منهجية التحليل السياسي

النموذج و النموذج المعرفى

مقدمة : لقد تطورت البنية المعرفية فى حقل السياسة نتيجة تطورات فكرية وأبستمولوجية أدت إلى تراكم معرفي ونظري والتى منها النموذج المعرفى كأداة تحليلية مع بعض الأدوات التحليلية الأخرى والاشكالية المطروحة هى :

الى اى مدى ساهم النموذج المعرفى في تطور العلوم ؟

و قد انبثق عن هاته الاشكالية المطرحة الاسئلة التالية :

ماهو النموذج ؟

وماهى بنية النموذج المعرفى ؟ كيف نطبق النموذج المعرفى في علم السياسة ؟

يُعَرِّف المسيري «النموذج» على أنه: بنية تصورية أو خريطة معرفية يجردها عقل الإنسان (بشكل واع أو غير واع) من كم هائل من العلاقات والتفاصيل والحقائق (الموضوعية)، فهو يستبعد بعضها بحسبانها غير دالة (من وجهة نظره) ويستبقي البعض الآخر. ثم يربط بينها وينسقها تنسيقًا خاصًا، ويجرد منها نمطًا عامًا و يؤكد من ناحية أخرى على أن النموذج أداة ثورية، لا ترصد ما هو قائم وحسب (كما يفعل التحليل البنيوي) وإنما ترصد ما هو كامن أيضًا، لذلك فهو يفسر الأمر الواقع دون أن يكرس له، وفي نفس الوقت يسعى لتغييره من خلال رصد ما هو كامن فيه ، فالفارق بين النموذج والبنية— كما يؤكد المسيري— يكمن في أن النموذج يؤكد الجانب الذاتي (إدراك شبكة العلاقات)، أما البنية فهي تؤكد على الجانب الموضوعي (شبكة العلاقات ذاتها) و يميز المسيري بين أربعة أنواع من النماذج هي: النموذج الإدراكي، والنموذج المعرفي، والنموذج التحليلي، والنموذج التفسيري. وهي نماذج تختلف من حيث دلالتها إلا أنها تتكامل من حيث وظيفتها، وسنتطرق الان الى النموذج المعرفى.

النموذج المعرفي: يعود اشتهار مصطلح النموذج المعرفي وتداوله في مجال الفكر والفلسفة .. إلى “توماس كون” .. صاحب الكتاب الشهير: “بنية الثورات العلمية” .. ويعد النموذج المعرفي هوالذي يحاول الوصول إلى الصيغ الكلية والنهائية للوجود الإنساني، وهو يدور حول ثلاثة عناصر معرفية كبرى هي؛ (الإله/ الإنسان/ الطبيعة) يمكن القول أن لكل نموذج إدراكي بعد معرفي، يحدد مرجعته النهائية ومعتقداته وفروضه ومسلماته، بمعنى آخر النموذج المعرفي يشكِّل البعد الغائي والأساس العميق الذي تُطرح من خلاله الأسئلة الكلية والنهائية للنموذج الإدراكي.وقد عبر عنه احد العلماء بالقولان النموذج المعرفى هو : ماذا بالامكان فعله عندما تغيب النظرية؟

النموذج المعرفى وتطور العلم :ان ظهور نموذج معرفى جديد قد يحدث ثورة في بنية المعرفة العلمية من خلال ما يقدمه من حلول لمشكلا ت ومعضلات علمية لم يتمكن النموذج القديم من التعامل معها ولايعتبر النموذج المعرفى الجديد اضافة كمية الى المعرفة ، بل هو تغيير ثورى في القواعد الاساسية واعادة صياغة للافتراضات الكبرى للنظريات السابقة وعلى حد تعبير كوهن هو ثورة علمية حقيقية مثلا فيزياء ارسطو الى نيوتن الى انشطاين ن وعندما يتحول الى نموذج معرفى جديد فهذا لا يعنى الغاء النظريات السابقة ولا ينظر اليها على انها خاطئة طالما طبقت على تلك الظواهر التى تعاملت معها وفسرتها بدقة .

بنية النموذج المعرفى:حدد كل من هولد وريتشارد سون خمسة عناصر للنموذج المعرفى عند كوهن توماس وهي :

-(1العنصر المفاهيمى Conceptual element:وهو منظومة المفاهيم التى تستخدم في صياغة الفروض النظرية بصورة مباشرة او غير مباشرة والتي تحدد بؤرة البحث الامبريقي. وعلى الرغم من ضرورة كون هذه المفاهيم الأساسية ذات أساس امبريقي, غير انه لا يوجد تكنيك محدد لاشتقاقها امبريقيا وتحديد معناها, حيث يتم اختبارها وصياغتها وتحديد مضامينها بصورة تحكمية.

-(2العنصر النظري Analog component:مجموعة الفروض المترابطة في بناء منطقى يعطى كل مفردة فيه وضعها سواء كانت حقيقة بديهية اونظرية وعلى عكس العنصر المفاهيمي نجد العنصر النظري للنموذج المعرفي يمكن أن يكون موضعا للتدقيق والمراجعة, حيث إنه قد يكون صحيحا وقد يكون خطأ.

-(3قواعد التفسير Rules of interpretation:وهي التى يمكن ان تصف الظاهرة التى تتم ملاحضتها وماهى الشواهد التى يمكن ان يتحدد بناءا عليها خطا اوصحة تنبوءات النظرية ؟

-(4عنصر تحديد الإشكالات والمعضلات الأجدر بالتناول تحديد المشاكل البحثية التى تستحق الدراسة والتى سوف تهم في تطوير النموذج

-(5عنصر التحكم التكويني: يرى”كون” أن هذا العنصر لا يزال غامضا, ولذلك فضل استخدام هذه الصياغة الفضفاضة. ويقصد به ذلك المكون من عناصر النموذج المعرفي, الذي يستطيع القيام بتحديد ماهية وشكل العناصر الأخرى المفاهيمية والنظرية, والمحددات التي توضح الإشكالات البحثية الهامة التي تستحق التناول, وتساعد على فهم النموذج وتطويره, كما يحدد ما ستكون عليه القوانين التي ينبغي الوصول إليها,أي أنه عنصر الضبط في النموذج المعرفي.

النموذج المعرفي في علم السياسة: هناك بعض من علماء وباحثي العلوم الاجتماعية قبلوا وطبقوا مفهوم النموذج المعرفي في العلوم الاجتماعية ومن بينها علم السياسة فيما يرى الرافضون بوجود اختلافات واضحة في التطور النظري بين العلوم الاجتماعية ورؤية “كون” لتطور العلوم الطبيعية, وهذا تؤدي إلى عدم ملائمة تحليلاته في حقل السياسة. غير ان ديفيد ترومان فيرى أنه منذ عام 1880 وحتى منتصف القرن العشرين وجد في علم السياسة ما يشبه النموذج المعرفي, ولكن لم الاتفاق عليه من قبل علماء السياسة. ثم يعرض لمجموعة من الخصائص التي اتصف بها علم السياسة في هذه الفترة وتتلخص فيما يلي:

1-عدم التركيز على النظام السياسي كنظام يمثل وحدة تتفاعل مكوناتها, بل إنه حتى النظام الأمريكي تم التعامل مع مكوناته وجزئياته كأشياء مسلم بها مفردة وليست جزءا في الكل.

2- الغموض المفاهيمي وعدم التحديد حتى في المفاهيم الأساسية التي تم تناولها بصورة واسعة, مثل التغيير السياسي والتنمية السياسية.

3-التجاهل شبه التام للنظريات, بأي معنى وبأي شكل.

4-التعصب لمفهوم العلم الذي نادرا ما تجاوز الامبريقية الأولية.

5-الانحصار والتقيد الضيق في كل ما هو أمريكي, مما قضى على إمكانية تطوير منهجية مقارنة.

6-الاقتصار على الوصف الدقيق دون التحليل.

وبالنسبة لألموند ,فقد عالج قضية وجود النموذج معرفي بصورة غامضة تماما, مثلما فعل ترومان من قبله حيث طرح ثلاثة مقولات:

1-كانت هناك صياغة نظرية متجانسة في النظرية السياسية الأمريكية إبان القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.

2-إن تطور علم السياسة المتخصص في الولايات المتحدة منذ بداية هذا القرن-القرن العشرين-حتى الخمسينات منه كان محمولا على نموذج معرفي مثل الذي عبر عنه “كون”, حيث إن معظم التغيرات النظرية المهمة خلال هذه العقود أوجدت نتائج تم فحص صلاحيتها.

3-في الخمسينات والستينات وجد نموذج معرفي عبر عن نفسه بصورة متسارعة, محوره “النظام السياسي” وعناصره أربعة هي: أ-اقتراب إحصائي للنظم السياسية في العالم, حيث لم يعد يتم التركيز على القوى العظمى فحسب, بل تم اخذ عينات من كل دول العالم, وتم التركيز على متغيرات معينة تجري المقارنة بينها لتحديد تأثير البيئة في السياسة والتفاعل بين المتغيرات, وذلك باستخدام منهج مقارن أكثر حيوية.

ب-التمايز بين المتغيرات والافتراضات, وتحديد العلاقات الاحتمالية والمرنة بينها, ففي سبيل تأسيس مكونات النظم السياسية المقارنة بينها لا بد من فصل الأبنية عن الوظائف, والأبنية عن الثقافة, والنظم الاجتماعية عن النظم السياسية, والمكونات الامبريقية عن العلم.

ج- مفهوم النظام كإطار تحليلي يقبل التصنيف على مختلف المستويات, ويمكن تحديد قدراته التحويلية والتكييفية وبيئته.

د- تطوير فئات وظيفية من أجل الوصف والمقارنة بين النظم السياسية و مستوياتها المختلفة.

المراجع:

1- نصر محمد عارف، ابستمولوجيا السياسة المقارنة ،بيروت لبنان : المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ، 2002

2- بلخضر طيفور، أبعاد التموجات الابستمولوجية على دينامية البناء والتفكيك المعرفى في حقل السياسة المقارنة ، مذكرة ماجستير غير منشورة ، جامعة مولاى الطاهر سعيدة :كلية الحقوق والعلوم السياسية ، 2012 /2013.

3- أمير الغندور ،”النموذج المعرفى بين توماس كون والمسيرى وماكس فيبر :مفارقات وتقاطعات “، في :http://ar.theasian.asia/archives/463
4- كنعان حمة غريب ، “مفهوم النموذج المعرفي” في: ،http://kl28.com/public_magazine/view/public3150 ،23/10/2016

4.2/5 - (12 صوت)

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى