الهندسة الانتخابية: مقاربة معرفية
سوف تستخدم ما يقدم كمعايير عالمية لبناء فلسفة انتخابية في المجتمعات الصاعدة بحسب منظور برنامج الأمم المتحدة للإدارة و التسيير المالي للانتخابات .(ACE PROJECT)
الانتخابات : الماهية و الأهداف
تشكل الانتخابات البعد الإجرائي و الديمقراطي حسب (روبرت دال ) و تشكل مصدرا عقلانيا للمشروعية حسب ماكس فيبر MAX WEBER و تشكل مشروعية ابتدائية للنظام السياسي حسب دافيد بيثام DAVID BEETHAM وتشكل عملية اتصالية دورية بين المجتمع و النظام السياسي حسب كارل دوتش . كما هي تعبير عن درجة انفتاح النظام السياسي على المجتمع من حيث توفير شروط التمكين السياسي للمواطنين حسب جاك دونللي، أي تفعيل حقوق المشاركة السياسية للمواطنين في اختيار من يحكمهم و من يعبر عن أرائهم و تطلعاتهم و قناعاتهم في المؤسسات التنفيذية و التمثيلية … .وهذا ما جعل دونللي يصورها كعملية حكم بالنيابة عن طريق المساهمة غير المباشرة في صياغة القوانين و السياسات و في اتخاذ القرارات محليا و جهويا.
كما تشكل الانتخابات أيضا احد الأبعاد الأساسية للمشاركة السياسية إذ انه لا يمكننا أن نتحدث عن فعالية هذه المشاركة إلا إذ تكاملت مع:
1-وجود تعددية حزبية ومدنية و إعلامية فعلية و ناجعة و مبادرة
2-وجود هياكل تمثيلية مستقلة وفاعلة بطريقة تكفل وجود تباين سلطوي Authority differentiation و جودة مؤسساتيةinstitutional sophistication [2]
و من هنا يظهر بأنه لا يمكننا فهم الانتخابات إلا من خلال إدراجها في المنظور الوظيفي و البنائي العام للدولة (جمهورية أو ملكية، وحدوية أو فيدرالية ) و من خلال ربطها بطبيعة النظام السياسي (رئاسي أو شبه رئاسي، برلماني أو شبه برلماني[3] ) و كذلك من خلال تحديد طبيعة التركيبة المجتمعية (درجة التجانس /درجة التنوع ) و كذلك درجة الاندماج التنموي للدولة (توازن جهوي و عدالة توزيعية لفرص التنمية و منتجاتها عبر جهات الدولة الواحدة )، و كذلك من خلال تحديد طبيعة التوزيع السلطوي و الوظيفي للنظام السياسي على المستويات المركزية و المحلية، و كذالك من خلال تحديد طبيعة الحقوق التي يعترف بها الدستور و القوانين الوطنية للمواطنين و درجة ضمانها و حمايتها و تفعيليها و ترقيتها خاصة ما تعلق بالحقوق السياسية للمرأة و التي عرفت تأخيرا تاريخيا و فعليا على مستوى التجسيد، بحيث أن أول دولة تعترف بحق المرأة في التصويت هي زيلندا الجديدة سنة 1893 ، فرنسا في 1945 و سويسرا فقط سنة 1971.
الهندسة الانتخابية:
يقصد بالهندسة الانتخابية صياغة القواعد و الأطر و الآليات الكفيلة بضمان المشاركة السياسية الدورية للمواطنين في كنف النزاهة و الحرية و التعددية و الانتظام ، أي توفير الشروط الأساسية لشفافية و مصداقية الانتخابات على المستويات التنظيمية والتمويلية و التسيرية و الإجرائية و حتى الإعلامية، أي أن الهندسة الانتخابية تقوم أساسا على توفير مجموعة من الشروط و هي[4]:
1-وجود هيكلة حقوقية وطنية مركزة على مركزية الإنسان- المواطن كمصدر وغاية للعمل السياسي و مضمونة بآليات دستورية و قانونية واضحة
2-ضرورة الأخذ بعين الاعتبار في بناء النظام الانتخابي (تقسيم الدوائر ، نمط تصويت ….) طبيعة المجتمع من حيث كونه متجانسا أو تعدديا
3-ضرورة الأخذ بعين الاعتبار الأحزاب السياسية و مستوى نضجها الديمقراطي
4-ضرورة الأخذ بعين الاعتبار الامتداد الجغرافي للدولة و مستوى الكثافة السكانية و توزيعيها
5-ضرورة الأخذ بعين الاعتبار طبيعة الدولة بكونها وحدوية أو فدرالية
6-ضرورة الأخذ بعين الاعتبار طبيعة النظام السياسي و مكانة السلطة التشريعية فيه
7-ضرورة مراعاة طبيعة الثقافة السياسية السائدة و المرتبطة بمستوى تعقد و تجذر التنمية السياسية المحلية من منظور معايير الديمقراطية المشاركاتية
8-ضرورة الأخذ بعين الاعتبار المستوى الفعلي و العملي للرقابة المؤسساتية بالجزاء على السلطة التنفيذية من لدن السلطة التشريعية .
9-ضرورة مراعاة مدى استقلالية السلطة القضائية و مدى قدرتها على فرض أحكامها على الجميع
و من اجل تحقيق هندسة انتخابية متوافقة مع المعيار الديمقراطي المشاركاتية يجب الحرص أيضا على وجود مجموعة من الحركات السياسية الممكنة للمواطن من التأثير الفعلي على طبيعة النظام السياسي و منها[5]:
1- الإدارة و الانتخابات
يجب التركيز على مسألة الحياد الفعلي للإدارة مع الإلحاح على وظيفتها التقنية لا السياسية في العملية الانتخابية و التي تقتصر فقط على:
-بناء السجل الانتخابي و تحيينه
– تسهيل عملية تسجيل المواطنين بأنفسهم على القوائم الانتخابية
– تسهيل عملية ترشيح الأحزاب أو الأفراد
-توفير الشروط المادية و البشرية لإنجاح الانتخابات
-2- الصحافة و الانتخابات
لان تكون الانتخابات ديمقراطية يجب أن تكون تعددية إعلامية مكرسة لحرية التفكير و التعبير عن قناعة بوجود صحافة عمومية أو خاصة وتسمح بخلق حوارات و نقاشات تنضح الخيارات للإنتقاء بصفة عقلانية من طرف الناخبين … مع شرط توفير الصحافة العمومية لوقت متساوي لكل الأحزاب من الوصول للناخبين دونما احتكار من طرف الحزب الحاكم .
3-الهيكلة القانونية للانتخابات
يجب على قانون الانتخابات أن يضع بوضوح الأطر الإجرائية اللازمة للتعبير بصفة حرة و نزيهة و تعددية و منتظمة عن الإرادة المواطنية في تحديد الهيكلة البشرية و الحزبية لنظام الحكم و ذلك من خلال توضيح ما يلي:
1-من له حق الترشح أو التصويت و على أي أساس يتم التأهيل الانتخابي للمواطنين (الناخبين) و المرشحين
2-كيف تقسم الدوائر الانتخابية و حسب أي معيار (جغرافية و ديمقراطية و ثقافية و عرقية و طائفية و دينية و إقتصادية أو سياسية )
3-تحديد طبيعة النمط الانتخابي (النسبي أو التعددي أو بالأغلبية البديل ) مع تبرير الدوافع للتأسيس القانوني و المواطني لهذا النمط بحكم انه يحدد في النهاية ليس فقط طبيعة توزيع السلطات و لكن أيضا مدى ديمقراطية الانتخابات و النظام السياسي ككل.
من هنا يظهر أن الهندسة الانتخابية هي أحد الأبعاد العملياتية للهندسة السياسية و التي تقوم على تفعيل مشاركاتي لحقوق الإنسان حسب المنظور العملي المكرس في مختلف الصكوك الدولية المؤسسة لنسق الحقوقي العالمي و التي أعطت أرضية فيينا (1993) بعدا إجرائيا جديدا و لكن أكثر فأكثر حسب المنطلقات الأنطولوجية للكوسموبوليتانية الجديدة .
[1] R.S. katz: “Democracy and elections”, Oxford: Oxford University Press, 1997, pp.53-77
[2] J.A. Hall: “Consolidations of Democracy” in David Held, ed.: “Prospects for democracy”, London: Polity, 1993, pp.275-82
[3] cf A.Lijphart, ed.: “Parliamentary versus presidential government”, Oxford: Clarendon House, 1992
[4] A.Reeve & A.Ware: “Electoral Systems”, London: Routledge, 1992
Pippa Noris: “Electoral Engineering: Voting rules and political behavior”, Cambridge: Cambridge University Press, 2202
[5]David Beetham: “Democracy and Human Rights”, London: Polity, 2000, pp.170_188