النفط بين النعمة والنقمة وتأثيره في اقتصاديات الدول – الجزء السابع

تأثير انخفاض أسعار البترول على صناعة البترول الأمريكية

          كان لانهيار أسعار البترول العالمية ـ الذي حدث منذ نهاية عام 1997 واستمر حتى الربع الأول من عام 1999 ـ تأثير سلبي حاد على صناعة البترول الأمريكية وألحق بها أضرار فادحة.

          وعلى الرغم من أن صناعة البترول والغاز الأمريكية تحظى بالتأييد والدعم كي تصبح قوية بالدرجة الأولى من أجل حماية الأمن القومي الأمريكي وتوفير إمدادات مأمونة للطاقة لدعم مستقبل الاقتصاد الأمريكي.

          إلاّ أن تدنِّي العائدات المالية الناتج عن انهيار أسعار البترول العالمية قد فرض ضغوطاً كبيرة على شركات البترول الأمريكية اجبرها على خفض نفقاتها من خلال سلسلة الإندماجات التي حدثت مؤخراً، والاستغناء وفصل أعداد من العاملين وخفض ميزانية الإنفاق الرأسمالي في مراحل الإنفاق المختلفة، الأمر الذي أدى إلى نقص الإنتاج المحلي.

          كما امتدت تلك الإجراءات ـ في بعض الأحيان ـ إلى خفض الأجور في بعض الشركات وإلى غلق الآبار الحدية عديمة الجدوى الاقتصادية، في ظل انهيار الأسعار، أو إغلاق تلك الشركات نفسها وتوقفها عن العمل.

          ومنذ نهاية عام 1997 تم إلغاء 51400 وظيفة في صناعة البترول والغاز، كما شهدت صناعات إنتاج وتوزيع الغاز الطبيعي وخطوط الأنابيب والأسفلت ورصف الطرق، وصناعات مواد الأسفلت العازلة إلغاء 42800 وظيفة.

          وتجدر الإشارة إلى أن تزامن انهيار أسعار البترول مع بطء النمو في الطلب العالمي في البترول أدى إلى خفض التدفقات النقدية وأرباح الشركات، وبالتالي إلى خفض التمويل المتاح للاستثمار في المشروعات الجديدة.

خلال الفترة من 11 ـ 13 مايو 1998

عقد في القاهرة القمة الثامنة لمجموعة الـ 15

          وقد بحثت القمة سبل حل المشكلات المالية والاقتصادية التي تواجهها دول المجموعة، وكيفية تفادي الهزات المالية العالمية ودراسة الأزمة المالية الآسيوية لتجنب تكرارها في المستقبل. كما بحثت القمة توحيد جهود أعضائها في محادثات التجارة العالمية بما يؤدي إلى مراعاة مصالحها وزيادة نصيبها منها.

          وفيما يتعلق بالبترول بحثت القمة إعداد آلية للتعاون في مجالات تصميم وتنفيذ وإدارة مشروعات الزيت الخام والغاز والبتروكيماويات خاصة وأن معظم دول المجموعة من الدول المنتجة والمصدرة للبترول. وقد تمت الموافقة على المشروع المشترك للتعاون في المجالات المذكورة خلال الاجتماعات السابقة للقمة في داكار ونيودلهي.

          ويرتكز المشروع على أن معظم دول المجموعة تعتمد اقتصادياتها بدرجة كبيرة على البترول حيث يصل إجمالي إنتاجها ما يعادل 20 % من الإنتاج العالمي.

          كما أن احتياطيات دول المجموعة، من الزيت والغاز تعادل حوالي 17% و 15% على التوالي من الاحتياطي العالمي، وتمثل طاقة معامل التكرير حوالي 13% من إجمالي طاقات معامل التكرير في العالم.

          ويهدف المشروع إلى تحقيق عدة أهداف منها: تنفيذ المشروعات بأسعار منافسة عالمياً وتبادل التكنولوجيات المتقدمة بين الدول الأعضاء وإنشاء شركات مشتركة هندسية للتصميم والتنفيذ وإدارة المشروعات.

          وتجدر الإشارة إلى أن مؤتمر قمة الـ 15 قد أقر انضمام سريلانكا، وسيبحث طلب انضمام كولومبيا في القمة التاسعة. وبذلك يكون عدد الدول الأعضاء في المجموعة 17 دولة. وعلى الرغم من ذلك فإن اسم المجموعة سيبقى كما هو دون تعديل، حيث كانت كينيا هي الدولة رقم 16 التي انضمت للمجموعة في القمة السابقة بكوالالمبور.

الأزمة الأسيوية والجهود المبذولة لاحتوائها

وفي 17 ديسمبر 1998

          عقد قادة دول منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي “أبك” في العاصمة الماليزية كوالالمبور اجتماعاً استمر يومين لاستعراض خطة إصلاحات تستهدف وقف الاضطرابات المالية العالمية، والحيلولة دون تكرارها في المستقبل.

          وقد سبق افتتاح القمة تأكيد الكثير من الزعماء المشاركين على توافر عدة مبادرات لإنقاذ الاقتصاد الأسيوي من عثرته التي يعجز عن تجاوزها منذ 18 شهراً. وكانت اليابان هي الوحيدة التي كشفت عن مبادرتها قبل الافتتاح حيث أعلنت عن أضخم برنامج لزيادة النمو الاقتصادي وتكلفته 196 مليار دولار.

          وقد تعهد قادة الدول الإحدى والعشرون الأعضاء في أبك بمواصلة انتهاج استراتيجية جديدة لاستعادة التوازن للنمو الاقتصادي في دول شرق آسيا واستئناف تدفق الأموال لاحتواء الأزمة المالية، التي تعتبر أسوأ أزمة في شرق آسيا منذ عدة عقود.

          وقد أوصى المنتدى (أبك) تقريراً أكد فيه أن الأزمة التي تواجه الدول الأسيوية تزداد عمقاً، وأن المنطقة لن يمكنها التغلب عليها قبل منتصف العام المقبل (1999)

          ومن العرض السابق لتدهور أسعار البترول خلال عام 1998 تبين بوضوح أن آثار الأزمة الأسيوية كانت المحرك الرئيسي لهذا التدهور، الأمر الذي انعكس سلبياً بشدة على اقتصاديات الدول العربية المصدرة للنفط وخاصة دول الخليج.

          بدأت الأزمة المالية الأسيوية بتعويم العملة التايلاندية في 2 يوليه 1997 وساد الاعتقاد وقتئذ أنها سوف تنحصر في إطار محدود، غير أن العدوى لم تلبث أن انتشرت كي تصيب غالبية دول جنوب شرق آسيا، ثم تناثرت آثارها إلى روسيا وأمريكا اللاتينية وخاصة البرازيل.

          كانت هذه الأزمة الأسيوية سبباً في انخفاض الطلب على البترول العالمي، الذي تمثل في انخفاض الطلب الياباني على البترول بنحو 5 % بما يعادل 280 ألف ب/ ي وفي كوريا الجنوبية وتايلاند بنحو 15 %، وانخفاض الطلب في بقية دول المنطقة بنسب متفاوتة. ولم يفلح انخفاض أسعار البترول في وقف هذا الانخفاض على الطلب.

          وتشير العلاقات الاقتصادية التي تربط الشرق الأوسط بمنطقة جنوب شرق آسيا بأن كلاً منهما يعتمد على الآخر في التبادل النفطي. فقد اعتمدت منطقة جنوب شرق آسيا على الشرق الأوسط في استيراد نحو 76% من احتياجاتها النفطية عام 1994، وبالمثل فإن منطقة الشرق الأوسط تعتمد بدرجة كبيرة على أسواق الشرق الأقصى لتسويق صادراتها النفطية، حيث أن تلك الأسواق تعتبر السوق الرئيسي للنفط العربي. بل إن الاعتماد المتبادل بين المنطقتين لا يقتصر على تجارة النفط، وإنما يتجاوزها إلى العديد من السلع والخدمات والاستثمارات.

وفي هذه المناسبة، يُذكر أن منتدى أبك يضم 18 دولة هي:

استراليا ـ بروناي ـ كندا ـ تشيلي ـ الصين ـ نيوزيلندا ـ بابونيوغينيا ـ هونج كونج ـ إندونيسيا ـ اليابان ـ ماليزيا ـ المكسيك سنغافورة ـ كوريا الجنوبية ـ تايوان ـ تايلاند ـ الولايات المتحدة الأمريكية ـ الفيلبين.

وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن كلاً من:                     

          فيتنام ـ كولومبيا ـ الإكوادور ـ الهند ـ باكستان ـ منغوليا ـ بيرو ـ بنما ـ روسيا ـ سريلانكا.

          تسعى إلى الانضمام إلى منتدى أبك، الذي تبلغ حصته من التجارة العالمية 40%، ويبلغ إجمالي الدخل السنوي لأعضائه حوالي 13 تريليون دولار ويساهم بنسبة 55% من إجمالي الاقتصاد العالمي.

الأزمة الأسيوية… وأثرها على صناعة البتروكيماويات

          استكمالاً للحديث عن آثار الأزمة الآسيوية، فقد تبين أن صناعة البتروكيماويات العالمية تعاني منذ منتصف عقد التسعينات من فائض في طاقات الإنتاج ومن طلب متراخ في الأسواق العالمية.

          وتتمثل الانعكاسات السلبية للأزمة على صناعة البتروكيماويات الأسيوية في تراجع الطلب المحلي عليها، نتيجة لتباطؤ النمو الاقتصادي وتراجع العملة الأسيوية أمام الدولار الأمريكي إلى نسبة 50 % تقريباً بما يؤدي إلى تقلص حجم الواردات الأسيوية ومن ضمنها البتروكيماويات نتيجة تأجيل العديد من المشروعات الإنشائية والصناعية الضخمة. كما تتمثل الانعكاسات السلبية أيضاً في تأجيل مشروعات البتروكيماويات حيث كانت الدول الأسيوية تخطط قبل الأزمة لإقامة 20 مجمعاً لإنتاج البتروكيماويات في كوريا الجنوبية وتايوان ودول مجموعة “آسيان” لتلبية الطلب المحلي لتلك الدول سريعة النمو اقتصادياً.

          ونظراً لكون دول آسيا من العملاء المهمين بالنسبة للبترول الخام والمنتجات البترولية والبتروكيماوية الخليجية، فإن دول المجلس الست ستتأثر حتماً بالتباطؤ الاقتصادي في آسيا. ولكن تأجيل خطط إقامة العشرين مجمَّعاً لإنتاج البتروكيماويات بسبب الأزمة الأسيوية، كان في صالح دول الخليج، لأن إقامة هذه المجمعات سوف تؤدي إلى انخفاض كبير في صادرات البتروكيماويات الخليجية إلى الدولة الأسيوية.

          نتيجة لذلك، فإن الأسواق الأسيوية ستبقى من الأسواق المهمة لاستيراد البتروكيماويات الخليجية، وحتى بعد تنفيذ تلك المشروعات بعد انفراج الأزمة الأسيوية سوف تكون القدرة التنافسية هي الفيصل في رواج تجارة البتروكيماويات.

          ويقتضي الأمر أن يبذل المنتجون الخليجيون الجهد لخفض تكلفة التشغيل وتطوير الإنتاجية. ومن الضروري أيضاً البحث عن أسواق جديدة، ومنها سوق الهند التي تشير التقديرات على أنها سوف تحتاج إلى استيراد حوالي 5 ملايين طن من البتروكيماويات الأساسية بحلول عام 2000.

          كما تعد أسواق أوروبا أحد الأسواق الهامة أمام الصادرات البتروكيماوية لدول الخليج. وقد بلغت حصة الأسواق الأوربية في عام 1996 نسبة 10 % من إجمالي صادرات البتروكيماويات الخليجية. ومن المتوقع نمو هذه الحصة في المستقبل القريب نظراً لتقادم الوحدات الإنتاجية العاملة في أوروبا وصغر طاقاتها الإنتاجية بما يجعل تكلفة تشغيلها مرتفعة وغير مجدية اقتصادياً.

أحداث عام 1999

         في بداية أحداث عام 1999 يقتضي الأمر التعليق على كيفية حل أزمة تدهور أسعار البترول خلال عام 1998 ـ الذي اشتهر بأسوأ أزمة في تاريخ صناعة البترول.

         كان من الملاحظ من خلال عرض أحداث عام 1997 وعام 1998 تداخل بين هذه الأحداث وتبادل التأثير بينهما، فضلاً عن غزارة هذه الأحداث، التي أسفرت في النهاية عن خلافات عميقة في الرأي بشأن اتخاذ القرار أدت إلى تدهور أسعار البترول.

         المعروف أن انخفاض أسعار البترول بدأ بعد قرار أوبك في نوفمبر 1997 بزيادة سقف الإنتاج بنسبة 10% ليصل إلى 27.5 مليون ب/ ي.

         وفي مؤتمر أوبك الطارئ في مارس 1998 تقرر الخفض الأول للإنتاج بمقدار 1.245 مليون ب/ ي، وبمساهمة الدول خارج أوبك وصل مقدار الخفض إلى 1.7 مليون ب/ ي.

         وفي المؤتمر الوزاري لأوبك في 24 ـ 25 يونيه 1998 تقرر الخفض الثاني للإنتاج ليصل إجمالي الخفض إلى 2.6 مليون ب/ ي، وبمساهمة الدول خارج أوبك وصل إلى 3.1 مليون ب/ ي.

         وفي المؤتمر الوزاري لأوبك في 25 ـ 26 نوفمبر 1998 لم يتم التوصل إلى اتفاق، وظهرت خلافات عديدة في الرأي أثناء الاجتماعات والمناقشات.

         وفي خلال الفترة من نوفمبر 1997 إلى مارس 1999، كانت عملية استئناف العراق تصدير بتروله في شد وجذب، ولم تبدأ إلاّ في 10 ديسمبر 1996. وظل العراق يثير الأزمات والمشاكل مع الأكراد تارة، ومع لجان التفتيش على أسلحة الدمار الشامل تارة أخرى، ورفض تفتيش القصور الجمهورية تارة ثالثة، وإيقاف جميع أشكال التعامل مع لجنة نزع الأسلحة تارة رابعة، ورفض الاعتراف بالمناطق المحظورة في الشمال والجنوب تارة خامسة. وفي كل أزمة من هذه الأزمات يرتفع فيها الاستعداد العسكري لأقصى درجة لضرب العراق. ويسود الاضطراب منطقة الخليج تحسباً لتفاقم الأزمة، وتزداد التكهنات والمخاوف، لدرجة أنه في هذا الجو يستحيل على أحد أن يتنبأ بأسعار أو أن يركن إلى اتخاذ قرار بشأن الإنتاج.

         ولعل هذا هو السبب ـ بكل تأكيد ـ في فشل الاجتماع الوزاري لأوبك في نوفمبر 1998 الذي انتهى دون التوصل إلى اتفاق.

         وفي هذا الجو المضطرب بالذات، ظهرت خطة الأمم المتحدة بزيادة قيمة صادرات العراق من ملياري دولار إلى 5.2 مليار دولار كل ستة أشهر. وفي هذه الفترة قام العراق ـ تنفيذاً لقرار النفط مقابل الغذاء ـ بتصدير الكميات المسموح بها دون خضوع لقرارات منظمة الأوبك حتى أصبح استئناف تصدير البترول العراقي يشكِّل ضغطاً على دول أوبك وعلى الدول الخليجية بالذات. خاصة أن حجم إنتاج العراق قد وصل إلى 2.650 مليون ب/ ي في الوقت الذي اتخذت فيه أوبك قراراً صعباً بتخفيض إنتاجها.

         كذلك كانت مشكلة الكويت وإيران وهما يطالبان باستمرار وإصرار بزيادة حصتيهما في التصدير، إضافة إلى عدم التزام دول أخرى غيرهما بحصص التصدير المقررة وخاصة فنزويلا وقطر.

         إن تزامن هذه الأحداث معاً، بالإضافة إلى سياسات الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية والتلاعب في استغلال احتياطي المخزون الاستراتيجي كي يستمر مسلسل انخفاض أسعار البترول، في ظل وجود فائض بترولي قُدِّر بأكثر من خمسة ملايين برميل يومياً.

         وقد كان تقدير إجمالي خسائر دول أوبك من جراء انخفاض أسعار البترول اكثر من 50 بليون دولار، بعد هبوط سعر سلة خامات أوبك إلى أقل من عشرة دولارات. وزاد من حدة تدهور أسعار البترول تفاقم الأزمة المالية في دول جنوب شرق آسيا التي أشرنا إليها من قبل.

         وتجدر الإشارة إلى أن ذلك يؤثر بلا شك على الدول الخليجية في شكل انخفاض عائداتها البترولية، التي تمثل حجر الزاوية في تمويل برامج التنمية الاقتصادية والدخل القومي، الأمر الذي يؤثر بالتالي على الدول المستهلكة للبترول لأن انخفاض أسعار البترول لن يشجع الدول المنتجة على الاستمرار في مشروعاتها الكبرى نظراً لعدم توفر التمويل اللازم بما يؤدي إلى نقص إمدادات البترول اللازمة لمقابلة احتياجات العالم من الطاقة مستقبلاً. وسوف يؤدي هذا النقص إلى ارتفاع شديد في أسعار البترول، ويضع أعباء إضافية على اقتصاديات الدول المستهلكة، خاصة مع توقع زيادة نمو الطلب على البترول خلال العشرين عاماً القادمة. ولعل هذا يدعو إلى ضرورة التعاون الوثيق بين الدول المنتجة والدول المستهلكة لتحقيق الاستقرار في أسواق البترول.

         ومن أجل تجاوز هذه الأزمة، قام فريق قيادي بزعامة السعودية واشتراك فنزويلا والمكسيك وغيرهما من الدول، بجهود مضنية عن طريق تكثيف الاتصالات مع المنتجين داخل وخارج أوبك والتنسيق معهم وحل كافة المشاكل.

         وقد صحب هذه التحركات صيحات من المسؤولين والخبراء البتروليين ووسائل الإعلام وكلها تنادي بإجراء خفض ثالث، حتى حان 23 مارس 1999 موعد الاجتماع الوزاري العادي حيث تقرر رسمياً خفض ثالث للإنتاج بمقدار 2.1 مليون ب/ ي بالإضافة إلى التخفيضات السابقة.

         وكما أوضحنا من قبل بدأت أسعار البترول في التحرك إلى الارتفاع تدريجياً ومن المعتقد أن الحماس الدافق الذي تحلى به هذا الفريق القيادي ما زال على استعداد لتكرار ما قام به من جولات من أجل إجراء خفض رابع إذا ما اقتضى الأمر ذلك حتى تستعيد أسعار البترول هيبتها.

         ولكن لا ينبغي أن ينتهي الأمر إلى هذا الحد، بل من الضروري العمل على وضع استراتيجية دائمة تضمن تحقيق استقرار السوق العالمي للبترول وتشتمل على الأمور التالية:

ـ  التأكد من تأمين الطلب على النفط الخام بوجه عام وعلى خام أوبك بوجه خاص.

ـ  اكتشاف أفضل الفرص الطبيعية لزيادة الاحتياطي بتكلفة أقل لخام أوبك.

ـ  البحث عن مصادر تعوض خسارة أوبك الاقتصادية المترتبة على تطبيق قوانين البيئة.

ـ  تنسيق السياسات مع المنتجين الآخرين.

ـ  العمل على استمرار الحوار مع المستهلكين لإيجاد حلول مرضية للمشاكل القائمة خاصة وأن توقع استمرار زيادة الطلب العالمي على البترول سيؤدي إلى إتاحة فرص أفضل لدول أوبك.

ـ  إيجاد وسيلة لضمان التزام الدول أعضاء أوبك بما يتقرر في الاجتماعات الوزارية العادية.

  • بعد استعراض تطور أزمة انخفاض أسعار البترول ـ ضمن أحداث 1998 ـ حتى 23 مارس 1999 تاريخ المؤتمر الوزاري لمنظمة أوبك الذي تقرر فيه خفض ثالث لإنتاج البترول.

وفي متابعة لمدى تفاعل قرارات الخفض مع أحوال السوق العالمي للبترول نذكر ما يلي:

ـ  يبدو أن الأوضاع الاقتصادية العالمية قد بدأت في التحرك بعيداً نسبياً عن شبح الكساد والتباطؤ الشديد في النمو الاقتصادي الذي كان متوقعاً مع نهاية عام 1998 وأوائل عام 1999.

كان استمرار الأزمة الاقتصادية التي شهدتها دول النمور الأسيوية منذ يونيه 1997.

ثم الأزمة المالية التي شهدتها روسيا في أغسطس 1998.

ثم الأزمة التي شهدها الاقتصاد البرازيلي منذ خريف 1998، والتي انفجرت بتعويم العملة البرازيلية في 13 يناير 1999.

هذا مع استمرار عوامل الركود الاقتصادي في اليابان منذ عدة سنوات.

كانت كل هذه الأحداث وراء سيطرة مناخ من التشاؤم على كل من المؤسسات المالية الدولية وعلى صناع القرار والمحللين الاقتصاديين في مختلف أرجاء العالم.

والآن يبدو أن عوامل التحسن الاقتصادي تشق طريقها نحو النمو الاقتصادي من جديد، فقد حدث تحسن الناتج الصناعي في بعض الدول الأسيوية وتحسن تدريجي في معدلات التبادل التجاري. ولا يرجع هذا التحسن إلى الخفض الثالث لإنتاج البترول وتحسن الأسعار قليلاً، بل من المؤكد أن هذا الانتعاش الاقتصادي سيؤدي إلى تزايد الطلب الأسيوي على البترول، الأمر الذي يسفر في النهاية عن دفع أسعار البترول إلى الأمام في ظل بداية انقشاع الأزمة الأسيوية.

ـ  وقد سجَّلت أسعار النفط في بورصة نيويورك في 22 أبريل 1999 أعلى مستوى لها منذ 15 شهراً، ووصل سعر برميل مزيج خام برنت إنتاج بريطانيا تعاقدات شهر يونيه 1999 إلى 16 دولاراً .

وكانت أسعار النفط قد ارتفعت بواقع ستة دولارات للبرميل منذ أواخر شهر فبراير 1999 عندما أبرمت الدول المنتجة للنفط من داخل منظمة أوبك وخارجها اتفاقاً لخفض الإنتاج بواقع 2.1 مليون ب/ ي.

ـ  وعلى جانب آخر سجل سعر خام برنت تسليم أغسطس 1999 مستوى 17.17 دولاراً للبرميل. كما اقترب سعر سلة خامات أوبك في منتصف يونيه 1999 من مستوى 16 دولاراً للبرميل.

ـ  كما شهدت أسعار البترول العالمية ارتفاعاً ملحوظاً خلال شهر يوليه 1999 فارتفعت أسعار خام برنت من أقل من 10 دولارات للبرميل في فبراير 1999 لتقترب في النصف الأول من يوليه 1999 إلى نحو

                                                            19 دولاراً للبرميل

وفي 6 أغسطس 99 تجاوز سعر مزيج خام برنت         20   دولاراً للبرميل لأول مرة

منذ نوفمبر 1997 حيث جرى تداوله عند                  20.07 دولاراً للبرميل

وفي آخر أغسطس 99 وصل سعر خام برنت إلى          21.23 دولاراً للبرميل

– وتخطى سعر غرب تكساس المتوسط                    20.0  دولاراً للبرميل

أما سعر سلة خامات أوبك فارتفع إلى                      18.53 دولاراً للبرميل

ويرجع ذلك إلى العديد من العوامل أهمها:

–  الالتزام الصارم لدول أوبك بخفض الإنتاج الذي تم الاتفاق عليه في مارس 1999 والذي بلغ أكثر من 4 ملايين ب/ ي وبنسبة التزام 91%.

–  ارتفاع الطلب العالمي على البترول.

–  عودة الانتعاش الاقتصادي إلى دول منطقة آسيا/ الباسيفيك.

–  انخفاض حجم المخزون العالمي من البترول.

ـ  يبدو أن دول الخليج العربي قد خرجت من أزمة تدهور أسعار البترول بدرس بالغ الأهمية دفعها إلى الأخذ بأسس اقتصادية أكثر سلامة.

إضافة إلى الحملة الإعلامية التي تبنتها وسائل الإعلام ـ وعلى الأخص إبان الأزمة ـ تدعو فيها الشعوب العربية إلى التخلي عن مظاهر الترف والتبذير والإسراف.

وكذلك دعا المسؤولون الحكوميون إلى الاعتدال في الإنفاق، وترشيد الاستهلاك.

من هنا كان المخرج إلى جانب تقليص الإنفاق العام، محاولة زيادة الاعتماد على مصادر داخلية جديدة لتمويل الإيراد العام دون الاعتماد على النفط.

وعلى الرغم من الارتفاع التدريجي في أسعار النفط، فقد أقدمت بعض دول الخليج العربي على زيادة أسعار  وقود السيارات من مستواها البالغ الانخفاض، الذي كان يُعد من بين المستويات الأقل على المستوى العالمي، وعلى تعزيز الإيرادات من رسوم التأشيرات الصادرة على دخول البلاد من قِبل الأجانب، ورسوم تصاريح العمل المفروضة على غير مواطني دول الخليج، وفرض رسوم على مغادرة البلاد.

وقد اتخذت الحكومة الكويتية قرار يقضي بأن يتحمل الأجانب العاملون في الكويت تكاليف الرعاية الطبية التي يتلقونها.

وفي ذلك نقلت وكالة الأنباء الكويتية عن وزير الصحة محمد الجارالله: أن على العاملين الأجانب ـ الذين يشكلون ثلثي السكان البالغ عددهم 2.2 مليون نسخة ـ دفع مبلغ يتراوح بين دينار ودينارين مقابل كل زيارة للطبيب. وأشارت وزارة الصحة الكويتية إلى أن هذه الرسوم ستوفر عائدات قدرها 17 مليون دينار أي 6% من الموازنة السنوية للوزارة.

ويأتي هذا القرار في إطار سلسلة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة بهدف تخفيض قيمة المساعدات التي تقدمها الدولة وتقليص حجم العجز في الموازنة.

وقد شملت تلك الإجراءات أيضاً رفع أسعار الوقود والغاز المنزلي بنسبة 50% وذلك للمرة الأولى منذ عام 1975.

إضافة إلى ذلك أكدت الصحافة الكويتية أن الرسوم المفروضة على الاتصالات الهاتفية والمياه والكهرباء ستزداد في وقت قريب.

وإذا كان لهذه القرارات تأثير على رفع مستوى أسعار بعض السلع والخدمات، إلا أنها في النهاية تُعد إجراءات في الاتجاه الصحيح بشأن تعديل هيكل الأسعار المحلية كي تعكس التكلفة الحقيقية. ومن جهة أخرى فهي وسيلة أساسية لترشيد الاستهلاك في بعض المواد المهمة. ثم هي أخيراً تعد وسيلة للتخفيف من مدى الاعتماد على النفط كمصدر لتمويل الإيراد العام.

وحتى إذا ما ارتفعت أسعار النفط ووصلت إلى ما كانت عليه في أوُجها، فإنها تقدم المزيد من الفرص لتوسيع مجالات الاستثمار عوضاً عن استهلاكها في الإنفاق الجاري.

ـ  أعلنت بعض الجهات النفطية المستقلة خلال شهر أبريل 1999 أن مستوى الالتزام قد تجاوز نسبة 85% من مستوى الخفض المعلن، وما زالت أسعار البترول تقل عن المستوى المستهدف.

وفي 21 مايو 1999

          عقد يوسف يوسفي – وزير الطاقة والمناجم الجزائري والرئيس الحالي لمنظمة أوبك – مؤتمراً صحفياً بالجزائر، أكد فيه أنه يجب على الدول المصدرة للبترول التحلي بالحذر واليقظة لأن الوضع ما زال غير ثابت على مستوى سوق البترول العالمية.

          وأكد يوسفي أن الجزائر تعمل على التشاور مع مجموعة الدول المنتجة سواء داخل الأوبك أو خارجها لضمان احترام تطبيق القرارات الخاصة بتخفيض حصص الإنتاج والتي قررها مجلس الأوبك في مارس 1999، محذراً في الوقت نفسه من مخاطر عدم احترام هذا الاتفاق وتلاشي الجهود التي بذلت من جانب جميع الدول لرفع سعر البترول.

          وأوضح في المؤتمر الصحفي أن خفض الإنتاج سيستمر حتى عام 2000. وحتى ذلك التاريخ فإن الأولوية للبلدان المنتجة تتمثل في الحرص على المحافظة على هذا التخفيض وتفادي توتر جديد واختلال يضر بالتوازن بين العرض والطلب.

          وكشف يوسفي أنه تقرر إنشاء لجنة تفكير تضم خبراء لمتابعة سوق البترول العالمية وتطوراتها على مستوى الأسعار وحصص الإنتاج وغيرها، على أن تقدم اقتراحاتها لمؤتمر الأوبك المقرر عقده بفيينا في سبتمبر 1999.

  • حدث تطور جديد في سوق النفط العالمية، يتمثل في قيام وزير النفط المكسيكي بزيارة كل من السعودية والكويت ، في أوائل شهر يونيه 1999.

فبعد أن كانت الأوبك هي التي تحاول جاهدة التنسيق مع البلدان المنتجة للنفط خارجها، محاولة إقناعها بالانضمام لخططها الرامية لخفض العرض العالمي من النفط، نجد أن دولة بوزن وحجم المكسيك تعلن عن رغبتها في التمسك بهذا التنسيق.

إن المكسيك كانت طرفاً في كافة الاجتماعات السابقة طوال عام 1998، وقد حضرت كمراقب في الاجتماع الوزاري لأوبك في 23 مارس 1999 ، الذي قام بالتصديق على اتفاقية لاهاي بخفض ثالث للإنتاج بمقدار 2.1 مليون ب/ ي.

وتأتي زيارة الوزير المكسيكي لبلدان الخليج العربية عقب بدء التدهور مجدداً في أسعار النفط منذ نهاية شهر مايو 1999. ومن هنا كانت مبادرة المكسيك تعبيراً عن فرط اهتمامها بضرورة تأكيد استمرار التنسيق مع بلدان أوبك لمحاولة رفع الأسعار أو على الأقل الحيلولة دون استمرار تدهورها، تحقيقاً للمصلحة المشتركة بينها. وقد صرح الوزير المكسيكي أن بلاده مستعدة للبحث في تمديد العمل بتخفيض إنتاجها من البترول بمقتضى الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع الدول المنتجة الأخرى، حيث أن التخفيضات المتفق عليها في مارس 1999 تحتاج إلى مراجعة قبل أن تنتهي فترة سريانها في مارس عام 2000.

  • وفي 28 أغسطس 1999 ـ بعد زيارة وزير النفط المكسيكي للسعودية والكويت ـ حدثت خطوة أخرى تهدف إلى الحفاظ على استقرار أسواق النفط العالمية، وضمان ارتفاع أسعاره في المرحلة المقبلة، حيث اتفق وزراء بترول “مجموعة الرياض”: السعودية والمكسيك وفنزويلا، على استمرار العمل باتفاق خفض الإنتاج المعمول به حتى الأول من شهر أبريل 2000 على الأقل.

وفي بيان مشترك بعد اجتماع مكثف استمر يوماً واحداً في مدينة كاراكاس (عاصمة فنزويلا) صرح الوزراء الثلاثة وهم:

السعودي علي النعيمي

والمكسيكي لويس تيليز

والفنزويلي رود ريجيز

بأن أعضاء منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) سوف يحترمون التخفيضات المتفق عليها إلى أن تنخفض المخزونات العالمية إلى مستويات طبيعية تسمح بزيادة ضخ البترول في الأسواق العالمية والحفاظ على الأسعار في الوقت نفسه.

وقال وزير النفط الفنزويلي ـ بعد أن قرأ البيان المشترك ـ إنه قدَّم خلال الاجتماع اقتراح فنزويلا بأن يكون هناك نطاق سعري لتنظيم إمدادات النفط. وتقضي هذه الفكرة بتطبيق آلية تلقائية لزيادة أو خفض المعروض من النفط من أجل الحفاظ على استقرار الأسعار في إطار سعري محدد يتراوح بين 16 و 20 دولاراً للبرميل من خام برنت.

ويكتسب هذا الاتفاق الجديد أهمية كبرى، خاصة وأنه يأتي قبل الاجتماع الوزاري المقبل لدول أوبك المقرر عقده في فيينا يوم سبتمبر 1999 .

دعوة لعقد قمة لدول أوبك

          إن فنزويلا تخطط في الوقت الحاضر لعقد اجتماع قمة للدول الأعضاء في أوبك في نهاية العام الحالي أو بداية العام القادم.

          وتشير المصادر البترولية في أوبك أن كلاً من إيران والجزائر وليبيا وقطر قد أيدت بشكل غير رسمي هذه الفكرة التي يتزعمها وزير خارجية فنزويلا.

          جدير بالذكر أن الجزائر أول من اقترح عقد هذه القمة في نوفمبر 1998 في محاولة منها للحد من انهيار أسعار البترول في ذلك الوقت.

          ولا شك أن الدور الفنزويلي داخل أوبك حالياً في ظل الحكومة الفنزويلية الجديدة التي تولت مسؤولية الحكم في البلاد، يتناقض مع سلوك الحكومة السابقة التي كانت تنتقد أعضاء أوبك ولم تكن تلتزم بالحصص الإنتاجية المقررة لها من قبل أوبك.

مقارنة بين أزمة النفط عام 1985 وأزمة النفط عام 1998

          قال الدكتور أحمد زكي يماني، وزير النفط السعودي الأسبق، في حديث له بقناة الجزيرة في فبراير 1999:

          “كانت أزمة النفط عام 1985 أزمة محسوبة صيغت بإدراك ووعي لطبيعة المردود ومستوياته”

          أما الأزمة الحالية فقد بدأت خطوطها تتشابك منذ عام 1998 نتيجة لأسباب عديدة اختلطت فيها السياسة بالاقتصاد. لقد جاءت هذه الأزمة بعد أن حمَّلت حرب الخليج الثانية في إعصارها الجامح كل عوامل الإنهاك والإرهاق للميزانيات العربية لدول النفط، خاصة ما  تعلق بتكاليف جيوش دول التحالف ـ بعد الغزو العراقي للكويت ـ وارتباط بعض الدول العربية بمعاهدات واتفاقيات مع القوات الأمريكية والبريطانية للمحافظة على أمنها على أن تقوم بدفع نفقاتها، وارتفاع نفقات إعادة تسليح الجيوش العربية بمعدات حديثة ذات تقنية متقدمة وبتكاليف باهظة.

فارق آخر بين أزمتي النفط 1985 و1998

          في عام 1985 كان التضامن العربي قائماً وكانت معايير القوة في العالم كله متوازنة بفعل وجود قوتين عظميين هما الولايات المتحدة الأمريكية وهي الدولة الأولى في العالم الغربي، وكان هناك الاتحاد السوفيتي ومعه الكتلة الشرقية قوة موازية. ولذلك كانت الحسابات السياسية دقيقة ومحكمة، وقبل كل ذلك حسابات الحركة في ظل الرعب النووي ومخاطره.

          أما في أزمة 1998 كانت الخريطة السياسية الإقليمية والدولية متغيرة، ومعايير الحكم في يد قوة دولية وحيدة تمثل الهرم السياسي في النظام العالمي الجديد.

          عندما هبطت أسعار النفط عام 1985 وصل سعر البرميل إلى عشرة دولارات، ولكن لم يستمر الحال طويلاً بهذا السعر، وعاد إلى الارتفاع بعد شهور قليلة.

          أما في التسعينات فقد اختلف الأمر وتحالف العالم الغربي كله بمؤامراته وسياساته البترولية من أجل تفاقم الأزمة.

          وترتيباً على ما بدا من عجز دول أوبك في القدرة على مواجهة الأزمة، بدأت بعض الدوائر السياسية للدول النفطية تردد أنه آن الأوان لإعادة النظر في كيان منظمة الأوبك سواء من حيث الهيكل أو منهج الحركة. واقترح بعض الخبراء أن على المنظمة أن تتخلص أولاً من الأعضاء ذوي الإنتاج المنخفض، وأن يشغل مقاعدهم بعض الدول الموجودة حالياً خارج الأوبك، ذوي الإنتاج النفطي الكبير. وبذلك تعود لمنظمة الأوبك قدرتها الحقيقية للتأثير على سوق النفط على المستوى العالمي. وفي إطار تلك الاقتراحات فإن الأوبك الجديدة ستتكون من السعودية ـ إيران ـ العراق ـ الكويت ـ الإمارات ـ فنزويلا، على أن تنضم إليها المكسيك والنرويج وروسيا.

تلك صور لأزمات النفط والأوبك والعرب

          وحين نطرحها لا بد أن نتذكر موقف الغرب منها. وكيف استفاد دروس التجربة عام 1973 حين ارتفع سعر النفط فاتخذ خطوات عملية ومدروسة حتى لا يتكرر الظرف وتتكرر معه الأزمة. قام الغرب بتطوير آلياته وأنشأ الوكالة الدولية للطاقة ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في باريس (OECD).

          ويجب ألاّ ننسى ما قاله يومئذ هنري كيسنجر وزير خارجية أمريكا الأسبق بتصريحه المعروف: “لن يتكرر ذلك أبداً، وسوف نجعل العرب يشربون بترولهم”.

          هكذا كان منهج الغرب في مواجهة أزمات النفط: استيعاب الموقف والتعلُّم من التجربة.

          واستكمالاً لعرض أزمات النفط العربي مع الغرب: نذكر أيضاً عام 1956 عندما قام الرئيس جمال عبدالناصر بإغلاق قناة السويس، وتوقف عابرات النفط إلى الغرب إثر العدوان الثلاثي على مصر بسبب تأميم قناة السويس.

          كان الأمر مفاجأة للغرب، فلم يحتمل إغلاق القناة وتوقف عابرات النفط فتحرك دولياً من أجل إعادة فتح القناة بعد شهور قليلة.

          أما في عام 1967 عندما تكرر إغلاق القناة، فإن الغرب كان مستعداً لذلك ولم يتحرك لإعادة فتحها إلا بعد أن تحرك الجيش المصري بعد 6 سنوات في حرب أكتوبر 1973 و أعاد فتح القناة.

          إن الهدف من عرض أزمات النفط العربي والغرب هو محاولة دعوة الدول العربية النفطية سواء في منظمة أوبك ومنظمة أوابك أو في مجلس التعاون الخليجي على استثمار زيارة وزير النفط المكسيكي وتكرار اللقاءات والمشاورات للاتفاق على وضع جديد، يتم بعده استئناف الحوار الجاد بين المنتجين والمستهلكين.

  • تعقيباً على المقارنة المذكورة في البند السابق بين أزمة النفط عام 1985 وأزمة النفط عام 1998 وما ورد بها بشأن موقف الغرب تجاه الدول المصدرة للبترول (أوبك) وكيف استفاد من دروس التجربة عام 1973 فيما أُطلق عليه أيضاً أزمة النفط.

فقد يكون من المناسب الرد على السؤال الذي فرض نفسه إبان أزمة عام 1998 وهو: مدى إمكانية إعادة استخدام العرب البترول كسلاح؟

إن هذا السؤال ما كان يصح أن يثار أصلاً إلاّ من هؤلاء الذين لم يستوعبوا أحداث فترة الفورة النفطية (1973 ـ 1980)، حيث كانت الأوضاع منذ 25 عاماً مختلفة تماماً، والظروف التي حدثت في ظلها أحداث تلك الفترة كان لها مبرراتها التي سبق ذكرها بالتفصيل في أكثر من موضع.

وكانت ظروف حرب أكتوبر 1973 وما تبعها من تداعيات أثارت مشاعر الشعوب العربية، هي التي دفعت دول أعضاء منظمة أوبك إلى انتهاز الفرصة لاستكمال عملية تصحيح أوضاع البترول وأسعاره والاستمرار في كفاحها تجاه شركات البترول الاحتكارية لرفع أسعار البترول بعد عشرات من سنوات الاستغلال.

وأشير هنا إلى التغيير الشامل الذي حدث منذ ربع قرن دون الاضطرار إلى تكرار ما سبق ذكره.

  1. ظروف الفورة النفطية 1973 كانت في عصر القوتين العظميين بينما كانت ظروف أزمة النفط عام 1998 في عصر النظام العالمي الجديد حيث معايير الحكم في يد قوة دولية واحدة هي الولايات المتحدة الأمريكية.

ويزعم البعض أن توازن القوى بين الشرق السوفيتي والغرب الأمريكي في الماضي كان له حساباته السياسية، ولكن لا أثر على الإطلاق لهذا التوازن فيما يتعلق بأزمة النفط عام 1973، فقد ألقى هنري كسينجر بثقله في مواجهة منظمة أوبك والعرب، حيث ضغط على الدول الأوربية الغربية واليابان للانضمام إلى الوكالة الدولية للطاقة مهدداً ومتوعداً بتصريحات عنيفة، حتى حقق أهداف الوكالة من تقليص الاعتماد على البترول كمصدر للطاقة وخاصة بترول الشرق الأوسط وترشيد الاستهلاك واستخدام الوسائل الكفيلة بالسيطرة على السوق النفطية. وقد ذكرنا في الفصل الخامس من هذا البحث سياسات الوكالة وخططها التي كانت سبباً في انخفاض أسعار النفط.

أما فرنسا التي رفضت الانضمام إلى تكتل الوكالة الدولية للطاقة وكانت تفضل التكيُّف مع مطالب العرب وعدم مواجهة دول أوبك فقد تم اختيار باريس مقراً للوكالة، الأمر الذي أحرج فرنسا واضطرت إلى التعاون مع الوكالة عن طريق منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

ومع ذلك نضيف إلى ما سبق أن قاله هنري كيسنجر ما كررَّه في إحدى خطبه في الأمم المتحدة في سبتمبر 1974:

“إن العالم لا يمكن أن يتحمل استمرار ارتفاع أسعار النفط، بل لا يمكن أن يتحمل حتى مستوى الأسعار الحالي (1974). وعلى عكس الارتفاع في أسعار المواد الغذائية، فإن ارتفاع سعر النفط ليس نتيجة عوامل اقتصادية ناجمة من النقص الفعلي في القدرة الإنتاجية وحرية العرض والطلب، وإنما هو ناجم بالأحرى عن القرارات التي اتخذت عمداً والتي تستهدف الحد من إنتاج النفط والحفاظ على مستوى مصطنع من الأسعار”.

وبعد أربع سنوات من المواجهة الضارية ضد دول الأوبك، صرح رئيس مكتب الطاقة الفيدرالي (جون سوهيل) بالتحذير التالي في جلسة سرية للجنة تابعة لمجلس الشيوخ الأمريكي:

“إن السياسة النفطية لدول الأوبك تهدد البناء القومي الأمريكي، وإنه لا بد من تعديل قواعد اللعبة .. إذ أن القواعد الحالية تعطي الدول النفطية سلطة تتجاوز مسؤوليتها والقوى التي تملكها”.

     ويعني ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية تستخدم سياستها الخارجية وكل وسائل الضغط الدبلوماسي وغيره لتعديل (قواعد اللعبة) كي تتحول الأمور إلى خدمة مصالحها. فماذا كانت الولايات المتحدة والدول الغربية وكيسنجر يفعلون أكثر من ذلك؟ لقد اتخذوا كافة الخطوات العملية حتى لا تتكرر ظروف ما بعد 1973 ولا تتكرر معه أية أزمات. وإذا كان هؤلاء البعض يعتقدون أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تخطط للقيام بعمل عسكري للسيطرة على أسعار النفط، فقد سبق القول في ثنايا هذا البحث ـ الفصل الخامس ـ إن الموقف الأمريكي بشأن زيادة الأسعار كان ذا وجهين، ففي الوقت الذي كان يبدي ملاحظات ضعيفة للسعودية تعبر عن عدم الرضى، كان يشجع الإيرانيين بالتعبير عن الرضا الأمريكي بزيادة الأسعار وقد صرح الوزير السعودي أحمد زكي اليماني أن هنري كيسنجر نفسه لم يفاتحه في موضوع زيادة الأسعار أبداً.

  1.  هناك فرق شاسع آخر بين موقف منظمة أوبك وأوضاع العالم العربي في عام 1973 وفي عام 1998. فقد انقضى عصر سوق المنتجين إلى غير رجعة وساد عصر سوق المشترين بالكامل. كما ضعف نفوذ أوبك بسبب الخلافات بين أعضائها وانعدام وحدة الموقف بينهم، وتبدلت أحوال الدول العربية بعد أن شهدت المنطقة الحرب العراقية الإيرانية طوال ثماني سنوات ثم العدوان العراقي على الكويت حيث اضطرت الدول العربية إلى عقد اتفاقيات مع الدول الغربية لتأمين حمايتها من دول عربية شقيقة.

فهل من المعقول، في ظل هذا الموقف الذي آلت إليه أوضاع العالم العربي أن يُستخدم البترول كسلاح أو حتى كوسيلة لمجرد التهديد؟

وإذا كان لا بد من الإجابة على السؤال المطروح:

فمن المؤكد أنه ليس من الصعب فقط استخدام البترول كسلاح في أي وقت بعد ما حدث، بل إنه من المستحيل. فلم تعد الدول الصناعية الغربية والولايات المتحدة الأمريكية تخشى انقطاع البترول أو زيادة أسعاره فقد اتخذت من الاحتياطيات ما هو كفيل بتأمين مصالحها، في أي وقت سواء في وجود الاتحاد السوفيتي أو عدم وجوده.

     ولكن الأمر الذي لم يعد مستحيلاً هو أن يتم إحداث تغيرات أساسية لتدعيم منظمة أوبك ومنظمة أوابك وإعادة التضامن العربي بعد أن انقسم العالم العربي على نفسه بعد عدوان العراق على الكويت الذي كشف نوايا عدد كبير من الدول العربية، التي كانت تلهث وراء فتات من غنيمة البترودولارات يلقي بها صدام حسين إليها.

اتفاقية تفاهم للتعاون البترولي بين السعودية والولايات المتحدة الأمريكية

          في 6 فبراير 1999 وقعت كل من السعودية والولايات المتحدة الأمريكية اتفاقية تفاهم للتعاون الفني والعلمي في مجال البترول والغاز، خلال الزيارة التي قام بها وزير الطاقة الأمريكي بيل ريتشاردسون للسعودية، ووقع الاتفاقية مع نظيره السعودي المهندس علي إبراهيم النعيمي.

          وقد تم الاتفاق على تكوين فريق عمل للتنسيق مع الأجهزة الحكومية ذات العلاقة، وتحديد مجالات الاهتمام المشترك والمشاركة في تبادل الأبحاث الأساسية للطاقة وتخطيط وتبادل المعلومات وتكنولوجيات الغاز والتعدين والبيئة.

          وقد أصدر الجانبان بياناً مشتركاً في نهاية الاجتماع أكدا فيه على الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الخليج العربي في تلبية الاحتياجات المستقبلية للبترول، والتبادل التجاري في العلاقات بين البلدين والعمل على تطويرها.

          وقد أكد وزير البترول السعودي على التزام بلاده بأمن إمدادات البترول للعالم والأهمية النسبية للسوق الأمريكي.

          كما أشار وزير الطاقة الأمريكي إلى الأهمية الاستراتيجية للسعودية كمصدر أمن موثوق به ويعتمد عليه في إمداد الولايات المتحدة الأمريكية ودول العالم بالبترول.

          وقد أبدى الجانبان ترحيبهما بالنشاط الاستثماري في مجال الطاقة والبترول بين البلدين، وتطلعهما لزيادة فرص النشاط الاستثماري في هذا المجال، ودور البترول في زيادة وتقوية العلاقات الاقتصادية بين البلدين. كما تضمنت المباحثات أهمية تطوير صناعة الغاز الطبيعي في السعودية وما يوفره من فرص لتنويع الاقتصاد السعودي.

موجة اندماج شركات البترول العالمية لم تنته بعد

في أوائل شهر أبريل 1999

          وفي إطار عمليات هيكلة صناعة البترول العالمية عقب الانخفاض الحاد في أسعار البترول، وبعد ثلاثة أشهر من شراء شركة بريتش بتروليم شركة أموكو بصفقة قيمتها 55 بليون دولار.

          تم التوصل إلى صفقة جديدة بين شركة بريتش بتروليم/ أموكو وشركة أتلانتيك رتشفيلد (أركو) الأمريكية مقابل 26.8 بليون دولار لتكوين أكبر شركة خاصة لإنتاج البترول على مستوى العالم. وذلك رغبة في تأسيس كيان عملاق في قطاع الطاقة قادر على المنافسة دولياً في ظل الظروف الحالية لسوق البترول.

          ويقدر رأسمال الشركة الجديدة بحوالي 190 بليون دولار، وسوف تدر عائداً سنوياً (قبل خصم الضرائب) يبلغ نحو بليوني دولار بحلول عام 2000.

          ومن الجدير بالذكر أن الشركة الجديدة سيقوى مركزها في مناطق عديدة. وستتمكن من الدخول إلى مناطق جديدة مما يجعلها منافساً قوياً في السوق. حيث تمتلك أركو امتيازات بترولية كبيرة في ألاسكا وخليج المكسيك ولها وجود قوي في قطاع الغاز في جنوب شرق آسيا، بالإضافة إلى عقود في قطر ودبي.

          وتمتلك بريتش بتروليم/ أموكو امتيازات هامة في الشرق الأوسط، خصوصاً في الإمارات العربية المتحدة والكويت ومصر. مما يؤدي إلى إتاحة أرضية كبيرة للنمو في عمليات الإنتاج والتنقيب. بالإضافة إلى تعزيز موارد الشركة الجديدة من الغاز وتوفيرها إلى اليابان وكوريا الجنوبية ودول آسيوية أخرى بعد عودة الانتعاش إلى اقتصادياتها مرة أخرى.

          ولمجرد العلم فإن أرباح بريتش بتروليم/ أموكو تراجعت خلال عام 1998 بنسبة 34% لتسجل 4.44 بليون دولار نتيجة لانخفاض أسعار البترول العالمية.

وفي خلال الفترة 21 ـ 23 يونيه 1999

عُقد في تركيا “المؤتمر الدولي للتعاون في مشروعات البترول والغاز”

تحت عنوان: “قصة ثلاثة بحار: مستقبل الطاقة في البحر المتوسط والبحر الأسود وبحر قزوين”

          وقد تم اختيار مصر لتمثيل دول البحر المتوسط، وجورجيا لتمثيل دول البحر الأسود وأذربيجان لتمثيل دول بحر قزوين.

          وقد نظَّم هذا المؤتمر مؤسسة كمبريدج الدولية لأبحاث الطاقة بالاشتراك مع مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركي ومجلس التعاون الاقتصادي لدول البحر الأسود. وحضر المؤتمر العديد من وزراء الطاقة والبترول ورؤساء الشركات العالمية الكبرى.

          تحدث خلال الجلسات كل من وزير البترول المصري، ووزير البترول والغاز والثروة المعدنية بتركمنستان، ومدير شركة البترول التركية، ونائب وزير الطاقة بروسيا وسفير كازاخستان بتركيا، حيث أبدوا رؤية بلادهم لتحقيق التعاون بين مناطق البحر المتوسط والبحر الأسود وبحر قزوين، وضرورة استغلال إمكانات ومقومات التعاون القائمة بينها.

          كما تناول السيد/ ريتشار مورنينجستار المستشار الخاص للرئيس الأمريكي ولوزير الخارجية لشؤون الطاقة ببحر قزوين، في كلمته سياسات الولايات المتحدة الأمريكية في إطار تزايد الاحتمالات البترولية والغازية بمنطقة بحر قزوين ومشروعات خطوط نقل البترول والغاز العملاقة التي يتم التفاوض بشأنها (في ذلك الوقت) بالمنطقة ودور الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الشأن، مؤكداً سعي بلاده لإنجاح عدداً من هذه المشروعات بما يحقق المصالح الأمريكية.

          وفي نهاية الجلسات، تحدث الرئيس ديميريل، الذي أكد اهتمام بلاده بهذا المؤتمر وترحيبها بانعقاده في اسطنبول للسنة الثانية على التوالي، وعزم بلاده على أن تلعب دوراً محورياً بالمنطقة اليورو ـ أسيوية خاصة في مجال الطاقة من خلال دفع مشروعات نقل البترول والغاز من بحر قزوين إلى الدول الغربية. كما أكد أن بلاده تسعى لتلبية احتياجاتها المتنامية من الغاز الطبيعي من خلال عدة مصادر.

الفصل السابع الحوار بين منتجي ومستهلكي البترول دون نتائج حاسمة

       إن كثيراً من الدول الصناعية سوف تظل معتمدة بشكل كبير على البترول المستورد من مصادر العرض غير المأمونة أو التي لا يمكن التعويل عليها، وخاصة تلك التي تقع في الخليج العربي. وسوف يستمر هذا الاعتماد حتى إذا حرصت هذه الدول الصناعية على تنفيذ خطط ترشيد استهلاك البترول والتشجيع على زيادة الإنتاج المحلي، والإسراع في إحلال البدائل للبترول.

       ويعني هذا الاعتماد أنه من الممكن أن يشهد العقدان القادمان اشتعالاً في المنافسة بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من أجل الحصول على الإمدادات النادرة من النفط الخام.

       وهذا ما حفز هذه الدول وغيرها إلى العمل معاً للتدخل السريع في حرب الخليج الثانية عندما احتل صدام حسين دولة الكويت في خريف عام 1990 لمنعه من السيطرة على بترول الشرق الأوسط تأميناً لاستمرار الاعتماد على هذا البترول.

       لذلك فمن الضروري التوصل إلى تفهُّم مشترك لمشكلات تأمين البترول، وتقليل الحساسية الاقتصادية والسياسية للدول المستهلكة لأي انقطاع أو تلاعب في الإمدادات البترولية. خاصة بعد أن تحقق معظم أهداف الوكالة الدولية للطاقة لكسر احتكار الدول المنتجة للبترول. فيما يتعلق بسياسات ترشيد الاستهلاك وتنمية البدائل وإنشاء المخزون الاحتياطي الإستراتيجي. وقد سبق توضيح ذلك من قبل عند استعراض هذه الأهداف ومدى نجاحها.

       وتفادياً لحدوث أي انقطاع مفاجئ لإمدادات البترول أو اضطراب في أسعاره، وما ينتج عن ذلك من آثار سلبية أو إيجابية على اقتصاد الدول المنتجة والدول المستهلكة على السواء، كان لابد من أن يلجأ الطرفان إلى وسيلة الحوار لمواجهة المشكلات التي تظهر في المستقبل.

أولاًالبداية التاريخية للحوار بين المنتجين والمستهلكين

       كلما طرأ على أسواق البترول العالمية ما يحرك الأسعار ارتفاعاً أو انخفاضاً خارج الحدود المتوقعة أو المقبولة لدى المستهلكين أو المنتجين، بزغت الفكرة الداعية للحوار. ولكن الغريب في الموضوع أن الدول المستهلكة للبترول غالباً ما تشترط من البداية ألاّ يتعرض الحوار لمناقشة الأسعار، مع أنها هي السبب الرئيسي الدافع إلى هذا الحوار.

       وفي أعقاب الارتفاع المفاجئ في سعر البترول في ظل حرب أكتوبر 1973، دعت فرنسا ـ في يناير 1974 ـ إلى فكرة الحوار بين منتجي البترول ومستهلكيه.

       وفي يناير 1975 أعلن وزراء المالية والبترول بدول أوبك أثناء اجتماعهم في الجزائر موافقتهم على الحوار بشرط ألاّ يقتصر على الطاقة وحدها، بل يشمل المواد الأولية والتنمية بصفة عامة، الأمر الذي رحبت به الدول النامية غير النفطية.

       هكذا بدأ الحوار ـ بين الدول الصناعية المستهلكة وبين الدول المنتجة للبترول ـ فيما عُرف وقتها باسم “حـوار الشمال والجنوب” وذلك في إطار مؤتمـر التعاون الاقتصـادي الدولي Conference for International Economic Co-operation (CIEC) الذي عُقدت جلسته الافتتاحية في ديسمبر 1975، وشارك فيها هنري كيسنجر وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية حينذاك والشيخ أحمد زكي يماني وزير النفط السعودي في ذلك الوقت.

       امتد هذا الحوار على طول 18 شهراً، ونوقش في إطاره عدد لا يحصى من الدراسات والبحوث. وأهم ما يميزها أن الطاقة ـ وهي المطلب الرئيسي لدول الشمال ـ كانت الموضوع الوحيد الذي لم يسبق تناوله في أي منتدى عالمي منظم من قبل.

       عُقدت الجلسة الختامية لهذا الحوار في يونيه 1977، وانفض المؤتمر دون أن يتوصل إلى اتفاقية موقَّعة، وإن كان قد نجح في تحسين مستوى التفاهم والتقدير المتبادل لمطالب الأطراف التي شاركت فيه. أو هكذا قيل مراعاة لما فرضته قواعد دبلوماسية المؤتمرات.

       ويرجع هذا الفشل إلى أن مشكلة الطاقة كانت قد خفّت حدتها، واطمأنت الدول الصناعية الغربية إلى تأمين احتياجاتها من البترول. كما أخذت هذه الدول في وضع وتنفيذ خطط وبرامج لترشيد الطاقة واقتسام إمداداتها من البترول عند وقوع أزمة حادة فيها. وغير ذلك مما تضمنته برامج الوكالة الدولية للطاقة التي أنشئت عام 1974 للتنسيق بين مصالح الدول المستهلكة للبترول ومواجهة سيطرة الأوبك.

       وعلى الرغم من المقدرة الفائقة التي تميزت بها الدول الصناعية الغربية في التصدي لثورة الأسعار الأولى بعد عام 1974، وخفض الطلب على بترول أوبك بنسب كبيرة، فقد كان لهذا الاتجاه ـ الذي فرضته عليها الوكالة الدولية للطاقة ـ آثاره السلبية على اقتصاديات هذه الدول. ويتمثل ذلك في الاستثمارات الباهظة التي تكبدتها من أجل تنمية موارد الطاقة البديلة وتنمية مصادر جديدة لإنتاج البترول من خارج أوبك. وترشيد استهلاك البترول مما أدى إلى انكماش في اقتصاديات الدول الصناعية.

       وهكذا صدقت نبوءة هنري كيسنجر الذي نصح الدول الصناعية الغربية بأن تعمل أولاً على تنسيق البيت الغربي من الداخل ـ مهما كلفها ذلك من جهود وأموال ـ وألاّ تدخل في حوار مع منتجي النفط إلاّ إذا كان ذلك من مركز القوة.

       وإذا كان هذا الحوار قد استمر من ديسمبر 1975 إلى يونيه 1977 فقد تزامن مع مواجهة الوكالة الدولية للطاقة لسيطرة منظمة الأوبك. ولذلك انتهى هذا الحوار بالفشل. وبدأ عقد الثمانينات يشهد تراجعاً واضحاً في معدلات الطلب العالمي على البترول وتراجعت الأسعار حتى وصلت إلى القاع عام 1986.

التعاون الأوروبي الخليجي

       لم تجد فكرة التعاون بين المنتجين والمستهلكين في منتصف الثمانينات استجابة على المستوى العالمي، وظهرت أنماط من التعاون الإقليمي والعلاقات الثنائية، كان أبرزها التعاون الأوروبي الخليجي.

       وفي إطار التعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي (ويضم السعودية ـ الإمارات ـ البحرين ـ قطر ـ عمان ـ الكويت) وبين دول السوق الأوروبية المشتركة تم توقيع أول اتفاقية تعاون في يونيه 1988. وتهدف الاتفاقية في خطوطها الرئيسية إلى إلغاء الرسوم الجمركية على واردات دول السوق الأوروبية المشتركة من الزيت الخام والمنتجات من دول مجلس التعاون الخليجي. كما تخضع وارداتها من المنتجات البتروكيماوية لنظام الأفضلية العام. وقد أدت هذه الميزة التنافسية إلى زيادة طاقة التصدير إلى دول السوق بما قيمته 12 بليون وحدة نقد أوروبية خلال عام 1990. بينما بلغت قيمة صادرات دول السوق المشتركة إلى منطقة الخليج نحو 14 بليون وحدة نقد أوروبية.

       ويتضح من وراء هذا التعاون أن دول السوق الأوروبية المشتركة تحرص على تأكيد دورها التنافسي مع الولايات المتحدة الأمريكية واليابان في مجال العلاقات التجارية والسياسية في منطقة الخليج العربي بصفة خاصة، والشرق الأوسط بصفة عامة. وهذا يفسر لنا المساندة السياسية لبعض أعضاء السوق الأوربية في موضوع المفاوضات حول اتفاقية التجارة الحرة، رغم معارضة الصناعة البتروكيماوية الأوروبية إلغاء الرسوم الجمركية على المنتجات الخليجية.

ثانياً: المرحلة الحديثة للحوار بين المنتجين والمستهلكين

       إن تجديد الدعوة لإقامة حوار يضم الدول المصدِّرة والمستهلكة للبترول لا بد أن يضم جميع أطراف صناعة البترول العالمية: الحكومات والشركات والوكالات والمؤسسات المالية والمنظمات الإقليمية. ومعنى ذلك، أن هذا الحوار يضم فئات تختلف اختلافاً بيِّناً، تربطهم مصالح متناقضة. وتحمل كل فئة رصيد عشرين عاماً مضت من المواجهات وانعدام الثقة. كما يضم هذا الحوار أنواعاً متعددة من أنماط التجارة البينية والإقليمية والعالمية والعلاقات الثنائية.

       وبعد مضي سنوات عديدة منذ حوار الشمال والجنوب في ديسمبر 1975.

       وقبيل أزمة الخليج بشهور قليلة انطلقت شعارات من قِبل الدول الصناعية المستهلكة للبترول تنشد تحقيق “الأمن المتبادل في مجال الطاقة”.

       ومن المعروف نظرياً أن تحقيق الأمن المتبادل يعني إقامة علاقات متوازنة بين المصدرين والمستهلكين، يضمن إمدادات بترولية كافية ومستمرة تغطي احتياجات الدول المستهلكة، وفي ذات الوقت يضمن عائدات مستقرة تأخذ صفة التدرج للدول المصدرة للبترول.

       هذا التوازن بهذا المفهوم غير قائم من الناحية العملية ولا يزال يميل إلى جانب الدول الصناعية المستهلكة للبترول، حيث يعود إليها جزء كبير جداً من عائدات الدول المصدِّرة يتمثل في استيراد هذه الدول الأخيرة للسلع الرأسمالية والاستهلاكية والتكنولوجيا والخبرة الغربية والأسلحة والمواد الغذائية، هذا بالإضافة إلى استثماراتها في الدول الكبرى المستهلكة للبترول.

       وأكثر من ذلك، فإنه في المقابل تُواجه صادرات الدول المصدِّرة من المنتجات البترولية والبتروكيماوية بإجراءات الحماية الجمركية. مما يجعل الأمن المتبادل بهذا المعنى ما هو إلاّ استمرار للتبعية الاقتصادية.

       وعلى الرغم من هذه المقدمة الواقعية، فقد اقترحت لجنة المراقبة الوزارية التابعة لمنظمة أوبك ـ في اجتماعها خلال يومي 11 و12 مارس 1991 ـ عقد لقاء بين مصدري البترول  ومستهلكيه، حيث جرى عرضه على الدول المستهلكة للبترول.

  1. مؤتمر البترول والغاز في التسعينات خلال الفترة من 27 ـ 29 مايو 1991

وإلحاقاً لاقتراح عقد لقاء بين منتجي البترول ومستهلكيه.

وكخطوة أولى من قِبل الدول المنتجة للبترول نحو تفاهم وتعاون أفضل.

انعقد في مدينة أصفهان بإيران خلال هذه الفترة مؤتمر البترول والغاز في التسعينات بهدف التعاون بين المنتجين والمستهلكين من أجل قيام نظام بترولي عالمي يحقق استقرار سوق البترول، في ظل الشعارات التي انطلقت من قِبل الدول الصناعية المستهلكة للبترول تنشد تحقيق “الأمن المتبادل في مجال الطاقة”

ويُعتبر مؤتمر أصفهان الأول من نوعه الذي جمع بين ممثلي الحكومات وممثلي الشركات، والمنتجين داخل أوبك وخارجها والمستهلكين، كما ضم السياسيين إلى جانب الخبراء البتروليين.

شارك في هذا المؤتمر وزراء بترول السعودية وعمان والكويت والإمارات وسورية وفنزويلا وإندونيسيا ونيجيريا والاتحاد السوفيتي (سابقاً) والصين وكوريا الجنوبية وماليزيا. بالإضافة إلى كثير من الخبراء والكتَّاب المتخصصين وممثلي أكبر شركات البترول العالمية.

جدير بالذكر أن إيران تحاول من جديد ـ بعد أزمة الخليج ـ إقامة علاقات قوية مع مختلف دول العالم ومع الشركات الصناعية الأجنبية، وتأكيد سياسة الانفتاح الإقليمي تجاه دول الخليج.

ويعتبر هذا المؤتمر وسيلة ناجحة لجذب رؤوس الأموال الغربية ولتوطيد المساعدات الفنية في إطار محاولة جديدة للتعاون بين المنتجين والمستهلكين.

وقد أسفر مؤتمر أصفهان عن النتائج التالية:

أ.  أظهر أعضاء أوبك حرصهم على التعاون والتنسيق فيما بينهم، وذلك من خلال حضور وزراء البترول للمشاركة في المؤتمر.

ب.  حضور جميع دول الخليج في المؤتمر، الذي خلق بدوره قاعدة جيدة للتعاون الإقليمي حيث كان لوجود وزير البترول السعودي في المؤتمر أهمية خاصة، تنبع من كونها أول زيارة يقوم بها مسؤول سعودي كبير لإيران منذ 12 عاماً، ومن أن السعودية أكبر دولة مصدِّرة للبترول في العالم.

ج.  وجود عدد كبير من الإيرانيين والأجانب الذين جاءوا إلى إيران لأول مرة منذ عام 1979 (تاريخ قيام الثورة الإيرانية).

2.  لقاء باريس بين منتجي ومستهلكي البترول في ا و2 يوليه 1991

بعد شهر واحد من انعقاد مؤتمر أصفهان بإيران، الذي يُعتبر خطوة تمهيدية نحو تعاون أفضل بين المنتجين والمستهلكين.

حدث لقاء آخر في باريس في هذين اليومين بين منتجي ومستهلكي البترول في العالم بناء على دعوة من رئيسي فنزويلا وفرنسا كدولتين تمثلان الدول المنتجة والدول المستهلكة للبترول شارك فيه وزراء ومسؤولون من 26 دولة من الدول المصدرة والمستوردة للبترول، ومن تسع منظمات دولية منها الوكالة الدولية للطاقة.

وقد ثارت خلافات أساسية بين الدول الصناعية السبع فيما يتعلق بالهدف من إجراء هذا الحوار.

ففرنسا الدولة الداعية للحوار ترى أن الهدف منه إرساء قواعد لضبط إيقاع الأسعار في السوق، وتحديد قواعد تضمن استقرار الأسعار وسط الظروف الدولية المتقلبة، وذلك بما لا يتعارض مع قوانين السوق الحرة.

أمّا الولايات المتحدة الأمريكية، فإنها تتزعم اتجاهاً مختلفاً وتضم معها كلا من اليابان وبريطانيا. ويرفض هذا الاتجاه أساساً وضع أية قواعد تؤثر على عمل قوى السوق (العرض والطلب).

ويرجع هذا الخلاف بصفة أساسية إلى الاعتماد على العلاقات الثنائية في تجارة البترول العالمية، حيث تمثل هذه العلاقات عقبة أمام قيام حوار حقيقي يهدف إلى تنقية الأجواء وإعادة الثقة المفقودة بين جميع المنتجين من جهة وجميع المستهلكين من جهة أخرى. ويبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية تعتمد على العلاقات الطيبة بينها وبين السعودية، حيث دعت إلى ضرورة عقد اتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي لدعم وتأمين التفاهم.

وعلى الرغم من أن الحضور الأمريكي في المؤتمر كان بصفة مراقب فقط، ولا صفة رسمية له، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية بصفتها أكبر مستهلك للبترول في العالم استطاعت تعديل جدول أعمال مؤتمر باريس، حيث استبعدت مناقشة مستويات إنتاج البترول والأسعار من جدول الأعمال.

وعلى أي الأحوال .. كانت هذه هي المرة الأولى ـ منذ عام 1975 ـ التي يجري فيها الاتصال الرسمي بين المنتجين والمستهلكين على هذا النحو. ذلك أن حضور منظمة أوبك والوكالة الدولية للطاقة والمؤسسات المالية الدولية وكبار المنتجين والمستهلكين قد أعطى المبادرة الفرنسية الفنزويلية طابعاً جديداً.

وقد اتفق الجميع على عدم صدور بيان ختامي حرصاً على عدم التأثير بشكل مباشر على عناصر السوق، وحرصاً على الطابع غير الرسمي لهذا اللقاء، بينما كان هناك اتفاق على مبادئ عامة تشكل الأساس الأوَّلي للمرحلة المقبلة من الحوار بين الطرفين، مع إقرار ضرورة إجراء مزيد من الدراسات العلمية للتعرف على حقيقة العلاقة بين مصادر الطاقة المختلفة والبيئة.

وانتهى اللقاء باقتراح عقد اجتماع مشترك على المستوى الفني تدعو له الوكالة الدولية للطاقة وآخر على المستوى الوزاري تستضيفه النرويج.وقد أسفر هذا الجهد عن تكليف مصر والنرويج بالتحضير للمؤتمر الوزاري القادم الذي يُعد خطوة متقدمة على طريق الحوار بين المنتجين والمستهلكين.

3.  الاجتماع الفني لخبراء الطاقة في باريس خلال الفترة من 24 ـ 26 فبراير 1992

نظَّمت الوكالة الدولية للطاقة ـ تنفيذاً للاقتراح الذي انتهى إليه لقاء باريس في يوليه 1991 ـ اجتماعاً فنياً لخبراء الطاقة بمقر الوكالة بباريس لتنمية الثقة بين أطراف السوق، وإيجاد نوع من التفاهم المتبادل. وحرص فيه المجتمعون على تحاشي مناقشة قضايا الأسعار ومعدلات الإنتاج. وتركزت مناقشاتهم على تبادل المعلومات ودراسة آليات السوق وموضوعات البيئة وكفاءة الاستخدام.

  1. الاجتماع الوزاري بين المنتجين والمستهلكين في النرويج خلال 2 و3 يوليه 1992

عُقد اجتماع آخر على المستوى الوزاري في سولستراند بالنرويج تحت إشراف مصر والنرويج باعتبارهما من أهم الدول المنتجة للبترول خارج أوبك، وإيطاليا باعتبارها من كبريات الدول المستوردة للبترول.

شارك في هذا المؤتمر وزراء الخارجية ووزراء البترول في أكثر من عشرين دولة منتجة ومستهلكة للبترول، شملت دول الأوبك، والدول السبع الصناعية الكبرى، وممثلي الحكومات والمنظمات العالمية الكبرى.

ناقش المؤتمر العديد من الموضوعات السياسية والاقتصادية المتعلقة بالبترول والطاقة في العالم، ووسائل التعاون بين الدول المنتجة والمستهلكة للبترول، وسبل الاستقرار في سوق البترول العالمي في ضوء مستويات العرض والطلب والأسعار. بالإضافة إلى مناقشة الاقتراحات الخاصة بفرض ضريبة الكربون على الطاقة، ومناقشة قضايا البيئة والطاقة والتنمية.

وقد عارض أعضاء أوبك فرض ضريبة الكربون لأن هذه الضرائب ستزيد عائدات الدول الغنية، وستؤدي إلى تهديد التنمية الاقتصادية في الدول النامية.

كما أشار أعضاء أوبك إلى أن فرض ضريبة الكربون ستؤثر على الاستثمارات الجديدة اللازمة لإنتاج البترول. في حين أن عائد حكومات المجموعة الأوروبية من الضرائب الحالية على مبيعات البترول يتجاوز بكثير دخل مصدري البترول من صادراتهم.

وتوصل المؤتمر إلى أن المنتجين والمستهلكين على السواء يدركون الرغبة العامة المتزايدة في حماية البيئة، والتأكيد على أهمية التعاون في مجال نقل التكنولوجيا من أجل المساعدة في إنتاج بترول أقل تلوثاً وأكثر كفاءة وتعزيز الاستثمارات للدول الصناعية في الدول النامية، وسبل المشاركة في نقل واستخدام المعلومات.

وقد أعربت الدوائر المعنية بالمؤتمر أن هناك تقدماً واضحاً عن الأجواء التي سادت مؤتمر أصفهان مايو عام 1991 ومؤتمر باريس يوليه 1991. وخطوة نحو تعميق الحوار في مؤتمر أسبانيا القادم.

وبعد ذلك عُقد اجتماع في 14 يناير 1993 على مستوى الفنيين الدبلوماسيين وخبراء البترول في أوسلو عاصمة النرويج لمتابعة أعمال مؤتمر سولستراند والتحضير لاجتماع وزاري قادم في مدريد بأسبانيا. ولدراسة أسس ودعم استمرار الحوار بين أطراف السوق، وميثاق الطاقة الأوروبي، وأوضاع سوق الطاقة العالمي.

  1. في عام 1994 عُقدت الدورة الثالثة للحوار بين المنتجين والمستهلكين للبترول في قرطاجنة بأسبانيا.
  2. في عام 1995 عُقدت الدورة الرابعة للحوار بين المنتجين والمستهلكين للبترول في فنزويلا. (وقد ورد تفصيل عن مناقشات هذه الدورة في أحداث عام 1995 في الفصل السابق)

والخلاصة أن هذه المؤتمرات كلها قد تناولت أهم الموضوعات حول الطاقة ومصادرها واستخداماتها، وتطور نمو الطلب العالمي والنمو الاقتصادي وسياسات الطاقة العالمية، وغير ذلك من موضوعات سبق الإشارة إليها، إلاّ أن أي منها لم يناقش موضوع أسعار البترول بناء على رغبة المستهلكين الذين ما زالوا يصرون على عدم التعرض لهذا الموضوع.

7.  المؤتمر العالمي الخامس للطاقة بالهند خلال الفترة من 6 ـ 8 ديسمبر 1996

عقد المؤتمر العالمي الخامس للطاقة بمنتجع جوا بالهند. وقد بحث المؤتمر كيفية التنسيق بين الدول المستهلكة والدول المنتجة للوصول إلى صيغة مناسبة لإيجاد التوازن بين اعتبارات البيئة ومتطلباتها الاقتصادية اللازمة للتقدم. وعلى الرغم من اختلاف سياسات وأهداف الدول المنتجة والدول المصدرة للطاقة فإن هناك مجالاً واسعاً للالتقاء لاستغلال مصادر الطاقة بفاعلية أكبر مما تم في الماضي. خاصة أن الحوارات والمناقشات الماضية لا تزال تفتقر إلى رؤية محددة تتضمن اعتراف كل من الطرفين بمصالح الآخر حتى يمكن التوصل إلى نتائج إيجابية تخدم مصالح كل منهما.

ويثار التساؤل حول اشتراط ـ بل وإصرار ـ الدول الصناعية قبل بدء الحوار على استبعاد مناقشة سعر البترول؟

وهل تستطيع قوى السوق أن تحدد سعر البترول فعلاً، كما تحدد سعر أي سلعة أخرى؟

8.  هل يمكن أن يتوصل الحوار إلى نتائج ذات قيمة دون مناقشة سعر البترول؟

وفي محاولة لتوضيح النوايا للإجابة على هذا التساؤل نبين ما يلي:

هناك عامل آخر يتوقف عليه تناول سعر البترول الخام، لا يوجد بالنسبة لأي سلعة أخرى وهو أسعار المنتجات النفطية، الأمر الذي يتعذر مناقشة سعر البترول الخام دون مناقشة أسعار منتجاته. هذه المنتجات النفطية تتضمن قدراً كبيراً من العائد الاقتصادي، الذي يتمثل بدوره في الفرق بين التكلفة الكلية (من إنتاج ونقل وتكرير وتسويق) وبين سعر المنتجات المكررة في أسواق المستهلك النهائي.

وقد سبق أن ذكرنا أن الطلب النهائي للبترول مستمد من الطلب على المنتجات والمشتقات البترولية. وأن الطلب على هذه المنتجات في أسواق الاستهلاك الرئيسية هو الذي يحدد السعر النهائي للبترول الخام.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن أسعار المشتقات البترولية في الدول المستهلكة للبترول تحددها حكومات هذه الدول، حيث تفرض الضرائب والرسوم الجمركية على البترول المستورد، التي قد تصل إلى حوالي نصف ثمن بيع البنزين أو السولار. كذلك هناك أرباح الشركات البترولية الوسيطة التي وصلت إلى معدلات قياسية. ففي عام 1978 كان سعر البترول الخام يساوي 12 دولاراً بينما كان السعر النهائي للمستهلك (في صورة مشتقات بترولية) يساوي 30 دولاراً.

وعلى ذلك، فإن ارتفاع سعر البترول الخام لا يؤدي بالضرورة إلى ارتفاع سعر بيع المشتقات البترولية لجمهور المستهلكين. ولكن انخفاض سعر البترول الخام هو الذي يؤدي إلى أضرار بالغة بالعائد الذي يؤول إلى الدول المنتجة، حيث يتوزع العائد النفطي المشار إليه، بعد استبعاد كافة التكاليف وأرباح الشركات الوسيطة، بين الدول المصدِّرة (مُعبِّراً عن نصيبها بالفرق بين تكلفة الإنتاج وسعر النفط الخام) وبين حكومات الدول المستوردة، (مُعبِّراً عنه بما تحصل عليه في صورة ضرائب تفرضها على المنتجات النفطية).

وتستند حصة الدول المنتجة في مشروعيتها إلى أن النفط يعتبر مصدراً طبيعياً ناضباً، وما تحصل عليه كنصيب في العائد الصافي يعوضها جزئياً عن نضوب تلك الثروة ويُعتبر ثمناً لها مستقلاً عن تكلفة الإنتاج.

ومن ناحية أخرى، فإن هذا النصيب يساعدها على توفير استثمارات في البحث عن حقول جديدة وتنميتها لضمان تلبية الاحتياجات المتزايدة للمستهلكين.

أما أهداف الدول المستهلكة من فرض الضرائب البترولية فتختلف تبعاً للاعتبارات التي تدعو إلى فرضها:

أ.  فالضريبة على البنزين تحقق حصيلة مالية كبيرة يُستخدم جانب منها لتمويل إقامة الطرق وصيانتها.

ب.  من الضرائب البترولية ما يُفرض لدعم صناعة الفحم المحلية كما يحدث في أوروبا واليابان.

ج.  وتفرض هذه الضرائب أيضاً بمعدلات متفاوتة على المنتجات المختلفة للتأثير على سلوك المستهلكين وتشجيعهم على التحول إلى مصدر معين للطاقة حماية للبيئة مثل الضرائب المخفضة على البنزين الخالي من الرصاص والغاز الطبيعي والكهرباء.

د.  كذلك قد تستهدف الضريبة التشجيع على استهلاك مصادر الطاقة المحلية تخفيفاً لأعباء ميزان المدفوعات.

هـ.  ويكون الهدف من الضريبة أيضاً تغطية نفقات الاحتفاظ بمخزون إستراتيجي من المواد البترولية لمواجهة الطوارئ، كما هو الحال في ألمانيا وفرنسا وهولندا والدانمارك.

9.  كيفية توزيع العائد البترولي النهائي بين الدول المنتجة وحكومات الدول المستوردة

يختلف توزيع العائد البترولي الصافي بين الدول المنتجة للبترول وبين الدول المستهلكة له تبعاً لقوة أو ضعف أسعار النفط الخام، إذ كلما انخفض سعر النفط الخام تضاءل نصيب الدول المنتجة من ذلك العائد والعكس صحيح. ويوضح ذلك المثال الأول الآتي:

في عام 1970

ـ  كان سعر بيع برميل المنتجات المكررة للمستهلك النهائي في الدول أعضاء  الاتحاد الأوروبي 11.42 دولار

يستقطع منه إجمالي التكاليف بما في ذلك تكلفة الإنتاج والنقل والتكرير والتوزيع  وأرباح الشركات الوسيطة 5.35 دولار

مقدار العائد الصافي بعد استقطاع إجمالي التكاليف  6.07 دولار

ـ  كان نصيب الدول المنتجة من هذا الصافي= سعر النفط الخام – تكلفة الإنتاج =  6.77  – 5.35 = 1.42 دولار بنسبة 23%

ـ  بينما كان نصيب الدول المستهلكة منه = الباقي من العائد الصافي بما يتضمنه من رسوم وضرائب مفروضة على المنتجات البترولية.  

=   6.07  –   1.42  =  4.65 دولاراً بنسبة 77%

ـ  يتضح من هذا المثال أنه عندما كان سعر النفط الخام منخفضاً سنة 1970 كان نصيب الدول المنتجة منه ضئيلاً للغاية.

ولما استردت الدول المصدرة للبترول، في ظل حرب أكتوبر 1973 ـ حريتها في تحديد الأسعار، تحول توزيع العائد النهائي لصالحها. ويوضح ذلك المثال الثاني الآتي:

في عام 1975

ـ  بلغ سعر البرميل للمستهلك النهائي في دول المجموعة الأوروبية 27.9 دولاراً يستقطع منه إجمالي التكاليف 9.0 دولاراً مقدار العائد الصافي 18.9

ـ  كان نصيب الدول المنتجة من هذا الصافي = سعر النفط الخام ـ تكلفة الإنتاج = 18.8  ـ 9.0  = 9.8 دولاراً بنسبة 52%

بينما كان نصيب الدول المستهلكة منه   الباقي من العائد الصافي بما فيه من رسوم وضرائب  = 18.9  ـ  9.8 = 9.1 دولاراً بنسبة 48%

وفي عام 1980

بلغ نصيب الدول المنتجة ذروته، ويوضح ذلك المثال الثالث التالي.

ـ  بلغ سعر بيع البرميل للمستهلك النهائي في دول المجموعة الأوربية 65.50 دولاراً يستقطع منه إجمالي التكاليف 12.25 دولاراً مقدار العائد الصافي 53.25

ـ  كان نصيب الدول المنتجة من هذا العائد الصافي = سعر النفط الخام ـ تكلفة الإنتاج   = 46.55 ـ  12.25 = 34.30 دولاراً بنسبة 64%

بينما كان نصيب الدول المستهلكة منه   = الباقي من العائد بما فيه من رسوم وضرائب   = 53.25  ـ 34.30 = 18.95 دولاراً  بنسبة 36%

          غير أن أسعار النفط الخام لم تلبث أن انخفضت خلال النصف الأول من الثمانينات، ثم انهارت عام 1986 من نحو 28 دولاراً عام 1985 إلى نحو 13 دولارا.

          وهنا لم تسمح الدول الأوروبية بانتقال الانخفاض إلى المستهلك النهائي حتى تمنع زيادة الطلب على المنتجات البترولية، وتمنع بالتالي زيادة الطلب على النفط الخام. وبذلك تحكمت في عامل الطلب على البترول عن طريق زيادة ضرائبها البترولية من نحو 22.5 دولارا عام 1985 إلى نحو 30 دولارا عام 1986، بل استمرت في الزيادة إلى أن بلغت 52 دولارا عام 1991، ونحو 55.4 دولارا عام 1992 وإن انخفضت قليلاً إلى 50.8 دولارا في عام 1993.

          ولم تكتف الدول الأوروبية بهذا، بل ظهر مشروع الاتحاد الأوروبي لفرض ضريبة الكربون بحجة حماية البيئة كعبء إضافي على هيكل الضرائب النفطية التي تتحيز لصالح الفحم رغم أنه المصدر الأكثر تلوثاً للبيئة.

          أما سعر النفط الخام فقد استمر في التآكل بحيث انخفض من 19.33 دولارا عام 1991 إلى 18.22 دولارا عام 1992، وإلى 16.07 دولارا عام 1993.

          وباستبعاد تكاليف الإنتاج والنقل من تلك الأسعار، يبلغ نصيب الدول المنتجة من صافي العائد نحو 11 دولارا عام 1986، ونحو 14.55 دولاراً في عامي 1991 و1992، ونحو 12.35 دولارا عام 1993. وبذلك انعكس توزيع العائد النهائي بحيث لم تعد الدول المنتجة تحصل منه على أكثر من 20%.

          وإضافة نحو 20 دولارا للبرميل مقابل تكاليف وأرباح الشركات الوسيطة، وكلها تقريباً شركات تابعة للدول الصناعية المستوردة للنفط، يتراوح متوسط السعر للمستهلك النهائي في دول الاتحاد الأوروبي حول 92، 94 دولارا خلال السنوات 1990 ـ 1992 وحول 85 دولارا عام 1993.

          ولا يختلف الحال كثيراً بالنسبة لليابان، التي بلغ فيها السعر للمستهلك النهائي عام 1993 نحو 107 دولارات، كما بلغ صافي العائد نحو 47 دولارا. وكان توزيعه بنسبة 74% كضرائب لحكومة اليابان و 26% للدول المصدرة فقط.

ثالثاً: ضريبة الكربون

          كان ميثاق الطاقة الأوروبي، الذي أقره مؤتمر الأمن والتعاون الأوروبي في ديسمبر 1991 قد تضمن نصوصاً تقضي بضرورة استخدام الأسعار وغيرها من الإجراءات لحماية البيئة وتقليل مخاطر تلوثها.

          أما الاتجاه العالمي، الذي تضمنته المعاهدة الدولية، التي أقرها مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية، الذي يعرف بمؤتمر “قمة الأرض” وعُقد في البرازيل خلال يونيه 1992، فإنه يرفع شعار “البيئة والتنمية” معاً على أساس أن العالم كل متكامل. والحكمة من وراء رفع هذا الشعار بشقَّيه أن الفقر والتلوث مما يمثلان تهديداً خطيراً للبيئة، بل إن الفقر أصبح اليوم أعدى أعداء الإنسانية ويحتل الأولوية التي يعالجها مؤتمر قمة الأرض.

          ومؤدى ذلك أن هذه المؤتمرات تهدف إلى إيجاد علاج للبيئة بإخلائها من الملوثات وإيجاد علاج للتنمية بالقضاء على أسباب الفقر، الذي يعاني منه 75% من سكان العالم.

          وعلى ذلك فإن فرض ضريبة للحد من استهلاك الطاقة لتخفيف الملوثات، إنما يؤثر على اقتصاد الدول النامية والمتخلفة ويزيدها فقراً على ما هي فيه من فقر، لأن مثل هذا الضريبة تؤدي إلى تراجع معدلات النمو الاقتصادي ومستويات المعيشة.

          لذلك فإن العلاج الذي تهدف إليه مؤتمرات قمة الأرض هو إيجاد حلول لعلاج البيئة والتنمية معاً، وليس علاج البيئة على حساب التنمية. وإلاَّ كان ذلك مخالفة صريحة تتعارض مع شعار مؤتمرات الأرض، بل وتهدم الحكمة التي تتوخاها الأمم المتحدة من وراء رفع هذا الشعار بشقَّيه معاً.

          ويستلزم الأمر أن تواجه الدول الصناعية التزاماً حضارياً للأخذ بأسباب التنمية الشاملة للدول الفقيرة وتطوير التكنولوجيا الحديثة للحد من انتشار ملوثات البيئة ـ تنفيذا لشعار البيئة والتنمية ومسايرة للاتجاه العالمي في هذا الصدد.

ظاهرة “البيت الزجاجي”

          وعلى الرغم من ذلك فإن بعض حكومات الدول الصناعية الغربية قد استغلت وجهة نظر جماعة الخضر فيما يتعلق بظاهرة “البيت الزجاجي  Greenhouse Effect”

(تشبيهاً للكرة الأرضية وما يحيط بها من غلاف جوي بالبيت الزجاجي)

          وقد فسَّر العلماء بأن الغلاف الجوي أو هذا الغطاء الغازي، الذي يحيط بالكرة الأرضية يسمح بنفاذ أشعة الشمس إلى سطح الأرض، لكنه يحجز جزءاً كبيراً من الحرارة الناتجة عن ذلك، ويمنعها من التسرب إلى الفضاء مرة أخرى. وشبَّهوا ذلك بالصوبات الزراعية أو تلك البيوت الزجاجية، التي يُزرع بداخلها نباتات تحتاج إلى جو دافئ ومن هنا أطلق العلماء على ظاهرة ارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية تعبير “تأثير الصوبة الزجاجية Greenhouse Effect” أو “ظاهرة الاحتباس الحراري”.

          وقد ادَّعت جماعة الخضر ـ بناءً على هذا التفسير ـ أنه ينتج عن هذه الظاهرة ازدياد مطرد في حرارة الغلاف الجوي المحيط بالكرة الأرضية. ويساهم في تكوينها عدد من الغازات أهمها ثاني أكسيد الكربون وغاز الميثين. وينطلق غاز ثاني أكسيد الكربون بكميات كبيرة نتيجة لعوامل طبيعية توازن بعضها بعضاً. ولكن الأنشطة البشرية تطلق أيضاً كميات متزايدة منه بحيث ارتفع تركيز الغاز في الجو خلال السنوات المائة الماضية إلى 350 جزءاً بالمليون حجماً بزيادة تتراوح بين 20 ـ 25%. وتتفاوت مساهمة كل مصدر من مصادر الوقود الحفري فيما يتخلف عنه من الكربون.

          وتشير دراسات مؤتمر “قمة الأرض” إلى أن متوسط حرارة الجو قد ارتفع خلال تلك السنوات المائة بما يتراوح بين 0.3 ـ 0.6 درجة مئوية. ونظراً لارتفاع كميات الكربون المنبعثة نتيجة النشاط البشري خلال الفترة 1950 ـ 1990 من 1.6 مليار طن سنوياً إلى نحو 6 مليار طن، وهو ما ينتج عنه نحو 20 مليار طن من غاز ثاني أكسيد الكربون، فإن ترك الأمر على حاله سوف يؤدي إلى ارتفاع المنبعث من ذلك الغاز إلى نحو 43 مليار طن بحلول عام 2050، وهو ما يؤدي بدوره إلى ارتفاع حرارة الغلاف الجوي بما يتراوح بين 1.5 ـ 4.5 درجة مئوية.

          وعلى ذلك يحذر البعض من أن استمرار ضخ ذلك الغاز وغيره من غازات البيت الزجاجي بالمعدلات الحالية سوف يؤدي ـ نتيجة لارتفاع الحرارة ـ إلى إذابة الغطاء الجليدي في كل من القطبين الشمالي والجنوبي ، فيرتفع مستوى المياه في البحار والمحيطات لتغرق الكثير من الأراضي الواطئة في القارات.

المعارضون لفرض ضريبة الكربون

          لذلك أعلنت الجماعة الأوروبية EC  European Community ـ مستغلة هذه الظاهرة ـ عن عزمها فرض ما أطلق عليه ضريبة الكربونEcotax،  بل صدر هذا الإعلان أثناء اجتماع منظمة الأوبك في سبتمبر 1991. وقد جاء رد الأوبك الفوري محذراً من أن الضريبة المقترحة سوف تضع النفط في مركز تنافسي سيئ بالنسبة لباقي مصادر الطاقة. كما أنها ستؤثر تأثيراً سيئاً على معدلات النمو الاقتصادي في العالم وخاصة في دول العالم الثالث، وقد تؤدي هذه الضريبة إلى خلق مواقف سلبية من جانب الدول المنتجة للطاقة. وقد تكرر التحذير من جانب منظمة الأوبك عدة مرات منذ ذلك التاريخ. وعارضتها أيضاً مجموعة من دول أيبك وهي الدول المستقلة المصدرة للبترول غير الأعضاء في أوبك.

وفي أبريل 1992 عقدت منظمة أوبك ندوة عن البيئة، أعقبها اجتماع وزاري لدول أوبك وأيبك.

          ومما كشفت عنه الدراسات والمناقشات أن أساسيات الموضوع لا تزال محل خلاف وتحتاج للمزيد من الدراسات العلمية المتأنية، وخاصة فيما يتعلق بالعلاقة بين غاز ثاني أكسيد الكربون وغيره من غازات البيت الزجاجي وبين ارتفاع حرارة الغلاف الجوي. وكذلك السرعة التي يزداد بها تركُّز تلك الغازات في الغلاف الجوي.

          وقد تضاربت آراء العلماء حول الأسباب التي تؤدي إلى حدوث هذه الظاهرة، التي يشارك في حدوثها غازات من أصل غير بترولي (أي من أصل غير كربوني) مثل أكاسيد النيتروجين وغيرها. كما أوضح بعض العلماء أن التغييرات التي حدثت في درجة حرارة الأرض خلال القرن الماضي ما هي إلاّ تغيرات طبيعية. كما أن الخلاف لا يزال قائماً بين المتخصصين حول التوقعات المستقبلية لحجم وأبعاد وتوقيت حدوث التغيرات المناخية المصاحبة للظاهرة وتوزيعها الجغرافي في مختلف مناطق الأرض وتوقُّع الآثار الناجمة عنها.

          كذلك كشفت الدراسات والمناقشات عن أن هناك من الأولويات مثل مشكلة الفقر ومشكلة الزيادة السكانية ما ينبغي أن يتقدم على مشكلة البيئة، كما أن حل هذه المشاكل أولاً يمكن أن يساعد على تخفيف المخاطر البيئية. ولذلك ينبغي أن تتضافر الجهود العالمية لمواجهة تلك المشاكل، وهو ما أخذ به مؤتمر “قمة الأرض”، وانبثقت عنه ما عُرف بأجندة 21 (أي برنامج القرن 21) والتي ربطت بين مشكلة البيئة ومشاكل التنمية المتواصلة. Sustainable Development   وقد تضمن هذا البرنامج 120 مبادرة لعلاج هذه المشاكل يُقترح تطبيقها حتى عام 2000.

          أما مجلس التعاون الخليجي  فقد عارض هذه الضريبة أيضاً، حيث عقد في 16 مايو 1992 بالكويت اجتماعاً مشتركاً مع السوق الأوروبية. وتناولت المحادثات موضوع فرض ضريبة الكربون على صادرات البترول.

          وقد ألقى السيد/ هشام ناظر وزير البترول والثروة المعدنية السعودي خطاباً أساسيا يُعبر فيه عن رأي دول المجلس، أشار فيه إلى أن هذه الدول تنظر إلى اقتراح المفوضية الأوروبية بشأن ضريبة الكربون في إطار عام له ثلاثة أضلاع هي: الطاقة والبيئة والتنمية.

          وأبدى شكوكه في فاعلية هذه الضريبة في معالجة مشكلة لها أبعاد عالمية. فالضرائب نادراً ما تعطي دلالات واضحة للسوق بزيادة أو خفض متوسط انبعاث الغازات. وليس أدل على ذلك من الضرائب الباهظة التي فرضتها السوق الأوروبية على البرميل من المنتجات البترولية من 7 دولارات عام 1973 إلى 56 دولاراً في ديسمبر 1991، في حين تصاعد انبعاث الغازات في نفس الفترة بنسبة ضئيلة للغاية. وكان من نتيجة فرض هذه الضرائب الباهظة على البترول ودعم الفحم انخفاض استهلاك دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنميةOECD  من البترول من 59% في عام 1973 إلى 50% عام 1990. في حين ارتفعت حصة استهلاك الفحم، الذي ينبعث عنه ثاني أكسيد الكربون بنسبة أكبر من البترول من 20 ـ 25%. وبذلك يتحمل البترول ضرائب تزيد كثيراً على حصته في انبعاث الغازات.

          ولا يسفر عن ذلك إلاّ أن فرض ضريبة الكربون ما هي إلا وسيلة لزيادة حصيلة الدول المستهلكة من الضرائب، وتقليص الطلب على البترول، الأمر الذي سيلحق الضرر بالمنتجين والمستهلكين في السوق الأوروبية.

          وعلى مدى أكثر من عام ظل الحوار يدور بين مجلس التعاون الخليجي وبين المجموعة الأوروبية حول ضريبة الكربون، التي تعتزم المجموعة فرضها على مصادر الطاقة ومن بينها النفط. وقد اتخذ الجانب العربي موقف الرفض من تلك الضريبة ـ كما أوضحنا من قبل ـ مستنداً إلى أنها تلحق بالإيرادات النفطية خسائر جسيمة. وأن مشكلة ارتفاع حرارة الجو لا يمكن مواجهتها بفرض المزيد من ضرائب الطاقة، وإنما بإجراء المزيد من الأبحاث العلمية توصلاً لحقائق يتم في ضوئها وضع الخطط التي يساهم في تنفيذها العالم بأسره.

          وكان مجلس التعاون الخليجي قد عهد إلى فريق عمل بمناقشة الموضوع مع نظيره الأوروبي. ولكن المناقشات لم تنته إلى نتائج إيجابية.

          فقام فريق العمل ـ بعد الاجتماع الثالث ـ في يناير 1993 ـ بطرح عدد من الخيارات، التي يمكن انتهاجها مع المجموعة الأوروبية ومن أهمها:

ـ  محاولة تضمين اتفاقية التجارة الحرة المزمع إبرامها ـ في ذلك الوقت ـ بين الجانبين ما يضمن المصالح النفطية لدول المجلس، ويلغي إجراءات ضريبة الكربون، ويفتح الأسواق الأوروبية أمام صادرات المجلس من النفط الخام والمنتجات البتروكيماوية.

ـ  وكإجراء بديل اقترح فريق العمل تعليق أو تأجيل إبرام الاتفاقية إلى أن تتضح آثار ميثاق الطاقة الأوروبي وضريبة الكربون على دول المجلس.

كذلك قدَّم بعض وزراء النفط بمجلس التعاون الخليجي أثناء اجتماعهم في جدة خلال مارس 1993 عدداً من المقترحات منها:

ـ  فرض ضرائب على الواردات السلعية من الدول التي تقوم بفرض ضرائب على وارداتها من النفط العربي.

ـ  خفض إنتاج النفط وإلغاء برامج توسيع الطاقة الإنتاجية للنفط. 

ـ  كذلك اقترح رئيس إحدى شركات النفط العالمية في المنامة أن تقوم الدول المصدرة للنفط بزيادة أسعار صادراتها النفطية لمواجهة الانخفاض المتوقع في إيراداتها نتيجة لفرض الضرائب في الدول الصناعية.

          وفي مسقط انتهى الاجتماع الموسع بين وزراء أوبك وأيبك (الدول المستقلة المصدرة للنفط) إلى طرح الموضوع أثناء الحوار القادم بين المنتجين والمستهلكين في مدريد بأسبانيا. والحقيقة أنه على الرغم من أن تلك المقترحات لا يخلو واحد منها من المنطق، إلا أن الأمر يحتاج إلى تدعيمها بالحجج والأسانيد التي يقبلها العقل الغربي.

          وعلى الرغم من كل هذه المعارضات والمناقشات والدراسات، بقيت الضغوط السياسية والإعلامية في الدول الصناعية تساند ضريبة الكربون والطاقة وتجعل منها العصا السحرية التي ستداوي كافة مشاكل البيئة.

          وفي عام 1992 ظهر مشروع الجماعة الأوروبية ـ كإجراء حاسم ـ بهدف تثبيت انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون عام 2005 عند مستواه عام 1990.

          واقتراح فرض ضريبة الكربون. وهي ضريبة تُفرض على مصادر الطاقة تبعاً للمحتوى الكربوني لكل مصدر لرفع كفاءة الطاقة والحد من انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون. وتحتل هذه الضريبة الفصل الأخير من الكتاب الأبيض للاتحاد الأوروبي “النمو والمنافسة والعمالة”.

          وقد مرت تلك الضريبة بمراحل من الصراع السياسي بين مؤيد ومعارض.

هناك من يرى أن يُترك أمرها لكل دولة عضو في الجماعة الأوروبية تفرضها أو لا تفرضها بحسب ظروفها.

          ويأتي في مقدمة أوجه الاعتراض، الأثر السلبي للضريبة على اقتصاديات الدول، التي تقوم بتطبيقها، نتيجة لما تؤدي إليه من ارتفاع نفقات الإنتاج، ومن ثم إضعاف القدرة التنافسية لصادرات الدولة. وفي وقت تعاني فيه أوروبا من الكساد والبطالة، فإن تلك الآثار قد تكون مدمرة.

          ومن ناحية أخرى، فإن أثر الضريبة بحجمها المقترح سوف يقصر عن تحقيق الهدف البيئي المستهدف. وحتى إذا اكتفينا بأثر الضريبة المحدودة في مجال تحسين البيئة فإن فاعليته لن تلبث أن تتوقف بعد اندماجها في النظام الضريبي، ومن ثم تعود الغازات الملوثة إلى التصاعد مرة أخرى.

          كذلك فإن الحد من انبعاث الكربون لا يكفي لحل مشكلة التلوث، وكان الأفضل أن يؤخذ في الاعتبار معيار “السّمية” مثل أكاسيد الكبريت والنيتروجين.

          وأن فرض الضريبة على جميع مصادر الطاقة، بما فيها المصادر التي لا يتخلف عنها الكربون، مثل الطاقة الكهرومائية من شأنه تعطيل الأثر المنشود من فرضها.

          لذلك واجهت الضريبة معارضة قوية من أرباب الصناعة في أوروبا عموماً وفي فرنسا بصفة خاصة حيث قدرت خسائرها السنوية نتيجة لفرضها بنحو 1.25 مليار دولار.

          وعارض الضريبة أيضاً أصحاب محطات توليد الكهرباء في ألمانيا، والتي تعتمد بدرجة كبيرة على الفحم.

          كما عارضتها صناعة البتروكيماويات في أوروبا لأن تكلفتها حتى بدون ضريبة الكربون قد وضعت هذه الصناعة في المرتبة الثالثة بعد نظائرها في دول مجلس التعاون الخليجي وفي الولايات المتحدة نتيجة لارتفاع ضرائب الطاقة في أوروبا.

          أما بريطانيا فقد عارضت بشدة ضريبة الكربون على أساس أن فرض الضرائب من حقوق السيادة المحلية، ونادت بأن يُترك لكل دولة اتخاذ ما تراه من إجراءات لتحقيق الهدف البيئي المنشود.

          كذلك لقيت ضريبة الكربون معارضة قوية من المجموعة الرباعية الأضعف اقتصادياً وهي أسبانيا والبرتغال واليونان وايرلندا، والتي ترى أن ضريبة الكربون سوف تعرقل مسيرتها على طريق اللحاق بالدول الغنية من أعضاء الاتحاد الأوروبي.

          وفي مواجهة تلك المعارضة اتجهت مفوضية الجماعة الأوروبية في بروكسل إلى إدخال تعديلات من شأنها مراعاة ظروف الدول الأضعف اقتصادياً. وقد اعتمد التعديل على استخدام معيارين لقياس القدرة على فرض الضريبة:

أولهمـا: نصيب الفرد من انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون.

وثانيهما: نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي (Gross Domestic Product (GDP.

          وعلى الرغم من ذلك حاولت المفوضية الأوروبية إغراء المجموعة الرباعية المعارضة بإعفائها من فرض الضريبة لبضع سنوات. إلاّ أن تلك المحاولات لم تفلح في التغلب على قوى المعارضة داخل الاتحاد الأوروبي في مجموعه، وبذلك فقدت الضريبة الكثير من قوتها الدافعة في مستهل عام 1994.

          عادت الفكرة تراود خبراء الاتحاد الأوروبي مرة أخرى خلال مايو 1995، حيث وضعوا خطة تنفيذية من ثلاث مراحل:

          المرحلة الأولى: تبدأ بالفترة من أول يناير 1996 حتى 31 ديسمبر 1999، وتتيح لكل دولة عضو حرية فرض ما تراه من ضرائب على كل نوع من أنواع الوقود وذلك في الإطار الذي تراه الدولة محققاً للهدف التنسيقي المنشود.

          أمّا المرحلة الثانية: فتتداخل مع المرحلة الأولى، إذ تقوم المفوضية الأوروبية في مستهل عام 1999 بإعداد تقرير حول ما تحقق بالفعل خلال المرحلة الأولى بما تراه من مقترحات لتنفيذ المرحلة التالية.

          أما المرحلة الثالثة: فتبدأ من أول يناير عام 2000 وتقوم على أساس نظام كامل التنسيق للضرائب المفروضة على جميع مصادر الطاقة في كل دول الاتحاد.

          وتختلف الضريبة في صورتها الجديدة عنها في صورتها القديمة، من حيث أن المقترح القديم كان يعتمد فئات ضريبية ثابتة لكل نوع من أنواع الوقود، بينما يترك المقترح الجديد الحرية لكل دولة كي تختار ما تراه مناسباً من تلك الفئات الضريبة ما دام الأمر سوف ينتهي في المرحلة الثالثة بالإطار الشامل المنسق في دول الاتحاد، غير أن المقترح الجديد لم يتخل عن الهدف السابق إعلانه وهو بلوغ ضريبة الكربون في نهاية المطاف مستوى 10 دولارات لما يعادل برميلاً من النفط.

          وعلى الرغم من ذلك استقبلت بريطانيا المقترح الجديد بقدر كبير من الشكوك. وصرح وزير ماليتها خلال مايو 1995 عن تلك الشكوك بقوله:

          “إن الضريبة سوف تنال من القوة التنافسية للصناعة الأوروبية في الأسواق العالمية”، كذلك قال وزير الاقتصاد الفرنسي:

          “إن الضريبة سوف تعقّد جهود الاتحاد الأوروبي الرامية إلى تحجيم المنبعث من غاز ثاني أكسيد الكربون، كما تفتقر إلى المرونة لأن المقترح الجديد يستهدف فرض الضريبة بصورة إجبارية بحلول عام 2000”.

          في الجانب الآخر من دول الاتحاد رحبت ألمانيا وإيطاليا والدانمارك بالمقترحات الجديدة. بل إن بعض الدول الأعضاء قامت فعلاً بفرض ضرائب تحت مسمى “ضريبة الكربون” مثل هولندا والدانمارك وألمانيا وينتظر أن تحذو بلجيكا حذو تلك الدول.

          توضيح نوايا الدول المستهلكة من وراء استخدام فرض الرسوم والضرائب الجمركية على المنتجات البترولية بهدف التحكم في الطلب على البترول ومن ثم التحكم في سعر النفط الخام. وبعد أن ظهرت أسباب اشتراط الدول الصناعية المستهلكة استبعاد مناقشة سعر البترول قبل بدء الحوار.

كيفية معالجة مشكلة ضريبة الكربون

          وبعد أن تبين تعذر مناقشة سعر النفط الخام دون مناقشة منتجاته، فإن السؤال – الذي يطرح نفسه ـ أمام الدول المنتجة: كيف يمكن أن تعالج المشكلة في إطار الحوار بين منتجي النفط ومستهلكيه؟ وماذا يمكن أن تفعله الأوبك في مواجهة فرض ضريبة الكربون، التي إذا طبقت في مجموعة الدول الصناعية الغربية، سوف تلحق بدول المنظمة النفطية خسائر يبلغ مجموعها بحلول عام 2010 نحو 175 مليار دولار كما أثبتت ذلك دراسة للأوبك؟

          هناك من منتجي النفط من يرى تبني حملة للتشكيك في خطورة المنبعث من غاز ثاني أكسيد الكربون، وفي أثره على ظاهرة البيت الزجاجي التي يدَّعي أنصار فرض الضريبة أنها تؤدي إلى ازدياد حرارة الغلاف الجوي المحيط بالكرة الأرضية.

          وتستند حجة الذين يشككون في صحة هذه النظرية إلى أن ارتفاع حرارة الجو على مدى السنوات المائة الماضية لم يواكب من الناحية الزمنية فترات الزيادة الكثيفة في غاز ثاني أكسيد الكربون.

          كذلك يرى البعض أن ارتفاع الحرارة ـ على فرض وقوعه ـ لن تتجاوز أضراره إبطاء معدلات النمو الاقتصادي بعض الشيء، في حين أن محاولة تحجيم استخدام الطاقة على النحو الذي يدعو إليه أنصار ضريبة الكربون يمكن أن يؤدي إلى إلحاق خسائر جسيمة بالاقتصاد العالمي، وبصفة خاصة اقتصاديات الدول النامية.

          ويخلص مَن يعارض ضريبة الكربون على هذا الأساس إلى أن العالم ما زال يحتاج ـ بدلاً من فرض الضريبة ـ إلى بذل المزيد من الأبحاث العلمية للتوصل إلى حقيقة المشكلة ووضع أنجع الوسائل لعلاجها.

          ويرى د. حسين عبدالله ـ الخبير البترولي المصري ـ أن حملة التشكيك في صحة ظاهرة البيت الزجاجي تصطدم بالجدران السياسية التي نجحت أحزاب الخضر ودعاة حماية البيئة في إقامتها بالدول الصناعية المتقدمة، بل وفي بعض الدول النامية أيضاً. ومن ثم فإن الاستمرار في ترديد تلك الحجة يُظهر منتجي النفط بأنهم يقفون من مشكلة الحفاظ على البيئة موقفاً سلبياً وذلك حرصا على مصالحهم المادية. ولعل الأصوب أن يتم الفصل بين مشكلة الحفاظ على البيئة وحمايتها، وهو ما يفرض على منتجي النفط مشاركة العالم فيما يذهب إليه، بينما يجري التركيز على أوجه الخلاف بين المستهلكين فيما يتعلق بضريبة الكربون.

          ومن ذلك استبعاد المقترح الأوروبي الجديد لشرط قيام باقي دول المجموعة الصناعية الغربية بفرض ضرائب مماثلة، إذ تؤدي الضريبة في تلك الحالة إلى زيادة تكلفة الصناعة الأوروبية وتضعف مركزها التنافسي في مواجهة الدول التي لا تفرض ضرائب مماثلة. ولعل مما يساند تلك الحجة، والتي استخدمها وزير مالية بريطانيا في اعتراضه على الضريبة، أن الضرائب النفطية في أوروبا تصل إلى نحو 60% من سعر البيع للمستهلك النهائي بينما لا تتجاوز في الولايات المتحدة 30% كما ترتفع تكلفة توليد الكهرباء باستخدام الفحم في أوروبا بنحو 20% عنها في الولايات المتحدة نتيجة لارتفاع ثمن الوقود.

          من ناحية أخرى، فقد أوضحت بعض الدراسات أن تبنِّي الولايات المتحدة فرض ضريبة تماثل ضريبة الكربون الأوروبية يمكن أن يلحق بالاقتصاد الأمريكي خسائر تقدر بنحو 0.4% من الناتج الإجمالي في عام 2000 على حين تقدر خسائر الاقتصاد الأوروبي في ذلك العام بنحو 0.9%، وإذا تخلى الاتحاد الأوروبي عن شرط المعاملة بالمثل فإن الفجوة التنافسية تتسع بين المنطقتين.

          وكانت  اليابان قد اتخذت في معالجة مشكلة التلوث البيئي منهجاً مختلفاً يعتمد على معاقبة مصدر التلوث بالغرامة، ويكافئ بالدعم الشركات التي تبذل جهداً للحد من التلوث، وذلك تطبيقاً لمبدأ “الملوث يتحمل التكلفة The polluter pays” وربما وجدت الدول المنتجة للنفط في المدخل الياباني ما يساند حجتها.

          كذلك يستطيع منتجو النفط في حوارهم مع مستهلكيه الاستفادة مما قررته الوكالة الدولية للطاقة  ذاتها (وهي تكتل للدول المستهلكة) في تقرير لها حول ضريبة الكربون، من أن الأهداف البيئية مع استمرار تأمين الطاقة لا يمكن تحقيقها دون إعادة تشكيل الهياكل الضريبية المفروضة على الطاقة في المجموعة الصناعية الغربية. وتحذر الوكالة من الاتجاه نحو تبني ضرائب الكربون وإضافتها إلى الهيكل الضريبي بشكله الحالي دون توفيق، الأمر الذي يؤدي إلى خلق تشوهات ونتائج سلبية جسيمة للاقتصاد.

          ويتساءل تقرير الوكالة أيضاً عما إذا كان الأفضل أن يتم التوفيق والتهذيب في نطاق الوسيلة (أي فرض ضريبة الكربون) أم في نطاق الغاية (وهي الحد من الغازات الملوثة) وبذلك يقترب التساؤل من المدخل الياباني للمشكلة.

          ويبرز التقرير أيضاً أنه من معوقات التنسيق الضريبي بين الدول، رغبة كل دولة في المحافظة على نصيبها التجاري في الأسواق العالمية، وهو ما يدعو الدول التي تفرض ضرائب باهظة على استهلاك الطاقة إلى مطالبة الدول الأخرى أن تحذو حذوها. فهل تستجيب هذه الدول الأخرى؟

          ومن ناحية أخرى، فقد توقعت الأوبك ـ إذا ما طبقت الضريبة أو ما يماثلها في المجموعة الصناعية الغربية ـ أن يتقلص الطلب على نفط الأوبك بنحو ثلاثة ملايين برميل يومياً عام 2005، وأن ضريبة الكربون سوف تؤدي إلى انخفاض أسعار النفط تدريجياً إلى أن يبلغ الانخفاض نحو 20% بحلول عام 2005 وذلك نتيجة لتقلص المبيعات ووجود فائض في المعروض. ومن شأن هذا التقلص في الكميات والأسعار أن تفقد الدول المصدرة الإيرادات المجمعة خلال الفترة 1993 ـ 2005 نحو 75 مليار دولار بالقيمة الثابتة للدولار عام 1991، نتيجة لذلك سوف يصعب على دول أوبك تمويل الاستثمارات المطلوبة، وليس أمامها إلا أن تعيد النظر في خطط توسيع الطاقة الإنتاجية بالإبطاء أو الإلغاء. خاصة أن القدرات المالية لدول أوبك قد تدهورت بسبب تدهور الأسعار وبسبب ما أهدر من ثرواتها في حروب الخليج، مع أن توسيع الطاقة الإنتاجية والحفاظ عليها لمواجهة احتياجات العالم المتزايدة من النفط ينبغي أن ينظر إليها كمسؤولية مشتركة بين المنتجين والمستهلكين، حيث أن التقصير في بناء تلك الطاقة الإنتاجية للنفط في الوقت المناسب يمكن أن يهدد بانفجار أزمات سعرية من نوع ما وقع خلال السبعينات وربما أشد حدة. وإذا كان الأمر كذلك فأول ما تقتضيه المسؤولية المشتركة بين المنتجين والمستهلكين هو تبادل المعلومات المؤكدة حول أساسيات العرض والطلب خلال المستقبل المنظور لتحقيق التأمين المتبادل للطلب مقابل العرض، وهو ما يتطلب المشاركة في بناء طاقة إنتاجية تفي باحتياجات المستهلكين ولا تتعرض عوائدها للمخاطر بسبب ضرائب الكربون والطاقة.

          وهناك أيضاً من يرى أن الدول الصناعية تدرك أن تزايد الطلب العالمي على النفط سوف يشعل المنافسة بين الدول المستهلكة في المستقبل. ولذلك تسعى هذه الدول إلى ترويج الفكر الذي يدعو إلى أنه بوسعها تحجيم استهلاكها من البترول بفرض ضريبة الكربون.

          ونتيجة لذلك، فإن المستقبل سوف يشهد استمرار وجود فائض نفطي يضغط على الأسعار نزولاً أو على الأقل يحول دون ارتفاعها في المستقبل. ومن البديهي أن تلك الحجة لو استخدمت بالفعل فإنها سريعاً ما تنكشف لأنها ترتبط بأساسيات العرض والطلب التي لا يمكن إخفاؤها.

          ومع ذلك، فإن الحكمة تقتضي عدم توسع المنتجين في بناء طاقة إنتاجية فائضة قد تصبح يوما عبئاً عليهم وعلى الأسعار. ولتلافي ذلك ينبغي أن يطلب المنتجون من المستهلكين ـ أثناء الحوار ـ تأمين الطلب على البترول عن طريق الكشف عن الخطط المستقبلية للدول المستهلكة. وذلك في مقابل ما يتكبده المنتجون من استثمارات لتأمين العرض الذي يفي باحتياجات العالم بأسعار متدرجة في الارتفاع. وبذلك يمكن أن يحول التأمين المتبادل للعرض والطلب دون وقوع صدمات سعرية سواء بالارتفاع أم بالانخفاض.

          كما ينبغي ألا يقتصر موقف المنتجين على مهاجمة “ضرائب الكربون” وحدها، بل يجب التركيز – أثناء الحوار مع المستهلكين – على مشكلة الضرائب المفروضة على النفط في الدول المستهلكة ليس فقط تحت مسمى ضريبة الكربون بل تحت أي مسمى. وبحيث يتم الربط بين تلك الضرائب وبين قضية تسعير النفط الخام وتوزيع العائد البترولي الصافي بين المنتجين والمستهلكين، خاصة وأن ضريبة الكربون ما زالت موضع جدل ومناقشات وتلقى معارضة شديدة من كثير من الدول.

في ضوء ما تقدم يمكن للجانب العربي أن يطرح أثناء الحوار مع الدول المستهلكة أربعة أسئلة مهمة: أولها: هل تحقق ضريبة الكربون الغرض المنشود منها وهو تثبيت معدل انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون في عام 2005 عند مستوى عام 1990؟

          وقد أوضحنا أن أثر الضريبة بحجمها المقترح سوف يقصر عن تحقيق الهدف البيئي المنشود بل إنه يلزم لتحقيق هذا الهدف أن يرتفع معدل الضريبة المقترحة إلى أكثر من مثليها أو ثلاثة أمثالها. وبذلك تخرج عن نطاق المعقولية.

          والسؤال الثاني: هل يوجد توازن بين ما تحققه الضريبة من فوائد وبين ما تلحقه بالاقتصاد من خسائر؟

          وبعبارة أخرى هل هي Cost-effective؟ وقد أوضحنا فيما سبق حجم الخسائر التي يمكن أن تلحق بالاقتصاد في كل من أوربا والولايات المتحدة إذا طبقت الضريبة الأوروبية.

          والسؤال الثالث: هل تحافظ الضريبة بشكلها المقترح على التوازن بين صادرات المناطق الصناعية المتنافسة ومن ثم على أنصبتها في الأسواق العالمية؟ ونكاد نجزم أن الدراسة لهذا الموضوع سوف تنتهي إلى أن الضريبة سوف تزيد من حدة الاختلال القائم فعلاً والذي صار يهدد في الآونة الأخيرة باندلاع حروب تجارية في المناطق المتنافسة.

          أما السؤال الرابع: هل الدول التي تعتزم فرض ضرائب الكربون مستعدة لتحمل مسؤولية العجز  عن تمويل التوسعات المطلوبة في الطاقة الإنتاجية لمواجهة الزيادة المتوقعة في الطلب على النفط خلال المستقبل المنظور؟

          وقد سبق أن أشرنا أن حجم الاستثمارات المطلوبة ليس فقط لمواجهة الزيادة على الطلب (حوالي 66 مليار دولار) بل أيضاً للمحافظة على الطاقة الإنتاجية الحالية في مواجهة الانخفاض الطبيعي (52 مليار دولار) أي ما مجموعه 120 مليار دولار، وهو ما يعادل إجمالي إيرادات دول الأوبك النفطية في عام كامل.

رابعاً: توقعات بصدد توسيع الطاقة الإنتاجية للبترول الخام

          لما كان للبترول هذه الآثار العميقة، سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو عسكرية، فإن الدراسات والأبحاث على مستوى الدولة أو على مستوى تكتلات المنتجين والمستهلكين لا تهدأ ولا تتوقف، ولا تقتصر على حاضر البترول فحسب، بل تركز أبحاثها على مستقبله.

          وقد صدرت تصريحات مهمة تتعلق بمستقبل البترول، وبخاصة البترول العربي، من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والوكالة الدولية للطاقة تتلاقى جميعا عند نقطة واحدة، وهي التخوف من احتمال وقوع أزمة نفطية حادة قبل انقضاء العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

          ففي باريس توقع خبراء الوكالة الدولية للطاقة في دراسة صدرت خلال شهر إبريل 1995 أن الطلب على النفط سوف يرتفع من مستواه الحالي وهو 68 مليون برميل يومياً بمعدل يصل إلى نحو 2.1% سنوياً في المتوسط لكي يتراوح بين 86 مليون برميل يومياً كحد أدنى و105 مليون برميل يومياً كحد أقصى بحلول عام 2010.

          وعلى ذلك من المتوقع أن يبلغ الطلب على النفط بحلول عام 2010 نحو 92 ـ 95 مليون برميل يومياً، ويرى خبراء الوكالة الدولية للطاقة أن الطلب على نفط الأوبك سوف يتراوح بحلول عام 2010 بين 47 ـ50 مليون برميل يومياً، وأن نصيب المنظمة من إمدادات العالم سوف يرتفع من 39% في الوقت الحاضر إلى ما يتراوح بين 44 – 58 % خلال العام المذكور.

          كذلك يرى هؤلاء الخبراء أن ست دول فقط من أعضاء الأوبك سيكون في مقدورها الوفاء بنصف احتياجات العالم بحلول عام 2010 وهذه الدول هي السعودية والكويت والإمارات والعراق وإيران وفنزويلا. وأنهم ينصحون الدول الصناعية باتخاذ الاحتياطات الكافية لتأمين احتياجاتها المستقبلية من النفط ومن الغاز الطبيعي الذي سيخضع لظروف مشابهة لظروف النفط.

          وقد قرر وزراء الطاقة في الاتحاد الأوروبي في مايو 1995 إصدار “الكتاب الأبيض” الذي يتضمن برنامجاً لعمل الاتحاد الأوروبي في مجال الطاقة يدور حول تأمين احتياجاته في المستقبل وبخاصة من النفط والغاز الطبيعي.

          وفي واشنطن أذاعت وزارة الدفاع الأمريكية في وقت متقارب مع قرار وزراء الاتحاد الأوروبي، أن الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط تستهدف ضمان تدفق النفط من المنطقة وبأسعار مستقرة.

          ومما يجدر ذكره أن كلاً من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي تنتمي إلى عضوية الوكالة الدولية للطاقة التي أنشئت عام 1974، في أعقاب ارتفاع أسعار البترول، وذلك بهدف التنسيق بين سياسات ومصالح الدول الصناعية الغربية في مجال الطاقة.

          كما أشار التقرير السنوي لعام 1998 الصادر عن وزارة الطاقة الأمريكية إلى توقع ارتفاع استهلاك البترول خلال الأعوام المقبلة، مما سيؤدي إلى زيادة كبيرة في واردات الولايات المتحدة الأمريكية من البترول، وبالتالي إلى زيادة الاعتماد على البترول الأجنبي.

          ويتوقع هذا التقرير بأن يرتفع الطلب الأمريكي على البترول بنسبة 1.2% سنوياً ليصل إلى 19.6 مليون ب/ ي  بحلول عام 2010، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة اعتماد الولايات المتحدة الأمريكية على بترول الخليج من  38% إلى أكثر من 50% عام 2020.

          وإذا كانت كل الدلائل تشير إلى أن العالم سوف يعتمد بصورة متزايدة على النفط والغاز الطبيعي، وبصفة خاصة على منطقة الخليج العربي، فهل يساعد موقف الدول الصناعية المستهلكة للنفط، وبخاصة فيما يتعلق بقضية الضرائب النفطية وأسعار النفط الخام، على تشجيع المنتجين للاستثمار في توسيع الطاقة الإنتاجية بحيث يمكن مواجهة الطلب العالمي المتزايد عليه؟

          وإذا كان الأمل يحدونا في أن تؤدي توقعات خبراء الدول الصناعية المستهلكة وتصريحات المسئولين فيها ـ المشار إليها ـ إلى تيسير الحوار وتعميق التفاهم بين منتجي النفط ومستهلكيه، فما هو موقف الدول العربية النفطية في هذا الخصوص؟

التعاون العربي في مجال النفط

          لم يقتصر الأمر على توقعات خبراء وكالة الطاقة الدولية ـ المشار إليها آنفاً ـ من أن الطلب على نفط دول أوبك سوف يرتفع بحلول عام 2010 بما يتراوح بين 47 ـ50 مليون برميل يومياً.

          بل إن النشرة العالمية للطاقة OPEC’s World Energy Model تؤكد ذلك، كما ورد في مقال الدكتور ريلوانو لقمان Dr. Rilwanu Lukeman الأمين العام لمنظمة أوبك ـ ضمن ورقة عمل تقدم بها إلى خبراء البترول الدارسين بجامعة مونتان ـ مدينة ليوبن بالنمسا Society of Petroleum Students – Montan University, Leoben, Austria في 13 يناير 1998. بشأن تطلعاته إلى ما يمكن أن تساهم به منظمة أوبك في القرن الحادي والعشرين، حيث أن سنة 2000 سوف يكون لها أهمية خاصة لأنها توافق العيد السنوي الأربعين لإنشاء أوبك.

          وقد ورد بهذا المقال “أن التنبؤات تشير إلى أن الطلب العالمي على البترول سوف يزداد من 67.5 مليون برميل/ يوم إلى حوالي 75 مليون برميل/ يوم في سنة 2000. وخلال العقد الأول من القرن القادم سوف يرتفع الطلب العالمي على البترول إلى أكثر من 11 مليون برميل/ يوم ليصل إلى حوالي 86 مليون برميل/ يوم في سنة 2010، وإلى 95 مليون برميل/ يوم في سنة 2020، ويعادل هذا الارتفاع في الطلب نسبة 41% خلال 25 سنة، الأمر الذي يمثل تحدياً ضخماً للدول المنتجة للبترول.

          إن الاحتياطي العالمي المؤكد للنفط الخام يبلغ أكثر من تريليون برميل، وقد لاحظت أن لدى الدول أعضاء أوبك حوالي 77% من هذا الاحتياطي. ومن المتوقع وفقاً لمعدلات الإنتاج الحالية، أن تدوم احتياطيات أوبك مدة 85 سنة أخرى بينما احتياطيات الدول خارج أوبك سوف تنفد في أقل من 20 سنة، مع أن هذا قد يتغير وفقاً للاكتشافات الجديدة وتطبيق التكنولوجيا المتقدمة.

          وبالنسبة للغاز الطبيعي، فإن ازدياد الطلب العالمي عليه سوف يفيد أوبك فائدة متزايدة حيث أن أوبك تمثل أضخم مصدر لاحتياطيات الغاز بحوالي 42% من إجمالي الاحتياطي العالمي. وإذا كان إجمالي الاحتياطي العالمي المؤكد للغاز الطبيعي 152.7 تريليون متر مكعب، فإنه وفقاً لمعدلات الإنتاج الحالية سوف تنفد احتياطيات أوبك بعد 150 سنة، بينما تنفد احتياطيات الدول خارج أوبك بعد 40 سنة تقريباً.

          نتيجة لذلك، فإنه عبر السنوات القادمة سوف يكون لمنظمة أوبك نصيب متزايد في سوق إمدادات البترول، ويكون للعالم اعتماد متصاعد على البترول المستورد من الدول أعضاء أوبك.

          وتتنبأ النشرة العالمية للطاقة ـ التي تصدرها أوبك ـ بأن إمدادات بترول المنظمة سترتفع من 40% تقريباً من إجمالي بترول العالم في سنة 1995 إلى 52% تقريباً في سنة 2020، وعلى ذلك فإنه يتحتم على دول أوبك أن تتحمل عبء إضافة 22 مليون برميل / يوم إلى طاقة إنتاجها بحلول عام 2020، الأمر الذي يمثل قدراً هائلاً من الاستثمارات ومصدراً جوهرياً لمخاطرة مالية بالنسبة لمجموعة من الدول النامية.”

          وتبين هذه التوقعات التي صدرت من أكثر من جهة غربية بشأن ارتفاع مستوى الطلب بهذا القدر الكبير خلال العشرين سنة القادمة، أن القرن القادم يتيح فرصة تاريخية للعرب لأن يعيدوا للنفط بعضاً من مكانته التي فقدها حتى يصبح مسؤولاً عن الوفاء بنصف احتياجات العالم من النفط.

          إن الدول الست التي أشارت إليها التوقعات، أن لديها القدرة على توسيع طاقاتها الإنتاجية لمواجهة هذا الموقف مستقبلاً، تتمتع باحتياطيات من النفط والغاز على هذا النحو:

ـ  تبلغ احتياطيات النفط في أربع دول منها هي: السعودية والكويت والإمارات والعراق (حسب إحصائيات آخر سنة 1997) نحو 568 مليار برميل أو ما يعادل 55% من الاحتياطيات العالمية.

ـ  أما فنزويلا فلا تتجاوز احتياطياتها 72 مليار برميل

بينما تبلغ احتياطيات إيران 93 مليار برميل

وعلى ذلك فليس من صالحهما الخروج عما تقرره هذه الدول الخليجية من سياسات.

وبذلك تبلغ احتياطيات الدول الست من النفط 71% من الاحتياطيات العالمية.

ـ  وفي مجال الغاز الطبيعي: فإن المنطقة العربية تضم نحو 22% من الاحتياطيات العالمية. وإذا أضيف إليها احتياطيات إيران، التي تبلغ 15%، فإن إجمالي تلك الاحتياطيات من الغاز يصل إلى نحو 37%.

          وهي نسبة يمكن أن تكون ذات وزن مؤثر، إذا ما قرر منتجو الغاز تنسيق سياساتهم الإنتاجية والتسويقية على النحو الذي يحقق مصالحهم.

          وإذا كان الأمر كذلك، فما هو موقف هذه الدول تجاه مسؤولية تنسيق سياسة الإنتاج والتسعير بما يضمن استقرار السوق النفطية ويحقق مصالح المنتجين والمستهلكين؟

          إن أعباء إضافة 22 مليون ب/ي إلى طاقة إنتاج الدول الست المشار إليها تشكل مخاطرة مالية جسيمة لهذه الدول النامية لأنها تحتاج إلى قدر هائل من الاستثمارات. كما صرح بذلك أمين عام منظمة أوبك.

          ومن المعتقد أنه من العسير أن يكون في مقدور هذه الدول أن تتحمل موازناتها هذه التكلفة الباهظة في ظل ما يسود سوق البترول العالمي من عدم استقرار في الوقت الحاضر. وقد عرضنا بالتفصيل أحداث السنوات الأخيرة من الثمانينات وعقد التسعينات بأكمله، وما صادفها ـ عمداً أو قدراً ـ من تحديات ومؤامرات وتكتلات وسياسات معادية.

          كما تم استعراض ـ في بداية هذا الفصل ـ البداية التاريخية للحوار بين المنتجين والمستهلكين، الذي استمر 18 شهراً من ديسمبر 1975 إلى يونيه 1977، دون التوصل إلى نتيجة حاسمة. ثم المرحلة الحديثة للحوار بين المنتجين والمستهلكين حيث دامت اللقاءات والمناقشات من عام 1991 إلى عام 1996 في خمس دورات متتالية. وكلها انتهت دون اتفاق، بل وإصرار على عدم مناقشة موضوع أسعار النفط ومشكلة توزيع العائد البترولي بين الدول المصدرة والدول المستوردة.

          وقد ضربنا لذلك أمثلة ثلاثة تبين الغبن الذي تتعرض له الدول المنتجة، حيث لا يعود إليها إلا نسبة ضئيلة من ثمن النفط الخام الذي تُصدِّره إلى الدول المستهلكة بالإضافة إلى فرض الدول الصناعية المستهلكة ضريبة الكربون ضمن ضرائب أخرى كي يتفاقم الغبن الواقع على الدول المنتجة.

          بذلك انقضت عشر سنوات في حوار لا طائل من ورائه، دون حل مشكلة واحدة. بل من الممكن إضافة مشاكل أخرى تتضمنها الحقائق التالية:

ـ  إن الدول الكبرى نجحت في إخراج النفط من اتفاقيات الجات وأحكامها، حتى تتيح لنفسها حرية الحركة في فرض الضرائب على المنتجات البترولية المستوردة من الدول المنتجة للنفط أو تحديد حصص معينة من الواردات النفطية وهو ما يقيد حرية التجارة التي تتشدق بها هذه الدول على الدوام، خاصة أنه لا يوجد فيتو للدول الكبرى في منظمة التجارة العالمية، وكل عضو (سواء كان دولة أو مجموعة) له صوت واحد. وبذلك ضمنت الدول الكبرى مواصلة سياساتها المتشددة وهيمنتها على سوق البترول العالمي.

ـ  هناك تصور آخر استعدت له الدول الصناعية الكبرى ـ أمريكية كانت أو أوروبية ـ خاصة عندما تضمنت توقعات زيادة الطلب العالمي على النفط في المستقبل، أن الولايات المتحدة وأوربا الغربية واليابان تستورد النفط لسد العجز الموجود لديها والذي سيزداد من 23 مليون ب/ي حالياً إلى 35 مليون ب/ي عام 2020.

          إن الدول الخليجية ستحتاج إلى 160 مليار دولار لكي تستطيع أن تزيد من طاقتها الإنتاجية من 20 مليون ب/ي إلى 38 مليون ب/ي عام 2015.

          ومن أجل توفير هذه الأموال الطائلة سوف تضطر الدول الخليجية إلى الاستعانة بشركات النفط العالمية. وهذه الشركات تقع مقارها الرئيسية في الدول الصناعية الغربية وفي الولايات المتحدة الأمريكية.

          لذلك أصرت هذه الدول الكبرى على أن تتضمن اتفاقيات الجات نصوصاً تتيح لشركاتها أن تتمتع بالمعاملة نفسها التي تتعامل بها الشركات الوطنية دون تفرقة، بعد أن كانت إجراءات الاستثمار من الحقوق الأساسية لكل دولة تنظمها وفقاً لما تراه يحقق مصالحها. وكان هذا مصدر قلق للشركات متعددة الجنسيات.

          وعلى ذلك فإن الشركات التي سوف تقوم بالتنقيب عن البترول في الدول الخليجية لن تتقيد بالشروط المحلية لأي دولة مثل استخدام المنتجات المحلية أو نسبة معينة من العمالة المحلية أو تحديد حصص للاستيراد من الخارج.

ـ  وقد سبق أن أوضحنا أن أسباب تدهور أسعار البترول ترجع إلى السياسات التي تقوم بتنفيذها الدول الكبرى، ومن بينها استغلال اتفاقيات الجات أيضاً حين وجهت اتهاماً للدول أعضاء أوبك بأن المنظمة تشكل تكتلاً احتكارياً تجارياً يهدف إلى رفع الأسعار وتقييد حرية التجارة مما دفع المنظمة ـ لإبعاد هذا الاتهام ـ أن أعلنت تخليها عن الالتزام بتحديد سعر معين للصادرات البترولية وتركت السعر يتحدد طبقاً لقوى السوق، أو بالأحرى تركت الساحة خالية أمام الدول المستهلكة وشركاتها وبورصاتها، لكي تلعب أدواراً للتحكم في الطلب والأسعار.

          نخلص من ذلك إلى أن الأوضاع الحالية لأسواق البترول العالمية تفرض تحديات كبيرة على الدول العربية وصناعة البترول، تتطلب إحداث تغيرات أساسية في أساليب العمل والتعاون والحوار بين المنتجين داخل وخارج أوبك والمستهلكين من الدول الصناعية.

          كما يتضح مما تقدم أيضاً أن المنطقة العربية ـ وخاصة منطقة الخليج ـ سوف تمسك بمفاتيح المستقبل بالنسبة لاحتياجات العالم من النفط والغاز. ولا تحتاج سوى التنسيق بين سياساتها لكي تحمي مصالحها وتحقق من ثروتها الناضبة ما يؤمِّن مستقبل شعوبها. ولا شك أنها إن فعلت ذلك فإنها لا تتجاوز ما تقوم به فعلاً الدول الصناعية المستهلكة للطاقة من تنسيق وتخطيط لسياساتها بكافة الوسائل ومساندة حكوماتها لها سياسياً واقتصادياً.

ولكن كيف تخطط الدول العربية النفطية سياساتها؟

          أعتقد أنه ليس أمامها إلاّ أن تأخذ بنصيحة هنري كيسنجر للدول الصناعية بضرورة تنسيق البيت الغربي أولاً، وألاّ تدخل في حوار مع منتجي النفط إلا إذا كان ذلك من مركز القوة.

          والدول الخليجية بدورها عليها أن تخطط لتنسيق البيت العربي أولاً، وألاّ تدخل في حوار مع مستهلكي النفط إلا إذا أقدمت على تقوية مركزها.

          وبما أن الدول الست المشار إليها أربع منها دول عربية خليجية، وأنها كلها ـ أي الدول الست. أعضاء في منظمة أوبك. فإن اقتراحات تقوية الأوضاع يجب أن تنصب على تدعيم أوبك وتدعيم أوابك في نفس الوقت قبل بدء أي حوار مع الدول الصناعية المستهلكة حتى لا تتكرر تجربة الحوارات السابقة التي دامت أكثر من خمسة عشر عاماً ضاعت في مناقشات لا فائدة منها.

اقتراح إعادة تشكيل منظمة أوبك

          كان من نتائج أزمة تدهور أسعار النفط عام 1998، كَشف النقاب عن منظمة أوبك وإظهار تفكك الدول الأعضاء فيها وعدم قدرتها على الاتفاق على تخفيض سقف الإنتاج. ويبدو أن ذلك يرجع إلى المشاكل السياسية التي تشغل الكثير من دولها الرئيسية، والتي تمنع من اتخاذ مواقف قوية على المستوى الدولي.

          إضافة إلى حالة الحصار والمواجهة التي تعيشها العراق وليبيا.

وتأثر السعودية والكويت وغيرها من دول الخليج بحالة التوتر الناتج عن المواجهة المسلحة في الخليج العربي.

          ومعاناة كل من الجزائر ونيجيريا من مشاكل داخلية طاحنة.

          هذه الظروف كانت سبباً في هشاشة منظمة أوبك وعدم قدرتها على اتخاذ قرارات مُلزمة وحاسمة. بل أصبح معروفاً عن أعضائها ـ لدى كافة الدول المستهلكة ـ عدم احترامهم لقرارات المنظمة رغم موافقتهم عليها وتجاوزهم الحصص المقررة لهم. مما أفقد العالم الثقة في قرارات المنظمة.

          وإذا كانت المنظمة قد قررت إنشاء لجنة تفكير تضم خبراء بتروليين، فالأمل أن تكون أول مهمة لهذه اللجنة هي اقتراح إعادة تشكيل المنظمة بهدف تقويتها وبعث الروح الجادة فيها من جديد، على أن تكون الخيارات المطروحة تستحق الدراسة وقابلة للتنفيذ في أسرع وقت ممكن. وعلى أن تتضمن وسيلة لإلزام الأعضاء بعدم تجاوز الحصص واحترام تنفيذ القرارات لإعادة الثقة بالمنظمة.

          ولعل زيارة وزير النفط المكسيكي للسعودية والكويت مؤخراً تكون بادرة لانضمامها مع دول أخرى إلى المنظمة لتدعيمها وتقويتها.

          وإذا كان حلول سنة 2000 يوافق العيد السنوي الأربعين لإنشاء منظمة أوبك، فقد تكون مناسبة للإعلان عن تشكيل المنظمة الجديد مع بداية عهد جديد.

          كذلك فإنه في ضوء انسحاب الإكوادور في بداية عام 1993 وانسحاب الجابون في بداية عام 1996 من تلقاء نفسيهما، حيث كان إنتاج هاتين الدولتين من النفط 311 ألف و346 ألف برميل يوم على التوالي، فإنه من المفضل أن يكون أعضاء أوبك من الدول ذات الإنتاج المرتفع والاحتياطيات الكبيرة، حتى يكون للمنظمة وزن كبير يتناسب مع إنتاج واحتياطيات أعضائها ولا بأس من أن تدعو المنظمة دولاً مثل المكسيك وروسيا وغيرها إلى الانضمام إليها.

          أما إذا كان إعادة تشكيل منظمة أوبك يستلزم وقتاً طويلاً لإجراء مفاوضات سواء بين أعضاء أوبك الحاليين أو مع أعضاء آخرين من خارج اوبك، فلا أقل من أن تكون مهمة لجنة التفكير المزمع إنشائها بمنظمة أوبك أن تتناول الموضوعين التاليين. وبطبيعة الحال فإن لجنة التفكير هذه لن تكون مهمتها كلجنة المراقبة الموجودة المنظمة، بل إن اسمها يوحي بأن مهمتها تتجاوز مجرد المراقبة وإعداد تقرير عن اتجاهات السوق والأسعار كما كانت تفعل لجنة المراقبة طوال عشرات السنين الماضية.

          فإذا كانت سياسة الدول الصناعية المستهلكة قد نجحت في التحكم في الطلب والعرض على هذا النحو:

ـ  تحكمت في تخفيض حجم الطلب على النفط عن طريق الاقتصاد في استهلاك الطاقة والتوجه نحو مصادر بديلة من خلال ما أطلقت عليه اسم “سياسات إدارة الطلب على النفط”.

ـ  وتحكمت في جانب مهم من المعروض في سوق النفط العالمي من خلال سياسات التخزين واسعة النطاق للنفط، وإستراتيجية المخزون النفطي كأداة للضغط على الدول المصدرة للنفط.

          فلم يعد كافياً أن تقوم دول أوبك بالاتفاق على السعر الاسترشادي لبرميل النفط الخام كأساس لتحقيق الوحدة والمصلحة الجماعية الاقتصادية، بل أصبح من الضروري تحديد هيكل متكامل للأسعار النسبية للنفط الخام بنوعياته المختلفة (الثقيل والخفيف) إذ اتضح خلال السنوات الأخيرة أن فروق وعلاوات الأسعار للنوعيات المختلفة للنفط هي قضية مهمة تثور حولها الخلافات أكثر مما تثور حول تحديد السعر الاسترشادي الذي تحدده المنظمة في اجتماعاتها الوزارية. وهذا هو الموضوع الأول الذي يجب أن تتصدى له لجنة التفكير.

          أما الموضوع الثاني فقد أصبح مطلوباً بإلحاح تحديد سياسة أكثر وعياً في مجال تحديد حجم النفط الخام الذي يجري تسويقه سنوياً في سوق العقود الآجلة (أي من خلال التعاقدات طويلة الأجل مع الشركات النفطية والدول المستهلكة للنفط) حتى يتحدد تبعاً لذلك كمية النفط التي يجري تسويقها سنوياً من خلال سوق الصفقات الفورية.

          إذ الملاحظ أن الدول أعضاء أوبك لم تهتم من قبل بتنظيم العلاقة بين الكميات المباعة في كل من السوقين على حدة، أما وقد أخذت سياسات “المخزون النفطي” ـ ومعظمها يجري تغذيتها من خلال سوق الصفقات الفورية ـ تلعب دوراً مهماً ومتنامياً في مجال التأثير على حجم المعروض من النفط الخام في السوق العالمية. فإن الدول أعضاء أوبك تصبح في حاجة مُلحة لتطوير سياسة واعية ومنظمة في مجال التعامل بنظام العقود طويلة الأجل من ناحية وحجم التعامل الأمثل في سوق الصفقات الفورية من ناحية أخرى.

          ويمكن وضع مثل هذه السياسة على أسس رشيدة في ضوء مراجعة دقيقة لأوضاع سوق النفط العالمية كل ثلاثة أشهر.

          ولذا فالمطلوب أن تتكيف لجنة التفكير بمنظمة أوبك مع حركة المتغيرات التي أصبحت تحكم أوضاع سوق النفط والطاقة على الصعيد العالمي. وهذا التكيف لا يعني الوقوف موقفاً سلبياً والتراجع أمام الضغوط التي تمارسها الدول الصناعية المستهلكة.

اقتراح إعادة تشكيل أوابك

          إن وضع سياسة نفطية عربية متكاملة يقتضي وجود أداة جماعية قوية متجانسة كي تتحمل مسؤولية إمداد العالم بنصف احتياجاته من البترول في القرن القادم.

          والواقع أن التعاون العربي لإيجاد تلك الأداة لا يحتاج إلى مزيد من التفاوض وإبرام الاتفاقيات، إذ يكفي أن تقوم الدول العربية النفطية أعضاء منظمة أوابك بتنشيط المنظمة وإعادة بنائها. ولعل فيما نصت عليه المادة الثانية من اتفاقية أوابك ما يفي، إذا تم تنفيذه، بتحقيق الهدف المنشود، حيث تنص تلك المادة على:

          “أن هدف المنظمة هو تعاون الأعضاء في مختلف أوجه صناعة البترول، وتحقيق أوثق العلاقات فيما بينها، للمحافظة على مصالح أعضائها المشروعة منفردين ومجتمعين”.

          وتحقيقاً لذلك تتوخى المنظمة ـ على وجه الخصوص ـ اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتنسيق السياسات الاقتصادية البترولية لأعضائها، بما في ذلك تعاون الأعضاء في حل ما يعترضهم من مشكلات في صناعة البترول.

          وقد سبق أن رأينا لوزراء البترول العرب موقفاً موحداً، بمساندة ما تحقق أثناء حرب أكتوبر 1973، مما كان له الأثر الأكبر في رفع أسعار النفط وزيادة عائداته.

          ومع الأخذ في الاعتبار أن النفط يخضع للاعتبارات السياسية بقدر ما يخضع للاعتبارات الاقتصادية، فإن التعاون والتكامل والمساندة لا ينبغي أن يقتصر على المجموعة العربية المنتجة للنفط، بل يجب أن يدعمها جميع القوى العربية السياسية. ويرى الدكتور حسين عبدالله الخبير البترولي العالمي.

          أن “إعلان دمشق” يعتبر صورة مصغرة ـ وإن كانت لم تكتمل بعد ـ لما ينبغي أن يكون عليه التلاحم بين السياسة والاقتصاد في المنطقة العربية.

أما عن صيغة (إعلان دمشق)

فقد ذكر محمد حسنين هيكل عنها ما يلي:

“لقد أدت فكرة إعلان دمشق دورها في وقتها، ومن المستحسن الآن تركها تتوارى وتختفي”.

          وقد أورد هذه العبارة في مناسبة الحديث عن أمن السعودية والخليج، حين استبعد ديك شيني ـ وزير الدفاع الأمريكي أثناء حرب الخليج ـ في مرحلة لاحقة بعد إيقاف الحرب، فكرة المشاركة العربية العسكرية في أمن الخليج. وقد بدا ـ إعلان دمشق ـ وكأنه يخدم فكرة مرحلية تجاوزتها الظروف والخطوط لسببين أمريكيين:

الأول:  وهو أن فكرة إشاعة أمن عربي قريب من كنوز النفط العربي، هي فكرة خطرة وتعتمد على أيديولوجية الأنظمة السياسية التي تتبعها قوات المشاركة، فضلاً عن احتمال مطالبات مالية باهظة الثمن.

والثاني:  يتعلق في أن كفاءة هذه القوات هي موضع مساءلة إذا ما تعرضت لخطر عدوان إقليمي قادم من المنطقة، ولا يحتاج لخطط لوجستية معقدة من أجل حضوره.

          وجاء تعليق هيكل على ما قاله وزير الدفاع الأمريكي ديك شيني كما يلي:

          “إن دول الخليج على حد تعبير ديك شيني تستطيع أن تصوغ علاقاتها من جديد على امتداد عمق العالم العربي، الذي هو وراءها على نمط ما كان وما يزال حتى الآن بين هونج كونج والصين، علاقة قريبة وبعيدة، منفصلة ومتصلة في نفس الوقت.

          إن توازن القوى الجديد في المنطقة يستدعي أن تبقى دول الكثافة السكانية (مصر وسورية مبدئياً) بعيدة عن مواقع النفط الحساسة. فوجود هذه القوى ـ كما يتحسب كيسنجر ـ يمكن أن يخلق حالات راديكالية أو قومية، تكون المنطقة في غنى عنها. وهذا لا يعني قطع الوريد بين دول النفط الموسرة، وبين دول الكثافة السكانية المعسرة فيما يشكل استمرار سريانه على شكل جدول خفيف، ينقطع أيام الصيف ويجري خلال أشهر ما بعد الشتاء، حفاظاً على الشعرة الأموية، لكن دون غابر مجدها التاريخي.

          وكان وزير الدفاع الأمريكي، هو الذي تولى مهمة الإعداد لهذا الجانب من الخريطة الأمنية. وذلك عن طريق عقد اتفاقات أمنية ثنائية، بدأت بالكويت ومنها إلى غيرها من دول الخليج”.

          ويسوق البحث هذا التعليق عن صيغة إعلان دمشق، مع أنه قيل في مناسبة الحديث عن أمن منطقة الخليج، في حين أننا نتحدث عن اقتراحات من أجل تقوية مركز دول الخليج النفطية استعداداً لمواصلة الحوار مع الدول الصناعية المستهلكة للنفط.

          والسبب في ذلك، هو أن ما ورد بهذا التعليق لن يشجع دول الخليج على الأخذ بصيغة إعلان دمشق تحقيقاً للتلاحم بين السياسة والاقتصاد.

          ومن الأفضل في هذا المجال التركيز على اقتراح إعادة تشكيل أوابك وفقاً لما ورد في الفقرة التالية عن اقتراحات أخرى.

اقتراحات أخرى

ـ  استكمالاً لإعادة بناء منظمة أوابك ـ من المقترح أن يتم تعديل الاتفاقية الخاصة بإنشائها بحيث يتكون المجلس الوزاري من وزراء البترول ووزراء الخارجية للدول الأعضاء. وبذلك تكتسب المنظمة الصفة السياسية بالإضافة إلى صفتها الاقتصادية الأمر الذي يدعمها لتحمل مسؤوليات المستقبل.

وتجدر الإشارة إلى أنه بتقوية منظمة أوابك بهذه الصفة السياسية والاقتصادية سوف يتوفر لها دعم أقوى عن طريق صلتها بجامعة الدول العربية، حيث أن كافة أعضائها أعضاء أيضاً في جامعة الدول العربية. وأنهم جميعاً يشتركون في مؤتمرات البترول العربية، التي تنظمها الأمانة العامة للجامعة سنوياً، والتي تزداد أهميتها عاماً بعد عام بنجاحها في تنسيق السياسة البترولية للدول العربية والدفاع عن مصالحها المشروعة.

ـ  قيام جامعة الدول العربية ـ عن طريق مؤتمر البترول العربي القادم. باقتراح إنشاء وكالة دولية تضم الدول المنتجة والدول المستهلكة لتنسيق التعاون فيما بينها في الشؤون البترولية، كي تحمل المسؤولية التي أثارتها التوقعات سالفة الذكر بصدد زيادة الطلب العالمي على البترول والغاز في مطلع القرن الحادي والعشرين.

ـ  وإذا تعذر قيام مثل هذه الوكالة الدولية للبترول، فمن الممكن قيام مجلس أعلى عالمي للبترول كفرع لمنظمة التجارة العالمية لأنها هي المسؤولة عن استبعاد البترول من أحكامها. على أن يُعقد هذا المجلس بصفة منتظمة مرة أو مرتين كل عام حتى يستديم الحوار ـ دون انقطاع ـ حول شؤون الطاقة من أجل خير الشعوب جميعاً.

          ولعل الحوار المرتقب بين منتجي البترول والغاز والمستهلكين ـ في ظل تنفيذ أي خيار من الخيارات المقترحة آنفاً ـ يصل إلى التنسيق المطلوب ومعاونة الدول المنتجة في تحقيق مطالبها ومساندتها في توفير متطلبات المستهلكين من النفط والغاز بأسعار معتدلة عادلة تكون محل رضا الطرفين. وذلك عن طريق وضع إستراتيجية على المدى الطويل تحدد دور كل طرف منهما وتضمن مصالحهما في القرن القادم.

          ومن البديهي أن يتضمن أي حوار بينهما موضوع إدارة الأزمات للتخفيف من أثر نشوب أي أزمات أو تقلبات في مستويات المعروض من الزيت الخام والاتفاق على أسعار مقبولة.

خامساً: مطالب المنتجين

          وفي ضوء ما سبق عرضه، يقتضي الأمر نرى أن تتركز مطالب المنتجين ـ أثناء حوارهم مع المستهلكين خلال الدورات القادمة على الأمور التالية.

          إن دول أوبك تسيطر في الوقت الحاضر على تحو 22 مليون برميل يومياً من الصادرات النفطية العالمية. ومن المتوقع ـ حسب توقعات الخبراء ـ أن تزداد تلك السيطرة في السنوات القادمة. ومع أن ذلك يتيح لمنظمة أوبك، خاصة إذا لقيت المساندة من مجموعة الدولة المستقلة المصدرة (ايبك)، أن تمارس ضغطاً على أسواق النفط الخام لزيادة أسعاره ولتعويض ما فقدته من إيراداتها النفطية، إلا أن دول أوبك لا تحاول استثمار قدرتها الاحتكارية في هذا المجال، فإنها قد تخلت ـ منذ عام 1986 ـ عن أسلوب تحديد أسعار يلتزم بها الأعضاء. وتركت السعر يتحدد طبقاً لقوى السوق، التي تمارس فيها الدول المستهلكة سياساتها للتحكم في تلك القوى.

          بل إن أوبك أخذت تتطلع إلى توسيع إمكانياتها الإنتاجية لمواجهة احتياجات العالم المتزايدة من النفط والحفاظ بأسعاره عند مستويات معقولة ومستقرة من حيث القيمة الحقيقية.

          وإذا كان المنتجون قد نبذوا أسلوب المواجهة مع المستهلكين، فلا اقل من أن يقوم هؤلاء بالتخلي عن فرض المزيد من الضرائب والسماح للأسعار بالارتفاع التدريجي لتعويض ما تآكل منها ولتكوين فائض للاستثمار في تجديد الطاقة الإنتاجية.

          ذلك لأن واجب المنتجين في توفير احتياجات العالم المتزايدة من النفط. ينبغي أن يقابله واجب المستهلكين بتوفير المناخ والإمكانيات التي تساند جهود المنتجين، وتيسر لهم الاضطلاع بهذه المسؤولية، والتي هي في صالح المستهلكين في المقام الأول.

مقترحات جدول أعمال الحوار بين المنتجين والمستهلكين

والخلاصة أن الحوار بين الجانبين ينبغي أن يتضمن جدول أعماله المقترحات الآتية:

  1. خفض الضرائب المفروضة على استهلاك النفط عموماً لتحقيق نوع من العدالة بينه وبين الفحم الذي يعتبر أكثر تلويثا للبيئة من النفط. هذا مع إزالة الدعم الذي يقدم للفحم ممولا من حصيلة الضرائب النفطية، خاصة بعد أن نوقشت مشروعيته في المحكمة الدستورية في ألمانيا.

وذلك بحيث يتم الربط بين تلك الضرائب وبين قضية تسعير النفط الخام وتوزيع العائد البترولي الصافي بين المنتجين والمستهلكين.

  1. إذا كان لا بد من فرض ضرائب بهدف حماية البيئة، فينبغي أن يعاد النظر في هيكل الضرائب التي تفرض على مصادر الطاقة عموماً. وأن يعامل كل مصدر ضريبياً بقدر مساهمته في تلويث البيئة. وربما يستعان في ذلك بالمدخل الياباني الذي اختار التركيز على الغاية (وهي الحد من التلوث) بدلاً من التركيز على الوسيلة (وهي الضريبة المباشرة على مصدر الطاقة)، وذلك تطبيقاً لمبدأ “الملوث  يتحمل التكلفة”.
  2. إزالة المعوقات الجمركية وغير الجمركية التي تقف حائلاً أمام انسياب المنتجات البترولية المكررة والبتروكيماويات العربية إلى أسواق الدول المستهلكة للنفط، وبصفة خاصة أسواق الاتحاد الأوروبي.
  3. السماح لأسعار النفط الخام بالارتفاع التدريجي بما يعوض المنتجين عن التدهور الذي لحق بالقيمة الحقيقة لهذه الثروة الناضبة، وبما يسمح بتوفير استثمارات كافية لتوسيع الطاقة الإنتاجية المطلوبة لمواجهة الطلب العالمي المتزايد على النفط.
  4. توفير قدر متزايد من الشفافية بالنسبة للخطط المستقبلية في مجال إنتاج النفط واستهلاكه. بمعنى تأمين الطلب على النفط عن طريق الكشف عن الخطط المستقبلية للدول المستهلكة، وذلك في مقابل ما يتكبده المنتجون من استثمارات لتأمين العرض العالمي للنفط الذي يفي باحتياجات العالم. وبذلك يحول التأمين المتبادل للعرض والطلب دون وقوع صدمات سعرية سواء بالارتفاع أو الانخفاض.
  5. أن يتطرق الحوار ـ بكل صراحة ووضوح ـ إلى ما يشغل بال المنتجين من مشاكل، خاصة بعد أن قويت مراكز المستهلكين وخفت الحساسية بالنسبة لاحتمالات انقطاع الإمدادات النفطية خلال المستقبل المنظور.

ونأمل أن يسود الحوار ـ خاصة فيما يتعلق بالأسعار ـ إيمانٌ من الطرفين بأن المصالح المشتركة، التي تجمع بين المنتجين والمستهلكين، تقتضي استقرار الأسعار عند مستويات معتدلة، حيث تسبب الأسعار المنخفضة جداً متاعب اقتصادية للدول المنتجة وتزيد من عدم الاستقرار السياسي في منطقة الخليج العربي، كما تؤثر سلباً على نمو الطاقة الإنتاجية على المستوى العالمي.

وبالمثل فإن الأسعار المرتفعة جداً تؤدي إلى مصاعب في ميزان المدفوعات لدى الدول المستهلكة، وتمثل ضغوطاً تضخمية لجميع الأطراف. بالإضافة إلى أنها تشجع على تطوير بدائل الطاقة وتراجع دور البترول في صناعة الطاقة العالمية .

  1. كذلك يجب ألاّ يقتصر جدول الأعمال على هذه المشاكل الهامة التي يعاني منها المنتجون، بل يقتضي الأمر وضع خطة للتعاون بشأن أفضل الحلول لحماية البيئة، واتخاذ التدابير الفعالة المدروسة لتحقيق هذا الهدف، والتي تتمثل في اتجاهات رئيسية وهي، على سبيل المثال.

أ.  ترشيداً استهلاك الطاقة: ومن ثم تخفيض انبعاث الغازات والحيلولة دون عملية التصحر الناجمة عن انبعاث هذه الغازات من الطاقات البديلة.

ب.  إدخال أساليب الزراعة المتقدمة والحفاظ على الغابات الاستوائية والأشجار وعدم قطعها، وتوسيع عمليات التشجير وزرع الغابات وإنشاء أحزمة خضراء مما يساعد على تخفيض درجات الحرارة للغلاف الجوي.

ج.  دراسة الوسائل والأساليب التكنولوجية لمعالجة الغازات المنبعثة عن طريق إجراء الأبحاث العلمية لمعالجة الغازات وتحويلها إلى غازات غير ضارة، وهذا أمر ممكن، بدلاً من منع أو الحد من استخدام البترول. الذي يؤدي بالضرورة إلى الأضرار بالتنمية الاقتصادية.

ومن حسن الحظ أن التقدم التكنولوجي قد حقق في السنوات الأخيرة تقدماً ملموساً في مجال حماية البيئة. وهذا يدعو إلى التفاؤل في إمكانية تخفيض نسبة ملوثات الطاقة مثل البنزين الخالي من الرصاص.

وبهذا تتحقق حماية البيئة دون الإضرار بالنمو الاقتصادي.

د.  الاتفاق على كيفية تمويل الأبحاث العلمية والتكنولوجية، بما يضمن توفير الاستثمارات اللازمة للتخفيف من مصادر التلوث. وبما لا يثقل كاهل بعض الدول دون غيرها، حيث أن فرض ضرائب ورسوم جمركية على المنتجات البترولية يحمِّل الدول المصدرة للبترول بكافة الأعباء ويضر بها أبلغ الضرر في الوقت الذي تقدم فيه بعض الحكومات الأوروبية دعماً للفحم الذي يعتبر أكثر تلويثاً للبيئة من البترول.

خاصة وأن الوكالة الدولية للطاقة تشير إلى أن إجمالي الإعانات المدفوعة لمنتجي الفحم عام 1991 في أربع دول أوروبية واليابان بلغ حوالي 11 بليون دولار.

ومعنى ذلك أن الدول النامية المنتجة للبترول ستتحمل العبء الأكبر لتكاليف حماية البيئة في الدول الصناعية الكبرى.

          الخلاصة: أن مسؤولية إعطاء البترول دوره الاستراتيجي تقع على جميع أطراف الصناعة البترولية (المنتجين والمستهلكين وشركات البترول العالمية) من أجل تحقيق الاستقرار للصناعة على المدى البعيد. وإذا تقاعست الأطراف المعنية أو فشلت في تحقيق هذه المهمة فسوف تضطر إلى مواجهة المصاعب والمعاناة التي سادت أزمات العشرين عاماً الأخيرة ومن اليقين أن هذا هو الوقت المناسب لأن يستوعب جميع الأطراف الدروس الماضية دفعة واحدة.

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button