو أن يكون تعديلا للواقعية أكثر من كونه إطار عمل لفكر جديد يمكن أن يحل محل الواقعية. وينطبق نفس الشيء على نظريات النظام. كما أن فكرة إمكانية الإبقاء على استقرار العالم حتى بعد انحسار القوة المهيمنة لا توجد إلا في حدود الواقعية السياسية ، مقتسمة اهتماماتها بين الاستقرار والنظام.

وإذا ما فشلت المؤسساتية الليبرالية الحديثة في تقديم البديل المقنع للواقعية، فماذا عن ما بعد الحداثة والنظريات النقدية والبنيوية. أما ما هو الشيء الذي يربط بين هذه الحركات جميعاً، فهذا يترتب على معرفة كيف تم تركيب السياسات العالمية اجتماعياً ، الأمر الذي يحتمل ادعائين أساسيين:
– الأول: هو أن البنيات الأساسية للسياسات الدولية هي بنيات اجتماعية أكثر منها مادية (ادعاء يتعارض مع الفلسفة المادية).
– الثاني: هو أن هذه البنيات تشكل هويات واهتمامات أتباعها أكثر من كونها تشكل سلوكهم فقط . ومما لاشك فيه أن النظريات النقدية تختلف من أساسها عن الواقعية إلى جانب أنها أثرت مفهومنا عن السياسات العالمية. إلا أن هذه النظريات يجب أن تتغلب على مشكلتين هامتين ألا وهما مشكلة اللغة الاصطلاحية للنظرية، ومشكلة المحتويات الإمبريقية. فإذا ما قرأنا مقالات حديثة لـ “روبرت جيرفيس” و “جون ميرشايمر”، سنشعر بأنهم على الأقل يفهمون ما الذي يريد أن يقوله البنيويون الأساسيون. إلا أن هذا ليس هو الحال دائماً. فلقد كانت التعقيدات المصطلحية في لغة النظريات النقدية واحدة من أهم مشكلاتها، و التي جعلت الكثير يتحولون عن أدبياتها.

بعد قراءة نقد “ريتشارد أشلي” عن الواقعية الجديدة، دوّن اثنان من أبرز وألمع الواقعيين وهما “والتز” و “جيلبين” مشكلاتهما في فهم هذا النقد. فقد اعتقد والتز – حسب قوله – أنه دخل في متاهة بحث لم يعد يعرف أين هو وكيف يخرج منها، ليس المهم هو مدى سمو ومصداقية أو ثراء العمل عندما لا يستطيع أن يحرك الكثير من الناس الذين لا يستطيعون فهم لغة هذا العمل أو عندما لا يتمكنون بحق من إدراك أفكاره الأساسية. فإذا ما كان الهدف من الإتيان بالنظريات هو تبسيط الحقيقة المستخلصة منها، فلن تكون إذن ذات جدوى إذا ما كانت النظرية معقدة مثل العالم الواقعي، وأيضا إذا ما تواجد هذا الكم المتباين من النظريات والنظريين كما هو الحال عادة في ما بعد الحداثة. لقد ذكر “ماكس بلانك” ذات مرة – إشارة إلى مجتمعه العلمي- أن الحقيقة العلمية الجديدة لا تنتصر بإقناع خصومها وإنارة الطريق لهم، ولكن السبب الأقوى لانتصارها هو أن خصومها يموتون في النهاية، وهكذا يولد جيل جديد يستطيع التآلف مع هذا الجديد. يستطيع أتباع النظريات النقدية إذن أن ينتظروا حتى يموت جميع الواقعيين، آملين أن يتقبل الجيل الجديد النظريات النقدية. أو بإمكانهم محاولة تبسيط نظرياتهم، ليقللوا من المصطلحات التي لا حاجة إليها مقدمين في النهاية أفكاراً متماسكة ومتناغمة.

فيما يختص بالتعقيدات في اللغة والأفكار، هناك دائماً عدة مبررات مقبولة. وفى النهاية، فإن النظريات النقدية لم تظهر في الساحة لوقت كبير، ولذلك فإن تلاميذها سوف يأخذون وقتهم قبل أن يتعرفوا عليها تماماً. و إذا ما استمر إخفاق ناقدي النظريات النقدية في فهم المحتويات النظرية للنموذج الجديد ، فلن يعانى الكاتب فقط من المشكلة، ولكن سوف يعانيها أيضاً القارئ. وفى حين أن النظريات النقدية عسيرة حقاً على الفهم، إلا أنها ليست مستحيلة بالنسبة لهؤلاء الذين لديهم الاستعداد لعمل مجهود لاستيعابها. إلا أن الشيء الوحيد الذي لا يمكن تبريره بالنسبة للنظريات النقدية هو إخفاقها في تقديم تفسير مستقل للسياسات العالمية. وبإمكان استثناء الحركة البنيوية، فإن أصحاب النظريات النقدية كانوا أكثر براعة في الإشارة إلى ما تم حذفه من النظرية الواقعية عن أن يقدموا نظريات خاصة بهم ذات محتوى غير مسبوق. ويرى منظرو ما بعد الحداثة بالطبع أن تقديم نظرية وضعية شئ لا طائل منه، بل أنه شئ عديم الجدوى. مثل هذا الاتجاه يعطى قوة جذب آسرة إلا أن الرؤية ليست واضحة، فإلى أين تقودنا نظريات ما بعد الحداثة؟ وحيث أنها ترفض أن تقودنا إلى أي اتجاه ، فالاحتمال الأقوى أنها سوف تنتهي إلى كونها بدعة فكرية لا تقودنا سوى إلى طريق مسدود .

منذ أمد ليس بالبعيد ، اكتسحت نظريات ما بعد الحداثة والنظريات النقدية مجال العلاقات الدولية مثل الحمى. والآن، يبدو أنه جاء دور الحـــركة البنائية حيث يتحدث الجميع عن المعايير، والهوية، والعوامل المثالية. وكما ذكر “جيفرى شيكل” ، فإن معارك الحركة البنائية مع النظريات السائدة ليست معرفية ولكنها وجودية. بالإضافة لهذا، فإن من المحتمل أن تعمل على وصل الهوة الفاصلة و التي مازالت واسعة – بين أصحاب النظريات من منظري ما بعد الحداثة ويظل التساؤل مفتوحاً حول ما إذا كان بإمكان الحركة البنائية أن تمثل تحدياً قوياً للواقعية، أو إذا ما كانت ستتلاشى مثل ما بعد الحداثة، إلا أننا في حاجة لتوجيه العديد من الأسئلة التي أثارها أصحاب الواقعية و آخرين غيرهم.
يعد السؤال عن العناصر المعيارية واحداً من الموضوعات التي تود الحركة البنائية أن توجه النظر إليه. ففي حين تحاول الواقعية بجد أن تخفى محتوياتها المعيارية فإن رغبة البنائية المعيارية في تحويل العالم تبدو واضحة تماماً.

ففي حين أننا نأمل أن يكون لدينا زعماء مثل جورباتشوف في السلطة ، فكيف نمنع زعماء مثل ستالين وهتلر من الصعود إلى القمة ؟ وكيف نمنع المبادئ والمعايير وتلك المفاهيم الفاسدة للسياســة العالمية من الانتشار ؟ لا يحتاج أصحاب الحركة البنائية فقط للإشارة إلى اهتمامهم بكل من المعايير والتفاهم المتبادل والممارسات الشائعة، ولكنهم يهتمون أيضاً بمعرفة كيف تشكلت ، وكيف يمكن تغيير مسارها. و أخيراً، ما هو سلوك السياسة الخارجية الذي لا يمكن أن نتوقعه نتيجة لظروف معينة.
مما لاشك فيه أن البنائية تبرز الكثير من النقاط القيمة كما أنها تعمق فهمنا لسياسة العالم، إلا أنه ليس من الحكمة أن نحاول الدخول في معركة وضعية مع الواقعية. فالأفضل أن يتمكن البنائيون من تقديم نظريات علمية متدفقة على غرار تلك التي يتظاهر الواقعيون بتقديمها، والفرصة المتاحة هنا هي أنه سوف يكون بإمكان البنائيين تقديم نظريات علمية أكثر تفوقاً من نظريات الآخرين استناداً للواقع القائل بأنهم يتعاملون فعلياً مع تصورات أكثر صعوبة. أما الأسوأ فهو أن لا يتمكن البنائيون أبداً من تقديم نظريات ذات محتويات امبريقية مقحمين أنفسهم في مجادلات ما بعد النظرية. موجز القول انه ليس من الواضح إذا ما كان يمكن للنظرية البنائية أن تنتصر في معركة معرفية مع الواقعية. وإذا ما كان الأمر هـكذا، فإن الواقعية سوف تستمر في البقاء كواحدة من أقوى النظريات في مجال العلاقات الدولية.

4- القوة الجوهرية للواقعية:

في حين أن نموذج الواقعية يمكن أن يشكل إحباطاً كبيراً إذا ما تم تطبيق معيار الفلسفة الوضعية بصرامة، كفلسفة سياسية، إلا أنه يعتبر شديد القوة و نافذ البصيرة. ربما كانت الواقعية لتكتسب المزيد من الاحترام، إذا ما كانت قد قبلت رأى “جيلبين” بأنه يجب النظر إلى الواقعية السياسية على أنها نزعة فلسفية ومجموعة من الافتراضات عن العالم أكثر من كونها – كما في أي رؤية ضيقة – نظرية علمية من شأنها أن تحمى علماء العلاقات الدولية من المجادلات الوجودية والنفعية والمنهجية التي لا تنتهي . بالطبع، لن يتخلى معظم الواقعيين أبداً عن واحد من أكثر أسلحتهم الممكنة، كما لم يتخلوا أبداً عن احتمائهم بادعاء العلم الكاذب. إلا أنه حتى بدون السلاح الوضعي الممكن، فالواقعية لازالــتتمثل رؤية غاية في القوة ، عندما يتحدث “مورجنثاو” عن الرغبة الإنسانية فئ القوة والهيمنة، وعندما يتعامل “والتز” مع الخوف وعدم اليقين في العلاقات الدولية، فهما بذلك يضعان اليد على أهم الدوافع الإنسانية، ولا يتسنى لأي نظرية في مجال العلاقات الدولية أن تكتمل بدون أن تأخذ في اعتبارها مثل تلك العوامل. ولن يتمكن العديد من النظريين من الاستحواذ على القلوب وعقول الدارسين والممارسين مثل “والتز” و “مورجنثاو” بتفسيراتهم لسياسات العالم. و باختصار، ومما لاشك فيه فإن الواقعية تمكنت من السيطرة على سير العلاقات الدولية لمدة طويلة.

وفى التاريخ المعاصر للعلاقات الدولية، من المحتمل ألا توجد هناك نظرية واحدة تعرضت للنقد أكثر من واقعية والتز الجديدة. وهذا يعتبر من سوء الحظ طالما أن والتز يستحق الكثير. وبلا شك فإن والتز قد قام بثورة في أفكارنا حول العلاقات الدولية عندما ركز حول البناء الفوضوي بدلاً من الإنسان و الدولة مغيراً بذلك الشكل الداخلي للتفكير. ولهذا السبب فقط لابد أن يطلق على والتز العبقري. و الخلاصة، أنه ليس من السهل الوصول إلى أن: ما يفسر الحرب حقيقة هو غياب السيادة الدولية التي يمكن أن تمنع الحروب. وبالنسبة لهؤلاء الذين يعتقدون أن ما وجده والتز ليس له مغزى لابد أن يدركوا أن كل شئ يبدو واضحاً وتافهاً بعد أن أظهر أحدهم طريقة سهلة مثل بيضة كولومبس . وقـبل والتز كان دائما نابليون وهتلر وأحياناً بعض أنظمة الإقطاعيين المسئولين عن أسباب الحرب. وبمعنى آخر قبل والتز كان دائما الإنسان والدولة اللذان تسببا في الحرب. وبعد والتز هناك بناء عالمي. من هذا التشبيه البسيط استطاع الواقعيون تفسير أوجه كثيرة للعلاقات الدولية، واستطاع “روبرت جيرفيس” تفسير سبب أن الدول التي يمكن أن تتفق على أهداف معينة ولها مصالح متساوية في تحقيق هذه الأهداف تفشل في التعاون.
إن الفوضى و الشك و فقدان الثقة تجعل من الصعب على الدول أن تتعاون.

في الحقيقة، أن الموقف السيئ في العلاقات الدولية يرجع إلى الأسباب التالية :
أولاً : وحتى لو اعتبرنا أن دولا أخرى هي بمثابة قوى النظام القائم الآن، فإنها يمكن أن تغير رأيها في المستقبل وتخلف وعودها. فإن قوى النظام القائم تستطيع أن تستخدم القوة لتنفيذ الاتفاقات.
ثانياً: لحماية أنفسهم فإن الدول تسعى للسيطرة على الموارد و الأراضي خارج حدودها وذلك يجعل من الصراعات شيئا محتما. إن هذه المشكلة لن تحدث إذا كانت هناك هيمنة دولية تضمن الحصول عليها.
ثالثاً : في السياسة الدولية فإن مساعي الدولة لزيادة أمنها عادة ما تعرض للخطر أمن الدول الأخرى محدثة المعضلة الأمنية. وطالما أنه من الصعب التمييز بين الدوافع والأسلحة الدفاعية والهجومية ، فإن الدول لا تستطيع غير تسليح نفسها.

5- القيم الاجتماعية والواقعية:

إن أحد المظاهر المثيرة للانتباه في الواقعية، هو أنها مقبولة من المثقفين الأمريكيين المتشبعين تماماً بالثقافة الليبرالية. ويبقى أن نظرة الواقعية للسياسة العالمية تخلو من أي مشاعر وأن مبدأ الواقعيين الكلاسيكيين الذي ينادى بأن الرغبة في السيطرة على الآخرين هي أمر عام، من المؤكد أنه مبدأ لا يتفق مع القيم الأمريكية. كيف نستطيع تفسير هيمنة الواقعية في مجال العلاقات الدولية في الولايات المتحدة ؟ إن التفسير يكمن في خلق واقعية جديدة لـ”والتز” التي تتخلص من الأوجه التي تسبب مشكلات للواقعية الكلاسيكية و التي تخدم المصالح القومية.
إن الادعاء القائل بأن العالم ذا القطبين يكون أكثر استقراراً من العالم المتعدد الأقطاب، يقوم والتز من خلاله بخدمة مصالح القوى الكبرى عامة والولايات المتحدة خاصة. وعلى الرغم من أن والتز ربما يجادل، فهو يصف فقط الطريقة التي تعمل بها العلاقات الدولية. ولا يهتم كثير من الدول بفكرة العالم ذي القطبين الأكثر استقراراً.
ومن الواضح جداً لمعظم المراقبين الأجانب أن اهتمام الواقعية بالاستقرار والنظام يدخل حيز الترحيب من قبل الذين يرغبون في الحفاظ على الوضع القائم، والحديث هنا عن حالة الولايات المتحدة. بينما لا يستطيع أحد أن يشك في قدرة العلماء الأمريكيين، فإنه ليس هناك شك أنهم مدركون أو غير مدركين متأثرين بالبيئة التي نشأوا فيها، ويكون شيئاً غير عادى إذا اهتموا بالثــورة والشيوعية. وباختصار، فإنه مهما كان هناك من شكاوى ضد الواقعية، فإن معظم الأمريكيين يشتركون مع الواقعية في اهتمامهم بالنظام والاستقرار ولن يتم تحدى هيمنة الواقعية بشكل كبير طالما أنها تخدم المصالح القومية للولايات المتحدة.

الخـــلاصــــة

من الناحية النظرية، فإن النظريات من المفترض أنها تنبثق من منطق بديهي واستنتاج منطقي يمكن تطبيقه في كل زمان ومكان، ومن المفترض أنه يمكن إسقاطها عن طريق نظرية أفضل.
ويتساءل المرء هل بقاء الواقعية يكون موضع تساؤل حديثاً، لأن المدارس الفكرية الأخرى قد تمكنت من الوصول إلى نظريات أفضل أو لأن عالم ما بعد الحرب الباردة لا يتلاءم مع وجهات النظر الواقعية. في النهاية، فإن النظريات والأفكار تفقد التأثير ليس بالضرورة بسبب أنها تنتهي بنظريات علمية عالية ولكن بسبب أنها تفشل في الاستئثار بالقيم والاهتمامات وروح الزمن. وطالما أن هذا هو الوضع الراهن، يبدو أن معظم العوامل تشير إلى أن وجود النظرية الواقعية يتعرض للخطر ليس فقط بسبب أنها تفشل في الاستئثار بروح السلام التي تسود عالم ما بعد الحرب العالمية الباردة، ولكن أيضاً لأن وضعها العلمي ودورها الأيديولوجي للولايات المتحدة يكون محل تساؤل بصورة مستمرة. ومع ذلك، فإن الواقعية لن تنزوي بعيداً. وبعد كل ذلك، حتى ولو فشلت الواقعية في التنبؤ بنهاية الحرب الباردة فإن ما بعد الحرب الباردة لن يخلو من الصراعات والحروب. إن نقاد الواقعيــة مازالوا في احتياج لاختراع النظريات التي تفسر الحروب والصراعات.
————————————–
الأستاذة : فضيلة محجوب

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى