النووي الكوري بين الأمل والألم – وليد عبد الحي

أثار الحديث عن استعداد كوري شمالي لنزع السلاح النووي نوعا من الارتباك في دوائر صنع القرار، فكيف لدولة اجرت تجربة لقنبلة هيدروجينة بقوة تفوق 17 مرة قوة قنبلة هيروشيما ان تتخلى عنها بهذه السرعة؟ وفهم هذه القضية يستدعي التوقف عند بعض الملاحظات والتفاصيل:
1- ضرورة إدراك الفرق بين “النزع ” و ” التخفيض ” و ” عدم الانتشار” ، فالتعبيرات المستخدمة في الاتفاقيات الدولية هي:
أ‌- nuclear disarmament: وهي تعني ” إجراءات تقليل او تحديد كمية او نوعية السلاح النووي.
ب‌- Denuclearization: إزالة المواد والبنية التحتية التي تستخدم في انتاج الاسلحة النووية
ت‌- nuclear nonproliferation: ويعني ابقاء الدول الخمس النووية مع منع انتقال المواد او البنيات التحتية لانتاج السلاح النووي من اية دولة لأخرى.
ث‌- ضرورة التمييز بين الاسلحة الاستراتيجية ( وهي التي يتم ضربها بواسطة الصواريخ العابرة للقارات او القاذفات او الغواصات بعيدة المدى) والاسلحة التكتيكية( التي تقتصر استعمالاتها على ميدان المعركة المباشر)، وهو امر يتضح في ان كل اتفاقية تحدد هل هي خاصة بالاستراتيجية ام التكتيكية ام كليهما.
ولعل مراجعة اتفاقيات سولت 1 وسولت 2 وستارت 1 وستارت 2 وستارت 3 او اتفاقية سورت (2002) يشير الى ان التطبيق غير مشجع منذ 1968، مع ملاحظة انها وردت تحت اسم مراقبة او ضبط( control)
ذلك يعني ان متابعة الملف الكوري يستدعي التنبه جيدا للتعبيرات التي يجري استخدامها رغم ان هناك تلاعبا بافق هذه التعبيرات بين الحين والآخر.
2- المأزق الكوري الشمالي: ربما يشكل الوضع الاقتصادي والسياسي الصخرة الاكثر ثقلا وجرحا على صدر كوريا الشمالية، فالدولة ذات ال 26 مليون نسمة تعرف ظروفا اقتصادية قاسية تتمثل في أن 70% من السكان يصنفون ضمن فئة الفقر باجمالي ناتج قومي حوالي 16 مليار دولار، وقد شكلت قرارات الامم المتحدة بالحصار عليها بسبب برنامجها النووي ضاغطا كبيرا عليها لتقديم التنازلات ، ناهيك عن الاختناق السياسي الناتج عن فقدان الحريات السياسية حيث تقع في المرتبة 167(المرتبة الاخيرة عالميا) ، وهو ما يشكل قاعدة للانفجار الداخلي بخاصة مع ترافقه مع الفقر..ولعل امتلاك السلاح النووي يشكل من وجهة نظر الرئيس الكوري الشمالي الحالي ووالده وجده المؤسس كيم آيل سونغ الرادع الافضل ضد القوة الأمريكية لا سيما وان التجربة العراقية كرست هذه القناعة ، وهو ما عبرت عنه صحيفة الدولة Rodong Sinmun في 7 مارس 2018 بأن الردع النووي هو الذي يجلب السلام لكوريا، وهنا يكمن المازق : كيف تحتفظ بسلاحك من ناحية وجائعا ومقهورا من ناحية اخرى ؟ فبأيهما ستضحي؟
3- العامل الصيني: تشارك الصين كوريا الشمالية حوالي 870 كيلومتر من الحدود ، وتعتبر الصين ان كوريا بمثابة دولة عازلة بينها وبين كوريا الجنوبية التي تتواجد فيها قوات أمريكية تقارب ثلاثين الف جندي. لكن العلاقات الصينية الكورية تهم الصين من عدة نواحي كان ماوتسي تونغ قد عبر عنها بالقول ان العلاقة الصينية الكورية هي كعلاقة الشفاه بالأسنان، والاهمية هنا :
أ‌- أنها دولة عازلة بينها وبين كوريا الجنوبية والقوات الامريكية كما ذكرت سابقا
ب‌- أن الصين هي الشريك التجاري الأول لكوريا الشمالية ( حوالي 90% من تجارتها) ، لكن التبادل التجاري بين بكين وبيونغ يانغ تضاعف عشر مرات بين 2000 و 2015 ، لكنه عاد ليتراجع خلال عام 2017 بحوالي 17%، بعد وقف استيراد الفحم من كوريا الشمالية عام 2017، ووقف شركة الصين للنفط بيع الوقود لكوريا ثم فرض بعض القيود على البنوك الصينية في تعاملها مع كوريا الشمالية،
4- الولايات المتحدة(واليابان الى حد ما): من الضروري التنبه الى ان الحوار حول السلاح النووي الكوري بدأ منذ 1994 ، فقد جرت المفاوضات مع إدارة بوش وكلينتون(1994) وجرت مناقشة ما سمي حينها الاطار المتفق علية والذي اشتمل على قيام كوريا الشمالية بتجميد عمليات تخصيب اليورانيوم ووقف العمل في مفاعلاتها مقابل:
أ-الحصول على مفاعلين نوويين للماء الخفيف لتوليد الطاقة بقيم 4 مليار دولار يتم جمعها من الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان
ب- رفع الحصار الاقتصادي عن كوريا الشمالية
ت- تطبيع العلاقات معها ، وهي علاقات متعثرة منذ تقسيم كوريا الى شمالية وجنوبية عام 1953.
ث- الحصول على النفط لتوليد الطاقة الى حين تشغيل المفاعلين المشار لهما
لكن الكونجرس الامريكي وبعض الصعوبات الاخرى حالت دون الوفاء بتطبيق الاتفاق لا سيما رفع الحصار وهو ما اثار كوريا الشمالية فعادت لبرنامجها النووي من جديد لاسيما بعد انهيار المفاوضات عام 2002، وعودة كوريا لاجراء تجربة نووية عام 2006 وبلوغ مخزونها النووي حوالي 20 قنبلة نووية حسب أغلب التقديرات.
4- مفاوضات الميدان:أشرت إلى انه ليست هذه المرة الأولى التي تعرض فيها كوريا الشمالية نزع السلاح النووي ، لكن الامر ازداد تعقيدا بانسحاب كوريا الشمالية من اتفاقية منع انتشار السلاح النووي عام 2003 بعد انهيار التفاوض مع الدول الست ، وعليه لم تقم الوكالة بالتفتيش في كوريا الشمالية منذ اكثر من عشر سنوات بعد التجربة النووية عام 2006، وهو ما يجعل المشكلة الاولى للمفاوض الامريكي في أن معرفة ” كل” العدد والمواقع والمنشآت الكورية امر معقد وغير مضمون(فحتى مع الاتحاد السوفييتي كان التفتيش والعد للصواريخ وليس للرؤوس النووية) ، وأصبح الامر اكثر خطورة بعد ان أصبح لدى كوريا القدرة على ايصال ضرباتها للسواحل الامريكية ، وهو ما جعل المفاوض الكوري الشمالي اكثر تصلبا مما ادى لنهاية التفاوض عام 2009.
لكن وقوع مواجهة مع الولايات المتحدة يثير مخاوف كورية جنوبية لاسيما ان سيئول لا تبعد أكثر من 30 كيلومتر عن اول مواقع الجيش الكوري الشمالي على الحدود الفاصلة.
والأمر الملفت هو التغير الذي يزحف على الموقف الصيني منذ سيطرة جماعة التحديثات الاربعة عام 1978 بعد المؤتمر الحادي عشر للحزب الشيوعي الحاكم وهي المجموعة المؤمنة بحتمية العولمة والصعود السلمي وطمأنة الجوار والبراغماتية السياسية واقتصاد السوق الاشتراكي، وتتجلى آثار التغير في الموضوع الكوري في الآتي:
أ‌- ساندت الصين قرار الامم المتحدة بالحصار على كوريا الشمالية عام 2006 بعد اجراء تجربة نووية وتصاعدت اللهجة الصينية بعد تجربة الصاروخ الكوري 2017.
ب‌- رغبة الصين في ضبط النظام في بيونغ يانغ من ناحية والخوف من انهياره بكل ما لذلك من تداعيات قد تجعل الصين في مواجهة مباشرة مع كوريا الجنوبية والقوات الامريكية.من ناحية ثانية وهو ما يترتب عليه اعباء اقتصادية عسكرية ومواجهة موجات كبيرة من اللاجئين.
ت‌- هناك اتفاقية بين الصين وكوريا الشمالية منذ 1961 وتنتهي عام 2021 ” او تجدد ” ، وتنص على مساعدة الصين لكوريا في حالة تعرضها لاي عدوان، لكن الرئيس الصيني الحالي أعلن ان الاتفاقية لم تعد قابلة للتطبيق في بندها هذا ، وهو ما يشكل انذارا مبطنا لكوريا الشمالية.
ث‌- تخشى الصين ان اندلاع مواجهة مع كوريا الجنوبية والولايات المتحدة قد يجعل الاسلحة النووية الكورية الشمالية موضع خطر عليها إذا استهدفت او تسربت ، كما ان توحيد كوريا قد يجعل الصين جارا لدولة نووية أخرى، لذا ستسارع للسيطرة عليه لا سيما ان ضرب الاسلحة المووية الكورية يشكل خطرا على الصين لان اغلب الترسانة الكورية لا تبعد اكثر من 100 كيلو عن الاراضي الصينية.
الخلاصة:
إن تصور نزع السلاح النووي لكوريا الشمالية بهذه الصورة التي يجري الترويج لها أمر فيه تبسيط شديد، فقد فشلت جولات سابقة، وقد تتاجر الصين بكوريا الشمالية للحصول على مكاسب أمريكية في ميادين أخرى، وقد تعتبر واشنطن النجاح في هذا الامر نموذجا لإدارة الصراع مع ايران، لكن التفاوض في الميدان سيأخذ سنوات قد تتجاوز مرحلة ترامب كلها…وقد يعرف كرا وفرا…..هنا وهناك.

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button