دراسات قانونية

الْمَسْؤُولِيَّةُ القَانُونِيَّةُ للرُّؤَسَاءِ والْقَادَةِ فِي ضَوْءِ أَحْكَامِ المَحَاكِمِ الدَّوْلِيَّةِ المُخْتَصَّةِ

Legal responsibility of chiefs and leaders in light of the provisions of competent international courts of law

دكتور عذاب العزيز الهاشمي

مؤسس ورئيس الشبكة الدبلوماسية الدولية للقانون الدولي وحقوق الإنسان  في مملكة النرويج NDLH NORWAY

عضو التحالف من أجل المحكمة الجنائية الدولية في الولايات المتحدة الأمريكية ولاهاي

Dr azab alaziz alhashimi

Founder and head of the International Diplomatic Network for International Law and Human Rights in the Kingdom of Norway NDLH NORWAY

Member of the Alliance for the International Criminal Court in the United States of America and The Hague

 

المُلَخَّصُ

يحظى موضوع مسؤولية رؤساء الدول والقادة السياسيين والعسكريين عن جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية -التي تختص بها المحكمة الجنائية الدولية- باهتمام دولي؛ نظرًا للآثار السلبية التي تمس السلم والأمن الدوليين جراء هذه الجرائم الخطيرة، ومن هنا تأتي هذه الدراسة لتُجيب على هذه المسألة؛ من خلال التعرض أولًا لدراسة طبيعة الحصانة المقررة لرؤساء الدول، والموظفين الساميين بالدولة في القانون الدولي، ثم نعرج لحالات عدم الاعتداد بهذه الصفة الرسمية، وهذه الحصانة في القانون الدولي الجنائي، ونبحث موقف النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية من خلال نص المادة (28) منه، وفي (المبحث الأول) و(المبحث الثاني) نقف أمام معالجة مسألتين تتضمن أولهما مسؤولية القادة العسكريين والأشخاص المدنيين ذوي المناصب العليا، والمسألة الثانية تتضمن مسألة أوامر الرؤساء.

 

Abstract

The topic of responsibility of heads of state and political and military leaders for war crimes, genocide and crimes against humanity – which the International Criminal Court specializes in – receives international attention, given the negative effects on international peace and security caused by these serious crimes, hence this study comes to answer this issue; Through first exposure to the study of the nature of the immunity established for heads of state, and high officials of the state in international law, then we refer to cases of irrelevance in this official capacity, and this immunity in international criminal law, and we discuss the position of the statute of the criminal court Mechanism through the text of Article (28) thereof, and (Section I) and (Section II) stand before addressing two issues first, including the responsibility of civilians and military leaders with senior positions, the second issue includes the question of superior orders.

 

المُقَدِّمَة

من أهم الالتزامات القانونية التي تنشأ عن انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الإنساني الدولي الالتزام بكفالة مُساءَلة مُرتكبي تلك الانتهاكات، ففي المبادئ الأساسية التوجيهية بشأن الحق في الانتصاف، والجبر لضحايا الانتهاكات الجسمية للقانون الدولي لحقوق الإنسان، والانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي، أقرَّت الجمعية العامة للأمم المتحدة أن الالتزام باحترام، وضمان احترام وإعمال القانون الدولي لحقوق الإنسان، وكذاك القانون الإنساني الدولي، يشمل واجب التحقيق في الانتهاكات بفعالية، وسرعة ودقة ونزاهة، وأن تُتخذ إجراءات عِنْدَ الاقتضاء وفقًا للقانون المحلي والدولي ضد مرتكبي الانتهاكات.

أَهَمِّيَّةُ الْبَحْثِ

تكمن أهمية البحث في أن قواعد القانون الدولي تسير باتجاه مبدأ عدم الاعتداء بالحصانة كسبب للإفلات من المُساءَلةِ عن الجرائم الدولية في مختلف المواثيق الدولية، فقد ذهب مجمع القانون الدولي في قراره الصادر بباريس عام 2001م، إلى أن رئيس الدولة الذي لم يعد في مهامه الرسمية، لا يتمتع بأي نوع من أنواع الحصانات الرئاسية في أي دولة من الدول الأجنبية، واستثناءً من ذلك، يتمتع الرئيس السابق بحصانات رئيس الدولة إذَا تعلقت الدعوى المرفوعة ضده بعمل من الأعمال الرسمية التي قام بها أثناء ممارسة مهامه الوظيفية، كما نَصَّ القرار على أن الرئيس السابق لا يستفيد بأي نوع من أنواع حصانات رئيس الدولة ضد التنفيذ.

هَدَفُ الْبَحْثِ

يتبلور هدف البحث في أنه لا يمكن لأي مجتمع إنساني متحضر أن يقف مكتوف الأيدي أمام ما يتعرض له الإنسان اليوم من انتهاك لحقوقه وحرياته، كذلك لا يمكن للمجتمع الدولي أن يتغاضى عن الجرائم التي تشكل تهديدًا للأمن والسلم الدوليين؛ لخطورة هذه الجرائم، وما يترتب عليها من أضرار جسيمة واحتمال إفلات مرتكبيها؛ بسبب الحصانة التي يتمتع بها أغلبهم أمام القضاء الجنائي الداخلي.

لقد حظيت الجرائم الدولية، وهي أحد أكثر الجرائم خطورة وتأثيرًا على المجتمعات البشرية، باهتمام فقهي وعالمي، خاصة عقب المآسي التي تعرضت لها الإنسانية عقب الحرب العالمية الثانية، سواء تلك التي كانت تُرتكب في النزاعات المسلحة الدولية أو غير الدولية؛ مما دعى إلى البحث في تقرير مسؤولية الأفراد عن الجرائم التي تُرتكب، وتُشكل اعتداءً على الأسس التي تقوم عليها الجماعة الدولية، فلم تعدْ المسؤولية الناشئة عن الجرائم الدولية تنحصر في علاقة الدول وحدها، بل أصبحت مسؤولية الفرد الجنائية على الصعيد الدولي -سمة العصر الحديث-، فكان لابد منها ومن عدم ترك الجناة بلا عقاب.

مُشْكِلَةُ الْبَحْثِ

تكمن مشكلة البحث في أنه يُعتبر مبدأ سيادة القانون من أهم عناصر الدولة القانونية، ويُراد به أن تخضع الدولة -حُكّامًا، ومحكومين، أفرادًا، وجماعات، وهيئات- للقانون بمعناه العام أيًّا كان مصدره، دستوريًّا أو تشريعيًّا، أو أنظمة وتعليمات.

وحتى يتحقق هذا المبدأ، يجب أن يخضع الرئيس والمرؤوس لسلطان القانون؛ مما قد يثير التساؤل حول الصراع بين مبدأ سيادة القانون وبين واجب المرؤوس في طاعة رؤسائه، عِنْدَما يتلقى أوامر رئاسية غير مشروعة، هل يُغَلِّبُ المرؤوس واجب طاعته للرئاسة، ويهدر مبدأ المشروعية، أم يُهمل واجب الطاعة ويتمسك بطاعة القانون؟

وفي سبيل الإجابة عن هذا التساؤل، نطرح هذه المشكلة من خلال البحث في خضوع الرؤساء للقانون.

مَنْهَجِيَّةُ البَحْثِ

تعتمد منهجية البحث على التحليل الوصفي المقارن بين العدالة في القانون والسلطة.

خطَّةُ الْبَحْثِ

المُتَطَلَّبُ الْأَوَّلُ: التَّجَارِبُ التَّارِيخِيَّةُ فِي تَقْرِيرِ الْمَسْؤُولِيَّةِ الْجِنَائِيَّةِ الدَّوْلِيَّةِ للفَرْدِ

المُتَطَلَّبُ الثَّانِي: الْمَحْكَمَةُ الدَّوْلِيَّةُ الْجِنَائِيَّةُ وَمَسْؤُولِيَّةُ الأفْرَادِ

المُتَطَلَّبُ الثَّالِثُ: الْحَصَانَاتُ الدَّوْلِيَّةُ وَالدَّاخِلِيَّةُ للحُكَامِ والْقَادَةِ.

 

المُتَطَلَّبُ الْأَوَّلُ

التَّجَارِبُ التَّارِيخِيَّةُ فِي تَقْرِيرِ الْمَسْؤُولِيَّةِ الْجِنَائِيَّةِ الدَّوْلِيَّةِ للفَرْدِ

     لم يتخذْ فقه القانون الدولي موقفًا واحدًا من إمكانية مُساءَلة الفرد جنائيًّا على الصعيد الدولي، فقد ظهرت اتجاهات فقهية عدة.

أولًا: ذهب هذا الاتجاه إلى أن الدولة وحدها المسؤولة عن الجرائم الدولية، على اعتبار أن المفهوم التقليدي للقانون الدولي يَعتبرُ الدولةَ الشخص الوحيد بالنسبة للقانون الدولي، وهو مذهب الدفاع في محاكمات نورمبرغ، حيث استند في بعض دفوعه إلى مسؤولية الدولة عن الجرائم المُرتكبة، ففي قضية محاكمة مجموعة من المتهمين النازيين، حين بدأت المحاكمة، صرح جميع المتهمين بأنهم غير مذنبين، وطالب الدفاع عنهم بعدم مُساءَلتهم جَزَائِيًّا، وكان مرتكز دفاعهم، هو أن القانون في الحالة الراهنة، يستند على مبدأ مقرر، وهو أن الدولة صاحبة السيادة هي وحدها المسؤلة، أما الفرد فإنه لا يمكن أن يكون مسئولًا، حسب قواعد القانون الدولي.

ثانيًا: ينادي أنصار هذا الاتجاه بالمسؤولية الجنائية المزدوجة لكل من الدولة والفرد؛ لأن الدولة والأفراد الذين يتصرفون باسمها يتحملون المسؤولية الجنائية عن مخالفات القانون الدولي، والمسؤولية الفردية في ظل القانون الدولي يمكن أن تُنشأ نتيجة لارتكاب جريمة بصورة مباشرة، أو نتيجة للتحريض على ارتكابها، أو لجرائم اقترفها أشخاص خاضعون لسلطة آمرة.

ثالثًا: ذهب هذا الاتجاه إلى القول بأن الجرائم الدولية لا يمكن أن تُرتكب إلا من قِبَلِ شخص طبيعي، وبالتالي هو المحل الوحيد للمسؤولية الجنائية، فقد كرست المعاهدات الدولية مبدأ مسؤولية الفرد أمام القانون الدولي الجنائي، ومن ذلك ما نصت عليه المادة (227) من معاهدة فرساي 1919م، التي جعلت إمبراطور ألمانيا غليوم الثاني بصفته الشخصية مسؤولًا عن الجرائم التي ارتكبتها ألمانيا لحسابها في الحرب العالمية الأولى.

وقد استند ممثل الادعاء الأمريكي في محكمة نورمبرغ إلى هذا الاتجاه، حيث قرر أن مجرد تصور ارتكاب الدولة الجرائم هو من قبيل الوهم أو الخيال، فالجرائم تُرتكب دائمًا من الأشخاص الطبيعيين فقط، بينما الصحيح أن يُستخدم هذا الوهم أو الخيال في مسؤولية دولة أو مجتمع في سبيل فرض مسؤولية مشتركة أو جماعية..، وأن أيًّا من المتهمين المحالين للمحاكمة، لا يمكنه أن يحتمي خلف أوامر رؤسائه، ولا خلف الفقه الذي يَعتبر هذه الجرائم (أعمال دولة)، ولا أن الأوامر المتلقاة كانت واضحة بعدم مشروعيتها، أو الأعمال المرتكبة عليها شنيعة ووحشية، وأن المقول بها لا يمكن أن تنشئ حتى ظرفًا مخففًا.

كما رد جانب الاتهام على هذه الدفوع، بلسان النائب العام البريطاني شو كروس في مطالعته الختامية، حين بحث مسئولية المتهمين بصورة انفرادية؛ فقال إن المبدأ -مبدأ حصر المسئولية في الدولة وعدم مسؤولية المتهمين الأفراد- لم يكن مقبولًا في القانون الدولي، وذكر أن هناك جرائم يُسأل عنها الأفراد مباشرة، بحسب هذا القانون؛ كجرائم القرصنة وكسر طوق الحصار والتجسس وجرائم الحرب.

أما بالنسبة للجرائم الواردة في نظام محكمة نورمبرغ، فقال: “لا يوجد مجال آخر يمكن التأكيد فيه من أن حقوق الدول وواجباتها هي حقوق الأفراد وواجباتهم أكثر من مجال القانون الدولي، وأن هذه الحقوق إذَا لم تُلزم الفرد، فإنها لا يمكن أن تُلزم أحدًا”، ثم رد بعد ذلك على نظرية (عمل الدولة) فقال: إن الزّعْم الذي يقول أن الذين ينفذون أعمال الدولة، هو زعْمٌ لا يجوز التفكير بقبوله في نطاق إجرام الحرب، ونحن نرى أن كل واحد من هؤلاء المتهمين مسئول شخصيًّا عن عدد كبير من هذه الجرائم، لذلك يجب استبعاد هذه النظرية؛ لأنها لم تعد تمثل إلا فائدة أكاديمية نظرية.

ولم تكتف المحكمة برفض نظرية (عمل الدولة)، بل ذهبت لأبعد من ذلك، وهو أن الالتزامات الدولية المفروضة على الأفراد، تلغِي واجباتهم في الطاعة تجاه حكوماتهم الوطنية، وذلك بموجب وكالة عن دولته، ما دامت الدولة التي أوكلت إليه القيام بهذا العمل تجاوزت السلطات التي يخولها القانون الدولي لها.

كما نصت المادتان (8،6) من لائحة محكمة نورمبرغ، والمادتين (7،5) من لائحة محكمة طوكيو على أن الأفراد هم المسؤولون عن الأفعال الإجرامية المنصوص عليها في هاتين الاتفاقيتين.

وقد ورد في أحكام محكمة نورمبرغ أن” الأشخاص الطبيعيين وحدهم الذين يرتكبون الجرائم، وليست الكائنات النظرية المجردة، كما لا يمكن كفالة تنفيذ احترام نصوص القانون الدولي إلا بعقاب الأفراد الطبيعيين المرتكبين لهذه الجرائم”، ويبدو أن الاتجاه الأخير هو الاتجاه السائد في الوقت الحاضر، فلم يعدْ للمجتمع الدولي الحق في غَضِّ الطرفِ عن الجرائمِ التي تُشكل تهديدًا لأهم الأسس والركائز التي يقوم ويؤسس بنيانه عليها، فليست الدولة وحدها هي التي تتحمل الواجبات بمقتضى القانون الدولي، فالأفراد بدورهم أيضًا، طالما خضعوا للمسؤولية المباشرة عن الجرائم الدولية المتمثلة في القرصنة والعبودية، على الرغم من أن مسؤوليتهم عنها لم تثبت في غياب آليات للمسائلة الدولية بموجب النظم القانونية الوطنية.

ورغم الانتقادات الموجهة إلى أحكام محكمة نورمبرغ إلا أن قضاءها رفض هذه الانتقادات، وأكدت اتجاهها في رفض دفوع بعض المتهمين بأن الجرائم المنسوبة إليهم كاتبيًّا باسم الدولة التي ينتمون إليها ولم ترتكب باسمهم، لذلك فمسؤولية الدولة جنائيًّا مقدمة عليهم.

وفي ذلك قالت: “لقد قِيل أو أُكد أن القانون الدولي يهتم فقط بأعمال الدول ذات السيادة؛ وبالنتيجة فإنه لا يفرض عقوبات على الأفراد، بالإضافة إلى ذلك، عِنْدَما يكون ذلك العمل من أعمال السيادة، فإن أولئك الذين يتولون تنفيذه لا يمكن مساءلتهم، وذلك لاحتمائهم تحت نظرية سيادة الدولة”، لكن تلك المقولتين في نظر القانون الدولي التزامات بمسؤوليات على عاتق الأفراد، كما هي مفروضة على الدول.

ومنذ ذلك الوقت، اعترف القانون الدولي بمسؤولية الفرد عن الأفعال التي يرتكبها، وتهدد المصالح العالمية الشاملة، وتُعرّض المجتمع الدولي للخطر، فأصبحت المسؤولية الجنائية للفرد عن الجريمة الدولية مستقرة، كما تعد مبدأ من مبادئ القانون الدولي المعاصر.

وقد أكدت العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية هذا المبدأ، ومن ذلك ما ورد في المادة (29) من اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949م، والتي نصت على أن: “طرف النزاع الذي يكون تحت سلطته أشخاص محميون مسؤول عن المعاملة التي يلاقونها من ممثليه، بغض النظر عن المسؤولية الشخصية التي من الممكن أن يتعرض لها”.

وقد بلغ تطور قواعد المسؤولية الجنائية الفردية في نطاق القانون الدولي الجنائي في العقد الأخير من القرن العشرين حدًا كبيرًا؛ نتيجة الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وما نجم عنه من ارتكاب جرائم إبادة وضد الإنسانية، وجرائم الحرب في كلٍ من يوغسلافيا ورواندا، فكانت هناك ضرورة ملحة لتأكيد هذا المبدأ والعمل به، وبالفعل نُص عليه في النظام الأساسي للمحكمة الدولية الجنائية ليوغسلافيا عام 1993م، والمحكمة الدولية لرواندا عام 1994م، حيث أكد النظام الأساسي للمحكمتين المسؤولية الجنائية الفردية للأشخاص الطبيعيين.

  

المُتَطَلَّبُ الثَّانِي

الْمَحْكَمَةُ الدَّوْلِيَّةُ الْجِنَائِيَّةُ وَمَسْؤُولِيَّةُ الأفْرَادِ

     أجمع فقهاء القانون الدولي الجنائي على أهمية وجود محكمة دولية جنائية دائمة؛ لأنها ستقي المجتمع الدولي من أنواع جسيمة من السلوك؛ ولأن الدول مع وجود تلك المحكمة لابد وأن تقدّر عواقب هذا السلوك قبل الإقدام عليه، كما ستردع كل من تسول له نفسه ارتكاب الجرائم الخطيرة المؤثمة في القانون الدولي الجنائي، بالإضافة إلى أنها ستدفع السلطات القضائية الوطنية إلى ملاحقة المسؤولين عن تلك الجرائم، باعتبار أن هذه السلطات هي المسؤول الأول عن مقاضاة هؤلاء الأشخاص، وكذلك ستكون المحكمة خطوة كبرى نحو إنهاء ظاهرة الإفلات من العقاب.

وقد مرت جهود المجتمع الدولي في إنشاء محكمة دولية جنائية بمراحل متعددة حتى حين إقرار النظام الأساسي للمحكمة الدولية الجنائية في مؤتمر روما عام 1998م، ففي هذا السبيل حاولت منظمة الأمم المتحدة إنشاء محكمة دولية جنائية عِنْدَما كلفت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1950م لجنة مؤلفة من 17 عضوًا؛ لصياغة مشروع (محكمة دولية جنائية)، ثم عادت الجمعية العامة لتكليف لجنة أخرى لإنجاز هذه المهمة؛ بسبب التحفظات التي تقدمت على أعمال اللجنة الأولى، ولم ينل مشروع اللجنة الثانية الرضا.

فاتخذت الجمعية العامة في عام 1957م قرارًا بتأجيل تشكيل المحكمة حتى يتم الاتفاق على تعريف العدوان، وبعد أن عُرّف العدوان عام 1974م، عادت الجمعية العامة وكفلت لجنة القانون الدولي -التابعة للجمعية العامة- باستئناف أعمالها؛ بهدف إعداد مشروع مدونة الجرائم المخلة بسُلَّم الإنسانية، وفي عام 1989م طلبت الجمعية دراسة تأسيس محكمة دولية جنائية، وأشارت إليه في عام 1992م.

وقد أكد النظام الأساسي للمحكمة الدولية الجنائية على تقرير مسؤولية الأفراد عن ارتكاب الجريمة الدولية، والذي نصت عليه المادة (25) من النظام الأساسي للمحكمة الدولية الجنائية التي وُرد فيها:

  • أن يكون للمحكمة اختصاص على الأشخاص الطبيعيين عملًا بهذا النظام الأساسي.
  • الشخص الذي يرتكب جريمة تَدخل في اختصاص المحكمة، يكون مسؤولًا عنها بصفته الفردية، وعرضة للعقاب وفقًا لهذا النظام الأساسي.

وأيضًا، وفقًا لهذا النظام الأساسي، يُسأل الشخص جنائيًّا ويكون عرضة للعقاب عن أية جريمة في اختصاص المحكمة حال قيام هذا الشخص بما يلي:

  • ‌أ- ارتكاب هذه الجريمة سواء بصفته الفردية أو بالاشتراك مع آخر أو عن طريق شخص آخر، بغض النظر عما إذَا كان ذلك الآخر مسؤولًا جنائيًّا أم لا.
  • ‌ب- الأمر أو الإغراء بارتكاب أو الحث على ارتكاب جريمة وقعت بالفعل أو شرع فيها.
  • ‌ج- تقديم العون، أو التحريض، أو المساعدة بأي شكل آخر؛ بغرض تيسير ارتكاب هذه الجريمة، أو الشروع في ارتكابها بما في ذلك توفير وسائل ارتكابها.
  • ‌د- المساهمة بأي طريقة أُخرى في قيام جماعة من الأشخاص، يعملون بقصدٍ مشترك، في ارتكاب هذه الجريمة أو الشروع فيها، على أن تكون هذه المساهمة متعمدة وأن تُقدِّم:
  • إما بهدف تعزيز النشاط الإجرامي أو الغرض الإجرامي للجماعة، تحديدًا إذَا كان هذا النشاط أو الغرض منطويًّا على ارتكاب جريمة تدخل لدى هذه الجماعة.
  • أو مع العلم بنسبة ارتكاب الجريمة لهذه الجماعة.
  • ‌ه- فيما يتعلق بجريمة الإبادة الجماعية، التحريض المباشر والعلني على ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية.
  • ‌و- الشروع في ارتكاب الجريمة عن طريق اتخاذ إجراء يبدأ به تنفيذ الجريمة بخطوة ملموسة، ولكن لم تقع الجريمة لظروف غير متصلة بنوايا الشخص، ومع ذلك فالشخص الذي يكف عن بذل أي جهد لارتكاب الجريمة أو يحاول بوسيلة أُخرى دون إتمام الجريمة، لا يكون عُرضة للعقاب بموجب هذا النظام الأساسي على الشروع في ارتكاب الجريمة، إذَا هو تخلى تمامًا وبمحض إرادته عن الغرض الإجرامي.
  • لا يؤثر أي حكم في هذا النظام الأساسي فيما يتعلق بالمسؤولية الجنائية الفردية في مسؤولية الدولة بموجب القانون الدولي، ونرى أن من المهم التطرق إلى بيان الطبيعة القانونية لهذه المحكمة وتنظيماتها أو تشكيلاتها:

أولًا: الطبيعة القانونية للمحكمة الدولية الجنائية

من الجدير بالذكر أنه وفقًا لاتفاقية فيينا لقانون المعاهدات عام 1969م، يُعدُّ الاتفاق معاهدة دولية أيًّا كانت تسميته، وذلك لأن التسمية لا تؤدي دورًا مهمًا في هذا الخصوص، فقد يُسمى اتفاقًا أو معاهدةً أو بروتوكولًا أو ميثاقًا أو عهدًا أو صكًا أو نظامًا أساسيًّا، ويترتب على نظام روما الأساسي -كونه معاهدة دولية- أن الدول ليست ملزمة بالارتباط به رغمًا عنها، كما أن نظام روما الأساسي -وكما أسلفنا- هو وليد مفاوضات جرت بشأنه حتى ظهر في حيز الوجود الفعلي بالقانون الدولي الجنائي.

بالإضافة إلى أن نظام روما الأساسي للـمحكمة الدولية الجنائية يسري عليه كل القواعد التي تطبق على المعاهدات، كتلك الخاصة بالتفسير، والتطبيق المكاني والزماني، والآثار المترتبة على التصديق، وغيرها، ما لم ينص النظام على خلاف ذلك.

وقد نصت الفقرة الثالثة من المادة (120) من النظام الأساسي للمحكمة على أن: (يُفتح باب الانضمام إلى هذا النظام الأساسي أمام جميع الدول، وتُودع صكوك الانضمام لدى الأمين العام للأمم المتحدة).

ومن ثم فإن هذا النظام يُعد من المعاهدات الجماعية الشارعة، التي تهدف إلى تقنين قواعد القانون الجنائي الدولي، وتعميم تطبيقها لغرض توفير الحماية الجنائية لأفراد الجنس البشري، ومِن ثَمَّ لا يجوز مخالفتها حتى لا تكون التحفظات أداة تُفسد الهدف من الاتفاقية.

أما مسألة تسوية المنازعات الخاصة بنظام روما الأساسي، فلا شك أنّ أية معاهدة دولية يمكن أن تثير بعض المنازعات بين أطرافها بخصوص تطبيقها أو تفسيرها، ومن هنا تَبَنَّى نظام روما الأساسي طريقتين لتسوية المنازعات التي تنشأ عن تطبيقه أو تفسيره:

الأولى بخصوص المنازعات المتعلقة بالوظائف القضائية، إذ تتولى الأخيرة حلها بقرار يصدر عنها، فقد نصت الفقرة الأولى من المادة (119) على أن: “يسوّى أي نزاع يتعلق بالوظائف القضائية للمحكمة بقرار من المحكمة”.

أما الثانية فتخص المنازعات المتعلقة بتطبيق أو تفسير أحكام نظام روما الأساسي، والتي قد تنشب بين دولتين أو أكثر.

فقد نصت الفقرة الثانية من المادة ذاتها على أنه: “يُحال إلى جمعية دول الأطراف أي نزاع آخر بين دولتين أو أكثر منهم -يخص تفسير أو تطبيق هذا النظام الأساسي- ولم يسوَّ عن طريق المفاوضات في غضون ثلاثة أشهر من بدايته، ويجوز للجمعية أن تسعى هي ذاتها إلى تسوية النزاع، أو أن تتخذ توصيات بشأن أية وسائل أخرى لتسويته، بما في ذلك إحالته إلى محكمة العدل الدولية وفقًا للنظام الأساسي لتلك المحكمة”.

أما الالتزامات المترتبة عن إبرام اتفاقية إنشاء المحكمة الدولية الجنائية، فمن المعروف أنَّ إبرام اتفاقية دولية يُعَّد من الأمور الخطيرة التي تترتب عليها آثار مهمة بالنسبة للدول، إذ تُنشيء الاتفاقية فيما بين الدول المتعاقدة حقوقًا وتفرض عليها التزامات، وهذه الحقوق والالتزامات تكون لأطراف المعاهدة بوصفهم دولًا لها الشخصية الدولية.

وقد يتطلب الأمر أن تتخذ الدول إجراءات داخلية؛ لتكفل الوفاء بالتزاماتها الدولية طبقًا لأحكام الاتفاقية، وإلا تحملت تبعة المسؤولية، ومن أهم الالتزامات المترتبة على إبرام الاتفاقية الدولية ذات الطابع الجزائي هو التزام الدول الأطراف بإعمال نصوص الاتفاقية وتنفيذها في المجال الداخلي، وتأسيسًا على ذلك، فإن الالتزام الرئيسي الذي يقع على عاتق الدول الأطراف بإعمال نصوص الاتفاقية في نظام روما الأساسي، هو إعمال نصوص هذا النظام باعتباره اتفاقية دولية جزائية أُنشئت بموجبها المحكمة الدولية الجنائية.

ويُعتبر أهم الأهداف التي تتوخاها تلك الاتفاقية الدولية هي توحيد القواعد الجنائية التي تضمنتها بين الدول الأطراف، ووضع الجزاءات على مخالفة أحكامها، وذلك لن يأتي غالبًا إلا من خلال القوانين الوطنية لتلك الدول.

ومع تحديد اتفاقية إنشاء المحكمة الدولية الجنائية للجرائم الدولية مناط اختصاصها وتقريرها للعقوبات التي ستطبقها على الشخص المدان بارتكاب جريمة، في إطار المادة الخامسة منه، فإنها أوردت في المادة الثمانين من نظام روما الأساسي حكمًا مفاده أنه: “ليس هناك في الاتفاقية ما يمنع الدول من توقيع العقوبات المنصوص عليها في قوانينها الوطنية، أو يحول دون تطبيق قوانين الدول التي لا تنص على العقوبات المحددة في الباب السابع من النظام الأساسي”، وفي ذلك توجهًا من واضعي نظام روما الأساسي لاحترام مبدأ السيادة الوطنية، فمن أهم مظاهر السيادة هو إنزال الدولة العقوبات الواردة في قانونها الجنائي الوطني على ما يرتكبه رعاياها من جرائم، أو ما يقع على إقليمها من جرائم.

ثانيًا: الهيكل التنظيمي للمحكمة الدولية الجنائية

تمثل المحكمة الدولية الجنائية الدائمة -التي أُقر نظامها الأساسي في 17 تموز وصُدّق عليها من قِبَلِ الدول حتى وصل إلى العدد المطلوب لنفاذ النظام الأساسي، بمصادقة (60) دولة في 11/4/2004م، ودخل حيز النفاذ من الناحية القانونية في 1/7/2002م- أهم تطور في مجال القانون الدولي الجنائي، إذ جاءت لترسيخ دعائم نظام قانوني دولي دائم وجديد للمسؤولية الدولية الجنائية للأفراد عن انتهاكاتهم للقانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني.

وتتكون المحكمة من أربعة أجهزة هي: هيئة الرئاسة، والشُّعَب -وهي ثلاثة الشعبة التمهيدية والشعبة الابتدائية وشعبة الاستئناف- ومكتب المدعي العام، وقلم المحكمة.

  • هيئة الرئاسة:

تُعَّدُ هيئة الرئاسة في المحكمة الدولية الجنائية أعلى هيئة قضائية فيها، وتتشكل من رئيس ونائبين له، يُنتخبوا بالأغلبية المطلقة للقضاة، وتكون مدة ولايتهم ثلاث سنوات، أو لحين انتهاء مدة خدمتهم كقضاة في المحكمة أيهما أقرب، ويجوز إعادة انتخابهم لهيئة الرئاسة مرة واحدة فقط، ويحق للنائب الأول للرئيس القيام بأعماله في حالة غيابه أو تنحيته، كما يقوم النائب الثاني للرئيس بالعمل بدلًا منه في حالة غياب كل من الرئيس والنائب الأول أو تنحيتهما، ويُناط بهيئة الرئاسة أمران:

الأول: الإدارة السليمة للمحكمة الدولية الجنائية بتشكيلاتها وأجهزتها كافة -القضائية والإدارية- باستثناء مكتب المدعي العام.

والثاني: المهام الأخرى المُوكلة إليها وفقًا لنظام روما الأساسي، فهي الهيئة المسؤولة عن الإدارة السليمة الواجبة للمحكمة باستثناء مكتب المدعي العام، حيث تقوم بالتنسيق معه في إدارة المحكمة، وتأخذ موافقته بشأن جميع المسائل ذات الاهتمام المشترك، تتكون هيئة الرئاسة من الرئيس ونائبين اثنين.

  • الشُّعب:
  • الهيئة التمهيدية:

تتألف من عدد لا يقل عن ستة قضاة من ذوي الخبرة في المحاكمات الجنائية، وبموجب المادة (57) تُمَارِس الشعبة التمهيدية إصدار الأوامر والقرارات، حيث تأذن للمدعي العام بإجراء التحقيقات، إذا رأت أن هناك أساسًا معقولًا للشروع في إجراء التحقيق، وأن الدعوى تقع ضمن اختصاص المحكمة.

  • الهيئة الابتدائية:

تتألف من عدد لا يقل عن ستة قضاة ذوي خبرة في المحاكمات الجنائية، وهي المسؤولة عن سير الإجراءات اللاحقة، لاعتماد لائحة الحكم من قبل الهيئة التمهيدية، وتشكل من قبل هيئة الرئاسة، ويجوز للهيئة الابتدائية أن تمارس أي وظيفة من وظائف الشعبة التمهيدية، فضلًا عن أن الهيئة التمهيدية تضمن أن تكون المحاكمة عادلة، وسريعة، وتراعي حقوق المتهم وحقوق المجني عليهم والشهود.

  • هيئة الاستئناف:

الهيئة الاستئنافية هي جهة طعن في العديد من القرارات التي تصدرها الشُّعَبُ الابتدائية والشعب التمهيدية، وتقوم هيئة الرئاسة بتشكيل شعبة الاستئناف وفق ما تقضي به لائحة المحكمة في أقرب وقت ممكن بعد كل انتخاب لقضاة المحكمة.

وتتألف من الرئيس وأربعة قضاة، ولهذه الهيئة جميع سلطات الهيئة الابتدائية، ولهذا إذَا تبين لها أن الإجراءات المستأنفة كانت مجحفة على نحو يمس بصحة القرار أو حكم العقوبة أو كان مشابًا جوهريًّا بغلط في الوقائع أو القانون أو الإجراءات، جاز لها أن تلغي، أو تعدل القرار، أو الحكم، أو أن تأمر بمحاكمة جديدة أمام هيئة ابتدائية مختلفة، كما تفصل هيئة الاستئناف في أي تساؤل يتعلق بتنحية المدعي العام أو نوابه.

  • مكتب المدعي العام:

يتم انتخاب المدعي العام ونائب المدعي العام عن طريق أغلبية الدول الأطراف في النظام الأساسي للمحكمة، لا عن طريق هيئة القضاء، كما أُكد على ضرورة عدم جواز تلقي المدعي العام أي تعليمات من قِبَلِ أي حكومة، فهو يعمل كممثل للمجتمع الدولي بأسره، ويشترط في من يُعيَّن في منصب المدعي العام أو نائبه أن يكون من ذوي الأخلاق العالية والكفاءة الرفيعة، وأن تتوافر لديه الخبرة الواسعة في مجال الادعاء العام أو القضاء الجنائي، وكذلك يكون ذا معرفة ممتازة، وطلاقة في لغة واحدة على الأقل من لغتي العمل بالمحكمة، وهما اللغة الإنجليزية والفرنسية.

ويتكون الجهاز الادعائي أو هيئة الادعاء من مكتب المدعي العام، الذي يتألف من المدعي العام ونائب أو نواب له، وما يلزم من الموظفين المؤهلين.

ومكتب المدعي العام جهاز منفصل من أجهزة المحكمة، حيث يكون مسؤولًا عن تلقي الإحالات، أو أي معلومات موثقة عن جرائم تدخل ضمن اختصاص المحكمة، لدراستها بقصد الاضطلاع بمهام التحقيق.

ويتمتع المدعي العام بسلطة كاملة في تنظيم وإدارة المكتب، ويكون هو ونائبه أو نوابه من جنسيات مختلفة يعملون على أساس التفرغ كما يُنتخب بالاقتراع السري، وبالأغلبية المطلقة لجمعية الدول الأطراف.

وله أن يباشر التحقيق على أساس المعلومات المتعلقة بجرائم تدخل ضمن اختصاص المحكمة، وذلك من تلقاء نفسه أو بناءً على شكوى مرفوعة إليه أو إحالة، حيث يحلل جدية المعلومات، ويجوز له التماس معلومات إضافية من الدول، أو منظمة الأمم المتحدة، أو المنظمات غير الحكومية، أو أية مصادر موثوق بها.

  • قلم المحكمة:

يتكون قلم المحكمة الدولية الجنائية من المسجّل “رئيسًا”، ومجموعة من الموظفين يُعينهم المسجّل بعد موافقة هيئة الرئاسة، استنادًا إلى المادة (44) التي نصت على أن: “لكلٍّ من المدعي العام والمسجّل تعيين الموظفين المؤهلين اللازمين لمكتبتهما مع مراعاة معايير الكفاءة، والنظم القانونية، والتوزيع الجغرافي العادل”، ويتم تعيين المسجّل بالأغلبية المطلقة للقضاة أعضاء المحكمة الدولية الجنائية بطريقة الاقتراع السري، ويجب أن يُؤخذ في الاعتبار أية توصية تُقدَّم في هذا الصدد من جمعية الدول الأطراف، ويشغل المسجّل منصبه لمدة خمس سنوات، كما يجوز إعادة انتخابه مرة واحدة فقط، ويعمل على أساس التفرغ للعمل في المحكمة، فيُعد المسجّل المسؤول الإداري الأعلى للمحكمة الدولية الجنائية، وينبغي أن يكون المسجّل ونائبه من الأشخاص ذوي الأخلاق الرفيعة والكفاءة العالية، ويتمتعان بمعرفة ممتازة وطلاقة في لغة واحدة على الأقل من لغات العمل في المحكمة الدولية الجنائية.

والمسجّل مسؤول عن الجوانب غير القضائية من إدارة المحكمة، وتزويدها بالخدمات دون المساس بسلطات المدعي العام، كما أنه يرأس رئاسة قلم المحكمة، بجانب أنه المسؤول الإداري لها، ويمارس مهامه تحت سلطة رئيس المحكمة.

المُتَطَلَّبُ الثَّالِثُ

الْحَصَانَاتُ الدَّوْلِيَّةُ وَالدَّاخِلِيَّةُ للحُكَامِ والْقَادَةِ

     لا توجد اتفاقية دولية تنظم موضوع حصانة الرؤساء والحكام من المسؤولية، غير أن هناك عرف دولي يمنح الرؤساء أثناء قيامهم بوظائفهم حصانة من المسؤولية، وتَوسع الأمر ليشمل مسؤولين آخرين يمثلون الدولة التي يتبعونها احترامًا لسيادة تلك الدولة، وتطبيقًا لذلك رفضت محكمة العدل الدولية رفع الحصانة عن وزير الخارجية الكونغولي في قرارها في القضية المرفوعة من الكونغو ضد بلجيكا بتاريخ 14/2/2002م.

وكذلك رفضت فرنسا وبلجيكا الطلبات التي تَقدمت بها المنظمات الحقوقية عام 1998م، لمحاكمة لوران كابلا رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية أثناء زيارته لتلك الدولتين، غير أن الدفع بالحصانة -وإن كان يمكن الاحتجاج به في نطاق القانون الجنائي الداخلي حتى الآن، فإن الوضع بدأ يختلف عِنْدَما يتعلق بجريمة دولية خاضعة لأحكام القانون الدولي الجنائي- قد بات من المستقر أنه لا يعتد به ولا يمكن أن تكون وسيلة للإفلات من العقاب.

وفي ذلك يذكر الدكتور شريف بسيوني أن: “الحصانة التي تؤدي إلى إفلات الشخص من المساءلة القانونية هو نتاج للتعارض بين السياسات والممارسات المادية والعملية، التي تسعى الدول من خلالها الوصول إلى تحقيق مصالحها الخاصة، وبين متطلبات العدالة الدولية التي تعني إقرار المسؤولية الجنائية، والتي تهدف إلى تحقيق غرض عقابي ووقائي في ذات الوقت”.

ويضيف الدكتور أن: “الإنجاز الحقيقي يتمثل في تجاوز الحصانة، التي كانت تشكل ستارًا حديدًا مفروضًا حول فكرة العدالة الجنائية الدولية”.

وقد أُكد على مبدأ عدم الاعتداء بالحصانة كسبب للإفلات من المسائلة عن الجرائم الدولية في مختلف المواثيق الدولية، ولعل المبادئ التي أسستها محكمة نورمبرغ، كانت الأولى في هذا الصدد.

ويتمتع الحاكم، سواء كان رئيس دولة أم رئيس وزراء، بحصانات مزدوجة في داخل دولته، فهو يتمتع بحصانات دستورية مصدرها القانون الداخلي، كما يتمتع بحصانات وامتيازات دولية مصدرها قواعد القانون الدولي العام.

ولقد تضمنت الدساتير والقوانين الأساسية للدول تحديد الحصانات والامتيازات التي يتمتع بها الحاكم وهو في داخل دولته، لتجعله بمنأى عن الخضوع للقوانين الجزائية والمدنية الداخلية، حيث إن له حصانة شخصية تمنع من المساس بشخصه، وبالتالي فلا يجوز القبض عليه، أو تفتيشه، أو محاكمته، أو التعرض لذاته في وسائل الإعلام، فهو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، كما ورد في (المادة 49) من الدستور اللبناني.

وتنص (المادة 60) من الدستور اللبناني على “أنه لا تبعة على رئيس الجمهورية حال قيامه بوظيفته إلا عِنْدَ خرقه الدستور أو في حالة الخيانة العظمى” ([1]).

ويتمتع الحاكم، سواء كان رئيس دولة أم رئيس وزراء، بحصانة قضائية جنائية تمنع من محاكمته عن أي جريمة يرتكبها داخل دولته، سواء كانت جناية أم جنحة أم مخالفة، وبالتالي لا يجوز إخضاعه للقبض أو التفتيش أو المحاكمة عن أي جريمة يرتكبها داخل دولته.

ولكن قد يتعرض الدستور لمحاكمة رئيس الدولة إذَا ارتكب نوعًا معينًا من الجرائم؛ كجريمة الخيانة العظمى، وذلك بعد اتباع إجراءات معينة؛ كأن تتم المحاكمة عن طريق البرلمان أو بواسطته، وتُعد عمومًا حصانات الحكام داخل دولهم وعلاقاتهم بالسلطات الداخلية للدولة أمرًا داخليًّا لا يهتم به القانون الدولي، إلا إذَا كانت جرائم الحكام داخل دولهم تشكل جريمة دولية؛ كجرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الإبادة الجماعية أو التطهير العرقي، التي قد يتعقبها القانون الدولي؛ لأنها تشكل مخالفة لأحكامه حتى ولو كان المجني عليه من رعايا دولة الحاكم المتهم بارتكاب هذه الجرائم.

وقد حدد دستور كل دولة حصانات وامتيازات الحكام في علاقتهم مع الدول الأخرى، وهذا يدخل في دائرة اهتمام القانون الدولي، الذي يكفل لهم مركزًا خاصًا على صعيد العلاقات الدولية.

ولذلك يجب أن يظل شخص الحاكم محل احترام، فلا يتعرض للسخرية، ولا يوجه إلى أفعاله أي نقد أو طعن مباشر من جانب رؤساء الدول الأخرى أو من جانب أي شخص آخر أو حتى من وسائل الإعلام؛ لهذا تتضمن غالبية القوانين الجنائية في دول العالم نصوصًا لهذا الغرض، سواء كان الرئيس ما زال داخل دولته، أو يقوم بزيارة دولة أخرى.

ولكن ما هي الحصانة الشخصية للحاكم؟ والحصانة القضائية؟ وما هو معيار التفرقة بين الأعمال الرسمية والأعمال الخاصة للحاكم؟ ما الفرق بين رؤساء الدول ورؤساء الوزارة من حيث الحصانات؟ وهل بالإمكان حرمان الحاكم من الحصانات؟

إننا سنشرح ذلك في مطالب متتالية:

أولًا: الحصانة الشخصية للحاكم

الحصانة نظام دولي تقليدي يتم من خلاله تحصين أشخاص معينين -رؤساء الدول، ورؤساء الحكومات، ووزراء الخارجية، ورجال السلك الدبلوماسي- من المقاضاة أمام المحاكم الأجنبية ([2])، فالحصانة الشخصية للحاكم تعني عدم جواز التعرض لشخصه أو محل إقامته أو مواكبه أثناء وجوده في الخارج، ولا يجوز القبض عليه أو حجزه لأي سبب، أو القيام بتحديد إقامته، أي فرض الإقامة الجبرية عليه دون حق المغادرة ([3])، كما لا يجوز توقيفه أو تفتيشه أو تفتيش أمتعته أو سيارته أو السيارات المرافقة له، وتلتزم الدولة الأجنبية بأن تكفل حرية التنقل له ولمواكبه، واتخاذ كل الاحتياطات والإجراءات الأمنية التي تضمن عدم تعرضه لأي اعتداء، فأي تقصير في اتخاذ الإجراءات اللازمة أو فشل الإجراءات في حماية الحكام الأجانب الموجودين على إقليمها يعرضها للمسؤولية الدولية، علمًا بأنه ليس هناك اتفاقية دولية تنظم موضوع الحصانة من المسؤولية، ولكن هناك عرفًا دوليًّا يمنح الرؤساء هذه الحصانة.

وقد توسع الأمر ليشمل مسؤولين آخرين احترامًا لسيادة الدولة وقواعد المجاملة والمعاملة بالمثل، وتطبيقًا لهذا النهج؛ رفضت محكمة العدل الدولية رفع الحصانة عن وزير الخارجية الكونغولي (يروديا ندومباسي) في القضية المرفوعة في الكونغو ضد بلجيكا بتاريخ 14/2/2002م، بعدما أصدرت المحكمة البلجيكية مذكرة توقيف بحقه في 11/4/2000م؛ لارتكابه جرائم تشكل انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني ([4]).

وعلى الدول أن تنص في تشريعاتها الداخلية على عقوبات صارمة وشديدة تُوَقَّع على كل من يُسيء إلى رئيس دولة، عن طريق وسائل الإعلام، أو من يحاول الاعتداء عليه واغتياله، ولذلك يجب توفير الحراسة الكافية لشخص الرئيس منذ وصوله وحتى مغادرته، كما يجب توفير الحماية لأمواله وأمتعته ومراسلاته ومسكنه، الذي لا يجوز دخوله إلا بإذن، أو لحالة الضرورة كنشوب حريق أو غيره، وأيضًا لا يجوز التجسس على أعماله ومسكنه؛ لأن أي عمل من هذا القبيل يعد انتهاكًا للقانون الدولي ويحرك المسؤولية الدولية تجاه الدولة المضيفة.

ومبرر ذلك أن الحصانة الشخصية للحاكم لا يتمتع بها الحاكم على سبيل المجاملة، وإنما هي نتيجة قانونية لما يتمتع به من السلطان الذي يقضي بعدم خضوعه سلطان دولة أجنبية يكون موجودًا على إقليمها ([5])، مع العلم بأن التشريعات الجزائية الوطنية في مختلف الدول درجت على إخضاع جميع الأشخاص الموجودين فوق أقاليمها إلى أحكام قانون العقوبات لتلك الدول ولاختصاصها القضائي، سواء أكان هؤلاء مواطنين يحملون جنسيتها أم مقيمين، وذلك تطبيقًا لمبدأ الإقليمية ([6]).

ثانيًا: الحصانة القضائية للحاكم ([7])

تتمثل في عدم خضوع الحاكم للقانون والقضاء الإقليمي لدولة أجنبية، بشأن التصرفات التي يقوم بها أثناء وجوده في الخارج، فلا يجوز لتلك الدولة أن تحاسبه عن تصرفاته داخل دولته أو خارجها، وهنا يجب أن نفرق بين حصانته القضائية أمام المحاكم الجزائية وحصانته القضائية أمام المحاكم المدنية على النحو التالي:

 

  • الحصانة من الخضوع للقانون والقضاء الجنائيين:

يتمتع الحاكم بحصانة جنائية تجعله بمنأى عن الخضوع للقوانين والمحاكم الجنائية الأجنبية، وهذا ما أكده مجمع القانون الدولي في قراره في 26/آب/2001م، وأكدته (المادة 29) من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية ([8])، فإذَا ارتكب رئيس دولة أجنبية جرائم توصف بالجنايات، أو الجنح، أو المخالفات، فلا يمكن أن يخضع لقانون العقوبات للدولة التي يزورها، وبالتالي لا يجوز القبض عليه، أو استجوابه، أو تفتيشه، أو تفتيش مسكنه، أو رفع دعوى جنائية ضده، بطلب من النيابة العامة أو من غيرها، ولا يجوز محاكمته جنائيًّا عن جرائم ارتكبها قبل أو أثناء توليه الحكم، فالإعفاء هنا هو إعفاء مطلق من الخضوع للقانون أو القضاء الجنائي، وكل ما تستطيع الدول أن تفعله إذَا ما ارتكب رئيس دولة أجنبية مثل هذه الجرائم هو أن تطلب منه مغادرة إقليمها، ويلاحظ أن الحصانة التي يتمتع بها رؤساء الدول وعدم خضوعهم للقضاء الجنائي في الدول الأجنبية يجب ألا تختلط بأمر آخر، وهو المسؤولية الجنائية لرؤساء الدول عما يرتكبونه من جرائم دولية، مثل جرائم الحرب وجرائم إبادة الجنس البشري وجرائم التطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية، وهو الأمر الذي بدأ يظهر في القانون الدولي العام بعد الحرب العالمية الأولى، ثم تأكد بصورة عملية في محاكمات نورمبرغ وطوكيو بعد الحرب العالمية الثانية ([9]).

وعليه فإن حصانة رؤساء الدول الأجنبية، التي تقضي بعدم خضوعهم لاختصاص المحاكم الجنائية الأجنبية، لا تشمل حالات انتهاكهم لقواعد القانون الدولي العام وارتكابهم لجرائم ضد الإنسانية وهو ما سنفصله لاحقًا.

  • الحصانة من القانون والقضاء المدنيين:

ينبغي لنا هنا أن نفرق بين الأعمال الرسمية والأعمال الخاصة للمسؤول، فإذَا كان أساس المسؤولية المدنية للحاكم هي أعمال أتاها بصفته الرسمية، فإن هذه الأعمال تنسب إلى دولته وليس إلى شخصه، والدولة لا تُسأل؛ إعمالًا لحصانتها القضائية ([10])، وإذَا قام رئيس الدولة، في نطاق العلاقات الخارجية، بأعمال مدنية؛ كقيامه بالتوقيع على معاهدات تجارية سببت أضرارًا للمستثمرين، أو إصدار قرار سبب أضرارًا اقتصادية، فإن هذه الأعمال لا يمكن أن تخضع لرقابة ما من جانب المحاكم الأجنبية، وهكذا فإن الحصانة من القضاء المدني لرؤساء الدول لا تثار إلا بالنسبة لأعمالهم الخاصة، ولذلك ينبغي لنا البحث عن معيار للتفرقة بين الأعمال الرسمية للحاكم، التي لا يُسأل عنها بسبب حصانته المدنية، والأعمال الخاصة التي تحجب فيها الحصانة.

ثالثًا: معيار التفرقة بين الأعمال الرسمية والأعمال الخاصة للحاكم

ذهب جانب من الفقه، يؤيده ما جرى عليه العمل في بعض الدول مثل إنجلترا وأمريكا، إلى القول بعدم جدوى التفرقة بين النوعين، لأنه، إضافة إلى صعوبتها، يجب إعفاء الحاكم من الخضوع للقضاء عمومًا بالنسبة إلى جميع أعماله العامة والخاصة، وذلك لعدم إمكان الفصل بين صفته الشخصية وصفته الرسمية ([11]).

وذهب جانب ثانٍ إلى القول بأن الأعمال الرسمية هي الأعمال التي يأتيها الحاكم وهو خارج دولته، أي حينما يكون في إقليم دولة أجنبية وطيلة فترة وجوده فيها، فلا يُسأل عن هذه الأعمال ولا يُحاكم مدنيًّا، ولكنها تُصبح أعمالًا خاصة يُسأل عنها بمجرد مغادرته إقليم الدولة، ويُؤخذ على هذا المعيار أنه يتناقض مع نفسه؛ لأنه يجعل كل تصرفات الرئيس في الخارج رسمية ما دام هو موجودٌ في إقليم الدولة التي يكون قد ذهب إليها في زيارة خاصة للسياحة، أو للعلاج، أو لاستطلاع أرصدته النقدية الشخصية، ثم تنقلب كل هذه الأعمال، حتى الرسمية منها، إلى خاصة بمجرد مغادرته الإقليم، فيُسأل عنها.

ويبرر البعض هذا الرأي بالقول أنّ الحصانة تسري في الحالة الأولى؛ لأن عِلَّتِها تعتبر قائمة، وهي الاهتمام برئيس الدولة وتوفير الاستقلال له، وتفادي الظروف المختلفة التي يقصد من ورائها النيل من كرامة الدولة الأجنبية وسمعتها عن طريق إثارة الشكوك حول رئيسها.

أما في حالة رفع الدعوى المدنية بعد سفر الرئيس فلا يحتج بالحصانة؛ لأنها لا تمس سيادة الدولة وكرامتها، ويستند هذا الرأي إلى التعامل الدولي الذي يظهر منه أن المحاكم لا تعترف باختصاصها بالنظر في قضايا مدنية ضد رؤساء الدول، إلا إذَا كان هؤلاء غير موجودين وقت رفع الدعوى، ويمكننا هنا أن نتساءل عن كيفية انقلاب أعمال الحكام إلى خاصة بمجرد مغادرتهم الإقليم، فهل تنقلب تلك الأعمال إلى رسمية إذَا عاد الحاكم إلى زيارة الدولة ذاتها مرة أخرى؟ وما مصير الدعوى التي تم رفعها؟ هل تُلغى بمجرد هذه العودة؟

رابعًا: الفرق بين رؤساء الدول ورؤساء الحكومات من ناحية الحصانات كحكام

يشمل لفظ الحاكم رئيس الدولة في الأنظمة الرئاسية -حيث يَحْكُم ويسود- ورئيس الوزراء في الأنظمة البرلمانية -حيث يَحْكُم ولا يسود- ويتمتع رئيس الدولة، أيًّا يكن نظام حكمه رئاسيًّا أو برلمانيًّا، ملكيًّا أو جمهوريًّا، بالحصانات والامتيازات الدولية، ومثله رئيس الوزراء، ومع ذلك فهناك بعض الفروق بين الرئيسين من ناحية الحصانة:

  • تختلف مراسم استقبال رئيس مجلس الوزراء عن استقبال رئيس الدولة، فعلى الرغم من أنه يمثل أعلى سلطة في دولته، فلا يستقبله رئيس الدولة التي يزورها استقبالًا رسميًّا؛ كتلك التي ترتبها إدارة العلاقات والمراسم لرؤساء الدول، أيضًا في ترتيب أسبقية الاستقبال في المحافل الدولية ومؤتمرات القمة واجتماعات المنظمات الدولية، وعِنْدَ وجود رئيس وزراء مع رئيس دولة، فإن رئيس الدولة هو الذي يتقدم دائمًا في مراسم الاستقبال.
  • لا يملك رئيس الحكومة حصانة تشريعية تحميه من الاعتداء عليه من وسائل الإعلام، فالمادة (292) من قانون العقوبات اللبناني تُعاقِب بالحبس والغرامة من يحقر رئيس دولة أجنبية أو وزراءها أو ممثلها السياسي في لبنان، والمادة (181) من قانون العقوبات المصري، مثلًا، تقتصر على رؤساء الدول ولا تغطي رؤساء الوزراء، وتُعاقِب بالحبس كل من أساء في وسائل الإعلام إلى سمعة ملك أو رئيس دولة.
  • عملًا بمبدأ المسؤولية الوزارية، فإن رئيس الوزراء يخضع للمسؤولية بالتضامن مع أعضاء وزارته، ويملك البرلمان سحب الثقة من الحكومة؛ مما يترتب عليه حل الحكومة، أما رئيس الدولة فذاته مصونة لا تمس، ولا يترتب على سحب الثقة من الحكومة زوال الرئيس بل زوال الحكومة، كما يملك رئيس الدولة في العديد من أنظمة الحكم حل البرلمان.

ونشير إلى أن القانون الدولي يمنح نظامًا مميزًا لثلاث فئات من المسؤولين السياسيين، وهم رؤساء الدول ورؤساء الحكومات ووزراء الخارجية ([12]).

ولكن تزول حصانات رئيس الدولة بانتهاء صفته، باستقالته أو بتنازله عن العرش إن كان ملكًا، وليس هناك ما يمنع الدولة من قبول استمرار رئيس دولة أجنبية يوجد على أرضها في التمتع بحصاناته وامتيازاته السابقة بعد زوال صفته الرسمية، وذلك من باب المجاملة، كما فعلت مصر مع الرئيس السوداني الأسبق جعفر النميري بعد خلعه وقلب نظام حكمه على يد الجنرال سوار الذهب عام 1984م ([13])، وقد رفضت السلطات المصرية تسليم النميري إلى السلطات السودانية، ومنحته بعض الامتيازات على سبيل المجاملة، وهذا أيضًا ما فعلته السعودية مع الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي.

ولكن إذَا كان الرؤساء السابقون من عداد مجرمي الحرب، فلا يجوز إيواؤهم ومنحهم حق اللجوء السياسي؛ بل يجب تسليمهم ومحاكمتهم عما ارتكبوه من جرائم ضد الإنسانية.

خامسًا: حرمان الحاكم من الحصانات

يتمتع الحكام، سواء كانوا رؤساء دول أو رؤساء وزارات، بالحصانات والامتيازات القانونية بصفتهم الرسمية وليس بصفتهم الشخصية، وبالتالي إذَا زالت صفتهم الرسمية، زالت معها ما يتمتعون به من حصانات وامتيازات دولية، وعُوملوا معاملة الأفراد العاديين، ولكن قد تزول حصاناتهم أثناء توليهم الحكم، وذلك إذَا ما ارتكبوا جرائم حرب.

وقَبْلَ أن نتناول ذلك، علينا تبيان بداية تمتع الحكام بالحصانات والامتيازات الدولية؛ حتى نتبين متى تنتهي ومتى يُحرموا منها، وهل يُسألون عما ارتكبوه من جرائم قبل توليهم الحكم وأثناء مباشرتهم مهام منصبهم؟ أم أن محاكمتهم تُؤَجَّل لحين انتهاء فترة رئاستهم، أم أن شغلهم لمنصب الحاكم يمحو كل جرائمهم وخطاياهم السابقة.

إن الحكام يتمتعون بالحصانات والامتيازات الدولية منذ توليهم مهام مناصبهم رسميًّا، وتستمر هذه الحصانات والامتيازات ملازمة لرئيس الدولة طالما استمر في منصبه وتزول عنه بمجرد زوال هذا المنصب لأي سبب كان.

ويُعتبر الحاكم مباشرًا لصفته الرسمية بمجرد إعلان فوزه في الانتخابات، أو بمجرد تعيينه، أو تسميته من قبل المراجع الصالحة، ولو لم يزاول مهام منصبه، لوجود فترة انتقالية يُنهي فيها سلفة أعماله، وتَنتهي فيها إجراءات تولي الحاكم الجديد مقاليد الحكم، التي تبدأ رسميًّا بأدائه اليمين الدستورية أمام البرلمان، سواء كان مجلس نواب أو مجلس أمة، أي أنه يتمتع بالحصانات والامتيازات الدبلوماسية قبل أداء اليمين الدستورية ما دامت قد تمت تسميته بالانتخابات أو بموجب الإجراءات التي ينص عليها الدستور في تسمية الحاكم، وخاصة في الأنظمة التي تقوم على توريث الحكم.

وعلى ذلك، يتمتع الحاكم بحصاناته وامتيازاته الدولية بغض النظر عن بدء مباشرته مهامه الرسمية ما دام قد تم إعلانه كحاكم للبلاد، وهو يتمتع بها خلال الفترة التي تسبق أداء اليمين، وإن كان لم يمثل بعد الدولة بصورة رسمية كحاكم للبلاد، ويظل يتمتع بهذه الصفة الحاكم المنتهية ولايته، الذي يستمر هو الآخر بصفته الرسمية وحصاناته حتى تولي الحاكم المنتخب مقاليد الحكم واستكمال الإجراءات الدستورية التي تنتهي بأداء اليمين الدستورية، وعِنْدَها تزول حصانات وامتيازات السلف ويُعامل كفرد عادي، وإن منحته الدول بعض الحصانات والامتيازات، على سبيل المجاملة.

فالحصانة لم تَعدْ سدًا منيعًا يحمي الرؤساء والحكام من العقاب عِنْدَ ارتكابهم جرائم دولية ([14])، وعلى وجه الخصوص جرائم الحرب، وجرائم إبادة الجنس البشري، وجرائم التطهير العرقي، والجرائم ضد الإنسانية، الأمر الذي بدأ يهتم به القانون الدولي العام، والقانون الدولي الجنائي؛ لأنه يشكل انتهاكًا لقواعد القانون الدولي الآمرة، والتي لا يفلت من يخالفها من العقاب، أيًّا يكن مرتكبوها، سواء كانوا أفرادًا عاديين أم رؤساء دول.

الخَاتِمَة

توصلنا بعد الانتهاء من هذا البحث، ومن خلال التطرق إلى موضوع المسؤولية الناتجة من تنفيذ أوامر الرؤساء إلى جملة من النتائج، كان بعضها متعلقًا بفكرة الأمر الرئاسي بصورة عامة، والبعض الآخَر خاص باختصاص المحكمة الدولية الجنائية في ملاحقة ومحاكمة مرتكبي الجرائم الدولية، وفيما يأتي نعرض أهم النتائج والتَّوصيَات:

أولًا: النتائج

  • تبين لنا من خلال هذه الدراسة، ونص المادة (27) من النظام الأساسي للمحكمة الدولية الجنائية أن الحصانة لن تكون عائقًا لتقديم من يتمتع بها إلى المحكمة إلاَّ إذَا ألزم ما أقضت به الفقرة الأولى من المادة (98) المحكمة الدولية الجنائية بأن تحصل ابتداءً، وقبل توجيه الطلب إلى الدولة التي يقيم الشخص على إقليمها، على تعاون من الدولة الثالثة التي يتمتع الشخص بالحصانة بموجب تشريعاتها أو بسبب إنتمائه إليها، أما إذَا فشلت المحكمة الدولية الجنائية في الحصول على هذا التعاون والذي سيكون في صورة رفع هذه الحصانة أو سحبها؛ فلن تستطيع المحكمة الدولية الجنائية أن توجه الطلب إلى الدولة التي يتواجد فيها المتهم ومن ثم سَيُمنع عنها مباشرة اختصاصها.

وبذلك فإن مضمون هذا النص ينقض ما أورده نص المادة (27) بشأن عدم الاعتداد بالحصانة وبالنتيجة المترتبة عليه التي تؤدي إلى إفلات الكثير من المجرمين من المسؤولية.

  • من المشاكل الأخرى التي تُجابه المحكمة في موضوع الحصانة، هو الاتفاقيات التي تسعى الولايات المتحدة الأمريكية حاليًّا إلى إبرامها مع حكومات العديد من الدول، والتي تنص على أن الحكومة المعنية لن تسلم أو تنقل مواطني الولايات المتحدة المتهمين بارتكاب الإبادة الجماعية، أو الجرائم ضد الإنسانية، أو جرائم الحرب إلى المحكمة الدولية الجنائية، إذَا طلبت منها المحكمة ذلك، ولا تقتضي الاتقاقيات من الولايات المتحدة الأمريكية أو الدول الأخرى المعنية بإجراء تحقيقٍ حتى إذَا توافرت أدلة كافية، لمقاضاة مثل هؤلاء الأشخاص.
  • إن مَنح مجلس الأمن سلطة الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية بموجب المادة (13/ب)، يجب أن يكون بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهذا يعني أنه لصدور قرار من مجلس الأمن لإحالة جريمة مرتكبة من قبل دولة غير طرف في النظام لابد من موافقة الأعضاء الخمس الدائمين وعدم استخدام حق الفيتو، وهذا يعني أن الدولة ذات العضوية الدائمة هي بمنأى عن تطبيق هذه الوسيلة؛ لإحالة جرائمها إلى المحكمة إذَا لم تكن طرفًا في النظام الأساسي، ولذلك لن تستطيع المحكمة أن تتعامل مع الجرائم المرتكبة من قِبَلِ أشخاصٍ تابعين للدول دائمة العضوية في مجلس الأمن أو تلك المرتكبة على إقليميهما بدون قبولهما؛ لأنهما لم تنضما إلى النظام الأساسي من ناحية، وستقفان أمام محاولة مجلس الأمن عن طريق حق النقض لإحالة أي جريمة قد تتهمان بارتكابها مستقبلًا.

كما قد تستخدم بعض الدول حق الفيتو لمساعدة حلفائها إذَا حاول المجلس استخدام سلطتة بموجب المادة (13/ب)، وهذا ما يُتَوَقَّع من الولايات المتحدة وهو أن تقف أمام أي محاولة لإحالة أي جريمة من الجرائم الإسرائيلية إلى المحكمة.

  • ومن الاشكالات التي يثيرها نص المادة (28) من نظام روما الأساسي -التي عالجت مسؤولية من هم في المراكز العليا، وتحديدًا مسؤولية القادة والرؤساء- هي أنها تنشأ بسببين: الأول؛ بسبب سلوك المسؤول نفسه فيما إذَا أمر بارتكاب جريمة وقام المرؤوس بتنفيذها، أو بسبب سلوك المرؤوس.

فالقائد العسكري أو من يقوم مقامه يكون مسؤولًا جنائيًّا عن الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة الدولية الجنائية والمرتكبة من قبل قوات تخضع لإمرته وسيطرته الفعليتين؛ نتيجةً لعدم ممارسة القائد العسكري أو القائم مقامه سيطرته بصورة سليمة على هذه القوات، أو عدم اتخاذ جميع التدابير اللازمة والمعقولة في حدود سلطة القائد أو من يقوم مقامه لمنع أو قمع إرتكاب هذه الجرائم.

أما بخصوص علاقة الرئيس بالمرؤوس، فقد قضت الفقرة الثانية من المادة المذكورة أن الرئيس يُسأل جنائيًّا عن الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة الدولية الجنائية، والمُرتكبة من جانب مرؤوسين يخضعون لسلطته وسيطرته الفعليتين؛ نتيجةً لعدم ممارسة سيطرته على هؤلاء المرؤوسين ممارسة سليمة، وعلى ذلك نجد أن القادة والرؤساء يمكنهم التهرب من المسؤولية باتخاذ جميع الوسائل التي تمكنهم من نفي العلم، أو التجاهل، أو بتقديمهم ما يفيد اتخاذ الإجراءات اللازمة والمعقولة، فضلًا عن كيفية إمكان تحديد أنَّ الإجراءات التي تمّ اتخاذها لازمة ومعقولة، إضافةً لذلك، فإن النظام الأساسي لم يحدد لنا الجهة التي تُقرر هذا الأمر، أهي الدول والحكومات، أم المحكمة الجنائية الدولية؟ وهذا خلل في نظام روما الأساسي.

  • تمّ التطرق إلى الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، وقد نص نظام روما الأساسي على جريمة العدوان باعتبارها إحدى الجرائم التي تخضع لولاية المحكمة، إلاَّ أنه أُرجِأَ النظر في هذه الجريمة لحين اعتماد تعريف للعدوان.
  • بعد أن أوضحت الفقرة (1) من المادة (33) أن الشخص لا يُعد مسؤولًا إذَا نتج من تنفيذه للأمر الرئاسي جريمة دولية، وكانت عدم مشروعية الأمر غير ظاهرة، ثم عاد واعتبر في الفقرة (2) من المادة ذاتها أن عدم مشروعية الأمر الصادر من الرئيس الأعلى تكون ظاهرة إذَا تعلق بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية أو الجرائم ضد الإنسانية، فقد ورد (لأغراض هذه المادة تكون عدم المشروعية ظاهرة في حالة أوامر ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية أو الجرائم ضد الانسانية).

ثانيًا: التوصيات

في ضوء ما توصلنا إليه من نتائج نقترح ما يأتي:

  • لا شك أن النص على اختصاص المحكمة الجنائية الدولية بالصوره المذكورة آنفًا يثير إشكالًا رئيسيًّا، يعترض تطبيق التكامل القانوني، ومن ثم يُعيق تفعيل اختصاص المحكمة الدولية الجنائية في اختصاصها المتعلق بجريمة العدوان، وحتى لو تمّ وضع تعريف للعدوان في الوقت الحاضر، فلا تستطيع المحكمة الدولية الجنائية ممارسة ولايتها على جريمة العدوان حتى يمر هذا التعريف بسلسلة من الإجراءات المعقدة، وفقًا لما قضت به المادتان (121،123) من نظام روما الأساسي، فقد قررتا شروطًا في غاية الصعوبة؛ مما يشكل خللًا في النظام الأساسي، وقد كان من الأجدى تلافيه باعتماد تعريف للعدوان، خاصةً وأن تشكيل المحكمة الجنائية الدولية قد بُني على حقيقة جوهرية، مفادها التوجه الدولي والإنساني لهيمنة وسيادة القانون بعدم إفلات أي متهم يرتكب جريمة دولية من العقاب، ولا يجوز أن تُؤدي الآليات القانونية من حيث النتيجة إلى قلب المعادلة، وتحويل الآليات القانونية إلى قانون للهيمنة على الدول والشعوب، باستثناء جريمة العدوان من النظام الأساسي.
  • لا نرى مُسوغ لِأَنْ يعتبر المشرع الدولي في الفقرة (2) من المادة (33) عدم مشروعية الأمر الصادر من الرئيس الأعلى، والتي تكون ظاهرة إذَا تعلق بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية أو الجرائم ضد الإنسانية، ويفردها بمعاملة خاصة دون الجرائم الدولية الأخرى، مع اعتبار عدم مشروعية الأمر الصادر بارتكابها ظاهرة، في حين لا يمكن اعتبار تنفيذ الأوامر المتضمنة ارتكاب جرائم الحرب والعدوان كذلك.

لا شك في أن هذه الأفكار تعطي التبرير لارتكاب الجرائم من خلال القوات المسلحة للدول ذات النزعه العدوانية؛ كالولايات المتحدة وإسرائيل؛ مما يتيح إفلات مرتكبي هاتين الجريمتين (جريمة الحرب والعدوان) من المتابعة، متذرعين بأن الأوامر الصادرة إليهم لم يكن ظاهرها عدم المشروعية.

  • نقترح تعديل المادة (28) من نظام روما الأساسي، والتي قررت مسؤولية القادة والرؤساء، وذلك بإيراد نص يقضي بأن المحكمة الجنائية الدولية هي المختصة في تحديد كون تلك الإجراءات التي يجب أن يتخذها الرئيس أو القائد لازمة ومعقولة، والتي يمكن اعتبار الرئيس مسؤولًا في حالة عدم اتخاذها، فإذَا تُرك الأمر للدول والحكومات فلا نضمن عدم انحيازها لا سيَّما وأن هؤلاء المسؤولين قد يكونوا في مواقع قيادية عالية المستوى، ومن ثم فمن الممكن أن يؤثروا في دولهم وحكوماتهم في إتخاذ القرارات والمواقف بهذا الشأن.
  • نقترح تضمين القانون الوطني العراقي (قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969م)، والذي ينص على الجرائم المنصوص عليها في نظام روما الأساسي، ذلك أن هذا النظام نقَّح القانون الجنائي الدولي فيما يتعلق بتعريف جريمة الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، فقد تبنت هذه التعريفات (120) دولة شاركت في مؤتمر روما، لذلك فإنها تمثل وجهات نظر غالبية الدول فيما يتصل بالحالة الراهنة للقانون الجنائي الدولي، كما أن الدول التي تضمنت قوانينها العقابية تعريف الجرائم الدولية -كما نص عليها نظام روما- تظهر دعمها وتمسكها بالأعراف والمعايير الدولية، وفضلًا عن ذلك كله، فإنه يُشكل ضمانًا لانعقاد الاختصاص القضائي للدولة على ما يُرتكب فوق إقليمها من جرائم دولية، وذلك سواء أَصَدَّقَتْ تلك الدولة على اتفاقية إنشاء المحكمة الدولية الجنائية أم لم تُصدق.
  • من المهم تكوين رأي عام دولي عالمي لفضح الاتفاقيات التي تسعى الولايات المتحدة الأمريكية حاليًّا لإبرامها مع حكومات العديد من الدول، التي تستهدف إفلات المجرمين الأمريكيين من العقاب أو المُثُول أمام المحكمة الدولية الجنائية، لِمَا لذلك من تأثير سلبي يُهدد مصداقية القانون الدولي الجنائي والمحكمة الدولية الجنائية في تعقب المجرمين، وتمييز في التعامل بين مرتكبي الجرائم الدولية.

 

المَــــرَاجِـعُ

أولًا: الكتب والمؤلفات:

  • د. إبراهيم أحمد الشلبي، دراسة في النظرية العامة للمنظمات الدولية، الدار الجامعية للطباعة والنشر، بيروت، 1984م.
  • د. إبراهيم النجار و د. أحمد زكي يوسف، القاموس القانوني، 1999م.
  • د. إبراهيم عبد العزيز شيحا، الإدارة العامة، مطبعة شباب الجامعة، 1988م.
  • د. أبو الخير أحمد عطية، المحكمة الجنائية الدولية الدائمة، دار النهضة العربية، القاهرة، 1999م.
  • ابن عبد ربه الأندلس، العقد الفريد، ج1.
  • د. أحمد أبو الوفا، الوسيط في القانون الدولي العام، دار النهضة العربية القاهرة، 1998-1999م.
  • د. أحمد فتحي سرور، الوسيط في قانون العقوبات، الجزء الأول، القسم العام، دار النهضة العربية، القاهرة 1981م.
  • أحمد ماهر البقري، القيادة وفعاليتها في ضوء الإسلام، 1981م.
  • بديعة أمين، في المعنى والرؤيا، دار الرشيد، بغداد، 1975م، ص 172.
  • بهاء الدَّين عطية عبد الكريم الجنابي، مبدأ التكامل في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، أطروحة دكتوراة مقدمة إلى كلية القانون، جامعة الموصل، 2005م.
  • د. ثروت بدوي، النظم الساسية، 1975م.
  • جميل عبد الله القائفي، سلطات رئيس الجمهورية في الظروف الاستثنائية، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2006م.
  • جورج بوييه شمار، المسؤولية الجزائية في الآداب الآشورية والبابلية، ترجمة سليم الصويص، دار الرشيد، العراق، 1981م.
  • جورج سباين، تطور الفكر السياسي، دار المعارف، مصر الكتاب الثالث.
  • جون ماري هنكرتس ولويز دوزوالد. بك، القانون الدولي الإنساني العرفي، مصر، 2007م.
  • د. حامد سلطان وأ. د عائشة راتب وأ. د صلاح الدين عامر، القانون الدولي العام، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة الأولى، 1978م.
  • د. حسام علي عبد الخالق الشيخة، المسؤولية والعقاب على جرائم الحرب، دار الجامعة للطباعة والنشر، 2004م.

ثانيًا: الأبحاث والمقالات:

  • حسين عيسى مال الله، مسئولية القادة والرؤساء والدفع بإطاعة الأوامر العليا، بحث منشورفي كتاب القانون الدولي الإنساني منشورات اللجنة الدولية للصليب الأحمر، 2006م.
  • د. سمعان بطرس فرج، تعريف العدوان، المجلة المصرية للقانون الدولي، المجلد 24 السنة 1968م.
  • د. سمعان بطرس فرج الله، الجرائم ضد الإنسانية، إبادة الجنس وجرائم الحرب وتطور مفاهيمها، بحث منشور في كتاب دراسات في القانون الدولي الإنساني، تقديم الدكتور مفيد شهاب، دار المستقبل العربي، ط1 / 2000م.
  • شريف بسيوني، “محاكمة الطغاة بين عدالة القانون واعتبارات السياسة ” مجلة وجهات نظر، ع 32.
  • المستشار عبد الرحيم يوسف العوضي، المحكمة الجنائية الدولية: مدى حجية أَحكام القضاء الوطني بحث مقدم إلى الندوة القانونية العربية حول آثار التصديق والانضمام إلى النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، جامعة الدول العربية، للفترة من 3-4 شباط -2002م.
  • د. محمد محي الدين عوض، دراسات في القانون الدولي، مجلة القانون والاقتصاد، ع 4،3،2،1.
  • د. كمال حماد، جريمة العدوان إحدى الجرائم الخطيرة في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، الندوة العلمية، المحكمة الجنائية الدولية، تحدي الحصانة، جامعة دمشق، كلية الحقوق، 2001م.

(1) ويعترف بالحصانة كذلك الدستور الفرنسي الصادر عام 1958م، لا سيَّما (المادة 68) منه، التي تكفل حصانة مطلقة لرئيس الجمهورية فيما يتصل بالأعمال التي يقوم بها أثناء أدائه واجبه، إلا في حالة الخيانة العظمى وفقًا لآليات محددة، ومثلها (المادة 88) من الدستور البلجيكي، و(المادة 85) من الدستور المصري.

(2) علي صادق أبو هيف، المجتمع الإسلامي وأصول الحكم، مرجع سبق ذكره، ص514.

(3) لقد أخلت ألمانيا في عهد هتلر بهذه الحصانة، فقام هتلر بتحديد إقامة رئيس تشيكوسلوفاكيا، الدكتور هاشا، وتم حجزه في قصره ثم حرمانه من الطعام والخدمات بالرغم من شيخوخته ومرضه؛ مما أكرهه على التوقيع على معاهدة 15 مارس 1939م، التي فرضت الحماية الألمانية على إقليمي بوهيميا ومورافيا، وقد تم إلغاء هذه المعاهدة بعد الحرب العالمية الثانية؛ بسبب هذا الإكراه الذي لا يليق بما يتمتع به الحكام من حصانة دبلوماسية. راجع كتاب: (Dominique Carreau, Droit International, Ed. Pedone, Paris, 1984, p. 127).

(4) اعتبرت محكمة العدل الدولية أن مذكرة التوقيف الصادرة من القاضي البلجيكي (داميان فاندر ميرش) غير شرعية؛ لأنها تمس الحصانة التي يمنحها القانون الدولي لوزير الخارجية؛ ولأن الهدف منها ليس حماية شخصه بل أداء الوظيفة بحرية، راجع موقع محكمة العدل الدولية: www.icj-cij.org/docket/files/121/8125.pdf.

(5) صلاح الدين عامر، مقدمة لدراسة القانون الدولي العام، مرجع سبق ذكره، ص 967.

(6) راجع مواد قانون العقوبات اللبناني (15، 16، 17، 17، 18).

(7) هناك مفهومان متعارضان لمسألة الحصانة، نظرية الحصانة المطلقة ونظرية الحصانة المقيدة، راجع عادل ماجد، المحكمة الجنائية الدولية والسيادة الوطنية، مرجع سبق ذكره، ص 31.

(8) سوسن أحمد عزيزة، غياب الحصانة في الجرائم الدولية، رسالة ماجستير نوقشت في كلية الحقوق، في جامعة بيروت العربية، في عام 2011م، ص61.

(9) عبد العزيز سرحان، مبادئ القانون الدولي العام، دار النهضة العربية، القاهرة، 1980م، ص 429.

(10) إبراهيم العناني، القانون الدولي العام، مرجع سبق ذكره، ص 429.

(11) علي صادق أبو هيف، القانون الدبلوماسي، منشأة المعارف، الاسكندرية، 1987م، ص 45.

(12) أحمد أبو الوفا، الوسيط في القانون الدولي العام، دار النهضة العربية، القاهرة، 2004م، ص 415.

(13) محمد الخشن، الوضع القانوني لرئيس الدولة في القانون الدولي، دار الجامعة الجديدة للنشر، الاسكندرية، 2005م، ص330.

(14) محمد المجذوب، الوسيط في القانون الدولي العام، مرجع سبق ذكره، ص 308.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى