دراسات أوروبية-أورومتوسطيةنظرية العلاقات الدولية

انعكاسات البريكسيت على موازنة الاتحاد الأوروبي

اعداد : د. بوخاري لحلو – أستاذ الاقتصاد والتمويل الدولي

عجنق كلتوم عابد فطيمة (طلبة دراسات عليا) جامعة محمد البشير الابراهيمي الجزائر

تعد بريطانيا من بين أكبر الدول الأعضاء والمساهمين الرئيسيين في موازنة الاتحاد الأوروبي بعد ألمانيا وفرنسا، وبالتالي فإن خروج بريطانيا سيخلف فجوة كبيرة في موازنة الاتحاد الأوروبي. وهناك مخاوف من أن يؤدي النقص في الإيرادات إلى توتر داخل الاتحاد، وتختلف الآثار على الموازنة العامة للاتحاد الأوروبي في المدى القصير عن الآثار التي سيتركه قرار المغادرة في المدى المتوسط. كما يجب على بريطانيا الوفاء ببعض الالتزامات المالية في موازنة الاتحاد الأوروبي التي وعدت بها قبل اتخاذ قرارها في الانسحاب من الاتحاد الأوروبي.

أولا: مساهمة بريطانيا في موازنة الاتحاد الأوروبي:

تعتبر بريطانيا من المساهمين الرئيسين في موازنة الاتحاد الأوروبي، حيث قدرت مساهمتها في عام 2015 بما يقارب 13% من المبلغ الاجمالي. والشكل الموالي يبين حصة بريطانيا في موازنة الاتحاد الأوروبي.

أثرت نتائج الاستفتاء لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على موازنة الاتحاد الأوروبي لعام 2016، فقد ترجم الانخفاض الأخير في الجنيه الإسترليني مقابل اليورو في انخفاض كبير في مساهمة بريطانيا في موازنة الاتحاد الأوروبي.[ii] ويؤدي انخفاض قيمة الجنيه الإسترليني إلى التأثير في مساهمة بريطانيا في موازنة الاتحاد بشكل مزدوج:[iii]

أولاً: إذا حدث الانخفاض خلال سنة واحدة، كما هو الحال في عام 2016، فإن المدفوعات الإجمالية في بريطانيا باليورو ستصبح أقل، ويرجع ذلك إلى أن مساهمات المالية في موازنة الاتحاد الأوروبي تحدد في البداية باليورو، وبعد ذلك تحول إلى عملات وطنية بسعر يحدد وقت اعتماد الموازنة للدولة العضو، ثم تسدد المبالغ المعطاة بعملتها، ومنه فإن انخفاض قيمة الجنيه الإسترليني في عام 2016 قد ترك بالفعل أثرا في الموازنة بحوالي 1.7 مليار يورو مقارنة بالسنة السابقة.

ثانيا: انخفاض قيمة الجنيه الإسترليني قد يسبب ارتفاع المساهمات المقدمة من بريطانيا في السنوات القادمة، وفي الوقت نفسه قد تنخفض المساهمات باليورو، حيث أن ضعف الجنيه الإسترليني يمكن أن يجعل الاقتصاد بريطانيا يبدو أصغر.

ثانيا: الآثار قصيرة الأجل ومتوسطة الأجل للبريكسيت على موازنة الاتحاد الأوروبي:

من المنتظر أن يترك خروج بريطانيا أثرين مختلفين على موازنة الاتحاد الأوروبي، الآثار قصيرة المدى والآثار متوسطة المدى.

أ-الآثار قصيرة الأجل:

تتمثل الآثار قصيرة الأجل في الخسارة التي تحدث في إيرادات موازنة الاتحاد الأوروبي والمتمثلة فيما يلي:[iv]

من المحتمل أن تترك بريطانيا الاتحاد الأوروبي رسميا في مارس 2019 وهو احترام لفترة السنتين المشار إليها في المادة 50 من المعاهدة على سير عمل الاتحاد الأوروبي، بالتالي ستتوقف بريطانيا عن دفع مساهمتها في موازنة الاتحاد الأوروبي، الذي سوف يؤدي إلى خسارة صافية لهذا الأخير، حيث بلغت المساهمة الصافية للمملكة المتحدة في المتوسط إلى 10 مليار يورو في السنوات الأخيرة، إذن ستكون الخسارة السنوية لإيرادات موازنة الاتحاد الأوروبي بنفس المقدار (10 مليار يورو) أي (من% 6 إلى 7%) من الموازنة الحالية. أما إذا أرادت بريطانيا المشاركة في بعض البرامج الأوروبية أو الوصول إلى السوق الأوروبية الموحدة فإنه يجب عليها المحافظة على مساهمة جزئية في الموازنة الاتحاد الأوروبي.

وفي تقرير صدر عن المقرر العام للجنة المالية لمجلس الشيوخ لتقييم أثر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ينتظر أن تكون هناك العديد من السيناريوهات. السيناريو الأسوأ هو عندما تتوقف بريطانيا عن دفع جميع الاشتراكات في موازنة الاتحاد الأوروبي، أما إذا كان هناك اتفاق ثنائي مع الاتحاد الأوروبي مثل (النموذج السويسري) فالخسارة في موازنة الاتحاد الأوروبي تعادل من 7 إلى 8 مليار يورو، أو أقل إذا انضمت بريطانيا إلى المنطقة الاقتصادية الأوروبية أي (النموذج النرويجي).

علاوة على ذلك، فإن تاريخ وقف مدفوعات بريطانيا لموازنة الاتحاد الأوروبي يمكن أن يكون كذلك موضوعا للمفاوضات، أولا الانتظار حتى النهاية الإطار التمويلي المتعدد السنوات من 2014 حتى 2020 الذي يجب أن يكتمل في نهاية عام 2020، ثانيا عند مغادرة بريطانيا يحين الوقت لوضع سياسات وطنية جديدة.

ب- الآثار الهيكلية:

يوجد العديد من الآثار متوسطة المدى، تتمثل فيما يلي:[v]

سيكون لخروج بريطانيا تأثير كبير على حجم وتكوين الإطار المالي الضريبي بعد 2020، هذه الآثار الهيكلية هي أقل بروزا اليوم ولكن يحتمل أن تكون أكثر أهمية للاتحاد الأوروبي.

سيؤدي خروج بريطانيا إلى حدوث فجوة تمويل دائم للسنوات القادمة، والذي يمكن أن يكون معادلاً لمبلغ المساهمة المالية لبريطانيا في موازنة الاتحاد أو أقل، وذلك اعتماداً على شروط اتفاق خروج بريطانيا.

احتمال أن يكون خروج بريطانيا مدمرا أكثر، من خلال انخفاض في إجمالي الدخل القومي (الدخل القومي الإجمالي للاتحاد الأوروبي) وهذا يمكن أن يؤدي إلى انخفاض كبير في موازنة الاتحاد الأوروبي بالأرقام المطلقة، إذا كان مجلس الاتحاد الأوروبي يقدر على أن الموازنة لا تزيد عن 1% من الدخل القومي الإجمالي في دول الاتحاد الأوروبي.

خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيغير ديناميكيات المفاوضات في مجلس الاتحاد الأوروبي. ولن يؤدي إلغاء المساهمة بريطانيا في موازنة الاتحاد الأوروبي إلى تغيير في مساهمات دول الأعضاء الأخرى فحسب، ولكن خروج دولة من الدول الأعضاء من أكبر المساهمين قد يؤثر على الديناميكيات الداخلية في تحالف المساهمين الصافيين في موازنة الاتحاد الأوروبي

ثالثا: الالتزامات المالية لبريطانيا في موازنة الاتحاد الأوروبي:

قبل أن تخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عليها الوفاء ببعض الالتزامات المالية في موازنة الاتحاد الأوروبي التي وعدت بها قبل اتخاذ قرارها في الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، وهذه الالتزامات المالية تقف عائقا في طريق خروجها السلس من الاتحاد الأوروبي، حيث تقدر هذه الفاتورة بـقيمة 60 مليار يورو، والتي يجب على بريطانيا دفعها للاتحاد الأوروبي، وترى اللجنة أن بريطانيا قطعت التزامات مالية وهي ملزمة قانونا مع الاتحاد الأوروبي، وأنه يجب أن تلتزم بها سواء داخل الاتحاد أو خارجه، أما في حالة رفض بريطانيا لدفع هذه الالتزامات المالية سيعرقل ذلك مكانتها كعضو يحترم القانون في المجتمع الدولي.[vi]

وتتمثل هذه الالتزامات المالية في الالتزامات غير المدفوعة في موازنة الاتحاد الأوروبي، والخاصة بالالتزامات التقاعدية وضمانات القروض والإنفاق على المشاريع التي تتخذها بريطانيا كجزء من مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.[vii]

هناك مجموعة من الإجراءات في محاولة لإصلاح هيكل إيرادات موازنة الاتحاد الأوروبي تتمثل فيما يلي:

مناقشات بشأن الإطار المالي متعدد السنوات بعد عام 2020 لمعالجة مسألة الموارد الخاصة من موازنة الاتحاد الأوروبي اليوم، يمول موازنة “الاتحاد الأوروبي” أكثر من 70% من مساهمات الدول المحسوبة بنسبة دخلها القومي الإجمالي.

ستكون هناك حاجة إلى اعتماد قرار جديد بشأن الموارد الخاصة، والتي تتطلب الإجماع في مجلس الاتحاد الأوروبي، فضلا عن موافقة الدول الأعضاء وفقا لقواعدها الدستورية الخاصة بكل منها، كما يتطلب إنشاء مورد جديد مثل فرض ضريبة على دخل الشركات يمكن أن يكون موردا جديدا في موازنة الاتحاد الأوروبي. [viii]

توسيع حصته من إيرادات ضريبة القيمة المضافة.

فرض ضرائب جديدة على القطاع المالي.[ix]

الخاتمة:

يتضح جليا أن خروج بريطانيا سيترك عدة آثار على موازنة الاتحاد الأوروبي، حيث من المنتظر على المدى القصير أن تنخفض الإيرادات السنوية لموازنة الاتحاد الأوروبي في المتوسط بـ 10 مليار يورو، أي (من% 6 إلى 7%) من الموازنة الحالية،كما ترجم الانخفاض في قيمة الجنيه الإسترليني مقابل اليورو إلى انخفاض كبير في مساهمة بريطانيا في موازنة الاتحاد الأوروبي سنة 2016، أما على المدى المتوسط فسيترك قرار الخروج مجموعة من الآثار،إذ سيؤدي خروج بريطانيا إلى حدوث فجوة تمويل دائم للسنوات القادمة، وانخفاض في إجمالي الدخل القومي للاتحاد الأوروبي)، بالإضافة إلى تغيير ديناميكيات المفاوضات في مجلس الاتحاد الأوروبي، وقبل إتمام عملية الخروج يتوجب على بريطانيا الوفاء ببعض الالتزامات المالية في موازنة الاتحاد الأوروبي التي وعدت بها قبل اتخاذ قرارها في الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، حيث تقدر هذه الفاتورة بـقيمة 60 مليار يورو.

الهوامش والمراجع:

Mihai SEBE, Die another day. Brexit and its impact upon the European Union. A view from Romania, Institute of European Democrats, Bucharest, July 2016, p16.

[ii]Jörg Haas, Eulalia Rubio, BREXIT AND THE EU BUDGET: THREAT OR OPPORTUNITY?, JACQUES DELORS INSTITUTE, Berlin, 16 JANUARY 2017, P 03.

[iii] Ewa Chomicz, EU budget post-Brexit Confronting reality, exploring viable solutions, European policy centre Brussels, Belgium, 7 March 2017, p 16.

[iv] François MARC, “Le budget européen à l’épreuve du Brexit”, Conférence organisée par le Centre d’Excellence Jean Monnet de RENNES Lundi 27 février 2017, p p 07 08.

[v] Jörg Haas, Eulalia Rubio, ibid, p 05.

[vi] Alex Barker, The €60 billion Brexit bill How to disentangle Britain from the EU budget, centre for European reform, February 2017, p 02 03.

[vii] Oscar Williams-Grut, The EU wants to force Britain to pay up to €60 billion to leave, Available on site http://www.businessinsider.fr/uk/eu-wants-up-to-60-billion-exit-fee-in-brexit-negotiations-article-50-2016-11/

تاريخ الاطلاع: 11-05-2017، الساعة: 11:00

[viii] François MARC, ibid, p 11.

[ix] Mihai SEBE, ibid, P 16.

تحريرا في 26-11-2017

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى