الهجمات السيبرانية:أنماط وتحديات جديدة للأمن العالمي

 كتب د.عادل عبد الصادق*

تحول الفضاء الإلكتروني الي مجال جديد للتفاعلات الدولية ،وهو ما جعل منه ساحة يتم توظيفه في الاستخدامات المدنية والعسكرية علي حد سواء ،وقد ظهرت الهجمات السيبرانية عبر نمطين الأول يتعلق بالقوة الناعمة في الصراع عبر الفضاء الإلكتروني باستخدام حروب الافكار والعمليات النفسية ، أما النمط الآخر فهو مرتبط بالقوة الصلبة باستخدام الفيروسات والهجمات الالكترونية كنشاط عدائي.
وفي هذا السياق أصبح الفضاء الألكتروني مجالا للصراعات بين كل أنواع اللاعبين سواء من الدول او من غير الدول ،وتبلورت الحروب السيبرانية “Cyber War في خصائص مغايرة للحروب التقليدية، من حيث طبيعة الأنشطة ، والفواعل ، والإنعكاسات علي بنية الأمن العالمي وكذلك في فرص الاستجابه لتلك التهديدات الجديدة .

وهو الامر الذي جعل من أمن الفضاء الإلكتروني يلقى اهتمامًا متصاعدًا على أجندة الأمن الدولي وذلك في محاولة لمواجهة تصاعد التهديدات الإلكترونية ودورها في التأثير على الطابع السلمي للفضاء الإلكتروني،وفي محاولة اخرى لدفع الجهود الدولية لمنع عسكرة المجال الالكتروني.

أولاً: التحول في خصائص ومهددات الامن العالمي .

ظهرت العلاقة ما بين الفضاء الإلكتروني والأمن الدولي، خاصة مع التوسع في تبني الحكومات الإلكترونية من جانب العديد من الدول، واتساع نطاق مستخدمي وسائل الاتصال وتكنولوجيا المعلومات في العالم، حيث تصبح قواعد البيانات القومية في حالة انكشاف خارجي، وهذا مما يعرضها لخطر التعرض لهجمات الفضاء الإلكتروني إلى جانب الدعاية والمعلومات المضللة ونشر الشائعات أو الدعوة لإعمال تحريضية أو دعم المعارضة الداخلية للنظام الحاكم و تقديم الدعم المادي والمعنوي عبر الفضاء الإلكتروني.

وأصبحت المصالح القومية التي ترتبط بالبنية التحتية الحيوية عرضة لخطر الهجوم، والتي تشمل الطاقة والاتصالات والنقل والخدمات الحكومية والتجارة الإلكترونية والمصارف والمؤسسات المالية، وحيث جعل الفضاء الإلكتروني من تلك المصالح مرتبطة يبعضها البعض في بيئة عمل واحدة والتي تعرف بالبنية التحتية القومية للمعلومات NII) ) ،وارتباطها بالبنية التحتية الكونية للمعلومات ،واصبح يتعلق الامن العالمي بمدى قدرة المجتمع الدولي على اتخاذ إجراءات للحماية ضد التعرُّض للأعمال العدائية والاستخدام السيئ للفضاء الالكتروني ،

وجاءت تلك المظاهر لتبرز استخدامات غير سلمية للفضاء الإلكتروني وما يمثلة ذلك من تهديد للأمن الإلكتروني العالمي من جانب كافة الفاعلين في مجتمع المعلومات العالمي،وأصبح من الممكن لأي طرف متصل بشبكة تكنولوجيا الاتصال والمعلومات أن يتأثر إما بالأطراف الأخرى المتصلة على الشبكة نفسها أو بطبيعة الأخطار التي تعترض هذه الشبكة وتهدد طبيعة عملها، بما يكون له من انعكاسات اقتصادية وأمنية وبما يؤثر على الاستقرار السياسي والاجتماعي، ويعكس ذلك الإيمانَ القوي بأن الثقة والأمن هما محوران مهمان لمجتمع المعلومات العالمي. وأصبحت مسألة الدعم الفني والتشريعي وتوفير جوٍّ مناسب لانتشار واستقرار البيئة التكنولوجية من أهم مرتكزاته.

وأصبح يواجه العالم عدد من المحددات الجديدة للأمن العالمي نتيجة عدد من المتغيرات لعل اهمها ، ما يتعلق بعملية تزايد ارتباط البنية التحتية الكونية للمعلومات بالفضاء الالكتروني بما يجعلها عرضة للهجمات الالكترونية،وبخاصة مع اتساع حركة الفاعلين في استخدامها من غير الدول.

وجاء ذلك في ظل تراجع دور الدولة لصالح القطاع الخاص.وتصاعد دور الشركات العابرة للحدود وبخاصة في مجال التكنولوجيا .

ودفعت كذلك المزايا الاستراتيجية لهجمات الفضاء الالكتروني الى امكانية توظيفها عسكريا في ظل اعتماد الدول على الأنظمة الإلكترونية في جميع منشآتها الحيوية،والعمل على توظيف الفضاء الإلكتروني في تعظيم قوة الدول، من خلال إيجاد ميزة أو تفوق أو تأثير في البيئات المختلفة، وبالتالي ظهر ما يسمي “الاستراتيجية السيبرانية” للدول، والتي تشير إلى القدرة على التنمية، وتوظيف القدرات للتشغيل في الفضاء الإلكتروني، وذلك بالاندماج والتنسيق مع المجالات العملياتية الأخرى لتحقيق أو دعم إنجاز الأهداف عبر عناصر القوة القومية.ومن جهة اخرى أدت عملية تصاعد المخاطر الى تصاعد دور الشركات العاملة في مجال الأمن الإلكتروني في ظل اتساع نطاق مخاطر الأنشطة العدائية التي يمارسها الفاعلين، سواء من الدول أو من غير الدول.

ثانيا – تحولات الامن والقوة والصراع في عصر الفضاء الالكتروني

اثر الفضاء الالكتروني في تغير طبيعة وخصائص الامن والقوة والصراع في المشهد الدولي سواء على المستوى النظري او التطبيقي،واصبح له تاثيرات وشواهد واضحة في العلاقات الدولية،وتم ذلك عبر متغيرات ثلاث ،فيرتبط المتغير الاول ،بكون ان الامن الالكتروني لم يقتصر فقط على بعده التقني بل تعداه الى ابعاد اخرى ،في ظل تراجع سيادة الدولة ، وتزايد العلاقة بين الأمن والتكنولوجيا بصفة عامة، خاصة مع إمكانية تعرض المصالح الاستراتيجية للدول إلى أخطار وتهديدات، وفرضت تلك التطورات إعادة التفكير في مفهوم “الأمن القومي للدولة”، والذي يعني بحماية قيم المجتمع الأساسية، وإبعاد مصادر التهديد عنها، وغياب الخوف من خطر تعرض هذه القيم للهجوم.ومن جهة اخرى فان تحول الفضاء الالكتروني الى ساحة عالمية عابرة لحدود الدول، جعل ذلك هناك ارتباط عضوي بين الأمن السيبراني الداخلي للدولة وامن الفضاء الالكتروني ،وهو ما يشكل اساس الأمن الجماعي العالمي، خاصة مع وجود مخاطر تهدد جميع الفاعلين في مجتمع المعلومات العالمي.

ويتعلق المتغير الثاني ،بجعل ذلك الفضاء الالكتروني يلعب دورا هاما في تعظيم القوة، أو الاستحواذ على عناصرها الأساسية في العلاقات الدولية، حيث أصبح التفوق في ذلك المجال عنصرا حيويا في تنفيذ عمليات ذات فاعلية في الأرض، والبحر، والجو، والفضاء، واعتماد القدرة القتالية في الفضاء الإلكتروني على نظم التحكم والسيطرة التكنولوجية.وساهمت “القوة السيبرانية”في تدعيم القوة الناعمة للدوله، حيث بات الفضاء الإلكتروني مسرحا لشن هجمات تخريبية ترتبط بنشر المعلومات المضللة، والحرب النفسية، والتأثير في توجهات الرأي العام، والنشاط السري والاستخباراتي.ومن جهة اخرى ساهم بروز هذا الاتجاه في زيادة انفاق الدول على سياسات الدفاع الإلكتروني، وحماية شبكاتها الوطنية من خطر التهديدات، وبناء مؤسسات وطنية للحماية الإلكترونية.

وارتبط المتغير الثالث ،بعلاقة الفضاء الالكتروني ببروز انماط جديدة من الصراع ، كمجال تنشأ فيه نزاعات بين الفاعلين المختلفين وتعبيرا عن تعارض المصالح والقيم سواء بين الفاعلين من الدول او بين غير الدول ،

ولكون الفضاء الإلكتروني عابرا للحدود، وسهولة الدخول إليه، اتسعت دائرة الصراعات السيبرانية، وزاد عدد المهاجمين، وظهرت حالات الكر والفر لتعبر عن صراع ممتد وتعبيرا وكاشفا عن ما يجري على الارض .

وصراع حول امتلاك أدوات الحماية والدفاع، وتطوير القدرات الهجومية الإلكترونية وسباق حول حيازة القوة والهيمنة،وتعظيم القدرة على زيادة النفوذ والتأثير في المستويين المحلي والدولي.وقد يكون لهذا الصراع “السيبراني” طبيعة سياسية او صراع حول الاستحواذ على المعلومات ،او سرقة الاسرار الصناعية او صراع حول التقدم العلمي او السيطرة على الاسواق العالمية.

ثالثا ،انماط الهجمات السيبرانية ما بين الحروب الباردة والساخنة

النمط الأول- الحرب السيبرانية الباردة منخفضة الشدة:

يعبر هذا النمط عن صراع مستمر بين الفاعلين المتنازعين، وقد يكون ذا طبيعة ممتدة، ودائمة النشاط العدائي أو غير السلمي، بخلاف أنه عميق الجذور ومتداخل، وله نواح متعددة ثقافية، أو اقتصادية، أو اجتماعية. وعادة ما يتم اللجوء إلى القوة الناعمة للحروب السيبرانية في مثل صراعات كهذه، وإن كانت لا تتطور بالضرورة إلى استخدام القوة المسلحة بشكلها التقليدي، أو شن حرب إلكترونية واسعة النطاق.

ويتم ممارسة هذا النمط عبر القيام بعدة وسائل لعل اهما ،شن الحروب النفسية،والاختراقات المتنوعة، والتجسس، وسرقة المعلومات، وشن حرب الأفكار، والتنافس بين الشركات التكنولوجية العالمية وأجهزة الاستخبارات الدولية. ويظهر هذا النمط في حالات الحروب في الصراعات السياسية، ذات البعد الاجتماعي – الديني الممتد، مثل الصراع العربي – الإسرائيلي، أو الصراع الهندي – الباكستاني، أو الصراع بين الكوريتين الشمالية والجنوبية، او بالصراع بين ايران واسرائيل مثل شن الاخيرة هجمات فيروس ستاكسنت ضد المنشآت النووية الإيرانية بالتعاون مع الولايات المتحدة في عام 2010، والى جانب حالة التوتر بين استونيا وروسيا في عام 2007، والاختراقات المتبادلة التي تتم بين الصين والولايات المتحدة او ما بين الاخيرة وروسيا، أو ما بين طهران وواشنطن،ويدخل في هذا النمط التجسس وجمع المعلومات الاستخبارتية وشن حملات مؤثرة في الراي العام الداخلي كحالة التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الامريكية.

وقد تعرض العالم لعدد من الهجمات مثل هجمات فيروس “شمعون 2” وبخاصة في الشرق الاوسط في يناير 2017[1].وهجوم فيروس “ويناكراي “في عام 2017،والذي اتهمت به كوريا الشمالية .

النمط الثاني- نمط “الحرب” السيبرانية متوسطة الشدة: حيث يتحول الصراع عبر الفضاء الإلكتروني إلى ساحة موازية لحرب تقليدية دائرة على الأرض. ويكون ذلك تعبيرا عن حدة الصراع القائم بين الأطراف، كما قد يمهد لعمل عسكري. هنا، تدور حروب الفضاء الإلكتروني عن طريق اختراق المواقع الإلكترونية، وتخريبها، وشن حرب نفسية ضد الخصوم، وغيرها.

يستمد ذلك النوع من الحروب السيبرانية شدته من قوة أطرافه، وارتباطها بعمل عسكري تقليدي، خاصة في ظل بعض التقديرات التي تشير إلى أن تكلفة هذه الحروب قد تشكل 4 من إنفاق نظيراتها التقليدية، بما يمكن من تمويل حملة حربية كاملة عبر الإنترنت بتكلفة دبابة.

تاريخيا، تم استخدام الحروب السيبرانية متوسطة الشدة في هجمات حلف الناتو في عام 1999 على يوغوسلافيا، حيث استهدفت الهجمات الإلكترونية تعطيل شبكات الاتصالات للخصوم[2] أيضا، برزت خلال الحرب بين حزب الله وإسرائيل في عام 2006، وكذلك بين روسيا وجورجيا في عام 2008، والمواجهات بين حماس وإسرائيل في عامي 2008 و.2012 ،

النمط الثالث- الحرب السيبرانية “الساخنة” مرتفعة الشدة: حيث يعبر ذلك النمط عن نشوء حروب في الفضاء الإلكتروني منفردة، وغير متوازية مع الأعمال العسكرية التقليدية. ولم يشهد العالم هذا النوع من الحروب، وإن كانت احتمالات حدوثها واردة في المستقبل مع تطور القدرات التكنولوجيه، واتساع الاعتماد بين الدول والفواعل من غير الدول على الفضاء الإلكتروني.

وينطوي هذا النمط من الحروب على سيطرة البعد التكنولوجي على إدارة العمليات الحربية، حيث يتم استخدام الأسلحة الإلكترونية فقط ضد منشآت العدو، وكذا اللجوء إلى الروبوتات الآلية في الحروب والطائرات دون طيار، وإدارتها عن بعد، بخلاف تطوير القدرات في مجال الدفاع والهجوم الإلكتروني، والاستحواذ على القوة الإلكترونية.

رابعا :نمو السوق السوداء لتجارة وانتاج الاسلحة السيبرانية

من التعريفات الشائعة للأسلحة هي “أي أداة أو وسيلة تستخدم في القتال”، أو أي وسائل يتم توظيفها للتفوق على الآخرين، ويتم توجيه الأسلحة الإلكترونية إلى الهجوم على الأنظمة المرتبطة بالفضاء الإلكتروني لدولة أو خصم آخر، وتستخدم الأسلحة الإلكترونية كأسلحة غير مرئية ولديها القدرة على التدمير الشامل بدون تهديد حقيقي للبنية التحتية الحيوية أو حياة الإنسان بالضرورة مع إمكانية حدوث ذلك[3]

وتتكون البنية التحتية لتطوير قدرات الأسلحة الإلكترونية من جهاز كمبيوتر، أو هاتف محمول متصل بالإنترنت وسلسلة من برمجيات تقليدية، وبرمجيات خبيثة وبرامج تجسس وما إلى ذلك. ولا تحتاج عملية التطوير لمعدات متخصصة أو يمكن حظرها، كما يتم في حال الأسلحة النووية والتي تحتاج عمليات تخصيب اليورانيوم وخدمات لوجستية معقدة، وموارد مالية هائلة. وتحتاج الأسلحة النووية لإطلاقها إلى التطور في مجال الصواريخ الناقلة لها والعابرة للحدود.

بينما تتطلب الأسلحة الإلكترونية مهارات نادرة لإنتاجها ولا تحتاج تلك الأسلحة لإطلاقها سوى منصات بسيطة وغير مرئية تتمثل موقع إطلاق وكمبيوتر ثابت أو محمول، هاتف محمول، موقع على شبكة الإنترنت، محرك للبحث، شبكة اجتماعية، خادم افتراضي أو مادي أو “سحابة بيانات”، تشكل جميعها منصات الإطلاق. ويمكن تصميم واستخدام الأسلحة الإلكترونية من أي مكان، من قبل أي شخص، مثل القراصنة، المتطرفين الدينيين أو السياسيين، المجرمين الإلكترونيين، موظف سابق ساخط على شركته، منافسين، دول متصارعة، ولا تترك الأسلحة الإلكترونية سوى القليل من الوقت للاستباق والوقاية والكشف أو رد الفعل بسبب السرعة الإلكترونية للهجوم.

وتشير توقعات تطور استخدام الأسلحة الإلكترونية حتى عام 2020،حيث تنتقل من مراحل الهجمات الأساسية في الفترة من 1994-2002 ثم تدخل مرحلة التحول ما بين عامي 2002-2004 وتدخل بعد ذلك في مرحلة الهجمات المتقدمة من 2004-2020.

تواجه الولايات المتحدة اتهامًا للصين بشنِّ هجمات الفضاء الإلكتروني في إطار جزء من خطط بكين لفرض “هيمنة إلكترونية” على خصومها العالميين بحلول عام 2050 في مواجهة الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا وكوريا الجنوبية.وفيما يتعلق بحالة الإنفاق العسكري على الأسلحة الإلكترونية تشير إلى وجود خمس دول كبرى في مجال امتلاك القدرات الإلكترونية في مجال الفضاء الإلكتروني، وفي عام 2012 بلغت ميزانية تطوير القدرات الإلكترونية الدفاعية لحلف الناتو 58 مليون يورو، وفي الولايات المتحدة والتي وصلت ميزانية الدفاع الإلكترونية إلى 1.54 بليون دولار في المدة من 2013-2017.

وفي المملكة المتحدة بلغت ميزانية تطوير الفيروسات العدائية والمخترقين 650 مليون جنيه إسترليني، وفي المركز الرابع أنفقت إسرائيل 13 مليون دولار في تطوير التكنولوجيا الجديدة في مجال الدفاع الإلكتروني، وفي الصين والتي تفرض غموضًا على نفقاتها التسليحية إلا أن بعض التقديرات تشير إلى إنفاقها في عام 2011 ما بين 120 مليون دولار إلى 180 مليون دولار، ومن المتوقع أن ترتفع من ميزانية 1.8 بليون دولار في عام 2011 إلى 50 بليون دولار عام 2020 وبزيادة سنوية تصل إلى 44.7%، وأعلنت إيران عن طموحها في تحسين قدراتها في مجال الحرب الإلكترونية،

ويلاحظ أن الصين والولايات المتحدة قد خصصت استثمارات كبيرة لتطوير تقنيات الإنترنت الجديدة.وعلى الرغم من أن المبالغ المخصصة قد تبدو باهظة إلا أنها رخيصة مقارنة مع تكلفة سلاح تقليدي، وهو ما دفع كثيرًا من الدول إلى إنشاء وحدات للإنترنت مخصصة لتطوير تكنولوجيات الهجوم الإلكتروني. وتعتمد تكلفة الأسلحة الإلكترونية على عوامل متعددة، وبخاصة البعد الاقتصادي الذي يتعلق بالقدرة على الحماية ومنع التجسس أو ترسيب الأسرار الصناعية إلى الخارج بما يكلف الدولة ملايين الدولارات، وهو ما يدفع إلى أهمية تبني استراتيجية إلكترونية سليمة وبخاصة فيما يتعلق بالقدرة على تطوير ترسانة الأسلحه الإلكترونية.بالنظر إلى أن عملية تطوير الأسلحة الإلكترونيه يكتنفها نوع من السرية والغموض كشأن نفقات التسليح والدفاع في دول العالم المختلفة والتي يصعب معرفتها بدقة والتي قد تقتصر فقط على صفقات السلاح المعلنة، ومن ثم فإن التسلح الإلكتروني باعتباره مجالاً جديدًا في أنظمة التسليح فإنه يحظى بقدر عالٍ من السرية والاهتمام في الاستثمار في تطويرها.

مع زيادة الاهتمام الأمني بالبنية التحتية الحيوية مثل أنظمة الدفاع القومية وصناعات أنظمة التحكم وشبكات الاتصالات ساعد ذلك في نمو سوق الأسلحة الإلكترونية وبذلك ظهر الفضاء الإلكتروني كمجال جديد للحرب مثل البر والبحر والجو، ودفع ذلك العديد من الفاعلين من الدول إلى تبني تطوير تلك الأسلحة بجهودها الذاتية أو عبر الاستعانة بشركات تكنولوجية متقدمة، أو عبر استعانة بالقراصنة وبالسوق السوداء لتجارة تلك الأسلحة غير الخاضعة للرقابة، وأشار تقرير لمركز شفافية السوق [4]إلى تصاعد الاهتمام العالمي بالأسلحة الإلكترونية-السيبرانية، وتوقع التقرير أن يتسع السوق العالمي لتجارة الأسلحة الإلكترونية بنسبة 4.4% من عام 2015 إلى عام 2021.

وفي معدل النمو ذلك من المتوقع أن يصل تقييم حجم السوق من 521,87 بليون دولار أمريكي بحلول عام 2021 وبزيادة عن عام 2014 والتي وصل فيها إلى 390 بليون دولار. وهذه القيمة مرشحة للزيادة مع تصاعد أخطار الهجمات الإلكترونية والتي فرضت ضرورة تطوير الأسلحة الإلكترونية للدفاع إلى جانب اهتمام الحكومات وأجهزة الاستخبارات بالتطوير في مجال الحرب السيبرانية الهجومية والقدرة على امتلاك قدرات احتواء الهجمات الإلكترونية. وهو ما من شأنه أن يعمل كذلك على نمو الطلب في سوق الأسلحة السيبرانية الهجومية، وإلى جانب الدول الكبرى التي تعمل على نمو قدراتها هناك عدد من الشركات التقنية التي تعمل على تطوير الصناعة العالمية للأسلحة السيبرانية ومن تلك الشركات شركة لوكهيد مارتين وشركة بوينج وايرباص وشركةBAE وشركة ريثون وشركة نورث روب جرومان[5].

وفيما يتعلق بالسوق العالمي للأسلحة السيبرانية جغرافيًّا ففي أمريكا الشمالية توجد الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، وفي أوروبا توجد المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا وباقي أوروبا وفي منطقة آسيا المحيط الهادي توجد الهند والصين واليابان وباقي دول المنطقة،وباقي العالم مثل أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وأفريقيا.

ويشمل سوق الأسلحة السيبرانية نمطين أساسين الأول يتعلق بالأسلحة الدفاعية والأخرى تتعلق بالأسلحة الهجومية، وفيما يتعلق بحجم السوق وفقًا إلى التطبيقات توجد أنظمة الدفاع القومي وشبكات اتصالات ونظم التحكم الصناعي والخدمات المالية والبنكية، وأجهزة التحكم في المجال الجوي، ونظم المواصلات الذاتية، والمستشفيات.

خامسا :الحالة “السيبرانية “في المنطقة العربية .

شهد المجال السيبراني في المنطقة العربية دورا كبير في احداث عدد من المتغيرات ذات الطبيعة السياسية والامنية وبخاصة بعد عام 2011 ، وهو ما كان له تاثيرات كبري على المجتمع وعلى علاقته بالدولة بل بالتاثير المباشر على “الدولة العربية “،بافشالها وانهيار مؤسسات الدولة وبخاصة في تلك الدول التي تشهد تراجع في الحداثة والتنمية مثل حالة اليمن وليبيا ، بينما اخذت للعب دورا سياسيا في دول اخري مثل حالة مصر وتونس ،والتي تتميز بتطور مرتكزات الدولة والطبيعة المدنية لشعوبها ، وبينما جمعت استخدامات “المجال السيبراني “بين الدور السياسي والعسكري في الحالة السورية ،

وتعرضت المنطقة عبر المجال السيبراني الى حروب نفسية استهدفت التاثير على الكتله الحرجة من الشباب عبر الشبكات الاجتماعية سواء من قبل فرقاء على اساس الاختلاف السياسي او الديني اوالمذهبي ، ومن جهة اخري مارست قوى خارجية التدخل “سيبرنيا” للتاثير على الامن والاستقرار سواء عبر تغذية النزاعات الطائفية مثل الدور الذي تلعبة ايران في تغذية حسابات على شبكات التواصل الاجتماعي لدعم “الشيعه في دور الخليج وتحريضهم سياسيا ، او عبر توظيف المجال السيبراني لتعزيز الرقابة والتجسس على دول المنطقة من قبل قوى اقليمية مثل اسرائيل وايران وتركيا او عبر التجسس من قوى دولية اخري.

وأثر المجال السيبراني كذلك على العلاقات البينية بين الدول العربية حيث شهدت العلاقة بين قطر وجيرانها توترا اثر تصريحات نسبت الى امير قطر وادعاء قطر بان موقع وكالة الابناء القطرية تم اختراقة في مايو 2017 ،وهو ما كان من شأنه بأن اتهمت قطر الامارات بالوقوف خلف القرصنة بينما نفت الاخيرة تلك ألاتهامات ،واتجاه قطر لتعزيز امنها الالكتروني بالتعاون مع امريكا وتركيا ، وكان لتلك الازمة انعكاس في تطور الازمة بين قطر ودول الرباعي العربي وهي مصر والسعودية والامارات والبحرين بفرض مقاطعه ،و كان من ضمن آلياتها حجب المواقع الالكترونية الممولة والموجهة من قبل قطر والداعمة للارهاب.

وشهدت المنطقة ما يعرف بنمو ظاهرة “الجيوش الالكترونية ” والتي لا تعني ان لها اية ابعاد عسكرية بل انها عبارة عن كتائب تحاول التأثير المتبادل في الاخر عبر توظيف الفضاء السيبراني في الصراع بين الفاعلين .الى جانب تزايد تعرض المنطقة الى الهجمات والقرصنة الالكترونية وبخاصة في الخليج العربي ،وهو الامر الذي دفع تلك الدول الى زيادة الانفاق و الاستثمار في الامن السيبراني ، وبتشكيل هيئات وطنية للامن السيبراني مثل قيام السعودية في شهر نوفمبر 2017 ، ناهيك عن وجود المركز الاقليمي للامن السيبراني في سلطنة عمان بدعم من الاتحاد الدولي للاتصالات

، وسعت العديد من الدول العربية في تبني تشريعات لمكافحة الجرائم السيبرانية ومكافحة الارهاب والتطرف او بمحاولة تقنين الاعلام الالكتروني ، والسعي الى بناء القدرات في مجال التدريب ،ووفق تقرير الاتحاد الدولي للاتصالات والذي عمل على قياس ما سماه بـ” القوة السيبرانية “وفق 25 مؤشر قام بتصنيف الدول الى مراتب ،جاءت اقوى الدول العربية سلطنة عمان حيث احتلت المركز الاول عربيا والرابع عالميا ، بينما جاءت مصر في المركز الثاني عربيا ، والرابع عشر عالميا ، وجاءت قطر في المركز الثالث عربيا ،والخامس والعشرين عالميا. بينما احتلت باقي الدول العربية مراكز متدنية ومن ثم اصبحت الاضعف “سيبرانيا” حيث كانت في المقدمة اليمن والصومال وجزر القمر والعراق وجيبوتي والكويت وموريتانيا ولبنان وفلسطين على الترتيب .

سادسا : الحرب السيبرانية ومخاطر عسكرة الفضاء الالكتروني

أدت علاقة الفضاء الإلكتروني بعمل المنشآت الحيوية سواء أكانت مدنية أوعسكرية لقابلية تعرضها لهجوم من خلاله إما يستهدفه كوسيط وحامل للخدمات أوبشل عمل أنظمتها المعلوماتية،‏ويكون من شأنه التأثير على القيام بوظيفتها ومن ثم فإن التحكم في تنفيذ هذا الهجوم يعد أداة سيطرة ونفوذ استراتيجية بالغة الأهمية سواء في زمن السلم أو الحرب.

وهو ما برز في مخاطر عسكرة الفضاء الإلكتروني، وذلك سعيا لدرء تهديداته على أمن الفضاء الإلكتروني، وبرز في هذا الإطار اتجاهات، مثل التطور في مجال سياسات الدفاع والأمن الإلكتروني، وتصاعد القدرات في سباق التسلح السيبراني، وتبني سياسات دفاعية سيبرانية لدي الأجهزة المعنية بالدفاع والأمن في الدول، وتزايد الاستثمار في مجال تطوير أدوات الحرب السيبرانية داخل الجيوش الحديثة.

وتدشين وحدات متخصصة في الحروب الإلكترونية، وإقامة هيئات وطنية للأمن والدفاع الإلكتروني، والقيام بالتدريب، وإجراء المناورات لتعزيز الدفاعات الإلكترونية، والعمل على تعزيز التعاون الدولي في مجالات تأمين الفضاء الإلكتروني، والقيام بمشروعات وطنية للأمن الإلكتروني.

وتبني العديد من الدول استراتيجية حرب المعلومات بحسبانها حربا للمستقبل، والتي يتم خوضها بهدف التشتيت، وإثارة الاضطرابات في عملية صناعة القرار لدي الخصوم، عبر اختراق أنظمتهم، واستخدام ونقل معلوماتهم. وهنا، تري الدول الكبري أن من يحدد مصير تلك المعركة المستقبلية ليس من يملك القوة فقط، وإنما القادر على شل القوة، والتشويش على المعلومة.

واتجهت العديد من الدول الى تحديث القدرات الدفاعية والهجومية، لمواجهة مخاطر الحرب السيبرانية، والاستثمار في البنية التحتية المعلوماتية، وتأمينها، وتحديث القدرات العسكرية، ورفع كفاءة الجاهزية لمثل هذه الحرب عن طريق التدريب، والمشاركة الدولية في حماية البنية المعلوماتية، والاستثمار في رفع القدرات البشرية داخل الأجهزة الوطنية المعنية. وهنا، يتعلق التوجه الأخطر بنقل تلك القدرات من الدفاع إلى الهجوم عن طريق استخدام تلك الهجمات في إطار إدارة الصراع والتوتر مع دول أخرى.

وتم دمج المجال السيبراني في عناصر الأمن القومي للدول وفي وضع استراتيجيتها ورؤيتها للمستقبل ،فقد حصل الامن السيبراني على سبيل المثال على اهتمام متزايد في الاستراتيجية الجديدة للامن القومي الامريكي والتي تم اعلانها في ديسمبر 2017،واعلنت الولايات المتحدة على نيتها التعاون مع شركائها الدوليين لتعزيز امن الفضاء الالكتروني ،وذلك على الرغم من اعلان “ترامب”عن تخلية عن حيادية شبكة الانترنت ،وهو الامر الذي يثير مخاوف الدول الصاعدة في النظام الدولي مثل الصين وروسيا واللتين تطالبان بانفتاح امريكي في التعامل مع فرص السيطرة الدولية على امن الفضاء الالكتروني ،

وقد تعرضت روسيا للاتهام بالقرصنة الإلكترونية في الانتخابات الأمريكية الأخيرة لدعم المرشح الجمهوري دونالد ترامب في مواجهة منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون.

وقد قامت الولايات المتحدة باتخاذ اجراءات عقابية ضد روسيا بعد تدخلها في الانتخابات الامريكية حيث تم طرد الدبلوماسيين الروس وفرض رقابة على الوسائل الاعلامية الروسية وفتح تحقيقات موسعه في حيثيات تلك الاتهامات.

كما تم اتهام روسيا بشن هجمات إلكترونية على النرويج، والتشيك، وفرنسا وبريطانيا، مما دفع الدول الأخيرة لإعلان أنها قادرة على الرد بالمثل[6].وقد هددت عدد من الدول الاوروبية باتخاذ عقوبات ضد روسيا باتهامها بإدارة عملية التدخل السيبراني في البنية التحتية لاعضائها والتاثير على نتيجة الانتخابات التي تم اجرائها خلال عام 2017،واعتبرت تلك الافعال اعمالا من اعمال العدوان والحرب ،وقد دعم الاتحاد الاوروبي هذا التوجه اى جانب حلف الناتو والذي اتخذ بدوره خطوات عملية عبر مركز الدفاع الالكتروني في “تالين “عاصمة استونيا ، والذي اصدر من قبل ما يعرف بـدليل “تالين “للهجمات الالكترونية .

ولكن تبقي مشكلة دخول العالم سباق التسلح السيبراني، في تحديد ماهية تلك الأسلحة التي يمتلكها الآخرون، حيث لا يملك المجتمع الدولي قدرة سريعة على التدخل لاحتوائها، ولا يوجد مجال لتفعيل التفتيش كآلية مراقبة، مثل حالة الأسلحة النووية.

وإن كانت عملية بناء القدرات العسكرية في مجال الأسلحة الإلكترونية تنطوي على عناصر أساسية، منها السعي إلى امتلاك التكنولوجيا، وأنظمة الحماية، وتطوير قدرات هجومية تعمل على تحقيق التفوق التقني، والعمل على تطوير القدرات الهجومية، إما عبر بناء القدرات الذاتية، أو بالاستعانة بالأفراد والشركات المتخصصة، وتطوير القدرة على اختبار مدي الجاهزية لمواجهة الهجمات الإلكترونية، وأخيرا، العمل على توفير الميزانيات المخصصة لتطوير القدرات الهجومية والدفاعية، وخاصة مع قلة تكلفتها، مقارنة بحجم ما ينفق على الجيوش التقليدية.

وتتمثل متطلبات توافر الأمن الإلكتروني الدولي في التأكد من سلامة الدفاعات الإلكترونية، وعدم تعرضها لأي خلل فني طارئ، وألا تعالج هذه المسألة منفصلة عن غيرها، وإنما ضمن ترسانة شاملة للدفاع تشكل إطارا رادعا لأي حرب استباقية.، وهو ما يجعل تلك التهديدات تمثل خطرا على أمن الفضاء الإلكتروني باعتباره أصبح مرفقا دوليا .وجاءت تلك المظاهر لتبرز استخدامات غير سلمية للفضاء الإلكتروني وما يمثلة ذلك من تهديد للأمن الإلكتروني العالمي والبنية التحتية الكونية للمعلومات من جانب كافة الفاعلين في مجتمع المعلومات العالمي، كالدول والمنظمات الإرهابية والأفراد وعناصر إجرامية وآخرين،.

وهو ما يفرض على المجتمع الدولي التركيز على العلاقة بين الأمن الإلكتروني وبقضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية والاستقرار السياسي، وصياغة إستراتيجية دولية لمواجهة تصاعد الأخطار الإلكترونية ، وأهمية تعاون كافة الفاعلين في مجتمع المعلومات العالمي لترسيخ ثقافة عالمية لأمن الفضاء الإلكتروني،وأهمية الموازنة بين اعتبارات الأمن وحرية استخدام الفضاء الإلكتروني ، وما بين الاحتكار العالمي للتكنولوجيا والعمل على انتقالها في دول العالم ،ومن ثم فإن التعامل مع النمط الجديد من التهديدات يتطلب تعاونا دوليا ،

وأهمية الحاجة إلى فتح الطريق أمام التعاون المثمر بين الحكومات والأفراد والشركات العاملة في تكنولوجيا الاتصال والمعلومات ،ويجب أن يتم تعزيز دور الفضاء الإلكتروني في النمو الاقتصادي وتحسين حياة المواطنين، وحرية الرأي والتعبير ، وتعزيز التسامح بين الثقافات ، وبذل جهود دولية عاجلة ومتكاتفة لمواجهة تهديدات أمن الفضاء الإلكتروني بإمكانية العمل على حل الصراعات على أرض الواقع لمنع انتقالها إليه ، والعمل على توافق القوانين المتعلقة بالصراع الإلكتروني مع القانون الدولي وأهمية المبادرات الدولية لحماية الفضاء الإلكتروني فضلا عن البحث والتطوير في مجال الدفاعات ضد الأخطار الإلكترونية ، وتعزيز أشكال التعاون الدولي في سبيل مكافحتها من أجل تعزيز أمن الفضاء الإلكتروني باعتباره مرفقا دوليا وتراثا مشتركا للإنسانية

[1] Saudi Arabia warns on cyber defense as Shamoon resurfaces, Technology News, Reuters,Mon Jan 23, 2017

[2] Florian Bieber, “Cyber war or Sideshow The Internet and the Balkan Wars”, Current History 99, no. 635 (Mar 2000): 124-128,
[3] للمزيد ،انظر ،عادل عبد الصادق،”اسلحة الفضاء الالكترونية في ضوء القانون الدولي الانساني،مكتبه الاسكندرية،ديسمبر 2016 ،ص ص 45-55 [4]“Cyber Weapon Market – Global Industry Analysis, Size,
Share, Growth, Trends and Forecast 2015 – 2021”, Transparency Market Research,
[5]Lockheed Martin Corporation, BAE Systems plc, General Dynamics Corporation,
Airbus Group SE, The Boeing Company, Raytheon Company, and Northrop Grumman Corporation.

[6] Britain could carry out Cyber Attacks to defend itself against Russia, news, Telegraph, 2 February 2017

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button