دراسات سياسية

اليمن 1948: أول الانقلابات باسم الدستور.. استمر لـ(26) يوم

د.محمد عبدالرحمن عريف

  تم تصنيفه على أنه أول انقلاب في اليمن، وإن جاءت التحركات تحت مسمى (ثورة الدستور)، وبقيت الحقيقة الثابتة أنه إنقلاب مسلح قاده الإمام عبد الله الوزير على المملكة المتوكلية اليمنية في 17 شباط/ فبراير 1948 لإنشاء دستور للبلاد. قتل خلاله الإمام يحيى حميد الدين ببندقية الشيخ علي بن ناصر القردعي في منطقة حزيز جنوبي صنعاء. أزيح آل حميد الدين من الحكم وتولى عبد الله الوزير السلطة كإمام دستوري.

   كانت الخطة في البداية انتظار موت الإمام يحيى موتاً طبيعياً فهو مريض مسن، ولكن في منتصف كانون الثاني/ يناير 1948 اختارت “الجمعية اليمنية الكبرى” رجلًا ليشق طريقه داخل قصر الإمام ليقوم باغتياله ونجح الرجل في دخول القصر إلا أنه قبض عليه بواسطة حرس القصر قبل أن يأخذ طريقه إلى غرفة الإمام ولكن الرجل هرب من القصر عبر السور مارًا بحي بير الغرب . أذيع في عدن بيان (الثورة) وأن عبد الله بن الوزير بويع بالإمامة خلفًا للإمام وأوفد حاكم عدن ضابط شرطه إلى سيف الإسلام إبراهيم يحيى حميد الدين لينقل إليه تعازيه الشخصية مما جعل الجميع يوقنون تمامًا بأن الإمام مات.

   بالطبع لم يعرف الانقلابيون في عدن حقيقة ما جرى في قصر الإمام في صنعاء.. فقد اعتقل “القاتل” قبل أن يقوم بمهمته في اغتيال الإمام، ولكنه –أي القاتل- استطاع الهرب فظن زملاؤه الذين رأوه يهرب أنه نجح فأذاعوا النبأ. وعمل الإمام يحيى على استدعاء ولي عهده سيف الإسلام أحمد من تعز إلى صنعاء ليقوم هو باعتقال عبد الله الوزير وغيره من المشتبه فيهم وفي تعز حيث إقامة ولي العهد أحمد، واتفقت مجموعة وهم (حسين الكيسي- الفضيل الورتلاني- زيد الموشكي- أحمد الشامي) وغيرهم على تدارك الأمر بعرض “الميثاق” (الذي ينظم طريقة الحكم وصلاحيات الإمام) عليه، ولكن ولى العهد أحمد رفض الفكرة جمله وتفصيلًا.

   لقد اكتشف ولي العهد مخطط خصومه وكان يعلم أنه المستهدف الأول والخطير من قبل المنافسين له على السلطة والخائفين منه، وأولئك الذين لا يرونه أهلاً للقيام بالإمامة على شرط المذهب الزيدي، ومن قبل “الأحرار” والمعارضين في عدن كان عليه أن يدبر أمر النجاة بنفسه من أية محاولة أو ترتيب لاغتياله –وفي الوقت نفسه يعمل على سحب أكثر عدد ممكن من “الجيش النظامي” بتعز، حتى لا يطارده أحد حين يغادرها، ومن جهة أخرى- كان عليه أن يؤمن سفره وهو في طريقه إلى “حجة” -مركز الزيدية الحصين- بإيهام كل من في تعز وصنعاء أنه متجه إليها. ثم كان عليه بعد كل ذلك أن يكسب موقف الملك عبد العزيز آل سعود، بأن يظل على الأقل محايدًا لأنه كان يظن -إن لم يكن متأكدًا- أن الملك عبد العزيز يقدر عبد الله الوزير، وابن عمه على ابن عبد الله الوزير، ويفضلهما عليه، ويخاف من اعترافه بالوزير، إذا ادعى الإمامة، ومن تأييده له ووقوفه بجانبه إذا تنازعا.

   شعر الانقلابيون اليمنيون بأن الإمام يحيى حميد الدين في طريقه لاكتشاف شخصياتهم بعد أن كشفت ترتيباتهم بعد أن شفي من مرضة، وبالتالى سيضرب ضربته ضدهم، فقرروا اغتياله، وجاء وقت التنفيذ في يوم الثلاثاء 7 ربيع الثاني 1367هـ الموافق 17 شباط/ فبراير 1948 وقد أعد علي السنيدار ومحمد الكبوس سيارة، عليها خمسة أشخاص مسلحون يسوقها أحمد ريحان، واعترضت موكب الإمام يحيى عند قرية حزيز، التي تبعد عن صنعاء بعشرة كيلو مترات، فانطلقت رصاصات من مدفع رشاش استقر خمسون منها في جسد الإمام، فمات في الحال، وقتل معه رئيس وزرائه، القاضي عبد الله العمرى وخادمه، وقتل ولداه الحسين ومحسن عندما أرادا مقاومة الثوار المتجهين إلى القصر الملكى، كما قتل حفيد الإمام واعتقل ثلاثة من أبنائه، وهم القاسم وعلى وإسماعيل.

   أبلغ زعماء القبائل والمحافظون في أنحاء اليمن بأن الإمام توفى بالسكتة القلبية ولكن خبر موته الدموي انتشر بين الناس ووصل إلى القرى مثيرًا الشكوك تجاه الحكم الجديد. وكان ممن شارك في تدبير عملية الاغتيال جمال جميل مدير الأمن العام في اليمن. وهو ضابط عراقي. وفي صنعاء بويع عبد الله الوزير (الذي كان قائدًا عامًا لجيوش الإمام يحيى ومحافظ الحديدة) أميرا للمؤمنين وإمامًا للمسلمين، يوم 17 شباط/ فبراير 1948 وأصدرت الحكومة الجديدة بلاغًا عامًا باسم مدير الدعاية يصف فيه سير الأحداث التي جرت خلال الأيام التي سيطرت الحكومة الجديدة فيها على الوضع العام حيث جاء فيه: ثورة الدستور في الساعة السابعة من يوم الثلاثاء الموافق 8 ربيع الآخر سنة 1267هـ الساعة الأولى من 17 فبراير 1948 مات الإمام يحيى حميد الدين وفي صبيحة يوم الأربعاء الساعة واحدة عربي أي: “الساعة السابعة صباحا” تجهزت الجماهير من علماء صنعاء وسادتها وخطبائها وشعرائها وتجارها وباعتها وأجمعوا أمرهم وفي مقدمتهم حكام الاستئناف على تنصيب إمام جديد يكفل لها الخير الشامل والبركة فقر قرارهم بعد تبادل المشورة على اختيار السيد عبد الله بن أحمد الوزير، أيده الله فبلغ اختيارهم له فخرج من داره واتجه نحو قصر غمدان حيث عقدت له البيعة فقدموا صورة لقيام نظام سائد وسكينة ووقار وحطوا أيديهم في يده وبايعوه إمامًا شرعيًا شورويًا دستوريًا.. بعد تقدمهم وعقد بيعتهم تقدم أمير الجيش اليمني وكتبته فبايعوه كما بايعه الذين من قبلهم ثم دخل على أثرهم مشايخ قبائل ضواحي صنعاء ورؤساء عشائرهم فبايعوه على ذلك.

   ألفت الحكومة اليمنية الجديدة من مجلس الشورى يتألف من ستين عالمًا وفقيهًا من نخبة الأمة اليمنية. وقرر مجلس وزراء حكومة الثورة تعيين الفضيل الورتلانى (مهندس الثورة) أول مستشار عام للدولة، وطلب من الشيخ حسن البنا والفريق عزيز المصري، أن يكونا من المستشارين العموميين للحكومة، وأعلنت إذاعة صنعاء أن الإمام تفضل وعين أحد المصريين مصطفى الشكعة مديرًا للإذاعة اليمنية وباقى زملائه مذيعين، لتعمل الإذاعة أربع ساعات يومياً.

محاولات الانقلاب كسب التأييد والاعتراف الدولي

   جاءت محاولات نحو كسب الإعتراف الدولي في 11 آزار/ مارس 1948، حيث أرسل عبد الله الوزير برقيات إلى ملوك ورؤساء الدول العربية، وسفراء بريطانيا وفرنسا وروسيا وأمريكا في مصر، تحذر من أن صنعاء في خطر عظيم، مما أسماهم بالقبائل المتوحشة، وطلبت حكومته من جامعة الدول العربية الاعتراف بها، فأرسل عبد الرحمن عزام أمين عام الجامعة لجنة تمهيدية إلى صنعاء، للقيام بالتحريات عن أحوالها ومعرفة طبيعة ما يجرى في البلاد، وتولى رئاسة اللجنة عبدالمنعم مصطفى، والدبلوماسى الدكتور حسن إسماعيل، وخرجت طائرة مصرية حربية تقل وفد الجامعة، وكان يقود الطائرة عبد اللطيف البغدادى عضو انقلاب تموز/ يوليو في مصر فيما بعد، واستقرت البعثة في صنعاء أسبوعين، وطلب الدكتور حسن إسماعيل من الطيار عبد اللطيف البغدادى، إلقاء منشورات في تعز والحديدة وغيرهما من مدن اليمن، لتأييدهم، ودعوة اليمنيين إلى الهدوء.

  دخلت بريطانيا على الخط، فطلب الأمير إبراهيم من حاكم عدن “ريحنالد شامبيون” طائرة تابعة للسلاح الجوي الملكي البريطاني تقله إلى صنعاء. وطلب عبد الله الوزير من حاكم عدن المساعدة. وكان الحاكم يعرف مساوئ حكم الإمام يحيى حميد الدين ويميل لتأييدهم. ولكنه ترد في الاستجابة لهذه الخطوة فهي تعني الاعتراف بالنظام الانقلابي الجديد في اليمن وبعث إلى لندن يطلب رأيها. بحثت وزارة الخارجية البريطانية الموقف من جميع نواحيه وأعدت مذكرة جاء فيها: “الشواهد لدينا غير كافية لنحدد ما إذا كان الحكم الجديد قد استقر كما يدعى. ولكن اثنين من أبناء الإمام السابق –وهما سيف الإسلام أحمد وسيف الإسلام الحسن- ما زالا طليقين وقد يحاولان القيام بتمرد مضاد. وإذا كان عبد الله الوزير قد جاء ليبقى فهناك ميزات واضحة في تبني موقف ودي تجاهه في الحال. وأية مساعدة تقدمها بريطانيا له ستترك انطباعًا هائلًا.. أما الحياد الفاتر فلن يكون لصالح بريطانيا فيما بعد. وإذا كان على بريطانيا مساعدتهم الآن والاعتراف بها فورًا فعلينا أن نضرب الحديد وهو ساخن. ونطلب السماح بتمثيل دبلوماسي بريطاني في صنعاء ورسم الحدود بين اليمن ومحمية عدن على أساس معاهدة صنعاء 1934. وإذا أيدنا من البداية نظام الحكم الجديد فستكون أمامنا فرصة أفضل لضمان موافقة يمنية على هذين الاقتراحين، ومن ناحية أخرى إذا ألزمنا أنفسنا بالاعتراف بنظام حكم سوف ينهار فإننا بطبيعة الحال –سنكون في موقف أسوأ.

  لقد وجدت الحكومة البريطانية “أن الأوضاع لم تستقر تماما”. وطلبت من حاكم عدن أن يرفض طلب الأمير إبراهيم بإعطائه طائرة وأن يتحسس -الحاكم- خطواته ببطىء، وكان القرار البريطاني يعني الانتهازية.. والانتظار حتى تستقر الأوضاع، ولكن الأمير إبراهيم لم ينتظر بل قام وزملاؤه بالسفر إلى صنعاء بطريق البر. وبذلك اكتمل مجلسهم، وفي الحال اتخذ قرار بتعيين سيف الحق إبراهيم رئيسًا للوزراء وعلى الوزير رئيسًا لمجلس الشورى، ورفض سيف الإسلام عبد الله -شقيق الإمام أحمد- الاعتراف بعبد الله الوزير إمامًا.

موقف جامعة الدول العربية

   هنا كانت معظم دول الجامعة العربية السبعة نظماً ملكية وهي (مصر والسعودية والعراق واليمن والأردن)، بينما كانت كل من (سوريا ولبنان) ذات نظام جمهوري، ولذلك كانت سوريا ولبنان أكثر ميلاً وتعاطفاً مع الثورة على عكس باقي دول الجامعة العربية التي اتخذت موقفًا عدائيًا من الأحداث، وكانت الأردن الأصرح في عدائها للوضع الجديد، والأسرع للأعتراف بأحمد ملكاً لليمن، كما كانت السعودية أكثر عداءً، وساهمت على نحو إيجابي في مساعدة أحمد سواء بالمساعدة المادية العسكرية، أو عن طريق التأثير في وفد الجامعة العربية، وعرقلته عن الوصول لليمن، وإن كانت قد اتخذت في الظاهر الموقف التي اتفقت عليه دول الجامعة العربية، وهو الوقوف علي الحياد، حتى يسافر وفد الجامعة العربية لليمن ويحقق بنفسه الوضع على الطبيعة.

  هنا من المهم التوقف عند ما ذكره حسين حسني سكرتير الملك فاروق وعضو وفد الجامعة العربية إلى اليمن عن هذا الوفد ومهمته، حيث تعتبر روايته، شهادة شاهد عيان، كما تكشف شهادته الموقف الحقيقي لمصر والسعودية من الحركة، فبعد وصول أنباء الحركة وفي لقاء له مع الملك فاروق تناول أحداث اليمن، اقترح -حسب روايته- أن تتولى الجامعة العربية تشكيل وفد يمثلها للذهاب إلى اليمن لاستطلاع الحالة هناك عن كثب ومعرفة حقيقة الأمور، واتخاذ قرار جماعي للاعتراف بالسلطة التي ارتضتها أغلبية الشعب هناك، وأن هذا الاقتراح يتفادي أي خلاف بين الدول العربية، إذا انفردت كل دولة بالعمل بمفردها، ويضيف أنه أقترح أن يكون السفر على إحدى بواخر خفر السواحل المصرية، حتى يمكن إيواء الأمير أحمد وأفراد أسرة الإمام إذا تبين أنهم مشردون يبحثون عن مأوى، كما ذكرت الأخبار في ذلك الوقت، كما أن السفينة يمكن اتخاذها قصراً أو مركزاً لوفد الجامعة أثناء مقامه في اليمن إذا اقتضت الأحوال لذلك يجب التريث في الاعتراف بالنظام الجديد، وقد وافق الملك على اقتراحاته، وكلفه بتمثيل مصر في وفد الجامعة، والاتصال بعزام باشا لتشكيل وفد الجامعة، وتم إعداد الباخرة فاروق للقيام بمهمة نقل الوفد إلى اليمن.

   يوضح حديث حسين حسني مع الملك فاروق أنه صاحب فكرة إرسال وفد الجامعة العربية لليمن وهو القرار الذي اتخذته اللجنة السياسية للجامعة العربية، كما يتضح تعاطفه مع سيف الإسلام أحمد -بالرغم من أنه زار اليمن عام 1929 كما تم الإشارة إلى ذلك، ويعلم سوء الأوضاع به- كما أنه وراء عدم المبادرة للاعتراف بالنظام الجديد، ومن الملاحظ أنه لم يذكر أي شيء على لسان الملك فاروق يوضح موقفه بصراحة، فكل الحديث على لسانه مع إقرار الملك فاروق لآرائه واقتراحاته، والتي كانت تتلاءم بطبيعة الحال مع مصلحة الملك فاروق الشخصية، فقد كان من الصعب على نظام ملكي تقبل اغتيال أحد الملوك بهذه الصورة، وهو الأمر الذي يمكن أن يكون نموذجاً يحتذى به ضد النظم الملكية الأخرى.

  غادرت بعثة جامعة الدول العربية صباح يوم 28 شباط/ فبراير 1948 مدينة السويس برأسه عبد الرحمن عزام باشا الأمين العام للجامعة العربية وأعضاؤه الشيخ يوسف ياسين نائب وزير الخارجية السعودي ومظهر أرسلان باشا عن سوريا وعبد الجليل الراوي عن العراق وتقى الدين الصلح عن لبنان ومدحت جمعه عن الأردن. واستقلوا الطرادة “فاروق” متجهين إلي جدة لمقابلة الملك عبد العزيز آل سعود، والأمير فيصل وزير الخارجية على أن يغادر جدة إلى الحديدة ميناء اليمن الأول، وقد أخذ الوفد معه سيارتي جيب لاستخدامها في التجول في المناطق اليمنية وكذلك آلة لاسلكية للاتصال بالطرادة فاروق، وكذلك كان هناك طائرة مصرية تحت تصرف الوفد لسرعة الاتصال والتنقل إذا اقتضى الأمر. ووصل الوفد إلى جدة. ثم سافر إلى الرياض بدعوة من الملك عبد العزيز للقائه بعد وصول الوفد إلى جدة، تأخر رحيله منها إلى اليمن، قابلوا الأمير فيصل الذي أطلعهم على آخر البرقيات الواردة من اليمن، والتي كانت تؤكد ازدياد موقف حكومة ابن الوزير سوءاً، وأن أحمد كان يزداد قوة، حتى بات ينتظر دخوله صنعاء بين لحظة وأخرى، وأن أحمد يرجو من وفد الجامعة العربية تأجيل موعد السفر إليها قليلاً، وإزاء هذه الأخبار تبين للوفد أنه لم يعد هناك ما يدعو للتعجل بالسفر إلى اليمن،

  لقد اقترح عليهم الأمير فيصل أداء العمرة، على أن يتوجه الوفد بعد ذلك إلى الرياض تلبية لدعوة الملك عبد العزيز لزيارته يوم 4 آزار/ مارس والتي هدفت إلى منح الأمير أحمد الوقت الكافي لتعزيز قواته قبل وصول بعثة الجامعة العربية إلى اليمن، وبالفعل توجه الوفد إلى الرياض، لمقابلة الملك عبد العزيز، وظل الوفد بالرياض حتى سقطت صنعاء في يد قوات سيف الإسلام أحمد. وهكذا لم يؤد وفد جامعة الدول العربية أي دور يذكر حتى سقطت صنعاء، وتم استباحتها من جانب القبائل، وهي النتيجة التي عملت لها معظم دول الجامعة، وتحديداً مصر والسعودية والعراق والأردن، وهو ما يمكن استنتاجه من مواقف هذه الدول.

   وسط ما سبق جاء انقسام البعثة تجاه الأحداث، فوقف ممثلو مصر والأردن والمملكة العربية السعودية موقفًا معارضًا لـ(الثورة) بينما أبدى ممثلا لبنان وسوريا تعاطفًا معها. وقال رياض الصلح رئيس وزراء لبنان في 26 شباط/ فبراير 1948 أنه رأى الإمام عبد الله الوزير إمام اليمن الجديد مرة في موسم الحج فأعجب برجولته وحبه للإصلاح وأن اليمن في عهده تفتح أبوابها للبعثات العربية ورجال الصحافة. واتخذت الأردن موقفًا عدائيًا من عبد الله الوزير منذ البداية، ولم تلق بالًا للموقف الذي اتخذته الدول العربية بالتزام الحياد حتى يذهب وفد الجامعة العربية إلى اليمن، ويدرس الأوضاع على الطبيعة، فقد صرح الملك عبد الله “إن الإمام الحق في اليمن هو سيف الإسلام أحمد، واغتيال المغفور له الإمام يحيى حميد الدين أمر مخيف إذ يجعل كل من يطمع في مقام أو منصب يستهين بالإقدام على مثل هذا العمل الفظيع فيهز البلاد هذا الهز العنيف”.

   كان عبد الله شقيق أحمد يشغل منصب رئيس وفد اليمن في الأمم المتحدة، وكان متواجداً بباريس لحضور دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأعلن أنه تلقى برقية من ملك شرق الأردن يعلن تأييده للأمام أحمد تأييداً مطلقاً باعتباره الوارث الشرعي لمملكة اليمن. كما أرسل الملك عبد الله رسالة إلى عزام باشا طالب فيها بتطبيق الآية القرآنية: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الحجرات:9). وأن الباغي هو أبن الوزير، والمبغي عليه هو يحيى، وحذر من أن عدم تطبيق ذلك، سيفتح باب الفتنة على دول الجامعة العربية، بحيث يتمكن أهل الأغراض من الوثوب على حكوماتهم بدعوى الإصلاح، وأوضح أنه تلقي كتاب من الأدارسة يطالبون بحقهم في الإمارة الإدريسية التي اغتصبتها اليمن والسعودية، ويرجون منه تعضيدهم في الجامعة، وأوضح أن هذا الأمر سوف يفتح الباب أما الكثير من المطالب، وأعرب عن اعتقاده أنه -أي عزام- قد وجد في الرياض هذه الحقائق، وأن في حكمة الملك عبد العزيز، وتجاربه السابقة، ما يجعله يسلك خير السبل.

  أما العراق فقد كان الموقف لا يقل عداءً عن الأردن، وإن كانت أعلنت أنها لن تعترف بحكومة عبد الله الوزير إلى أن يعود وفد جامعة الدول العربية من اليمن، ويقدم تقرير للجامعة عن الحالة هناك، وقد أعلن عبد الإله الوصي على عرش العراق الحداد العام على الإمام يحيى في جميع أنحاء البلاد لمدة 10 أيام، وتنكيس الأعلام على دور الحكومة، وقد نشرت الأهرام أن الدوائر السياسية في بغداد تتوقع أن تقاطع الدول العربية عبد الله الوزير، لأنها ترتاب أن يكون ضالعًا في مؤامرة اغتيال يحيى وأنه يجب أن يتولى العرش سيف الإسلام أحمد بصفته ولي العهد.

  أما السعودية فقد تبين أن أحمد قد سارع بإرسال رسالة إلى الملك عبد العزيز عقب اغتيال والده، وأن الملك أمده بالمال والذخيرة ووعده بالمساعدة، كما ذكر الشماحي، فموقف الملك عبد العزيز خلال المحاولة التي قامت بها منظمة هيئة النضال للاتصال به، وكسب تأييده للثورة. ولعل البرقية التي بعث بها القائم بأعمال المفوضية الأمريكية في جدة ريفز شايلدز تصور على نحو دقيق موقف السعودية، كما توضح الحديث عن المساعدات التي قدمتها السعودية لأحمد. فقد أوضح ريفز أن الملك عبد العزيز كان من الممكن أن يميل لتأييد الوزير لولا وسائل العنف التي وصل بها إلى الحكم، كما أن تأييد حاكم وصل إلى السلطة بوسائل عنيفة، وتخطي الأمير أحمد يمكن أن يصبح سابقة ودافعاً لإثارة بعض المجموعات أو الفئات أو حتى بعض أفراد الأسرة السعودية الساخطين، كما أن أحمد أقل استعداداً لإدخال إصلاحات دستورية يمكن أن تؤدي للمطالبة بمثلها في السعودية. ويذكر أن الملك استطاع إرسال مبعوثين إلى اليمن فوراً لجمع التأييد لأحمد وتدعيم المقاومة ضد عبد الله الوزير، مستغلاً نفوذه الكبير على سكان اليمن غير الشيعيين، كما أن هناك تلميحات بأن توزيع كمية صغيرة من النقود علي الشخصيات الهامة باليمن، الموجودة في موقع السلطة يمكن أن تؤثر بدورها على عدد كبير من السكان، بالرغم من حرص ريفز على التأكيد أن مصادره تستطيع تقديم أي دليل إيجابي على هذه المساعدة. وقد أوضح الملك عبد العزيز موقفه بوضوح لأعضاء وفد جامعة الدول العربية أثناء استقباله لهم في الرياض، حيث أعرب أمام جميع الحاضرين عن شدة أسفه وتأثره لما لقيه الإمام يحيى من نهاية بشعة بعد طول جهاد في سبيل حفظ كيان بلاده، والدفاع عنها، واستنكر جرأة من اقترفوا الجريمة على طلب النجدة والمعونة، باسم الحفاظ على الأمن وحماية الأرواح من عدوان اللصوص، وهم الذي سفكوا الدماء، “ولكن عين الله لا تغفل ولسوف تدور عليهم الدوائر من قريب، كما تشير إلى ذلك كل الأخبار الواردة إلى اليمن”.

   أما مصر فقد أعلنت الحياد بصفة رسمية، وصرح وزير الخارجية بأن مجلس الوزراء ناقش الحالة في اليمن، وأن الرأي استقر على أن تقف الحكومة المصرية موقف الحياد مع بذل مساعيها للتوفيق بقدر المستطاع. ولكن بالتأكيد كان موقف فاروق مطابقاً لملوك العرب الآخرين، ولعل ما سبق ذكره عما دار بين حسين حسني والملك فاروق عن أحداث اليمن، والذهاب لليمن عن طريق البحر بدلاً من الطائرة ما يوضح موقف الملك المؤيد لأحمد، وهو الأمر الذي يتضح جلياً من حديث حسين حسني عن أحداث اليمن، وتأييده لأحمد، بل إن تعيين حسين حسني نفسه كممثل لمصر يوضح موقف الملك فاروق، واهتمامه بالأحداث في اليمن. ويذكر حسين حسني أنه بعد إبحار الطرادة “فاروق” جرت مناقشة بينه وبين عزام باشا بحضور أعضاء الوفد، تناولت الخطة الواجب القيام بها للاتصال بطرفي النزاع، حيث يوجد عبد الله الوزير في صنعاء، بينما أحمد مجهول المكان، وكان رأي عزام أنه من الأفضل التوجه رأساً إلى صنعاء، والتفكير بعدها فيما يمكن عمله للاتصال بالأمير أحمد، وهنا أبدي حسين حسني خشيته من أن تتخذ حكومة الانقلاب من هذا التصرف سبباً للإدعاء بأن الجامعة العربية قد اعترفت بها، وهو الأمر الذي يسئ إلى الأمير أحمد وأنصاره لما ينطوي عليه ذلك من تجاهل لمركزه الشرعي كولي للعهد.

بدايات نهاية الانقلاب والانقلابيين بعد (26 يوم)

   لقد عجز عبد الله الوزير عن تدبير المال لدفع رواتب الجيش المتأخرة وتأمين ولاء القبائل بالمنح. وتصل القبائل إلى صنعاء لمبايعة عبد الله الوزير ويبقى جانب من رجالها في صنعاء لنهب وسلب الحي اليهودي ومحلات المسلمين التجارية. ونشر سيف الإسلام أحمد الشائعات بأنه محاصر في حجة على مسافة خمسين ميلًا من صنعاء وأن القبائل ترفض الانضمام إليه، وأعلن الأمير أحمد أن نظامه الجديد يحظى بمساندة السلطات البريطانية وناشد الأمير –في حجة- القبائل أن تهب ضد الملك الذي عينه البريطانيون، وأطلق شائعات بأن الطائرات البريطانية حلقت فوق صنعاء بعد يوم من الاغتيال، وأنها أسقطت منشورات، قوبلت هذه الأنباء بالتصديق من سكان اليمن فإن رئيس الوزراء القتيل كان أكثر المسئولين تمتعًا بحب الناس وقبيلته تعتبر أقوى القبائل في شمال اليمن.

  نعم نجح أحمد في تدعيم موقفه، وإضعاف مركز عبد الله الوزير الروحي، بفعل دعايته بين القبائل عن الثأر لوالده، واستعانة عبد الله بالأجانب، فضلاً عن إباحته صنعاء للقبائل اليمنية، وحاولت قيادة الانقلاب التحرك عسكرياً لمواجهة أحمد في معقله بحجة، فتم في بداية الأسبوع الثاني من الانقلاب، إرسال حملتين عسكريتين الأولي بقيادة محمد بن علي الوزير لقيادة حملة عمران حجة والثانية بقيادة محمد بن محمد الوزير لقيادة حملة شبام حجة، وبالرغم من خطورة النتائج المترتبة على نجاح أو فشل هاتين الحملتين بالنسبة إلى الانقلاب، إلا أن الإعداد لهم قد إتسم بالارتجالية، وسوء التخطيط، فقد ذهبت الحملتان على السيارات دون أن يكون لهما طلائع أو مؤخرة، تحمى الحملتين من أي هجوم مباغت، وتؤمن الاتصال بصنعاء. ففي الحملة الأولي على عمران بقيادة محمد بن علي الوزير، فإنه واجهة خضم هائل من القبائل المتهيئة للانقضاض عليه، وقرر الانسحاب قرب صنعاء حتى تصل إليه الإمدادات، إلا أن القبائل لم تدع له الفرصة فالتفت حوله القبائل وسيطرت على المرتفعات، وحالت بينة وبين الانسحاب، ولم ينقذ الحملة من مصيرها المحتوم إلا شجاعة محمد بن علي الوزير، الذي استطاع الانسحاب، والعودة إلى صنعاء. أما الحملة الثانية على مدينة شبام حجة بقيادة محمد بن محمد الوزير فقد كان مصيرها أسوأ من حملة عمران، فقد استطاع دخول مدينة شبام دون أن يحتل كوكبان والمرتفعات المشرفة على شبام، فأطبقت جيوش أحمد الذي كان يقودها على بن حمود عليه من كل جانب، واستسلم محمد بن محمد الوزير، والقي القبض عليه، وسيق مع عسكره إلى حجة، ولم يثبت من حملة شبام إلا الشيخ عبد الله أبو لحوم الذي قاتل ببسالة برغم موقفة الحرج وفي النهاية استسلم لقوات أحمد بعد أن حصل على العفو والأمان، وأن يذهبوا لأحمد مسلمين ومبايعين له بالإمامة لا كأسرى.

   هكذا انتهى التحرك العسكري لمواجهة أحمد بالفشل الذريع، وازداد مركز أحمد قوة وأصبح الحاكم الحقيقي على قبائل الشمال والشرق والغرب الشمالي، وأخذت القبائل تتصل بأحمد ويتقربون إليه وتنفض من حول عبد الله الوزير، بحيث أصبحت صنعاء في نهاية الأسبوع الثاني للانقلاب في موقف تكاد فيه أن تقطع صلتها بالقسم الجنوبي والغربي، بينما تزحف القبائل من الشمال. لقد وقعت قيادة الانقلاب في خطأ التركيز على حشد قواتها، ودفعها إلى ضواحي حجة للهجوم على مقر قيادة أحمد، دون أن تعطي أي اهتمام ببقية المناطق مما أدى إلى ضياع الفرصة من يد الانقلابيين في الدفاع عن انقلابهم.

  شكل سقوط صنعاء نهاية الانقلاب، ففي يوم 13/3/1948 جاءت ساعة النهاية، وسقطت صنعاء في أيدي قوات القبائل حيث أذاع راديو صنعاء أن القوات الموالية لسيف الإسلام أحمد دخلت العاصمة صباح اليوم حوالي الساعة التاسعة صباحاً. وكان سقوط صنعاء هي النهاية الحتمية المتوقعة على ضوء تطورات الأحداث، فقد فشلت كل محاولات الحكومة اليمنية لإنقاذ الموقف سواء علي الصعيد الدبلوماسي، أو على صعيد الوضع العسكري، وكذلك فشلت آخر محاولة قامت للصلح بين ابن الوزير وأحمد.

  كانت نقطة النهاية هي نفسها نقطة البداية، حيث مقر غمدان الذي كان استيلاء عبد الله الوزير عليه في بداية الانقلاب، هي نقطة البداية لانتصارها، وكذلك جاءت نقطة النهاية للانقلاب من مقر غمدان حيث حدثت المؤامرة للقضاء علي  الانقلاب، وكان أولاد الإمام يحيى قد أودعوا في مكان بقصر غمدان بالقرب من مقر عبد الله الوزير الذي تسامح معهم، ورفع عنهم الرقابة، وقد استطاعوا الاتصال ببعض الموالين لهم في القصر وفي صنعاء، كما اتصلوا بالأمير أحمد، وتم تنفيذ الانقلاب علي عبد الله الوزير داخل القصر ووقع القصر تحت سيطرة أولاد يحيى، بعد أن قطعوا خط التليفون بين قصر غمدان ومقر جمال جميل، وأطلقت المدفعية من جربة المدافع -وهو مكان استراتيجي كان يوجد في قصر السلاح- على مقر عبد الله الوزير، الذي استسلم مع رفاقه، وتم إشعال النيران من قصر غمدان إشارة للنجاح في التغلب على عبد الله الوزير، وكانت هذه الإشارة إشارة البدء حيث أشعلت النيران من على سطوح أتباع أحمد في صنعاء، وصاحبها إطلاق النيران، والهتافات العالية بدخول الإمام أحمد إلى قصر غمدان والقبض على عبد الله الوزير،

  لقد أدى خبر القبض على عبد الله الوزير، وإشاعة دخول أحمد قصر غمدان إلى استيلاء الرعب على من تبقى من الحاميات الموالية للانقلاب على الأبواب والأسوار، مما جعلهم يتسابقون في إعلان ولائهم لأحمد، واندفعت القبائل داخل صنعاء تمارس السلب والنهب وتهاجم البيوت والمحلات، ولم يستطع إلا القليل من رجالهم النجاة، وتم القبض على قياداتهم، وعلى رأسهم عبد الله الوزير وجمال جميل والكبسي، وجري اعتقال ما يقرب من ألف شخص من الضباط والعلماء والأدباء والمثقفين والتجار والمشايخ وطلاب الكلية الحربية بالإضافة إلى بعض الفدائيين الذين قدموا من عدن لمناصرتهم. أما صنعاء فقد وكل أحمد أمرها إلى إخوته الحسن والعباس وعلي وإسماعيل، حيث تم السماح للقبائل بنهب وسلب العاصمة مكافأة لهم على موقفهم من أحمد، ومناصرتهم له، وعلى مرأى من هؤلاء الأمراء نهبت أسواق صنعاء، والكثير من البيوت والمساكن، وروعت النساء والأطفال، وبعد أسبوع من القتل والسلب توقفت القلاقل في صنعاء بعد أن فقد خمسة آلاف شخص أو أكثر حياتهم.

   تذكر الطبيبة الألمانية، ايفاهويك والتي كانت تقيم أثناء أحداث الانقلاب في تعز، أن جنود أحمد قد عاثوا نهباً وسلباً في صنعاء، وأن بعض هؤلاء الجنود قد روي بعد وصولهم إلى تعز أن أحمد رغبة منه في اجتذاب جميع الجنود إلى صفه لمهاجمة صنعاء وعدهم بأن ينهبوا المدينة باستثناء بيوت معينة تضم بيوت الأوربيين، كما أن نهب صنعاء كان وسيلة لإنزال العقاب بالرعايا من العصاه. أما الأمير أحمد فقد دخل العاصمة في 14 آزار/ مارس، حيث بويع من جانب علماء صنعاء في 15 آزار/ مارس كإمامٍ وملكٍ لليمن، وكان قد اتخذ لنفسه أثناء الثورة لقب الناصر لدين الله، كما أنه أطلق على اليمن اسم “المملكة المتوكلية اليمنية” تخليداً لذكرى والده يحيى الذي كان يحمل لقب المتوكل على الله، وقد غادر أحمد صنعاء إلى تعز التي اتخذها عاصمة ثانية لليمن، والتي أصبحت مقراً له طوال عهده.

   سارع أحمد إلى مخاطبة وفد الجامعة العربية الذي كان قد توجه من الرياض إلى جده، ألا يكلف نفسه عناء السفر والمشقة إلى اليمن، وأن الله كفى المؤمنين القتال. وكان عزام باشا والوفد قد توجه إلى جده بعد سقوط صنعاء، ثم غادر عزام جده إلى القاهرة لمتابعة الأحداث في فلسطين، بينما استمر الوفد في جده بناء على رأي عزام في انتظار وعد أحمد بتحديد موعد ملائم لزيارة اليمن، إلا أن القضاء على الانقلاب، واستتباب الأمن جعل من الزيارة غير ذات موضوع وبذلك انتهت مهمة وفد الجامعة العربية إلى اليمن، والذي لم تطأ أقدام أعضائه أرض اليمن، وبعد أن لعب دوراً كبيراً في إجهاض الانقلاب، وتأييد أحمد في مطالبته بعرش اليمن.

  يبدو أن خطوه أحمد للحيلولة دون وصول وفد الجامعة العربية إلى اليمن -بالرغم من أنها كانت تعني الاعتراف بنظامه- كان الهدف منها تجنب أي ضغوط لإصدار عفو شامل عن الانقلابيين، وكان الاتجاه داخل اللجنة السياسية للجامعة العربية، التي عقدت في بيروت في 18 آزار/ مارس عدم الاعتراف بأحمد ملكاً لليمن إلا بعد الدخول في مفاوضات تهدف لحملة على إصدار العفو الشامل، ولكن الملك عبد الله أجهض هذه المحاولة بمسارعته بالاعتراف بالإمام الجديد حيث أرسل في 15 آزار/ مارس برقية تهنئة إلى أحمد كملك لليمن، وتبعه عبد الإله الوصي على العرش في العراق، وبذلك تم قطع الطريق على محاولة اللجنة السياسية، التي لم يعد أمامها إلا الاعتراف بالأمر الواقع، والاعتراف بأحمد ملكاً لليمن، مع إظهار رغبتها في العفو عن الانقلابيين. وأرسل عبد الرحمن عزام إلى الملك عبد العزيز برقية بقرار اللجنة السياسية، اعترافها بالإمام أحمد ملكاً لليمن، ودعوة وفدها للعودة، وناشد عزام الملك عبد العزيز أن يبذل النصيحة للإمام أحمد ليضرب مثلاً في العفو والغفران عن الخصوم، كما أرسل عزام برقية لأحمد بالاعتراف به ملكاً على اليمن وفقاً لقرار اللجنة السياسية وتوالت اعترافات الدول العربية بالنظام الجديد، وأرسل الملك فاروق برقية تهنئة للملك أحمد في 18آزار/ مارس، وكانت سوريا ولبنان آخر من أعترف بالإمام أحمد ملكاً وبدخول أحمد صنعاء، واعتراف جامعة الدول العربية به ملكاً لليمن.

   انتهت الأحداث اليمنية بالفشل بعد أن استمرت (26 يوماً) منذ مقتل الإمام يحيى في 17 شباط/ فبراير 1948 حتى سقوط صنعاء في 13 آزار/ مارس 1948، لتعود اليمن مرة أخرى إلى حكم الإمامة ولكن بطبيعة الحالة كان من الصعب إعادة حركة التاريخ إلى الوراء، فلم يكن من المتوقع أن تعود الأوضاع القديمة علي وضعها مرة أخرى بعد أحداث هذه الثورة، وبعد أن ازداد الوعي بفساد هذا النظام البالي، الذي جلب لليمن العزلة والتخلف. وتم القبض على أكثر قادة الانقلاب، وأرسلوا إلى سجن في بلده حجة، وتم إعدام 32 منهم.

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى